توقعات ليلى عبد اللطيف لسنة 2016

النهار

اطلت كعادتها ليلى عبد اللطيف على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال حاملة معها توقعات السنة الجديدة، و هذا ابرز ما قالته.

على الصعيد اللبناني:

تحمل سنة 2016 رئيسا للجمهورية و يملىء الفراغ الرئاسي. اما حكومة الرئيس تمام سلام فتستقيل ويتم تشكيل حكومة أخرى.

المتظاهرون يعودون الى الشارع و احداث امنية ستطرأ على الوضع الداخلي وسقوط شهداء.

محاولة اغتيال مصيرها الفشل لشخصية عسكرية لبنانية.

اللواء عباس ابراهيم مدير الامن العام سيصبح شخصية العام نتيجة عمل مهم سيتكلل بالنجاح.

احباط عملية هجوم على سفارة عربية في العاصمة اللبنانية واجواء بلبلة امام قصر العدل.

قانون اعطاء المرأة اللبنانية الجنسية يشهد حلا بعد اعوام على مناقشة القانون.

قضايا الفساد في لبنان تشهد محاكمات .

اعتداء جنسي على احدى الفنانات .

عفو دولي يحصل عليه لبنان عن بعض الديون المستحقة خلال العام 2016.

لقاء تاريخي يجمع بين الدكتور سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية وتقارب  مثمر بين حزب الله والرئيس سعد الحريري.

رجل سياسي لبناني يدعى ميشال في ذمة الله .

لبنان لن يكون في العامً2016 في دائرة الخطر الاقليمي .

حزب الله يرد على اغتيال سمير القنطار .

على الصعيد الاقليمي:

انحسار الازمة السورية و بشار الاسد يزور طهران

 تظاهرات صد حكومة نتنباهو.

تغييرات في المملكة الاردنية الهاشمية.

الفاتيكان سيكون محط الانظار

وعكة صحية يتعرض لها امير دولة الكويت .

السعودية ستشهد اعلى رواتب في المنطقة وستقوم بعفو عن سجناء

فساد يطال دولة البرازيل.

 

محمد عفيفي مطر يُبْعَثُ في ملكوت عبد الله

كتب فراس حج محمد

محمد عفيفي مطر، شاعر مصري ولد بمحافظة المنوفية تخرج في كلية الآداب ـ قسم الفلسفة. حصل على جائزة الدولة التشجعية في الشعر عام 1989 وحصل على الجائزة التقديرية عام 2006. توفي في 28 يونيو 2010.

أصدرت له مؤخرا دار الصدى/ دبي ديوان شعر بعنوان "ملكوت عبد الله"، وهو الإصدار رقم (140) من سلسة كتب مجلة دبي الثقافية/ العدد (127)- ديسمبر/ 2015 (يوزع مجاناً)، وما يميز هذا الإصدار أن القصائد كلها منشورة بخط يد الشاعر، مما يمنح الديوان أهمية خاصة في دراسات نقدية غير تقليدية.

تحتل القصائد من الكتاب (115) صفحة من مجموع صفحات الكتاب الـ (122)، وجاء في بابين؛ الأول تحت عنوان "طريات عبد الله"، واشتمل على (11) قصيدة، والثاني "رعويات عبد الله"، واشتمل على (13) قصيدة.

ومن الملاحظ أن كل النصوص مؤرخة، فأقدم نص 10/10/2006، وآخر نص 16/1/2009، ولم تكن في الكتاب مرتبة ترتيبا زمنيا؛ تصاعديا أو تنازلياً، وكتبت أغلب النصوص في قريته رملة الأنجب، وهي إحدى قرى محافظة المنوفية، وهناك نص كتب في رملة الأنجب وفي القاهرة أيضاً، وخمسة نصوص كتبت في القاهرة، ونص واحد لم يثبت مكان كتابته، ولعله سهو، فلا يخرج المكان عن أن يكون في رملة الأجدب أو القاهرة.

تدور قصائد الديوان حول شخصية أطلق عليها الشاعر اسم "عبد الله"، ليرسم سيرة لعالم هذا المواطن العربي، ويكتسب الاسم دلالة خاصة، ففيه مراوغة بين العلمية وبين النكرة؛ فكل شخص هو عبد الله، ولذلك صارت شخصية عبد الله في الديوان ذات ملامح عامة لمواطن فقير يعيش على البساطة ويرتبط بالأرض وأشيائها بعيدا عن الحضارة الحديثة ومفرداتها، فهو رعوي وصياد، لا يعرف غير مفردات الأرض وأشجارها وحيواناتها وطيورها.

ولعلّ القصيدة الأخيرة في الديوان، وهي آخر القصائد كتابة حسبما يشير التاريخ المشار إليه أعلاه، تعبر عن شخصية عبد الله وملكوته، وتقارب تلك الملامح المرسومة في هذا الديوان، لتنتهي القصيدة على لسان عبد الله نفسه قائلا:

"ما ثَمّ من أهل ولا بيت ولا بلد سوى
وتدين من سنط وجميز
على جدران عمري
شاهدين وشاخصين
وسوى المسافة بين رمس حنينها وترابها" 

اشعار صبري يوسف بالانكليزية

منشورات دار صافي
سياتل ــــ  واشنطن


بعد جهودٍ مكثّفة على مدى أكثر من عام وبضعة شهور، ونحن على وشك أن نودّع عام 2015، أنهى فريق دار صافي مشروعه الضَّخم، بترجمة أوَّل مجلَّد شعري من العربيّة  إلى الإنكليزيّة بهذه الضَّخامة والفرادة الشِّعريّة، حيث يضمُّ المجلّد الأوَّل عشرة أجزاء لقصيدة شعريّة واحدة، نصٍّ مفتوح، بعنوان "أنشودة الحياة" للشاعر والأديب التَّشكيلي السُّوري السُّويدي الأستاذ صبري يوسف.
يتألّف هذا المجلّد الكبير من 776 صفحة من القطع المتوسِّط، (والنَّص الأصلي بالعربيّة يتألّف من 1000 صفحة من القطع المتوسّط)، والكتاب حالياً أصبح تحت الطّبع. وقد قام بترجمة الكتاب المترجم الأستاذ سلمان كوريمون، وقام فريق العمل في دار صافي بترجمته على مدى ستَّة شهور وقد تمَّ تدقيقه عدّة مرّات من قبل ورشة التَّدقيق، وقد ساعدنا الأستاذ صبري يوسف بصبره الَّذي لا حدود له وبحرفيّة من خلال مراجعته لوضع لمساته الفنِّيّة في مراحل التَّدقيق والتّصميم والإخراج الخاص بتموضع العناوين الفرعيّة، الّتي كانت على مراحل كثيرة وعديدة إلى أن وصلنا بصيغته النَّهائيّة ودفعه إلى بهاءِ النّور.
إنَّ رسالة الشّاعر صبري يوسف عبر نصّه المفتوح، الَّذي حمل عنوان: "أنشودة الحياة" وعناوين فرعيّة لكلِّ جزء من أجزاء الأنشودة، هي رسالة إنسان محب للحياة، ومركّزاً على ترسيخ إنسانيّة الإنسان عبر آفاق نصّه المفتوح على مدى أجزاء الأنشودة، وهي رسالة شاعر يريد أن يرسم العالم بفرشاته أحياناً وبكلماته وصوره الشّعرية أحياناً أخرى، وهو القائل: "الشِّعر والرَّسم وجهان لعشقٍ واحد هو الإبداع"!
ودار صافي لها الشَّرف في ترجمة ونشر هذه الرِّسالة الإنسانيّة الجّانحة نحو مرافئ السَّلام والوئام بين البشر كلّ البشر، وكم نحن بحاجة لهكذا رسالة نقدّمها للعالم وخاصة في هذا الوقت بالذَّات.
هذا المجلّد الفريد في مضمونه ومواضيعه الإنسانيّة العميقة، يضم أسماء ودلالات ثقافيّة عن المجتمع الشَّرقي بكلِّ أطيافه وآفاق تطلُّعاته، وقد تمَّ توضيح الكثير من التَّعابير وأسماء الأمكنة وأسماء الشُّعراء من قبل الشّاعر عبر الهوامش لمعظم الدّلالات والتَّرميزات وقد تمَّ شرحها بشكل مبسَّط كي تتوضَّح أبعاد معانيها ودلالاتها في سياق النّص.
نحن فخورون بإنجاز هذا العمل الجَّميل والخلَّاق مع فريق عمل دار صافي ومع جهود الكاتب المميّزة وصبره معنا خلال مراحل التَّرجمة والتَّدقيق. ولنا الشَّرف بأن نكون جزءاً من هذه التَّجربة الإنسانيّة الأدبيّة لنشر قيم التَّسامح والسَّلام والحب في العالم وهذا هو هدف دار صافي في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
مبارك لنا وللشاعر والأديب والفنّان الأستاذ صبري يوسف، لهذه الأنشودة الَّتي تناجي قلوب البشر، كأنَّها أنشودة الزّمن الآتي، زمن التَّركيز على نشر ثقافة السَّلام والمحبّة عبر الكلمة الجّانحة نحو العمق الإنساني في شتّى أصقاع المعمورة!.

آمال عوّاد رضوان تكتب: حيفا تقطرُ شعرًا وإبداعًا

 


أقامَ نادي حيفا الثقافيّ والمجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ/ حيفا ومؤسّسة الأفق للثقافة والفنون أمسيةً شعريّة للشاعر إياس يوسف ناصر، احتفاءً بديوانه "قبلة بكامل شهرزادها"، وذلك بتاريخ 17-12-2015 في قاعة كنيسة ماريوحنا الأرثوذكسيّة في حيفا، وسط حضور من الأصدقاء والأدباء والأقرباء، وقد تولّت عرافة الأمسية خلود فوراني سرية، ورحّب المحامي فؤاد نقارة "رئيس نادي حيفا الثقافيّ" بالحضور، وقدّم الكاتب عفيف شليوط مدير مؤسّسة الأفق للثقافة والفنون كلمة، عن مؤسّسته وعن تجربته مع المحتفى به، وقدّم الكاتب يوسف ناصر (والد الشاعر إياس ناصر) كلمة شكر لنادي حيفا الثقافيّ ولمُنظمي الأمسية وللحضور، ثمّ قدّم المُحتفى به إياس عددًا من نصوصِهِ الشعريّة، وتخللت الأمسية مداخلة فنيّة لكلّ مِن: الفنانة روزان بولس وعازف العود الفنان سمير مخول، وفي ختام الأمسية شكرّ الشاعر إياس الحضور، وتمّ توقيع ديوانه والتقاط الصور التذكاريّة! 
مداخلة عريفة الأمسية خلود فوراني سرية: مساؤكم نديٌّ بنور حيفا والكلمة. مساءٌ يليقُ مقامًا ووفاءً بشاعرنا الجليليّ، وقد قادتهُ خطاهُ إلينا، حاملًا في جعبتهِ عملًا إبداعيًّا جديدًا.
(قبلة بكامل شهرزادها) تجمعُنا هذا المساء، وشهرزاد بكامل عنفوانها تحملنا على جناح يمامة إلى حيث يطيبُ البقاء، وإياس نلصر في إبداعه الجديد فارسٌ قادمٌ على صهوةِ الشعر، فيضٌ رهينُ المشاعر والحواسّ، عباراتُهُ شاردةٌ من زمن إبداع قد سقط منه الإبداع.
اعذروني ففي حضرة إياس يستحيلُ أن أقفَ على الحياد! فأنّى لي الحياد وأنا امرأة مسكونة بالشعر؟! منذ طفولتهِ الشعريّةِ كان إياس يُجالسُ السموأل، والمُهلهلَ، والنابغة الذبياني والأعشى، فهطلت أمطارُ القصائد من بين أناملهِ شعرًا عذبًا. عِشقُهُ الأزليُّ للغة العربيّةِ كان سببًا في تفوّقِهِ الأكاديميّ، ونيلِهِ تسع جوائز تفوّقٍ، من بينها جائزة رئيس الجامعة العبريّة في دراسته للقب الثاني في الأدب العربيّ والأدب المقارن.
خلالَ دراستهِ الجامعيّةِ وبدافع انتمائهِ الصادق للهُويّةِ القوميّة، أسّسَ جمعيّة النبراس للغة العربيّة، حيث وضعت الجمعيّةُ  نُصبَ عينيْها الحفاظ على اللغة، واستنهاضَ الهِمم البليدة، وصهْرَ حاجز الجليد بين الطالب ولغته العربيّة.
يعملُ محاضرًا للغة العربيّةِ في الجامعة العبريّة في القدس زهرة المدائن، وهو بصددِ إتمام رسالة الدكتوراه في الشعر الجاهليّ. يُؤمن إياس أنّ وظيفتَهُ كشاعر أن يَنقلَ المَشهدَ الشعبيّ الكبير. هذا ما فعلهُ خلالَ أربعة عشر عامًا من نظم الشعر، وبدا في أسمى تجلّياتهِ في مجموعتيْهِ الشعريّتيْن "قمح في كفّ أنثى"، عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، وعن مكتبة كلّ شيء لصاحبها صالح عباسي عام 2012، والذي احتفينا به تحت قبّة هذا الصّرح الثقافيّ، ومن على هذه المنصّة قبل ثلاثة أعوام، وبــ "قبلة بكامل شهرزادها" عن مؤسّسة الأفق اليوم، ولا يَخفى على أحد التقدّمُ والتميّز الملحوظان في "قبلة بكامل شهرزادها"، مقارنةً مع مجموعتهِ الأولى.
لمَن يقرؤون شعر إياس ناصر: لا تعذبوا أنفسَكم في تصنيفه! هو شاعرٌ خارج التصنيف، فلا هو تقليديّ ولا حداثويّ، ولا هو كلاسيكيّ ولا رومانسيّ، ولا رمزيٌّ ولا ماضويٌّ ولا مستقبليّ، إنّه هذا المزيج! "مزيج حريّة" ومزيج حضاريّ من الماء والنار والكبرياء.
لقد حظيت مؤسسة الأفق للثقافة والفنون بمديرها الأستاذ الكاتب عفيف شليوط، بشرف إصدار المجموعة الشعريّة الثانية، ولا غرابة في خضوع الكلماتِ وانحناءِ الورق لعائلة الأستاذ يوسف ناصر(ابو غياث)، وقد ملكَ الوالدُ ناصية اللغة وحملَ رايتَها، فرضعَ الأبناءُ حليبَ الإبداع، وما كان لهذه الكوكبة أن تسمو وترقى (كوكبة أبنائه غياث، جرير، عروة، قيس وإياس)، دون درب الآلام التي سارَ عليها مبدعُ هذه الكوكبة، سادن اللغة العربيّة الشاعر والمُربّي يوسف ناصر، كيف لا وهو القائل: "ما سقطت أمّةٌ إلّا بعد أن سقطت لغتها مِن ألسنتها". بارك الله تلك العلاقة الأدبيّة الحميمة في الوقوف دائمًا على أسرار اللغة العربيّة وخصائصها، وما زال الأستاذ يوسف مع شريكته ورفيقة دربه الكنفَ الذي احتضن الأبناءَ، فنبتت الفروعُ على جذوره العميقة.
أدعوكم أعزائي لامتطاء حصان الشعر، في رحلةٍ شعريّةٍ ومفرداتٍ تقطرُ برحيق الإبداع من فضاء "قبلة بكامل شهرزادها" بصوت وأداء الشاعر، فأنا كلّما سمعت إياس يلقي شعره أيأس مِن مفرداتي! فهو رائع، لدرجة أنّني حين أفكّرُ بروعته ألهث، وتلهث لغتي وتلهث مفرداتي.
ولأنّ الموسيقا أسمى من أن تكون للهو والعبث، ولأن الموسيقا تطهيرٌ للنفس وراحةِ للقلب، تُطلّ علينا صاحبة الخامة الصوتيّة المميّزة ابنة كفر ياسيف المنارة الفنانة روزان بولس، يُرافقها بالعزف على آلة العود ابن قرية البقيعة، بينابيعها الرقراقة التي تروي زيتون الأجداد الفنان القدير سمير مخول، وموسيقاه الباعثة في النفوس راحة وجمالا وسكينة.
ولأنّ الشّعرَ هو كلمة السّرّ، حيث أمامه تتفتّحُ كلُّ الأبواب، فإنّ أبجديّتي تخونُني حين أودّ أن أشكر، وإنّ ثماني وعشرين حرفا من الأبجديّة العربيّة، لا تكفي لتغطي بوصةً واحدةً من مساحة شِعرك إياس! وأخيرًا، لا يسعني إلّا أن أدعو لك وأقول: سلمت يمينُكَ وبنات شفاهك، وسلم يراعُك وتِبرُكَ ومدادُ قلمك. لك العلاء.
واسمحوا لي أن أشكرَ كل مَن دُعِي فلبّى، ومَن اختصرَ المسافاتِ وحضرَ، وأقدّمُ خالصَ الشكر والعرفان لنادي حيفا الثقافيّ، وأخصّ بالذكر زميلي رئيس النادي المحامي فؤاد نقارة، المُحرّك الرئيس للنشاطات الثقافيّة المُبارَكة هذه، والتي ما كانت لتُعقدُ لولا الرعاية السخيّة للمجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ الممثل بالأستاذ جريس خوري معنا، فألف ألف شكر لهم. شكرًا للمشاركين، للفنانين ولمّن حضر ونظّم ومن المجهود ما اختصر، الأخ فضل الله مجدلاني، لكم جميعًا نحن ممتنّون ولآيات حضوركم مقدّرون. 
قلبي شراع/ إياس ناصر
قلبي شراعٌ ببحرِ الحبِّ يا وطني/ فهل تخافُ عليَّ الموجَ والرّيحا؟!
إنّي ابنُ حيفا وطنطورا وناصرةٍ  / وعيلبونٍ.. وسحماتا.. وترشيحا
إنّي الجليليُّ... عنقودٌ بداليةٍ / ووردةٌ فتّحَتْ في الصّخرِ تفتيحا!
يا أجملَ الحبِّ، كم أهواكَ يا وطني / يا من بجسمي سكنتَ القلبَ والرّوحا
فهل تخافُ؟! وعندي ألفُ أغنيةٍ / أبقتْ لأجلِكَ بابَ الحبِّ مفتوحا!
فليبقَ حبُّكَ... آياتٍ أرتِّلُها / في سورةِ القلبِ تقديسًا وتسبيحا
عين كـــارم/ إياس ناصر
يا عينَ كارمَ... إنّي أَعرفُ السَّبَبا / فلا تزيدي عليَّ اللّومَ والعَتَبا...
ستّونَ عامًا... ولم أعثرْ على لغةٍ / تحكي كعينيكِ عن بيتٍ لنا سُلِبا!
وعن حقولٍ من الزّيتونِ نَقطِفُها / وعن نسيمٍ يناغي التّينَ والعِنَبا
ستّونَ عامًا... ولم أنظرْ إلى حجرٍ  / إلّا أعادَ إلى عينيَّ من ذَهَبا
ستّونَ عامًا... وأطلالٌ أسائلُها / مثلَ امرئِ القيسِ، عمّن غابَ واغتربا
ستّونَ عامًا... وقنديلي يرافقُني / يُضيءُ وَجْدًا.. عساني ألتقي العربا!!
***
ما زالَ يسألُني عن بيتِهِ رجلٌ / وعن تلالٍ تنادي الشّمسَ والشُّهُبا
يومَ التقينا رأيتُ الرّيحَ تَـحمِلُهُ / والشّوقَ يَـجلِدُ فيهِ القلبَ والهُدُبا
والذّكرياتُ.. يماماتٌ يُطيِّرُها / فتَحملُ العُمْرَ في مِنقارِها حِقَبا..
"من أينَ أنتَ؟!" أجابَ الدّمعُ في فمِهِ: / "من عينِ كارمَ لا زهوًا ولا عجبا!"
واسترسلَ العمُّ في إخبارِ قصّتِهِ / وراحَ يحكي... كطفلٍ ضيَّعَ اللُّعَبا
"قد جئتُ يومًا إلى بيتي بقريتِنا/ قرعتُ بابي.. فهبَّ الصّوتُ مُلتَهِبا
من أنتَ؟! من أنتَ؟! هيّا اذهبْ ولا تُرِني/ غرابَ وجهِكَ... إنّي أكرهُ الكَذِبا!
فعدتُ أَحملُ أوطاني على كتفي / وأَحملُ البيتَ والقرميدَ والقُبَبا
ولا أزالُ لهذا اليومِ أَحملُها / وأشربُ الشّمسَ والأمطارَ والسُّحُبا
حتّى غَدَوتُ غريبًا فيكَ يا وطني / بيتي قريبٌ... ولكنْ لستُ مقترِبا!
فيا لَحجمِ مآسينا ونكبتِنا / حتّى بأرضي أعيشُ العُمْرَ مغتربا!"
***
يا عينَ مريمْ.. ألم تبكي على وطني؟! / كما بكيتِ على الفادي الذي صُلِبا!
هل حكمةُ اللهِ.. أن يغتالَنا قَدَرٌ / وأن نرى قَدَرًا في كلِّ ما خَرِبا؟!
أقدارُنا... مثلُ مكتوبٍ يطمئنُنا / لو أُعطِيَ النّصرُ للمغلوبِ ما غُلِبا!
أقدارُنا البنجُ في شريانِ صرختِنا / وكذبةٌ حوّلتْ أحزانَنا خَشَبا
أقدارُنا... أن نعاني كلَّ ثانيةٍ / ونشكُرَ اللهَ ما أعطى وما وَهَبا!!
لا عدلَ في الأرضِ إلّا حينَ نُوجِدُهُ / ولا كرامةَ للإنسانِ ما اغتُصبا
لو كان للهِ وجهٌ والتقى وطني / لمسَّحَ الدّمعَ عن عينيهِ والتّعَبا...
يا عينَ كارمَ... يا سيفًا بذاكرتي / ويا حصانًا جميلًا ضاعَ وانقلبا
قرأتُ وجهَكِ في أيّامِ صُحْبتِنا / حتّى اختصرتُ بهِ التّاريخَ والكُتُبا
وقمتُ أكتُبُ في عينيكِ من أدبي / فصارَ وجهُكِ عنّي يَكتُبُ الأدبا
إنّ البيوتَ، وإنْ أصحابُها رَحَلوا / تبقى الحجارةُ عنهُمْ خيرَ ما كُتِبا
ونحن نبقى كوجهِ الشّمسِ في وطني / من جاءَ يَطردُنا، فليحترقْ غَضَبا!
كلُّ الدّروبِ إلى روما مؤدّيةٌ / صَحِّحْ كلامَكَ.. وانظرْ فيهِ محتسِبا!
كلُّ الدّروبِ إلى أرضي مؤدّيةٌ / باقونَ فيها... نَلُمُّ الدّهرَ والحِقَبا...

إطلاق كتاب للدكتور جمال زعيتر بعنوان: شيء من الحياة، دراسة في لوحة الفنان شوقي دلال مسيرة حياة

الدكتور جمال زعيتر يقدم الكتاب للفنان شوقي دلال
"جمعية محترف راشيا" و"تجمع البيوتات الثقافية في لبنان" يختتمان العام الثقافي 2015 بإطلاق الكتاب الحدث في المكتبة العربية والذي يتكلم عن لوحة واحدة للدكتور جمال زعيتر وبعنوان "شيء من الحياة، دراسة في لوحة الفنان شوقي دلال مسيرة حياة".
الإحتفال أقيم في مقر جمعية محترف راشيا وبحضور أمين عام تجمع البيوت الثقافية ورئيس جمعية محترف راشيا الفنان شوقي دلال والمؤلف الدكتور جمال زعيتر ورؤساء اندية وجمعيات من مختلف المناطق اللبنانية.
بداية مع النشيد الوطني اللبناني وإلى كلمة دلال مرحباً بالحضور وبمؤلف الكتاب الدكتور جمال زعيتر الذي شرفني بإغناء الفن ولوحتي بإصدار دراسة اكاديمية معمقة من 220 صفحة عن لوحة واحدة من أعمالي وهذا يحدث للمرة الأولى في المكتبة العربية أن نرى كتاب كامل عن لوحة حيث تكمن أهميته أنه مادة مهمة لمُدرسي مادة الفنون في الجامعات والمعاهد في كيفية قراءة اللوحة التشكيلية خاصة من أديب ومفكر وباحث مثل الدكتور جمال زعيتر مدير قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية، لهذا نحن سعداء في تجمع البيوتات الثقافية في لبنان وما نمثل من جمعيات واندية وصالونات ثقافية على طول مساحة الوطن أن نختتم العام الثقافي بإطلاق هذا الكتاب الحدث"...

من جهته شكر المؤلف الدكتور جمال زعيتر هذا الإحتضان الثقافي للكتاب من أهم تجمع ثقافي في لبنان بعد وزارة الثقافة وما يمثل من نُخبة من المفكرين والأدباء شارحاً الدكتور زعيتر ما هي الدوافع المهمة التي جعلته يغوص في عوالم اللوحة التشكيلية للفنان شوقي دلال وأهميتها كرؤية جديدة في فضاء الفن التشكيلي المُعاصر"...
وفي الختام وبعد مداخلات من الحضور قدم الدكتور زعيتر النسخة الأولى من الكتاب لفنان لوحته شوقي دلال وللسادة الحضور.

الدكتورة امال كاشف الغطاء تحاضر عن علاقة الدين بالدولة


كتب زهير الفتلاوي

 قدمت الدكتورة امال كاشف الغطاء محاضرتها القيمة ضمن سلسة محاضرات وندوت نقاشية  في المنتدى الثقافي للمجلس بحضور نخبة من اهل الفكر والتاريخ والإعلام حملت عنوان " الدين والدولة " تطرقت الدكتورة كاشف الغطاء الى العديد من االاحداث التاريخية التي تربط العلاقة الوثيقة مع كافة الاديان السماوية في الحكم والسياسة وقالت ان اول حادثة بهذا المجال هي قتل قابيل لهابيل ، وبينت ارتباط  العلم  مع  الدين والدولة وحياة الإنسان بشتى الاتجاهات والمجالات اذ قالت  كانت منذ أن وعى الانسان وجودة حيث انطلقت الشرارة الاولى في الصراع بين المزارعين  والرعاة وتمثل ذلك في قتل قابيل لهابيل كما أسلفت  ، وخلال تجوال الانسان وجد ان للحيوانات عاداتها ونظمها وطبائعها التي تعزز وجودها كالحرص على الوجود ضمن الجماعة وعلى التكاثر واستعمال اليات الدفاع المزودة بها . وألمحت  عن وجود  الطوفان في سابق العهد  ليهدد الكائنات الحية بالفناء وبما ان الدين يعتبر العلم من أساسياته وان الكوارث التي تهدد الكائنات الحية سببها جهل الانسان وسوء تصرفه. وقد عالج سيدنا نوح (ع) مشكله الطوفان بصنع سفينة لإنقاذ الكائنات الحية دون ان تغرق  وكانت   علمية أوجدت العلاقة بين الماء والخشب وطبقت قاعدة (ارخميدس)   قبل مايقارب خمسة الاف سنة من ظهورها تحوي السفينة تجويفاً كبيراً , ولذلك يكبر الحجم وتقل الكثافة وتكون هذه الكثافة أقل من كثافة الماء ولذلك تطبيقاً لقاعدة (أرخميدس)  فإنها تطفو فوق سطح الماء ، وأقر بوجود آله منظم لهذا الكون عن طريق كائنات فضائية تعطي المعرفة الى من هو اهل لها .

  وكان للنبي ابراهيم (ع) دور هام اذ انه اوجد بديل للتضحية بالابناء امام الالهه وبما انه بن المعبد نقل العلوم من اور الكلدانيين الى فراعنة مصر واعترف بالمرأة ككائن قادر على تحمل المسؤولية عندما ارسل هاجر وأبنها اسماعيل الى ارض صحراوية قاحلة ليحافظوا على الحرم الملكي بعيدا عن الاموويين والكنعانيين لم يلجا النبي ابراهيم (ع) الى الاوهام والطقوس والرفض امام الالهه والتضحيه بالبشر .  وجاء موسى ليضعنا امام شريعة مدونة تشبه شريعه حمورابي وصولون والبكلورنج فالدين عبارة عن طقوس ومحرمات الطقوس تتنازل الجانب (1) النفس و(2) الاجتماع .اما  المحرمات فهي النظام الارضي مثالا لذلك  فاللواط يهدد الجنس البشري والاسرة ويجب منع الجنس البشري من ممارسة رغباته بلا تنظيم وهذا مادعا اليه مؤخرا ليوتو لنوي .وغيرهم امثال  و د.ج . لورنس في عشيه الليدي شارلي وغابريل ماركيز في الحب من زمن الكوليرا وعلاء الاسوا من في عمارة يعقوبيان وامال كاشف الغطاء في رغبات تتحطم على الخط السريع .  ان العهد القديم باسفاره الاربعة والاخرى كسفر الحكمة والجامعة والامثال نجد التحريم والطقوس والتاريخ والحكمة كأبداع عظيم للجنس البشري . لقد عرف موسى (ع) ظاهرة المد والجزر فعبر البحر فهو بن الكهنوت المصري كما  عالج النبي يوسف (ع) محنة القحط في مصر باسلوب اقتصادي وانقذ بني اسرائيل من الجوع ولم يغزو اراض التوبه وسوريا لقد اوضح ان التحرش الجنسي يجعل من المرأة للرجل وهو يخضع لموازين القوة ويجب الوقوف بحزم ضده ، استطاع ان يعالج القحط الذي حل في مصر والاقوام المجاورة وانقذ بني اسرائيل من الجوع ولم يكن كغيره من الطغأة يغزو اراضي التوبه وسوريا للحصول على الطعام .  وحصل التغيير او اخذ الدين يتخلى عن علميته في معالجة الامور فعندما تقرر ان ينقل الدين من علاقة حميمة الى اداة للقتل والتهجير والمتجارة بالنساء وقتل بقية الناس من غير الاديان  الاسلامية  والطوائف  مثل ما يفعل اليوم تنظيم داعش الارهابي  . وعن  العائلة الاسرائيلية ذكرت كاشف الغطاء  الى الناس اجمع وهنا حدث الخيار اما تقبل جزء من الديانة الوثنية لكسب الناس او تقاوم لتخسر الكثير من علمائها وانبيائها (وهذا ماحصل بعد الخلافة الراشدية  و الفتوحات ) .  وكان الخيار الاول الذي جعل بعض رجال الدين من اجل بقائهم وكسب الناس لابتعاد عن الروح العلمية وآل الامر الى ممارسات بشعه لغرض الدين باسم محاربة الهرطقه والسحره وفي الاسلام محاربة الزندقه واخذت اوربا تعاني من النزعة التسلطية للدين وانه لايلبي متطلبات الانسان وظهر كتاب مفكرون مثل جان بول سارتر ومونتسكيو وابرز فيكتور هيجو رجل الدين الصالح في كتابة البؤساء كيف استطاع الاسقف ان يهدي جان فالجان ؟ ولكن فر رواية احدب نوتردام يبين ان الاسقف الانسان ينساق الى عواطفه للراقصه الغجرية اسميرالدا .

 ان المشكلة تنشأ عندما تتحكم المصالح والمنافع ويوضع بالتالي العلم جانبا.

  وكما قال شيخ فالح كاشف الغطاء انه يعطي النظام العملي للديانة اليهودية والمسيحية وبالاحرى الكتاب المقدس 

 ان الدولة التي قامت على اساس الدين كانت ترتدي رداء الدين ولكنها اقرب الى الوثنية ، فلايجوز في الاسلام والمسيحية قتل النفس وسلب الاموال وهتك الحرمات تحت اي مسمى كان ان مايحدث اليوم هو همجية مغولية شرسة بابشع انواعها لا تمت للدين ولا للاسلام بصلة .

ان  على الرغم من ان العلم قدم الكثير من اجل حياة الانسان ورفاهيتة فقد تطور على كل المستويات ولكنة عاجز عن معرفة كيف تم بناء الاهرامات وحدائق بابل المعلقة ومعابد ستوكنج في بريطانيا وحضارة المايا والبعض يفسرها بانها تمت بفضل اقوام فضائية نزلت الى الارض . ان الدين مطالب بالتعاون مع الدولة ان يضع حد للاختطاف الى الاطفال وتسليمهم الى جهات تقوم بانتهاكهم جسديا ومن ثم بيعهم   مطالب بايقاف بيع المرأة بجسدها فهذا انتهاك لكرامتها الدين مطالب بايقاف الهدر المالي وعدالة توزيع الثروات بين كل مكونات الشعب  .ان لدين ليس طقوس بل علوم تراكمت عبر السنين لتوقف الطغاة عند حدهم والمجرمين عن ممارسة دورهم ليعيش الانسان في امن ورخاء . ان الدين يتقاطع مع العلم عندما يكون خارج مصلحة الانسان فلايغز انتاج القنابل النوويه وحرب الشعوب بها .   ويرفض نظرية (مالتوس)  بان ناتج الارض لايكفي لسكانها  والدارونيية الاجتماعية والفوض الخلاقة لانها تسيئ الى الشعوب المغلوبة على امرها ويرفض الاجتماعات السنوية التي تعقد في فندق بيلبد برغ في بولندا لتناقش مشكلة الكثافة السكانية وتدعوا الى الحروب والكوارث في مناطق تعيش في دور الجهل وطفولة العقل البشري مثل منطقة الشرق الاوسط .

  ان المعرفة الحقة المستنده على اسس علمية  منطقية تجعل الفرد يحاسب الدولة باسم الدين والجهل تجعله يمارس العنف والعدوان والقتل وتحطيم الممتلكات ضد الدولة . وبعد انتهاء المحاضرة ادلى العديد من رواد المجالس الثقافية ونخبة من المفكرين والباحثين بأرائهم حول هذا الموضوع المهم وقدموا مداخلات قيمة اغنت الامسية بالعديد من الافكار والأطروحات البناءة التي تخدم المجتمع العراقي وهو يواجه اعتى هجمه إرهابية تكتسح بعض مناطق البلاد وبأسم الدين تقتل وتخطف وتصادر ممتلكات الناس ، بينما قدم الحاضرون التهنئة للقوات المسلحة بكافة الصنوف ولقوات الحشد الشعبي والعشائر العراقية الكريمة بتحقيق النصر واستعادة محافظة الانبار من براثن تنظيم داعش الإرهابي . 

آمال عوّاد رضوان تكتب عن غيومٌ مُخدّرةُ في عبوةٍ نازفةٍ

استضافَ نادي حيفا الثقافيّ والمجلس المِليّ الأرثوذكسيّ الوطني/ حيفا العبوةَ النازفة/ الطبعة الثانية مِن رواية الشاعر الأديب فهيم أبو ركن، وسط حضورٍ من الكُتّابِ والشعراءِ والمثقفين والذوّاقينَ والأصدقاء مِن مُختلف أرجاء الجليل، وذلك بتاريخ 3-12-2015 في قاعة كنيسة مار يوحنا في حيفا، وقد افتتح اللقاءَ المُضيفُ المحامي فؤاد نقارة بترحيب بالضيوف، وأدار الأمسية الشاعر فؤاد وهبة، وكانت مداخلات لكلّ من: دكتور هشام روحانا، والكاتب جودت عيد، والكاتبة هيام قبلان، والمحامي حسن عبادي، ومداخلة زجلية للشاعر حسام برانسي، وتخلل الأمسية معزوفة موسيقية على العود للفنان وفيق حديد، واختتم اللقاء المحتفى به فهيم أبو ركن، فشكر الحضور وكلّ المساهمين في إنجاح اللقاء، ثمّ ألقى قصيدتين، وتمّ التقاط الصور التذكارية أثناء توقيع روايته (العبوة النازفة).
مداخلة جودت عيد: "عندما تُشرقُ شمسُ المَحبّة في آفاق نفوسِنا، تظهرُ الإنسانيّةُ في أعمالِنا"، هكذا يبدأ الكاتبُ فهيم أبو ركن إهداءَ روايته "العبوة النازفة"، ويَضعُنا أمامَ فلسفة حكيمةٍ، تدعو إلى سلام النفس والإنسان من خلال مَحبّته، الأمر الذي جعلهُ المؤلفُ يَتعارضُ بشكلٍ ذكي مع المفهوم الذي يحمله عنوان الرواية. منذ البدايةِ يأخذك إلى حالةِ تفجير، وتُصدَمُ كقارئ باستعمال كلمة "نازفة" بدل ناسفة، وبشكل فكريٍّ ترى الأبعاد التي ينوي الكاتبُ طرْحَها في روايته، حين أنسن العبوة لتنزفَ، وتطرحَ في نفس القارئ الاستفهاماتِ حولَ المضمون الذي يُجسّدُ تلك "العبوة النازفة" من خلال البطل "أديب"، ومِن خلال الحالةِ التي يَعرضُها على الصّعيدِ الاجتماعيّ والسياسيّ وحتى الشخصيّ، والتي تُشكّلُ قنبلة موقوتة. يؤنسن العبوة، وما عليك إلّا أن تقلِبَ الصفحة، لتعرف تمامًا ما هو دوْر الإنسان، وما هو طرْحُ الكاتبِ للفِكرِ الإنسانيّ، حين يَرفعُ إهداءَهُ إلى كلّ مَن يَدعو إلى المَحبّةِ والإنسانيّة.
قد تبدو تلكَ المُصطلحاتُ وكأنّها ساذجةٌ في زمن الحروب والكراهيّةِ والحقدِ وسهولةِ موْتِ الإنسان، لكنّهُ يُجسّدُ هذا الفكرَ من خلال مفارقةٍ إنسانيّةٍ على ظهر سفينة. لماذا اختار فهيم أبو ركن السفينة موقعًا لأحداث الرواية؟ هل يقول لنا: "حسنًا.. سآخذكم إلى منطقةٍ محايدةٍ وهناك أروي لكم الحكاية، أم أنّه في مناطق معيّنة تختفي الفوارق بين الناس؟ والبحر هو المكان الأوسعُ ليحملَ كلَّ أنواع البشر والأفكار والمشاكل والرغبات والأيديولجيات، على ظهر قارب واحدٍ، ليعكس الفكرة؛ "جميعُنا على نفس القارب"، في نهايةِ المطافِ لنا بداية ولنا طريق ولنا موعد ولنا مرفأ ولنا سَفر!
إنّ هذه الروايةِ هي رواية استفهامٍ، تبدأ باستفهامٍ وتنتهي بذلك، وتتضمّنُ حالاتِ استفهامٍ لا تنتهي خلالَ النصّ، في كلّ مكانٍ وزاويةٍ وفي كلّ فرصةٍ يَطرحُ علاماتِ استفهامٍ مِن خلال البطل، استفهامٍ فلسفيّ، واستفهامٍ حولَ الهُويّة، الكيانِ، العدلِ، السلام، الحقّ، الوطن، وكأنّهُ يأخذ زوايا عدّةً مِن استفهاماتِ مجتمعِنا وشبابنا، والتيه الذي نعيشُهُ، وانعدام الإجابات مِن جهة أخرى. يَعكس قضايا حياتيّةً شائكة، وحالاتٍ اجتماعيّة، وتضارُبًا فكريًّا وعدمَ استقرارٍ بين أفراد المجتمع الواحد، كونَهُ أقليّةً داخلَ أقليّةٍ في دولةٍ دينيّةٍ وعلمانيّةٍ في آنٍ واحد، لها أجندتها التي تبعثُ نوعًا مِن الشتات في نفوس الناس، بالذات حين انعدام قياداتٍ وفكرٍ يتماشى مع حاجات وتطلعات الشباب، وهو يُمحورُ كلّ أحداثِ روايته حول وضع الشباب، وإلى أين يتّجهونَ في خضمّ تلك المعارك والتضاربات النفسيّة والاجتماعيّة، والقوميّة والدينيّة، وعلى لسانِهم يَعرضُ أفكارَهُ وأفكارَ  المجتمع، وما يَجولُ في خاطرِهِ وما يَعرضُهُ المجتمعُ كصُورٍ لوصْفِ حالةِ الشتاتِ، الشرذمة، النفاق، الوجع، والانتقام الشخصيّ الذي يُبلورُ تصرّفاتِ وسلوكيّاتِ الإنسان. حبذا لو أسهَبَ المؤلفُ في بعض تلك الحالاتِ، إذ تشعرُ وكأنّهُ يُحاولُ أن يَطرحَ كلَّ ما يَحملُهُ هذا المجتمع مِن مشاكلَ وقضايا مُعلقة، وفي صراعٍ مع الكلمة والزمن، ليعرضَ أكثرَ ما يمكن من تلك الحالاتِ، وينجحُ الكاتبُ في إدخال القارئ إلى ذاتِ الحالةِ التي يحاولُ أن يُصوّرَها، وهي الشتات وعدم الوضوح، فكلُّ قضيّةٍ طرحَها يمكن أنْ تقومَ عليها روايةٌ مستقلة، وقد يكونُ عمدًا طرَحَ هذا الكَمَّ، ليُدركَ القارئُ حجمَ التيهِ مِن جهةٍ، وحجمَ القضايا المُعلقةِ التي تغيبُ عن أذهان مُجتمعِنا، قيادةً ورجال تربيةٍ وتنشئة!
يَتحلّى الكاتبُ بتلك المسؤوليّة وفي قلبهِ غصّة، ويُساهمُ في تعريفِ الوضع، ويُحاولُ أن يَشملَ كلّ الاتّجاهاتِ مِن منطلقِ واجبٍ أدبيٍّ يتحمّلهُ، ويرنو مِن خلالِهِ إلى الأفضل، إذ نعرفُ في العلوم الاجتماعيّةِ والنفسيّةِ وبشكلٍ عامّ، أنّهُ مِن الأسهلِ أن نُعالجَ مسألةً حين نعرفُها، ومِن الأسهل أن نحُلّ مشكلةً حين نطرحُ كلَّ مُركّباتِها مِن عدّةِ زوايا وجوانب. هل حقا أصبحت غريبًا؟ حول هذا الاستفهام يُبحر "أديب" مع الكاتب في محاولةٍ ليجدَ نفسَهُ، ليُدركَ ذاتَهُ حتى وإن اكتشفَ، لأنّهُ يَقبعُ تحتَ التعريف "غريب"، ولكن على الأقلّ يوجدُ تعريف. خلالَ النّصّ يُشركُنا الكاتبُ بمدى محبّتهِ، ويتحدّث مرارًا عن البيئة التي يعيشها، عن البلد عسفيا، عن الكرمل وبحر حيفا، وعن العائلةِ والأصحاب، ويَعكسُ حالة مُجتمعيّة جميلة للوفاق والتآخي والمحبّة التي تغيّرت، وصارت شيئا يَشتاقُ إليهِ بفعل قوّةِ الحياة وانشغال الناس مِن جهة، ولكن من جهة أخرى بسبب غياب المَحبّة، في ظلّ الكُرهِ المُتزايدِ والانتقام الشخصيّ، تحت طائلةِ المشاكل الاقتصاديّة والسياسيّةِ والاجتماعيّة، كما أعطانا صورة حولَ أصدقائِهِ الذين راحوا كلٌّ إلى سبيلهِ، وفقَ الظروفِ المختلفةِ، ورغمَ ذلك، يُشدّدُ على شوقِهِ إلى أصحابهِ وبيتِهِ وأمّهِ وأبيهِ وبيئتهِ كمكان، ليضعَ رأسَهُ بأمان، ويغفو في راحةٍ لا يعرفها إلّا في وطنٍ خاصٍّ بهِ، بناهُ في نفسِهِ ووجدانهِ.
من السّهلِ الكتابة عن تلك الرواية، لأنّها تُعايشُ تَفاصيلنا وشتاتنا وحالاتِنا المُتغيّرة، وصراعاتنا التي صوّرَها الكاتبُ مِن خلال علاقةِ الشاب "أديب" مع أهله وأصحابه، ومع محبوبته التي لم يستطع الارتباط بها بسبب العادات الاجتماعية التي أتت كأنها "القشة التي كسرت ظهر البعير"، فلا مجتمعٌ مُتفهّمٌ داعمٌ، ولا سُلطة داعمة، ولا توجيهٌ للتخبّطاتِ العديدة، فيجد "أديب" مَسارَ السفر والهجرة هي الملاذ الأفضل، رغمَ الوجع الذي عبّرَ عنهُ مِن خلال مشاعر "أديب" في مراحل الرواية منذ بدايتها، حيث راحَ يَرقبُ أضواءَ المدينةِ المتباعدة مع ابتعادِ السفينة، وشوقه وذكرياته التي كانت تقفز إليه في كلّ مناسبة، وفي كلّ زاويةٍ عايشها على ظهر السفينة.
مِن خلال العبوةِ الناسفةِ التي حضّرَها ذلكَ الرّجلُ صديقُ والدِه، والذي تعرّفَ إليهِ على ظهرِ السفينة، يَعرضُ العبوةَ النازفة التي هي "نحن"، بكلّ أطيافِنا وأفكارنا وقناعاتِنا، ويُحاولُ أن يُمثلَ نظريّة "كلنا في نفس القارب"، ولكن كلٌّ يتعاملُ معَ الموضوع بشكل مختلف! ولكنّه يُشدّدُ في دعوتِهِ إلى تقديس قيمةِ الحياة، مُشيرًا إلى أهمّيّةِ حياةِ كلّ إنسان، وإلى أنّ كلَّ مُسافرٍ بحَدِّ ذاتِهِ هو حياةٌ كاملة، وعوالمُ مختلفة يَحملها ويُكوّنُها في نفسِه، كما أنّه يَدخلُ إلى أعماق الرؤيةِ الموضوعيّةِ، إلى جانب إظهارِ تخبّطٍ فكريٍّ يُشرّعُ ويُشرْعنُ سلوكًا أو موقفا أو عقيدة مِن جهة، ويُحللها بعرضٍ واقعيٍّ موضوعيٍّ منطقيٍّ من جهة أخرى.
بالفعل دماغ الانسان عبوة نازفة ناسفة، وقد يكون عبوة فيها سكاكر الفرح .. للكاتب قولٌ بارزٌ في هذا السياق، حين يُبرزُ مدى الخسارة الكبرى للجميع، في حالِ اتّخاذِ موقفٍ مُتطرّفٍ وسلوكٍ مُتزمّتٍ رافضٍ وعدائيّ، ويُحاولُ طوالَ الوقتِ أنْ يُعطيَ جانبًا آخرَ مُعتدِلا، مُسالِمًا ومُتفهّمًا قدْرَ المُستطاع، وذلكَ لقوّة الحياةِ وخصوصيّتِها، فيقولُ ص28: "أيُّ هوْلٍ هو هذا الإنسان الضعيف القويّ، إنّه وعاءٌ للمُتناقضات، إنّهُ موطنُ الحقّ وبؤرةُ الشّكّ! هذا الإنسانُ المُبهَمُ الغامضُ، يكون ضعيفا أحيانًا، فشوْكةٌ صغيرةٌ تشلّهُ وتُقعِدُهُ، وأحيانا أخرى يكونُ قويّا، فيُحرّكُ الجبالَ ويَصنعُ ما يُشبهُ المُعجزات".
يَتطرّقُ في روايتِهِ إلى قضايا هامّةٍ كقضيّة الهُويّة، والتي يَطرحُها بشكل واضح وصريح؛ إن كنتَ درزيًّا، عربيّا، فلسطينيّا، إسرائيليّا، مسلمًا أو مسيحيّا.. وككلّ أقليّةٍ يَطرحُ تساؤلًا حولَ دوائرِ الانتماء، ويَعرضُ كلَّ الأفكارِ والتخبّطاتِ التي تدورُ في أذهان الناس، في مجتمع مُتخبّطٍ دونَ وضوح في الهُويّةِ والنّهج والسلوك، ويحاولُ أن يَتطرّقَ إلى كلّ الظواهر التي تغذي كلَّ توجُّهٍ أو انتماءٍ أو هُويّة على لسان الناس، من خلال الحوار الذي يدور بين "أديب" وأصدقائِهِ، وبالتالي محاولة لتوضيح مَن هو درزيّ، وفقَ نظريّةٍ موضوعيّةٍ يَطرحُها في الرواية.
كما اقتبس سقراط ليُجيبَ على حالةٍ مِنَ التيهِ في نهايةِ الأمر: "لا أعرفُ سوى شيءٍ واحدٍ، وهو أنّني لا أعرفُ شيئا!"، وهذا قد يَحثنا مِن خلال نظرةٍ فلسفيّةٍ على البحث عن كنهِ وجودِنا. الرواية زاخرة بعناصرَ مُشوّقةٍ ومَواطِنَ استفهامٍ عديدة، لم يُفصِحْ لنا عن سبب إشكاليّةٍ ارتباط "أديب" بمحبوبتهِ، إلّا بعدَ الكثير مِن الصفحاتِ والقراءة. (ص86). ولا ندري ما سببُ ذلك، ولكنّه ساهمَ في تقويةِ عنصر التشويقِ والترقّب. هناكض فقراتٌ قليلة في الرواية أكثرَ مباشرَةً بشكل واضح، قد تكونُ أسلوبًا، وقد تكونُ وسيلة لنقل صورةٍ واضحةٍ دون الغوْص بالرمزيّة، وأنا أحترمُ ذلك بالذات، وإنّ الرواية تحملُ في طيّاتِها رموزًا يجدرُ التوقفُ عندها، مثل السفينة ماذا تعني، هل هي توحي إلى الطوفان وما تحمله مِن خير لمواصلةِ واستمرار البشريّة، بينما تعني العبوة الشّرَّ المُختبئ، والذي يُهدّدُ كينونة ومصيرَ البشريّة؟
كذلك ثمّةَ استعمالٍ ذكيٍّ للأسماءِ ودلالاتِها ورمزيّتِها، فقد اختارَ المؤلفُ للشخصيّاتِ أسماءً موحِية ليستْ بالصدفة؛ اسم البطل "أديب عبد الله محمد" والصبيّة "أحلام"، ووالدها "محمد عبد السلام عادل". الرواية تمتلئ بوصف الطبيعة والشغف الكبير بها، والنوستالجيا والاشتياق لحالة الجمال، والحبّ، والعائلة، والحنين إلى الوطن مِن عُمق الإجحاف والوجع. لفت انتباهي جدّا الاستعمال الفرودياني ص53 في الاستفهام الذي طرحَهُ الكاتب: "هل مصيرُ الإنسان هو عربة، والقدَرُ هو الجوادُ الذي يَجُرُّها؟ ألا يوجدُ فارسٌ يُوجّهُ هذا الجواد، ويستطيعُ أن يتحكّمَ بسيْرهِ ومَساره؟" وهذه حالة لديناميكيّةِ الصراعِ بين الأنا والأنا الأعلى والأبد- الغرائز التي يُوظفها بشكل استفهاميّ جميل.
وأخيرًا، يمكن أن نُجْمِلَ، بأنّ الكاتبَ يَستغلُّ مِنصّة الرواية، ليَعرضَ مشاكلَ المجتمع الدرزيِّ كأقليّةٍ داخلَ إسرائيل، وكباقي الأقليّاتِ تُواجهُ الإشكاليّاتِ حولَ الهُويّة، العائليّة، المحسوبيّات، الإجحاف، القوميّة والروابط مع المجتمع العربي، وغيرها ص57 خاصّة وخلال الرواية عامّة. 
إنّ الاستفهامَ والحوارَ خلال الرواية المصحوب برمزيّةٍ مُطلقةٍ تحمِلنا إلى التفكير بعُمقٍ مرّة أخرى، في مصير السفينة والركاب، ويضعُ الكاتبُ أمامَنا معضلة أخلاقيّة يجبُ حلّها، وتتسلسلُ الأحداث حتى النهاية في الاستفهام الفلسفيّ الكبير الذي تدورُ حوله الرواية، وهو الهدفُ مِن الحياة وماهيّتها وماهيّة الإنسان. ويُنهي روايته بشيء من قناعة "أديب"، حول عبثيّة الدفاع عن موقفه، ثمّ تتغير هذه القناعة بشكل سريع إلى أهمّيّة الدفاع عن موقفه وعن نفسه. ويصلُ إلى وصفٍ لحالة الاتهام، وعدم الثقة، والأفكار المسبقة، وحالة الفقدان، وحالة الشوق إلى الوطن المتمثل بكرمله، في ص122-123، ليُنهي روايته بشيء من مفاجئة وشيء من غضب وتيه، ولكن مع شيء كبير من إصرار ومحبة وتفاؤل. شكرا للكاتب فهيم أبو ركن، دمت للقلم والفكر الحرّ، والموقف الإنسانيّ المطلق، ودمت لنا ولأهلك وبلدك وكرملك بكلّ خير وفرح وتألق.
مداخلة هيام قبلان: يفتتحُ الكاتبُ روايته بالمكان على ظهر سفينة في البحر، والتي دارت فيها معظمُ أحداثِ الرواية، وبتساؤل يُعتبرُ فاتحة لقضيّة هامّة، "هل حقا أصبحت غريبا"؟ ومِن هنا سأبدأ: موضوع الغربة الذي أصبحَ هاجسًا يوميّا للإنسان، يعودُ ويتكرّرُ في الأحداث والمشاهد من أوّل الرواية إلى نهايتها: غربة المكان، وغربة الذات، والبحث عن الهُويّة. قضيّة الغربة التي ركّز عليها في عدّة مَشاهد، ومن خلال السردِ الروائيّ نلمسُها في عدّة جوانب منها:      1- موضوع الهجرة. 2- العودة إلى الماضي والحنين الى القرية. 3- النزعة الفلسفيّة في حوار الذات" المونولوج". 4- الموروث الشعبيّ وتأثيره على نفسيّة الشخصيّات.
أسبابُ الهجرة للشباب من أوطانهم كثيرة، ومِن خلال أحداث الرواية نستطيع أن نلخّصَها بما يلي: 1- البحث عن فرص للعمل خارج الوطن. 2- الهروب من المشاكل ومن المجتمع التقليدي. 3- رفض الأهل زواج "أديب" من حبيبته. 4- البحث عن الذات في ظلّ ظروف صعبة وقاهرة.
همومُ الشباب في مجتمعنا العربيّ يَطرحُ في الرواية بأسلوبٍ سلس، جسّدهُ الكاتبُ بكلّ إحساس، لفقدانهِ أصدقاء له فرّقت بينه وبينهم الحياة. وجاءَ على لسان بطل الرواية "أديب": "عباس"؛ أصيبَ بحادث في رأسه وظهره أثناء الخدمة الإجباريّة. و"جميل فارس"؛ سافرَ إلى أمريكا، ليجدَ لنفسه عملا وليهربَ مِن القلق والتوتر. و"عادل"؛ سافر إلى رومانيا ليتعلم طبّ الأسنان. و"علي" ما زال متمسّكا بآرائه التي سببت طرده من العمل عدّة مرّات. و"عامر"؛ رحلَ عن القرية إلى مدينة إيلات ليوفّر لقمة العيش لإخوته الأيتام. و"هاني"؛ يعملُ في الحقل من الصباح إلى المساء. هنا، يُعبّرُ الكاتبُ عن مشاعرَ وقضايا الشباب، ويُلقي الضوءَ على تخبّطِ الشباب سياسيًّا واجتماعيّا واقتصاديّا، وتأثير الغرب والتطرّف الدينيّ عليهم.
النزعة الفلسفيّة واضحة بأسلوب الكاتب، وترتبط بقضيّةِ الهجرة وبمفهوم فلسفيّ للحكيم "سقراط"، بالبحثِ الدائم عن الحقيقة، والاستقرار، ومعرفة الذات أوّلًا، وسرّ أعماق النفس، حتى يكشف الإنسان سرّ الوجود. "ص32"، وقد ربط بين فلسفة سقراط وبين الموروث الشعبيّ، وتأثيره على المجتمع، وانعكاساته على الصراع الداخليّ للشباب، بين الحفاظ على الموروث الشعبيّ الذي تناقلته الأجيال مِن حكايا شعبيّةٍ ومُعتقدات قديمة، وبين الفلسفة التي تعتمد على التساؤل، وتؤدّي دوْرَها الفاعلَ بتغيير مفاهيم وأفكار، فيلجأ "أديب" بطلُ الرواية إلى البحث عن نفسه الضائعة، من خلال عمليّةِ استرجاع، وبوَصفٍ دقيق لأمّهِ وبيته، وللطعام الذي هو جزءٌ مِن تراثِهِ وطبيعةِ حياتهِ وعلاقتهِ بالأرض والجذور، ومن خلال حوارهِ مع أصدقائهِ في حيفا، عن تعريفهِ الهُويّة بتشتُّتٍ وضياعٍ وبحثٍ عن الأنا المفقودة، هل هو درزيّ عربيّ، درزي فلسطينيّ، درزيّ إسرائيليّ، هل هو عربيّ أم فلسطينيّ؟ قضيّة الهُويّة شغلت "أديب" الذي حلم بالمساواة بين الناس أمام الله، والتسامح بين البشر، وقد بدا واضحًا بحواره مع الأصدقاء، أنّه يرفضُ الطائفيّة والعنصريّة والتقسيم إلى فئات، والقتلَ والإرهابَ بتطرُّقهِ إلى قضيّة الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ في عدّةِ مشاهد من الرواية، فنلمسُ أنّ الصراعَ الداخليّ قد بدأ ص45 ، حين اكتشفَ أنّ على ظهر السفينة توجدُ قنبلة، قد تؤدّي إلى نسفِ السفينة برُكّابها، وذلك بعد أن سمعَ بالصدفةِ الحوارَ الذي دار بين "أحلام" ووالدها "محمد"، الذي خطّط لنسفِ السفينة وتفجير القنبلة، ومن هنا يبدأ "التصاعد الدراميّ" للأحداث من ص45، صراع البطل "أديب" هل يسكت فيكون شريكًا في العمليّة مع الرجل، أو يُفشي السّرَّ لضابط الأمن في السفينة؟
يلمس القارئ التطوّر في الصّراع "conflict" أيضًا في شخصيّة "أحلام"، التي تحاولُ أن تثني والدَها عن تركيب القنبلة وتوقيتِها، وذلك  بنقاشِها معه. وبالنسبة لشخصيّة البطل "أديب" من الممكن القول أنّه تنطبقُ عليهِ صفة "البطل الإشكاليّ"، والذي يبحث عن قيم في مجتمع متخبّط آيل للسقوط، ضاغطٍ ومضغوط، يبحث عن حياة أفضلَ لتحقيق الحلم داخل بيئة أنقى، وعالم يسودُهُ السلامُ والمحبّة والراحة، وإذا اعتبرنا توظيفَ الحلم إحدى أهمّ مميّزات الواقعيّة السحريّة، فـ "أديب" يحلمُ بمجتمع مُنصِفٍ للفرد، يحترمُ خصوصيّتهُ الطبقيّة والطائفيّة والعقائديّة، وكأنّ الحلمَ أسطورة للفرد، والأسطورة كما هو معروفٌ، هي حلم الجماعة أيضًا، فحلم البطل "أديب" يجمعُ ما بين اليقظة والنوم، برغبةٍ جامحةٍ في التجاوز لمعانقةِ الممكن، كمَخرَج مِن حالة النقص والحرمان بفقدانه حُبّهِ الأوّل وفرصة العمل، فنرى في شخصيّته آثارَ الفاجعةِ في زمن الحلم، حين يصطدم بالخيبة لأوّل تجربة له مع الحبّ والسفر بانكسار الأمل، وكأنّه بنى قصورًا من رمال، فيعكفُ على حلم اليقظة ليبحر في لجّة هذا العالم المجهول، والذي سيصبح بالنسبة له بديلا لذكرياته التي تركَها في قريته، لتحطيم سياج الغربة والسير نحو فضاء الموت الورديّ مِن حلم وجنون وهذيان، يصلُ بهِ إلى تعويض القلق برغبته بالتحرّر واحتمال وقوعه، ببناءِ جسر قادرٍ على إيصال المتعةِ للآخر وتوقيف الألم مؤقتا، كي يخوضَ رهانَ انتصارهِ على تحقيق الحلم الجماعيّ وليس الفرديّ!
الأحداث في الرواية متنامية، وظّفَ فهيم أسلوبَه الساخرَ في بعض المواقف، والذي اعتمدَ فيه على السردِ الحكائيّ والرمز، بما يَحمله مِن أبعادٍ مِن عنوان الرواية، والتي تتحوّلُ من عبوة ناسفةٍ إلى نازفةٍ، بكلّ أحاسيس ومشاعر الكاتب ،لخلق جوّ مشحون بالصراع بين قوى الخير والشّر، بين القتل والتضحية وبين الصمت والصرخة، والضمير وفقدان الأخلاق، وأشير إلى بعض الرموز التي وظّفت بكلّ إتقان وذكاء، بما تحمله مِن دلالاتٍ مختلفة يراها قارئٌ متبصّرٌ ولا يتوقف عندَها آخر، أمّا في عمليّة النقد، فلكلّ ناقدٍ اقتناصُ البُعد من وراء الرمز وما يهدفُ إليه، نرى أنّ الكاتب قصد أن يكون المكان لأحداث الرواية البحر على ظهر سفينة، البحر الذي يرمز إلى الغموض والأسرار والمجهول, أمّا البُعد لهذا الرمز فليس جغرافيّا فقط، بل فلسفيّا في سبر أغوار أعماق البحر كما أغوار النفس، والبحث عن عالم جديد ينشدُ فيه الإنسانُ استقرارَهُ ويُحقق حلمَه.
السفينة: ترمز للهجرة والسفر والرحيل والفراق واللقاء، والبُعد المجازيّ الجميلُ الذي قصدَهُ في الرواية، عن علاقة الطوفان بتطهير العالم وخلقه من جديد من خلال "سفينة نوح"، وهذا ممّا لا شكّ فيه، بوجود رابط بين العبوة النازفة وبين صراع الخير والشرّ، من أجل تحقيق عالم أفضل وأجمل، خالٍ من القتل وسفك الدماء، وقد تطرّقَ الكاتبُ إلى العلاقة ما بين اليابسة والبحر كرمز للجسد والروح، بين غرائز الجسد وقيم الروح، بين النزف والنسف، بين الآمال المعلّقة على شراع السفينة، وبين القنبلة التي إن انفجرت، ستؤدّي إلى قتل أبرياء هم ضحيّة للتخطيط لعمليّة انتقام من الأب محمّد، الذي اعتبرها عمليّة فدائيّة وليست إرهابيّة، بل هي مهمّة مقدّسة بعد أن ذهب دم ابنه هدرًا، وبعد موت زوجته حسرة عليه، وأرضه التي سُلبتْ بقوّة السلاح ودعم القانون المزيّف، وص102 أختتم بالشكل الدائريّ للسرد الذي بدأه الكاتب بالغربة لينتهي بالإنسان إلى غربة: "كيف لا أشعر بالغربة، ونحن في هذا العالم نترك الحيوان يتأصّل فينا ويصبحُ بطلا، ونترك الإنسان الذي في أعماقنا، ليُمسي حَمَلًا ضعيفا لا حولَ له ولا قوّة، يُذبحُ بسهولة ووحشيّةٍ دون رادع أو تأنيب ضمير"!
مِن هنا تنبثقُ قضيّة "الانتماء" وأزمة الهُويّة، حين تبدو غربة الإنسان الحقيقيّة داخلَ وطنِهِ، بالاضافة إلى حالةِ الاغتراب خارجَ الوطن، والتأقلم مع العالم الآخر المُختلفِ الذي يَزيدُ من مشاعر القلق والضياع والخوف من الآتي، وكي لا أنسى غربة المرأة التي قد تكون مُضاعَفة، ففي الرواية تخضع حبيبة "أديب" لقهرٍ اجتماعيّ عامّ، واضطهادٍ من العائلة باختيار الزوج المفروض عليها، والذي رتّبَ أن يكون على حسابها منذ الطفولة، فهي كائن مطيعٌ ترضخ للقانون العائليّ، وللمجتمع الذي يُسقطها في عمليّة نسيان الذات من أجل الآخر، ليعكسَ لنا الذات المتشظية كورقة خريف لا تحتمل المغامرة والظروف، فنجدُ أنّ الرّجلَ هو الآخر، يعيشُ في أزمةٍ لا تقلّ عن المرأة، بفقدانهِ انتمائهِ إلى المكان الذي يُحبّ، والأنثى التي أحبّ ذات يوم في واقع بسيط رسمته الأقدار والقوانين، لترمي به فوق صورةٍ لوطن سَرعان ما ينكسرُ في مخيلته، فكيفَ به يعودُ إليه؟ أترككم لتغوصوا في لجة هذا العالم العجيب الذي طرحه الأديب فهيم وبتساؤل: هل ينجو "أديب" من الموت، أم سيكون ضحيّة؟ ما هي نهاية هذه الرحلة النازفة، وإلى أين ستأخذنا؟
مداخلة حسن عبادي: وجهتي النقديّة هي النقد بموجب المدرسة الانطباعيّة، بمنظار القارئ العاديّ وانطباعاته، وأنا أمثّل هذا القارئ، وقد قرأت رواية فهيم  للمرّة الثانية، وهذا دليل على أنّه شدّني وشوّقني لطريقةِ عرضِهِ وموضوعهِ، وتجدر الملاحظة في هذا السياق، أنّ المطالعة هي عادة تُكتَسب منذ الصغر، وتشكّلُ جزءًا مِن ثقافة الشعوب، فهي سمة مِن سمات الشعوب الأوروبيّة بشكل عام، فيقرؤون في الميترو والباص والحديقة العامّة، ويرتادون المكتبات العامّة المتواجدة في الأحياء والمناطق السكنية وفي المقاهي، بحيث يكون الكتاب بمتناول الجميع، فيولدُ حبُّ المطالعة في الأسرة، أوّلًا، وينمو في المدرسة، ويصبحُ عادةً مُكتسبَة.
مسرحُ أحداثِ الرواية هو سفينةٌ مُبحرة من حيفا، على مَتنِها "أديب" مُسافرٌ مِن قريةِ عسفيا، تاركًا حبيبته التي صدمته بقبولِها الزواج من ابن عمّها، ليجدَ نفسَهُ غريبًا (ص27)، فيُعاني صراعَ الهُويّة لشابٍّ عربيٍّ مُسلمٍ درزيّ، وكذلك محمّد عبد السلام عادل الفلسطينيّ المُشرَّد الذي سُلبَ كلّ شيء (ضحيّة النكبة وإفرازاتها)، وعائلته المُكوّنة مِن صورةِ ابنتِه "أحلام"، ووَلدِهِ الشهيدِ التي تُواكبُهُ، وزوجته المتوفاة على الحاجز حسرةً على فقدان ابنها الشهيد، وحرمانها من العلاج من قِبل السلطة، الذي يتولى مهمّة تفجير الباخرة بواسطة قنبلة موقوتة.
يلتقي "أديب" و"أحلام" في موقفهما ورؤيتهما للتفجيراتِ التي تستهدفُ المَدنيّينَ الموْجودين في مكانٍ ما مُصادفةً، بلا سبب أو علاقةٍ بمُهاجمتِهم، تدفعُ القارئَ للتماهي مع الضحايا، لأنّ كلّ إنسان يُمكنه تخيّل نفسِهِ مكانَهم، وهذا لا يعني أنّ اعتناقَ دينٍ أو مذهب، أو حمْلَ جنسيّةٍ أو تأييدَ موقفٍ سياسيّ هي أسبابٌ كافية للتعرّض للاستهداف، فالقتلُ على خلفيّةِ الاختلاف الفكريِّ أو الدينيِّ أو السياسيّ جريمة غيرُ عشوائيّة ضدّ الإنسانْ، واستهداف المدنيّين المجتمعين في مكان ما، سواء أُجريَ الاستهداف بطائرةٍ تقصِف ولا تُميّز بين وجوههم وغاياتهم، أم بتفجير حزام ناسف، أم بسيّارة مُفخخة، أم بقنبلةٍ موقوتةٍ، هو مصدرُ التعاطف مع الضحايا، وهنا  تبرز الحاجة لتحديد موقف من استهداف المدنيين، الذي يقوم به أفراد بمبادرةٍ خاصّة أو بأمر من تنظيم، بحيث لا يتهرّبُ الإنسان من إدانةِ الجريمة، بتفسيراتٍ أقرب إلى التبرير منها إلى الإدانة، و"أديب" يتفّق مع "أحلام"، كلّ على حدةٍ وبطريقته الخاصّة، بأنّه يجبُ إفشالُ خطّة الأب ومنعه من تفجير العبوة، فـ "أحلام"بمساعدة الشرطة الإيطاليّة، و"أديب" بمجهوده الفرديّ. 
"أحلام" تُمثّل الجيلَ الشابَّ وما يسمّى بـ "الفلسطينيّ الجديد"  المؤمنَ بتغيير وسائل النّضال لنيل الحرّيّة، و"أديب" يمثّلُ الجيلَ الشابّ الذي يشعر بالغربة الدائمة، ولكن مَهما فعلَ وتفانى من أجل السلطة- بغضّ النظر عن مبرّراته- يبقى في نظرها: "عربي قذر! وإرهابي !! (ص121).  فهيم نجحَ بمهارتِهِ الأدبيّةِ بتفكيكِ العبوة الناسفة، لتصبحَ عبوةً نازفة مثيرة للتساؤلات، حولَ هُويّة "أديب" الغريب وصراعاتِهِ، وجدوى خدماته للسلطة التي تمارس كلّ أساليب التمييز ضدّه، وتسلبُهُ حقوقه الأساسيّة تمامًا كأخيه الفلسطينيّ، باذلة قصارى جهدها للفصل بينهما بموجب سياسة "فرّق تسُد".
لغة الرواية تدلُّ على كاتب متمرّس ومتمكّن من اللغة، نحوِها وصرفِها وعجِنِها ونحت الكلمات، لكنها لغة مختزلة جافة ومباشرة، تفتقرُ الى الإحساس الصادق وتعاني من التكلّس، أو ما يعرّف باللبناني اللغة المكسيكيّة- المُدبلجة، لغة معدنيّة حديديّة تعكس حقيقة عصرنا الآليّ، الذي اندثرت فيه قيمة تواصليّة إنسانيّة، وانحصرت في فعل التواصل الجافّ في كثير من الأحيان.
مداخلة فهيم أبو ركن: أنا ترعرعت في بيت شعاره "كل الناس خير وبركة"، ولهذا أنا أقيّم الإنسان حسب سلوكه، وليس حسب انتمائه الطائفيّ أو القوميّ أو الحزبيّ أو العائليّ أو العرقيّ، ومن هذا المنطلق، فكلّ كتاباتي تدورُ وتتمحورُ حولَ الإنسان وقيمتِهِ وجوهرِهِ. ثمّ ألقى المُحتفى به مقاطع من قصيدة "ملاك يغسل وجهه"، من ديوانه "شلال شوق" نقتبس منها:
تَحْتَ أَشِعَّةِ النُّورِ الْغَافِيَةِ/ يَنْزِلُ الْفَجْرُ مِنْ عُيُونِ اللهِ/ يَغْسِلُ بِجَبْهَتِي/ نَخِيلَ الْعَرِيشِ وَصَنَوْبَرَ الْكَرْمِلِ/ فَيَسْكَرُ الْحُلْمُ/ وَأَصْحُو أَنَا/ فَوْقَ خُدُودِ الْوَرْدِ تَلْتَهِبُ جِرَاحِي، وَجِرَاحِي حَمْرَاءُ/ حَمْرَاءُ/ حَمْرَاءْ/ تِلالِي الْحَزِينَةُ/ تَسْقُطُ مِنْ تَقَاطِيعِ وَجْهِي/ تَنْثُرُ الْمِلْحَ عَلَى كُلُومِي!
يَا سِنْدِيَانَةً/ عَشِقَتْ وَاهِبَ الزَّرْعِ عَلَى تِلالِ الرِّيحِ/ مَا لَوْنُ حَكَايَانَا / وَهيَ سَادِرَةٌ مُنْتَفِخَةُ الْخُدُودِ/ بُعْثِرَتْ عَلَى طُلُولِ حُزْنٍ أَشْيَبَ/ مُتَوَرِّمَةَ الأوْصَالْ!
يَا مَسَاجِدَ بَيْتَ لَحْمَ/ النَّابِتَةَ فِي صَدْرِي!/ عَانِقِي بِالْمَآذِنِ قِبَابَ السَّمَاءْ/ أطْلِقِي الأَصْوَاتَ الْمُؤْمِنَةَ:/ اللهُ كُلُّ الدِّيَانَاتْ/ اللهُ حُبُّ أَكْبَرُ مِنَ الْحِقْدِ/ اللهُ خَيْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الــ / اللهُ عَدْلٌ أَكْبَرُ/ اللهُ أَكْبَرُ/ اللهُ.
يَا كَنَائِسَ النَّاصِرَةِ.. يا كنائس حيفا/ الْمَصْلُوبَةَ عَلَى عُنُقِي!/ دَقَّاتُ أَجْرَاسِكِ فِي نَبْضِ قَلْبِي/ عَسَلٌ مِنْ زُهُورِ الآلامِ/ مَجْنِيُّ!/ تَرْجِيعُ صَدَاهَا يُعَذِّبُنِي،/ يَجْعَلُ النَّهَارَ عَلَى جِرَاحِهِ/ فِي عَيْنَيَّ يَتَقَوْقَعُ!
فَاطْرُقِي/ أُطْرُقِي/ دُقِّي أَبْوَابَ مَدِينَةٍ/ عَلَى قِمَمِ الْمَجْدِ نَامَتْ!
مِنْجَلُ الدَّمِ/ ذِئْبٌ يَعْوِي فِي أَزِقَّتِهَا الْخَرْسَاءْ/ وَهيَ مَا زَالَتْ/ عَذْرَاءَ حَالِمَةً/ تَنْتَظِرُ فَارِسَ الأَحْلامِ/ لِيَزْرَعَ وَرْدَةً عَلَى خَدَّيْهَا.
يَا خَنَادِقَ الْبَتْرَاءِ/ يَا سُورَ عَكَّا الْعَظِيمْ..!/ مَنَابِعُ الأَتْرَاحِ تُنَادِينِي/ وَمَعَاصِرُ الْهُمُومِ!/ شَرَايِينِي تَجَمَّدَتْ/ مَشَاعِرِي بِيعَتْ/ بِيعَتْ/ بِيعَتْ/ بِيعَتْ بِقُرُوشٍ بَيْضَاءَ/ وَيَوْمٍ أَسْوَدْ!
يَا أَحِبَّائِي/ يَا أَحِبَّائِي فِي الْعَذَابِ...!/ اللهُ كُلُّ الدِّيَانَاتْ/ لا دِينٌ يُفَرِّقُنَا/ تَجْمَعُنَا الدِّيَانَاتْ/ فَنَحْنُ فِي الْوِلادَةِ وَاحِدٌ../ وَنَحْنُ وَاحِدٌ فِي الْمَمَاتْ..
يَا أَحِبَّائِي/ يَا أَحِبَّائِيَ انْظُرُوا عَجَبًا/ جِرَاحُ الْقُلُوبِ الْمَفْتُوحَةُ تَبْسِمُ لِي/ جُرْحٌ مُسْلِمٌ أَحْمَرُ/ جُرْحٌ يَهُودِيٌّ أَحْمَرُ/ عَجَبًا..!/ لا فَرْقَ عَجَبًا..!!/ جُرْحٌ مَسِيحِيٌّ أَحْمَرُ/ جُرْحٌ بُوذِيٌّ أَحْمَرُ/ عَجَبًا.. عَجَبًا/ لا فَرْقَ عَجَبًا !!
تَتَعَانَقُ الْجِرَاحُ/ تُنَادِينِي/ تُنْشِدُ فِي أُذُنِي:/ لا لَوْنَ للهِ/ اللهُ حُلْمٌ لِلْبَقَاءْ/ لا طَعْمَ للهِ/ اللهُ حُبٌّ وَوَفَاءْ/ تُنْشِدُ التِّلالُ وَتُعِيدُ: لا جِسْمَ للهِ/ اللهُ وَعْدٌ وَرَجَاءْ/ تُنْشِدُ الأَزْهَارُ/ تُرَتِّلُ الأَطْيَارُ/ وَتُعِيدُ وَتُعِيدُ وَتُعِيدْ/ لا دِينَ يَحْقِدُ/ الْحِقْدُ لِغَيْرِ الدِّيَانَاتْ/ فِي أَعْمَاقِي يَمُوتُ التَّارِيخُ/ يَتَثَاءَبُ الإنْسَانُ الأَكْبَرُ/ تَبْنِي آهَاتُهُ مَعَ صُخُورِ الْمَجْدِ سُلَّمًا/ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مَلاكُ الرَّبِّ/ لِيَغْسِلَ وَجْهَهُ/ بِحَفْنَةٍ/ مِنْ تُرَابِ بِلادِي!!

وستبقى حيفا بلادي على عهد دمشق




كتبت آمال عوّاد رضوان
أقام نادي حيفا الثقافي والمجلس الملي الأرثوذكسي الوطني في حيفا واتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين ندوة أدبية للاحتفاء بالكاتب د. خالد تركي داود وتوقيع  كتابه "من حيفا..هنا دمشق"، وذلك بتاريخ 9-12-2015  في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الارثوذكسية/ شارع الفرس3 في حيفا، وسط حضور كبير من الجولان وحيفا والجليل، من أدباء وعشاق كلمة إبداعية حرة، وقد استهلت جوقة البعث الغنائية بقيادة المايسترو رحيب حداد الأمسية بالنشيد الوطني "موطني"، وزهرة المدائن، وأغانٍ ميلادية أخرى، أضفت أنغامًا وأجواءً راقية للكلمة، ثمّ رحب بالحضور المحامي فؤاد نقارة رئيس نادي الثقافي، وعرض لمحة وجيزة عن نشاطات ومشاريع النادي الأدبية القادمة، وتولت عرافة الأمسية الكاتبة خلود فوراني سرية، وكانت مداخلات حول الكاتب والكتاب المحتفى بهما لكلّ من: الكاتب راضي كريني، والكاتب اسكندر عمل، وكلمة شكر للمحتفى به د. خالد تركي، بعدها تم توقيع الكتاب والتقاط لصور التذكارية
مداخلة فؤاد نقارة: باسم المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا، ونادي حيفا الثقافي، واتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين، ومكتبة كل شيء، نرحب بكم في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، ونشكر جوقة البعث بقيادة المايسترو رحيب حداد، ونرحب بالحضور وبوفد إخواتنا من الجولان السوريّ المحتلّ/ أهلا وسهلا بكم بين إخوتكم في حيفا، والشكر للفضائيّات الإخباريّة السوريّة: الدنيا/ وسما.
هذه أمسية إشهار كتاب "من حيفا..هنا دمشق" للرفيق والزميل د. خالد تركي، وهذا هو اللقاء الثقافي الأخير لهذه السنة 2015،  وبهذه المناسبة أتمنى للجميع أعياد ميلاد مجيدة وسنة خير وبركة، وبصفتي رئيس الهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية في حيفا، أدعو الكنائس التي تسير حسب  التقويم الغربي العودة إلى إقامة الأعياد الموحّدة حسب الاتفاق، فنحن في الرعيّة الأرثوذكسيّة في حيفا ملتزمين بالاتفاق، وسنحتفل بعيد الميلاد المجيد يوم (25-12) غربي، ولن ننجرّ إلى دعاة التفرقة.
أمّا بالنسبة لنشاطات نادي حيفا الثقافي، فقد وصلت 52 فعالية ثقافية، منذ 1-1-2015 إلى اليوم: 43 أمسية ثقافيّة عامّة، و9 أمسيات مناقشة كتاب، وذلك بفضل دعم المجلس الملي الأرثوذكسيّ في حيفا، ممثلا برئيسه الأخ يوسف خوري (أبو إيلي)، (والذي نبارك له استلامه درع شخصيّة العام بالأمس)، ونشكر كذلك ممثلا المجلس في الأمسيات، الأخ والصديق الصدوق جريس نعيم خوري، عضو المجلس وأمين الصندوق، الفنان والشاعر الذي لا يتغيب عن أية أمسية تقام في النادي، والأخ الزميل (حبيب القلب) كميل مويس، عضو المجلس الملي، ومن مؤسسي نادي حيفا الثقافي، وذلك بعد ان اقتنع بعض أعضاء المجلس المعترضين على فعاليات النادي، بضرورة مواصلة هذا النشاط، فالشكر أوّلًا للمجلس الملي الذي يفتح أبوابه لهذه الأمسيات المباركة، ويقوم بتغطية جميع مصاريف الأمسيات لخدمة كافة أطياف مجتمعنا، ولِما فيه عبرة للغير من تقدير واحترام لكتابنا ومبدعينا بكافة المجالات، والذين يمثلون الوجه المشرق لمجتمعنا.
الشكر للأدباء والمبدعين والمشاريكين الذين شرفونا بحضورهم أمسيات نادي حيفا الثقافي، والاستمرار بنشاطاته فهم، والذين أدخلوا لأرواحنا البهجة والأدب والثقافة، فبوركتم أخواتي وإخوتي، والشكر لأعضاء نادي حيفا الثقافي ومؤسسي النادي، الذين نقول لهم: إنّنا نجحنا في حلمنا، وبعد 4 سنوات من عمر النادي، أقمنا أكثر من 150 أمسية، ولا أعتقد أنّ أيّة مؤسّسة أخرى قامت بهذا النشاط. والشكر لاتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين برئاسة أستاذنا الأستاذ فتحي فوراني، وهو من مؤسسي النادي، اتحاد الكرمل ومنذ إقامته قبل سنة و4 أشهر، شارك بالعديد من نشاطات النادي، وقام بتعريفنا على الأدباء من منطقة الجليل والمثلث، ومشاركة أعضاء الاتحاد بالأمسيات.
الشكر للأخ والزميل حسن عبادي صاحب فكرة إقامة النادي، ودفعي إلى ذلك وعليه الملامة لما نحن فيه من نشاطات وتعب، كذلك مشروع الأمسية العكاظيّة الحيفاوية التي يديرها بنجاح، مع مشاكلها وكثرة الطلبات والاعتراضات، فباسمكم جميعًا أشكره على أفكاره النيرة، وجهده المتواصل بكلّ المحبّة والعطاء. الشكر الكبير للأخ فضل الله مجدلاني لِما يقوم به لخدمة النشاطات بتفانٍ وإخلاص ومحبة وعطاء دون أيّ تذمّر، وهو الوحيد الذي يتواجد في كلّ الامسيات، فتحيّة لك من الحضور ومني أخي فضل الله، متمنّيًا لك الصحة والعافية ودوام النشاط.
الشكر للأخت الشاعرة آمال عوّاد رضوان، لِما تبذله من جهد وتعب لتغطية الأمسيات تغطية كاملة وشاملة، على حساب راحتها وبيتها، كذلك نعلمكم أنّ الأخت آمال في المراحل الأخيرة لإتمام مشروعها الضخم، وتوثيق الحركة الثقافية الفلسطينيّة والمشهد الثقافي، في خمسة مجلدات لعقد من الزمن  (2006- 2015)، مقدّمًا دعمًا لنادي حيفا الثقافي، وهذا المشروع الضخم بحاجة إلى الدعم، من ذوي المقدرة والنخوة والغيرة على حركتنا الثقافية، فيمكن التوجّه إلى الأستاذ حسن عبادي أو لي شخصيّا. 
الشكر أيضًا للأخت الكاتبة خلود فوراني سرية، لِما تقوم به من خدمات للنادي، وأخصّ بالذكر كتابة المقال الأسبوعيّ عن فعاليات النادي في جريدة المدينة/حيفا، والشكر للأدباء والكتاب الذين تبرّعوا نقدًا لصندوق النادي، والذين أهدَوْا كتبهم إلى النادي لبيعها لمنفعة نشاطات النادي، فالجميع مدعوّون لشراء الكتب المعروضة بثمن بسيط لهدفين، الأوّل دعم الكُتّاب والتعرف على إبداعاتهم، والثاني دعم نشاطات النادي.     
ملاحطة أولى: أسمع من حين لآخر وشوشات، أنّ بعض الأمسيات تستضيف كُتّابًا "مبتدئين" وغير جديرين بالظهور، فنحن في النادي نعي الأمر، ونعتقد أنّه يجب إتاحة الفرصة لهم والأخذ بأياديهم ودعمهم من على هذه المنصّة، وإبداعهم اللاحق سوف يُحدّد مواقعهم.
ملاحظة ثانية: أيّها الأدباء والكُتّاب والمبدعون، "أحبّوا بعضكم بعضا"، لأنكم تكمّلون بعضكم، فعليكم المشاركة في أمسيات زملائكم ودعمهم، فالحبّ لا يُرجع إلى مانحِهِ إلّا حُبّا. وأتوجّه إلى كلّ البلدات العربيّة لتقوم بالنشاطات الثقافيّة، لأنّ مبدعينا والحمد لله كثر، وهم بحاجة إلى منصّة لتقديم إبداعهم ودعمهم.
أخيرًا: أعتذر من الكُتّاب الذين يتوجّهون بطلب إقامة أمسيات لهم، فبرنامج النادي لا يسمح بإقامة أيّة أمسية إلّا بعد شهر حزيران 2016، ونشاطات النادي موجودة على صفحة الفيس بوك لمن تهمه متابعتها.
مداخلة العريفة خلود فوراني سرية: الحضور الكريم، مساؤكم نور حيفا والكلمة، مساؤكم نديٌّ عابقٌ بياسمين الشام وفيحائها، وطئتم سهلا وحللتم أهلا على أمسية ثقافيّةٍ تحملنا على جناح الأصالة والعراقة والإباء، مع د. خالد ابراهيم داوود تركي، وإصداره "من حيفا هنا دمشق".
د. خالد تركي طبيب وكاتبٌ أديبٌ، مناضل من أجل العدالة، ومشحون بالإنسانيّة، يشعر بألم شعبه وغصّات أمّته، يُعالج المرضى بمبضعه، ويُخفف آلام الأمّة بقلمه، فينقل روح فلسطين الوفيّة لعروبتها إلى العالم. جاء في إهداء "من حيفا هنا دمشق": إلى من علمني أن أحب حيفا، برها، وبحرها، سماءها وكرملها.. إلى من علمني أن أحب دمشق، غوطتها وقلمونها نارنجها وياسمينها.. إليكم جميعًا أهدي كتابي، وستبقى حيفا بلادي على عهد دمشق. " وعليك عيني يا دمشق، فمنك ينهمر الصباح".
يحتضن "من حيفا هنا دمشق" وهو المؤلف الثالث لد. خالد  بعد "يوميّات إبراهيم البلشفي" سنة 2008 وهو بمثابة سيرة ذاتيّة لأبيه طيب الذكر ابراهيم تركي و"حماة الديار" سنة 2010 وهو وقائع محكية، يحتضن مقالات سياسية، اجتماعية، وثقافية نشرها في صحيفة الاتحاد مع كل إطلالة خميس ويستحضر الكاتب فيه حكايات وقصصا نالت جوانب مختلفة، منها التربويّة الثقافيّة والاجتماعيّة.
في طيّاته توجّهٌ إنسانيٌّ يحمل رسالة، ولكي لا تضيعَ البوصلة، أراد المؤلف لمؤلفه أن يكون كلمة تقدير وشرف وعز وشكر للسالفين، وكلمة تثقيف وتعريف وتنوير للناشئين، علّهم يستخلصون العِبَر. ولا أزال مسكونة أيها الرفيق بالسؤال: مِن أين لك البلاغة في اللغة العربيّة، تكتب بإتقان المقالات، وتصدر ثلاثة مؤلفات، كطبيب درس المهنة في دولة أجنبية (سلوفاكيا)، تُجيد عدّة لغات، مُتنقلا بين العربيّة والأعجميّة؟  أوعزت لي مهمّة الاستكشاف أنّ د. خالد نهلَ حبّ اللغة منذ نعومة أظفاره، فمِن مكتبة بيت أهله العامرة اغترف العربيّة أدبا وشعرًا وتاريخًا، وقد لازم في صغره عمه الشاعر والمناضل داوود التركي (أبو عايدة)، في تلك الأيام حينما كانوا وكنا نغفو على حلم ونصحو على غيمة، كان اسم داوود التركي وزمرته يعني سحر المدينة، مدينة لم تسقط إلا مجازا، لأنها بعثت في الرواية من جديد، فترك بصمة تجلت معانيها في ما نحن به الان. ولأصدقائه والعائلة أيضا دور في تشجيعه على الكتابة والتوثيق، أخصّ بالذكر صديقه وزميله الدكتور عصام زين الدين والأستاذ إسكندر عمل.
مَن يُتابعُ د.خالد بكتاباتِهِ وروائعِ مدادِ قلمِهِ، يراهُ لا يَنفكُّ يَستشهدُ بآياتٍ من القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة والشعر العربيّ، فإن دلّ هذا، إنّما يدلُّ على ثقافتِهِ الواسعة وانتمائِهِ الصّادق للعروبة، وإنْ جاز التعبيرُ فهو شيوعيُّ الانتماء، كاثوليكيّ المذهب، ذو ثقافة عربية إسلاميّة، ولا غرابة في تواضعِهِ واختزال الحضارة في شخصِهِ، واسمح لي أيّها الرفيق أنْ أشي بمعلومةٍ على لسانك: يسكن مع بناته وزوجته السلوفاكية (إديتا) الداعمة الدائمة له، على سفح جبل الكرمل، وإن سألته عن مكان سكناه يجبك: أنا من حيّ وادي النسناس الذي أعتزّ به، فيهِ وُلدتُ ونشأتُ، ومنه تخرّجتُ كما تخرّجَ رجالٌ قياديّون مُثقفون ووطنيّون.
الأستاذ راضي كريني عمل في سلك التعليم ثلاثة عقود في مدرسة ينّي الثانويّة، علّم الرياضيّات والفيزياء، وكان سكرتيرًا تنظيميًّا لفرع الحزب الشيوعيّ في كفر ياسيف، وبعد انتهاء عمله القسريّ من التعليم، أصبح مراسلا لصحيفة الاتحاد، فساهم في تأسيس حركة اليوبيل، وبيت المعلم، ولجنة الدفاع عن الأرض، والمنتدى الفكريّ في كفر ياسيف، وتنشر مقالاتُهُ الأسبوعيّة علاوة على الاتحاد وموقع الجبهة، في الحوار المتمدن ومواقع أخرى.
مداخلة راضي كريني/ اللّذّة في قراءة نصوص خالد تركي: خالد تركي قامة مغروسة في قلبِ الحزب النابض؛ حبّا ونضالا وانتماءً وتضحية، في مسيرة كفاح الشعب الفلسطينيّ التحرّرية،  لا يكلُّ ولا يلين، ولا يتراجع، ولا يتخاذل. يقف كما وقف عمُّهُ ووالدُهُ، يَقف إلى جانبِ شعبه صامدًا ضدّ الظلم، منحازًا للعدل ولحقوق الإنسان، ملتزمًا بعشق الوطن والحياة الحرّة، ويُقنعُ بصدق الانتماء، ومفتخرًا بقيم المبادئ التي تربّى عليها، ومازال يحملُ لواءَها ويبشّر بإمكانيّتها وضرورتها، مؤمنًا أنّ لابدّ لليل أن ينجلي، ويعمل على كسر القيد؛ فلخالد تحيّة، ولأبو خالد إنحناءة.
نلاحظ في المؤلفات ثلاثة التي أصدرَها خالد حتّى الآن، أنّه بذلَ جُهدًا صادقا وبإخلاص؛ والقليل مع الإخلاص كثير، والكثير مع الرياء قليل؛ فكم بالحريّ إذا كان إخلاص خالد كثيرًا؟!
اعتمد دكتورنا في مؤلّفاته الثلاثة على تحليل مواضيعَ تتعلّقُ بنهجه السياسيّ، رسم مخطّطاتِهِ ووضع حبكاتِهِ وفقًا لمبادئ الحزب الذي ينتمي إليه، وتماشيًا مع المبادئ التي يؤمن بها، وعيّن مراحلَ التطوّر في المؤلفات متّكئًا على درجة ثقافتِه ووعيه وإحساسِه، وانطلق بانيا على موضوعٍ ثوريّ موجودٍ في بيته وبيئته، وفي ذاكرةِ والدِه وعمِّه وأدبيّات حزبه، وزادَ عليه لواحقَ جديدةً واختراعاتٍ مستحدثةً، واهتدى إلى أفكارٍ تتعلّقُ بمواضيعَ أخرى من التراث الشعبيّ والدينيّ، ومن الحضارة الحديثة.
يكتشفُ المتتبّعُ لمؤلفات خالد الثلاثة أنّه اتّبع نهجًا واحدًا تصاعديّا، ممّا أملى على نفسه، أن يفاوتَ بين مؤلّفاتِه بالنوعيّة والعمق، لم تكن هذه العمليّةُ بَديهيّةً عنده؛ بل اهتدى إلى موضوعاتِه عن سابقِ إصرارٍ وإعدادٍ، وهي الموضوعاتُ التي صدمتْهُ، وأثارت فيه حوافزَ، وكوّنت لديه مجموعةً من الأفكارِ التي أثارت الخيالَ، وثوّرت مشاعرَه المنغمسةَ بالذكرياتِ المسنودةِ بالمطالعات والخبرات والتأمّلات؛ فتفاعلت كلُّ هذه العواملِ فكريّا وعاطفيّا وخياليّا، فأولدت المؤلّفاتِ والمقالات الواحد تِلْو الآخر، جديدا على جديد، مكمّلا وموفيا لما وُجد ونَقص، دون أن يقعَ أديبُنا في التشابه والتكرار المملّ، أو في التقليد، أو في الشبيه اللاواعيّ؛ فإبداعُه انفعالٌ بالواقع المأساويّ، وبالتالي اتّحادٌ بالأمل المشرق.
هكذا، يُطلّ علينا مِن بين صفحاتِ مقالاتِه وكتبِه مخزونٌ ثقافيّ وتِقنيّ متفجّر، وإرادةٌ قويّةُ العزم على فعل الخير وبلوغِه، تطالبُنا بالصبر وبالتماثل مع إرادتِه، وبالسعي والإسهام معها؛ لتأمين شروطِ حياةٍ عادلة أفضل، ولتحريرِ الإنسان المنسحق، ولإرساءِ أساسٍ فلسفيّ وخلقيّ لفكرة الاشتراكيّة.
نجد في كتاباتِ كاتبنا دمجًا لأهمّ خصائص النصوص الأدبيّة والوظيفيّة؛ ففيها النصّ المعلوماتيّ واضحُ اللغة، وبعيدٌ عن الرمز، ومعتمدٌ على الحقائق المستقلّة عن رغبتِه ورأيِه، وعلى مصطلحاتٍ خاصّةٍ بالموضوع الذي يتناولُه، وعلى أوصافٍ للأشخاص والأماكن والأشياء، لكنّها لا تخلو من خصائص النصوص الأدبيّة.
وفيها النصّ الإرشاديّ الإجرائيّ الذي يتوجّه إلى جميع القرّاء، لا يستعملُ أديبُنا صيغةَ المبنيّ للمجهول كمُحايد في المعركة، فهو يشير ويرشد لكيفيّة تنفيذِ أو إجراءِ أيِّ عملٍ حزبيّ أو ثوريّ أو وطنيّ، مستخدمًا الروحَ الخطابيّة.
وفيها النصّ الإقناعيّ، الذي يهدفُ للتأثير في القارئِ لإقناعِه بوجهةِ نظرٍ معيّنة في موضوعٍ سياسيّ واجتماعيّ ما، فيكشفُ المعلوماتِ والوثائقَ، ويستشهدُ بآراءٍ وحججٍ، ويستعينُ باللغةِ الإيقاعيّةِ وبالأمثالِ والشعرِ والحكم والآيات والأحاديث.
  يعرض أديبُنا في الكثير من مقالاتِه وجهاتِ النظرِ المتعارضة في القضايا السياسيّة (في الانتخابات والمؤامرة على سوريّة، وفي التصدّي لسياسة التمييز والاضطهاد القوميّ وغيرها)، لكنّه يغلّبُ رأيَ حزبِه على الآخر؛ لأنّه أصيلٌ ولا يعرف التزييفَ والتملّق. ونجد في نصوص خالد التي تمّ نشرُها في موقعِ الجبهة أنّها نصوصٌ جمعيّة، فكنّا نشاركُه كمتلقّين في بناء النصّ وكتابته، وكما جاء في كتاب "تأثير الإنترنت على أشكال الإبداع والتلقّيّ في الأدب العربيّ الحديث"، لأختنا العزيزة ابنة عارة، الدكتورة إيمان يونس، كتبت في صفحة 286 و287، تنطبق على هذه النصوص مقولة بارت حول "لَذّة النصّ"، إذ يرى الناقد الفرنسيّ رولان بارت (1915-1980) أنّ القراءةَ هي لذّة وليست واجبًا، وذلك لأنّ القارئ لا يكون قارئا في اللحظات التي يكون فيها مرغما على القراءة، وإنّما في اللحظات التي تكون فيها القراءة رغبة. (كما هو حالُنا مع كتابات خالد)، والشعورُ بهذه الرغبةِ يجعلُ من القارئ كاتبًا، وهذه الرغبة ليست أن تكتبَ مثلَ الكاتب أو عنه، وإنّما أن تكتبَ فقط، وهو تَصوّرٌ يَجعلُ من القرّاء إنتاجا، فالاستهلاك يتحوّل إلى إنتاج. إذًا لَذّةُ القراءةِ هي التي قادَتنا إلى التعليق بما نشعر به على مقالات خالد، (وجدير بالذكر أنّ التعليقات كانت متبادلة)، والتعليقات المتبادلة حوّلت نصوصَ خالد إلى نصوص رقميّة، وأصبحت كأنّها تحملُ صورةً أو رسما، فدفعتنا للاستمرارِ في عمليّة كتابةِ النصّ نفسِه، بأن نضيف إليه ونزيد عليه؛ كي تتواصل لذّة القراءة بلذّة الكتابة، لتكمّلَ الواحدة الأخرى؛ فمنذ بداية النصّ دعانا خالد للاشتراكِ والإسهام معه في إنتاج النصّ، فحوّلنا من قرّاء للمتعة والاهتمام والتعلّم وللانخراط في المجتمع إلى كتّاب. وفي الختام اسمحوا لي أن أكشف لكم سرّا، أحيانا كان يعتريني اليأسُ من الكتابة؛ فأتوقّف عنها، فكان خالد يقف لي بالمرصاد محفّزا ومشجّعا ودافعا ومتعاطفا ومثمّنا و... ويحثّني لأنّ والدَه بانتظار المقال مع فنجان القهوة في الصباح، فقهوتُهم معطّرة وفوّاحة، سنبقى نتطيّبُ بها ما دامت في رأسنِا فكرة!
العريفة خلود: من عنترة العبسي تعلمنا: لا تسقني ماء الحياة بذلة/ بل اسقني بالعز ماء الحنظل/ ماء الحياة بذلة كجهنم.. وجهنم بالعز أفضل منزل.
والشاعر الدمشقي نزار قباني قال: كتب الله أن تكوني دمشقا بك يبدأ وينتهي التكوين/ علمينا فقه العروبة يا شام فأنت البيان والتبيين.
المشارك الثالث والأخيرهو إسكندر عمل، مُرَبٍّ ومُؤرّخ، عملَ مُربّيًا في المدرسة الإيطاليّة الثانويّة بحيفا أربعة عقود، فتخرّجَ مِن معطفه آلافُ الطلاب. أشغلَ عدّة مهام تطوّعية في خدمة المجتمع منها: نائب رئيس بلديّة حيفا عن الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة، وله عدد من المؤلفات والأبحاث التاريخيّة منها "في سبيل الحريّة" حيث في شهر أيار من العام الماضي ومن هنا تمامًا احتفينا بإصداره.
مداخلة اسكندر عمل: مع كلِّ إطلالة خميس، طالَعَنا طبيبنا وأديبنا د. خالد تركي لسنوات على فنجان القهوة الصَّباحي بدرَّة من درر قلمه، استقاها من أحداثٍ عصفت بمجتمعنا، أو مناسبات وطنيّة أو قوميّة كان لا بدّ من التَّذكير بها، أو من أفكار وأحاسيس نابعة من قلب القلب لأهلٍ، ودَّ لو يُوفيهم بعضًا من حقّهم عليه، الأم، الأب، العم، رفيقة الدّرب، فلذات الكبد، الأخوات أو أشخاص كان لهم دور هامّ في حياته الخاصّة، أو حياة شعبنا العربيِّ الفلسطينيِّ الّذي لا يزال مصلوبًا يعاني من القريب ومن الغريب. ولا تخلو  الصَّباحيَّات من ألم على فراق علم من أعلام أمَّتنا أو شعبنا كبن بيلا وأبي نرجس (نمر مرقص) وأبي عرب، شاعر الثَّورة الفلسطينيَّة ومنشدها إبراهيم محمَّد صالح، أو عزيزة أو عزيز كعمّ الكاتب أبي عايدة ووالدته أو رفيقة أو رفيق، صديقة أو صديق.
رغم تعدُّد الأساليب الفنِّيَّة في الكتابة الأدبيَّة، نجح كاتبنا وبامتياز في إبداع أسلوب له نكهته الخاصَّة وآفاقه الإبداعيَّة الخلاقة، حتى بتنا نعرف نصًّا يكتبه دون أن نرى اسمه في بداية النَّص أو نهايته. ومن أبرز ميزات هذا الأسلوب الاقتباس من آيات القرآن الكريم أو من الإنجيل بشكل ملفت للنَّظر وبطريقة تختلف عن كلِّ من وظَّفها قبله في نصِّه الأدبيِّ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، جعل  عنوان صباحيَّته عن المسعى الحثيث في حيفا لإطلاق اسماء عربيَّة أو إعادة تسمية أماكن باسمائها العربيَّة الأصليَّة " وقُلِ اعملوا". أو عندما تحدَّث عن دور الجامعة العربيَّة المشين، أنهى صباجيَّته "فاستتروا" ب"تبيَّنَ الرّشدُ منَ الغيِّ". أمَّا في صباحيَّته "الخامس" التي كتبها في ذكرى النَّكسة، ينهي مقاله: فإلى متى النَّوم يا "خير أمَّةٍ أُخرِجت للنَّاس".  أمَّا في مقالته "الشَّرق الجديد" التي عظَّمت العودة المقدامة لمجموعة كبيرة من الفلسطينيِّين  التي عبرت الحدود القسريَّة فيقول عن مخيَّمات اللجوء "بعد أن دقُّوا فيها مسامير الجلجلة على جبل الزَّيتون. ووضعوا على رؤوسهم أكاليل الشَّوك الدَّامي، ليسيروا حُفاة على طريق الآلام الوعرة، مصلوبين في العراء، ليرقص الإسخريوطيُّ يهوذا رقصة الموت على أعتاب المذبح المقدَّس."
وفي المقالة ذاتها يتحدَّث عن عدالة قضيَّة اللاجئين ويقول" ويثبِّتُ أقدامكم".
وفي حديثه عن حريق الكرمل في "ربَّ ضارَّة نافعة" يبرِز حبَّه للكرمل، لأشجاره ووروده، طيوره وزواحفه، غزلانه وأرانبه، ويقتبس" قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا". وفي ردِّه على الحاقدين الذين شمتوا عندما أودت يد الغدر بجوليانو مار "ومن قتل نفسًا  بغير نفس في الأرض فكأنَّما قتل النَّاس جميعًا." وفي حديثه عن الزَّيتون الذي اجتثَّ الاحتلال الآلاف من أشجاره المباركة، يورد "شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ" من الحديث الشَّريف، والقسم "والتِّينِ والزَّيتونِ" من القرآن الكريم. وعن صمود شعبنا والأمل الذي لم نفقده يومًا في العودة، يوظِّف الآية الكريمة "إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا".
أنهى أديبنا معظم صباحيَّاته ببيت من الشِّعر أو حكمة أو آية قرآنيَّة أو حديث نبويٍّ شريف، وتطغى أشعار عمِّ الكاتب المناضل داود تركي على غيرها، فد. خالد يُعظِّم هذا المناضل العنيد الذي قهر السَّجَّان ولم يُقهَر، ويحقُّ له ذلك. واستشهد بأشعار محمود درويش ومحمَّد مهدي الجواهري وأبو سلمى وهارون هاشم رشيد وعنترة العبسي والأخطل الصَّغير والمتنبِّي ومظفَّر النَّوَّاب ونزار قبَّاني  ومسكين الدَّارمي التَّميمي وآخرين.
التَّأكيد على المعاني المحوريَّة في النَّص هو معلم هامّ وميزة خاصَّة في أسلوب الكاتب، فنراه يكرِّر المعنى بألفاظ متنوِّعة تشدُّ القارئ وتلفت انتباهه أكثر للهدف من هذا التَّأكيد أو التِّكرار. فعلى سبيل المثال، في مقاله " لنعِشْ كِرامًا" يكتب:" فنحن نتقاسم الأرض خيرها وجودها وعطاءها ومنتوجها الآتي من غيث جوِّها وخصوبة برِّها ورذاذ بحرها وسخونة رملها وعطاء سمائها وشموخ جبالها وغزارة وديانها، وكذلك نتقاسم العشق والشَّوق والحنين والمحبَّة..". وفي "بحبِّك يا مصر" يقول "سنعود ونجدِّد العهد والوعد القسم، نزلت جماهير شعبنا، لتضع حدًّا للظُّلم والجوع والفقر والعوز والفساد والإهانة والمهانة". وفي "وهل ينهض البازي.." يقول عن الشَّام: " كيف صمدت في وجه جميع الفتاوى المدفوعة والضَّلاليِّين والتَّكفيريِّين والمرتزقة، الذين باعوا ضمائرهم وشعبهم ودينهم وعِرضهم..".
وفي صباحيَّة مميَّزة عن مكتبة النُّور لصاحبها المناضل داود تركي يقول: "لقد كانت مكتبة النُّور سراجًا منيرًا في ظلمة وطننا خصوصًا بعد النَّكبة، ومنارة هادئة وهادية، تطلق سناها بعالي سمائها، لتضيء الدّرب في الدياميس المظلمة..".
وفي وادي حنين يكتب "لو كان للشَّجر لسان، لنطق صارخًا من هول مأساة شعب تشرَّد عقودًا، أو كان للحجر وجدان لسرد حكاية الذين عادوا "متسلِّلين" في كفن، ولو كان للبحر قلب لنبض بوتيرة أسرع من سرعة الأنواء العاتيَّة..".
لم يكرِّر د. خالد تركي نفسه في مؤلَّفاته الثّلاثة، فقد اختلف اسلوبه في كتابه الأول "يوميَّات برهوم البُلشفيِّ" عن مؤلَّفه الثَّاني "حماة الدِّيار"، فكان الأول دمجًا بين سيرة ذاتيَّة لأبيه ومسيرة شعب قارع الانتداب وبعده الصَّهيونيَّة التي شرَّدت أبناء شعبه وصادرت أرضه، وجثم حكمها العسكري على حياته ووجوده حوالي عشرين عامًا، لكنَّه انتفض وهبَّ رغم القهر والظُّلم والاستبداد. أمَّا الكتاب الثَّاني فتناول سيرة عشرات من مناضلي القاعدة الذين ارتكز عليهم النِّضال، أولئك الذين حموا بأجسادهم وبكفاحهم اليوميِّ المثابر وجودنا وبقاءنا على هذه الأرض الغالية. وفي المؤلَّف الثالث الذي يضعه المؤلِّف بين أيديكم ستجدون اسلوبًا جديدًا وإبداعًا مميَّزًا، لكنَّه لا يختلف في أهدافه عمَّا سبق من مؤلِّفاته، فالنَّبع الصَّافي لا يأتي إلا بالماء العذب.
مداخلة العريفة خلود: وُلدنا بأسمائنا، كبرنا ولم نقبل إلّا الهواء لحافا ولا إلا الأرض هوية وانتماء. نحن دائما تحت سقف واحد وفي ظل حلم واحد، مهما حاول العابثون خدشه سيبقى واعدا واثقا، فأحلام الأحرار وعود تتحقق، فكم إذا كانت وعود إخوة في الإنسانية والحرية والعقل! د. خالد، لتبق منارة ونبراسا وطريقا.
مداخلة د. خالد تركي: إلى من علَّمني أن أحبَّ حيفا، برَّها وبحرها، سماءها وكرملها.. إلى من علَّمني أن أحبَّ دمشقَ، غوطتها وقلمونَها، نارنجها وياسمينها.. إليكم جميعًا أهدي كتابي، ومنهم والدي ابو خالد ابراهيم تركي، برهوم البُلشفي.. ومن شابه أباه فما ظلم.. والابنُ ينشَأُ على ما كان والِدُهُ/ إِنَّ الجُذورَ علَيها ينبتُ الشَّجرُ، وستبقى حيفا/ بلادي على عهد دمشق، "وعليكِ عيني يا دمشق، فمنك ينهمر الصَّباحُ"
من حيفا..هنا دمشق، من عكَّا ويافا واللد والرَّملة ومن كفر ياسيف، وأبو سنان والكويكات وعمقا وامِّ الزِّينات والبروة والطَّنطورة والسميريَّة وأم الفحم واللجون هنا دمشق.. ومن أربع طيِّبات بلادي وطيرتيْها والنَّاصرة والقدس ودير القاسي ودير ايوب وعمواس واللطرون وبيت جن ودالية الكرمل وطبريَّة والنَّقب ومغار حزُّور ومن كلِّ بلادي هنا دمشق.. من قلبي ومن كبدي ومن كلِّي لا بل من كلِّ كلِّي..هنا دمشق..
فيا دمشقُ انت القلب النَّابض للعرب، "انت المجدُ لم يغِبِ"، انت "الفولاذ في العَصبِ"، وانتِ سوار من خالصِ الذَّهبِ، في معصمِ بلقيس ملكة سبأ وزنوبيا ملكة تدمر، وفي معصم الزَّهراء والعذراء وفي معصم أشرفِ وأطهر النِّساء، فلكِ منِّي، يا فيحاء، الوفاء والكبرياء والإباء ولك منِّي، ايتها العنقاء، العهد والوعد، أن يبقى السَّناء في عالي السَّماء، يا حسناء..
فالشَّام شمسنا وشامتنا، تُزيِّنُ جبينَنا ليبقى مرفوعًا وترفعُ جبهتَنا لتلامسَ الكواكب والأجرام أو يزيد.. فيا دمشق دومي لنا، دوام الماءِ والغَبراءِ والسَّماءِ، كما كنتِ وكما انتِ منتصرةً رغم انوف المعتدين.. لأنَّكِ أنتِ أنتِ روحُنا وحبلُ وريدنا ونياطُ قلوبنا وعزُّنا وعزَّتُنا وانتِ نبضُنا ﴿بالعَشِيِّ والإِبْكارِ﴾! كيف لا و"أنا صوتي منك يا بردى".. فيا دمشق يا مكَّة العرب والعروبة، مُكِّي رقاب المتآمرين والتَّكفيريِّين، فانتِ قِبلة الثُّوَّار والأحرار والشُّرفاء ولكِ منَّا ما شاء الله من قُبَلٍ ومن قُبلةٍ وقُبلة، يا قِبلة.. من حيفا..هنا دمشق، من أين أتاني عنواني الذي مَلَكَ مكاني وزماني وكياني وكلَّ آنٍ من آني!
في الثَّاني من تشرين الثَّاني من عام العدوان الثُّلاثي على مصرَنا، بعد تأميم قناة السُّويس، في القرن المنهزم، بانهزام المعتدي وصمود مصرَ والعرب، قصف طيران انجلترا وفرنسا أجهزة إرسال محطَّة الإذاعة المصريَّة، الواقعة في منطقة صحراء أبي زعبل، شمال القاهرة، حيث دُمَّرت تمامًا، وانقطع إرسال صوت القاهرة، قبل أن يلقي النَّاصر للعروبة خطابه، ما سبَّب عطلاً في الإذاعة، وانقطع الإرسال، وهنا صنعت دمشق مفاجأتها الكبرى، كما نعهدها حين تقومُ يومَ المحن بالذَّود عن العرب والعروبة، وهزَّ صوت النَّاصر لجمال وطننا العربيِّ عبر أثير إذاعة دمشق على الفور بعد ان كان النِّداء الإذاعيُّ "من دمشق هنا القاهرة، هنا مصر من سورية"، ناقلةً خطاب جمال عبد النَّاصر..
لقد كانت فاتحة الخطاب: في هذه الأيَّام التي نكافح فيها من أجل حرِّيَّتنا، حرِّيَّة شعبِ مصرَ، من أجل شرف الوطن، أحبُّ أن أقول لكم، إنَّ مصرَ كانت دائمًا، مقبرةً للغزاة، وإنَّ جميع الإمبراطوريَّات التي قامت على مرِّ الزَّمن انتهت وتلاشت حينما اعتدت على مصرَ،..انتهى الغزاة وانتهت الإمبراطوريَّات وبقيت مصرُ وبقي شعب مصرَ.. يومَها أعلنت سورية التَّعبئة العامَّة ووضعت كلَّ قدراتها العسكريَّة، من عُدَّة وعتادٍ وعسكرٍ تحت تصرُّف مصرَ، وقطعت علاقاتها مع فرنسا وانجلترا، فأين تلك الدَّولة الشَّقيقة وأخواتها من العدوان العالميِّ، الكونيِّ والمسكونيِّ، على شقيقتهم سورية.
يا سيِّدنا علِّمهم درسًا في الشَّرف والكرامة والشَّهامة وعزَّة النَّفس والوفاء والإباء.. 
يدعو المناضل داود تركي مصرَ: فانهضي يا مصرُ شعبًا قد تحدَّى شرَّ أَقسى مجرمٍ في الظَّالمينا/ وارفعي شهمًا كريمًا دكَّ صرْحًا من صروح الظُّلمِ مرفوعًا جبينا/ وستبقى سورية بشعبها وجيشها وقيادتها الوطنيَّة وطبيب عيونها/ عيوننا../ وسيبقى المارقون مارقين والعابرون عابرين والمردودون مردودين ﴿أَسْفَلَ سافِلين﴾/ لذا "عَلِّمِينا فِقْهَ العُرُوبَةِ يا شَامُ فَأَنْتِ البَيَانُ وَالتَّبْيِينُ"/ فأنتِ "هبةُ السَّماء، طبييعةٌ فتَّانةٌ لن يستويها مارقٌ مستشرقُ" (الشَّاعر داود تركي).
حيفا ما زالت تعيش نكبتها، ودمشق تعيش مؤامرةً شرسة وجوديَّة وما زال يلتقي بهما "جيل البطولات بجيل التَّضحيات  التقى كلُّ شهيدٍ قَهَرَ الظُّلم ومات، بشهيدٍ لم يزل يبذُرُ في الأرض بذور الذِّكريات، أبدًا ما هنتِ يا سوداننا يومًا علينا" (محمَّد الفيتوري من قصيدة أصبح الصُّبحُ)..
أبدًا ما هنتِ علينا، يا حيفا ويا دمشق، ويا بلادي من مشرقك إلى مغربك، ومن محيطك إلى خليجك، ومن القامشلي شمالاً إلى رفح جنوبًا..
لقد بناك، يا بلادي، الطَّيِّبون والطَّيِّبات لتكوني انتِ للعبادِ، يا حبيبتي يا طيِّبتَنا، يا أرضَ الرُّسُل والرِّسالات والصِّدِّيقين والمناضلين والشُّرفاء والأحرار والأبرار والأخيار ومهد الحضاراتِ، وقد تضرَّع رسولنا العربيُّ الكريم إلى الله، كما جاء في حديثه الشَّريف: اللهمَّ بارك لنا في شامنا..
فكانت الشَّآم "بنت الأكابر" والكرام، عزيزة على الأنام على مرِّ الأيَّام وستبقى في ناسِ أهل الشَّام المسرَّة وسيحلُّ السَّلام على أرضِ السَّلام، على ﴿هذا البلد الأمين﴾.. فهل نرضى بأن تكوني غير ذلك!
لذا انتفِض يا شعبي انتفاضتك الشعبيَّة الجارفة في وجه أيتام مسيلمة الكذَّاب وأبي لهب وحمَّالة الحطب وابن ملجم وابو لؤلؤة ويزيد بن معاوية وآل سعود وآل حمد وآل الاسخريوطي وكلِّ المفكِّرين الأيتام الذين كانوا من "تلامذة القوميَّة" لغاية في نفس من لفَّهم!
فضمِّدي جراحك وانهضي يا شامُ نهضة عروس المجد، "وامسحي دمع اليتامى"، "والمسي جرح الحزانى"، فجراحنا ما زالت تنزف وتنتظرك لنُعالج جرحنا معًا.."وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح".

جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون راشيا تنعي فيه المطران غريغوار حداد

في الصورة: المطران غريغوار حداد وشوقي دلال في جمعية محترف راشيا لبنان.
أصدر رئيس "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" راشيا شوقي دلال بيان اليوم نعا فيه المطران غريغوار حداد وجاء في البيان:
برحيل مطران الفقراء والمحبة الجامعة غريغوار حداد تذرف الثقافة اليوم وجمعية محترف راشيا الدموع لما شكله الفقيد الكبير من رؤية جامِعَة موَحَّدة لجميع مكونان لبنان على مختلف المشارب حيث كان عنوانه الوحيد الإنسان بعيداً عن أي تعصب وقد إختبرناه ورافقناه ومشينا معاً في العديد من المحطات تحت شعار شهير رفعه "مَن  يخدم الناس يخدم الله" فأسس مع لبنانيين من البيئات والطوائف كلها "الحركة اﻻجتماعية" ليصل الى كل المناطق النائية مقدماً نموذجاً متقدماً للتكامل بين الدولة والمجتمع ومنها محاضرة ألقاها في "جمعية محترف راشيا" عام 2002 بعنوان "العلمانية ومأزق الخيار الطائفي" حيث جمع الشباب مطالباً بنبذ التفرقة والعنف والمشي في هُدى تعاليم الإنجيل والقرآن مُحدِثاً ثورة في المفاهيم مما جعل الكثيرين من رجال الدين يعارضونه ويقفون ضده.
 وداعاً أيها المطران غريغوار ونعد روحك الجامعة أننا سنبقى نرافق أفكارك ونعمل بها وما تركته من بصمات لن تمحوه الايام مهما إشتَدّت الصعاب"...
شوقي دلال
رئيس الجمعية

بوسي بروزني تحتفل بالكريسماس مع 4 قمرات




القاهرة مكتب مجلة الغربة من مراسلة المجلة :  سماح السيد
 احتفالا بالكريسماس انتهت الموديل الشهيرة بوسي برونزي من جلسة تصوير خاص بعدسة المبدع  شريف اليماني  وتصميم الحنة لدعاء حمدي  خليفة مصممة ليالي الحنه ومشاركة الموديل  مني احمد وولاء حمدي الاسيستن مع دعاء وريناد الطفلة الجميلة وموديل المستقبل ابنة دعاء وقدموا صورا جميلة تعكس عروضدودي حنه شو بتصوير المصور الشهير الموهوب شريف اليماني وتقدم دعاء خصما وعرضا خاصا للعرائس بمناسبة العام الجديد وسوف تقدم اكثر من عرض بالقاهرة  واحتفالا بهذه المناسبة السعيدة يقوم بابا نويل بتقديم  الهدايا  في هذه العروض وسوف  يقدمن يوم 26 حلقة على الفضائيات للحنة شو وابداعات ولمسات سحرية لمصممة  الحنة الشهيرة دعاء خليفة

إصدار العدد الثَّالث من مجلّة السَّلام الدَّوليّة

اضغط على غلاف المجلة لقراءتها
كتب صبري يوسف ــ ستوكهولم
صدر العدد الثّالث من مجلّة السَّلام الدَّوليّة، بعد عام كامل من الجُّهود المتواصلة بإستلام مئات الفعاليات واللَّوحات، ويتميّز هذا العدد بالكثير من الملفّات الغنيّة بالمواد والمواضيع، والكثير من القصائد الشِّعريّة، والقصص القصيرة، والمقالات والحوارات العميقة حول السَّلام العالمي، والدِّراسات النَّقديّة والتَّحليليّة والكثير من المشاركات في الفنِّ التَّشكيلي، وقد وصل عدد المواد الإبداعيّة المنشورة 274 مادّة، على مساحة 1100 صفحة من الحجم الكبير! .. وهناك من شارك بأكثر من مشاركة في الأجناس الأدبيّة والفنيّة، ننشر فيما يلي ما جاء في مقدّمة المجلّة: 
كلمة المحرّر 
نحن البشر مجرّد رحلة عابرة على وجهِ الزّمن

نهضتُ باكراً كغير عادتي صبيحة هذا اليوم ( 1. 8. 2015 )!
تساؤلات لا حصر لها تراودني، أسئلة لا أجد وقتاً ولا مجالاً للإجابة عنها، أغلب الأسئلة تتمحور حول الزّمن، العمر، الحياة، وتدور أيضاً حول كلّ هذا التَّدنّي المخيف والمرعب في سلِّمِ القيمِ والأخلاق في الكثير من بقاعِ الدُّنيا! 
نحنُ البشر مجرّد رحلة عابرة على وجه الزّمن، رحلة قصيرة جدَّاً، أقصر ممّا يتصوَّره الإنسان، رحلة قصيرة كأنّها رمشةُ عينٍ، طالما هي محصورة ضمن زمن، ضمن وقت محدّد حتَّى ولو عشنا قرناً أو قروناً، بالنّتيجة نحن محكومون بحياةٍ عابرة، عبور النّسيم في صباحٍ باكر!
ما يقلقني جدَّاً أو بالأحرى لا يقلقني أيّ شيء على وجه الدُّنيا، بما فيه القلق نفسه، ولا أي نوع من أنواع القلق بما فيه القلق المبدع! لكن مع كلِّ هذا ما يقلقني، بل ما يغيظني هو أنّني أرى أنَّ الإنسانَ يزدادُ إعوجاجاً وقبحاً وسفالةً ووقاحةً وإنحطاطاً وبُعْداً عن الأهدافِ السّامية والنَّبيلة والخيّرة، ويركّز جلّ تفكيره على الغشِّ والخداع والنّصب والإحتيال والحروب والقتل والدّمار والهلاك، كأنّه سيعيش ملايين السّنين أو سيخلّد على وجه الدُّنيا إلى الأبد، وقد نسى أنّه مجرّد كتلة تدبُّ على الأرض كأيّة كتلة سقيمة وعقيمة، عندما يكون بعيداً عن فعل الخير والمحبّة والسَّلام، ولابدَّ كي يعبِّرَ عن إنسانيّته أن يعملَ جاهداً، أن يعيشَ كإنسان سامي ونبيل وخيِّر يليق به كإنسان، وإلّا أعتبره مجرّد حالة بوهيميّة عقيمة وتافهة إلى أبعد درجاتِ التّفاهة، ولا يختلف بنظري عن أيّ وحش مفترس أو حشرة ضارّة تدبُ على الأرض، بل أرى أنَّ بعض الحشرات الضَّارّة أكثر نفعاً منه، حيث تبيّن عبر نتائج العلوم الطبّيّة أنَّ سمومّ بعض الحشرات ممكن استخدامها كدواء لمعالجة بعض الأمراض، وهكذا حتَّى سموم بعض الحشرات القاتلة ممكن أن يستفيد منها البشر، بينما البشر: الإنسان، هذا الإنسان السّامي، يجنح الكثير من جنسه نحوَ ممارسة الخراب والدَّمار والهلاك، ناسياً أنّ كلَّ مستقبله في هذا الزّمن، العمر، الحياة: هو في نهاية المطاف عبارة عن متر إلى مترين من الأرض ضمن حفرة صغيرة مع قليلٍ من الخشب! 
فأينّ المفرُّ أيُّها العنجهي الآثم، الجَّانح نحو الشُّرور والفجور والقتل والدَّمار والحروب، من هذين المترين والقليل القليل من الخشب في مستقبل الأيام؟! أينّ المفرّ من كومة الخشب الّتي تتربّصكَ ضمن هذه الحفرة الصَّغيرة كأنّك خرقة تالفة؟! لا مفرَّ إلّا بالعمل الصَّالح والخيِّر وانهاج منهج السَّلام مع بني البشر، كي تفوزَ بالأرضِ والسَّماء!
من هذا المنظور ومن ألفِ منظورٍ آخر، أرى أنّه من الضُّروري وبأقصى سرعة ممكنة أن تتضامن قوى السَّلام العالمي وقوى الخير وكلّ القوى والمؤسّسات والمنظَّمات الدَّوليّة في العالم وبالتّضامن مع الدُّول الَّتي لها باع كبير في تحقيق هذه التّطلُّعات الإنسانيّة الخلّاقة، أن تدعو إلى بناء وتأسيس مؤسَّسات عالميّة جديدة وتعميمها في دساتير الكون عبر كلّ دول العالم قاطبةً، بحيث أن تصبح الكرة الأرضيّة بمثابة دولة واحدة كونيّة عبر دول العالم ويسودها هذه القوانين الإنسانيّة والسَّلاميّة الوئاميّة الخلَّاقة، وتسعى إلى تحقيق سعادة البشر كلَّ البشر وتسعى إلى تحقيق رفاهيّة البشر، وطيّ صفحة الحروب والصّراعات والقتل والدّمار وإغلاق معامل السِّلاح والتَّركيز على كلِّ ما هو خيِّر للبشر والبشريّة جمعاء على مدى الأزمان، بعيداً عن لغة التَّعصُّبات الدِّينيّة والمذهبيّة والقوميّة والإقليميّة والقارِّيّة، بل يجب أن يكون جلّ اِهتمامنا على الإنسان كإنسان، بغضِّ النَّظر عن إنتمائه الدِّيني والطَّائفي والمذهبي والعرقي والقومي، لأنَّ الإنسان هو إنسان قبل أن يكون من هذا الفصيل أو ذاك!
وضمن هذه المعادلة سيحقِّقُ المجتمع البشري الفرح والحبّ والسَّلام ويكون في طريقه إلى تحقيق سعادة البشر كلّ البشر، ويقضي رويداً رويداً على الحروب بأقلِّ الخسارات، وإلَّا سيسير المجتمع البشري إلى هاويات الجَّحيم عاماً بعد عام وقرناً بعد قرن، وكأنّ البشريّة خالية من المفكّرين والمبدعين والعباقرة والفلاسفة والسَّاسة المتنوِّرين، لهذا لا بدَّ أن نضعَ عبر الأفكار الإنسانيّة الخلَّاقة، حدّاً لكلِّ ما نراه من إنحطاطٍ فكري ونسعى إلى ترسيخ تحقيق قيم الخير والمحبّة والعدالة والسَّلام وتعضيد إنسانيّة الإنسان!
إنَّ سبب دمار وخراب الكثير من الدُّول والكثير من البشر هو بسبِّب تفشِّي الكثير من الأفكار العقيمة والسَّقيمة، والّتي تقود الإنسان إلى الحروب والصِّراعات وإلى الانحلال في قيم الأخلاق وبالتَّالي يتحوّل الإنسان إلى كائن مفترس، أكثر افتراساً من الوحوش الضَّارية، لهذا يتوجّب تطهير الإنسان من الأفكار المدمّرة وبناء إنسان مسالم ضمن المناحي الَّتي أشرتُ إليها في سياق تطلُّعاتي كي يعيش الإنسان في سلام مع بني جنسه ومع الكائنات كلّ الكائنات، ويكون جاهزاً لإسقبال هذين المترين من الأرض ضمن حفرة صغيرة وقليل من الخشب، بكلِّ رضى وقناعة وراحة ضمير!
ذلكَ هو السُّؤال، لبُّ السُّؤال، وفي رجاحة العقل الإنساني الخلّاق يكمن الجّواب، ومن خلال رؤية الإنسان الخلَّاقة وتطبيقها على أرض الواقع، نستطيع أن نحقِّق أسمى أهداف العمر الّذي نعيشه في الحياة، تاركين خلفنا بعد عمرٍ طويل أو قصير أسمى ما يمكن الافتخار به على مدى الأجيال! 
*****
تضمّن هذا العدد الكثير الكثير من المواد، فقد شارك في باب الشَّعر 108 شاعراً وشاعرة، بعضهم شارك بأكثر من مشاركة وبعضهم الآخر لديه أكثر من قصيدة، وفي باب القصّة شارك 19 قاصَّاً وقاصَّة، وفي باب المقال ورد للمجلّة 16 مقالاً، وأمَّا في باب الدِّراسات النَّقديّة والتَّحليليّة، فقد وردني أربعة ملفّات بعضها بمثابة كتاب، تحوي تحليلات عميقة للغاية أثْرَت هذا الجّانب الهام، وفي باب: حوار حول السَّلام العالمي، شارك فيه 9 مشاركات من قبل بعض الكتَّاب والشُّعراء  والمفكِّرين والفنَّانين من عدّة دول من العالم، وفي باب التّشكيل شارك 74 فنّان وفنَّانة من العديد من دول العالم. 
تميّز هذا العدد بوجود ملفَّات عميقة لبعض المشاركين والمشاركات، فقد شارك الشَّاعر القس جوزيف إيليّا في نصّ مشترك بعنوان: الحُبُّ والسّلام:  القصيدة المشتركة، شارك في الملف 22 شاعراً من عدّة دول، كما أعدّت الأديبة والمترجمة د. أسماء غريب  ملفّاً غنيَّاً حيث أعدّت دراسة موسّعة عن أدب وفن الأديب التَّشكيلي صبري بوسف بعنوان: إنسانُ السَّلام: مَنْ هُوَ وكيفَ يَتكوّن؟ تجربة صبري يوسف الإبداعيّة أنموذجاً، وسيكون مدخلاً رحباً لديوان السَّلام أعمق من البحار الّذي ترجمته إلى الإيطاليّة كما سيتمُّ ترجمة هذه الدِّراسة إلى الإيطاليّة أيضاً لنشرها كمدخل إلى الدِّيوان. وتمَّ إعداد ملف عن تكريم الفنَّان عمر حمدي، مالفا بإشراف كل من صبري يوسف وغريب ملا زلال، حيث شارك 40 مشاركاً ومشاركة، قدَّموا شهاداتهم ووجهات نظرهم ورؤاهم حول تجربة الفنّان المبدع عمري حمدي والملف هو عبارة عن كتاب ضمن دفّتي المجلّة، وسيصدر كتاباً الكترونيّاً مستقلاً، وورقيَّاً لاحقاً!
تمَّ منح أربع شهادات تقديرية لكلٍّ من:
القس الشّاعر جوزيف إيليّا، الفنَّان التَّشكيلي عمر حمدي "مالفا"، الأديبة المترجمة د. أسماء غريب، وقبل أيام تمَّ منح الفنَّانة المبدعة السَّيّدة فيروز شهادة تقدير، فهي رسولة السَّلام إلى أقصى أقاصي النّجموم، وتمَّ نشر ديوان: فيروز صديقة براري الرُّوح، المُهدى إلى السَّيدة فيروز وهو الجّزء الثَّامن من أنشودة الحياة الَّتي يشتغل عليها الشَّاعر صبري يوسف، وسيتمُّ إعداد ملف تكريم خاص بفيروز في العدد القادم 2016 بفتح المجال لتقديم شهادات في تجربة فيروز الغنائيّة الرّاقية.
خَطَت المجلّة في هذا العدد نحو الانفتاح على اللُّغات غير العربيّة، تأكيداً من إدارة المجلّة على توسيع فضاءات المجلّة نحو رحاب العالميّة، لترسيخ دعائم التَّواصل الحضاري الحقيقي مع الآخر عبر الإبداع الخلَّاق، أينما كان هذا الآخر، متجاوزة الحدود والجُّغرافية طالما هذه الشَّبكة قادرة على اختراق المسافات بلمح البصر، وقد وردني مشاركات بعشرة لغات، الإنكليزيّة، الفرنسيّة، الألمانيّة، الإيطاليّة، الإسبانيَة، السُّويديَة، البولونيَة، الكرديّة، السّريانيّة والفارسيّة، إضافة إلى اللُّغة العربيّة، وقد تمَّ ترجمة كلّ اللّغات إلى العربيّة كي يتمكن قرّاء العربيّة من قراءة المواد المترجمة ترسخياً لثقافة السَّلام  والوئام بين البشر عبر أبجديات الإبداع في أعرق اللّغات. 
ستوكهولم: 1. 8. 2015، مــسـودة أولـى
19. 12. 2015 صياغة نهائيّة!
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم


ملالا ومُزن: تعاون من أجل إعلاء قيمة تعليم الفتيات

ليز دوسيت
كبيرة مراسلي الشؤون الدولية – بي بي سي

"هل اثنتان من ملالا أفضل من ملالا واحدة؟" سؤال سألته على سبيل الدعابة لفتاتين تبتسمتان على أريكة أرجوانية اللون في مكتبة عامة في شمالي إنجلترا.
ضحكت الفتاتان بعد سماع السؤال، وأجابت ملالا يوسفزاي، البالغة من العمر 18 عاما : " أو اثنتان من مُزن".
وتجلس مُزن المليحان، البالغة من العمر 17 عاما، مبتسمة في خجل إلى جانب أشهر ناشطة في العالم في مجال تعليم الفتيات والتي سرعان ما أصبحت صديقتها الحميمة.
في أحد الأيام المطيرة الباردة، اجتمعت أسرتا الفتاتين في غرفة ذات واجهة زجاجية في مكتبة نيوكاسل سيتي التي تتيح إطلالة على منزل مُزن الجديد في بريطانيا. فأسرتها السورية كانت من بين أوائل الأسر التي حضرت إلى بريطانيا من مخيمات اللاجئين على الحدود السورية.
وعندما سعت الفتاة الباكستانية، التي نجت من محاولة اغتيال نفذتها جماعة طالبان، إلى السفر إلى الحدود السورية مع الأردن قبل نحو عامين للقاء لاجئين فروا من الحرب، سمعت عن فتاة يطلقون عليها لقب "ملالا السورية".
كانت مُزن تحث الآباء القلقين على تعليم بناتهن بدلا من تزويجهن.
تغيرت حياة الفتاتين إلى الأبد بسبب صراعين مختلفين، وهما حاليا طالبتان في بريطانيا وتغيرت حياتهما مرة أخرى.
وقالت ملالا، ومُزن تهز رأسها بالموافقة : " نرغب في أن يلهم جيش ملالاومُزن الفتيات الصغيرات كي يتمسكن بحقوقهن. لطالما تملكتنا رغبة العمل معا، والآن نستطيع ذلك".
وسوف يبدأ مشروعهما القادم من أجل تعليم الفتيات السوريات في أوائل فبراير/شباط المقبل خلال مؤتمر المساعدات في العاصمة البريطانية لندن.
وملالا بالفعل ناشطة ذات جدارة بها فضلا عن وجود تمويلات تحمل اسمها يتسع نطاقها. كنت شاهدتها في يوليو/تموز الماضي أثناء الاحتفال بعيد ميلادها ال18 وهي تشطر كعكتها التي كانت شكل مدرسة أثناء افتتاح أول مدرسة للفتيات السوريات.
وتمتدح الناشطة الصغيرة، الحائزة جائزة نوبل، صديقتها السورية التي تصغرها بقليل والأقل منها خبرة فيما يتعلق بطرق المساعدات.
وتقول ملالا : "كنت مع بعض الطالبات في مخيم لاجئين في الأردن وقالت لي إحداهن : من الرائع أن نقابلك، لكن ليس أنت، بل مُزن هي التي ألهمتنا بمواصلة التعليم".
وتتذكر أيضا "الوضع المتردي في مخيمات بلا كهرباء تزداد حرارتها في الصيف وبرودتها في الشتاء".
وقالت مُزن وهي تتحدث عن حياتها الجديدة في ظل ثقافة مختلفة تماما : "أي شئ في بدايته صعب".
وقد تحسنت لغتها الانجليزية بشدة خلال السنوات الماضية. والاتقان حاليا يعد أحد أهدافها، لذا فهي "تستطيع التحدث مع ملالا في أي شئ" وتسعى لتحقيق حلمها في أن تصبح صحفية.
ونشأت الفتاتان في ظل أسرتين محافظتين من الأسر المسلمة، لأبوين معلمين غرسا فيهما حب التعليم.
وبينما تتجاذب الفتاتان أطراف الحديث، كان زين الدين يوسفزاي وركان المليحان يتحدثان بمساعدة مترجم عربي. كما وجدت والدة كل منهما، تور بيكاي وإيمان المليحان، سبيلا للتغلب على حاجز اللغة.
ومن الواضح أن محنة اللاجئين السوريين عالقة في ذهن ملالا وسط حركة هائلة لمواطنين يقطعون رحلة محفوفة بالمخاطر للوصول بأمان إلى أوروبا.
وقالت : " لا نستطيع حل هذه المشكلة نظرا لأن عدد اللاجئين هائل جدا".
وتعترف وهي تبتسم : "أخذت بالفعل آلة حاسبة، وقلت إن استطاعت كل بلد استضافة نحو 50 ألفا أو حتى 25 ألفا، لاستطعنا حل هذه المشكلة".
أشرت إلى أن بلد مثل بريطانيا، تعهدت باستضافة نحو 20 ألف لاجئي خلال السنوات الخمس المقبلة، وقالت بريطانيا إنها لا تستطيع تحمل المزيد.
وتؤكد : "لست متأكدة بالفعل من قدر تحمل الاقتصاد البريطانية، لكن الشئ الوحيد الذي أعرفه جيدا هو أننا نستطيع على الأقل مساعدة الناس".
وتعد قضية زواج القاصرات من بين أكبر مخاوف مُزن. وتقول منظمات الإغاثة إن زواج القاصرات في المخيمات يزداد بمعدلات خطيرة.
وتقول مُزن :"تسهم العادات و(مستوى) التعليم في اعتقاد الكثير من الآباء في أنه بزواج بناتهم فهم يوفرون لهن مستقبلا أفضل".
وأضافت : "يوقف الآباء تعليم بناتهم بسبب عدم إدراكهم أن أفضل سبل حمايتهن يكمن في تعليمهن".
وتفسر ملالا :"إن كنا نرغب في إعادة بناء سوريا يوما ما، فذلك لن يحدث بحرمان مليوني طفل لاجئ من التعليم".
وتفكر الناشطتان في مبادرة جديدة.
وقالت : "نأمل في إطلاق حملة العام المقبل تحدد عام 2016 بعام نأمل في أن تضع فيه الحرب أوزارها ويعم السلام من جديد".
وأضافت مُزن: "يجب أن نتحلى بالإيجابية والأمل في أن تكون بلادي بلا حرب".
وسوف يمثل انتهاء الحرب الطاحنة الدائرة في سوريا العام المقبل اختبارا لرغبة قادة القوى العالمية والدبلوماسيين المخضرمين.
وفي الوقت عينه لدى الناشطتين في مجال تعليم الفتيات الكثير للعمل من أجله، بما في ذلك واجباتهما المنزلية.
وتسأل ملالا مُزن أثناء حديثهما في أحد الأركان الهادئة بالمكتبة : "ما هي المواد التي نعتزم دراستها هذا العام؟"
كان السؤال بداية محادثة جديدة بينهما، سيسمع صداها في شتى أرجاء العالم.