الزميلة نبيلة بزّي مكرّمة في مهرجان بنت جبيل التراثي





اطلقت بلدية بنت جبيل "مهرجان بنت جبيل السياحي التراثي الرابع"، برعاية وزير السياحة اواديس كيدانيان، وبالتعاون مع اتحاد بلديات قضاء بنت جبيل، الحركة الثقافية في لبنان، شيلدر، الرابطة الثقافية الاجتماعية والمركز الثقافي لأبناء بنت جبيل، غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب النادي الرياضي موقع بنت جبيل الالكتروني، بنك بيبلوس والكتيبة الايرلندية الفنلندية في ملعب بنت جبيل البلدي. 
وتم خلال الإفتتاح تكريم عدد من الشخصيات الفاعلة وتوزيع دروع تكريمية وهم الوزير كيدانيان والنائبين بزي وفضل الله ووجوه اعلامية من ضمنهم الزميلة نبيلة بزي لمسيرتها الاعلامية خصوصا في تلفزيون لبنان . ورئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزّي لعمله الجبار حيث حول مدينة بنت جبيل الى مدينة نموذجية يتحذى بها. 

حضر الحفل- الذي قدمه الاعلامي حسن خليفة- كل من النائبان علي بزي وحسن فضل الله، مدير مكتب وزير السياحة سركيس مار ديروسيان، رئيس دائرة المهرجانات في وزارة السياحة ربيع شداد، رئيس دائرة الاستقبال في وزارة السياحة رشا ابو عليوي، رئيس الرابطة الثقافية محمد جمعة، رئيس اتحاد قضاء بنت جبيل عطا الله شعيتو، رئيس بلدية بنت جبيل المهندس عفيف بزي، رئيس الحركة الثقافية في لبنان بلال شرارة، قنصل غامبيا الفخري محمد ابراهيم بزي وفاعليات تربوية وثقافية وقيادات وضباط من "اليونيفل".

كيدانيان
ألقى وزير السياحة كلمة شكر قال فيها: "المناسبة سياحية تراثية، ولكن الارض أرض المقاومة والتحرير والشهادة اي انها مقدسة، تستوجب منا الانحناء والتقدير والإجلال امام تقدمياتها الجسام، واني لفخور أن ألقي كلمة من على منبرها الذي مر عليه عظماء كدولة الرئيس نبيه بري وسماحة السيد حسن نصرالله، واعتبر نفسي من المحظوظين والمكرمين عندما ألقي كلماتي القلبية المتواضعة من على هذا المنبر لأخاطب الشعب الطيب الكريم المعطاء، ولأحيي المجاهدين والشهداء الذين سقطوا على هذه الارض يوم عرفوا كيف يدافعون ويقاومون عن عزة وكرامة وبقاء هذه الارض حرة عزيزة لأهلها وساكنيها". 

بزي
ثم ألقى النائب بزي كلمة قال فيها: "هذه المدينة خرجت منذ زمن بعيد من لغة الكلام الضائع وصاغت لغة من مسك وغار في حارتها وأحيائها وسراديبها وتحت كل حبة تراب من ترابها انبتت مقاوما يحمل بيد بندقية ويحمل بيد أخرى حرفا وقلما وكتابا ليصنع مع سائر المقاومين والمجاهدين أعراس العزة والكرامة والحرية والسيادة والاستقلال، كل الجهات في هذا الوطن هي الجنوب ومقياس الأصالة والانتماء الى هذا الوطن أن تكون جنوبيا، لأن من لا يحمي حدوده لا يعرف على الإطلاق كيف يحمي عاصمته ولا يعرف على الاطلاق كيف يحمي أي بلدة او قرية في لبنان". 

فضل الله
وتحدث النائب فضل الله عن تاريخ بنت جبيل، فقال: "اليوم نلتقي هنا في هذا الملعب لنشتم رائحة الخبز ونستعيد معا تراث هذه المدينة العريق الموغل بالتاريخ من مدرستها الأولى وتراث انتفاضة تبغها عام 1936 وتراث مجاهديها، وهي مدينة المصنع والشتلة والسنبلة والتظاهرة والحرف والكتاتيب، هي عاصمة لكل شيء هذه المدينة التي ربما يطالب رئيس البلدية او الاتحاد ان توضع على خارطة السياحة، هذه المدينة وضعت كل لبنان على خارطة العزة والكرامة والعنفوان قد تكون على مستوى بعض المناطق نريد سياحة لكن بعد تموز 2006 كل لبناني كان يذهب الى أصقاع العالم العربي ويفاخر بأنه ينتمي الى لبنان لأن بنت جبيل وضعت لبنان على هذه الخارطة".

عفيف بزّي 
كما القى رئيس البلدية بنت جبيل عفيف بزي كلمة رحّب فيها بالحضور وتحدث عن أهمية المهرجان وموقع البلدة السياحي والثقافي. 

ابو عليوي
وألقت رشا ابو عليوي كلمة لجنة مهرجان بنت جبيل، شكرت في مستهلها وزير السياحة لرعايته المهرجان والجمعيات والمؤسسات المشاركة والمنظمة، وفي مقدمها اتحاد بلديات قضاء بنت جبيل. وتحدثت عن اهداف المهرجان السياحي والاجتماعي والاقتصادي وتبيان الوجه الحضاري لمدينة بنت جبيل، مشيرة الى تاريخ المدينة العلمي والجهادي العريق.

شوقي دلال رئيس "جمعية محترف راشيا" يتسلم أرزة على إسمه بالخط العربي من فنان الخط اللبناني عماد زيدان

بعد أن تم منحه منذ أسابيع أرزة على إسمه في محمية الأرز في إهدن ها هو الفنان شوقي دلال رئيس "جمعية محترف راشيا" وأمين عام "تجمع البيوتات الثقافية في لبنان" يتسلم أرزة فنية على إسمه من فنان الخط اللبناني  عماد زيدان.
دلال قال في المناسبة: "شرفني اليوم الاخ الفنان الاستاذ عماد زيدان مُقَدماً لي لوحة حروفية تُشَكّل الأرزة اللبنانية من خلال رؤية الفنان في كلمة (شوقي دلال أرزة) وإسم لبنان يحمل الأرزة حيث رسمها الفنان بخط الثُلُث في رؤية فنية بديعة نستدل من خلالها على المكانة العالية للفنان في الخط العربي الذي تَحَوّل الخط معه من كونه أحرف جامدة على ورق إلى نوتة موسيقية تعزف الألحان وتصدح بالغناء وتتراقص طَرَب وهي هدية غالية عندي نضراً لأن الفنان عماد زيدان له تاريخ عريق في الفنون إمتد على مدى أربعة عقود من خلال تدريسه عوالم الخط العربي وأساسياته وقواعده في المدارس وله الفضل في تخريج أجيال أتقنت الخط العربي ناهيك على أن عماد زيدان هو فنان في الحفر على الخشب إضافة إلى تألقه في مجال ديكور المسارح للمدارس والثانويات وأعماله شاهدة على ما نقول… مني ومن "جمعية محترف راشيا" و"تجمع البيوتات الثقافية في لبنان" نوجه الشكر العميق لفناننا العزيز الاستاذ عماد زيدان على هديته القَيّمة التي حَفَرَت في القلب معاني وفاء سامية والتي سَتُزَيّن جدران الثقافة في جمعية محترف راشيا وبالتأكيد نَزُف لجميع محبي فن الخط والحفر أننا سنكون على موعد مع معرض للفنان في القريب بإذن الله.

من جهته قال الفنان زيدان: اليوم أقدم عملي الفني للفنان شوقي دلال وهو يأتي عربون وفاء وتقدير لمسيرته الثقافية الممتدة منذ ثلاثة عقود وقد أسهم في رفع إسم راشيا ولبنان الى المحافل العربية والعالمية من خلال عمله الثقافي والفني الذي نقدره عالياً وهي هدية أردتها أرزة بإسمه نظراً لخلود أرزنا وعراقته عبر الزمن".. 

في الصورة: شوقي دلال يتسلم لوحة الأرزة على إسمه من الفنان الاستاذ عماد زيدان في مقر الجمعية راشيا.

ماذا يعني وجود مجلّة أدبيّة عربيّة في إيران؟ المداد الثّقافيّة وحبر أبيض نموذجاً

كتب فراس حج محمد
سؤال كبير، يحيل إلى منظومة من العلاقات الثّقافيّة والتّاريخيّة والسّياسيّة، تلك العلاقات الّتي مرّت بكثير من المنعطفات ودخلت في دهاليز، كان فيها ما فيها من دم، ولكن كان فيها من الجمال أيضا، لا يقلّ دلالة وحضورا وإشعاعاً، بعيدا عمّا يبذر اليوم في الفضاء السّياسيّ والاجتماعيّ والدّينيّ الطّائفي من عناصر فرقة مفتعلة.
لقد شكّلت الثّقافة العربيّة بلغتها الحيّة رافدا مهمّا من روافد الأدب الإيرانيّ حاليّا والفارسيّ قديما، إذ إنّ هناك العديد من المطبوعات العربيّة من الصّحف والمجلّات داخل إيران وتصدر في العاصمة طهران، وأولت الجامعات الإيرانيّة اهتماما بتعلّم اللّغة العربيّة، بل إنّ الأدباء العرب الّذين انحدروا من أصول فارسيّة كان لهم بصمتهم على الأدب العربيّ، وما زال العرب يذكرونهم كمنارات إبداع مشعّة كابن المقفّع وبشار بن برد وأبي نُوَاس وعمر الخيّام وحافظ الشّيرازيّ، ولم يقتصر الأمر على الأدباء بل إن "سيبويه" أشهر علماء النّحو العربيّ كان من أصول فارسيّة، والشّيء نفسه يقال عن الأطبّاء والفلاسفة والوزراء والحكّام، وما زال أثر البرامكة واضح البصمة في تاريخ العرب الزّاهر، مهما اختلفنا حولهم، فلم تخل دولة من الدّول من صراعات دمويّة حول الحكم قديما وحديثا، سواء عند المسلمين والعرب أم عند غيرهم.
ضمن هذه العلاقة الممتزجة بين العنصرين المبدعين؛ العربيّ بخياله ولغته ومخزونه المعرفيّ، والفارسيّ بذكائه وحكمته ونظرته
الثّاقبة، تخلّقت مجلّة المداد الثّقافيّة ومجلّة "حبر أبيض"، عربيّتا اللّغة والهوى والرّسالة، بهيئة تحرير عربيّة، لتؤديا رسالة مهمّة في تأكيد عروبيّة الثّقافة والفكر في هذه المنطقة من العالم الإسلامي (إيران)، وتحديدا في منطقة (الأهواز) العربيّة، حيث تصدر المجلّتان، ولتعرّف قراءهما وكتّابهما على متانة العلاقة الفكريّة الضّاربة بجذورها العميقة في أصول التّاريخ العربيّ الّذي لم يكن صنيعة العرب وحدهم أو الفارسيّين وحدهم، أو اقتصرت على المسلمين دون غيرهم، بل اشتركت في صياغته كلّ الأجناس البشريّة الّتي ارتضت الانتساب إلى هذه الحضارة العريقة، الموصوفة مجازا أنّها عربيّة، وحقيقة كذلك، باعتبار اللّغة العربيّة الّتي كانت حاملا لكلّ أفكار المبدعين والعلماء من مصر إلى بخارى، ومن بغداد إلى طهران لتعمّ العالم أجمع، ممّن ارتضى العربيّة لغة إبداع وتجلٍ فكريّ ووجوديّ، أوَ ليس كلّ من تكلّم العربيّة هو عربيّ، كما أقرّ بذلك نبيّ الإسلام عليه أفضل الصّلاة والسّلام؟
لقد اهتمت هاتان المجلّتان؛ مجلّة "حبر أبيض" الّتي اختصت بقصيدة النّثر، إبداعا ودراسات وشعراء، ومجلّة المداد الثّقافيّة المتنوّعة في مادّتها الثّقافيّة بين الشّعر والسّرد، بكلّ تلك العناصر الإبداعيّة، فنشرتا على امتداد أعدادهما، ضمن رؤية خاصة لكلّ منهما، نصوصا لكتّاب عرب ونقلت إلى العربيّة نصوصا لأدباء أكراد وإيرانيّين وغير ذلك، لتزيد بذلك التّنوّع الثّقافيّ العربيّ وانفتاح آفاقه الّتي لن تغلقها السّياسة مهما حاولت إلى ذلك سبيلا، ففي هذا التّجاور الجميل لكلّ هؤلاء الكتّاب، وامتزاج كلّ تلك الأفكار ليضع القارئ في مزيج من الحضارة الحيّة بتنوعاتها الفكريّة وأمزجتها الكتابيّة الّتي ظهرت في الشّعر بتنوّعاته المختلفة، والنّصوص السّردية القصصيّة، والمقالات الّتي تعالج كثيرا من قضايا الإبداع الرّاهنة، إلى محاورة الكتّاب، للاقتراب من عوالمهم، والدّخول إلى أعماق مصادرهم الإبداعيّة الّتي نهلوا منها الماء الصّافي المقدّم في كؤوس من النّشوة الخالصة إبداعا، تطرب له النّفس، وتترك للعقل حريّة التّفكير والانطلاق في التّحليل.    
لكلّ ذلك المذكور آنفا، والمسطور في أعداد هاتين المجلّتين الفتيّتين، ليقدّم مسوّغ وجودهما النّابض، ويمنحها القوّة، لتزيد المشهد الأدبيّ العربيّ الإنسانيّ حضورا، إلى جانب مثيلاتها من المجلات الثّقافيّة العربيّة وغير العربيّة، ليس في إيران وحدها بل لتعمّ العالم أجمع، سواء أكان هذا الحضور ورقيّا كما هو الحال في مجلّة "حبر أبيض" أم الاكتفاء بالنّشر الإلكترونيّ الّتي اتخذته مجلّة المداد وسيطا حيّا بينها وبين قرّائها على امتداد البقعة العربيّة المترامية الجعرافية، والحافلة بالتّنوع والمفضي إلى الإنسجام والتّآلف مع ثقافة كونيّة لا تعترف بالانغلاق أو الحدود.

الشيف فادي بسام نبزو وعضوية الاتحاد الدولي للطهاة



من مدينة محردة السورية كانت الانطلاقة الأولى بعد إنهاء الدراسة الفندقية ، ومن ثم إلى مطاعم التلال في صيدنايا ، ومطاعم دمشق القديمة ذات الطابع التراثي  ، وبعدئذ إلى فندق ومطعم الكرم ، ثم فندق الشيراتون بدمشق ثم كانت والنقلة النوعية كانت عندما عملت في فندق فورسيزونز دمشق في مطعم (تونينو لامبرغيني) الإيطالي .
  وبعده إلى أبو ظبي ، ثم إلى لبنان الذوق والحضارة ، لبنان الأرزالساحر بمكوناته العجائبية ، واستضافته مرتين في برنامج ع نار لطيفة مع تيتا لطيفة ، على قناة :    (( otv ))   اللبنانية ، وقد أجرى معه الإعلامي الأستاذ هشام عدرة لقاء لصحيفة الشرق الأوسط السبت - 19 ذو الحجة 1436 هـ - 03 أكتوبر 2015 م رقم العدد (( 13458)) بعنوان : الشيف فادي نبزو.. مزج عراقة المطبخ السوري بأناقة المطبخ الفرنسي والإبداع الإيطالي .
وقد كتب الشيف فادي على صفحته الأمس بعد نيله شهادة الاتحاد الدولي للطهاة بلندن مع وسامه : للطموح مزاجه الخاص الشيف فادي بسام نبزو عضو الاتحاد الدولي للطهاة International Culinary Union كل الشكر لمحبتكم وصلواتكم وشكر كبير لنائب رئيس الاتحاد وعراب الشيفية في سوريا الشيف فادي العواد لكل جهوده شكرا من القلب شيف فادي .
وبيكفي اني محرداوي . ومساكم محرداوي اصدقائي . 
ألف مبروك للشيف فادي بسام نبزو نيله شرف عضوية الاتحاد الدولي للطهاة بلندن .

متابعة دراسة المجموعة { ناي بلا حنين } للشاعر مفيد نبزو

الجانب التأملي ** **                                   

بقلم : محمد الحسن – طرطوس .

 يفتتح الشاعر مفيد نبزو مجموعته الشعرية الجميلة { ناي بلا حنين } ببيتٍ للشاعر الباكستاني محمد إقبال , يقول فيه : 
في غابة الشرق نايٌ يبتغي نَفَساً 
 يا شاعر الشرق هل في صدرك النَفَسُ
فالشرق غابةٌ من السحر والإلهام والجمال ، نبع الأسرار الغامضة ، ينادي بصوته الخفي : هنا بدأ كل شيءٍ ، هنا ولدت الشمس ، وأشرقت على الكائنات ، هنا ارتفعت جبال الأحلام الأولى شامخةً نحو السماء ، بانتظار المتسلقين ، هنا اتقدت لأول مرة شعلة المعرفة ، هنا نزل النور القدسي من السماء ، ومشى على الأرض ، مسطراُ أول سطرٍ في كتاب التاريخ ، هنا ، وهنا ، وهنا 00 ، فالشرق غابةٌ لا يعد ولا يحصى ما تشتمل عليه من أسرارٍ ، ولكنه الآن في حالة شحوبٍ وكأن الروح على وشك أن تفارقه ، فهبّ أيها الشاعر لنجدته ، اسكب روحك في جسده ، هذا إن كنت تملك روحاً ، وإلا فابتعد عنه ، يكفيه ما هو فيه ! 0 والشاعر مفيد نبزو عندما يفتتح مجموعته الشعرية الجميلة بهذا البيت إنما يبين جزئياً أو يلمح إلى المبدأ الذي صاغ عليه قصائده ، يعترف ضمناُ بكونه مسكوناً بهاجسِ اسمه الشرق ، وبحلم أن يبعث من الرماد كطائر الفينيق الأسطوري ، وبما أنه مهد الحضارات الأولى ، الغابرة ، القديمة ، الأصلية ، الأصيلة ، حيث ظهر الإنسان هذا الكائن العجيب ، وتكونت أول المجموعات البشرية ، وشقت طريقها في هذا العالم ، فإن بعثه يعني بعث الإنسان ، جَمْعَ شتات روحه المبعثرة في هذا الزمان من شتى أصقاع الكون ، وبثها في جسده وإعادته إلى كامل سموه ، وعظمة قدس كينونته ، هذا ما يحلم به الشاعر مفيد نبزو في هذه المجموعة الشعرية الجميلة والهامة ، وقد بدت تجربته ناضجةً ، قاطعةً لأشواطٍ بعيدةٍ ، أظهر من خلالها مقدرةً مميزةً في العزف على أوتار الشعر ، وتوظيف المفردات ، وبناء التراكيب ، وشحنها بالطاقة ، ورسم الصور الشعرية ، والحفاظ على اللغة المشعة الموحية في مجمل جسم القصيدة ، وهذا أحد الأمور المظهرة للموهبة الحقيقية ، فكثيراً ما نصادف شعراء يفتتحون قصائدهم بلغة خصبةٍ وجميلةٍ ، و لا يلبث أن يظهر عليها التعب والإرهاق ، ومن ثم تتحول إلى لغةٍ نثرٍ عاديٍّ ، القصد منها إيصال حمولةٍ إخباريةٍ ، فتبدو مفرداتها وتراكيبها ثقيلةً بطيئةُ كعربات النقل الكبيرة ، وذلك عندما يتغلب العقل على العاطفة ، أو الفكر على الشعر ، ومن المؤشرات على ضعف الموهبة تصديق الشاعر لذلك الوهم المتمثل في إمكانية رفع سوية القصيدة من خلال دحيها بالأفكار والكلمات والعبارات المتكاثفة المتراكمة على بعضها البعض ، وملء الصفحات وراء الصفحات بما يدعو إلى الفتور تجاهها ، لخبو جذوتها ، واستنفاذ شحنتها الشعرية واستمرار الكلمات ـ مع ذلك ـ في التدفق رافضةُ الصمت ، مثل الخيول المنفلتة التي يعجز السائس عن ضبطها أو السيطرة عليها ، أو كالفرس التي تذهب براكبها حيث تريد ، فهي التي تقوده ، لا هو 0 ولا أعني هنا أن المستوى الفني للقصيدة يتناسب عكساً مع طولها ، أو أن القصائد الطويلة تأتي في الدرجة الثانية من حيث القيمة الأدبية ، بل أعني ضرورة التزام المفردات بالشاعرية سواءً قلت أم كثرت ، فاللغة حاملٌ للشعر ، والشعر غيرها ، هو يجيء معها كما يجيء الضياء مع الشمس ، أو كما يجيء الظلّ مع الشيء ، 00 الظلال المومئة والإيحاءات والإشعاعات كانت وما تزال موطن الشعر الأصيل ، ومهما نسينا من أشياء لا يجب أن ننسى أن الشعر عملٌ نفسي ، يبدأ في النفس , وينطلق باتجاه العقل ، أي أنه تعبيرٌ عن الأحاسيس والمشاعر ، وهذا أمرٌ لا يمكن أن يتساهل معه ، لأنه به يكون ، فبمجيئه من جهة النفس في قوالب من المفردات والتراكيب الظاهرة هو شعرٌ ، ولو جاء من جهة العقل لكان فكراً ، باختصار : الكلمة نثر وبريقها شعر ، والشاعر مفيد نبزو في مجموعته { ناي بلا حنين } نجح إلى حدٍّ كبيرٍ في تحقيق هذه المعادلة ، ومنذ القصيدة الأولى المازجة بين الشكل القديم والحديث ، نرى عنوانها { طيور الشفق } ، مؤلَّفاً من كلمة : طيور0 وكلمة : الشفق 0 فلكلتا هاتين الكلمتين دلالة لغوية ، محملة بمعنى مهمتها إيصاله إلى كل المستمعين كما هو ، ولكن بإضافة الكلمتين إلى بعضهما نحصل على التركيب { طيور الشفق } ، وهذا بريق دلالي ، موحٍ ، تكلم بالظلّ ، إشعاعٌ معنوي ، يحتاج إلى تأملٍ ، وإعمال فكرٍ وخيالٍ ، إنه تدخلٌ من جهة النفس ، انعكاسٌ للأحاسيس والخيالات على كون اللغة ، أثّر على وضعها ، واجتذبها نحو خاصية الحالة النفسية المسيطرة على الشاعر ، تحول من العام إلى الذاتي ، وغوصٌ في الأعماق ، وهذا هو الشعر 0 ولو تابعنا القصيدة لرأينا هذا التركيب { طيور الشفق } يحتلّ في كيانها وهيكليتها مواقع مختلفة ، يعرض من خلال كلٍّ منها معنى مغايراُ ، مؤكداُ على ارتباطه بالحالة النفسية لا بطبيعة اللغة ، يقول الشاعر :
سلينا عن الظلّ كيف انكسرْ 
وعن نسمةٍ من رذاذ القمرْ 
ورحلة عشقٍ بضوء القمرْ 
سلينا عن البوح بوح الشجرْ 
بأهزوجةٍ من طيور الشفقْ 
 و بحسب ما سبق ذكره : الشعرية في هذه الكلمات تتبدى على عدة مستويات : في تصوير الظلّ على لأنه لوحٌ من الزجاج ، يمكن أن ينكسر فيما لو ضرب بحجرٍ مثلاً ، وفي ما يقصده من كلمة ظلّ ، عن أي ظلّ يتكلم ؟ ولا يطول بنا التفكير حتى نعرف : نعم إنه يقصد الإنسان الذي أرهقه عنت الحياة المعاصرة ، فلا يبدو أنه يعيشها بل يحملها كثقلٍ كبيرٍ على ظهره ، جعلته ينحني ، وينكسر ، إذاُ هو معاقب بالحياة ، وكل ذنبه أنه جاء إلى هذا العالم في زمنٍ كافرٍ ، يبحث فيه حتى عن نسمة الهواء ! وقطرة المطر ! ، ويحنّ إلى تلك الأيام النائية الجميلة ، أيام كان هناك عشقٌ وغرام ، وضوء قمر ، وشجرٌ أخضرٌ باسقٌ يبوح بأروع الأسرار ، وأيام كانت الشمس تشرق في هالةٍ سحريةٍ من غناء الطبيعة الخالد ، فيبدو كما لو أن الشفق الوردي طيور تغني 0 يقول في المقطع الثاني : 
سلينا عن الليل فينا يموتْ 
يئنّ يجنّ بصوتٍ خَفوتْ 
عن الشمس توقظها عشتروتْ 
لنهمس نشدو ونحن سكوتْ 
وتصدح فينا طيور الشفقْ 
 يتضح هنا أكثر أن الحديث عن الإنسان ، الكائن الشقي الذي هو نحن ، حيث أن الفرد يمثل المجموع ، وما يعانيه من آلام قاتلةٍ في ظلمة وحلكة هذا الزمن الموحش ، وينتظر بصيص الأمل وهو ما يرمز إليه بإشراق الشمس الجميلة بعد أن توقظها عشتروت إلهة الخصب والعطاء والنماء ، وعندها نشدو أعذب الألحان ، أي نعيش ونسعد بكل ما نستطيع ، وتصبح أغنية الطبيعة التي أشار إليها بطيور الشفق في المقطع الأول أغنيتنا نحن ، لقوله : وتصدح فينا طيور الشفق 0 أي نحب هذا العالم الرحب ، و نضمّه إلى صدرنا ، و لا يعود ثمة من انفصالٍ فيما بيننا وبينه 0 وهذا يؤكد ما تحدثنا عنه من أن الشاعر مفيد نبزو يحلم ببعث الشرق ، ويرمز به إلى بعث الإنسان ، وعودته أو صعوده إلى قدس طهارة وسمو كينونته ، وليس فقط زوال ألمه و شقائه ، ومن هنا كان استعماله لرمز عشتروت 0 إلى آخر هذه القصيدة الجميلة التي يتساءل فيها ويبحث ويتأمل .. وإحدى مهام الشعر الأصيل طرح الأسئلة ، من خلال ما يعتمل في النفس من أحاسيس ومشاعر ، تتوقد على جمر الحيرة من التواجد في هذا العالم الكبير ، 
 في قصيدة بعنوان { تأملات } يتحدث شاعرنا مفيد نبزو عن الخيبة التي يحصّلها المرء من النظر في غرابة شكل الحياة ، وطبيعة كينونتها ، فيقول 
خبرتُ العمر أياماً تمرّ 
ومثل اليوم أيامٌ تفرُّ 
فما للمرء من جدوى بشيءٍ 
إذا ما كان أعذبه يضرُّ 
و يؤكد بمرارةٍ في آخر القصيدة على اللاجدوى من العمل طالما كل شيءٍ زائلٌ وقبض ريحٍ ، فيقول 
فيمضي العمر والدنيا هباءٌ 
 ولا شيءٌ يدوم ويستمرُّ

وفي قصيدة بعنوان { حظ جريح } يتحدث عن مفارقات الحياة ، حيث الغبي ينال كل شيءٍ ، الأمور تُفعَل معه من تلقاء نفسها ، ويأتي أولاُ ، بينما ـ منطقياُ ـ يجب أن يأتي أخيراُ بسبب جهله و غبائه ، والذكي الألمعي تتمنع عليه ، فيبدو غبياُ بسبب فشله ، و يأتي أخيراُ ، 00 يظهر في آخر الركب ، فارغ اليدين ، أو بخفي حنين ، مؤكداُ بذلك عدم خضوع الحياة للمنطق ، يقول : 
فكان العيش في الدنيا نصيباً 
لمن لا يعشق الدنيا كفاحا 
ذكي العقل أعرفه غبياً 
فكم من جاهلٍ يلقى النجاحا 
وهذا النوع من القصائد يكتسب مشروعية دائمة ، لأنه يتحدث عن أمرٍ يتعلق بطبيعة الوجود وبنيته الداخلية التي لا يمكن أن يخرج أو يحيد عنها ، أي عن أمرٍ مستمرٍ عبر الزمان ، وجميلٌ وعصريٌّ قوله : 
جراحي أورقت ثمراً لغيري 
وغيري زفّ للقلب الجراحا 
..........
إن الشاعر عندما يطلق العنان لخياله ، ويدعه بلا رقيبٍ ، يحمله هذا الخيال إلى العلل الأولى والحقائق الأصلية النائية ، فيراها من بعيدٍ , ويصور ظلالها في كلماته , وربما الشاعر بنفسه لا ينتبه إلى ذلك ، فللأمور تعلقٌ بالبدايات ، والخيال الشعري متفردٌ بمدى الطاقة التي زودته بها ، من هنا وجِد مفكرون كبارٌ دعوا إلى النظر والتأمل فيما قال الشعراء ـ لا الفلاسفة ـ لمعرفة الحقيقة أو أصل الوجود ! . وقد عكس الشاعر مفيد نبزو هذه الحقيقة في عدة أماكن منها قوله البديع : 
أنا ذات الكل والكل بذاتي 
كلما غبت تجلت كلماتي 
فهذه رؤية لما في الغور العميق , لا تتاح لغير من تكشفت الحجب الكونية عن عيون قلوبهم , وأكثفها حجاب النفس المنسوج من كل ما يوهم الانفصال , فالعناصر التي تتألف منها هذه النفس هي الصفات الوجودية المنسحبة على سائر الموجودات . وبالتالي فالجزء يمثل الكل حقاً ، بما يجعل من معرفة الإنسان لنفسه ـ فيما لو تمكن من ذلك ـ معرفةً لكل شيءٍ ، وعندما تتكشف له الأسرار العميقة المحبوكة منها ، يكون قد أحاط بكل علمٍ ، ولا يتبقى ما تحتاج إلى معرفته ، ولهذا قال الفيلسوف الكبير سقراط { اعرف نفسك } 
ولكنها مهمة مستحيلةٌ , ومن أين لنا بنوعية عقولنا البشرية إدراك الأصول والجواهر والأسرار , كل ما بإمكاننا مواصلة البحث والتأمل , و الحرص على عدم فقدان الأمل رغم شعورنا الأليم بفراغ كامنٍ وراء الأشياء يجعل الحصول عليها لا يغيّر شيئاً , وهو ما يوحي به قوله في قصيدة بعنوان صيد الأمل
أحنّ لرحلتنا في الجديدْ 
أحنّ لطير الرجاء البعيدْ 
.......
........
الخاتمة 
لقد أظهر مفيد نبزو في مجموعته الجميلة { ناي بلا حنين } موهبةً شعريةً مميزةً ، وتقنيةً عاليةً ، ورصيداً معرفياً كبيراً ، و من حيث البناء الفني استعمل في صياغة قصائده كافة الأشكال المعروفة ، من الشكل الكلاسيكي ، إلى نظام التفعيلة ، إلى شعر النثر ، معلناً انتماءه إلى الشعر الحقيقي من حيث أطلّ ، وطالما أن بريقه يشع من اللغة والتراكيب والصور ، فليس ثمة من معنى لمسألة الوقوف عند الشكل الخارجي أو القالب , فالخمر تبقى خمراً مهما كان نوع الكأس الذي صبت فيه ، والماء لا يستطيع أن يزاحمها على مكانتها ، حتى و لو صب في كأسٍ من الذهب . 

في العيد عائلة ميكي في بيت ليلى سمير

القاهرة خاص ـ 
ابتركت مصممة الازياء ومكملات الاناقة الشهيرة ليلى سمير ازياء  رقيقة جدا جدا في العيد حيث استوحت ملابس ميكي الشخصية الشهيرة لوالت ديزني وصممت ازياء لابنتيها الاثنتين ولنفسها فظهرن  اروع ما يكون ونجحت في هذا التصميم المميز حتى ان الكثيرون طلبوا منها  التقاط الصور التذكارية معها وابنائها تعبيرا عن بهجتهم بهذه الازياء المبتكرة ، ومؤسسة الغربة الصحفية تتقدم بالتهاني بقدوم العيد لمصممة الازياء الشهيرة ليلى سمير 

ناي بلا حنين للشاعر مفيد نبزو

كلمة شكر وامتنان لمن أحياني بقيم الصداقة والمحبة وجوهر الإخاء .
شكرا ً جزيلا ً أخي وصديقي الغالي الشاعرالأديب المجلي و المهندس الأستاذ محمد الحسن فدراستك لكرم الغزل ذات أسلوب نقدي أدبي متفرد ومميز بتحليله ، واليوم دراستك ناي بلا حنين دراسة نقدية تغوص في أعمق الأعماق لتكشف اللآلئ ، وتضيء على جوانب عديدة بقدرة فائقة واستيعاب عميق للدلالات التي أعطيتني من خلالها أكثر مما أستحق وهذه الرؤيا للناقد المتبصر الواعي بإدراكه شمولية الكلمة وعمقها أساسها المحبة وجوهرها الاحترام المتبادل ، أكرر شكري ومحبتي من محردة التي تفخر بك ابنا ً بارا ً ونجما ً سطعت في سمائها بالأدب الرصين والشعر المبتكر المحلق بين ربات الخيال وعذارى الفجر .
دراسة بقلم : الأديب الشاعر المهندس محمد الحسن  
منشورة بشكل مقاطع :
مقطع آخر من دراسة أدبية لمجموعة { ناي بلا حنين } للشاعر مفيد نبزو 
الدراسة طويلة وأنا أقدم منها مقتطفات 
المقدمة 
 عندما تتداخل العواطف والأحاسيس المركبة في النفس الإنسانية ، وتتشابك وتتعقّد بشكلٍ يصعب بل يستحيل وصفه ، أو التعبير عنه ، أو إظهاره للآخرين في صورة لغوية ، كي يحسوا ويشعروا بما يعتمل في داخلنا ، عندها يتدخل الناي ، فالموسيقا كانت وما زالت تتحدث بلغةٍ أفصح ، و تصل إلى ما هو أبعد بكثيرٍ مما يصل إليه الكلام ، لأنها أخف وأنقى وأصفى ، تقطع المسافات والأبعاد بأجنحةٍ غير مرئيةٍ ، وتبدي العوالم السرية ، المكنونة المخزونة ، في صورٍ ظاهرة رغم خفائها ، وبذات نوع التأثير على جميع أصحاب النفوس النقية والأحاسيس المرهفة ، فيفهم كلّ منهم الآخر في
غياب الحامل اللغوي ، من هنا : هذا الناي البديع بلا حنين لأنه عزف حتى شفّ وتحول من كثيف إلى خفيف ، من مادة إلى روح ، من لفظ اسميّ إلى سر معنوي ، داخلاً في النور الظلي إلى حيث الحقيقة النهائية . فهل يعدنا الشاعر باختياره لهذا العنوان بأن يقول ما لا يقال بالكلام ؟ هل يعدنا برحلةٍ إلى عوالم سحرية لم تشهدها عينُ ، ولم تسمع بها أذنُ ، ولا تصل إليها غير الموسيقا الأصيلة ذات الصلة بالجوهر ؟! . فالشاعر المبدع قادرٌ على صنع المستحيل ، القلم في يده يتحول إلى عصا سحرية يضرب بها جدار البياض على سطح الورقة ، فتنبجس ينابيع الحياة ، وتتجدد دورة الفصول ، وباللوحات الفنية المذهلة التي يعرضها أمامنا يوحي لنا بما لا يحاط به ، وبما لم يخطر ببال اللغات 0 ........
 ثم بعد توضيح كون هذه المجموعة الشعرية الجميلة تنطوي على ثلاث جوانب : تأملي ـ غزلي ـ وطني 
........
الجانب الغزلي في المجموعة الشعرية { ناي بلا حنين } للشاعر مفيد نبزو : 
 ويبدو فيه ممتلئاُ بفرحة الحياة ، مسح عن وجهه ما رأيناه في تأملاته من حزن الحكمة ، وحكمة الحزن ، والتفكير في أسرار الوجود ، وغرابة سيرورة الحياة و مضى ـ بعد شكواه وحيرته ـ يغني وينشد للجمال والفرح . وكيف لا نتوقع منه شعراُ يقطر عذوبةً وروعةً والملهمة بنفسها ظهرت أمامه متجليةً في صورةٍ ؟ ! ، فلنستمع إليه يقول : 
شفتاكِ فيها فلةٌ 
همستْ فجنّ قرنفلي 
والشعر شلال الندى 
يهدي الضياء لجدولي ! 
 من الفنيات الشعرية المستعملة في هذا المقطع الشفتان اللتان هما من فلّ ، كما لو أنّ الحبيبة حديقة من الجمال النوراني العلوي لا تعرف من أين تبدأ بوصفها ، وأيضاً إضفاء الصفات الإنسانية على القرنفل ، وجعله يفهم , ويعي الكلام ، ويشعر ويحس بروعة الهمس الدافئ . وأقول : إن الرقة الآسرة ، والنداوة ، واخضلال الرؤى ، وجمال اللغة ، وعذوبة وقعها في النفس ، وسهولة التراكيب والألفاظ ، ومتانة سبكها ، والعاطفة الصادقة الحارة ، كل هذا من صفات الجانب الغزلي في مجموعة { ناي بلا حنين } للشاعر مفيد نبزو 0 وربما كان خير مثال على ذلك قصيدته الرائعة بعنوان بوح ونظرة يقول فيها :
ما أينع الزهر إلا وانتشى الوترُ 
يا غرة الصبح آب الصيف والسهرُ 
من ثغرك القرمزيّ الوعد أقطفه 
من بوحك البحة الغناء والدررُ 
من أي نكهة عطرٍ أي حالمةٍ 
يا برعم الروحِ ذاك البوح والنظرُ ؟! 
 قصيدة محلّقة بجناحين من الخيال الشعري الجامح ، يظهر من خلالها مدى تمكن الشاعر ومقدرته وامتلاكه لناصية اللغة ، وطاعتها وانقيادها له ، وصوغه منها قلائد الدرر بمهارةٍ عاليةٍ ، وما أجمل قوله { من ثغرك القرمزي الوعد أقطفه } ، وما أجمل أن يئوب الصيف والسهر ، وتضيء قناديل الفرح والأنس ليالي العاشقين ، ويشتعل البوح والنظر ، وإن الحياة لتُحَبّ من أجل هذا النوع من المواقف والصور , ومن أجلها يغتفر لها ما تحيطنا به من كوارث وآلام وأسقامٍ . في قصيدة بعنوان : عيناك والغزل 0 يقول : 
عيناكِ كم يحلو بها الغزلُ 
من سحرها الإشراق والأملُ 
السحر فيها آسرٌ نضِرٌ 
والليل فيها ساهرٌ ثمِلُ 
واحاتها لغزٌّ يحيرني 
آفاقها الفردوس والأزلُ 
 سلاسة وانسيابية مدهشة ، وصور شعرية بديعة , فمن سحر العينين يشرق الأمل ! , و ليلٌ سكران بخمرة اللقاء البديع في حقول الأحلام المرئية من جهة الواقع ! ، وواحات واسعةٌ من الأسرار والألغاز العجيبة الغريبة ، وآفاق من الخلود والجنان ، رقة وعذوبة آسرة ، وحيوية الإيقاع الموسيقي ، وتناغم الألفاظ , وكل هذا ـ وغيره ـ يترك أبلغ الأثر في النفس ..
                                                                  *
مقطع من دراسة كتبتها منذ حوالي عشرة أعوام عن مجموعة { ناي بلا حنين } للشاعر مفيد نبزو 
.............
 ..... في الجانب القومي والوطني من مجموعته الشعرية الجميلة بعنوان : ناي بلا حنين . يشيد الشاعر مفيد نبزو بالماضي العريق للشرق , وبأصل كونه الرفيع ، وحقيقته الخالدة ، فهو مهد الحضارات وأرض الأنبياء وملتقى الأرض مع السماء وجهة إشراق الضوء على العالم بأسره ، ومن هنا يتغلغل في زوايا التاريخ , وينأى إلى حيث الحركات الأولى ، ويبدأ فخره بالوقوف أمام مدينة أوغاريت العظيمة الشامخة حيث ظهرت الأبجدية ، ينظر إلى تلك المدينة التي قدمت للبشرية كنزاُ لا يقدر بثمنٍ ، ويستحضر الأمة بأسرها فيها ، ويقول : 
يا أمة الشمس يا بنت الهوى حسبا 
إلا لعينيك هذا الشعر ما كُتِبا
ويسترسل في حلمه مع حياة الماضي الأثيل ، مفعماً بمشاعر الاعتزاز بالذات والأصل ، بقوله : 
أرض الحضارات سل عنها معالمها 
هل تغرب الشمس هل فيها الضياء خبا 
 مشاعرٌ رفيعةٌ تجتاح الشاعر ، وتملأ كيانه ، وحياة { تأملية } خفية ، مستمدة من التاريخ ، يحاول ألا ينغصها بإلقاء نظرةٍ على الخارج وإيذاء العين برؤية الحطام المتناثر في كل مكان ، خارطة ممزقةٌ ، ومناظر مؤذية للبصر ، دمشق وحدها صامدة ، ولكنها محاصرة ، ومخططاتٌ صهيونية وأمريكية وأطماع إمبريالية واستعمارية على وشك ابتلاع المنطقة ، والجميع نائمون أو منوّمون ، حتى ولا رغبة لهم في الدفاع عن أنفسهم ! ؟ ومن هنا , ينهي قصيدته بالقول :
الأبجدية أوغاريت مولدها 
والشام باكورة التاريخ ما انتسبا 
 التغني التاريخ العريق والبلاد الخيرة بجميع مدنها وقراها عمل يبدو أن الشاعر أخذه على عاتقه كمهمة وطنية حرص على تأديتها بأفضل شكلٍ ، فرسم الصور الجميلة ، وعزف الألحان المؤثرة مفعماً بالحبّ والإكبار ، وبعاطفةٍ صادقةٍ ، نجح ـ من خلالها ـ في حمل القارئ على المشاركة الوجدانية . و يبدو من خلالها أن لشاعرنا ثقة لا تتزعزع بهذا الشرق , وبدمشق التي هي فجر التاريخ حقيقةُ لا مجازاُ ولا حلماً شعرياُ ، وهي التي ستفرض إرادتها بصمودها ونضالها وستكون لها الكلمة الأخيرة ، كما كانت لها الكلمة الأولى ، فدمشق { الشام } هي الآمرة الناهية في النهاية ، وهي كل شيءٍ ، كما يقول الشاعر في قصيدة بعنوان يا شام :
يا شام أنت الهوى والسحر والعبقُ 
يا شام أنت الندى والشعر والعبقُ 
من ألف عامٍ عرفتُ الشام شاعرةً 
يوحي لها الفجرُ أو يوحي بها الغسقُ 
 وكما كتب ـ باعتزازٍ وفخرٍ ـ عن الأرض والتاريخ وأصل الشرق العريق ، كذلك كتب عن الإنسان المبدع ابن هذه الأرض الطيبة ، ممن شهدت بنبوغهم الأجيال ، وتركوا بصماتهم على تاريخ الفكر الإنساني ، وأشعلوا حياتهم شموعاً لطرد ظلمة هذا العالم 0 جميلةٌ ومحكمة الصياغة قصيدته بعنوان { أمام ضريح أبي العلاء المعري } التي قالها مكبِراً هذا المفكر والفيلسوف والشاعر المختلف عن سواه ، فهو لم يتكسب بشعره ، ولم يقف أمام قصور الخلفاء والأمراء ، ولم يسافر بحثاُ عن ممدوحين يغدقون عليه من بحور جودهم وكرمهم ، لقد سمى بالشعر واستعمله في معالجة مواضيع أرفع وأهم ، مواضيع تبحث عن السر الكامن وراء كل ما هو موجودٌ ، وما يتصل به من أسرارٍ غامضةٍ ، ولقد جاء بالكثير البديع المفيد ، و إذا لم يتمكن من إزالة الغموض المحيط بالأشياء ، لوقوفه على أساسٍ يتعدى الفكر الإنساني ، يكفيه فخراُ أنه حاول ، وبحث ، عندما كان الآخرون يلهثون وراء الدرهم ، كما وأن له فضلاُ لا ينكر على الشعر العربي يتمثل في محاولة الخروج به من أسر التقليد ، إلى فضاء التجديد ، وتعميق خط الفلسفة فيه ، ومده بالطاقة والحياة ، كل هذا بهر الشاعر مفيد نبزو كما بهر سواه من الشعراء والكتاب والمفكرين على مر السنين ، فتوجه إليه بقصيدةٍ يقول في بدايتها 
هذا الضريحُ من الحجارةِ 
أم ضريحك من شعورُ 
كلٌّ مع الدنيا يدورُ 
 وأنتَ في فلكٍ تدورْ .

                            ..  ولما تنته بعد ..

صدور كتاب " الدكتور علي القاسمي سيرة ومسيرة" للدكتور منتصر أمين عبد الرحيم

 تغطية إعلاميّة بقلم: الأديبة د.سناء الشعلان/الأردن

      عن دار الوفاء في الاسكندرية بمناسبة العيد الخامس والسّبعين للعلامة أ.د علي القاسمي أشهر أ.د منتصر أمين عبد الرّحيم كتابه المعنون بعنوان:  
"الدّكتور علي القاسميّ سيرة ومسيرة"  مجموعة بحوث ودراسات مهداة إليه بمناسبة عيد ميلاده الخامس والسّبعين.وهو كتاب قرّر مؤلفه أن يجعل منه سفراً لجمع بعض ما كتب حول مشروع القاسمي ومسيرته وعطائه بقلم طائفة عملاقة من الأكاديميين والمتخصصين والمبدعين والإعلاميين حيث يقول في هذا الصّدد :" نقدّم هذا الكتاب اعترافًا وتكريمًا لعالم جليل هو الأستاذ الدّكتور علي القاسمي الّذي جمع – منشأ وإقامة وحِلًا وترحالًا- بين المشرق والمغرب العربيّ من ناحية وبين الشرق والغرب من ناحية أخرى؛ فتوافرت له بذلك أسباب كثيرة لسمت إبداعيّ فريد وسم جميع أعماله العلميّة والأدبيّة والثّقافيّة، فالقاسمي عالمًا وأديبًا وإنسانًا بصم الثّقافة العربيّة ببصمته الخاصة الّتي ستظل مسطورة في سجل الخالدين، ولقد توسلنا في بلوغ تكريمه – ولسنا ببالغيه – وسيلتين؛ الأولى أنْ نضع بين يدي القارئ “سيرة” ذاتيّة علميّة وإداريّة حول كامل أعماله ومناصبه، والوسيلة الأخيرة أنْ نجعل مواد هذا الكتاب بمثابة قراءة علميّة وأدبيّة ونقديّة لكثير من مؤلفاته الّتي تمثل علامات على طريق “مسيرته” العلميّة والأدبيّة والثّقافيّة، وعليه جعلنا العنوان الفرعيّ للكتاب “سيرة ومسيرة” وقد تطلّب منا ذلك الاطلاع على كثير من الدراسات الّتي كتبت عن أعماله، وكثير من مراسلاته وملفاته الشخصية. وكنّا قد توصلنا بعديدٍ من المشاركات المقترحة الّتي تنتمي إلى حقول بحثيّة تتصل باهتمامات الدّكتور القاسمي العلميّة والأدبيّة لكنَّ أسبابًا كثيرة جعلتنا نقتصر على ما تجده – قارئنا الكريم – ضمن محتويات هذا الكتاب.
إنَّ الهدف من إعداد هذا الكتاب أنْ تكونَ جميع الدّراسات والبحوث والشّهادات الّتي يضمها بين دفتيه واقعة في إطار الاحتفاء والاعتراف بشخصية تركتْ بصمة واضحة وأثرًا طيبًا نافذًا في ثقافتنا بعامة، وهو اعتراف نابع من الوعي الموضوعيّ بمكانة هذه الشّخصية وقيمة أعمالها ومنزلتها من بالثّقافة العربيّة".
   كما وجّه المؤلف في مطلع كتابه شكراً لكلّ الباحثين الذين شاركوا في هذا الكتاب إذ قال:" عندما فكّرتُ في إصدار كتاب تُخَصَّص بحوثه ودراساته لتكريم عالم جليل وأديب أصيل له حضوره ومكانته مثل الدّكتور القاسميّ، كان من الطبيعي أن أفكر في حجم التّجاوب الكبير الّذي ستلقاه هذه الفكرة، لكني لم أكن أتصور حجم التّعاون النّبيل والكريم الّذي وجدته من علماء وأدباء ونقّاد ومفكرين في الوطن والمهجر على حد سواء؛ لذا لا يسعني إلا أن أتقدّم بجزيل الشّكر وعظيم الامتنان إلى جميع الأساتذة الكرام الذين شاركوا في هذا الكتاب، كما لا يفوتني أيضاً أن أتقدّم بالشّكر والتّقدير إلى كلّ أولئك الأساتذة الذين عبروا عن رغبة حقيقيّة في المشاركة، غير أنّ التزاماتهم وانشغالاتهم العلميّة، وكذلك المهلة الزّمنيّة المتاحة حالت دون ذلك".
   وقد عبّر العلامة القاسمي عن فرحه الكبير بهذا المصنّف،إذ قال في هذا الشّأن :" يشرفني ويسعدني أن أتوجّه بالشكر والعرفان للعالم اللغوي المصري المعجمي المتألق الدكتور منتصر أمين عبد الرحيم على تكرمه بإعداد هذا الكتاب الذي استغرق سنتين من وقته الثمين حقاً، في زحمة بحوثه الجامعية، ومؤلفاته القيمة الأخرى. وهذا الكتاب دليل على المودة المتأصلة بين طلاب العلم من أبناء العروبة أينما كانوا".
   ويتصدّر الكتاب مقدمة للكتاب،وسيرة وجيزة عن القاسمي وحياته ومنجزه الأكاديمي والإبداعيّ،ثم جرى تقسيم الكتاب بعد ذلك إلى أقسام مختلفة،إذ احتوى القسم الأوّل المعقود تحت عنوان "القاسمي معجميّاً" دراسات بقلم كلّ من:د.صالح جواد الطعمة،و د.أحمد شحلان،ود.عبد الغني أبو العزم،وعزّ الدين الوشيخي.
  أمّا القسم الثاني في الكتاب فقد انعقد تحت عنوان " القاسمي مصطلحيّاً"،إذ شارك فيه كلّ من:د.محمد الدحماني،ود.عبد الرحمن بجيوي،ود.محمد العلوي.إلاّ أنّ القسم الثالث من الكتاب فقد انعقد تحت عنوان " القاسمي مترجماً"،وقد شارك فيه كلّ من:أ.محمد اليملاحي،وأ.عزيز العرباوي،وأ.عبد الرحيم العلام.
   في حين أنّ القسم الرّابع من الكتاب المعقود تحت عنوان" القاسميّ ناقداً ومفكراً"،قد احتوى على دراسات بأقلام: الشاعر فاروق شوشة،وأ.البشير النطيفي،ود.محمد الشدادي.أمّا القسم الخامس " القاسميّ تربويّاً "فقد شارك فيه كلّ من:أ.إدريس الكريوي،أ. أبو إياد آل ياسر،د.هيثم الخوجة.
  والقسم السّادس من الكتاب معقود تحت عنوان " القاسميّ قصّاصاً"،وقد شارك فيه كلّ من: 
د.محمد صابر عبيد،د.عبد الملك أشهبون،د.حسين سرمك.إلى جانب مشاركة كلّ من د.عبد الرحيم وهابي،ود.فيصل غازي،ود.منتصر أمين،ود.سوسن البياتي في القسم السّابع من الكتاب المعقود تحت عنوان " القاسميّ روائيّاً"،إضافة إلى العنوان المعقود تحت 
 رواية " مرافئ الحبّ السّبعة” ملهمة الشّعراء والرّسامين"،إذ شارك فيه كلّ من: د.عدنان عبد الكريم الظاهر،
وأ. زهرة الزيراوي.
   كما عقد المؤلف الفصل الثامن من كتابه تحت عنوان "شهادات الأصدقاء"،وشارك فيه كلّ من:د.جورج عبد المسيح،ود.صلاح فضل،ود.عبد السلام المساوي،ود.نور ثائر حسن،ود.نجاة المريني،ود.مالكة العاصمي،ود.سعيد يقطين،ود.أحمد كروم،ود.عبد القادر الجموسي،ود.الحسن الغشتول،وأ.عبد الرحمن الربيعي،وأ. نجاة الزباير،ود.عبد الرحمن السليمان،والروائي محمد عز الدين التازي،وأ.عبد الكريم غلاب.
  وقد أُختتم الكتاب بفصل تاسع يحمل عنوان " حوارات"،وقد شارك فيه كلّ من:أ.إبراهيم أوليحان،ود.سناء الشعلان،ود.عبد العزيز حميد.وصولاً إلى خاتمة نثرية بقلم أ. فيصل عبد الحسن،وخاتمة شعريّة لوليد الكيلاني،وبيلوغرافيا غير كاملة للدراسات النّقديّة لبعض أعمال القاسمي الأدبيّة. 

فرح الأطفال مع مبادرة الفن والحياة




بقلم وعدسة: زياد جيوسي

   في كل عام وفي رمضان المبارك نجد أشكالا مختلفة من وسائل التعبير عن الفرحة في هذا الشهر الكريم، وبمجرد انتهاء الشهر تتوقف هذه التعابير بانتظار رمضان قادم، ونادرا أن نجد مبادرة رمضانية تسعى أن تكون مستمرة حتى رمضان جديد وما بعده، وبعض من المبادرات لا تبتغي سوى الخير، وبعضها وسائل إستعراضية لظهور أشخاص يريدون الظهور على حساب رمضان، حتى  خرجت الطرفة القائلة: (توقف توزيع وجبات الافطار على الفقراء بسبب تعطل البث التلفزيوني)، وهناك من يقدمون وجبات الإفطار في خيم رمضانية في مناطق لا يفكر الفقراء مجرد تفكير بالقدوم إليها، وبالمقابل هناك شباب يخرجون بمبادرات فردية منهم أو بدعم من جهات أو أشخاص يقدمون الخير بصمت، حتى لا تعرف يدهم اليسرى ماذا قدمت اليمنى، يخرجون قبل موعد الإفطار ويقفون على مفارق الطرق والإشارات الضوئية يقدمون حبات من التمر بأكياس صغيرة مع أكواب من الماء البارد للعابرين والمتأخرين عن موعد الإفطار، وهناك من يتولون توزيع وجبات افطار تصل لبيوت الفقراء بصمت وهدوء وبدون بهرجة.
   ومن المبادرات المتميزة والهادفة للاستمرارية كانت مبادرة: "الفن والحياة" وهي تمت عبر نشاطين في رمضان، وحين وجهت لي الفنانة التشكيلية الشابة جانريتا "منار" العرموطي الدعوة للمشاركة بتقديم فقرة عن التصوير أو عن الكتابة، كنت مترددا قبل أن أطل على تفاصيل الفكرة والبرنامج والهدف منه، فأنا حريص أن لا أشارك ولا أن أغطي إعلاميا مبادرات أو نشاطات لا أقتنع بها، ولا نشاطات أشعر أن هناك من يريد أن يمتطيها ممن يجيدون إستغلال الأحداث أو المناسبات، لكن حين شرحت لي الفنانة الشابة جانريتا الفكرة والأهداف تشجعت للمشاركة وتقديم فقرة عن الأقصى من تصويري وإعدادي، كي يتوضح بذهن الأطفال مفهوم أن الأقصى بمساحته الواسعة كلها هو المسجد الأقصى وليس المسجد ذو القبة الذهبية، فمسجد قبة الصخرة جزء من مساحات الأقصى ومساجده، إضافة للتعرف على تاريخ وقدم وعروبة الأقصى منذ عهد يبوس الكنعاني وملكي صادق ثاني من سجد لله في القدس بعد سيدنا ابراهيم في مكة.
   قدمت إدارة نادي المعلمين في ضاحية أم اذينة في عمَّان القاعة، مساهمة منها لإنجاح المبادرة التي تقدمت بها الفنانة الشابة جانريتا العرموطي والسيدة الشابة النشطة كفاح خليفة، متحملتين نسبة كبيرة من التكاليف المادية والجهد، إضافة لمساهمات المتطوعين بالدعم المالي مترافقا بالجهد، هذه المبادرة الهادفة من خلال إفطار رمضاني لإكتشاف المواهب سواء بالرسم أو الغناء أو الشعر وغيره من مواهب، عند الأطفال الأيتام من المناطق المهمشة والعمل على تطويرها من خلال برامج لاحقة متخصصة، فتم البرنامج من خلال عدد من المتطوعين والمساهمين، منهم الفنان ماهر الشعيبي الذي تابع مع الفنانة جانريتا فقرة الرسم والرسم التشكيلي، والانتباه لمن لديهم المواهب سواء بالرسم أو العين اللاقطة لدى الأطفال من خلال مشاهدة عدد من اللوحات وسؤالهم عنها، كما شارك عدد من المتطوعين بالرسم على وجوه الأطفال منهم سوسن الصعيدي و نور وجنى، كما شاركت الشابات راما وإبنة خالتها عزيزة بلبس الاقنعة وخلق جو من المرح أثار فرح الأطفال، وشاركت فرقة موسيقية وغنائية من خلال الفنانين محمد ومحمود سلطان وبلال نعيرات متطوعة بفقرات الغناء واكتشاف المواهب بالغناء عند الأطفال، أو جمال الصوت بتجويد القرآن الكريم، كما ساهم الشاب محمد بسام بعمل مسابقات للأطفال، وتطوع عدد آخر للمشاركات المختلفة كالشعر والغناء والعزف، منهم الفنان الشاب الفنان اياد حداد، وتطوع الأستاذ بسام سعادة من العاملين في حقوق الانسان للتنسيق مع جمعيتين لإحضار الأطفال الأيتام للإفطار والبرنامج، هما جمعية نور الإحسان الخيرية بإدارة السيدة نور الدويك وجمعية ثمار الجنة بإدارة السيدة فلسطين.
   بدأ البرنامج قبل موعد الإفطار بساعة ونصف، وكان الأطفال في غاية النشاط كأنهم فراشات محلقة رغم الصيام، وحين أتى موعد الافطار كان الأطفال متعجلين أن ينهوا افطارهم بسرعة وأن يعودوا للقاعة من جديد ليعيشوا أجوء الفرح والمتعة والتحليق، فتم التقاط عدد جيد من المواهب التي سيتم التواصل معها من خلال الجمعيات المشاركة، والحاقهم ببرامج تهدف لتطوير مواهبهم وقدراتهم، ولم يهدأ الأطفال طوال الوقت وهم يغنون أو يرقصون أو يدبكون أويشاركون بالمسابقات ويتلقون الجوائز التشجيعية، وشارك معظم الأطفال في تلوين وجوههم والرسم عليها وفي الفعاليات المختلفة.
   مبادرة وبرنامج يستحق الإهتمام والمتابعة، جهود مشكورة ومتميزة للشابات جاناريتا وكفاح، وجهود متميزة لكل المتطوعين، وكانت مبادرة: "الفن والحياة" مبادرة متميزة شملت إفطار الأطفال الأيتام وزرع الفرحة في نفوسهم، ورعاية مواهبهم في المرحلة القادمة بعد رمضان، وقد كنت أتابع بنظرة ثاقبة الفرح في نفوس الأطفال وأستمع لتعليقاتهم الحلوة، وكنا سعداء جميعا حين ودعنا الأطفال أننا ساهمنا بزرع ابتسامة على شفاههم.

شوقي دلال رئيس "جمعية محترف راشيا" لبنان يشكر رجل الاعمال الكويتي فيصل حسين فهد العمر على تقديماته الخيرية لدور الأيتام وإقامته إفطار الصائم لمئات المحتاجين والنازحين في مساجد حمانا طيلة شهر رمضان المبارك.

من ضمن عادته السنوية في عمل الخير ونظراً لأننا في لبنان أصحاب وفاء لكل مَن يعمل خير للمحتاج .. تتقدم "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" من رجل الاعمال الكويتي الاستاذ فيصل حسين فهد العمر على تقديماته الخيرية لدور الأيتام في لبنان بتقديمه كسوة اليتيم وإقامته إفطار الصائم لمئات المحتاجين والنازحين في مسجدي حمانا ومسجد القلعه بلال بن رباح طيلة شهر رمضان المبارك إضافة الى تقديماته للأوقاف الإسلامية من خلال دار الإفتاء في لبنان .
لهذا نوجه للأستاذ فيصل حسين فهد العمر تحية تقدير على هذا العمل الخيري المبارك في لبنان سائلين الله أن يجزيه كل الخير وتحية من القلب لحضرته ولدولة الكويت الشقيقة وصاحب السمو أمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وحكومة دولة الكويت على أفضالهم ومحبتهم للبنان.

في الصورة المرفقة الاستاذ فيصل حسين فهد العمر

آمال عوّاد رضوان تكتب:عود التّقوى والمحبّةِ لا عودَ الشّرِّ والنّار!




 في باحة بيت القديسة مريم بواردي في عبلين، أقيم حفل توقيع ديوان "عبير شوق السنين" للأديب جاسر داود، وذلك بتاريخ 20-6-2017، ووسط حضور من أدباء وأصدقاء وأقرباء ومهتمين بالشأن الثقافيّ، وبحضور وجود من سرايا عبلين الكشفية المسيحية والإسلامية، الذي  أضفى لمسة جماليّة وتنظيميّة على الحفل، وقد تولت عرافة الأمسية آمال عوّاد رضوان، بعدما بارك الكهنة الحفل بصلاة خشوع قصيرة، وتحدّث عن الديوان كلّ من الأدباء: زهير دعيم، ود. صالح عبود، وعلي هيبي الناطق بلسان اتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين، وأضفى إلى الأمسية لمسة موسيقيّة فنّيّة كلٌّ من: الزجال شحادة خوري أبو مروان، ونهاي بيم بمقطع كلثومي، ومعزوفة كلثوميّة أدّاها صافي دعيم على القانون، وضارب الإيقاع شادي حاج، ثمّ قدّم نادي حيفا الثقافيّ -ممثّلًا برئيسه فؤاد نقارة وحسن عبادي- درعَ تكريم للأستاذ جاسر داود، وكذلك الأستاذ جوزيف نشاشسبي قدّم درع تكريم، وكلمة مباركة قدّمها الحفيد جاسر إلياس داود، واختتمت اللقاء الحفيدة جويل نزار بربارة بقراءة كلمة الأستاذ جاسر داود- شكر من خلالها الحضور وكلّ من ساهم في تنظيم وإحياء وإنجاح الحفل، وتمّ التقاط الصور التذكاريّة مع المحتفى به.  
مداخلة آمال عواد رضوان: مساءاتكم عطرة بالنور، وأهلًا ومرحبًا بكلّ الحضور مع حفظ المقامات والألقاب، تحيّاتنا جمّة لكلّ ضيوفنا الأطياب، وبكل مَن حضر من عبلين وخارجها. أهلًا بالمتحدّثين القادمين من البلاد المحيطة، رغم صعوبة اللقاء والسفر وتزامن الأمسية مع مع وقت الإفطار الرمضاني المبارك، فبوركتم جميعا وجوزيتم كلّ خير وبركة. 
معًا وبصوت واحد نتمنّى لأستاذنا جاسر بميلاده ال 65 سنين عديدة حافلة بالصحة والإبداع، وإيمانًا منّا بكلّ إنسان وبقدراته وبنجاحاته الحثيثة لارتقاء سلم الإبداع، نلتقيكم الليلة احتفاءً بأستاذنا الأديب جاسر داود، في حفل توقيع ديوانه الشعريّ الأّوّل (عبير عشق السنين)، إضافة لى إصدارات أخرى، فألف مبارك لنا بهذا الإصدار الشيّق، ونتمنى لك أستاذنا نجاحاتٍ تتعالى صوبَ السحاب وتعانق الأفق العالي. 
نعم أحبائي، نحن نفخر ونرفع هاماتنا عاليًا واعتزازا بمبدعينا، ويُغبّطُ قلوبِنا كلُّ إنجازٍ بنّاءٍ يُساهم في رقيّ بلداننا وحضارتنا، فطوبى لكلّ زارع وردة، وطوبى لكلّ مَن يُساهمُ ولو بحصْوةٍ صغيرةٍ في بناء وطنِنا، وترسيخ وحدة أهلنا وزرع المحبة في البلد الواحد.
مداخلة الأديب زهير دعيم: إنّك في حضرة الأستاذ جاسر داود، وحينما تعانقُ طيبةُ القلبِ همسَ الحروفِ ووشوشاتِ الرُّوح، قد نرى السّماءَ مفتوحةً، وحينما يُحلِّقُ الحرفُ الملوّنُ فوق رُبى المشاعرِ الجيّاشةِ، قد نَلمسُ المجدَ، وحينما تعبَقُ الصّفحاتُ بشذى المحبّةِ المُزركشةِ بالرّجاءِ، قد نُلامسُ الانسانيّةَ الجميلةَ، وحينما تصولُ الرّوحُ الوثّابةُ وتجولُ في أفلاكِ الايحاء والصّورِ الشِّعريّةِ، قد نلتقي بهوميروس ودانتي وجبران وسعيد عقل، وحينما تجتمعُ كلُّ هذهِ المزايا الجميلة في بوتقةٍ واحدة، فاعلم يا صاحِ، أنّك في حضرةِ أبي الياس استاذِنا الكبيرِ جاسر، الذي يثقلُ حروفَهُ ويُحمّلها من قلبه ووجدانِهِ أثمارًا طيّبةَ المذاق.
ألَم يقل الشاعرُ الياس ابو شبكة مرّة: اِجرحِ القلبَ واسقِ شعرَكَ منهُ فدمُ القلوبِ خمرةُ الأقلامِ/ رُبَّ جُرحٍ قَد صارَ يَنبوعَ شِعر تَلتَقي عِندَهُ النُفوسُ الظَوامي/ وَعَذابٍ قد فاحَ منهُ بَخورٌ خالِدٌ في مَجابِرِ الأَحلامِ. 
هذا هو شاعرُنا واستاذُنا ومبدعُنا جاسر الانسانُ الجميلُ الذي يأبى الّا أن يجرحَ القلبَ، ويسقيَ الحروفَ ويُحلّقَ في أجواء الشِّعْرِ وتلاله، وأوداء النثر وفضاءات الله، فيغوص في عمقِ الموعظةِ على الجبلِ، ليقطفَ ما شاءَ من الاطايبِ ينثرُها بلغتِه الجميلةِ البسيطةِ عطرًا ورذاذًا وأغنيّةً وشروقَ شمس.
ينادي الحسناء تارةً، ويناغيها ويؤرجحها على نوافذِ الغسقِ فُلّةً وفوْحَ ياسَمين، ويلمُّها مع الفجر قطراتِ ندى وزقزقةِ عنادل، ولا ينسى أبا الياس سماءَ الرُّوح، فينثرَ من دُررِ غزله في العِشقِ الالهيّ والعريسِ السّمائيّ القصائدَ الطوال، فها هو يناجي الكاعب الحسناء فيقول: سِنون مرّت وأنا أنتظرُ نسمةَ دفءٍ من ثغرِكِ الوهّاج، وأصلّي ربّي زِدني عِشقًا فأنا قاصدٌ وطامع بِلُقاكِ. 
وها هو يناجي كما بولس الطرسوسيّ عريسَ الأجيال يسوعَ قائلًا: ربّاه، ما طمعتُ بشيءٍ غيرَ رحمتِكَ، فساعدني وأظهر لنا نحنُ الأطفالَ النُّورَ الألهيِّ الذي وعدتنا بهِ، لنقوّيَ عودَنا عودَ التقوى والمحبّةِ لا عودَ الشّرِّ والنّار، ولنحملَ تُرسَ الايمان ولنطفئ َ سِهامَ الشّرير المُلتهبةَ. أحبّكَ.. أحبُّكَ أحبُّكَ لا تتركنا غُرباءَ في هذا الوطن باقةً من الوردِ الجوريّ، أزفّها لك شاعرنَا الغالي بمناسبة صدور ديوانك الجديد "عبيرُ شوقِ السّنين"، سائلًا الإلهَ المحبَّ ان يطيلَ بعمرِك حتى تتحفَنا بدواوين َ أخَر. وأخيرًا قالَ السَّلَفُ: "وراءَ كلِّ رجلٍ عظيمٍ امرأة" وأنا أقول: وراءَ كلِّ شاعرٍ أمرأةٌ فاضلةٌ، وكذا الحال مع جارتِنا سيدر أمّ الياس، فهي السَّنَدُ والكَتِفُ ومنبعُ الحنانِ لاستاذنا الشّابّ، فلها منّي أجملُ التحايا.
مداخلة د. صالح عبود: الصورة الشّعريّة في مجموعة: "عبيرُ شوقِ السِّنين" للمبدع جاسر إلياس داود 
جازَتْ بكَ الأشعارُ والشّعراءُ/ يا جاسرًا مِنكَ الحروفُ تُضاءُ/ بعبيرِ شَوقٍ للسِّنينَ أجَرْتَنا/ يا مَنْ بِشَوقِ الحالمينَ تَشَاءُ/ كَتَبَتْكَ مِنْ أُمِّ المحابرِ آيةٌ/ وَعَشِقتَ أرْضًا قَدْ رَعَتْكَ سَماءُ/ وَعَقِلتَ أنَّكَ للنُّذورِ بِشارَةٌ/ وَمِنَ الكَنائِسِ ظَلَّلتْكَ قِباءُ/ صَلَّيْتَ مَعمودًا يُناجي رَبَّهُ/ وَالقَلْبُ شَذْوٌ عُودُهُ الحِنَّاءُ/ صُلبَ المسيحُ على الفِداءِ مُخلَّدًا فَسَمى يَقينًا ينضَويهِ فِداءُ/ صُلبَ المسيحُ على الفِداءِ مُخلَّدًا فَسَمى يَقينًا ينضَويهِ فِداءُ/ فطَفِقْتَ تُكْسى بِالمناقبِ مِثْلَما/ بِرٌّ تهادى طِينُهُ وَالماءُ/ فَاسلَمْ عَزيزًا وَاعصِبَنَّ قَبيلَةً/ مِنْ قريةٍ فيها العُمومُ عَطاءُ/ يا جاسرًا فَاهْنأْ بِعمرٍ ماجدٍ/ وَاسْلَمْ وَفِيًّا فالحياةُ وَفاءُ
السيّدات والسّادة، قد جمَعَنا الليلةَ رجلٌ جميلٌ في حروفهِ وسجيَّتهِ، واختارَ لنا أن نشهدَ وإيّاهُ حفلَ توقيعِ وإشهارِ وولادةِ مجموعةٍ شعريّةٍ في ذكرى ميلادهِ هوَ، وَكأنّي بكَ تحتفلُ وَحروفَكَ وكلماتِكَ في هذهِ المسائيّةِ العبلّينيّةِ المريميّةِ الهانئةِ، وأنتَ ترصدُ كلَّ ما حبَّرتَهُ وزوَّرتَهُ في مجموعَتكَ الأنيقةِ لهذا اللقاءِ، أو لعلَّ تلكَ الموادَّ الّتي احتشدتْ في مجموعتِكَ قد اجتمَعَتْ لكَ هذهِ الليلةَ؛ كي تفيَكَ نذْرَها وتقولَ لكَ: كلُّ عامٍ وأنتَ مولانا وصاحبُنا والقائمُ فينا برضوانِ الربِّ والقدِّيسينَ والأتقياءِ..
السيّداتُ والسّادةُ، مجموعةُ شاعرنا المحتفى بهِ الليلةَ، جاسر إلياس داود، تجمعُ ثمانيةً وعشرينَ نصًّا وقطعةً شعريّةً تتراوحُ بين مفهومِ التّحديدِ والإيحاءِ بتناسبٍ غيرِ رتيبٍ، وعنوانُها مكوّنٌ من ثلاثِ كلماتٍ هيَ: "عبيرُ شوقِ السّنين"، وفي بعضِ أحرفِها تجتمعُ كلمةٌ عزيزةٌ جدًّا لدى شاعرِنا دونَ ريبٍ، ولدينا بطبيعةِ الحالِ، هيَ كلمةُ عبلّينَ..
"عبيرُ شوقِ السنين" مجموعةٌ شعريّةٌ رشيقةٌ قِوَامُها قطعٌ متجاورةٌ، تعتمدُ الإيحاءَ تارةً، ويغلبُ فيها التّحديدَ تاراتٍ أخرى. سوادُها الأعظمُ مدوّنٌ بلغةٍ عربيّةٍ فصيحةٍ جزلةٍ، وثمّةَ نصٌّ محكِيٌّ عبلّينيٌّ يتيمٌ يتوارى بينها على استحياءٍ، وهيَ في جِماعِها نصوصٌ تتراوحُ بينَ القِطَعِ القصيرةِ وَالقصائدِ المتوسِّطةِ غيرِ المطوَّلةِ، الّتي تنسجمُ كَلماتُهَا وتتناغمُ إيقاعَاتُها انسجَامًا سيمفونيًّا يتمَاهى معَهُ القارئُ أوِ السّامعُ المتلقِّي، فَتُخضعُهُ لِحالاتٍ شعوريّةٍ جميلةٍ رائقةٍ هادئةٍ، تُحيلُهُ إلى نَفْسهِ التي بينَ جَنبَيهِ ذَكرًا كانَ أَم أُنْثى.
أيّها السيّداتُ والسادةُ، أتناولُ من خلالِ إطلالَتي الحَيِيَّةِ المقتضبَةِ هذهِ، وبشاكلةٍ سريعةٍ وجيزةٍ بعضَ الموتيڤاتِ الرئيسةِ المهيمنةِ في المادّةِ الأدبيّةِ في مجموعةِ "عبيرُ شوقِ السّنينَ" لشاعرنا الجاسرِ.
1. عبلّين فاتحة المجموعة: يستهلُّ الشّاعرُ نصوصَ المجموعةِ العبيريّةِ بنصٍّ فاتحٍ بعنوانِ "يا أغلى حبٍّ عرفْتُهُ"، وهو استهلالٌ موفّقٌ من حيثُ المضمونِ، ففيهِ يعبّرُ الجاسرُ عنْ حبّهِ الثّابتِ الجليلِ لبلدتهِ العزيزةِ الغاليةِ عبلّين، فتراهُ عاشقًا لها، يرى فيها لؤلؤةً جليليّةً وجوهرةً تتوسّطُ جَنانَهُ المرهفَ بِعزَّتها وشموخِها وصلواتِها قارعةً أبوابَ السّماءِ جاثيةً في ملكوتِ الربِّ وَرِحابِهِ الأبديّةِ.. 
يذكرُ الشّاعرُ محاسنَ عبلّينِهِ، فيأتي على ذكرِ هوائِها وَعينِها النّميرِ الّتي رَوتْهُ طفلًا صَغيرًا وأشبعتْ ذاكرتَهُ الغضَّةَ كبيرًا، ويأتي على الصّالحينَ السّاكنينَ فِناءَها وتراتيلهِمْ الرّقراقةِ، ثمَّ تراهُ يذكرُ ما تنضحُ بهِ من محبّةٍ تُبطلُ البغضاءَ وتَجبُّ الشّنآنَ منَ النفوسِ، وكمْ هيَ بديعةٌ تلكَ الذكرياتُ الحالمةُ القائمةُ في تبصرةِ الجاسرِ، وهوَ يستذكرُ عُمُرَهُ العبلّينيَّ الأنيسَ المُستأنسَ بقمرٍ جميلٍ وَسَهرٍ طَويلٍ، يَجعلُ العمرَ كلَّهُ يومًا واحدًا تالدًا خالدًا، لا تعرفُ شمسُهُ إلّا شروقًا أزليًّا يأبى الغيابَ، ثمَّ تَراهُ يوقِّعُ نصّهُ الفاتحَ هذا بقَسَمٍ مُضعَّفٍ يعلنُ فيهِ وفاءَهُ لعبلّينَ التي ملَكَتهُ ومَلَأتْ صَدرَهُ وكيانَهُ رِضًا وقناعةً بأنّها المكانُ والزّمانُ الّذي لا بديلَ لهُ ولا نظيرَ..
السيّداتُ والسادة، هيمنتْ في سطحِ الدّلالةِ والمعاني في مجموعةِ "عبيرُ شوقِ السّنين" عدّةُ موتيفاتْ تُبرزُ في رأينا ركائزَ مادّةِ المجموعةِ برُمَّتها، وسأتعرّضُ الآنَ لِجُلِّها تعرُّضًا أوّلِيًّا غيرَ مُعمَّقٍ؛ كيْ أُيسِّرَ أمامَكمْ وأهيِّئَ لكمْ صورةً عامَّةً جامعةً لِما تكتنزهُ المجموعةُ منْ مضامينَ وموضوعاتٍ محوريّةٍ تُشكِّلُ إلى حدٍّ ما الهيكلَ المعنويَّ الدّلاليَّ للمادّةِ الأدبيّةِ الشّعريّةِ فيها..
موتيڤُ تغلبَ، حاضرٌ في بعض النّصوصِ، وقد عنونَ الشّاعرُ عنْ وعيٍ منهُ ودرايةٍ نصَّهُ الثّانيَ بـ: "واتغلباه"، وهي صيغةُ نُدبةٍ وتفجِّعٍ أَلِفتها العربُ قديمًا، وتغلبُ قبيلةٌ عربيّةٌ عريقةٌ مِن قبائلِ ربيعةَ العدنانيّةِ، وقد برزَ فيهمُ شخصيّاتٌ مجيدةٌ في تراثِنا العربيّ القديمِ منهمُ: كُليبُ بنُ ربيعةَ أعزِّ العربِ، وأخوهُ المهلهلُ أبو ليلى صنديدُها، وحفيدهُ من ابنتهِ، الشّاعرُ صاحبُ المعلّقةِ النونيّةِ عمرو بنُ كلثومٍ التغلبيّْ، وهو الّذي تكرّر اسمهُ غير مرَّةٍ واحدةٍ في المجموعةِ..
يوظّفُ الشّاعرُ موتيڤَ تغلبَ في سياقٍ إنسانيٍّ هادفٍ، إذ وجدَ فيها نموذجًا للقبيلةِ العربيّةِ النّصرانيّةِ التي لم تدفَعها نصرانيَّتها إلى الخروجِ عنْ عُصبةِ العربِ وَأمَّتِهم العربيّةِ في الجاهليّةِ، فكانت مثالًا ملائِمًا وموفَّقًا للإخاءِ بين الدّياناتِ المنصهرةِ في بوتقةِ الانتماءِ القوميِّ الشّريفِ لأرومةِ العربِ.. يجدُ الشّاعرُ في تغلبَ مجالًا لتضميدِ الذّاكرةِ الآنيّةِ المكفهرَّةِ بواقعِ التَّشَظِّي العربيِّ في عصرنا الحاضرِ الغائبِ عنِ الحضورِ، فتراهُ يقولُ في بعضِ القصيدةِ:
مقطع مقتبس رقم 1 ص: 6، يؤكّدُ الشّاعرُ من خلال القصيدةِ المقتبسةِ آنفًا أهمّيّةَ الإخاءِ العربيِّ الّذي يُرتَقُ بهِ كلُّ خَرْقٍ مِلَلِيٍّ طائفيٍّ أو عَقَديٍّ يَهتِكُ اللُّحمَةَ وَيُشيعُ الفُرقةَ بينَ مُحمَّدٍ وعيسى، فتأتي عنونتهُ وكلمتهُ الأخيرةُ في النصِّ: "واتغلباهُ! نداءً مُدوِّيًا لاستدراكِ الدّواءِ الكفيلِ بالقضاءِ على الدّاءِ المستشري في جسدِ الأمَّةِ زُهاءَ قرونٍ تترى..
تأتي مقطوعةُ بعروبتي لا أخجلُ كي تعضُدَ ما وردَ في قصيدتهِ "واتغلباه"، فيركّزُ الشّاعرُ على العروبةِ كمقوِّمٍ شموليٍّ جامعٍ مانعٍ يُنأى بالعربِ جميعهمْ دونما استثناءٍ عنِ الخلافاتِ والانقساماتِ الدّينيَّةِ المُفتِّتَةِ للكيانِ الأبِ القاتلةِ للرّوحِ الأمِّ..
تظهرُ رسالةُ الإخاءِ الإسلاميّ المسيحيِّ المتبادلِ في شعرِ الجاسرِ بجلاءٍ في قصيدتِهِ "عبيرُ الياسمينِ الشّاميَّةِ خالدةٌ"، ففيها يطالبُ بإصرارٍ وتكرارٍ لافتٍ للانتباهِ بضرورةِ الانضواءِ تحتَ خباءِ العروبةِ والانصهارِ في مفهومِ الأصلِ القوميِّ المشتركِ الّذي يُعوِّلُ عليهِ الشّاعرُ في وأدِ بناتِ التّفرقةِ والضّعفِ والهوانِ الّذي يَدُكُّ الكنائسَ والمساجدَ على حدٍّ سواءَ.. 
يلازمُ هاجسُ العروبةِ شاعرَنا في سياقاتٍ عديدةٍ في نصوصِهِ، ولا يغيبُ عن بالِهِ استثمارُ كلِّ فرصةٍ لتذويتِ مفهومِ العروبةِ واعبارِهِ حلًّا للآفةِ الكبرى في واقعنا المعاصرِ، فتراهُ وهوَ يُغنِّي لعكَّا في قصيدتهِ الغرَّاءْ "عكَّا يا قاهرةَ الأعداءْ"، يَذكُرُ التّآخي المسيحيّ الإسلاميّ فيها ويُثني عليهِ ثناءَهُ الجميلَ، فتسمعُهُ وهُوَ يقولُ: هناكَ جارةٌ تنادي جارَتها/ لتُعطيَها صحنَ طعامٍ تتذوَّقُهُ ظُهرًا/ معَ رفعِ الأذانِ/ مِنْ جامعِ الجزَّارِ/ وَقرعِ النّاقوسِ من كنيسةِ مارْ جِريسَ المُجاورةِ/ هكذا كانوا/ إخوةً معَ الأيّامِ والليالي/ وَسَيبقونَ في السّرّاءِ والضّرّاءِ/ هناكَ"
عكّا الّتي يراها الجاسرُ في معمعةِ الحاضرِ، تَمنعُها أسوارُها عنْ أذى الأعداءِ المعتدينَ دائمًا، وَفي سُكَّانها أسوارٌ بَشَريَّةٌ منيعةٌ تُحصِّنهم منَ الفُرقةِ المذهبيّةِ الزائفةِ الضّلاليّةِ، وتنأى بالمكانِ عن لَوثةِ الزّمانِ وآفَتهِ. السيّداتُ والسّادةُ، الصّورةُ معيارٌ فنّيٌّ في نقدِ الشّعرِ ومادَّتهِ في كلِّ عصرٍ، وهيَ قيمةٌ جماليّةٌ وحيّزٌ إبداعيٌّ ترسمُها أخيلةُ المبدعينَ شُعراءَ وشاعراتٍ..
بدأَ مصطلحُ الصّورةِ الشّعريّةِ يَظهرُ في الدّراساتِ الأدبيّةِ والنّقديّةِ معَ نهايةِ القرنِ التّاسعِ عشرَ ومطلعِ القرنِ العشرينَ الماضِي، وذلكَ بعدَ أنِ استقرَّتْ غالبُ قواعدِهِ في الأدبِ الغربيِّ، إذ صارتْ دراسةُ الصّورةِ الشّعريّةِ في الآدابِ الأخرى عنصرًا هامًّا من عناصرِ بُنيةِ القصيدةِ نزولًا عندَ اعتبارِها- أيِ الصّورةِ الشّعريّةِ- من مصادر العملِ الشّعريِّ والتّجربةِ الشّعريّةِ على نحوٍ مَا.
تستطيعُ الصّورةُ الشّعريّة بِما تَملُكُهُ من مُقوّماتٍ فنّيّةٍ رَفيعةٍ أن تهبَ المبدعَ الشّاعرَ قدرةً وَمجالًا للخروجِ عنِ العاديِّ المألوفِ، ومَا ذاكَ الخروجُ إلّا شاهدٌ ساطعٌ ودليلٌ ماتعٌ على موهبةِ الشّاعرِ وطاقتهِ الشّعريّةِ الفذَّةِ وَثقافتِهِ الفنِّيَّةِ والتّقنِيَّةِ وَمَلَكَتِهِ الحِسِّيَّةِ الجَامعةِ.
أزعمُ أمامكُمْ- السّيّداتُ والسّادةُ- أنَّ الشّاعرَ لا يَتفوَّقُ علَى غَيرِهِ بسهولةٍ وَيُسْرٍ، وَلَا يَتَمكَّنُ مِنْ هَزمِ تَرَدُّدِهِ وَإحْجَامِهِ عَنْ حَملِ نَعتِ الشّاعرِ أوِ الشّاعرةِ إلّا بِشُقِّ الأنْفُسِ، وَمَا أرَى فَضْلًا لِمنْ زَعَمَ الشِّعرَ وَلَمَّا يُنازعْ نَفسَهُ وَهَواهُ وَقَصِائَدَهُ وَذَاتَهُ تلكَ القَضِيَّةَ، هَلْ هوَ شاعرٌ فِي مِرآةِ ذَاتِه؟ أمْ أنَّهُ نَهبٌ مُقَسَّمٌ بينَ شِعرٍ صَادقٍ يَخرجُ مِنْ سُويداءِ مُهْجتِهِ، وَلَقَبٍ يَتَعاوَرُهُ النَّاسُ وَفيهمُ العارفُ النّاقدُ البَصيرُ وَالجَاهلُ الطّائشُ الغَريرُ، وَهوَ- أيِ الشّاعرُ أوِ الشّاعرةُ- علَى رَغبَتهِ الشّديدةِ في معرفةِ ذاتِهِ الشّاعريّةِ يَعيشُ حالةً منَ الضّوضاءِ والفِتنةِ الّتي لا تُعكِّرُ رغمَ مَشَقَّتِهَا وَتداعيَاتِها سَلامَهُ وَاستسلَامَهُ لسَكينَةِ الشّعرِ وَجِوارِ البيتِ وَآصِرَةِ الحَرفِ وَذِمامِ القَريحةِ عندَ نَظمهِ الآتِي.. 
يبلغُ شاعرُنا الجاسرُ في صورهِ الشّعريّةِ حدًّا خَليقًا بالثّناءِ، فهوَ رغمَ تورّكهِ على صورٍ شعريّةٍ مبسَّطةٍ غيرِ مُتقعَّرَةٍ ولا مُعقّدةٍ، فإنّهُ يُؤثُرُ رسمَ الصّورةِ الشّعريّةِ في نصوصِهِ بألوانٍ زاهيةٍ أليفةٍ يَألَفُها القارئُ فلا يَأنفُ منها، ويلعبُ أسلوبُ التّقريريّةِ دورَهُ في تيسيرِ الصّورِ الشّعريّة في المجموعةِ، إذ يَطغى ذلكَ الأسلوبُ بِدَورِهِ فَيَصرفُ الشّاعرَ نحوَ صورٍ شعريّةٍ محدَّدةٍ بحدودٍ قائمةِ الزّوايا لا تعرّجَ فيها ولا التواءَ..
قصيدةُ "اسمعْ صَوتي"، ص: 10-11، في قوامِها صورةٌ شعريّةٌ جليَّةٌ موجَّهةٌ للنُّخبةِ القياديّةِ في الوسطِ العربيِّ في البلادِ، تَحثُّهم وَتحضُّهم على إيلاء الاهتمامِ بمعشرِ الشّبابِ، مذكّرةً إيّاهمُ والقارئَ الافتراضيَّ أنَّ الشّبابَ في المجتمعِ همْ كنزُ المستقبلِ.. يَرسمُ الشّاعرُ في النصِّ المذكورِ آنفًا صورةً تُحدِّدُ واقعَ الشّبابِ في وقتنا هذا، فهم زهورٌ معطَّرةٌ، دائِمو الحركةِ والتَّجوالِ، أصواتُهم عاليةٌ تملأُ الأمكنةَ، لكنّها أصواتٌ لا تطولُ قهقَهَتُها، فسَرعانَ ما ترحلُ وتتوارى خلفَ نغمةٍ قاتمةٍ تُواري حسرتَهمْ وحزنَهُم وفراغَهم المقيتَ، وهمْ عالقونَ في رِحلةِ البحثِ عنِ الأملِ البعيدِ البعيدِ..
تنهضُ الصّورُ الشّعريّةُ من عقالِ التّحديدِ في الخطابِ الشّعريّ السّياسيّ لدى شاعرنا الجاسرِ، فتلحظُ في نصوصهِ السّياسيّةِ والمُسَيَّسةِ صورًا أكثرَ إقناعًا وأرفعَ منزلةً، وهوَ ما ينسحبُ على قصيدتهِ السّياسيّةِ "إِلْحِمني بثرى الوطنِ أكثرَ" ص: 12-13، فيصفُ النصُّ صورةَ طفلٍ فلسطينيٍّ يَبطحهُ ثلاثةُ جنودٍ على الأرضِ كي يعتقلوهُ ويودعوهُ السِّجنَ العسكريَّ، وهنالكَ يحاورُ الطفلُ المعتقلُ ذاتهُ مونولوجيًّا مُعبِّرًا عن صمودهِ الأسطوريِّ أمامَ العُتوِّ والقهرِ والاعتقالِ المريرِ، فتراهُ يقولُ:
مقطع مقتبس رقم 2 ص: 12-13، يَبُثُّ الشّاعرُ صورًا شعريّةً أخرى في مجموعتهِ، وتقعُ صورةُ الأمِّ ضمنَ شبكةِ التوظيفات المُعتمدةِ في نصوصهِ، فيبرزُ موتيڤُ الأمِّ في كثيرٍ من القصائدِ والقطعِ الشّعريّةِ المُكوِّنةِ للمجموعةِ، ومنها صورتُها في نصِّ: "أمَّاهُ... أنا بجانبكِ" ص: 14-15، وَصورتُها في نصِّ: "الأمومةُ الوديعةُ" ص: 16-17، وتبلغُ شَأوًا في نصِّ: "الأمُّ المقدسيّةُ" ص: 18-19، وتراهُ يُوقفُ للطّفولةِ الفلسطينيّةِ نصُوصًا عديدةً كما فعلَ في نصّهِ الجميلِ: "طفلُ التّحدّي"، ص: 25-26، وهو يَعتمدُ صورةً شعريّةً تُحاكي الطّفولةَ الشّاقّةَ العسيرةَ الّتي يُولدُ من رَحمِ شقائِها رجالُ المستقبلِ المتسلّحينَ بالعزمِ والحزمِ والجَلدِ على نوائبِ الدّهرِ وَصُروفِهِ ونوازِلِهِ، وهذَا ما ترسمهُ صورةٌ شعريّةٌ مباشَرةٌ في نصّهِ "طفلُ الألمِ" ص: 27، وفيهِ رصدٌ للطّفولةِ العَصيبةِ الّتي تُنجبُ العظماءَ الأشدّاءَ..
السيّداتُ والسّادةُ، تتعدّدُ الصّورُ الشّعريّةُ المرسومةُ بلونِ الواقعِ المريرِ، فتشهدُ المجموعةُ على صورٍ حَرِيَّةٍ بالذّكرِ، غيرَ أنّنا نَضربُ عنها صَفحًا لضيقِ الحيِّزِ والوقتِ، وكيْ نتركَ لكم، معشرَ الحاضرينَ، فرصةَ القراءةِ والحُكمِ والفصلِ في ذلك، كلٌّ حسبَ قراءَتِهِ وثقافتهِ وتدبّرِهِ في الكلامِ، ولعلَّ من أبرزِ الصّورِ الّتي ينبغي الإشادةُ بها في المجموعةِ: صورةُ المرأة (قصيدة أنوثتي لا تساوم)، الصّورة الغزليّة الواردةُ في النصّ الغزليّ (نصّ في حيِّنا فتاةٌ ص: 57)، وفيه ذكرُ محاسنِ النساءِ ونحوَ ذلكَ.. 
من الجديرِ ذِكرهُ أنَّ عنونةَ النّصوصِ لدى شاعرنا الجاسرِ تستجيبُ في كثيرٍ من الأحيانِ لنظامِ العنونةِ الاختزاليّةِ المحدَّدةِ والمباشَرةِ، فتقعُ معظمُ عناوينِ المجموعةِ ضمنَ إطارِ العنوانِ الّذي يرتبطُ ارتباطًا مباشرًا ووثيقًا معَ مادّةِ مَتنِهِ ونصِّهِ المرصودِ من أجلهِ..
أصُبُّ خلاصةَ ورقتي هذهِ في مسألةٍ ترتبطُ بالشّعرِ والشّعراءِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وهيَ مسألةُ التّأرجحُ بين المباني والمعاني، وتلكَ نُكتةٌ من أصولِ الشّعرِ العربيِّ القديمِ، وفيها يدخلُ تفاوتُ الشّعراءِ في الأغراضِ الشّعريّةِ، وذلك في مثلِ قولِ الجاحظ: «والشعراءُ أيضًا في الطبعِ مختلفونَ، منهمُ منْ يَسْهُل عليهِ المديحُ ويَعْسُرُ عليهِ الهجاءُ، ومنهمُ مَن تَيسَّر لهُ المراثي وَيتَعَذّرُ عليهِ الغزلُ"..
تدخلُ في مسألةُ الشّعرِ والنصِّ الشّعريِّ بينَ المبنى والمعنى، تدخلُ في صميمِ تعريفِ الشّعرِ وكونِهِ إبداعٌ يعتمدُ الموهبةَ والكسبَ في آنٍ واحدٍ، وذلكَ ما نوّهَ إليهِ القاضي الجرجانيُّ (392هـ) من جهته، فذكر في سياقِ تناولِهِ قضيّةَ الطبعِ والصَّنعةِ، وذلكَ في مؤلَّفِهِ الوساطةُ بينَ المتنبّيِّ وخصومِهِ: "الشعرُ عِلمٌ من علومِ العربِ، يشتركُ فيهِ الطبعُ والروايةُ والذّكاءُ، ثمَّ تكونُ الدَّرَبَةُ مادّةً لهُ، وقوّةً لكلِّ واحدٍ من أسبابِهِ"..
خلاصةُ الأمرِ أنَّ قدراتِ الشّعراءِ تفاوتت وفقًا لعاملِ الميلِ إلى واحدٍ منَ المذهبينِ، مذهبِ شعرِ المباني أو مذهبِ شعرِ المعاني، وكانَ أوفقُ الشّعراءِ مَنْ توسَّطهُما وجمعَ بينهما في شِعرهِ تَبَعًا للشّروطِ والضّوابطِ الّتي أرساها نقّادُ الشّعرِ العربيِّ طوالَ العصورِ الأدبيّةِ..
أبو إسحاق الحصريّ (ت 413 هـ) يؤكّد في سياق حديثه عن الشّعر الّذي يؤدّي غرضَ المعنى والدّلالة الّذي وضعَ لأجلهِ، فيقول: "والكلام الجيّدُ الطبعُ، مقبولٌ في السمعِ قريبُ المثالِ بعيدُ المنالِ، أنيقُ الديباجةِ رقيقُ الزجاجةِ، يدنو مِنْ فهمِ سامعِهِ كدُنُوِّهِ منْ وهمِ صانِعهِ، وَالمصنوعُ مُثَقَّفُ الكعوبِ مُعتدلُ الأنبوبِ، يطردُ ماءُ البديعِ على جَنباتهِ، وَيحولُ رونقُ الحُسنِ في صفحاتِهِ، كَما يحولُ السِّحرُ في الطَّرَفِ، والأثرُ في السيفِ الصَقيلِ، وَحَمْلُ الصانعِ شِعرَهُ على الإكرامِ في التَعمُّلِ وَتنقيحِ المباني دونَ إصلاحِ المعاني، يَعُضُّ آثارَ صنعَتهِ وَيُطفِئُ أنوارَ صيغَتِهِ وَيُخرجُهُ إلى فسادِ التعسُّفِ وقبحِ التكلُّفِ".. بذلكَ ينصرفُ العربُ للمعاني معَ حرصِهمْ على ضوابطِ المباني والشّكل في القصيدة الشّعريّةِ، وبذلكَ- في رأينا- يَستقيمُ المنسمُ!
السيّدات والسادةُ، رَغمَ بساطةِ الشّعرِ الحديثِ بمعانيهِ ومُفرداتِهِ إلّا أنّه يَحملُ معانيًا ومضامينَ أعمقَ من المعنى الحرفيِّ، فالشّاعرُ الحديثُ لا يبحثُ عنِ المُفرداتِ فَحسْبْ، بل يتحرَّى في انتقاءاتِهِ اللفظيّةِ عُمقَ المعنى. معَ ذلكَ، طرحتْ حركةُ الشعرِ الحديثةُ مسائلَ عديدةً ومعقّدةً في مختلفِ مجالاتِ الإبداعِ الشعريِّ، ولعلَّ من أبرزِ تلكِ المجالاتِ مسألةُ شكلِ القصيدةِ، وليسَ من نافلِ القولِ إنَّ الشكلَ الشعريَّ قد اكتسبَ مكانةً هامّةً في المفاهيمِ الشعريّةِ التقليديّةِ الكلاسيكيّةِ، حتّى بلغتْ حدًّا توهَّمَ معَهُ بعضُهمْ ولا يزالونَ أنَّ الشكلَ وحدَهُ كافٍ للتفريقِ بينَ النصِّ الشعريِّ والنثريِّ.
قصيدتا الغربة ص: 36 والمُعذَّبة ص: 37-38، وقصيدةُ لا وألفُ لا ص: 53، تفتحُ المجالَ أمامَ تساؤلٍ يرتبطُ بقضيّةٍ تؤرّقني وتدعوني للتوجّه لكَ يا شاعرنا المحتفى بإصدارهِ المشرقِ في عبلّينَ، ولثُلّةٍ من أصحابنا ممّنْ ينظمونَ الشعرَ ولا يحرصونَ على العدلِ والاعتدالِ بينَ المبنى والمعنى، فمِنهم مَن يسلبُه حرصهُ على الشّكلِ والمباني التّنبّهَ لدورِالدَّلالاتِ والمعاني في نظمِهِ، فيخرجُ نظمُه عاريًا كاسِفًا من المعنى، شَحيحًا لا يعدو عن كونِهِ ألفاظًا متَّصلةً لا تُدركُ البصائرُ منها إلّا الرّكيكَ المذمومَ، ومنهم من يوقِعهُ تقديسهُ للمعاني في نَبوةِ التّفريط بما لا يليقُ التفريطُ بهِ من أصولِ المباني! وذلكَ عيبٌ ومثلبةٌ ينبغي بالشّاعرِ التوجُّسُ منها أيّما توجّسٍ!
وقعَ شاعرنا الجاسرُ في ورطةِ التعادلِ بينَ المبنى والمعنى، فقدّم المبنى على المعنى، فأفسدَ بذلكَ النصَّ وحرمهُ منَ الجماليّةِ الّتي كانَ بالإمكانِ تحصيلها فيما لو عدلَ بينَ مبناهُ ومعناهُ، فجاءَ الاهتمامُ بالمبنى باعثًا في ركاكةِ المعنى، ونصيحتي لكَ يا أخي، واعصبها برأس أخيكَ صالحٍ، كَدِّسِ المعاني، ولا تُكرِّسِ المباني!
باتَ معلومًا أيّها السيّداتُ والسادةُ أنّ الذي يفرّقُ بينَ الشعرِ الحديثِ عن التقليديِّ ليسَ الشّكلَ الخارجيَّ وحدَهُ، رغمَ أهمّيّتِهِ عندنا، بل إنَّ المناخَ النفسيَّ والإيحاءَ معًا يشكّلانِ فَيْصلَ الفروقِ بينهما، وليستِ المسألةُ كما وُصِفتْ ذاتَ مرَّةٍ أنّها خمرٌ قديمةٌ سُكبَتْ في دنانٍ جديدةٍ، بل هيَ في المقاربةِ الواقعيّةِ خمرٌ جديدةٌ مذاقُها مغايرٌ ونكهتُها مُخالِفَةٌ.
مداخلة الأديب علي هيبي: أسعد الله مساءكم/ رمضان كريم على الجميع. المحتفى به الكاتب والشاعر أخونا جاسر داوود. الأخوة على منصّة المتكلّمين. الحضور الكرام مع حفظ الألقاب. نودّع الآن شهر رمضان المبارك ونحن لخمس ليالٍ بقين منه، ونقف الآن على عتبات ليلة القدر ومن ثَمّ نستقبل عيد الفطر السعيد، ننتهز هذه الأمسية المباركة بوجودكم وبهذه الأجواء، لنعايد عليكم مسلمين ومسيحيين سائلين الله وأنبياءه: المسيح ومحمّدًا أن يعود علينا وشعبنا العربيّ الفلسطينيّ ينعم بالاستقلال والسلام والأمن في دولته فلسطين وعاصمتها القدس، مهد المسيح ومعراج الرسول. وشعوبنا العربيّة في سوريا وليبيا واليمن والعراق تنعم بالتخلّص من الإرهاب الداعشيّ والسعوديّ والقطريّ والتركيّ والأميركيّ. 
أنا من الذين يؤمنون وأعتقد أنّي مثلُ جاسر في هذا الإيمان، وفقًا لما أعرفه عنه في الحياة ومواقفها ووفقًا لما قرأت من الديوان ومضامينه وكتبه السابقة، أنا من الذين يؤمنون بأنّ المسيح ومحمّدًا رسولان عربيّان، وأنّ الاثنين لنا، وليس المسيحُ للمسيحيّين وليس محمّدٌ للمسلمين، الاثنان وفي المقدار نفسه لنا. وأنّ الكنيسة والجامع كدارين للعبادة وذويْ معنًى وطنيّ عربيّ، الاثنان لنا، وليست الكنيسة للمسيحيّين فقط وليس الجامع للمسلمين فقط، الكنيسة والجامع الاثنان لنا، وإذا أُعتديَ على واحد منهما كان الاعتداء على الآخر تحصيلًا حاصلًا، و يا ويلنا إذا اعتقدنا غير ذلك، فسيكون الجامع والمسلمون في خطر والكنيسة والمسيحيّون في خطر أيضًا. وما أخطر دعوة ذلك الشيخ الذي دعا من على درجات منبر إلى أنّ أعيادنا لنا وأعيادهم لهم، ليست هذه دعوة رجل دين حقيقيّ وصادق، رجل الدين الحقيقيّ والصادق هو ذلك الذي يقول أعيادنا واحدة، أعياد المسلمين لهم وللمسيحيّين وأعياد المسيحيّين لهم وللمسلمين. أعيادنا عربيّة والسلام.       
عرفت الأخ والمربّي جاسر داوود منذ فترة طويلة، ولكنّ العلاقة توطّدت من خلال نشاطنا السياسيّ ضمن إطار الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة. ومن خلال النشاط الأدبيّ والثقافيّ الذي نما وترسّخ وانتشر حراكه بعد تأسيس اتّحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيّين قبل ثلاث سنوات بالضبط. وكان الأخ جاسر من أوائل المنتسبين له. ونحن نتشرّف ونعتزّ بهذا الانتساب.
لست ناقدًا للشعر ولا لغيره من الإنتاج الأدبيّ، ولكنّي قارئ عاديّ أمتلك أدواتي الاستقرائيّة من تجربتي المتواضعة وقراءاتي المتأنيّة، وبخاصّة في الإنتاج الفلسطينيّ المحلّيّ الغزير، والذي أعترف أنّه ألهاني عن قراءة الإنتاج الأدبيّ العربيّ من بلدان أخرى، وأقول لقد غزُر هذا الإبداع فعلًا، ففي السنوات الثلاث الأخيرة أصدر الأدباء من أعضاء اتّحادنا فقط حوالي مئة وخمسين كتابًا، في ميادين: الشعر والقصّة القصيرة والرواية والمسرحيّة والترجمة والدراسة وغيرها من مواضيع الكتابة الإبداعيّة والعلميّة. ولجاسر باع طويل في هذا الإبداع والتنوّع، فقد أبى إلّا أن يكون كاتبًا شاملًا وقادرًا على الكتابة في كثير من الأنواع والفنون، فهو إذ يصدر باكورة دواوينه، متأكّد أنّ في جعبة مكتبته وذاكرته الكثيرَ من المخطوطات التي تقبع بين طيّات ظلام الجوارير، تنتظر في محطّة سفر الوجدان لتركب قطار النور وتبلغ فضاء الإبداع والنشر.
ولجاسر مجموعة قصصيّة بعنوان "خلود جذور الوطن" صدرت قبل عامين، واحتُفِيَ بها في هذا المكان بحضور لفيف من المبدعين والمشاركين، أذكر من بينهم كبيرنا - أعطاه الله الصحّة والعافية والعمر المديد – الكاتب والشاعر حنّا إبراهيم. وله في مجال السيرة كتاب هو سيرة حياة للقدّيسة الجليليّة الفلسطينيّة مريم بواردي، وكتاب عن ستّنا مريم أمّ الكلّ، أمّ يسوع المسيح، "واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيّا* فاتّخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشرًا سويّا* قالت إنّي أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّا* قال إنّما أنا رسول ربّكِ لأهب لكِ غلامًا زكيّا* قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشرٌ ولم أكُ بغيّا* قال ربّكِ هو عليّ هيّنٌ ولنجعلَهُ آيةً للناس ورحمةً منّا وكان أمرًا مقضيّا*.
أعرف أنّ جاسر يقوم الآن بوضع اللمسات الأخيرة على دراسته حول الحسّ الوطنيّ عند الشاعر الكبير، ابن عبلّين الأستاذ جورج نجيب خليل، وأعتقد أنّ ديوانه "يا بلادي أو إلى بلادي" كان أوّل ديوان شعر قرأته في حياتي وأنا في صباي، وكانت الكتب شحيحة، وكنّا نعتقد أنّ الشاعر قد يكون بعيدًا في برج عاجيّ أو في مجرّة سماويّة أو في بلاد خيال بعيد، وما كان ليخطر ببال أحد أنّ الشاعر رجل عاديّ وحقيقيّ، يسكن في عبلّين التي تبعد عن كابول مسافة ساعة سيرًا على الأقدام، وأقلّ من ذلك لو ركبنا الحمير.
وأعتقد أنّ جاسرًا ما زال عاقدًا العزم على إخراج دراسته التاريخيّة حول قريته عبلّين، وجاسر حائز على درجة الماجستير في موضوع الدراسات الإسلاميّة وتاريخ الشرق الأوسط. فإلى الأمام أيّها العزيز، نغبطك على غزارة الوبل وعلى تنوّع الخصوبة المبدعة.
وإذا كان جاسر داوود الشاعر وديوانه "عبير شوق السنين" هو محور هذه السهرة الأدبيّة، وإذا كان جاسر وأنا وغيرُنا قد شببْنا على النهل من الرعيل الأوّل لشعرائنا الفلسطينيّين الكبار، ومن غيرهم من الشعراء العرب والشعراء العالميّين، فلا بدّ من أن يكون الوطن والإنسانيّة والحبّ والأرض والنضال والحريّة والألم والأمل مواضيعَ في أشعارنا، وإذا كنّا قد تأثّرنا بهم، وهذا غير مشكوك فيه، فلا بدّ من أن نُراكَم تجاربهم ونعتصر من وجداناتهم المضطربة كالوطن، وننهل من حيواتهم ومواقفهم ما يجعلنا نمجّد الحياة الكريمة ونقدّس الموت المشرّف الذي يُبقي صاحبه واقفًا وحيًّا كالأشجار.
وإذا كان لا بدّ من الحديث عن هاجس رئيسيّ / موتيف أساسيّ عند جاسر في هذا الديوان، فلا بدّ أنّ هاجس الوطن الصغير عبلّين والوطن الكبير فلسطين، بكلّ تشكيلاته الماديّة وبكلّ مدلولاته المعنويّة والرمزيّة، لهو المحور الموضوعيّ والمعادل الفنيّ لمعاناة الشاعر على المستوى الذاتيّ ولمعاناة الوطن على مستوى الجمعيّ. والوطن ليس دائمًا حلمًا ومعنًى ورمزًا ودلالةً، بل الوطن وفي كثير من الأحيان هو الناس والأفراد والأشياء الماديّة الصغيرة والبيت والشجرة ولقمة العيش والفدّان وتعليم الأبناء وتزويج البنات والأعراس والغناء والموتى والقبور والشواهد ومنارة الكنسية والشماس والجرس ومئذنة الجامع وهموم الصوم ولقمة الإفطار وبهجة الأطفال في العيد والملابس الجديدة والمدرسة والدفتر، والوطن هو حبّ بنت الجيران واختلاس النظرات إلى الحسان، الوطن هو جهنّم أحيانًا نكون فيه أشقياء ونصلى نار ذوي القربى والحكّام الظالمين من أمثال حكّامنا اليهود والعرب في هذه الأيّام، ولكنّه أي الوطن، مهما اشتدّت علينا حلكته وجثم على صدورنا كجدار عازل يبقى أفضل من الجنّة التي لو وُضع فيها ناظم حكمت لصاح: "آه يا وطني" فالجنّة وأنهارُها الجارية من تحتها والملائكة المحلّقة من فوق أجوائها، كلّ ذلك لا ينسي الشاعرَ وطنَه.
الوطن عند جاسر هو الوحدة الوطنيّة بالمفهوم السياسيّ أيضًا، فلا يمكن لأجراس الكنائس أن تقرع في وادٍ وتكبير الجوامع أن يرنّ في واد آخر، فالثرى والنبع والنسيم والجبال والوديان والقمر والسهر والسعادة والهناء، والتاريخ في عبلّين وهي الوطن الصغير للجميع، والعدوّ المتربّص بهذا الجميع واحد، وقد يكون هذا العدو هو الذئب والغدر وقد يكون من ناكري جميل خيرات الوطن، وقد يكون التفسّخ والتشرذم الوطنيّ والطائفيّة والعائليّة وتغليب المصالح الذاتيّة النفعيّة وتقديم مصلحة الفرد الدنيئة على المصلحة العليا للوطن.
ينعكس هذا المفهوم الإنسانيّ للوطن بلا تعصّب وبلا فئويّة أو طائفيّة عند الشاعر، فعبير شوق السنين، هذا التوالي لثلاثة أسماء يشعّب الصورة لتتشكّل من العبير المحسوس والشوق المعنويّ الذي يدلّ على نقاء الأحاسيس والزمن المجرّد الذي يعطي الوطن امتداده الماديّ والسرمديّ، منذ البدايات أو ما قبلها حتّى النهايات وما بعدها، كلّ ذلك المزيج الجميل يلوّن الصورة الشعريّة ويجعلها ذات نبض وإيحاء، يضفيان على القصيدة ظلالًا جماليّة وغنيّة بالحركة والأصوات. هذه الصورة وهذه القصيدة التي لا تنتهي حبًّا وطيبًا وشمسًا هي عبلّين، التي يعتبرها الشاعر أغلى حبّ عرفه، منذ قصيدته الأولى، حيث يتحوّل الوطن نفسه ليصبح قصيدة عشق والشاعر عاشقًا ولهانَ يعاني حالة الفراق، متلوّعًا ومحترقًا شوقًا للقاء الحبيبة الغالية والبعيدة/ الوطن الغائب والبعيد. 
جمال الوطن ومعانيه القدسيّة وأشياؤه ومفرداته الحسيّة على جمالها، لا تنسي الشاعر همومه، فالوطن مألوم بواقع احتلال مقيت وبوضع عربيّ مأزوم ومهزوم، والحلم كابوس والأمل لا يلوّح بيديْه من بعيد، إلى أين يهرب الشاعر؟ والمستقبل عاجز عن المجيء لسواد في ليل حاضر جاثم كالمصيبة ذات العيار الثقيل، يبدو كأنْ لا فكاك من جبروته! قد يسعف الماضي/ الهروب إلى الخلف/ إلى عنترة وتغلب وعمرو بن كلثوم. وهل يجدي السؤال إلّا بقليل من قبس اليأس الإيجابيّ، اليأس السيرياليّ. لمن نهرب وإلى أين؟ لخادم الحرمين الوهابيّ/ للرئيس السيسي الربيعيّ/ للإخوان المسلمين الأردوغانيّين/ للإخوان الوهّابيّين وثمود/ هل نعود إلى أولئك الذين "فرشوا بقلوبهم حصونًا للغريب وقتلوا رغبات شعوبهم فأذلّوها" على حدّ تعبير جاسر في قصيدة "وا تغلباه"/ فاليمن تفرّق أيدي سبأ بعد أن هدمت فئرانُه مأربَه/ والعراق يشكو من هولاكو جديد لا يذر مكتبة ولا متحفًا/ سوريا في مهبّ رياح خطير/ مشرعّة الأبواب المخلّعة نحو الجهات الستّ/ مصر نامت نواطيرها الناصريّة عن ثعالبها وساداتها/ قلنا سيسي سيسي ولم يطلع نور ولم يتنفّس صبح ولم ينبلج ربيعٌ ولم يضحك. ومع ذلك فجاسر يهرب إلى الماضي البعيد مستصرخًا ومستغيثًا "وا تغلباه"، أو إلى الماضي القريب فيعيد إلينا جمال عبد الناصر حيًّا  كقائد ورمز للعروبة والوطنيّة والعدالة الاجتماعيّة وكرمز للطهارة العروبيّة. كلّ ذلك تعبير صادق عن حالة اليأس والإحباط والخمول والقدرة المذهلة على اللا فعل، التي تضطرب فيها هذه الأمّة بظلام قتل شبابها وبظلاميّة تقتل تفتُّحَ عقلها. فإلى أيّ درْك تأخذنا أيّها التديّن المبشنق بالظلاميّة والأصول المزيّفة/ في أيّ قاع صفصف تجعلنا أيّها العصف المدمّر.   
في هذا الديوان ثمانٍ وعشرون قصيدة، لا اعتقد إلّا في قليلها لا يمرّ ذكر الأمّ، لا أعرف سببًا حقيقيًّا لذلك، ولكنّي أكاد أجزم أنّ للأمومة والأمّ والمرأة عامّة دورًا هامًّا في نسيج التجربة الشعريّة والفنيّة عند شاعرنا، فالأمّ هي الغنى الوجدانيّ الطافح بكلّ المعاني المقدّسة، إنّها الوطن والطبيعة والأمومة والطهارة والنقاء، وهي البداية والولادة الدائمة والتجدّد الحيويّ، وهي الصدر الحنون الذي نسند إليه همومنا، والأم هي الحبّ الطاهر الذي لا نستطيع أن نحيا ونزاول حياتنا ونمارس نضالنا دونه، إنّ هذا الموتيف الذي يتردّد في الديوان من أبرز العناصر التي شكّلت العاطفة والحبّ وبصدق داخليّ، وكلّ ذلك من صميم التجربة والمعاناة الذاتيّة للشاعر ولنا، على اعتبار أنّ صوت الشاعر الصادق هو انعكاس لصدى أصواتنا الصامتة.
هناك من يردّد في بلادنا، وفي الأوساط الثقافيّة والأدبيّة، أنّنا لم نعد نملك إلّا سلاحًا واحدًا هو الثقافة، والصراع السياسيّ والقوميّ في أحد وجوهه ثقافيّ حضاريّ، هذا إلى حدّ ما صحيح وبشكل نسبيّ، وكلّ إنتـاج أو إبداع أدبيّ هو رصيد لثقافتنا الإنسانيّة ولشخصيّتنا القوميّة ولهويّتنا الوطنيّة، شريطة أن يستوفي الأسس والعناصر الفنيّة والجماليّة، ولا يكفي في هذه الحال الموضوع والمضمون، مهما كان صادقًا من الخارج، لا بدّ من الصدق في داخل الإبداع، وإلّا صار هذا الأدب عالة على مشروعنا الفنيّ والثقافيّ والوجوديّ، فالقصيدة كي تكون سلاحًا تقاتل في المعركة إلى جانب غيرها من الأسلحة، يجب أن تكون على جودة جماليّة، وإلّا تحوّلت إلى سلاح مضادّ.
ولا بدّ من التعريج على أحد الجوانب الفنيّة في الديوان، وأقصد الشكل الشعريّ، وجاسر يلجأ إلى تنويعة واضحة في قصائده، فهو يكتب القصيدة العموديّة المبنيّة على بعض الأوزان الخليليّة، وله منها سبع قصائد، وهنا أدعو الشاعر إلى دراسة أعمق لهذه البحور وتفعيلاتها وجوازاتها. ويكتب قصيدة أعتبرُها مزيجًا من الشعر المرسل والشعر المقطعيّ المزدوج، قصيدة "المعذّبة"، وقصيدة مقاطع من الرباعيّات هي "الأمّ المقدّسة"، وله قصيدة باللغة العاميّة وهي "طفل من بيت لحم"، وما بقي من قصائد فهي من شعر التفعيلة أو من قصيدة النثر أو ما بينهما، ما يشبه الخليط من هذه وتلك. واعتقد انّ هذا التنويع مكّن الشاعر من أداء تجاربه ومعانيه وفقًا لسلّم ذي طبقات صوتيّة متفاوتة الإيقاع والوقع على الأسماع والأذواق المختلفة بطبيعتها بين القرّاء، وقد لاحظت أنّ صوت جاسر الشعريّ يعلو بنبرته وصرخات قلبه المتصدّع ليصبح خطابيّا مباشرًا حين ينادي ويخاطب العدوّ مستغربًا جرائمه بحقّ الطفل والوطن والناس، وحين يستصرخ الشعراء: درويش والقاسم وزيّاد، وقد نلاحظ هذا الصراخ في بعض القصائد الحديثة حين يثوّر ويحرّض. أمّا في رسالته إلى محمود درويش، فبالرغم من كونها رسالة، والمفروض أن تكون خطابيّة نراه فيها ذا نبرة هادئة وهامسة. شأنه في هذا كشأن معظم القصائد المتحرّرة من القيود الكلاسيكيّة، ومن هنا نستطيع أن نستنتج غير جازمين، أنّه كلّما تحرّر جاسر الشاعر من القيود كان شعره أكثر هدوءًا وانخفض صوته إلى حدّ الهمس، ولكنّه بالتأكيد يصبح أعلى شاعريّة وفنيّة من حيث جودة الصورة الشعريّة والصياغة اللغويّة.
لا يمكنني أن أنهي هذه المداخلة دون التطرّق إلى الموتيف المسيحيّ في شعر جاسر، وهو ما ذكّرني بالشاعر اللبنانيّ يوسف الخال، وقد يتبادر إلى الذهن وللوهلة الأولى والثانية أنّ جاسرًا يتقوقع في صومعة دير أو ينطوي في ركن منزوٍ في كنيسة الذات، العكس هو الصحيح، وهو الذي نلمسه لمس اليد ونراه رأي العين ونعيه بأمّ العقل منذ الوهلة الثالثة والوهلات التي تليها، فالموضوع المسيحيّ فضاء إنسانيّ منفتح على الآخر، وبخاصّة الإسلاميّ بحكم العامل الدينيّ العباديّ، فالربّ واحد، وبحكم العامل الاجتماعيّ، فشرقنا العربيّ ومجتمعنا المحليّ هو ذلك النسيج الفسيفسائيّ الذي يتكوّن من رسالة الحبّ والتآخي والمودّة، بلا تمييز فعبلّين واحدة للجميع، والقدس بأقصاها وقيامتها، رمزان صامدان إلى أن تقوم قيامة المحتلّ ويتحرّر الوطن من أقصاه إلى قيامته، ومن المهد وإلى اللحد، فهذا التراب الطاهر والمعمّد بدماء الشهداء، إمّا أن نعيش عليه بشرف وكرامة أو نموت فيه وندفن بكرامة وشرف. أليس هذا ما تريد يا جاسر الطيّب؟ الموضوع المسيحيّ عند جاسر له جانب سياسيّ ووطنيّ، وله كذلك جانب روحانيّ رومانسيّ، يسمو بالنفس إلى عليّين، عندما يعطي لنا الشاعر شرعيّة للأحاسيس الإنسانيّة وأبرزها وأسماها الحبّ، وهذه المشاعر لا يمكن أن تتناقض مع الفطرة البشريّة، وهذه لا يمكن لدين أن ينكرها، بل تقرّها كلّ الأديان، فالدين لا يمكن أن يخالف الفطرة، أمّا من يروْن في الحبّ فحشًا، فأولئك هم الفاحشون الذين يجاهدون بالنكاح، المجرمون قتلة الناس والحريّات، الذبّاحون الحارقون، مدمّرو الحضارة والتاريخ والوعي الإنسانيّ، النهّابون الذين يسرقون الثروات ويبيعونها للأعداء بثمن بخس، فساء ما يفعلون. عندنا أنا وجاسر الحبّ هو الطهر والنقاء وصفاء النفس والسموّ بها. 
الموضوع المسيحيّ يتناقض مع هجرة المسيحيّين وتهجيرهم من شرقنا، لا شرق بلا مسيحيّيه ومسيحه الجليليّ الناصريّ، الذي ولد في بيت لحم ومشى على الماء في طبريا، وعصر من الماء خمرًا في كفركنّا، وجاسر يعتبر في قصيدة "أوّاه يا قدس" أنّ الرحيل عن الوطن يعني الموت والثكل. لأنّ الوطن هو الأرض النابضة بالحياة والربيع الجميل، وهي الشهيدة المعمّدة بطهر التراب والماء المقدّس من عين العذراء الناصريّة ومدن الوطن ومناطقه ومعالمه: عكّا وحيفا وسخنين وعرّابة والشاغور والزابود وجبل حيدر وجامع الجزّار وكنيسة مار جريس وشعر درويش وسميح. فلنكتب الشعر! فلا خوف علينا ما دمنا ننبض شعرًا ووطنًا، ونحكي لأطفالنا قصّة الذئب الذي افترس ليلى، ونروي روايتنا الصادقة ندحض بها الزيف والكذب. وإلى الأمام يا جاسر، وإلى مزيد من الإبداع. ولك الحبّ والحياة. 
مداخلة الأستاذ جاسر داود بصوت حفيدته جويل نزار بربارة: مساؤكم خيْرًا وأَهلًا وسهلًا بكم. 
ما يَجمَعُنا هُنا في ساحَةِ بيتِ القدّيسَةِ مريَم بَواردي وفي مسْقَط رأسِها، هوَ إيمانُنا جميعُنا باللهِ الواحدِ المُحِبِّ للمَحبَّةِ الصادِقةِ والسلامِ الذاتي معَ النفسِ قبلَ أنْ نُعاهِدُهُ بهذا.
إِنَّ الإحتفالاتِ بهذهِ الساحَةِ لَهُوَ تعبيرٌ عنْ محَبَّتِنا لِتعاليمِ القدّيسةِ مريم بواردي، التي نادَتْ بالمحبَّةِ الإنسانيَّةِ بينَ بني البشرِ، وليسَ بينَ أبناءِ طائفةٍ مُعيَّنَةٍ. لِهذا دَعَوتُكُم وجَمَعتُكُمْ أَحِبَّتي لِمُشارَكَتي في مولودٍ أَدبِيٍّ جديدٍ لي من نوعٍ يختلفُ عن المولودِ القِصَصي والدّيني، نعَم إِنَّهُ عُصارَةُ فِكري خِلالَ عدَّةِ سنينَ، فيها وَضعْتُ مَحبَّةَ الانسانِ بالمَركِزِ كعادَتي في جميعِ أَوْ غالبيَّةِ كتاباتي متنوِّعَةِ المواضيعِ.
نعم، الانسانُ هو الوَطنُ الذي نبْحَثُ عنهُ في أحلامِنا أَو واقِعِنا، هو الجارُ القريبُ والبعيدُ، هو ابنُ بلدتي الغاليةِ على قلبي عبلين، هو ابنُ شعبي العربي الفلسطيني في الجليلِ والمُثلَّثِ والنقبِ وفي كلِّ مكانٍ في هذا العالمِ، لهذا لا أُساوِمُ عليهِ أَبَدًا، ولا أُبّدِّلُهُ بوطنٍ آخر، فالوطنُ وطنٌ باقٍ مهما تغيّرتِ الوجوهُ والحُكّامُ. ففي كلّ واحِدٍ منكُم أحِبّائي المشاركينَ معي هذهِ الفرحَةِ أَرى نورَ الوَطنِ المَرْجو، أَرى استمرارَ الحياةِ فوْقَ ربوعِهِ الخضراءِ، فأَهلًا وَسَهلًا بكم بوَطني الغالي، أَهلًا بكُم جَميعًا وشكرًا على مُشارَكتكُم هذهِ الفرحَةِ. شُكري لِلمُتحَدّثينَ من البلدةِ وعريفةِ الاحتفال، والذينَ تكَبَّدوا مَشاقَّ السفرِ في هذا الشهرِ الفضيلِ شهرِ الصوْمِ، شهرِ رمضانَ الكريمِ، أَدامَكُمِ الرَّبُّ نِبْراسًا نهتدي بهِ في حياتِنا الثقافيّة.
شُكرًا لِمَنْ ساعَدني وشجَّعَني وآزرَني في إخراجِ هذا الديوانِ للنورِ. شكرًا لكم يا شيوخَ وكهنةَ هذه البلدة وخارجها معِ الرّاعينَ لِهذا الاحتفالِ، والشكرُ لعائلةِ عمي عزات داود والفنّانة التشكيليّة تغريد حبيب، الشكرُ لِوسائل الاعلام ِالمختلفةِ، وشكري لأَولادي أَرز والياس وجريس وعائلاتِهِم، وللزوجة سيدر - أُمِّ الياس لِتحَمُّلِها أَحلامي وآمالي وجنونِياتي الكِتابِيَّةِ والشِعرِيَّةِ على مدارِ السنينَ.
شُكري لِجميعِ الشبابِ الذين استقبلوا وساعَدوا في التنظيمِ والضيافةِ، هذا هو وجهُ عبلين الحقيقي، وَلِتَبْقَ عبلينُ قِلادَةً ثمينَةً عَلِّقوها في أعناقكم، فهي لِكُلِّ أَبنائها من كلِّ الشرائحِ الاجتماعيَّةِ. وإِذا نسيتُ أَحَدًا فالمعذرة، فالشكرُ لهُ. وكُلُّ عامٍ والعامِ وأنتُم بأَلفِ خيرٍ على طول آمين