نذير العظمة: انا اول من ابتكر القصيدة المدورة

من جورج جحا ـ
بيروت (رويترز) - 
يقول نذير العظمة احد شعراء مجلة (شعر) الشهيرة انه اول من ابتكر ما سمي القصيدة المدورة في صيف سنة 1958 وان القصيدة لقيت اشادة من الشاعر الامريكي روبرت لويل ونشر ايضا اشادة بها من الشاعرين ادونيس ويوسف الخال.

وقد جاء ذلك في كتاب لنذير العظمة بعنوان (انا والحداثة ومجلة شعر) صدر عن (دار نلسن) في بيروت وجاء في 182 صفحة متوسطة القطع.

وفي فصل بعنوان ”من اوراق الخميس روبرت لويل وعشر شموع“ وهو اسم القصيدة والخميس هو خميس مجلة شعر الذي كانت تعقده المجلة تحدث العظمة عن الموضوع.

قال ”الانفتاح على حركة الشعر العالمي كان من اهم ما ميز حركة مجلة (شعر) لا من خلال الترجمة فحسب بل بالعودة الى النصوص الاصيلة.

جمعت مجلة شعر عشر قصائد مترجمة من الشعر العربي المعاصر الى الانجليزية وارسلتها يوما الى روبرت لويل رئيس تحرير مجلة شعر الامريكية في شيكاجو لنشرها هناك وهو من اعلام الحداثة بعد تي.اس. اليوت.

قصائد ليوسف الخال وادونيس وخليل حاوي وبدر شاكر السياب وغيرهم وكان تعليق لويل في رسالة بالانجليزية تلاها يوسف الخال في خميس مجلة (شعر) في بيروت مثيرا للاهتمام مفاده ”ان الشاعر العربي في القصائد المرسلة اليه والمترجمة يشرح اكثر مما يكشف عن حالته الشعرية. لذلك سيختار لويل اجزاء من هذه القصائد او من ترجماتها للنشر بينما سينشر قصيدة ”عشر شموع“ لنذير العظمة كاملة كما ترجمها فواز طرابلسي.“

واتبع ذلك بعنوان فرعي هو (القصيدة المدورة) قال فيه ”نذير العظمة اول من يبتكر القصيدة المدورة في الشعر العربي الحديث ويبدع نموذجا مستقبليا للقصيدة العربية. والتدوير الذي يبدو عفويا في ”عشر شموع“ ويتناسب مع معاناتها الانسانية عمّ فيما بعد واصبح من خصائص الحركة الشعرية الحديثة.“

وقد نشر القصيدة في جريدة (النهار) اليومية وقال العظمة انه اثر نشرها صعد ادونيس ويوسف الخال الى برمانا حيث كان يسكن العظمة فلم يجداه فتركا له بالمحكية والفصحى رسالة تقدير وعتاب على نشرها في (النهار) لا في مجلة شعر.

قالت الرسالة المكتوبة بخط يد ادونيس ”مرحبا يا شيخ. جينا انا ويوسف خصوصي هالليلة حتى قلك هالكلمتين .. 1 - عشر شموع أجمل قصيدة كتبتها انت في حياتك. 2 - وهي احدى اجمل واحدث القصائد الجميلة الحديثة. من هون بتبدا انت. الانسان والله والكون لازم يصيروا عندك الطفولة والحارة والقلب واشيا من هالنوع. انتظرناك. خلينا نشوفك رايح نقبلك من شان هالقصيدة الحلوة. سلامات. ادونيس - يوسف.

”هالقصيدة كان لا زم تعطينا ياها لمجلة شعر لا القصيدة الخزندعية اللي.“

اما قصيدة (عشر شموع) هذه فجاء القسم الاكبر منها كما يلي .. ”كنت طفلا ارفع الحلم على كفيّ اشواكا تمالي دمي حافيا اركض فوق الصخر من امي - قميصي مزقته سروة الحي واعشاش تغني لم تعد بعدي تغني.

”ويد السروة من وحدتها من حزنها مزقت وجهي وصدري وقميصي - اه كم خلصتها نبض الاغاريد الحيارى - اه كم اذكر امي يوم ماتت اختي الصغرى وكيف ابتلع القبر شموعا عشرة كانت تغني لم تعد بعدي تغني سروةاخرى بلى خلصها الموت اغاريد التمني.

”الريح الجبل الاجرد ذكرى في مطاوي صدرها العاري الذي يحمل سر الريح والبؤس الذي خمّر قلبي .. صرت للصخر صديقا. اهجر البيت وامضي لصديقي. جبل يحطب ايامي انسحاقا مثل شعبي. احمل الراية في جيش من الاطفال نغزو الحارة الاخرى سحابات حجار ونكب الدم من اعرقنا فلكم عكر ينبوع دم.“

وختم بالقول ”بتراب الحب والخصب طمرت الامس اقدامي وايامي ما زالت هنا تعدو فلاة الشوك حيرى مثل كفي وعيني وعمري حافيا اركض والصخر صديقي لم يعد بعد صديقي لم يزل صوت الاغاريد يطاردني ومدق القبر وحش جائع يبلع خطواتي شموعا عشرة في ريح تشرين تغني.“

ومن العناوين التي حملها الكتاب (في الحداثة) وفيه عناوين فرعية هي (في المنهج والمصطلح) و/التراث والرؤيا/ و/في الحداثة/ و/الشاعر الحديث والتحدي الحضاري/ و/من التحديث الى الحداثة./

العنوان الثاني كان (مجلة شعر) وفيه - اضاءة - الابداع والمعلومات في مجلة شعر - من اوراق الخميس .. روبرت لويل وعشر شموع.

العنوان الثالث كان (مقابلات) وفيه تسع مقابلات اجريت مع العظمة ثم قائمة بالمصادر والمراجع.

نازك الملائكة رائدة القصيدة المدورة

حسين شمس آبادي
مهدي ممتحن**
مقتطفات من دراسة مطولة:

حين راح الشعر المعاصر، يتكىء علي التكرار اتكاء يبلغ أحيانا حدودا متطرفة، حاولت الناقدة أن تتناوله بنوع من الدراسة البلاغية رغبة في الوصول إلي القوانين نازك الملائكة وإبداعاتها الشعرية؛ رؤى نقدية/71 الأولية التي يمكن تبريرها من وجهة نظر النقد الأدبي وعلم البلاغة معا. فخلصت إلي القانونين الآتيين:
1ّ » .إن التكرار في حقيقته الحال علي جهة مهمة في العبارة، يعني بها الشاعر أكثر من عنايته بسواها. فالتكرار يسلط الضوء علي نقطة حساسة في العبارة ويكشف عن اهتمام المتكلم بها، وهو بهذا المعني ذو دلالة نفسية قيمة تفيد الناقد الأدبي الذي يدرس الأثر ويحلل نفسية كاتبه.
2ّ .إن التكرار يخضع للقوانين الخفية التي تتحكم في العبارة، وأحدها قانون التوازن. ففي كل عبارة طبيعية نوع من التوازن الدقيق الخفي الذي ينبغي أن يحافظ عليه الشاعر في الحالات ّكلها. ّإن للعبارة الموزونة كيانا ومركز ثقل وأطرافا، وهي تخضع لنوع من الهندسة اللفظية الدقيقة التي ّلابد للشاعر أن يعيها وهو يدخل التكرار علي بعض مناطقها. إن التكرار يجب أن يجيء من العبارة في موضع لايثقلها ولايميل بوزنها إلي جهة ما.» (المصدر السابق: 276 (وهذان القانونان – علي حد قولها – هما الشرطان الرئيسان في كل تكرار مقبول، فإذا وجدا ّصح البحث في الدلالات المختلفة التي يقدمها التكرار، فيغني المعني ويمنحه امتدادات من الظلال، والألوان، والإيحاءات.
وفي ضوء هذين الشرطين وضعت الناقدة مصطلحات جديدة لثلاثة أصناف من التكرار تخضع كلها للقانونين السالفين، هي:
أ. التكرار البياني
وقد رأت في هذا الصنف من التكرار أنه أبسط الأصناف جميعا وهو الأصل في كل تكرار تقريبا، وإليه قصد القدماء بمطلق لفظ "التكرار" الذي استعملوه. والغرض العام من هذا الصنف هو التأكيد علي الكلمة المكررة أو العبارة.
ب. التكرار التقسيم
وأما تكرار التقسيم فتعني به تكرار كلمة أو عبارة في ختام كل مقطوعة من القصيدة. والغرض الأساسي من هذا الصنف من التكرار إجمالا أن يقوم بعمل النقطة في ختام المقطوعة ويوحد القصيدة في اتجاه معين.
ج. التكرار اللاشعوري
72 /فصلية إضاءات نقدية
واشترطت في هذا الصنف من التكرار أن يجيء في سياق شعوري كثيف يبلغ أحيانا درجة المأساة. ومن ثم فإن العبارة المكررة تؤدي إلي رفع مستوي الشعور في القصيدة إلي درجة غير عادية.
وباستناد الشاعر إلي هذا التكرار يستغني عن عناء الإفصاح المباشر وإخبار القارئ بالألفاظ عن مد كثافة الذروة العاطفية.
ويغلب أن تكون العبارة المكررة مقتطفة من كلام سمعه الشاعر ووجد فيه تعليقا مريرا علي حالة حاضرة تؤلمه، أو إشارة إلي حادث مثير يضحي حزنا قديما، أو ندما نائما أو سخرية موجعة. وإنما تنبع القيمة الفنية للعبارة المكررة، في هذا الصنف من التكرار، من كثافة الحالة الفنية التي تقترن بها. (المصدر نفسه: 279-280( وعلي الرغم من ّ أن مصطلحات الناقدة في أصناف التكرار قد أوضحت ً أسسا ينبغي للشاعر أن يعتمد عليها حين يلجأ إلي التكرار عامدا، فإن دراسة التكرار ذاته لاتشكل في العملية النقدية عند التطبيق إلا جزءاً ً دلاليا ً بسيطا في الكشف، لكونه يرتبط بأبيات معينة من القصيدة لا بمجملها. فضلا عن أنّه كان موجة من التقليد اتكأ عليها الشعر المعاصر في العقد الرابع والخامس من هذا القرن. أما الآن فإن تلك الموجة قد انحسرت، وأضحي التكرار مملولا إن لم يكن عيبا. لذلك لم تشع هذه المصطلحات لارتباطها بقصائد مرحلة معينة، إلي جانب أن النقد المعاصر لايميل إلي إخضاع الشعر
المعاصر إلي المصطلحات البلاغية خشية من أن ينعت كاتبه بالتقليدية، والجمود، وعدم مواكبة المرحلة. فقد ألف الناس في هذا الزمن الهجوم علي المنهج البلاغي في دراسة الشعر، ولم يألفوا تحبيذه وتقريظه وتشجيع مريديه، اللهم إلا في الدراسات الجامعية التي طورت المنهج البلاغي القديم حين أفادت من المصطلحات الأدبية الغربية وأدخلتها ضمن محاور الصورة، والرمز، والأسطورة، وغيرها، وتلك قضية يتشعب الحوار فيها.
(كمال، 1986م: 197 (
6 .التشبيه الطويل
بقي من إبداعات نازك في المصطلح النقدي ما أسمته بـ"التشبيه الطويل"، قاصدة نازك الملائكة وإبداعاتها الشعرية؛ رؤى نقدية/73
به ضربا من التشبيه يستعمله علي محمود طه ويضيف به ابتكارا وتعقيدا إلي أسلوب التشبيه الشائع قديما. واحترازا من أن يظن أنه تشبيه متعدد قالت: «وليست ميزة هذا التشبيه أن المشبه به متعدد وإنما سر جماله وأصالته أنه يخلو من جمود القطعية التي درجت قديما.»
(الملائكة، 1989م: 277 (ومثلت له بأبيات من محمود طه: 
 هل سمعت أذناك قصف الرعـود في صخب البحر وعصف الرياح؟
هل أبصرت عيناك ركض الجنود في فـــزع الموت وهول الكفاح
إن كنت لم تبصر ولم تسمع فقف إلي ميدانها الأعظم
ما بين ميلادك والمصرع ما بين نابي ذلك الأرقم!!
(محمود طه، 1972م: 105(
لتعلن في ختام هذا الاستشهاد أن علي محمود طه يصب التشبيه في مشهد كامل «فهو لايقول إن حياة الإنسان من ميلاده إلي مصرعهتشبهقصف الرعود وركض الجنود، وإنما يبدأ بوصف الرعود القاصفة، والجنود الفزعين وصفا مثيرا ثم يدعو القارئ إلي أن يشهد ما يشبه ذلك في حياة الإنسان من الميلاد إلي الوفاة. وهذا الأسلوب أكثر شاعرية من أسلوب التشبيهالقديم، لأنه لايعطي التشبيه حسب، وإنما يضيف إليهالتلوين العاطفي والانفعال.» (على، 1995م: 109؛ والملائكة، 1977م: 301-302( ومع أن مصطلح "التشبيه الطويل" كان محاولة جادة في تطوير المصطلح البلاغي وإثرائه، إلا أنه بقي حبيس كتابها "الصومعة والشرفة الحمراء" فلم ير النور علي أيدي النقاد المعاصرين، شأنه في ذلك شأن "التكرار" الذي استبعد من دائرة النقد المعاصر. ولعل السبب أن التسمية توحي بالطول وليس بدلالة التشبيه، وطريقة صياغته وتوظيفه.
القصيدة المدورة ـ البيت المدور
 في تعريف العروضين، هو ذلك الذي «اشترك شطراه في كلمة واحدة وبعضها في الشطر الثاني.» ومعني ذلك أن تمام وزن الاول بأن يكون بعضها في الشطر الأول
الشطر يكون بجزء من كلمة. 
74 /فصلية إضاءات نقدية
نموذج ذلك قول المتنبي: 
أنا في أمة تداركها ّ اللـ     ـه غريب كصالح في ثمود
فكلمة "االله" قد وقع بعضها في آخر الشطر الأول وبعضها في أوّل الشطر الثاني.
تقول نازك في كتاب قضايا: «إن التدوير يسوغ في كل شطر تنتهي عروضه بسبب خفيف مثل فعولن وفاعلاتن في البحر الخفيف غير أن التدوير يصبح ثقيلا ومنفرا في البحورالتي تنتهي عروضها بوتد مثل "فاعلن" و"مستفعلن" و"متفاعلن" في البحر الكامل وبسبب هذا العسر نجد أن الشعراء قلما يقعون في تدوير البحر "البسيط" أو "الطويل" أو "السريع" أو "الرجز" أو "الكامل".» 
لأسباب تعدها نازك الملائكة في كتاب (الملائكة، 1989م: 113-115) إن التدوير يمتنع امتناعا تاما في الشعر الحر
الحقائق التالية:
1 .كان شعر الشطر الواحد لدي العرب، في العصور ّكلها، ً قديما ً وحديثا، شعراً ّ يستقل ّفيه الشطر استقلالا ً تاما فلا يدور آخره.
وذلك منطقي وهو يتمشي مع معني التدوير الذي لايقع إلا في آخر الشطر الأول ليصله بالشطر الثاني، وذلك في القصائد ذات الشطرين وحسب، وعلي ذلك فإن التدوير ملازم للقصائد التي تنظم بأسلوب الشطرين وحسب.
2 .لأن التدوير يعني أن يبدأ الشطر التالي بنصف كلمة وذلك غير مقبول في شطر مستقل، وإنما ساغ في الشطر الثاني من البيت لأن الوحدة هناك هي البيت الكامل لا شطره. فأما في الشعر الحر الوحدة هي الشطر، ولذلك ينبغي أن يبدأ دائما بكلمة لا بنصف كلمة.
3 .لأن شعر الشطر الواحد ينبغي أن ينتهي كل شطر فيه بقافية أو علي الأقل بفاصلة تشعر بوجود قافية. ومن خصائص التدوير أنه يقضي علي القافية لأنه يتعارض معها تمام التعارض.» (المصدر نفسه: 118(
ثم تزيد نازك علة أخري بأن التدوير يمتنع في الشعر الحر لأنه شعر حر ّ فإن ذلك يجعله في غير حاجة أعني أن الشاعر فيه قادر علي أن ينطلق من القيود، ومن ثم إلي التدوير. وما التدوير، لو ّ تأملنا، إلا لون من الحرية يلتمسه الشاعر الذي كان مقيدا بأسلوب الشطرين حيث الشطر الأول ذو طول معين لاينبغي أن يزيد، فكان الشاعر يطيله بالتدوير ليملك بعض الحرية.

جمعية محترف راشيا تحتضنه وتناشد فخامة رئيس الجمهورية والرؤساء ووزارة التربية إحتضانه ودعمه، الطالب جاد عزت مغامس إبن 12عام من منطقة راشيا أَدخَلَ لبنان إلى العالمية


ناشد رئيس "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" شوقي دلال فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ودولة رئيس مجلس النواب نبيه بري ودولة رئيس مجلس الوزراء المُكَلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري ووزارة التربية تَمَني إحتضان ودعم الطالب المُبدع جاد عزت مغامس من بلدة كوكبا قضاء راشيا الوادي الطالب النابغة الذي رفع إسم لبنان للعالمية بحجزه المرتبة الأولى عالمياً في برنامج الحساب الفوري SMART بالتعاون مع المنظمة العالمية WAMAS، محققا انجازا عالميا جديدا يضاف الى انجازات سابقة في هذا المجال ، حاصدا مرتبة بطل أبطال العالم WAMAS CHAMPION OF CHAMPIONS للفئة العمرية “12سنة” BASIC-D حيث تَفَوّق الطالب مغامس على جميع المشاركين من عشرين دولة عالمية وبينها دول عظمى كالصين والهند ليُصبح هذا اللبناني بطل أبطال العالم في الحساب الفوري وقد تَسَلَم شهادة التَفَوّق في دبي من خلال إحتفال أقامه منظمي المسابقة

وأضاف دلال " وبِما أن هذا الطفل النابغة رفع إسم لبنان عالمياً أناشد بإسم "جمعية محترف راشيا" و"تجمع البيوتات الثقافية في لبنان" فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دعوة الطالب مغامس الى القصر الجمهوري وتكريمه وتقديم حوافز له من الدولة اللبنانية لإكمال تعليمه على حساب الدولة اللبنانية خاصة وأن أهله من أصحاب ذوي الدخل المحدود ولا قدرة لهم على إيصاله لدرجات عُليا في التعليم ونناشد رئيس مجلس النواب وورئيس مجلس الوزراء ووزارة التربية تكريمه ودعمه وهكذا يشعر كل مبدع لبناني أمثال الطالب جاد مغامس أن دولتهم تعتز بهم وتقف إلى جانبهم.

في الصورة: الطالب جاد مغامس يعرض لرئيس جمعية محترف راشيا شوقي دلال الميداليات والأوسمة العالمية التي حاز عليها      

صباحكم أجمل: موسيقى وتر شكيم


بقلم وعدسة: زياد جيوسي
"البوح الخامس"
   التجوال في البلدة القديمة في نابلس وحاراتها وأسواقها يجعل الروح تحلق عاليا، فما بين استذكار تاريخ المدينة منذ إنشائها على تل بلاطة وصولا إلى نابلس التي نجولها وتحمل عبق التاريخ والتراث، ومنذ غادرنا صبانة النابلسي ونحن نجول بأسواق ودروب وحارات نابلس التراثية، وكنت أسير مع الدكتورة لينا الشخشير مضيفتي ومنسقة برنامج تجوالي في نابلس وهي تكلمني عن ذكرياتها في هذه الدروب والأسواق، ويحدثني رفيق الجولة الشاعر مفلح أسعد عن بعض من ذاكرته، حتى وجدنا أنفسنا نجول حي القصبة التراثي، وخلال تجوالنا وصلنا المسجد الصلاحي الكبير، فتركت صحبي ودخلت المسجد لأجمع صلاتي العصر والظهر جمع تأخير، ولأجول هذا المسجد الجميل المتميز بالبناء والتاريخ وألتقط له بعضا من الصور من الداخل بعد أن جالت عدستي مدخله وخلفية المبنى، فبوابة المسجد الرئيسة تتميز بجمالها حيث البوابة المرتفعة والقائمة على نظام الأقواس كل قوس داخل الآخر حتى تصل إلى خمسة أقواس والخارجي منها مزين بنقوش رومانية الزخرفة، والحجر والرخام وأربعة أعمدة رخامية مع تيجان منقوشة تحف جانبيها، والمسجد مبني على مساحة واسعة بنظام العقود المتصالبة وبداخلها على عرض المسجد عشرات من الأعمدة الاسطوانية الحجرية المنقوشة من الحجر على يمين الداخل من البوابة تشكل القاعدة للعقود المتصالبة، وبعضها جرانتية وأخرى رخامية مكونة من 55 عامودا وتيجانها رومانية وبيزنطية، ومقابلها أعمدة مبنية من الحجارة وهي القاعدة الأخرى للعقود المتصالبة، والمسجد مبني على شكل عرضي فالمسافة من جهة المنبر إلى نهاية المسجد مقابله محدودة، بينما من المدخل الى نهاية المسجد مسافة طويلة، ونوافذ المسجد أيضا قائمة على نظام النوافذ الطولية تعلوها الأقواس، وفي ساحة المتوضأ فستقية رخامية جميلة للوضوء.
وهذا المسجد سمي بالمسجد الصلاحي نسبة للمحرر القائد صلاح الدين الأيوبي حين حرر فلسطين وبيت المقدس من الاحتلال الصليبي، ففي الأصل كان يوجد في المكان بقايا كنيسة بيزنطية متهدمة، وبنى الصليبيون عليها كنيسة فترة احتلالهم فلسطين، وحين طرد الصليبيون وتحررت نابلس جرى تحويل الكنيسة إلى مسجد، وجرت على المسجد ترميمات وإضافات في فترات الأيوبيين والمماليك والعثمانيين،  فيلاحظ أن البناء يمزج بين البناء البيزنطي والإسلامي وتسوده الزخارف المملوكية والفاطمية وقبته عثمانية، وهذا ما يمكن أن نلاحظه من أنماط بناء مختلفة في المسجد، وقد وصفه الرحالة ابن بطوطة حين زار نابلس عام 1355 بأنه:"نهاية من الإتقان والحسن، وفي وسطه بركة ماءٍ عذبٍ".
وقد تعرض المسجد لهدم أجزاء منه في زلزال 1927 الشهير، ولكن جرى ترميمه مرة أخرى عام 1935 وعام 1996 وآخر ترميم جرى منذ عدة سنوات من خلال العمل على إعمار البلدة التراثية، فالمسجد تعرض لاعتداء كبير من الاحتلال الصهيوني خلال اجتياح عام 2002م، إذ حطم جنود الاحتلال عامود رخامٍ في المدخل الشرقي إضافة إلى بوابة المئذنة والباب الشمالي، وتم إتلاف المكتبة بالحقد المعروف لدى الاحتلال. وقد أشرف المهندس نصير عرفات على الترميم الأخير بما عرف عنه من اهتمام بالتراث وقدراته على الترميم باحترافية متميزة، وللعلم هناك أيضا مدرستان قديمتان في نابلس القديمة تحملان أيضا اسم مدرسة الصلاحية للذكور والإناث.
خرجنا لنكمل الجولة في حي القصبة، ومقابل المسجد سبيل ماء لعابري السبيل وقد وضعت عليه يافطة تقول: "أنشئ وأوقف هذا السبيل أحد أفراد آل الصلاحي الذين كانوا في نابلس في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي وقد قامت بلدية نابلس بإصلاحه عام 1987- 2010 م بمنحة البنك الاسلامي للتنمية"، واعتقد أن المقصود من كانوا ينتسبون للمجاهد صلاح الدين الأيوبي وبقوا في نابلس بعد نيلها الحرية من الاستعمار الصليبي، وهذا الحي يعبر البلدة القديمة بشارعين متوازيين من الشرق إلى الغرب مشكلا القلب التجاري لنابلس التراثية، وفيه العديد من الأمكنة التي باحت لي بأسرارها وستكون مجال حديث لاحق مثل برج الساعة العثماني ومسجد النصر ومسجد الخضر ودير فنشر.
   وحي القصبة باعتباره قلب المدينة التجاري يضم الأسواق التجارية كالحدادين والبصل والعطارين وخان الوكالة وخان التجار القديم والكثير من الأمكنة التراثية والتاريخية، فالتجوال فيه ممتع وجميل والحركة دوما مزدحمة وفيه أشهر محلات الحلوى التي تشتهر فيها نابلس، فقد زرت في جولة سابقة حلويات الأقصى (الشنتير) وهو من أشهر محلات الكنافة في البلدة القديمة مع العزيز عياد الشحرور وكانت ترافقني الإعلامية مها أبو عين، ونادرا ما يجد المرء مكانا للجلوس فيه فيأكل ماعون الكنافة واقفا أمام المحل الصغير والتراثي، وزرته مع زوجتي السيدة ختام جيوسي في جولة أخرى، وفعلا في كل مرة نأكل كنافة لا تنسى، ومن حي القصبة كنت أتنقل بين أحياء وأحواش وحارات نابلس التراثية والقديمة التي تروي حكايات الأجداد والجدات.
   واصلنا المسير ثلاثتنا لينا ومفلح وأنا حتى وصلنا إلى المسجد الحنبلي والذي يحمل اسمه نسبة للإمام أحمد بن حنبل مؤسس المذهب الحنبلي أحد أربعة مذاهب في الاجتهاد في الإسلام، وعلى بوابة يمين المسجد يافطة رخامية حديثة تلخص مسيرة الإمام أحمد بن حنبل، وبني المسجد في عهد السلطان العثماني سليمان بن عثمان، وكان يطلق عليه اسم المسجد الغربي ولكن لتولي الإمامة فيه أتباع المذهب الحنبلي وفيه كانت تعقد حلقات الدرس من قبلهم، تغلب اسم الحنبلي على المسجد منذ القرن 17 م، لكن البعض يعيد تاريخ البناء الى فترة تحرير نابلس في عهد صلاح الدين الأيوبي،لكني أعتقد أن البناء عثماني قديم بتصميمه وتاريخه، وقد خضع للترميم عدة مرات وهذا واضح من حجارة الجدران التي تختلف بالحجم والشكل والقدم في أسفل الجدار من أعلاه، والمسجد أيضا مبني على نظام العقود المتصالبة، وهذه العقود تستند على أعمدة جرانيتية ولاحظت أن تيجانها ذات نقوش رومانية مما يعزز القول أنه بني على ساحة كان فيها بقايا كنيسة رومانية، وإن أشارت بعض المصادر أن هذه الأعمدة والتيجان أحضرت من بلدة سبسطية ذات الآثار الرومانية.
على المنبر يوجد نقش مكتوب عليه: "تجدد بناء هذا المسجد وتشرف بالشعرات المحمدية بأمر الخليفة السلطان محمد رشاد خان الخامس نصره الله سنة 1330هـ"، وهذه الشعرات الثلاث التي تعود لسيدنا محمد عليه أطيب الصلاة والسلام والتي أرسلها السلطان العثماني في بداية القرن الماضي مع السيد حيدر طوقان من أعيان المدينة تكريما لنابلس وعلمائها، وخرجت لاستقبالها المواكب المهيبة، وعهد بها إلى القاضي الشرعي الشيخ رشيد البيطار للاعتناء بها، وهذه الشعيرات محفوظة في زجاجة مفرغة من الهواء، وأودعت في المسجد الحنبلي في خزائن حديدية ذات مفاتيح خاصة يحتفظ بها آل البيطار، وحصل آل البيطار على وثيقة تؤكد حق عائلة البيطار في المحافظة عليها وما زالت تقوم بهذه المهمة، ولا تخرج الشعيرات من الخزائن للتبرك بها إلا يوم 27 رمضان خلال صلاتي العصر والظهر على الأناشيد الصوفية والمدائح النبوية لأتباع الطرق الصوفية، فالحفاظ عليها بالخزائن الحديدية جاء بعد محاولات فاشلة لسرقتها.
   يحيط بالمنبر يمنة ويسرى محرايب ونجد المحراب الحجري الأيسر مقابل المشاهد يحيطه عامودان من الجرانيت والتيجان الرومانية أيضا، وهي تشكل قاعدة لقوس أعلى المحراب بدلا من البناء بحجارة البناء مما منح المحراب جمالا آخر، أما المحراب الآخر فهو كله من حجارة البناء دون أعمدة تجميلية، وبوابة المسجد كبيرة وعريضة من الخشب المزين بالنقوش وكلمات التوحيد كما بوابة المنبر أيضا.
   غادرت بوابة المسجد ومشاعر من التحليق الروحي تطغي عليَّ بعد أن صليت ركعتين تحية المسجد، لنواصل وصحبي السير لاختتام جولة اليوم والراحة في خان الوكالة والذي يعود للفترة المملوكية وسبق أن زرته عندما كان مهملا وحين بدأت عملية ترميمه، ولذا سيكون من الممتع الحديث عنه في البوح القادم.
   مساء بنسمات ناعمة بعد الانخفاض على درجات الحرارة في عمَّان عاصمة الأردن حيث أقضي رمضان مع الأسرة، قبل أن يشدني الحنين للتجوال في الوطن وخارجه برفقة قلمي وعدستي، أحتسي القهوة على شرفتي العمانية متأملا قطوف العنب التي بدأت تتكون على هذه الدالية التي اعتنيت بها حتى أصبحت معرشا على شرفتي في الدور الثالث، استمع لفيروز وشدوها: "أنا لحبيبي وحبيبي إلي، حبيبي ندهلي قلي الشتي راح، رجعت اليمامة زهر التفاح، وأنا على بابي الندي والصباح، وبعيونك ربيعي نور وحِلي"، فأهمس: نعم يا نابلس ذهب الشتاء وحان موعد اللقاء لتواصلي بوحكِ لي.
   فصباح أجمل لنابلس والوطن ولكم جميعا أهمس حتى نلتقي في الجولة القادمة: صباحكم أجمل..

أسعد الخوري يكتب "رسالة لبنان ومعناه" لفيليب سالم: رؤية فكرية حضارية لمستقبل لبنان

في بطرام - الكورة بشمال لبنان وُلد فيليب سالم ونشأ في ضيعة هي مثال للريف اللبناني الأخضر الجميل والنقيّ. عاش مع عائلةٍ وأهلٍ وأبناء ضيعة يعشقون الشمس وضوء القمر والحكايات... 
الحياة هادئة وهانئة في بطرّام، لكن أحلام الفتى الصغير كانت كبيرة. وكلما أطلّ القمر "ساطعًا" في ليلِ الضيعة ليضيء البيوت والحارات الصغيرة، كانت الآمال والأحلام تتعاظم لدى فيليب سالم. 
عَشِقَ الأرض وزيتونها الأخضر وناسها الطيبين. وبقي - أينما كان في الدنيا - وفيًّا لتراث قريته وأهله وناسه. في أقاصي الأرض، على بعد ثمانية آلاف ميل من بطرّام، يحرص فيليب سالم على أن يضع في مكتبه بعيادته في مدينة هيوستن الأميركية، غصن زيتون من أرضه، وزجاجة زيت من كرمه، وحبّة تراب من ضيعته بطرّام... وليس هذا "ليذكّرني من أين أتيت بل بِمَنْ أنا أكون وليقول لي كل يوم: أنتَ من لبنان الذي لولاه لما كنتَ من انت".

يعترف فيليب سالم أن بينه وبين جبران خليل جبران حبّهما للأرض في لبنان. وهو يقول في هذا الإطار: عندما يتكلم جبران على صدى الناي، في وادي قاديشا، أكاد أسمعه. وكم سمعتُ هذا الناي في حياتي. وعندما يصف (جبران) كيف كانت الشمس عند الغروب "تلملم أشعّتها الذهبية كالبخيل من رؤوس جبال شمال لبنان" أكاد أراها. وكم رأيتُ من بيتنا في بطرّام هذه الشمس ذاتها "تلملم أشعتها الذهبية كالبخيل" من تلك الجبال. كان هذا لبنانه: الأرض والهضاب والجبال والسماء، الحصّادون والمزارعون والناس الطيّبون...
وهذا أيضًا، لبنان فيليب سالم. الضيعة اللبنانية الوادعة. صوت فيروز وشعر الرحابنة وسعيد عقل وخليل حاوي والأخطل الصغير... الجبال والسهول الخضراء. زيتون الكورة. بيته التراثي القديم في بطرّام بصنوبراته الدهرية، ومصطبته المتواضعة، يناجي منها القمر كل ليلة!

الحبر والكلمة
"الكلمة التي لا تُعمَّد بالحبر، تموت".
كانت هذه وصيّة غسان تويني لفيليب سالم. هذه الوصية دفعت طبيب السرطان ليصبح كاتبًا، ينشر مقالاته في السياسة والاجتماع والطبّ على الصفحة الأولى من جريدة "النهار" اللبنانية منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو مستمر بالكتابة حتى اليوم.
افتتاحيات البروفسور سالم، صدرت في كتاب بعنوان (رسالة لبنان ومعناه) عن دار نوفل (هاشيت - أنطوان) في بيروت، (330 صفحة من القطع المتوسط). مقدمة الكتاب للدكتور فارس ساسين. وهو طرح السؤال: باي لبنان يؤمن فيليب سالم؟ وأجاب: يبدأ بالضيعة والإلفة والأهل، بالشجر والتراب والضياء، ويسافر بالحكايات والأغنية والحنين الى الحواضر والمهاجر، ويتعارك في كل آن مع آلامه وأمراضه ولعناته، ما استُقدم منها وجاء من "لعبة الأمم" وما تولّد من ذاته ورسخ فيه. 
فيليب سالم يصف تعلّقه بلبنان بأنه "جنون محبّة"، وفارس ساسين يفسّر الأمر بأن ما يبدو لناظره عاطفة جامحة يُترجَم في المقالات والخطب الى لغة العقل، فنقع، على وطنٍ يسعى عاشقُه الى لملمة ما يميّزه، بل أفضل ما يميّزه ويحوّله الى رؤية متماسكة متكاملة متسامية... ينتقل من عبارة "رسالة لبنان" الى عبارة "معنى لبنان" الأكثر حداثة وحياديّة، والأقل التصاقًا بأيديولوجية سادت قبل الحرب (اللبنانية) وظلّت موضوع أخذٍ وردّ. لكنه يبقى مدهشًا في قوّة تصوّره وعمق رؤيته وشمول عناصره وموضوعيّة نظرته وتنزّهها عن أيديولوجيات المكوّنات الطائفية".

رؤية فكرية
يطرح سالم في مقالاته رؤية فكرية، حضارية، وانسانية صقلتها تجارب وعلاقات مع فئات اجتماعية متنوعة، كما مع احزاب ورؤساء دولٍ عرب واجانب، إضافة الى مفكرين وشعراء وأدباء. هذه النظرة الشاملة المتكاملة يمكن أن تشكّل رؤية لمستقبل لبنان الحرّ، السيّد، الديموقراطي والتعددي.
يدعو سالم الى "الحرية والتعددية الحضارية والديموقراطية" ويرى أنّ "هذا الثالوث هو واجب الوجود للبنان. من دونه يزول معنى لبنان. هذا الثالوث هو رسالة وقوة لبنان الحقيقية. القوة التي لم تتمكن الحروب من تدميرها. هذا الثالوث هو الضمانة للاستقرار. وهو الضمانة لبناء الحضارة". 
يقول سالم: السؤال اليوم، ليس فقط عن هوية لبنان السياسية، بل يتعداها الى هوية لبنان الحضارية. ولبنان لم يكن وطنًا بقدر ما كان رسالة، لم يكن مجده يومًا نابعًا من كيانه السياسي. كان مجده دائمًا نابعًا من كيانه الحضاري. من كونه مساحة للحضارة، من كونه "أكبر من وطن"، من كونه "رسالة للعالم".

الانتشار اللبناني
الانتشار اللبناني في العالم يشكّل فاعلية كبرى. له دور هام ومؤثر في البلدان التي يتواجد فيها لبنانيون يبرزون في شتّى مجالات الحياة: من السياسة الى الأعمال والطب والهندسة والفكر والأدب. لبنانيون أثّروا في تاريخ البشرية وتركوا سمات وبصمات من جبران وامين الريحاني في أميركا، الى مؤسسي جريدة الأهرام في مصر (الأخوان بشارة وسليم تقلا)، الى مايكل دبغي طبيب القلب العالمي، الى عشرات بل مئات اللبنانيين الذين اغتربوا أو وُلدوا في بلدان الانتشار وحافظوا على جذورهم وعاداتهم، ودافعوا وساندوا وطن الأرز، وأحبّوه وعشقوه...
وهنا لا بدّ من التذكير بما يقوله سالم بأن "عالمية لبنان لا تنحصر في وجود العالم كلّه فيه، بل تكون في وجود لبنان في كل العالم. فلبنان موجود وفاعل وحاضر في جميع بقاع الأرض بفضل أبنائه الذين حملوه وأخذوه معهم أينما انتشروا في الأرض، لذلك نقول إن لبنان وطن عربي في الهوية السياسية، لكنّه وطن عالمي في الهوية الحضارية، هو من الشرق إلاّ أنه للعالم كلّه"...

ألم وأمل
فيليب سالم ليس قادمًا من خلفية سياسية تقليدية، بل من عالم مختلف كليًا، عالم العلوم والطبّ، عالم يلتزم الحقيقة وخدمة البشرية. عايش الحرب اللبنانية القذرة لمدة 12 عامًا وهو يحاول البقاء على قيد الحياة والعثور على بصيص أمل وسط اليأس.
يتذكر سالم تلك السنوات بألم وأمل يقول: كنتُ أمضي ليلتي في الملجأ ونهاري في عيادتي حيث أعالج مرضى السرطان. صَقَلَتْ حياتي في بيروت، لاسيما الفترة التي امضيتها في الملجأ، هويتي كلبناني وزادت الى حدّ كبير حبّي للبنانيين من مختلف الانتماءات السياسية والدينية. توصلتُ الى اقتناع بأنهم كلهم ضحايا حرب لم يفهموها ولم يختاروها. علمتني حياة الملجأ في بيروت كيف يستطيع الناس أن يكونوا على قدر التحدّي... وأن يَسْموا الى أقصى درجات الإنسانية عندما تهدّدهم المأساة والموت... لكن، كما اطمئن مرضاي دائمًا، ليس هناك حائط مسدود ولا ليل يدوم الى الأبد، فالشمس تشرق دائمًا في اليوم التالي. ولا ينسى سالم أن يحمّل "القيادات السياسية" اللبنانية مسؤولية ما جرى ويجري للبنان الذي يقف دائمًا في "قلب العاصفة"!
فيليب سالم ينظر الى معالجة الوضع اللبناني من زاوية مختلفة: بسبب ضخامة مأساة لبنان وجذورها الإقليمية والدولية، يحتاج لبنان الى مساعدة العالم للخروج من أزمته الكيانية التي تهدّد وجوده. وهو يسأل: جاء العالم كلّه لمساعدتنا ونحن لا نعرف ماذا نريد، فكيف يمكنه أن يساعدنا؟ وإذا كنّا لا نعرف ماذا نريد فعلى ماذا نتحاور بعضنا مع بعض؟ وعلى ماذا نفاوض ونتكلم مع العالم؟ نخرج من النفق فقط عندما نتفق نحن كلبنانيين، ونكون صادقين في اتفاقنا على أي لبنان نريد... الاتفاق الذي نتكلم عنه ليس اتفاقا بين "الزعماء" و"الأُمراء" الذين همّهم أن يتقاسموا المغانم والمنافع على حساب الوطن، بل هو اتفاق في العمق على هويّة لبنان. اللبنانيون شعب عظيم، إلا أن قياداته كانت دائمًا قيادات هزيلة. 

المحبة لا تفشل
فيليب سالم "معلم" انسانية. هو داعية محبة وسلام. يؤكد دومًا أن "المحبة لا تفشل أبدًا أما الكراهية فهي تفشل كل يوم". هذا الطبيب الاخلاقي لا يدعو فقط الى المحبة، وحبّ الوطن والناس، بل يدعو الى "التمرد على اليأس". ويقول أن أهم ما تعلّمه في الطب، وبخاصة في معالجة الأمراض السرطانية هو التمرد على اليأس لأن اليأس يقف دائمًا حاجزًا كبيرًا أمام الشفاء.
وما يراه على صعيد الطب ينسحب على صعيد السياسة. حيث يكون "التمرد باقتناع اللبنانيين بأن لبنان هو لبنانهم هم، قبل أن يكون لبنان سياسييهم، وبأن لبنان سياسييهم لن يكون يومًا لبنانهم... لأن الذين قَتَلوا لبنان لا يمكنهم احياؤه...".
هذا الواقع يقود اللبنانيين الى الإيمان بلبنان جديد. وطن الرسالة، حيث رسالة جبران خليل جبران هي قسم منها. يقول سالم: سأل جبران السؤال الكبير عن حقيقة الانسان، وعندما نظر اليه لم يرَ جسده بقدر ما رأى روحه، ولم يرَ فيه كائنًا حيًّا بقدر ما رأى كائنًا سرمديًا. وبينما كانت حضارة الغرب تَرى ما يُرى في الانسان، غاص جبران في ما لا يُرى، وتساءل: كيف تُقاس المحبة؟ وكيف يا ترى يُقاس النبل والحنان، وكيف تُقاس طهارة القلب والصداقة؟ وكيف تزن الفرح والحزن والضجر واليأس؟ وماذا عن الشهامة والعدالة وكبر النفس والعطاء؟ فخلُص الى أن عظمة الانسان والمعنى الحقيقي لوجوده يكمنان في ذلك المحيط اللامتناهي فيه الذي لا يُرى ولا يُقاس ولا يُلمس. 
نتيجة ذلك رأى فيليب سالم أن جبران رفض جميع القيود وثار على التقاليد والمؤسسات وأهم ما في رسالته، هذا التمرد المستمرّ على ما يسمّى بـ"الواقع"... فنظر الى ما وراء المعرفة، ورفض ما قَبِلَه الناس.
يؤمن سالم بأن الحرية هي الأساس. دونها لا حضارة ولا تقدّم. ويخشى ان لا يتمكن المؤرخون في المستقبل من الغوص الى عمق القضية الكبرى في هذا الشرق: قضية الحرية. وهو يرى بأن "الحرية تحدّد ماهية الإنسان، والصراع الحقيقي الدائر في هذا الشرق اليوم ليس على الأرض بقدر ما هو على أيّ إنسان نريد؟ فمن دون الحرية ليس هناك علم، ولا جامعات، ولا أبحاث علمية، ولا فنّ، ولا صحافة ولا إبداع. والحرية هي البوّابة الى الحضارة".

الحقّ في الصحّة
أولى فيليب سالم الطبيب قضية الصحة أهمية بالغة. في الذكرى السنوية للاعلان العالمي لحقوق الانسان، يطالب - كل عام - في مقالات له في الصحافة العالمية، بحق الانسان في الصحّة. 
ومع اعترافه بأهمية هذه الوثيقة التاريخية لحماية حقوق الانسان وصونها في كل مكان من العالم، يرى أنها "لم تتطرق بأسلوب واضح ومحوري الى ما نعتبره أهم قضية تحدّد مستقبل الانسان وحقّه في الحياة، إلا وهي قضية الحقّ في الصحة... ونعتقد أن ليس هناك حقّ من حقوق الانسان أهم من حقّه في الصحّة، لان الصحّة هي المدخل الى الحياة، من دونها لا تكون حياة، ومن دون الحياة لا تكون حقوق".
من هنا عمل فيليب سالم جاهدًا مع الأمم المتحدة لتعديل المادة الثالثة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لتقول بالحرف: "إن اهم وأقدس حقّ للانسان هو الحقّ في الحياة، وهذا الحقّ يعني بالعمق الحقّ في الصحّة. لذلك وجِبَ على جميع حكومات الدول والمجتمعات تأمين الرعاية الصحيّة والطبابة لكل مواطن فيها".

الأجيال الجديدة
الأجيال الجديدة، وخريجو الجامعات منهم "تحرّرهم المعرفة من العبودية، وليس هناك من عبوديّة أشدّ وأقوى من عبودية الجهل".
يؤكد سالم على أهمية المعرفة والثقافة التي تضيء الطريق أمام مستقبل الشباب. ويرى أن الإبداع في العمل ليس ممكنًا إن لم تحب عملك. فالحب هو القوة التي تحوّل العمل من شيء تقوم به ويبقى خارجك، الى شيء تقوم به ويصبح هو انت. وأن نوع العمل الذي تقوم به ليس مهمًا بقدر ما هو أهمّ أن تملأ هذا العمل بالحبّ، وتسكب فيه من نفسك.
أما نصيحته الى خريجي الجامعات فهي: "إذهبوا، واعملوا وازرعوا في الأرض وطاردوا أحلامكم، ولكن إياكم أن تنسوا يومًا من انتم، ومن أين أتيتم، ومن هم أهلكم وأيّ أرض في الأرض هي أرضكم".
ويضيف: إنني أدعوكم الى أن تحلموا أحلامًا كبيرة. أحلامًا أكبر من الوصول الى المال والشهرة والسلطة. أحلامًا أكبر منكم. إذ إنكم تجهلون اليوم ما انتم قادرون على صنعه غدًا.

"الابرة" تلازم الطبيب لمعالجة مرضاه وانقاذ حياتهم، وفيليب سالم الطبيب يسعى اضافة الى ذلك، الى حفر الجبل ب"ابرة" الصبر والمحبة والايمان والاناة، بغية اعادة الحياة الى لبنان. لبنان هذا الوطن المعلّق على صليب أملٍ لا بدّ منه، ورجاءٍ لا عودة عنه.

وإذا كان "الفرق بين الظلمة والنور كلمة"، فإن سالم يعرف أن ما كتبه عن صديقه غسان تويني: "أبطال الأساطير لا ينحنون"، تنطبق على عظماء من لبنان يبقون أحياء في النور، كما في ذاكرة الوطن والناس.

كلام الصور:
1 - غلاف الكتاب
2 - فيليب سالم

شوقي دلال رئيس "جمعية محترف راشيا" يستضيف عضو المجلس الوطني للإعلام المفكر الدكتور حسن حمادة في راشيا

إستقبل رئيس "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" شوقي دلال  عضو المجلس الوطني للإعلام المفكر الدكتور حسن حمادة في مقر الجمعية راشيا الوادي وبحضور عدد من الشخصيات الإعلامية والثقافية والفنية حيث جرى حوار مع المفكر حمادة حول عدد من المواضيع الثقافية والإعلامية وقضايا الساعة.

رئيس الجمعية شوقي دلال "أشاد بالصديق المفكر الدكتور حسن حماده وبمسيرته الثقافية والبحْثية حيث نرى المُختَلف في طروحاته من خلال عمق الأفكار الهادفة وترابطها ومنهجيتها وتُحِس معه أنك أمام قامة مختلفة عن السائد مما يترك للسامع والمتلقي إنطباح الإندهاش وتوسيع آفاق المعرفة لديه فكم نحن سعداء اليوم أن نستقبل رجل الفكر والعلم في قلعة إستقلال لبنان راشيا"..

من جهته أشاد الدكتور حسن حمادة بجمعية محترف راشيا الحاملة هم الثقافة والإبداع حيث ترافقنا معها ومع رئيسها الصديق الفنان شوقي دلال منذ تأسيسها عام 1992 ولغاية اليوم مما جعل هذه الجمعية محط تقدير على مستوى الوطن 

وفي ختام اللقاء كَرّم شوقي دلال الدكتور حماده بتقديم عدد من إصدارات الجمعية ومن ثم جولة على معالم راشيا الوادي التراثية

في الصورة: الدكتور حسن حمادة يتسلم من شوقي دلال إصدارات الجمعية  


همسات كَفر زيباد

بقلم وعدسة: زياد جيوسي ـ
"الهمسة الأولى"
   كَفر زيباد.. كنت أهمس لنفسي وأنا في الطريق إليها برفقة صديقي الشاب الأستاذ سامح سمحة، وأخيرا سألتقيكِ وأستمع لبوح الجمال والتراث فيكِ، فمنذ أول زيارة لي للوطن بعد 30 عام من الغياب القسري منذ هزيمة 1967 كنت أزور كَفر زيباد زيارة سريعة لابنة عم لي وأسرتها كونها كانت تسكن البلدة بحكم زواجها فيها، ومنذ تلك اللحظة كانت كَفر زيباد قد اقتحمت مني القلب والروح، وأصبحت زيارتها مرة أخرى بعضا من أحلامي بالتجوال في كل مكان يمكن أن أصله في وطني.
   كانت لحظة نادرة تمكنت من التقاطها حين عرفت بوصول السيدة حسنية غنايم لبلدتها كَفر زيباد، وهي السيدة المهتمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمتابعة ونشر كل ما له علاقة بالتراث الفلسطيني، ورغم أني لم التقيها سابقا إلا أني تواصلت معها لترتيب برنامج لزيارتي لبلدتها وتوثيقها ببوح القلم ورواق العدسة، وهي لم تخيب ظني فيها فسرعان ما اتصلت بي وربطتني هاتفيا بالأستاذ فالح هلال مدير مدرسة كَفر زيباد الثانوية، والذي وعدني بترتيب برنامج الزيارة بالكامل بعد أن عرف توجهاتي التي أرغبها في جولتي، وحددنا الموعد الأسبوع التالي صباحا متوقعين تحسن الحالة الجوية، حيث كانت المنخفضات الماطرة تتتالى حاملة أمطار الخير ونعم الله علينا.
   وما أن أعلمت صديقي سامح بهذه الجولة وهو الذي تطوع بالتجوال معي في العديد من المناطق في جيوس ونابلس وغيرها، حتى أبدى استعداده لمرافقتي في هذه الجولة أيضا واقترح أن يقوم بترتيب برنامج لزيارة كَفر عبوش المجاورة لكَفر زيباد أيضا، فهو يعلم رغبتي بالقيام بجولة في كل محور الكفريات والممتد من طولكرم إلى بلدة عزون، والمعروف أيضا بمحور الصعبيات نسبة لبني صعب الذين ينحدر من سلالتهم نسبة من سكان هذا المحور، وكَفر زيباد من هذا المحور ولا تبعد عن الشارع الرئيس إلا بحدود كيلومترين فقط.
   في الطريق كانت علائم الربيع المبكر على الأراضي منتشرة فمنحت أرواحنا جمالا آخر مع الهواء البكر النقي، فسألت سامح: لم يطلق لقب عروس المدارس على مدرسة كَفر زيباد؟ فابتسم وقال: حين نصلها ستخبرك هي بالسر، فبالتأكيد ستتجول فيها وتستمع لهمساتها، فكل مكان تذهب إليه يبوح لك بأسراره يا عاشق الأمكنة، فابتسمت وركزت روحي لتأمل الحقول الخضراء وحقول الزيتون وكلما اقتربنا من البلدة التي تعتلي التلال كعروس جميلة، كنت أطلب منه التوقف وأنزل لالتقاط الصور لجماليات اللحظة وتوثيقها بعدسة القلب، حتى وصلنا البلدة وبدأنا نسير بين البيوت باتجاه المدرسة وعدستي لا تتوقف عن التوثيق، حتى وصلنا المدرسة وعبر ممر شجري متميز بجماليته اتجهنا للإدارة عبر ساحة منظمة وواسعة محاطة بالأشجار والورود تضم ملاعب رياضية للطلبة، فاستقبلنا بكل حفاوة وترحيب الأستاذ فالح هلال مدير المدرسة والسيدة حسنية غنايم والسيدة هيفاء شعفاطي من سيدات البلدة والأساتذة نبيل غنايم ومأمون صالح، وبعد احتساء القهوة والتعارف فاجأتنا إحدى سيدات البلدة بإحضار أرغفة الخبز المحشوة بالزعتر الأخضر، ورغم أني أفطر مبكرا إلا أني لم أقاوم إغراء الزعتر الأخضر فأكلت بشهية مع أكواب من الشاي.
   حين أنهينا الإفطار وجلسة التعارف بدأت الجولة في المدرسة، وكنت اتعجل هذه الجولة لأعرف سبب لقبها عروس المدارس، وأنتظر أن تبوح لي المدرسة بأسرارها، فبدأنا الجولة حيث كنت أنظر لجدران المدرسة فوجدتها تحفل بلوحات جدارية جميلة بعضها تصور الريف والتراث ولوحة ليافا عروس البحر ولوحة فيها حنظلة، وعبارة لابد للقيد أن ينكسر وهذه اللوحات على الجدار الذي يفصل بين الطابق الأول والثاني من المدرسة، بينما حفل الجدار للطابق الأول بلوحات مخطوطة بعبارات وحكم وآيات قرآنية وأشعار وكلها منتقاة بدقة لتكون موجهة لأرواح الطلاب وهم يرونها يوميا، وبعدها بدأنا الدخول لبعض الصفوف والتعرف إلى الطلبة وأجوائهم وأساليب التدريس والمدرسين، وكانت فرصة أن عرفوني إلى بعض الطلبة من أبناء بلدتي جيوس والذين اتجهوا للدراسة في هذه المدرسة لتميزها، ومن الجميل أيضا مستوى النظافة والترتيب في كل صف وركن تجولنا فيه.
   وصلنا لقاعة المكتبة المزودة بعدد كبير من الكتب المهمة للطلبة وغير الطلبة، ولفت نظري أيضا لوحات تصور علماء وأدباء وشعراء ومفكرين وشخصيات تركت بصماتها في تاريخنا العربي وفي ذاكرة فلسطين أيضا، وبدأت افهم سر لقب عروس المدارس حين شاهدت ذلك وشاهدت يافطة داخل المكتبة كتب عليها: "تم تجهيز هذه المكتبة بكامل أثاثها وموجوداتها باستثناء الكتب صدقة جارية عن روح المرحوم علي جبر أحمد حماد"، وهذه اليافطات منتشرة بأكثر من موقع في المدرسة وتدلل على حجم انتماء أهل البلدة لبلدتهم وتبرعاتهم للمدرسة لكي تكون متميزة، فهذه المدرسة تخرج كل عام طلاب ثانوية من الأوائل على مستوى فلسطين، وقبل خروجنا من المكتبة لفت نظري جدار عبارة عن لوحة شرف يضم صورا مؤطرة لكل المدراء الذين تولوا إدارة المدرسة، وهذه التفاتة رائعة بحق أولئك الجنود الذين قادوا مسيرة التعليم بإخلاص ونكران ذات، سواء من أعلنت أرواحهم الرحيل أو ما زالوا على قيد الحياة.
   وأثناء تجوالنا لفتت نظري يافطة رخامية تشير أن المبنى المدرسي وتشطيبه وتأثيثه وتجهيزه على نفقة المحسنة الشيخة شيخة بنت حمد سعيد الفلاسي، ويافطة أخرى تشير أن الطابق الثاني تم إنشاؤه وتشطيبه على نفقة المهندس محمد نبيه طاهر علي غنايم عن روح ولده المهندس فارس، فترحمت عليه وقرأت الفاتحة لروحه، ومن ثم صعدنا إلى قاعة المسرح في المدرسة، وهي قاعة واسعة تصلح لاحتفالات كبيرة حيث تزيد سعتها عن 300 مقعد في تقديري، مع خشبة مسرح على عرض القاعة مزودة بالأجهزة الصوتية والإنارة وستار مسرح، وأعتقد أنه يدوي وليس على الكهرباء كما يفترض بهكذا مسرح تفتقده بعض المدن، والمسرح يحمل اسم الشيخة "شيخة" تكريما لتبرعها الكريم والسخي، واستقبلتنا معلمة اللغة العربية السيدة أمل عبد اللطيف غنيم، وكانت تقوم بتدريب الطالبات على مسرحية حضرنا بعضا من تدريباتها، وهي جزء من نشاطات المدرسة لتطوير قدرات الطلاب والطالبات، وسعدت أنها من بلدتي ومتزوجة وتعيش في كَفر زيباد.
   أكملنا الجولة في مختبر الصوتيات وحقيقة فوجئت بوجوده بمدرسة وأنا الذي لم يره إلا في الجامعة، ومنه إلى مختبر الحاسوب المزود بعدد كبير من الأجهزة الحديثة، ومختبر المدرسة الحديث، ومعرض لإبداعات الطلبة على طول ممر طويل، وكم شعرت بالفخر أن هذه القاعات والأجهزة كلها تبرعات من أهل البلدة، وشاهدت لوحة جميلة مرسومة على الجدار على شكل غصن وفراشات، فأعلموني أنه ظهر شق رفيع بقصارة الحائط وقام أستاذ الفن بتحويله إلى لوحة جميلة، لننهي الجولة بزيارة مزرعة المدرسة والقائمة على الزراعة العضوية، ويقوم بالزراعة فيها طلاب المدرسة ويشترون غلتها بمبالغ رمزية تشجيعية، فتذوقنا بعضا من هذا الإنتاج الجميل، وحين أنهينا الجولة شكرت الأستاذ فالح وكل من رافقونا في الجولة متجهين برفقة الأستاذ مأمون صالح والسيدة حسنية غنايم والسيدة هيفاء لزيارة مقر جمعية كَّفر زيباد الخيرية وروضة الايمان، واللقاء بمديرها الأستاذ عدنان غنايم مدير المدرسة سابقا قبل تقاعده من سلك التعليم، ليحدثنا عن البلدة وجهود الجمعية لخدمة المجتمع المحلي ومشاريع إثراء المرأة، ودور الروضة بتأسيس جيل يجري الاهتمام به كما العناية ببراعم الأزهار قبل أن يلتحقوا وهم مؤهلين بالمدارس، لنكمل بعدها جولتنا في البلدة التراثية التي تروي حكايات من التاريخ وهذا ما سيكون الحديث عنه في الهمسة الثانية، فكَفر زيباد؛ وهي تعود لمرحلة الممالك الكنعانية في منطقة طولكرم أخذت اسمها من هذا التاريخ الضارب الجذور لأجدادنا منذ بداية الحضارة، فاسمها مشتق من اللغة الآرامية ويعني "قرية زبد" وزبد هو إله الكرم والعطاء عند الكنعانيين، فأصبحت تعني قرية الكرم والعطاء، وهذا من سمات أهل البلدة المتوارثة أبا عن جد، ورغم مساحتها الصغيرة فهي لا تتجاوز 7100 دونم، إلا أن عطاءها كبير.
   نسمات باردة في هذا الليل الرمضاني في عمَّان عاصمة الجمال والهوى، استذكر زيارتي لكَفر زيباد وكَفر عبوش، وأنا أستمع لشدو فيروز مع فنجان قهوتي وهي تشدو: "بيقولوا زغير بلدي، بالغضب مسور بلدي، الكرامة غضب، والمحبة غضب، والغضب الأحلى بلدي، ويقولوا قلال، ونكون قلال، بلدنا خير وجمال.. يا صخرة الفجر وقصر الندى يا بلدي"، فأهمس: ولنا لقاء آخر كفر زيباد بعد عودتي للوطن، فصباحكِ وصباح الوطن وكل أحبتي.. صباحكم أجمل.

"تجمع عرمون بلدتي" يحتفي فكرياً بكتاب الفنان شوقي دلال بعنوان "والشيء بالشيء يُذكر"

إختتام معرض الكتاب الثالث في بلدة عرمون وبدعوة من "تجمع عرمون بلدتي" كان له نكهة ثقافية مميزة هذا العام حيث أقيمت ندوة فكرية معمقة عن كتاب الفنان شوقي دلال بعنوان "والشيء بالشيء يُذكر" في قاعة عرمون العامة وبحضور رئيس وأعضاء التجمع وشخصيات فكرية وثقافية وفنية ودينية وإجتماعية من مختلف المناطق اللبنانية.

      حاضَرَ في الندوة الدكتور صالح زهر الدين (مؤرخ واستاذ جامعي) - الدكتور جمال زعيتر (مدير قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية)- الدكتور شوقي ابو لطيف (استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية) - الدكتورة حمده فرحات (استاذة علم النفس العيادي في الجامعة اللبنانية) / قدمت اللقاء الإعلامية السيدة سناء ضو حيث ركزت الكلمات على أهمية الكتاب وفرادته الذي يبحث في فلسفة الفن وعلاقة الكلمة باللوحة والأبعاد الثقافية الروحية الفلسفية التي تجمعهما، ودعى المحاضرين طلاب الجامعات خاصة معهد الفنون الجميلة وطلاب الفلسفة للعمل على دراسات معمقة في الكِتاب خاصة طلاب الدراسات العُليا لِما يتضمنه الكتاب من رؤية فلسفية جديدة تستحق البحث والتقدير"...   .

       وفي ختام اللقاء كَرّم رئيس وأعضاء "تجمع عرمون بلدتي" الفنان شوقي دلال والمحاضرين بدرع تكريمي خاص حمل تراث بلدة عرمون وميزاتها التاريخية ثم وَقّع دلال الكتاب للحضور وجولة على المعرض الفني الذي ضم قطع فنية متنوعة لفنانيين من مختلف المناطق اللبنانية.

كتاب من نزع وجه الوردة؟ للشاعر شوقي مسلماني


 2006
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

"لا شيء أن يموت الإنسان 
ولكنّ المخيف هو أن لا يعيش". 
"فيكتور هوغو".  

  

(جراد)  
إنّه الجراد 
يترصّدُني 
وشجرةٌ تبكي ملاكَها.

(على الحافّة)  
عنكبوت 
تحوكُ الشراكَ على الحافّة 

موتى 
يسحبونَ الأحياءَ مِنْ أرجلِهم.   

(باب)   
هناك 
في الصحراء    
رعاةٌ يضيّعون قطعانَهم 
ويضيعون 

في الأحشاء 
حيث خطى مشاها أوّلون 
كانوا أحيا حقّا   

اللغطُ! أسماء 

بين الصوتِ والصوتِ 
صراخ  

تعالَ 
أدخلْ بي.
  
(الحفلة)  
جمجمة 
تضحك في صحراء.

(الرصاصة لا تزال في رأسي)  
للحائط وجْهةٌ ثانية وثالثة  
وعليه نعلّقُ الساعةَ أو اللوحة أو مفاتيح البيت 

الليل له وجْهةٌ ثانية وثالثة 
ووقتٌ محدّد 
الليلُ الآن يبدأُ مع الفجر 

الحربُ 
مكتظّةٌ بالحرب والخراب 

نصوِّبُ بعصفورٍ طليق  
لا بعصفورٍ في القفص 
نصوِّبُ بقوسِ قزح 

دفترُ الرسم له وجْهة ثانية وثالثة  
أن تحبَّ أكثر 
دفترُ الرسم لا يحقِّرُ الدائرة 
مستطيلات ومكعّبات   

علامةُ التعجّب يقين 
الفكرة لها وجْهةٌ ثانية وثالثة 
للفأس أيضاً 
مثل السكّين والرصاصة والقلم 

السمكة لها وجْهتُها الخاصّة  
للنسيان وجْهةٌ ثانية وثالثة 
البحر له وجهةٌ ثانية وثالثة 
فيه سمكةُ القِرش 

الرمل 
حيثُ العقرب 

الحرف له وجهةٌ ثانية وثالثة 
الطيرُ لا يَسقطُ من الشجرة 
الطيرُ يُسقَطُ من صوته  
السمكة لا تغرقُ في البحر 
السمكة تُغرَّقُ في البحر  

الخبرُ العاري عن الصحّة 
الرصاصة التي لا تزال في رأسِي. 

(الوهم)  
للتمويه  
ظلٌّ 
مِنْ ضربةِ شمس.

(طريق معاكس)  
أحبُّ جبلاً 
أقع في الوادي 
أفتحُ ذراعيَّ 
يلقاني السيل 
أسألهُ الغرقَ 
تُمسِكُنِي يَدٌ 
ألعنُها 
تتشبَّثُ بي.

(الجهة السابعة)  
للرحيل أسباب  
الفضائح من تلك النتائج 
يدي ولسانيَ عليك 
رمادٌ وعينيَ وقلبيَ عليك 
أوراقُ الجهةِ السابعة 
البئرُ التي تصرخ 
الكلُّ 
الكلُّ عليك  

أنا ما ترى وما لا ترى 
أراكَ في الشارع، أراكَ نائماً 

كلّي قدّامك، كلّي وراءك 
كلّي على يمينك، على يسارك  
فوقك، تحتك وكلّك. 

(رأسٌ كفيف)  
الشمس 
تضيء غزالةَ الطريق 
النار 
تُطفِئُ لهيبَ اليباس 
عينٌ ضيّعتْ أختَها 
ليستْ عينَاً 
القبر حجارةٌ كثيرةٌ 
ورأسٌ واحدٌ كفيف 
في علبةِ الليل.
  
(غابة)  
كذلك الغابة 
فيها يموتُ العشب  

هكذا الغابة. 

(معاً)  
الركضُ  
سباقٌ مع الخطأ.  

(ظنون)  
تقف على ثغرة 
ترميكَ ثغرة  
تقولُ حسناً 
لا يردُّ صدى 

أهروبٌ 
وعلامةٌ في المكوث؟ 
أمكوثٌ 
وعلامةٌ في الهروب؟

تقف ولا تقف 
ترمي ولا ترمي 
تقول ولا تقول  
إلاّ ظنّاً.

(ميْت آخر)  
المنارةُ   
يدُ بحرٍ غريق.
  
(باب مغلق)  
النارُ  
امرأةٌ جريح 
العتمةُ   
عينُ فقيه.
  
(فراق)  
نلقى يومَنَا 
دائماً بوجهٍ آخر.

(لهم جميعاً)  
لليل قمر 
للصحراء عين  
شمس
مسافة.. للحجر.

(الطاقة)  
واحد فقط 
من كلِّ مليون 
قال: 
لن يمرّوا 
قال: 
من هنا سيعبرُ النمل  
والنملُ فقط 
قالَ: 
للطاقةِ طاقة 
نموتُ إذا نموتُ مرّتين 

مدنٌ 
كلُّها مدن  
ومدنٌ 
سراب. 

(المشهد)  
أنا الراوي 
لكنّ الروايةَ متى ستبدأ؟   
أنا الرواية 
ولكنّ الراوي متى سيبدأ؟  

امرأةٌ على الشرفة    
وعلى رغم ذلك لا يُسمَع نداءُ الحبّ   
على الجسرِ امرأة   
وعلى رغم ذلك لا يَمّحي هذا الوادي 

الرائحة مُقيمة 
مع أنّ أحداً لا يحترق  
ولا أحد يمضي 
مع أنّهم كلّهم ماضون 

رغم كلِّ هذا القلب 
يجفُّ الدمُ في العروق؟  
تشبُّ النار في السنديان؟. 

(الكلّ)
  كلٌّ 
عينُ نسر
ورمادٌ بارد.

(ضلّلناها)  
لم نصلْ 
ضلّلنا الشمس.

(مظفّر أباد)  
خطوة 
خطوة نحو الموت 
وفي الخلفيّة صوت 
أجل خطوة 
خطوة 
وليس بالضرورة 
في الخلفيّة صوت 

مظفّر أباد 
لا جناح 
نظّاراتُ الشمس 
شيء كثير 
نظرة 
أي دمعة؟  

مظفّر أباد 
لأولئك ما لهم 
ولهولاء صدى 
لهم مشيتهم 
ولكِ مشيتكِ 
مظفّر أباد 

لماذا أنتِ صامتة 
وأنتِ في هذا العلوّ؟ 
أجل 
خطوة 
خطوة نحو الغضب الأكثر 

مظفّر أباد 
رأيتكِ يشيح وجهك 
كنتِ تخفضين رأسِك  
كانت المسافة 
وقد أعطوكِ ظهورَهم 
ماذا ينفع الوجه الآن؟  
مَنْ ذا الذي يطعن الهواء بخنجر؟  
إنّي أرى أكثر 
وأسمع أنين الأرض ذاتها 
الأرض ذاتها 
يا مظفّر أباد 

"اعطني يدَك 
عيني بعينك 
النجدة النجدة 
انتظرْ ما أقول 
أنظرْ إلى ما أقول" 
تقول مظفّر أباد 
مدينتي القاسية جدّاً 
مدينتي التي تجفِّف عروقَها 
مدينتي العارية تماماً 
مدينتي العالية جدّاً 
مدينتي التي عينها في عيني 
مدينتي النازفة بصمت الصخر 

مظفّر أباد 
لأولئك ما لهم 
ولهؤلاء هذا الغبار 

إنّهنّ يدخلن إلى المعبد 
مظفّر أباد 
إنّهنّ يطوّحنَ بالأكوان 
يتلاشين 
وعيونهنّ في عينَي 

مظفّر أباد 
مظفّر أباد 
المعبد مهجور 
كأنّهنّ فعلاً تركْنَه 
كأنّ الأرواح تركْنَه 

_ ماذا أيّتها العالية؟ 
_ "تعال إلى الشارع لترى هذا العدم".    

(غياب)  
الريح رمل 
المكان آخر.
  
(مدغشقر)  
إتّجاهٌ دمويٌّ    
رحلةٌ بين الصخور 
وقفزةٌ في الهواء  

إلى مدغشقر 

الأحلامُ 
حرّةٌ في الغابة 

كأنّني النهر 
كأنّني الماء في بطنِ شجرة 
كأنّني الأظافر على أغصان  
أرسمُ هذه الرقعة من حياتي 

ليكنْ هذا البقاء حبيّاً 
وكلّ هذا الوقت لي 
لأرسلَ البروق والمطرَ العابر 

الصبّارُ الصبّارُ  
التويّجُ الأصفرُ   
سبلُ الحياةِ الكثيرة    

النارُ النارُ   
اليدُ الغريبةُ    
الرماد 

اقتربنا مِنْ مداخنِ الموت 
ماذا نفعل غير أن نرتعش 
ونرسل النظرات؟. 

(الجليد)  
ليتقدّمِ الصراخ 
ولتبتعدِ السفينة 

خيولٌ تقترب  
يدٌ لا تصافح  

يا آلهة 
هاتوه إليّ

الحديدُ 
الحديدُ 
الجليدُ   
الجرحُ    

هذا الليلُ الطويلُ 
كم اتّكأتْ إليهِ وردة 

أنفاس منحنية  
سهم بين حياتين 
خيط بين عدمين 

هنا النسيمُ البارد   
هنا النعاسُ الأخير.  

(صحارى)  
تجرُّ عربةَ موتِكَ 
إلى نهايات قاصرة 
عن زهرة 
أيضاً.

(النسر)  
له كلُّ الفضاء  
وعيناهُ على نقطة.

(إذا)  
هل ينتهي الفضاء  
إذا النسرُ طوى جناحيه؟. 

(عابر في غناء)  
القطارُ 
يعبر خلل الدخان 
في رأس 
وامرأةٌ تغنّي.
  
(حمار وانتحار)  
الحمار ينهق       
الحصان  
لئلاّ يرتطم رأسُه 
بسقفِ الإسطبل  
ينتحر.
  
(أمثولة)  
من النمل تعلّمْ   
قالَ 
وضحكَ 
حتى نَبَتَ وكْرٌ 
في رأسِه.

(أنتَ) 
فقط 
عندما تعود من رحلةِ النسيان 
سترى صديقَك وستسمع صوتَك. 
          
(صلاة)  
إنحنِ 
إمسكْ يدَ الشخص 
ألثمْ ظاهرَها الرقيق 

هللويا 
هللويا. 

(هذا هو الطريق)  
الطريق!    
للنمل.

(الصِفر)  
منحنٍ 
على مفترق 
لا أب، لا أمّ 
إسمه: صِفر.

(طريق)  
تمتدُّ في الظلام 
عالقةً بضوءٍ متْعَب 
وفي العمقِ 
يرفعُ التجويفُ عتمتَه الأخيرة 

أزرعُ في الدروبِ خطايا، حرائقَ  
وأتلفُ شجراً    

ما يقعُ من يدي 
ما يضيءُ في عيني  
هو الطريق 

أمشي 
على أهداب قمر شاحب 
وفي العمق من الصورة 
يسقطُ غريبٌ 
فحمة.
  
(عذراء الزجاج)  
الضحكات 
خلف زجاج 
والكلمات 
في ريح 
وأبعَد 
عيناكِ 

على النافذة 
أنسابُ وأمرُّ   

أعرف أنّ الشساعة بيننا 
هذا اللطمَ على بطنِك 

الدموعُ   
على حوافِّ الجَمَال 

مَنْ أعطى الأمرَ 
مَنْ نزَعَ وجْهَ الوردة؟  

مسلسلُ التيه والألم 
عصْرةُ الموت 

مدّي لي يدَ العون 
وجوهُهُم 
هذا البؤس العالي 

أعرفُ 
تستطيعين كسْرَ الشروط 
ويبقى منكِ الصمت    
جلمود الوجه 

ليس صدفة 
هذا العنف 
الحديد جمرة 
التيه  
لِزَوْجةِ الهواء.
  
(لغة أخرى)  
هذه الّلغة 
أيضاً لا أفهمُها 
مياهٌ كثيرة، كلامٌ قليل 
إشارات وأجنحة 
عوْمٌ وأسراب  
أنتظرُ تحت صداي.  

(السرّ)  
كلُّ مسافة 
بينها وبينها 
كلُّ مسافة 
أسلاكٌ شائكة 
وهذا الليل كلّه 

الوردةُ لها فكّ  
لا تحيا الوردة بالألوانِ وحدها 

عتمةٌ 
منذ الفجر الأوّل 

أنا هذا الشاهد 
أنا الديناصور وأنا النملة 
أنا الكلّ والسرّ 

كلُّ شعاع  
اقتنصتُه 
كلّ فرصة سانحة  
اقتنصتُها 

وعبرتُ 
كلَّ معبَر.      

(معضلة)  
إبتعدْ 
لكي أراك 
إقتربْ 
لكي أفهمك.
   
(ثقبٌ في القلب)  
البحارُ سوْد 
ولكنّي أمخرُ عبابَها 
بقلبٍ مضيء.

(ظلالنا)  
خلف كلِّ شمس 
مواكبُ أرواح.

............

شيءٌ أن يموت الإنسان 
ولكنّ المعيب أنْ يموت مرّتين. 


Shawki1@optusnet.com.au

كتاب لكلِّ مسافةٍ سكّانٌ أصليّون للشاعر شوقي مسلماني


آن أوان الكشف 
على عظامِ الدم
لكي نعرف كم بلغ عدد الكسور.

.....** .. ـ ـ ـ     

وتمرُّ بالألوان المجنّحة والدّابة 
الزاحفةِ والمتشبّثةِ بالصخور 
وفي الألوان 
تهبّ رياحٌ وتتساقط أمطار 
ويحيا كثيرون ويموت كثيرون  
ولكلِّ مسافةٍ سكّانٌ أصليّون.  
**

وفي الدم الأحمر المرجاني   
والدمِ الأخضر الزمرّدي   
والدمِ الأزرق الفيروزي   
وكما في كلّ دم   
تصطفّ طائفتان 
ويطلبُ بطلُ طائفةٍ بطلَ الطائفةِ الثانية   
ويتبارز الخصمان   
وكلٌّ منهما قِلّة من القلل 
أو قطعة فُصِلتْ من جبل   
ويحوّم فوقهما غراب البين   
ويحين عليهما الحين   
ويبري أحدهما رقبةَ الآخر 
كما يبري الكاتب القلم
وفي كلّ دم أعشاشٌ وزهور  
وفراشات وحبّ وبحار وجبال وسماء   
والمنقرِض منذ مئات ملايين السنين.  
** 

وفي الرأس القزحي   
حتى الرأس القزحي   
تزأر الغابة وتتسلّل وتزحف     
وحجارةٌ كثيرة ورماح كثيرة  
ومسالك غير سالكة   
ولهبٌ وصقيع.  
** 

وإذا تمزّقتْ شبكةُ الألوان    
لحرَج أو سوءِ خلق   
ولم تُحفظ وتُرتق     
وربّما في زمانك    
قل انتهى هذا الفصل.
**   

أنتَ تجتاز المسافة  
أنتَ تصنع المسافة   
أنتَ ما يشتعل  
وما ينطفئ. 
**  

1 _ 
طبعُها سمّ  
عقاربُ الساعة.  

2 _  
الوجه  
ملائم جدّاً 
لمشهد الجراد. 

3 _  
تغطّي وجه الشمس؟ 
لا تريد أن ترى الشمس؟      
كيف سترى؟ 
وإذا لا تريد أن تراها 
أنا أيضاً لا أريد أن أراك       
وإذا رأسُك دمّلة        
رأسي أيضاً دمّلة.  

4 _ 
معارك دامية 
على طولِ جبهاتِ الخطأ. 

5 _  
ما تشاء قلْ   
متى ما تشاء وأين ما تشاء        
هو مجرّد فأر   
والطريقُ سالكة وآمنة    
قلْ أنّك أخذتَ الله من يدِه نحو زاوية    
وأنّك استشرتَه فابتسم وباركَ مسعاك   
وأنّ هذه الحرائق هي من حفل شواء 
وأنّ هذا الثقب في الصدغ هو مسرب الأوكسجين    
وأنّ يدَك قويّة وأنّ عينك هي عين نسِر    
وأنّك مقيم إلى أبد الأبد    
وتريد أن تكسر 
كلّ مَنْ لا يريد أن ينكسر. 

6 _  
أحمال وعمّال هُنا وهناك 
ارتزاق بمذاق وهمجيّة بعسل  
الأكثريّة ما يفضحها وكأنّ شيئاً لم يكن   
الدليل على جريمة الناب أنّه ناب  
الدليل على براءة الناب أنّه أيضاً ناب   
البصرُ _ البصيرة. 

7 _ 
لحمٌ 
يمزِّق لحماً   
حجر 
يُطارد حجراً   
تعوم آمناً 
بين فكّي القرش؟. 
   
8 _  
"مَنْ يتذكر بعدُ  
كيف أُخرِجت بُخارى 
إلى ظاهرها    

بخارى _ هيروشيما 
جنكيز خان _ ترومان  

آدم وحوّاء 
لا يزال الفشلُ قائماً 
منطقاً، تجريداً 
مِنْ مدنِ الطين 
إلى 
عُمُدِ الفولاذ   
ومِنَ القلوبِ المسحوقةِ  
في عطفةِ الكهف".  

9 _ 
صقيع وصخور    
عشاءُ الماعز.
..... ** ـ ـ ـ ..  

10 _  
كان الماءُ العذبُ    
كان الماءُ الآسن 
كان الترياق والسمّ     
كان ما يزحف 
وما يدبُّ وما يهبّ     
مثل زفير الآن   
وشهيقه!.

11 _ 
"جوهرةٌ خضراء   
حجمها 
أضعاف طباق السماوات والأرض   
نظرةٌ  
وإذْ هي ماء      
ونظرةٌ  
وإذِ الماء يغلي   
الأرض على عاتق      
اليدان 
في المشرق واحدة 
وأخرى في المغرب   
ولا قرار للقدمين     
ونظرةٌ    
وإذْ ثور 
بسبعين ألف قرن 
وأربعين ألف قائمة    
سنامُه  
قرارُ القدمين   
ولم تستقرّا    
فنظرةٌ   
فإذْ ياقوتة خضراء مجوّفة 
حجمها مسيرة خمسمئة عام 
مِنْ سنام الثور إلى أذنه    
استقرّت القدمان    
أنف الثور في البحر   
يتنفّس كلَّ يوم نفساً   
فإذا تنفّس مدَّ البحرُ   
وإذا ردّ نفسَه جزر   
ولم يكن لقوائم الثور موضع قرار      
ونظرة    
فإذْ صخرة خضراء    
واستقرّت القوائم   
لكنْ لم يكن للصخرة مستقرّ  
ونظرة   
فإذْ حُوْت إسمه لوتيا 
وكنيته بلهوت ولقبه بهموت 
يحمل الصخرة على ظهره    
وسائرُ جسده خال    
قال   
والحوتُ على البحر". 

12 _  
وفيما يزدهي عمراناً 
ويطوي المحيطات والفضاء    
يستبدل خلقَه يوميّاً   
فقط لو تظلّ السماء 
بقلبه وعقله 
وعينيه. 
..... ** .. ـ ـ ـ   

13 _  
ميناء لبحّارة 
تفحّمهم الشمس   
الميناء يسأل عن بحّارة 
البحّارة يسألون عن ميناء. 

14 _ 
ربّما المسألة 
مثلما تكون الرؤية 
من وراء حجاب كاشف    

ما قد تحتجّ به هو ذاته مؤسَّسة:     
الأخلاق السائدة، الثقافات السائدة   

كلّ شيء لا يزال على حاله  
إلاّ الطاقة على التفجير 
التي لحقها نموّ هائل        

عينان إثنتان     
الثالثةُ مقتلعة 
عن سابق تصميم وترصّد 

ورَقةٌ تالية    
سبقتْها ورقة وستعقبها ورقة   
في سِفر صدْفة، خطأ.. وحظ   

والخلل هذا   
أيضاً مِنْ عيوب هذه المؤسّسة.  

15 _ 
رجل في المرآة      
عيناه جمرتان    
لا صوت    
حتى ولو صرختُ  
بملء فمه. 

16 _  
تبكي 
كلّما رأت دمعةً 
على خدّ 
الدمعُ والدم يسيلان معاً   
على عتبة. 

17 _  
الأشقى  
ظلُّ الشجرة. 

18 _   
ملقى من عليائك 
على خردة ظلّك      
يا رئيس الطيور قلْ أيّ شيء 
في الملح الواسع  
إلاّ هذه الرعشة الأخيرة 
في جناحيك       
إلاّ هذا الذهول 
في عينيك. 

19 _  
ينقلون بالصوت والصورة وقائع المذبحة 
الجثث في الشوارع، الجثث تحت الأنقاض   
وهي تكتب: "لا تصدِّقوا"  
لأنّ صديقاً لها ضابط 
ويراسلها في البريد الألكتروني 
مِنْ قاعدة عسكريّة    
ويؤكِّد أنّ كلّ شيء هو على ما يُرام    
ولا عين واحدة غاضبة 
دليلها على وجوب تصديقها 
هو أنّ الضابط 
صديقها. 

20 _  
قلبي الغاضب يهرب بعقلي 
نحو الزاوية المعتمة.

21 _  
أين هو 
المحاط بالعويل؟.      

22 _   
الذين أُبيدوا لا صورة لهم 
مهما أقول في هذا الليل. 
..... ** ـ . . ـ ـ   

23 _  
الإصابة 
ليست من جهة 
بل من الجهات كلّها.  
**

على قدر العقل يعبرُ الغد   
الساعة قلْ سنة ضوئيّة     
تترامى النجوم   
ليسوا قلّة الذين يترامون.  
** 

لا يعقل 
أن تكون البداية إلاّ من نهاية   
قطار طويل لا أوّل ولا آخر 
قطار الإنتظار 
ربّما تعثر على جوهرة في غدير   
ربّما تشعّ وردة حمراء أو بيضاء 
في اليد.  
**

تقرأ _ تحصد 
وتقرأ _ تحصد   
كلُّ يومٍ 
هو موسم حصاد.    

** 

الحكمةُ 
ما تَعاقَبَ وتَعاقَب   
وما يحثُّك، وما يعتريك   
وما يؤلمك، وما يلزَمك ويُلزِمك    
وترى إلى المستحيل.     
**

إرحلْ إلى أينما شئت        
ما أكثر ما تتحوّر الحكاية       
هي رياضة هذه التي ترميك؟!     
تخلّصْ من ذهنيّة لا تعرف كيف تخرج. 
.....** .....

24 _  
رمل    
يطعن برمل.

25 _  
يفترق فيجتمع   
يجتمع فيفترق      
في السكون 
كما في العاصفة   
هو أنا وأنا هو.   

26 _  
مِنْ حافّةٍ في الرأس   
مِنْ فوّهةِ بركانِ الرأس    
مِنْ نصفِ الرأس   
مِنْ ديكِ الرأس   
مِنْ وراءِ ظهرِ الرأس  
من كأس محطّمة في الرأس      
أم مِمّا يستأصِلُ زهرةَ الحياة 
من الرأس؟!    

وفي الطريق كواتم للصوت 
ومَنْ غرامُه أن يعتقل الصوت   
ومَنْ لا ينتبه أنّه مِنْ دون صوت
ومَنْ لا يأمل أن يكون له صوت     
ومَنْ يأمل أن لا  يكون له صوت    
ومَنْ يعتزّ أنّه لا صوت له   

وفي الطريق أفعى 
تلدغ، تتثاءب.. وتنام.   

27 _  
لم تقتلْهُ الطعنةُ في الظهر      
ولو كانت الأشدّ إيلاما.  

28 _ 
9 نيسان 1948 
مِنَ الخامسة فجراً حتى الحادية عشرة ظهراً   
عيونهم حادّة، مجرَّبين    
فيما أنتم كلٌّ منكم في قاع جرحِه   
وبالكاد له رأس 

طهارةُ سلاحِهم 
عين هولوكوست 9 نيسان 1948 _ 
شرط 15 أيّار 48 

سرقوا النقود، المواشي، السكّر، الطحين 
موضوعُ طهارة سلاحهم أنتم  

شاهدُ عيان قال:  
قضيتُ كلّ سنوات الحرب العالميّة الثانية 
أعمل طبيباً في الجيش البريطاني  
ويوماً لم أرَ مثل ما رأيتُه في 9 نيسان 1948  
أوقَفوا النساء والأطفال والشيوخ قرب جدران 
ودرزوهم بالرصاص  
قتلوا طفلَ أمٍّ شابّةٍ بطلقة في الرأس  
أُغمي على الأمّ 
وقُتلت بطلقة في الرأس وهي مغميٌّ عليها  
حبلى بقروا بطنها بساطور  
رجل كان يرتدي ملابس أمّه 
لم يشفع منظره الذي أضحكهم 
رشقوه بالرصاص  
وأضرموا فيه النيران 
بحضور الصحافة   
   
جثث في الطرقات    
جثث في زوايا البيوت   

وشاهد عيان آخر قال:  
ما أكثر الجرائم في العالم.  

29 _   
يغيب فيحضر  
يحضر فيغيب     
نتحاور مِنْ عالمين 
قريبين وبعيدين     
كلّه كلّي.   
..... ** .....   

30 _  
ضدٌّ يقتلك لأنّك ضدّه  
ضدٌّ يقتلك لأنّك على يساره 
ضدٌّ يقتلك لأنّ كلبه لم يستطع أن يعضّك  
ضدٌّ يقتلك لأنّ ملّته طلبتْ 
ضدٌّ يقتلك لأنّك شجرة 
ضدٌّ يقتلك لأنّك تريد أن تعمل 
ضدٌّ يريد أن يقتلك لأنّ لباسك غير لباسه 
ضدٌّ يقتلك لأنّك تسير على قدمين 
ضدٌّ يقتلك لأنّه يظن أنّك حين تكون تزرع 
أو حين تكون تصنع 
تكون لا تزرع ولا تصنع 
وضدٌّ يقتلك لأنّ شكل رأسك 
ليس هو الشكل المطلوب 
أو لأنّه ربّما يشعر بالملل.  
..... ** .....   

31 _  
أيّها السادة   
لي فيكم بنفسج. 
**

"كان في جسم قوي وقلب حمي 
وخلق حيي 
القوام مفتول، النفس حلوة    
كان فتنة في فتنة   
كان أجمل شباب المدينة".   
**

"لم يتخلّق بما ينفِّر الناس   
ولا وقع فيه شيء من الدنايا  
التي تذهب بالمروءة أو تخدش الشرف      
لسانه عفّ       
لم ينطق بهجرٍ قط". 
  
32 _  
أصلحْ 
يا سيّد هذه البريّة   
ما تعجز دونه العناصر. 

33 _ 
ضوءٌ في العتمة
"قفْ" في الضوء.

34 _  
كنْ على يقين    
لا عدّ ولا حصر لجهات الخراب.  

35 _  
وخبرتَ كسورَ الطريق   
وخبرتَ الرمل الواسع   
وخبرتَ السياطَ والجحور   
والرياحَ التي لا تهتدي   
والمركبَ اليابس 
في الشمس. 

36 _  
"كانت قسيمة 
وسيمة، غضّة كالورود    
خفيفة، لطيفة 
عطريّة كأنفاس البنفسج   
ترسل شعرها الناعم الطويل 
على ظهرها العاجي 
تارةً  
وصدرها المرمري 
تارةً     
يداعبه النسيم، تقبّله الآلهة    
كانت ترنو بعينين نجلاوين 
وتفترّ عن فم خمري شتيت     
كانت 
أجمل حسان المدينة".  
**

"وكان شيء صغير 
يتأرجح على صفحة اليمّ 
في غبشة الصبح    
آه! إنّه غريق آخر". 
,,,,, ** .....   

37 _  
دخلوا إلى الحكاية 
لم تكن حكاية 
وقعوا في الأسر 
مع الصخور 
والسمّ. 

38 _  
ضغطُ الجهات 
آلةُ الإنتاج   
لا رحمة 
ولا استثناء. 

39 _  
سياج   
لا يُعدّ ولا يُحصى. 

40 _  
ما لا ينبت في الخيال 
ذاته يوماً شجرة الظلال.    

41 _  
إذا غلب أمرُ هؤلاء 
قالوا: "بسبب فرحنا بأجسامنا"    
وإذا غلبَ أمرُ أولئك قالوا: 
"لأنّنا فتحنا نوافذَ أرواحنا". 

42 _  
أينما كانوا 
إلى أينما ارتقوا   
أعلى دائماً قاماتُ الشجر.
..... ** .....    

43 _  
الحياةُ 
هي السبب  
والطفل 
يحبو 
والشيخ 
يتحطّم.

44 _  
الصنّارةُ 
في الطعم 
القصبةُ 
بيد صيّاد 
نحن نُقبِل باشتهاء 
على الطُعم      
ويعود العماءُ يوميّاً 
إلى عرينه  
بسلّةٍ 
ملأى بسمك.

45 _ 
لا تغفلن 
عن موضع الأفعى    
_ سمُّها يبلغ عظامي _     
حتى ولو طرفة عين. 

46 _ 
البقرة هذه تُعلَف   
البقرة هذه منفوخة    
البقرة هذه بقرة _   
أضحية.
..... ** .....   

47 _  
أوّل ما تخرج 
سترى الوجه. 
**

خطأ قد وقع 
حتى نشبت الأنياب والمخالب       
بلاد هنا وليست هنا    
ولم يكن مَن يستدرِك   

لا شلاّلات فضّية    
لا طيور عابرة  
لا شامة على خدّ وردة 
لا أمّ من ريش النعام      

الخطأ   
يتأكّد يومياً. 
** 

كلُّ جهة 
هي جهةُ خرائب.  
**

أريدُ ألاّ يكون السقوط كثيراً   
أنظرْ إلى المغلولِ اليدين والقدمين    
تخيّلْ كم حجم الهائل أصلاً 
هو صغير الحجم. 
** 

ما هو الإشكال 
في أن تكون فيك  
أن تكون في غيرك   
وغيرك يكون فيك   
أن تكون عكّازَهم 
وهم يكونون عكّازَك؟. 

..... ** .....  

48 _ 
يترتّب 
أن تكون قلوب 
أن تكون عصافير 
أن يكون من يقول: 
كفى 

كلُّ هناك هنا 
وكلّ هنا هناك 
منذ نملة 
ومنذ عابر هو الآخر 

كلّ ما تظنّه 
خذْ حذرك 
ما تظنّه ليس مَنْ خبِرتَه  
بل مَنْ يختبرك 

عين اللامنطق 
المنطق السائد.  
** 

تحت 
عند أقصى سكينة القاع 
يُرى العقلُ ويُسمع 
الهندسة: جوهرة   
الداء ليس في الحرب 
إنّها فرع 
الداء في حياة عاشت وماتت   
وكثيرون يصرّون 
أن تظلّ محمولة على الأكتاف  

داءُ التجويع هو الداء  
داءُ العنصريّة هو الداء.  
** 

كاتم صوت 
سيّاف  
أباطرة، مرتزقة 
القمح كلّه سمّ.   
** 

مساحات تغرق 
مثلما في الخارج موت 
في العقل والقلب موت 
مثل ما في الخارج  
في العقل والقلب 
ويعلمون 
غير أنّهم لا يريدون 
أن يقلعوا عن عادات سيّئة. 

49 _ 
والآن هو ذاته 
على المشرحة   
وهو ذاته 
يسجّي عينيه 
فوق قلب المسجَّى. 

50 _  
مِزَق هائلة  
في شبكة حياة. 

51 _  
خسران   
ملءُ وجه.  

52 _  
وهو يعدو 
خلَّفَ ذاته _ وراءه 
في قارّات الرمل   
حيث جنون السماء 
والصراخ. 
..... ** .....    

53 _  
صديقي المستلقي غير آبه بعدُ  
هل تقول أنّك خرجتَ منكَ إليك؟ 

وطويلاً مشيتَ في الغابة 
وطويلاً مشيتَ في الشوارع 
وكثيراً نزلتَ إلى البحر 

صديقي ماذا ترى؟ 
هل أيضاً حيث أنتَ 
تصوّرٌ وتصميم؟ 
هل يوجد عندك بحر؟ 

صديقي المستلقي    
مثلك أنا مشيتُ طويلاً في الغابة  
مثلك مشيتُ طويلاً في الشوارع  
مثلك كثيراً عن تصميم نزلتُ إلى البحر 

وكم مشينا على حافّة الهلاك 
والصُدْفةُ كانت تزنُ لنا   

أراك تمضي 
ثمّ كأنّك تقف وتلتفت 
ولسانُ حالك يقول: 
أشياء تعرفها وأشياء لم تعرفها 

أنت تماماً مثلي  
وتحوّم النسورُ في عين الشمس 

كلّ هذا القلب ولا شجرة نخيل؟!      

مع مَنْ أو أين في الغابة قبل ساعة كنت تمشي؟  
أين في المدينة قبل ساعة كنت تمشي؟ 
هل كنتَ في البحر؟   

أراك تمضي في مروج 
وعلى مهل تلتفتْ مبتسماً 
ولسانُ حالك يقول: 
ردّوا الصوت 
إسمعوا الصوت. 

..... ** .....   

أقصى الحكمةَ والحيلةَ
لكي يرقص  
أقلُّ العتمة 
أقصى قدرةٍ على الضوء.
**
(كلُّ ما بين مزدوجين صغيرين منقول وأحياناً بتصرّف). 

_ صفحة الغلاف الخارجي ـ  

وماذا لو أنّه هذه المرّة يهذي؟ 
كيف له ألاّ يفعل وهو ممعن في تهميش الهامش 
الذي أصبح صفحة عمره الموغل في الإغتراب والغرابة على السواء؟ 
شوقي مسلماني في هذه المجموعة أنقاض تتململ 
تنتفض، تشهب، وحين تصفو في لحظات مفاجئة 
فكأنّها غرقت إلى قعر المحيطات وبدأت ترسل فقاقيع ملوّنة 
لتأكلها أسماك المخيّلة التي لا تشبع  
قرّر شوقي أن يستسلم لهلوسته 
آمن بها وسلّمها مفاتيح الفقه وإضبارات الذاكرة 
وفي بسالة المنتحر سعيداً إرتأى في اللحظة الأخيرة 
أن يدعونا إلى مائدة الخراب. 
جاد الحاج 
Shawki1@optusnet.com.au