منتدى الفكر والإبداع في مرايا الأدب والنقد والثقافة



كتبت آمال عوّاد رضوان ـ
أقامَ منتدى الفِكر والإبداع ندوةً أدبيّةً في كليّةِ الناصرةِ للفنون، تناولت الكتابَ النقديَّ "مرايا في الأدب والنقد والثقافة" للدكتور محمد خليل، وذلك بتاريخ 29-8-2018، ووسط حضور نخبويٍّ من شعراءَ وأدباء، وقد افتتحَ اللقاءَ د. محمد خليل بكلمةٍ ترحيبيّةٍ بالحضور، ووقف على بعض الأمور التنظيميّةِ المُهمّةِ التي تخصُّ المنتدى، والنشاطات الثقافيّةِ الجادّةِ الموضوعيّةِ والمدروسةِ في مجالاتِ الفكر والإبداع والثقافة، والأهداف والأدوار المنوطة بهِ في الحفاظ على اللّغة العربيّةِ، وتشجيع الكتابة الأدبيّةِ الإبداعيّةِ، ونشر الثقافة والمعرفة. 
تولّت عرافة الأمسيةِ الكاتبة حنان جبيلي عابد، وبعدَ التّرحيب بالحضور وبالمحتفى به وبالمتحدّثين، قدّمت إضاءاتٍ حولَ المُتحدّثين الأدباء: د. فهد أبو خضرة، وسيمون عيلوطي وعبد الرحيم الشيخ يوسف، وقد قدّم د. فهد أبو خضرة محاضرةً بعنوان: إضاءاتٌ نصّيّةٌ حولَ دراسة "وطن العصافير للأديب وهيب وهبة"، وقدّم سيمون عيلوطي بعنوان: كتاب مرايا في الأدب والنقد والثقافة" مشروعٌ رائدٌ لإرساءِ ثقافة نقد النقد في أدبنا المحلّيّ، أمّا عبد الرحيم الشيخ يوسف فقدّم مداخلة بعنوان: الشاعرة فدوى طوقان والآخر اليهودي، ثمّ ختم اللقاء د. محمد خليل بكلمةِ شكرٍ للحضور والمتحدّثين والمشاركين، وتمّ التقاط الصور التذكاريّة.
جاء في مداخلة العريفة حنان جبيلي عابد: إنّ لد. محمد خليل باعٌ لا يُستهانُ بها من الدّراسات والإصداراتِ القيّمة، في مجال الأدب والنقد والثقافة والفكر. أمّا مشروعُ هذا الكتاب تحديدًا، فهو حصيلةُ عملٍ دؤوب ومستمرٍّ، حول البحث والتنقيبِ عن النّسَق النقديّ والثقافيّ، وهذا بالذات ما ينقصنا، لا سيّما ضمن الواقع الأدبيّ المحليّ، والنقد الأدبيّ والثقافيّ الذي نعيشه في بلادنا، والذي باتَ جليًّا للجميع، افتقادنا لوجود المحرّر الأدبيّ والنقد الأدبيّ والثقافيّ، وهو ما نحتاجُهُ في ظلّ الفوضى العارمةِ التي تجتاحُ أدبنا المحليَّ في الآونةِ الأخيرة، ولم تنشأ فكرةُ هذا الكتاب والدراسات من فراغ، إنّما من إلمامٍ ومثابرةٍ وتعمُّقٍ خاصّ في السّياقاتِ الاجتماعيّةِ، والثقافيّةِ والاقتصاديّة، وحتى السياسية.
وبالإجمال، فإنّ الكتابَ قيمةٌ أدبيّةٌ وثقافيّةٌ ومعرفيّة، وكلُّ مَن يمسكُ بالكتاب، لا بدّ له أن يقرأ ذلك في صفحاته، جنبًا إلى جنب الإهداء المميّز والخاصّ "إلى النادي الثقافيّ الاجتماعيّ طرعان، وقد أوشكَ الحلمُ أن يصبحَ حقيقة". هنا بالذات يتجلّى الانتماءُ الحقيقيّ للأديب والباحث والناقد، من خلال وضع الحلم موضع التنفيذ.
كذلك اختيارُ العنوانِ كانت له ميزةٌ خاصّة، فللمرآةُ دلالاتٌ ومَعانٍ لها أهمّيّتُها الخاصّة، لِما تعكسُهُ مِن صورٍ للأديب والناقد والقارئ والمجتمع كذلك. فالمرآةُ بطبعِها هادئةٌ واثقةٌ وعاشقةٌ شفّافة، وبما أنّنا نفتقدُ النقدَ الأدبيّ الأصيل، فإنّ الأدب يُعدُّ مرآةً  تكشفُ عن ذاتهِ وعن ذات مبدعهِ، تمامًا مثلما تكشفُ ذاتَ القارئ العاديِّ والناقدِ الأدبيّ الثقافيّ.
من هنا نرى أنّ د. محمد خليل قد اختارَ مقولةَ الكاتب الفيلسوف فرنسيس كافكا 1883: "ليست مهمّةُ الناقد أن يرى الحقيقةَ أو ينقلها، بل أن يكتشفَها".
كتابُ مرايا مقسّمٌ إلى ستة فصول:
القسمُ الأوّل: مَظاهرُ الحياة في فلسطين قبل النكبة. القسمُ الثاني: واقع النقد الأدبيّ قبل النكبة. القسمُ الثالث: مظاهرُ الحياة بعد النكبة. القسمُ الرابع: متابعاتٌ نقديّةٌ وأدبيّةٌ وثقافيّة. القسمُ الخامس: نماذجُ تطبيقيّةٌ في نقدِ الشعر. القسمُ السادس: نماذجُ تطبيقيّةٌ في نقد الرواية.
تُعدُّ هذه الندوةُ لمحة سريعة نسبيًّا، لأنّ د. محمد خليل لطالما بحَثَ وكتبَ في عدّةِ مجالاتٍ أدبيّةٍ ونقديّة، وأغنى مكتبتنا بإصداراتهِ على أنواعِها المتعدّدة.
جاء في مداخلة د. فهد ابو خضرة: 
يتّجهُ النقدُ الذي يُكتبُ في أدبنا المَحلّيّ، وفي العالم العربيّ عامّةً، اتّجاهاتٍ ثلاثة: اتّجاها موضوعيّا، واتّجاها يَجمعُ بينَ الموضوعيّةِ والذّاتيّةِ، واتّجاها ذاتيّا. الأوّل يتقيّدُ بالنّصِّ وحدَهُ، مُتناولا جوانبَهُ المختلفة، ومُحأوّلا أن يَكشفَ أبعادَهُ كلَّها، بالاعتمادِ على لغتِهِ ومَبناهُ، ودونَ أيِّ تطرُّقٍ لصاحبِ النّصِّ أو لذاتيّةِ الناقدِ. أمّا الثاني فلا يَتقيّدُ بالنّصّ وحدَهُ، ولا يرى أيَّ مُبرّرٍ لعدمِ التطرُّقِ إلى صاحبِ النصِّ وإلى ذاتيّةِ الناقد. وأمّا الثالث فينطلقُ في الأساسِ مِن ذاتيّةِ الناقد، ويحاول مِن خلالِها أن يَكشفَ أبعادَ النّصّ، وقد يتطرّقُ إلى صاحبِ النصِّ، إذا لزِمَ الأمر.
والاتّجاه الأوّل هو الاتّجاه الذي يهتمُّ بهِ الدّارسونَ، ويَعتبرونَهُ نقدًا حقيقيّا، وكثيرًا ما يُخرجُ هؤلاءُ الدارسونَ الاتّجاهيْنِ الآخرَيْنِ مِن دائرةِ النقدِ، مع احترامي الشديدِ لهؤلاءِ الدارسينَ، وللاتّجاه الموضوعيّ، فإنّني لا ألغي الحاجةَ إلى الاتّجاهيْن الآخريْن، مُؤكّدًا أنّهما قادران، إذا أُحسِنَ استعمالُهما، أن يُقدّما إضاءاتٍ إضافيّةً للنّصِّ، وأن يَكشفا أبعادًا أخرى، لا يَلتفتُ إليها النقدُ الموضوعيّ عادةً.
في هذه الدراسةِ النقديّةِ التي أتحدّث عنها والتي كتَبَها د. محمد خليل، اختارَ الناقدُ الاتّجاه الثاني الذي يَجمعُ بينَ الموضوعيّةِ والذّاتيّة، وسأحأوّل إبرازَ هذا الاتّجاه فيما يلي:
يتناول الدكتور محمد حليل في كتابهِ "مرايا" قصّة "وطن العصافير" للشاعر الأديب وهيب وهبة، فيقرؤُها قراءةً نصّيّةً، مُخصِّصًا لها تسعَ صفحاتٍ مِن كتابهِ (ص234 – 242)، وقد قسّمَ قراءتَهُ لهذهِ القصّة إلى أربعة أقسام:
*في القسمِ الأوّل الذي يتكوّنُ مِن صفحة واحدة (ص 234)، قدّمَ الناقدُ تعريفًا عامًّا بالقصّة والشاعرِ الأديب، وهذا التّعريفُ يتميّزُ بالتقييم الذّاتيّ، إذ قالَ عن القصّة: "يُطلُّ علينا الأديب وهيب وهبة ليُتحِفَنا برائعتِهِ الجديدةِ الموسومةِ بـ "وطن العصافير"، والتي تنضافُ إلى قائمةٍ طويلةٍ مِن نِتاجهِ الإبداعيّ المُتميّز". وقالَ عن الأديب كاتبِ القصّة: "إنّه أديب مبدعٌ، مُرهفُ الإحساسِ والوجدانِ ذو خيالٍ خصب".
وبيّنَ الناقدُ في سياق هذا التقييم، عندَ حديثِهِ عن القصّة، الهدفَ الثاني الذي يَرمي إليهِ الأديبُ مِن خلالِهِ، وهو تحقيقُ السّلامِ والتّعايشِ المنشودِ بينَ شعبَيْ هذه البلاد. 
ولأنّ القصّةَ مكتوبةٌ ومنشورةٌ في نسختيْنِ باللّغةِ العربيّةِ والعبريّة، فقد ذكرَ الناقدُ أهمّيّةَ الترجمةِ للتّفاعُلِ بين الثقافات، وللتّبادلِ الحضاريّ، وأضافَ إلى هذه كلمةً قصيرةً عن دوْرِ الفنّ في التّقريبِ بين الأنا والآخر.
وبالرّغم مِن التقييم الإيجابيّ الذّاتيّ المُشار إليه أعلاه، فقد ختمَ الناقدُ هذا القسمَ بالقول: "إنّ المديحَ والإطراءَ المفتعَلَ يبقيانِ أحدَ مُنزلقاتِ النقدِ الأدبيّ، ممّا يدعونا إلى أخذ الحذر، والالتزام بالموضوعيّةِ والحياديّة قدرَ المُستطاع، حمايةً لمقاربتِنا هذا النصّ، وطبعًا، يَصدُق هذا القولُ أيضًا عندَ الحديثِ عن مُقاربةِ أيّ نصٍّ أدبيّ، بحسب الاتّجاه الأوّل، الموضوعيّ.
وقد تحدّث الدكتور محمد خليل عن هذه القضيّة، قضيّة المديح والإطراء في موضعٍ آخرَ مِن كتابهِ (ص167)، حيثُ قالَ: "وغنيّ عن القولِ أنّ كلَّ المُجاملاتِ لا تصنعُ أدبًا ولا ثقافة، ناهيك بما فيها مِن إساءةٍ لحركتِنا الأدبيّةِ والثقافيّةِ معًا، لأنّه كلّما كثُرَ التّزيينُ كثُرَ التّزييفُ، فقليلًا مِن التواضُعِ والموضوعيّة." وهذا في رأيي كلامٌ سليمٌ جدّا، ومِنَ المُهمّ أن يتقيّدَ بهِ نُقّادُنا، أيًّا كانَ الاتّجاهُ الذي  يَختارونَه.
في القسم الثاني الذي يتكوّنُ مِن صفحةٍ ونصف (ص 235 – 236)، بيّنَ لنا الناقدُ ما تطمحُ إليهِ هذه القراءةُ النصّيّة، وهو تقديمُ قراءةٍ تتجاوزُ ظاهرَ معنى اللّغةِ في القصّة، وصولًا إلى باطن معناها. هذه القراءةُ تُحاولُ إنتاجَ النصِّ مِن جديد، وقد أظهرَ الناقدُ هنا، معتمدًا على الغذّاميّ، الفرقَ بينَ قراءةِ الشّرحِ والقراءةِ المُنتِجةِ أو المُضيئة؛ فالأولى تأخذُ مِن النصّ ظاهرَ معناهُ، فتكونُ تكريرًا ساذجًا يجترُّ كلماتِ النصِّ نفسَها، بينما تأخذ الثانيةُ ما وراءَ اللّغة، وصولًا إلى معنى المعنى، لكشفِ ما هو في باطن النصّ، فتكونُ فعلًا إبداعيًّا ومَظهرًا ثقافيّا. وقد توسّعَ الناقدُ عن حديثهِ في قراءتهِ الثانية، وهي دون شكّ، تستحقُّ كلّ توسُّعٍ ممكن، لأنّها كما قالَ عنها: "هي القراءةُ الحقيقيّةُ للنّصوصِ الأدبيّة". ومع ذلك، فإنّنا نقولُ دائمًا إنّه لا بدّ مِن الشّرح أوّلًا، إذا كانَ ظاهرُ المعنى غيرَ واضحٍ، لأنّ فهمَ الظاهر شرطٌ لفهم الباطن.
في القسم الثالث، وهو يتكوّنُ مِن ثلاثِ صفحاتٍ (236 -239)، أشارَ الناقدُ إلى الرّاوي في القصّة، فقالَ: "إنّه راوٍ عليم، كلّيّ المعرفة". ثمّ تحدّثَ عن القصّةِ نفسِها، مُورِدًا أحداثها الرّئيسيّة باختصار، وقد نجحَ في نقل صورةٍ واضحةٍ لهذه الأحداث، وذلك على النّحو التّالي: كانتْ هناكَ غابةٌ تعجُّ بالحياة، وتُنظّمُ فيها الأمور على أحسن ما يُرام، فهي دائمًا نشيطةٌ فرحةٌ مسرورة، وكانت العصافيرُ تسرحُ وتمرحُ في هذه الغابةِ التي هي وطنُها الغارقُ بالجَمال، وكان هناكَ حطّابٌ عجوزٌ يقطنُ على ضفافِ النّهر معظمَ فصولِ السّنة، وبينَ عشيّةٍ وضُحاها انقلبت الأمور رأسًا على عقِب، ممّا اضطرّ العصافيرَ أن تولّي هاربةً، وتغادرَ وطنَها. وتغيّرَ الواقعُ الجميلُ، فتحوّلَ إلى حاضرٍ مؤلمٍ تعيسٍ، وقد لاحظ الحطّابُ ذلك، وأدركَ حقيقةَ الأمر: ها هي الفِيَلةُ تهزُّ جذوعَ الأشجار، وتُسقِطُ أعشاشَ العصافير، والحيواناتُ البرّيّةُ الضّخمةُ الأخرى والتّماسيحُ تأكلُ وتفترسُ كلَّ ما تُصادفُهُ مِنَ العصافير، وتعيثُ في الغابةِ خرابًا وقتلًا وتدميرًا.
بعدَ هذا ربطَ الناقدُ بينَ الأحداثِ وبينَ أحداثِ الواقع الذي عاشَهُ كاتبُ القصّة، وتحدّثَ بشكلٍ عامٍّ عن علاقةِ المُبدع بالواقع، ثمّ انتقلَ ليتحدّثَ باختصارٍ شديدٍ عن تناغُمِ الرّسوماتِ التي أبدعتْها الفنّانة صبحيّة حسن مع مضمون القصّة.
القسم الرّابع يتكوّنُ مِن ثلاثِ صفحاتٍ ونصف (239 -242)، تحدّث الناقدُ  أوّلًا عن الآثارِ السّلبيّةِ التي تركتها الأحداثُ المذكورةُ في الأقسام الثلاثةِ السّابقة، مُبْرِزًا مِن خلالِها ما وردَ في نصّ القصّةِ عن ذلك الواقعِ المُذهلِ والمُؤلم الذي حلَّ بالغابة "وطن العصافير، من قتلٍ وتدميرٍ، وتشريدٍ بالقوّة للعصافير، ومُشيرًا إلى انهيارِ مبادئ الحرّيّةِ والعدلِ وقِيم الحقّ والخيرِ والجَمال، واستبدالِها بالباطلِ والظلمِ والشّرّ والقهر. ثمّ أتبعَ هذا بالموقفِ المُضادّ الُمناهِض لِما حدث، مُعلِنًا أنّهُ لا بدّ مِن إحقاقِ الحقِّ وإعادتِهِ إلى أصحابِهِ، مَهما طرأ مِن تغيّراتِ الزّمان وتحوُّلاتِ المكان. ثمّ نقلَ مِن النصِّ جُملةً رئيسيّةً هامّةً تدعمُ هذا الموقفَ، جاء فيها: "علينا إنقاذ المدينة، وإرجاع الغابة كما كانت". ومِن الواضح أنّ الناقدَ يتماهى مع هذا الموقفِ بشكلٍ كامل.
بعد هذا تحدّثَ الناقدُ عن عددٍ مِن جوانب اللّغة، فبدأ باستعمال الجُملِ الفعليّةِ التي تحملُ دلالةَ الفعل الماضي في الغالبيّةِ العظمى مِن أحداثِ القصّة، مُتوقّفًا عند وظائف الأفعال الماضية والمعاني التي تتعلق بها، كالحركةِ والتّغيير والوصف المتحرّك والخوف والقلق، وربَط هذا بالتأسّي عند الراوي، والشوق إلى الزمن الماضي بكلّ تفاصيلِهِ وأشيائهِ المُلوّنة، حين كلنت الغابةُ تنعمُ بالصفاءِ وبالزمن الجميل. واستعمالُ الفعل الماضي هنا مُبرَّرٌ دونَ شكّ، مَهما كانت القراءةُ التفسيريّةُ التي يختارُها الناقد، فهو المحورُ الرّئيسيّ الذي يدورُ حوله ذهنُ الكاتب، حين ينظرُ إلى المشكلةِ المركزيّةِ في القصّة نظرةً شاملة.
ثمّ انتقلَ الناقدُ إلى الأسلوب الشاعريّ الذي استخدمَهُ، وهو أسلوبٌ يقومُ من جهةٍ على لغةٍ سرديّةٍ بسيطةٍ سهلةٍ وقريبةٍ إلى فهم القارئ، ويقومُ من جهةٍ أخرى على لغةٍ تُماثلُ لغةَ القصّ الحديثِ التي تعتمدُ على الرمز اللغويّ المرتبطِ بالواقع، وهو رمزٌ يتّصفُ بالبساطةِ والسهولةِ، واستغلّ الناقدُ المناسبةَ، فتحدّثَ عن أهمّيّة استعمال الرمز في النصوصِ الحديثة، وعن دلالات عددٍ مِن الرموز المُستخدَمةِ في قصّة "وطن العصافير"، ثمّ أتبعَ هذا بالحديثِ عن النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ الذي تدورُ حولَهُ الرموزُ كلّها.
ولا بدّ مِن القول إنّ تفسيرَ الرموز هنا وربْطها بمَرموزٍ إليهِ مُعيّن، هو النزاعُ المذكور، يتعلقُ بالقراءة التفسيريّةِ التي اختارَها الناقدُ لهذا النصّ، وهي في نظر النقدِ الحديثِ قراءةٌ واحدةٌ من بين قراءاتٍ عديدةٍ ممكنة، بل إنّ النظريّةَ التفكيكيّةَ تقولُ إنّ القراءاتِ لمثل هذا النصّ يمكنُ ان تكونَ لا نهائيّةً، وذلك لأنّ القراءة تتعلق بالقارئ، والقرّاءُ مختلفونَ جدّا، فكرًا ورؤية وظروفًا وثقافة. وإذا كان أصحابُ هذه النظريّةِ يقولونَ، بناءً على ما ذُكر، إنّ كلَّ قراءةٍ هي قراءةٌ مغلوطة، فإنّني أقولُ إنّ كلّ قراءةٍ يمكنُ أن تكونَ صحيحةً، ولكنّها ليست القراءةَ الصحيحةَ الوحيدة، فهناك دائمًا قراءاتٌ صحيحةٌ أخرى ممكنة.
بعد هذا انتقلَ الناقدُ للحديثِ عن توظيفِ السؤالِ بكثرةٍ في القصّة، باعتبارِهِ مُكوّنًا رئيسيًّا مِن مكوّناتِ القصّة الحديثة. وأودُّ أن أشيرَ هنا إلى أنّ السؤالَ قد شكّلَ مُكوّنًا رئيسيًّا مِن مُكوّناتِ الحداثةِ الغربيّة، إذ ارتبطَ طرْحُ الأسئلةِ فيها بمحاولاتِ التغييرِ الشاملِ للواقع بالإنسان، ولعلّ هذا الارتباطَ الكامنَ في وعي الناقدِ الدكتور محمد خليل هو الذي جعلَهُ يُسارعُ إلى التأكيدِ في الفقرةِ التالية، لما ذُكرَ أعلاه، على أنّ كاتبَ النصّ موضوع الدراسةِ يهدفُ أو يتطلّعُ إلى تغيير الواقع الراهن، وتغيير الإنسان تغييرًا جذريًّا، وإلى الوصول من خلال هذا التغيير إلى بناءٍ جديدٍ، وإن كان افتراضيًّا أو مُتخيّلًا.
في الفقرتيْن الأخيرتيْن مِن الدراسةِ أورِدَ الناقدُ أقوالَ الحطّاب الذي سبَقَ ذِكرُهُ، وهو شخصيّةٌ هامّة مِن شخصيّاتِ القصّة، ثمّ قالّ إنّ هذه الأقوالَ تشي بفكرةٍ جديرةٍ بالاهتمام وتدعو إلى التفكير، وهي إعمالُ العقل وتفعيلُهُ ولا تعطيلُه، وإعمالُ العقلِ هنا يعني التفكيرَ السليمَ في شؤون الواقع المَعيش، وإيجادَ مَخرَجٍ واقعيٍّ منطقيّ للمشكلةِ المطروحةِ في النصّ، وهذا المَخرجُ هو التوجُّهُ نحوَ السّلام، باعتبارهِ نشودةَ الحياةِ ورايةَ الحرّيّة. ويُشكّلُ هذا التوجُّهُ نهايةً للقصّة، يتمُّ فيها تقاسمُ الغابةِ مناصفةً بين المتخاصمين، ويتمُّ التفاهمُ والوئامُ في ربوع الغابة.
ولا شكّ أنّ هذا الحلَّ يَعكسُ موقفًا مُعيّنًا موجودًا عندَ الكثيرين مِن أبناءِ الشعبيْن، كما هو موجودٌ عندَ الأديب وهيب وهبة والناقد الدكتور محمد خليل. ومع أنّ هؤلاءَ الكثيرين يَعتبرونَ هذا الحلَّ إيجابيًّا بالنّسبةِ للنّزاع المَرموز إليه، فإنّ معظمَهم يشعرون في أعماقِهم بأنّهُ حلٌّ افتراضيٌّ متيل، وأنّه مشروط بالتغييرِ الجذريِّ المَذكورِ في القصّةِ والدّراسةِ، وهو تغييرٌ يتناولُ الواقعَ والإنسانَ في هذه البلاد.
ونحنُ مع الشاعر الأديب ومع الناقد نبقى في انتظار هذا التغيير، آمِلينَ أن يبدأ قريبًا، قريبًا جدّا، ومُقدّرينَ تقديرًا كبيرًا كلَّ مَن يُسهمُ في هذا التغييرِ مِن المُبدعينَ والنقّادِ، ورجالِ الفكرِ والإعلاميّين والمُربّينَ والسياسيّينَ وغيرهم، ونحن نقولُ لهم ومعهم جميعًا: تفاءلوا بالخير تجدوه.
جاء في مداخلة سيمون عيلوطي:
تنويه: إنّ "مرايا في الأدب والنَّقدِ والثقافةِ" للدُّكتور محمَّد خليل مشروعٌ رائدٌ لإرساءِ ثقافةِ نقدِ النَّقدِ، وأنوِّهُ بدايةً، إلى أنّ الدكتور محمَّد خليل كانَ قد أصدرَ كتابينِ في ذاتِ الموضوعِ، قبل هذا الكتابِ: الأوّل "نقدٌ على نقدٍ- عام 2007"، والثاني "أوراقٌ نقديةٌ- عام 2014". من هُنا جاءَ كتابُ "مرايا في الأدب والنقدِ والثقافةِ" موضوعُ النَّدوة، (الحلقةُ الثالثة) استكمالًا لمشروعِهِ الذي يبادرُ من خلالِهِ لتأسيسِ ثقافةِ نقدِ النَّقدِ، ويواصلُ الدكتورُ النَّاقدُ محمَّد خليل في كتابِهِ الذي صدرَ حديثًا، بعنوانِ: "مرايا في الأدب والنقدِ والثقافةِ" مشروعَهُ مع النَّقدِ، وسعيَهُ الدَّؤوبَ في معالجتِهِ لحركتِنا الأدبيّةِ والثقافيّةِ، سواءَ كانَ ذلكَ في البحثِ والدّراسةِ، أو من خلالِ محاضراتِهِ التي يقدِّمُها بينَ الحينِ والآخرَ في مختلفِ المنتدياتِ والمراكزِ الأدبيّةِ. 
مظاهِر شكَّلت الأدب الفلسطينيّ: لاحظتُ من خلالِ قراءتي لكتابِ "مرايا في الأدب والنَّقدِ والثقافةِ"، أنَّ الدكتور محمَّد خليل يُسلِّطُّ الضوءَ على أهمِّ المظاهِرِ التي مرَّتْ على مشهدِنا الأدبيّ الفلسطينيِّ عبرَ مراحلِهِ التَّاريخيَّةِ- المفصليَّةِ التي تَشَكّلَ هذا الأدب في ظلِّ مُناخاتِها وتطوُّرها، فنراهُ يتوقَّفُ في الفصلِ الأوّل من الكتابِ عند: "مظاهرِ الحياةِ في فلسطين قبلَ النَّكبة"، متطرّقًا إلى "عهدِ الحكمِ العثمّانيِّ" من مختلفِ جوانبِهِ: "السّياسيَّةِ، والأدبيّةِ، وتطوُّر الصَّحافةِ والصُّحفِ العربيّةِ في فلسطينَ قبل الانتدابِ البريطانيِّ". أمَّا في الفصلِ الثاني، فيتناول "واقعَ النَّقدِ الأدبيّ قبل النَّكبةِ" ما يساعدُهُ على الولوجِ في الفصلِ الثالثِ، إلى: "مظاهرِ الحياةِ عامَّةً بعدَ النَّكبة". وتتوإلى فصولُ الكتابِ في سردِ وتحليلِ ودراسةِ الظَّواهرِ الأدبيّةِ، والاجتماعيَّةِ، السّياسيَّةِ والاقتصاديّةِ التي واكبتْ أدبَنا الفلسطينيَّ في تلكَ المراحلِ، فبلوَرَتْهُ وجسَّدتْ مَلامحَهُ، مضامينَهُ، وأشكالَهُ الفنيَّةُ الخَّاصةُ بهُويَّتِهِ التي ميَّزتهُ بنكهةٍ تختلفُ عن النَّكهةِ الأدبيّةِ التي نُحِسُّها في أدب الأقطارِ العربيّةِ، وإن كانَ رغمَ فلسطينيَّتِهِ، يُعتبرُ جزءًا لا يتجزَّأ من مشروعِها الأدبيّ خاصَّة، والثقافيّ، الانسانيِّ عامَّة. 
معالجاتٌ نقديَّة: تضمَّنَ الكتابُ بالإضافةِ إلى ذلك، معالجاتٍ نقديَّةً لعددٍ من الأعمالِ الشعريَّةِ والقصصيّةِ، وقد استوقفتْني مِن بينِها دراسةٌ خصَّصَها الباحثُ لروايةِ نجيب محفوظ "حضرة المحترم"، ولعلَّ صاحبَنا الدُّكتور محمَّد خليل أختارَ هذه الرِّوايةَ، لاعتبارِها محطّةً بارزةً في أدب محفوظ، بعد محطَّتيِّ "الطَّريق" و "ميرامار" من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، ربَّما لأنهُ أرادَ في هذه الدّراسةِ أن يَخرجَ عن الخطِّ العامّ للكتابِ الذي خصَّصهُ للنَّقدِ المحليِّ، ليُدلِّلَ على أنَّ النَّقدَ حين يكونُ موضوعيًّا، فإنَّهُ لا يُفرّقُ في معالجتِهِ بين المحليِّ والعربيّ في أيِّ حال. 
الأدب لا يتشكَّلُ من فراغٍ: يؤكّدُ المؤلّف من خلالِ نظرتِهِ الشَّاملةِ، الواردُ ذكرُها آنفًا، أنّ "الأثرَ الأدبيّ، شعرًا ونثرًا، وكذا كلُّ أثرٍ فنيٍّ، لا يتشكَّلُ من فراغ، إنَّما ينشأ مرتبطًا بسياقاتٍ متعدّدةٍ من ذلكَ المنطلقِ"، وبالتَّالي: "لا يحقُّ لأيِّ قارئ أو باحثٍ أو ناقدٍ أن يقرأَ أو يدرسَ نصًّا ما، بمَعزَلٍ عن سياقاتِهِ الاجتماعيّةِ، والثقافيّةِ، والاقتصاديّةِ وحتَّى السياسيَّةِ! فالنّصُ نفسُه، أدبيًّا كان أم فكريًّا، هو بُنيةٌ لغويَّةٌ فنيَّةٌ يُعَبِّرُ عن واقعِ المجتمعِ، وينبثقُ عنهُ". وفي هذا السِّياقِ قالَ أحدُ الأدباءِ ما معناهُ: "إذا أردتَّ أن تعرفَ شعبًا من الشّعوبِ، فاذهب إلى فنونِهِ". 
ثقافة نقد النقد: أرى أنَّ هذا الكتابَ يشكِّلُ قفزةً نوعيّةً في قيمتهِ المضافةِ لحركتِنا النّقديَّةِ والثقافيّةِ، لا يَندرجُ مثلَ النَّقدِ الأدبيّ عند البعضِ، تحتَ باب العلاقاتِ العامَّةِ، أو لاعتباراتٍ فئويَّةٍ حزبيَّةٍ، أو لغيرِ ذلكَ من الأمور التي لا تمتُّ للنَّقدِ الموضوعيّ بصلةٍ.                        
مؤلّفُ الكتابِ: يُغامر في الإبحارِ في بحرِ النَّقدِ المنهجيِّ، ليصلَ إلى "نقدِ النَّقدِ": يقولُ بهذا الصَّدد (ص118): "تهدفُ الدّراسةُ إلى الوقوفِ على واقعِ (نقدِ النَّقدِ) في أدبنا المحليِّ، في ضوءِ النَّقصِ الحادِّ الذي تُعانيهِ مسيرةُ حركتِنا الأدبيّةِ والنقديَّةِ. لم يحظَ هذا الموضوعُ إلى الآنَ، باهتمامِ كتَّابِ النَّقدِ الأدبيّ المحليِّ، وخيرُ دليلٍ على ذلك، أنَّ المتتبِّعَ لا يلحظُ وجودَ كتابٍ خاصٍّ بنقدِ النَّقدِ". هذه الدَّعوةُ الصريحةُ لمعالجةِ النَّقدِ بالنَّقدِ، أراها في محلِّها، وأعتقدُ أنَّها سوفَ تُحِدُّ من تلك الفوضى العارمةِ في مجالِ النَّقدِ عندَ البعضِ، والتي أخذت في الآونةِ الأخيرةِ تنتشرُ بشكلٍ لافتٍ، مستغلَّةً سهولةَ النَّشرِ على صفحاتِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وبعضِ المواقعِ على الشَّبكةِ العنكبوتيّةِ، وما زادَ الطّين بِلّة في هذا المجال هو: غيابُ المحرّرِ الأدبيّ المختصِّ عن تلك المواقع، وعن صحافتِنا والورقيَّةِ أيضًا. 
ماهيَّة نقد النَّقد: حينَ ننظرُ إلى مفهومِ الدكتور محمَّد خليل لنقدِ النَّقدِ، نراهُ يتلخَّصُ في الآتي: "هو نشاطٌ معرفيٌ يقومُ بمراجعةِ الأقوالِ النقديّةِ، كاشفًا عن سلامةِ مبادئِها النّظريَّةِ، وأدواتِها التحليليَّةِ، وإجراءاتِها التَّفسيريّةِ والتَّأويليَّةِ. في ضوءِ ذلكَ الواقعِ تبدو الحاجة ماسَّةً إلى وجودِ نقدِ النَّقدِ، وهذا يتطلَّبُ البدءَ بالتأسيسِ لهذا المشروعِ، لا سيَّما وقد مضى على عُمرِ حركتِنا الأدبيّةِ المحليَّةِ ما يزيدُ عن ستَّةِ عقودٍ، عِلمًا أنَّ العمرَ الحقيقيّ للأدب لا يقاسُ بالزَّمنِ، لكنه بكلِّ تأكيدٍ لا يحدثُ خارجَهُ". 
خلاصة: ما تقدّمَ يقودُ الدَّارسَ إلى نتيجةٍ مفادُها، أنَّ: "الطَّريقَ الأمثلَ للنُّهوضِ بالنَّقدِ الأدبيّ، هو وضعُهُ موضعَ النّقدِ والمساءلةِ". من هذا المنطلق؛ اختارَ ناقدُنا أن يسيرَ في مشروعِهِ النَّقديِّ الرَّائدِ نحوَ الاتّجاه الصَّعبِ، وهو: نقدُ النَّقدِ. ومن المؤكَّدِ أنَّه نتيجةً لذلكَ، سوفَ يثيرُ من حولِه زوبعةً من العواصفِ الكلاميّةِ والكتابيّةِ، خاصةً أنَّ ثقافةَ الحوارِ ومناقشةَ الرَّأيِ بالرَّأيِ، لم تتأًصَّلْ بعدُ، في حركتِنا الأدبيّةِ النّقديَّةِ وفي حياتِنا العامّةِ أيضًا. فهل تراهُ إزاءَ هذا الوضعِ، ينجحُ في تحقيقِ مشروعِهِ النَّقديِّ لتأسيسِ ثقافةِ نقدِ النَّقدِ؟!.. أرجو ذلك.   
مداخلة المحتفى به د. محمد خليل:  بيَدِ الشكرِ الموصولِ أصافحُ الإخوةَ والأخواتِ؛ مُتحدّثينَ ومُشاركينَ وحضورًا، ثمّ أقول: الاحتفاءُ بالكتابِ والكتابةِ الإبداعيّةِ مَظهرٌ حضاريٌّ بامتياز. أنوّهُ بدايةً إلى أنّ شهادتي بكتابتي وبكتابي مجروحةٌ لأسبابٍ تعرفونَها. من هنا الرأي لكم أوّلًا وأخيرًا.
يقول العماد الأصفهاني: إنّي رأيتُ أنّهُ لا يَكتبُ إنسانٌ كتابًا في يومِهِ إلّا قالَ في غدِهِ: لو غُيّرَ هذا لكانَ أحسنَ، ولو زيدَ كذا لكانَ يُستحسَنُ، ولو قُدّمَ هذا لكانَ أفضلَ، ولو تُركَ هذا لكانَ أجملَ، وهذا من أعظم العِبَرِ، وهو دليلٌ على استيلاءِ النقصِ على جملةِ البشر.
أبدأ بالعنوان، ففيه ما فيهِ من الإشاراتِ والدلالاتِ والمعاني والأفكار. العنوانُ نصٌّ مُتكاملٌ لكلّ شيء، وهذا بحدِّ ذاتِهِ يَستحقُّ التوقّفَ والنظر. ناهيك بالمحتوى الذي يشتملُ على عناوينَ ودراساتٍ ما، يمكنُ أن تفتحَ أمامَنا نوافذَ نُطلُّ مِن خلالِها على نصوصٍ أدبيّةٍ في النقدِ الثقافيّ، وأخرى ثقافيّةٍ تستحقّ منّا القراءةَ والتوقّفَ عندها، بغيةَ التفكيرِ والتأمُّلِ بتعمُّقٍ ورويّة. أما المتعة الحقيقيّة والقيمة المعرفيّة المضافة، فأتركُ الحكمَ والبتّ فيها لكم.
هنالكَ العديدُ مِن الدراساتِ التي يشتملُ عليها الكتاب، ما يمكنُ أن يشدَّ القارئَ لمقاربتِها شكلًا ومضمونًا. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: محطّاتٌ أدبيّةٌ ونقديّةٌ وثقافيّة في مسيرةِ الحركةِ الأدبيّةِ في فلسطين قبلَ النكبة وبعدَها. مُقدّمة الكتاب "بين يدي الكتاب". كذلك دراسة نصّيّة لرواية نجيب محفوظ "حضرة المحترم".  وقد تجدرُ الإشارةُ في هذا السّياقِ إلى قول ابن العميد في كتب الجاحظ: "كُتبُ الجاحظِ تُعلّمُ العقل أوّلًا والأدب ثانيًا". آمل أن يكون هذا الكتابُ قد قاربَ حدودَ تلك المقولةِ ولو بالقدر اليسير. فشيءٌ خيرٌ مِن لا شيء.
تقولُ د. سلمى الخضراء الجيّوسي: "قلّ ما تجد أديبًا فلسطينيًّا خاليًا من الهمّ الفلسطينيّ". وأنا لستُ بحائدٍ عن هذا الطريق أبدًا.
يقول نورثروب فراي الناقد الكندي: "ليست الكلمةُ الأخيرةُ للناقد الأدبيّ، إنّما لكلّ قارئٍ قراءتُهُ". وفي الختام تحيّة تقدير واحترام لجميعكم وشكرًا. 

صباحكم أجمل: ايدون لحن خلود



بقلم وعدسة: زياد جيوسي ـ
"الحلقة الأولى"
   كانت هناك رغبة خفية لا اعرف سرها تشدني أن أزور بلدة أيدون شمال الأردن في اربد عروس الشمال منذ سنوات طويلة، وكنت قد مررت بها عدة مرات في طريقي للحصن أو منها، فأتوقف وأنظر لها من قرب مشفى ايدون العسكري واشعر بنبضة من القلب تنفلت باتجاهها على التلال المقابلة، حتى وجه لي الدعوة لزيارتها المربي الفاضل الأستاذ أبو خالد أحمد أبو دلو والذي تقاعد من سنوات طويلة وهو يخدم بلدته ووطنه من خلال التربية والتعليم، وكريمته الفنانة التشكيلية ربا أبو دلو، وكنت في ذلك الوقت على سفر، فسررت بالدعوة وشكرتهم عليها مع وعد أن البيها في زيارة قادمة للأردن الجميل.
   ما أن وصلت عمَّان حتى كنت أخبر السيدة ربا بوصولي لترتيب برنامج زيارتي وجولتي في ايدون، حيث تولى أبو خالد والمربية الفاضلة السيدة منى العثمانة ترتيب وتنسيق البرنامج، وصبيحة الثلاثاء 31 من تموز لهذا العام كنا نتجه لايدون زوجتي وحفيدي الصغير المشاكس محمد والسيدة ربا وأنا، وما انا اطللنا على ايدون حتى كنت أشعر أني اريد القفز من السيارة ومعانقتها بعدستي والسيدة ربا تقول لي: اهدأ فبعد الراحة وفنجان القهوة ستتجول كل ايدون، وكانت عيناي تجولان في شوارع ايدون طوال الوقت وفي دروبها حتى وصلنا لبيت ابو خالد، فاستقبلنا وزوجته الفنانة المربية آمال شرار بكل الترحاب، لنحتسي القهوة ونأكل بعض من حبات التين وأكواز الصبر الناضجة التي اقتطفوها مباشرة من الحديقة، وهذه الفاكهة بالذات لا أشعر بطعمها ولذتها الا حين تأكل مباشرة بعد القطاف عن الشجر.
   وبانتظار باقي الفريق الذي سيصاحبني بالجولة استثمرت الوقت القليل بالتجوال والتصوير في حديقة أبو خالد الغناء بالورود والأشجار والمزروعات المثمرة، متأملا الطيور المختلفة من نوعيات راقية يعرفها هواة تربية الطيور ولا اعرف عنها الا انها طيور داجنة ولا أميز نوعياتها الا بالجماليات المختلفة عن الأصناف التي نعرفها من دجاج وديكة رومية وحمام، حتى حضر باقي الفريق الذي سيرافقني جولتي، وتحركنا لنبدأ البرنامج الذي نسق حركته وخطواته الأستاذ أبو خالد والمربية منى العثمانة ورافقنا الفنانة التشكيلية ربا والشاب الهادئ اللطيف عبد الرحمن العثمانة، وهو مبدع بالتصوير ويعرف المواقع التراثية جميعها في بلدته أو ما تبقى منها ويهتم بتصويرها ونشر صورها، إضافة للمربية الفاضلة هند أبو دلو وهي مديرة مدرسة في بلدة أخرى، وتحركنا بسيارتها وسيارة السيدة منى لنبدأ الجولة التي حلمت بها من قبل، وبقيت زوجتي ختام وحفيدي في ضيافة أم خالد وأسرتها الجميلة.
   ايدون هذه البلدة الضاربة الجذور في التاريخ كانت وما زالت سر غامض، فالبعض يقول انها بلدة "دايون أو دينون" من مدن الديكابوليس العشرة التي تحالفت في عهد الرومان، وفيما بعد انضم اليها ثمانية مواقع أخرى منها بصرى الشام، بينما يقول لانكستر هاردنج : "مدينة ديون هي المدينة الوحيدة من مدن الديكابولس التي لم يحدد مكانها تحديداً قاطعاً، وهناك موقع آخر أقرب إلى إربد هو بلدة "إيدون"، ورغم التقارب بين الاسمين إلا أن موقع إيدون وآثارها توحي بأنها كانت مدينة مهمة". وهو يعتقد أن تل الحصن على مسافة 2 كم جنوب شرق ايدون هو ديون، بينما في مصدر آخر للمؤرخ فريدريك بيك يعتقد المؤلف أن بلدة سوف هي ديون، وهذه المدن هي فيلادلفيا "عمَّان" وأبيلا "حرثا" وجدارا "أم قيس" وكانثا "قنوات" وجراسا "جرش" وهيبوس "الحصن" وسيكثوبوليس "بيسان" وأبيلا "طبقة فحل" ودايون "ايدون" ودمشق، والبعض أشار أن اسمها مشتق من اللغة الآرامية "أدد" ومعناه المكان المنيع، ولربما لأنه لم توجد آثار بارزة فيها كما المدن الأخرى أدى لتجاهلها كما يعتقد الكاتب نصار أحمد طلفاح وأوافقه الرأي، وبالتالي الاختلاف حول ان كانت ايدون هي نفسها دايون أو أن دايون بلدة أخرى، لكني اعتقد أن القرب الجغرافي بين الحصن وايدون هو الذي سبب الخلط والاختلاف، فمن خلال جولاتي في ثمانية من المدن العشرة المذكورة كنت الأحظ البعد الجغرافي بينها، وهذا التباعد ليحمي اطراف الامبراطورية الرومانية في بلاد الشام من قوة العرب الأنباط المتنامية، بينما الحصن وايدون تكادا تكونا متلاصقتين.
   بدأت جولتي مع الفريق المرافق بزيارة مسجد ايدون الغربي القديم، وقبل الوصول اليه بمسافة ليست طويلة نزلنا من السيارات وبدأت التقط مشاهد عامة للبلدة ومشاهد بعيدة تقع على السفح المقابل سنزورها في نهاية الجولة، وفي الطريق سيرا على الأقدام وقرب المسجد كنت اشاهد منزل متهدم من الأبنية التراثية ولم يتبقى منه إلا زاوية تشير أن هذا المكان كان بيت فاخرا بمقاييس مرحلة البناء وأنه بني على مراحل زمنية او جرى ترميمه لاحقا لاختلاف نوعية الحجارة فيه،  وبيت آخر جرى بناء اسمنتي فوقه ومعه، وطوال الوقت ونحن نسير على أقدامنا كان يحدثني الأستاذ أبو خالد "أحمد أبو دلو" مضيفي ودليلي الرائع عن تاريخ وتراث ايدون، وكان يسير بهمة ونشاط الشباب رغم تقدمه بالعمر، وتضيف الأستاذة النشطة منى عثامنة معلومات أخرى.
    حين وصلنا المسجد استقبلنا الشيخ أبو رأفت "أحمد عمر ذيب عاشور" وحدثنا عن المسجد،  وهناك من يقول أن هذا المسجد يعود للعهد الأموي واستخدمت حجارة أثار رومانية في بناءه من التي كانت في ايدون، وأن المسجد هدم وأعيد بناءه بناء على اليافطة المعلقة في المدخل عام 1892م، واعلمني أبو خالد وأبو رأفت أن هذا المسجد كان الوحيد في ايدون وكان اهالي بلدة "الجحفية" المجاورة يأتون ليصلوا مع أهل ايدون صلاة الجمعة فيه، والمسجد بني على نظام العقود المتصالبة وأضيفت له المأذنة لاحقا وهي مأذنة مربعة الشكل، وهذا النمط المربع هو أصل المآذن في المساجد حيث بنيت أول مئذنة في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وقبل بناء المئذنة المربعة وتوسعة المسجد، كان المؤذن يصعد فوق زاوية سطح المسجد لينادي للصلاة، ولكن الآن كما كل المساجد فمكبرات الصوت غيرت من هذا التقليد المتوارث منذ كان الصحابي بلال بن رباح أول مؤذن في الاسلام يصعد الى سطح البيت المجاور للمسجد النبوي للمناداة للصلاة.
   مدخل المسجد حديقة جميلة مزروعة بعدة نباتات ومجموعة من أشجار الزيتون المباركة، وشاهدت بالساحة تاج روماني من التي كانت توضع على رؤوس الأعمدة الحجرية، وهذا من الأثارات الرومانية التي وجدت في ايدون، وكما أشرت ان المسجد مبني على نظام العقود المتصالبة، وخضع لمراحل متعاقبة من الترميم والتوسعة والاضافات بحيث افقدت هذه المسائل واجهته من جمالية التراث، وإن بقي مشهد العقود في الداخل يشير لهذا الجمال التراثي.
   من المسجد كنا نتجه صعودا إلى منزلين متقابلين يعودا للحاج عيسى الحاج سالم، والبيت الذي كان على يسارنا في نفس خط المسجد عبارة عن بيت من طابقين ودرج خارجي للبيت الاعلى، فصعدت للأعلى اولا ولكن بوابته الداخلية وهي على شكل قوسي كانت مغلقة وساحته متروكة ولكن واضح انه جرى اضافات عليها بالطوب في وقت لاحق، فنزلنا للطابق الأسفل وهو متروك ومهمل، ولكن بتصميمه الداخلي او ما تبقى منه يشير لبناء تراثي بسيط، حيث الفتحات القوسية بأحجام مختلفة في جدران الغرفتين والتي كانت تستخدم لوضع الحاجيات فيها، وسماكة الجدران وهي قاعدة في بيوت العقد القديمة، وإن كان سقف الطابق السفلي من القضبان المعدنية والاسمنت، مما يشير لتغيير جرى على السقف ليتم تحميل الطابق الأعلى فوقه بدون أن يتعرض للانهيار.
   المبنى الآخر المقابل للبيت الأول والذي كان على يميننا في الطريق من المسجد، دخلنا الى سطحه من جوار منزل الأخ محمود غازي أبو دلو، وهذا المكان مبني على نظام الأحواش على مساحة واسعة من الأرض التي تتوسط الأبنية وما تبقى من أبنية أخرى، والبيت القائم والذي تم وضع فرشة من الاسمنت على سطحه لحمايته مرتفع بشكل واضح بني على نظام العقود المتصالبة، فالمسافة بين البوابات والسقف عالية، وهذا من طبيعة البيوتات القديمة وخاصة في الأحواش، حيث كان يتم الصعود من خلال درج داخلي لطبقة علوية داخلية كانت تستخدم للنوم وقسم منها خوابي للحبوب، كما أن نظام الابواب يعلوه قوس صغير وأما النوافذ فهي مستطيلة طوليا، وواضح أن الساحة والمحاطة بالأشجار المثمرة  والصبار كانت تضم العديد من البيوتات التي تهدمت والبعض ما زال قائما وإن لم يكن مستخدما، وبوابة الحوش من الخلف حيث كان ظهر البيت للشارع، اضافة لوجود بئر ماء يعتمد على جمع مياه الأمطار، وهذه المساحة وبعض الابنية يمكن ترميم قسم منها واستغلال الساحة ليتم تحويل المكان الى مكان تراثي جميل، يمكن استخدامه كمركز ثقافي وفني تراثي.
   أنهينا الجولة في هذا المكان الذي يحمل عبق تراث وتاريخ جميل، وشعرت بحجارته تروي بعض من حكايات الأجداد، لنكمل طريقنا إلى منزل تراثي آخر يروي حكايات وحكايات هو منزل يعود للسيد صالح حمد الخصاونة وبيوتات تراثية أخرى أو ما تبقى منها، والذي سيكون مدار الحديث في حلقة أو حلقات قادمة.
   صباح جميل بنسمات باردة في عمَّان التي وصلتها من الربى الكرمية قبل عيد الأضحى بيومين لأكون مع الأسرة والعيد، استمتع بالهدوء على شرفتي العمانية مع هذه النسمات بين كتبي ومكتبتي وفنجان قهوة وصوت فيروز وهي تشدو: (شو حلوه يا ضيعتنا يا دنيتنا، فيك زرعنا محبتنا وحلوه الكرمات، والليل العاطي سراره ومضوي داره، نزلوا بضيعتنا قمارو يحكوا حكايات)..
   فأهمس.. صباحك أجمل يا ايدون.. صباحك أجمل يا حلوة..
"عمَّان 26/8/2018"

كتاب بالإنكليزية للبروفسور فيليب سالم: الانتصار على السرطان - المعرفة وحدها لا تكفي

كتب اسعد خوري*

 "الانتصار على السرطان - المعرفة وحدها لا تكفي" صدر بالإنكليزية في حزيران 2018 بعنوان:   (Defeating Cancer - Knowledge Alone is not Enough)

عن مؤسسة (Quartet Books ltd.) في لندن، انكلترا. الكتاب الجديد للبروفسور فيليب سالم** هو بمثابة رسالة إلى مريض السرطان وإلى أهله واصدقائه، وإلى جميع الأطباء الذين يعالجون الأمراض السرطانية.

يؤكد البروفسور فيليب سالم في كتابه أن المعرفة وحدها لا تكفي. يجب أن تتّحد المعرفة مع المحبة، لأن "الطبيب الذي لا يحبّ مريضه لا يُمكنه شفاءه". ويؤكد "بأن المرض يحتاج إلى الكثير من الأمل. دون الأمل لا يمكن الوصول إلى الشفاء. أما المثابرة فهي أكثر من ضرورية، والاهم من المثابرة عند المريض هو المثابرة عند الطبيب".

عصارة الفلسفة العلمية التي طوّرها الدكتور سالم في رحلته مع الامراض السرطانية. خمسون سنة في العلم والابحاث. نصف قرن من مكافحة السرطان والتمرد على اليأس. نصف قرن من الاصرار على الحياة والاصرار على الامل. ابتدأت رحلته في حزيران 1968 عندما التحق بمؤسسة Memorial Sloan Kettering  ومنها تابع تخصصه في مؤسسة M. D. Anderson Cancer Center ثم عاد إلى بيروت سنة 1971 ليؤسس أول مركز للأبحاث السرطانية والتدريب في الجامعة الاميركية في بيروت. كان والد النهضة العلمية في لبنان والعالم العربي بالنسبة إلى معالجة الامراض السرطانية. هذه النهضة التي افرزت طلابا تدربوا على يديه ليصبحوا قادة البحث العلمي في العالم. وكان أول من ثار على النمط التربوي والعلمي في لبنان والعالم العربي. وبعد 15 سنة في بيروت عاد إلى الولايات المتحدة الاميركية ليلتحق بمؤسسة M. D. Anderson Cancer Center التي تعد أهم مركز للسرطان في العالم وبعد أربع سنوات في هذا المركز أسس الدكتور سالم مركز سالم للأمراض السرطانية. عمر هذا المركز اليوم 27 سنة. منه يطل فيليب سالم على العالم. فهو يردد دائما "ان كنيستي هي عيادتي وصلاتي هي عملي".

 في هذا الكتاب يصطحب الدكتور سالم المريض من النقطة الأولى وهي التشخيص إلى النقطة الاخيرة وهي الشفاء التام. ان الخطوة الأولى هي التشخيص الصحيح. فإذا لم يكن التشخيص دقيقا وصحيحا تكون المعالجة خطأ. يقول الدكتور سالم ان هذه مشكلة كبيرة لانه ليس هناك عددٌ كافٍ في العالم من الاطباء المتخصصين في تشخيص الأمراض السرطانية. وهو يقول ان التشخيص يجب التأكيد عليه عبر استشارة خبراء عديدين في هذا المجال. ان التشخيص من قبل طبيب واحد غير كاف وقد يكون على خطأ. هذا التشخيص ليس سهلاً ويجب على المريض عدم قبول التشخيص الاول والاصرار على التأكيد على صحة هذا التشخيص من قبل استشارة اطباء اخصائيين.

والمشكلة الاخرى اليوم ان هذا التشخيص لا يكفي ان يكون تشخيصا بواسطة المجهر كما كان التشخيص في الماضي فهناك تكنولوجيا جديدة وحديثة لمعرفة الهوية البيولوجية للمرض. هذه الهوية ضرورية لوضع استراتيجية علاج حديثة. انه لا يكفي اليوم ان نقول ان هذا المريض مصابٌ بسرطان الرئة. يجب ان نعرف بالتحديد نوع السرطان في الرئة ونعرف ايضا هويته البيولوجية. اذ ان العلاجات الجديدة تبنى على الهوية البيولوجية اكثر منها على الهوية الجغرافية للمرض. يصر الدكتور سالم على ان الشفاء غير ممكن ان لم يبدأ بتشخيص دقيق وعميق يحدّد بالضبط هوية منشأ السرطان والهوية البيولوجية لهذا السرطان. هذا يسبب مشكلة في العالم لانه ليس هناك مختبرات مؤهلة وكافية في العالم لتحديد الهوية البيولوجية.

 ويقول سالم ان العلاج يجب ان لا يبدأ فور معرفة التشخيص الدقيق. هناك خطوة تلي ذلك وهي معرفة مدى انتشار المرض في الجسم. ان لم نحدد هذه الطبوغرافيا بدقة ، يكون العلاج غير صحيح. هذا يعني انه اذا كان هناك أمرأة تشكو من سرطان في الثدي ونحن نعرف نوع هذا السرطان وهذا لا يكفي لمعالجتها، يجب ان نعرف جيدا مدى انتشار المرض في الجسم. هل هذا المرض موجود في الغدد اللمفاوية تحت الابط؟ هل انتشر إلى الدماغ؟ هل انتشر إلى الكبد؟ دون معرفة الطبوغرافيا بدقة لا يمكن للطبيب ان يضع استراتيجية علاج جيدة. كذلك يقول البروفسور سالم انه  بعد الخطوة الأولى وهي التشخيص والخطوة الثانية وهي الطبوغرافيا (Staging). هناك خطوة ثالثة مهمة جدأ  قبل البدء في العلاج. هذه الخطوة تتطلب فريق عمل من الأطباء المتخصصين في المعالجة بالأدوية  Medical Oncologistsوالاطباء المتخصصين بالمعالجة بالجراحة Surgeons،  وأطباء متخصصون بالمعالجة بواسطة الاشعة Radiation therapists . يجب ان لا يبدأ العلاج قبل اجتماع هؤلاء الأطباء لوضع استراتيجية واحدة. من الخطأ الكبير ان تقوم هذه الاستشارات الواحدة تلو الأخرى. فعادة يذهب المريض إلى الجرّاح أولا ثم يذهب إلى المعالج بالدواء ثم يذهب إلى المعالج بالأشعة وهذا خطأ. يجب ان يجتمع هؤلاء الأطباء إلى طاولة واحدة في نفس الوقت ويضعوا خطة علمية للمعالجة. هذه الخطة يجب ان توضع من قبل جميع هؤلاء الاطباء وليس من قبل طبيب واحد وهذا ما يسمى بالMultidisciplinary Approach.  لذلك يقول سالم ان الابداع في العلم وفي معالجة المرضى يتطلب الكثير من التواضع. فالغرور حاجز كبير بين الطبيب وزملائه الاطباء وبين الطبيب والعلم. على الطبيب ان يضع "الأنا" في البيت قبل ان يأتي إلى العيادة. في العيادة هناك شخص واحد مقدس وهو المريض. القضية ليست مقام الطبيب وليست مقام الاطباء الاستشاريين. هؤلاء جميعا يجب ان يعملوا معا كفريق عمل متكامل لمصلحة المريض. لذلك يقول سالم ان "اهم شيء في العلم هو التواضع لان التواضع يمنحك القدرة للتواصل مع العلم ومع زملائك". "ليس هناك عمل عظيم يتمكن من القيام به طبيب واحد. كل عمل كبير يتطلب فريق عمل متكامل".

وإن لم يتبنى الطبيب هذه الفلسفة لوضع استراتيجية العلاج ستكون بالتأكيد نتيجة العلاج غير مرضية. اذا بالنسبة للدكتور سالم يبدأ العلاج بعد ثلاث خطوات: الأولى التشخيص، الثانية هي Staging والثالثة استشارة الفريق المتكامل. هذه الاستشارة يقوم بها الطبيب لان المريض لا يعرف اهمية هذه الاستشارة . الطبيب وحده يعرف اهمية بحث مشكلة المريض مع الاطباء الاخرين؛ والطبيب هو الذي يعرف اي أطباء يجب ان يستشيرهم. المريض لا يعرف من هو الطبيب أو الاطباء الذين يجب استشارتهم.

في العلاج يتكلم سالم عن الانواع المختلفة للعلاج وأهمها العلاج بواسطة الدواء لأن معظم الامراض السرطانية تكون متفشية في الجسم عند التشخيص. لذلك يكون الدواء أهم سلاح يملكه الطبيب ضد هذا المرض. بالطبع اذا كان المرض ما يزال محصورا في منطقة معينة تكون الجراحة هي العلاج الاساسي. أما بالنسبة للمعالجة بواسطة الدواء، يقول سالم، إن العلم قد تطور كثيرا في هذا المجال. لقد كان سالم شاهدا على تطور المعالجة الكيمائية وعلى تفجر المعرفة في الأدوية الجديدة في العلاج الكيمائي. ومن بعد مرحلة العلاج الكيمائي جاءت المرحلة الثانية وهي العلاج البيولوجي أي اعطاء دواء ليس غريبا عن جسم الانسان مثل Interferon . ثم جاءت المرحلة الثالثة، وهي المعالجة بواسطة الأدوية المستهدفة. هذه الأدوية تستهدف فقط الخلية السرطانية دون ان تمس الخلية الصحيحة بأذى كبير. ثم جاء حديثا العلاج المناعي. هذا العلاج غيّر جذريا معالجة الامراض السرطانية. هذا العلاج يختلف عن المعالجات الاخرى لأنه بالأساس لا يستهدف الخلية السرطانية، انه يستهدف جهاز المناعة في الجسم فيقويه وبذلك يصبح جهاز المناعة قويا وقادرا على تدمير الخلية السرطانية. ان آخر خمس سنوات شهدت على تطور كبير في العلاج المناعي ونحن اليوم نملك أدوية عديدة في هذا المجال وبواسطة هذه الأدوية يتم شفاء عدد كبير من المرضى. ويقول سالم انه عند انتهاء مسيرة خمسين سنة في رحلته الطويلة مع هذه الامراض فهو فخور جدا لتطوير مزيج جديد من العلاج. هذا المزيج يجمع العلاج المناعي إلى العلاج الكيمائي إلى العلاج المستهدف. ان الابحاث الجديدة التي قام بها تشير إلى ان هذا المزيج هو خطوة كبيرة باتجاه شفاء المرضى. وقد أحدث هذا المزيج نتائج مذهلة في معالجة انواع عديدة من الامراض السرطانية. هذا المزيج لا يشكل علاجا جيدا بالنسبة إلى مرض واحد بل إلى امراض كثيرة مثل سرطان الرئة وسرطان الجلد وسرطان الكبد وسرطان المثانة وسرطان الكلى وسرطان الليمفومات وغيرها من الامراض السرطانية. ان العلاجات الحديثة اليوم تركّز على مزيج من العلاج المناعي والعلاج الكيمائي. الا ان سالم ذهب أبعد من ذلك ليزيد على هذين العلاجين العلاج المستهدَف.

ويركز سالم في هذا الكتاب على ان المعرفة وحدها لا تكفي. فهو يقول ان الطريق إلى الشفاء في الامراض السرطانية هي طريق طويلة وفيها حفر كثيرة. فالمريض يحتاج إلى أكثر من المعرفة إنه يحتاج إلى المحبة، ويقول سالم "ان الطبيب الذي لا يحب مريضه لا يمكنه شفاءه". والمريض يحتاج كذلك إلى الكثير من الأمل. دون الأمل لا يمكن الوصول إلى الشفاء. كذلك يحتاج المريض إلى قوة تدعمه كل يوم ليكمل الطريق. يحتاج إلى المثابرة. وهنا يقول ان هذه المثابرة يجب ان تكون مسؤولية الطبيب اكثر مما هي مسؤولية المريض. فالطبيب الذي لا يتمتع بصفة المثابرة (perseverance)، لا يمكنه ان يشفي المريض. ان الشفاء يحتاج إلى الكثير من الأمل . فالأمل هو للمريض كالبنزين للسيارة. فاذا كانت السيارة خالية من البنزين لا تستطيع السير إلى الامام. يقول سالم ان الطبيب عليه ان يعطي مريضه الكثير من المحبة والأمل والدعم للمثابرة. فاذا لم يدعم الطبيب المريض للمثابرة وللسير إلى الامام كل يوم ، يسقط المريض على الطريق ولا يصل إلى الهدف الاساسي وهو الشفاء التام.

ركّز سالم على هذه الامور في كتابه لأنه يعتبر ان الطب الحديث يعالج المرض ولكنه لا يعالج الانسان وراء هذا المرض. ان الطب يفشل عندما لا يرى الانسان وراء المرض. فنحن الاطباء لا نعالج أمراضًا، نعالج مرضى. نعالج انسانا مريضا. ومعالجة الانسان المريض تختلف كثيرا عن معالجة المرض بالذات. ويتكلم سالم عن الفلسفة السائدة التي تقول ان المريض يجب ان يعرف الحقيقة. وهنا يقول انه ليس هناك خلاف على الاطلاق بأن من أهم حقوق المريض معرفة الحقيقة الا أن هذه المعرفة يجب ان لا تعلو على حياة المريض؛ فالمريض هو أهم من الحقيقة. الحقيقة يجب ان تصب في مصلحة المريض وليس العكس أي المريض في مصلحة الحقيقة. ليس هناك خلاف على أهمية قول الحقيقة، الخلاف هو في كيفية قول الحقيقة. ويقول سالم إن أكبر مشكلة هي فَنُّ قولِ الحقيقة. "ان قول الحقيقة هو فن قائم بذاته ويؤسفني أن أقول أنّ هذا الفن لا يتقنه الكثير من الاطباء".

 ويتكلم سالم عن أهمية التربية الصحيّة. فهو يؤمن بان تربية المريض بالنسبة إلى نوع المرض وكيفية تصرفه ونوعية العلاج والاضرار التي قد تنتج عنه هي اشياء مهمة يجب  أن يعرفها المريض. فالمريض المثقف يهون عليه السير في طريق العلاج اكثر بكثير من المريض غير المثقف عن مرضه. ويتكلم سالم عن والده في هذا المجال ويقول انه منذ صغره كان يصغي إلى إبيه الذي كان يشدد كل يوم على طاولة العشاء على أهمية العلم واهمية التربية. في هذا المجال، يقول سالم، إن التربية هي الثورة الحقيقية لأنها هي الثورة الوحيدة التي تجعل من الانسان انسانا جديدا. أن التربية تدرّب العقل، والعقل هو الانسان.

هذا الكتاب الذي صدر حديثا هو كناية عن تثقيف صحي للمريض وتثقيف للطبيب الذي يعالج المريض. ومن أهمّ الامور التي يبحث فيها سالم في هذا الكتاب هي أهمية كرامة الانسان. ان السرطان هو مرض يختلف عن جميع الامراض لانه يدمّر كرامة الانسان. كل الامراض تمس بكرامة الانسان. الا ان السرطان يدمّرها بشكلٍ أكبر. ويدمّر كرامة أهل المريض أيضًا. من هنا أهمية اعطاء المريض الفرصة لان يعيش حياة أقرب ما تكون إلى الحياة الطبيعية. وسالم يتكلم في هذا الكتاب عن العلاج الداعم والمساعدsupportive treatment  . هذا العلاج يمنع حدوث الاضرار التي قد تنجم عن العلاج ويسمح للمريض ان يعيش حياة أقرب ما تكون إلى الحياة الطبيعية. وهناك مشكلة في الغرب إذ أنّ هذا النوع من العلاج لا تؤمّنه شركات الـتأمين. ولذلك في معظم المستشفيات والمراكز الطبية في العالم لا يُعطى هذا العلاج للمريض وبالتالي صعوبة إعطاء العلاج ضد الامراض السرطانية. فالدكتور سالم يؤمن انه من الصعب اعطاء العلاج الجيّد للسرطان دون اعطاء العلاج المساعد. لأن اعطاء العلاج الأول دون الثاني يقود إلى مضاعفات كثيرة تشكّل عقبة في متابعة المريض لمسيرته. وكثيرون من المرضى يتوقّفون عن العلاج لهذا السبب. وبالطبع من يتوقف عن العلاج، يسقط ويموت.

 ويتطرق البروفسور فيليب سالم إلى مسألة كبيرة تهدّد جودة العلاج وهي قضية شركات التأمين. ان الهدف الاساسي لشركات التأمين هو الربح المالي. أما هدفنا، نحن، كأطباء هو اعطاء الحياة. هذان الهدفان بين شركات التأمين والأطباء لا يلتقيان. لذلك يجب ان يكون هناك مراجعة جذرية وجدية في هذا المجال لمنع شركات التأمين من التدخل بقرارات الأطباء بالنسبة لمعالجة المرضى. ففي أميركا مثلا تمنعك شركات التأمين من استعمال دواء جديد لا تعرف أهميته بالنسبة إلى معالجة المرض. يقول سالم: "أنا لا أعلم ان شركات التأمين قد درست الطب. ان الذي ذهب إلى الجامعة ودرس الطب هو الطبيب. فيجب على الطبيب ان يكون حرًّا تمامًا بقراراته بالنسبة إلى كيفية التشخيص وكيفية العلاج. يجب ان نضع حدا فاصلا بين مسؤولية شركات التأمين ومسؤولية الطبيب".

 ويثير سالم في هذا الكتاب قضية حقوق الانسان. فهو يؤمن أن أهم حق للإنسان هو الحق في الحياة، الحق في الصحة. الانسان يجب ان يحيا اولا كي يتمكن من ممارسة الحقوق الاخرى  لشرعة حقوق الانسان. يجب ان نجعل من الحق بالصحة أهم حق للإنسان . فكل الحقوق التي جاءت في شرعة حقوق الانسان تتلاشى أمام حق الانسان في الحياة. هذا يعني ان جميع الدول في العالم يجب ان تؤمّن حق الانسان، كان من كان، بالصحة. إن أكبر عيبٍ على أيّ دولة ان يكون فيها المواطن غير قادر على الحصول على العلاج لأنه فقير.

يقول سالم ان هناك سببًا اساسيًا لعدم التمكّن من شفاء عدد أكبر من المرضى. ان اكثر من 90% من مرضى السرطان لا يتلقّون علاجًا علميًا جيدًا. وثانيًا حتى المرضى الذين يذهبون إلى مؤسسات تُعنى بهذه الامراض لا يتمكنوا من  أخذ افضل العلاجات لأسباب عديدة منها هيمنة شركات التأمين على قرار الطبيب، وعدم توفّر الأدوية الحديثة. بنظره ليس هناك حق للإنسان أهم من حقّه ليأخذ أفضل علاج ممكن لمرضه. القضية ليست تأمين العناية الصحية بل نوعية هذه العناية .

في نهاية الكتاب يقول سالم: لقد تعلّمت من المرضى أكثر مما تعلّمت من أساتذتي ومن الكتب. ويتوجّه إلى مرضى السرطان في العالم ويقول لهم: "هذا كتابي أضعه بين أيديكم وهذه هي نصيحتي. ان حبي وصلواتي لكم دائما".

*اسعد خوري – صحافي لبناني

صدر حديثاً: "أرجوحة بلاء" رواية فجائعية للكاتب سعيد الشيخ

عن منشورات ألوان عربية في السويد صدرت رواية جديدة للكاتب الفلسطيني سعيد الشيخ بعنوان "أرجوحة بلاء". وهي رواية اجتماعية عن عالم مليء بالقسوة. إنها رواية الحرمان والفقد والتشتت والضياع. وفي إضاءة حول العمل كتب المؤلف:" أية قرية أو مدينة في الجغرافيا العربية تصلح لأن تكون مسرحاً لأحداث هذه الرواية خلال سنوات الخمسينات إلى السبعينات من القرن الماضي.. أما عن مدى الواقعية في هذه الرواية فهي موزعة بين هذه السطور المتخيلة".
سردية فجائعية لا تنزاح عن خيط عريض من بلاء يلف حياة زوجين شابين، أحبا بعضهما وهما في دروب القرية منذ طفولتهما الناضجة. ليصطدما بالمجتمع البطريركي الذي يأخذ زمام النظام الخالي من أي منطق، بالإضافة إلى خلافات الأهل ومسلسل الثأر الذي يربطهما. ولكنهما في النهاية يتزوجان بعد أن يشرفا على الموت، ولكن على غير إرادة الأهل الذين يجدون أنفسهم في حلّ من تطبيق العادات والتقاليد المتبعة في طقوس الزواج، ويتم نفيهما إلى المدينة ومقاطعتهما. وذلك وسط إعلاء خطاب الفضيلة، ولكن على أرض الواقع ما من فضيلة يمكن تلمسها، حيث الفساد يستشري، والويل لمن يخرج عن الطاعة لأولياء الأمر.
وبعد عدة سنوات من محاولات الأنجاب تصدم الزوجين فاجعة أخرى وهي عدم الأنجاب، دون أن يكون هناك سبب واضح. وهنا تتطور أحداث الرواية بمزيد من مسلسل الخسارات، لتفرض السوداوية نفسها على مجريات الأحداث الآخذة منحى من الضربات في حياة حميد وريما بطلي الرواية. حتى يقوم السؤال بصوت عال مرة، ومرة أخرى داخل النفس "لماذا نحن وحدنا في هذا البلاء؟"
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة بالضغط النفسي يلجأ الكاتب إلى لغة التحليل النفسي لسبر أغوار عوالم الإنسان الذي تتأرجح به الحياة من كارثة إلى كارثة دون أن يلقى تعاطف من الأهل أو المجتمع. ولا يجد هذا الإنسان له من وظيفة في الوجود سوى الركض خلف الأمنية وحينما لا يدركها، تقوم وظيفته برد هجمات الهلوسة ونوبات الجنون عن عقله. لإعادة شيء من التوازن لحياة طبيعية موجودة ومتوفرة ولكن عند أناس آخرين.
ولأن أحداث الرواية كلها تقوم على غير ما هو بديهي وطبيعي في العلاقات والوظائف الاجتماعية، فيمكن اعتبار الرواية من أدب "ما فوق الواقع"، حيث يمزج الكاتب أسلوبين فنيين من الكتابة هما: السريالية والواقعية السحرية. لينتج لنا رواية صادمة، مدهشة، تتجاوز المألوف.
ومن الرواية نقتطف هذا المقطع: " وسأظل أسأل ما حييت لماذا أنا وزوجي، لماذا نحن في هذا البلاء؟ لا الطبيعة ولا العلم ولا أي شيء آخر في هذه الدنيا يستطيع أن يبدد حرماننا من الأطفال؟ هل شاء الله لنا أن نكون على هذا النحو الملعون، وحين نحاول أن نغيّر هذا الواقع بشتى الطرق المجربة ينزل الله علينا غضبه بتفريقنا عن بعضنا.
كان حميد يعيش معي وكأنّ لا شيء ينقصنا، لم أسمعه يتذمر أو يشكو، وكنت اعتبره من الجبارين. فمصابنا يهز جبالاً عالية. ولكن ما الذي حدث هذه المرة حين تلقى مني عبر الهاتف خبر نزول الدم".
يذكر أن هذه الرواية هي الثانية لسعيد الشيخ يعد رواية "تغريبة حارس المخيم" الصادرة عام 2015، ورواية ثالثة منجزة بعنوان "عين الحلوة". بالإضافة إلى صدور اثني عشرة كتاباً له موزعين بين الشعر والقصة القصيرة.

كشافة لبنان فوج حرف ارده تختتم مخيمها الصيفي في اجبع الزغرتاوية






اختتمت جمعية كشافة لبنان فوج حرف ارده، مخيمها الصيفي لهذا العام، والذي اقيم في بلدة اجبع في قضاء زغرتا لفترة امتدت حوالى عشرة ايام، شارك فيه اكثر من مئة وخمسة وعشرين عنصرا كشفيا، تراوحت اعمارهم بين السبع سنوات والخمسة وعشرين سنة، ضاق بهم حرج الصنوبر في اجبع الزغرتاوية الذي ارتدى حلة جديدة من الاشغال اليدوية الى اللوحات الكشفية التي اضفت على المنطقة جمالا.
واقيم قداس في ساحة المخيم، ترأسه المرشد الروحي للفوج الخوري يوسف جنيد، خدمته عناصر من الفوج، وشارك فيه حشد واسع من بلدتي اجبع وحرف ارده. وبعد الانجيل المقدس القى الخوري جنيد كلمة قال فيها“  هو لقاء يتجدد في كل سنة مع كشافتنا ابناء الرعية، نتشارك معا المسؤولية، ونعيش حياة كشفية بعيدا عن حياة المنزل والعائلة التي اعتدنا عليهما. اما الدوافع فهي دائما ان نكون أمناء امام من ارتضينا ان نكون مسؤلين عنهم". 

اضاف :" ان الهدف من كل مخيم او نشاط كشفي، هو ان نجدد الوعد والعهد باننا كشافون الى الأبد، وان نتعهد رغم كل الصعوبات ان نبقى اوفياء الى قائدنا الأعلى هو الرب يسوع، الذي علمنا ان الحياة الكشفية هي حب، تضحية، غفران، ووفاء، وكلنا نعي في بلدتنا، ان هناك مسؤلية مشتركة بيننا، هو ان نكون لهؤلاء الكشافون، مخلصين ورفقاء درب، وعندما تدعو الحاجة، لانهم أبناؤنا".  
واشار جنيد " الى تاريخ الفوج الطويل والحافل في بلدة حرف ارده وكل الشمال، وصولا مؤخرا ليكون على مستوى كل لبنان من خلال النشاطات المنوعة التي يشارك فيها، خصوصا لناحية الفرقة الموسيقية الاستعراضية التي ذاع صيتها في كل ارجاء الوطن”. وحث الخوري جنيد الاهالي على ادخال اولادهم في الكشاف“التي تعتبر مصنعا للرجال، وان الولد يتعلم الكثير خلال فترة المخيم اهمها كيفية التعامل مع الطبيعة، الى تقوية شخصيته، وبنيته، واكتشاف مواهبه”.
بعد القداس تحدث قائد المخيم بطرس جنيد، فشكر للاهالي حضورهم وتشجيعهم لاولادهم على الانخراط في الحياة الكشفية لانها تعتبر مدرسة في صنع الرجال، وتربيتهم على حب الله والوطن، كما شكر القادة القدامى على مشاركتهم ودعمهم المتواصل من اجل استمرار الحركة الكشفية في البلدة، والقادة الحاليين على تعاونهم من اجل انجاح برنامج المخيم. 
بعدها اقيمت سهرة نار ختامية، استهلت بانزال العلم عن الصاري، على وقع موسيقى الفوج، من ثم اقسم بعض الكشافون الجدد اليمين الكشفية، وكان استعراض بالمشاعل ورقصات وصيحات كشفية حول نار المخيم، قبل ان يقدم فيها الكشافون لمحات فنية كشفية، واستعراضات موسيقية، الى مسرحيات فكاهية من وحي المخيم. 

الصباح والمسافة في ديوان "وأنتِ وحدَكِ أغنيَة " للشاعر الفلسطيني فراس حج محمد

 بقلم: سمر لاشين/ مصر 
"كلّ شيء قد يموت إلاّ القصائد, فإنها تنمو في الجحيم كما تنمو في النعيم, تضيء مصابيحها  الخاصة في الليل والنهار, لا تحتاج لضوء غير ضوء شعاعها!".                      
"فراس حج محمد "

"وأنتِ وحدَكِ أغنيَة":
العنوان عتبة مهمة  للولوج لأي عمل أدبي, ومن خلاله يحدث انطباع أول لدى القارئ, قد يثير دافعيته للقراءة, أو العكس. العنوان هنا تم صياغته بطريقة بارعة, جعلني أقف أمامه طويلًا, عندما يضع الشاعر عنواناً للديوان "وأنتِ وحدَكِ أغنيَة", فنحن أمام قصائد موسيقيّة تلامس الروح, من المعروف أن الأغنية ما يُغنّى من الكلام ويُترنّم به من الشّعر ونحوه, وتكون الموسيقى مصاحبة له في أغلب الأحيان.
عند فراس حج محمد الأغنيّة "امرأة", إلا أن كل امرأة ليست عنده أغنيّة, إنّما امرأة واحدة خصها حين قال "وأنت وحدك" ... هنا الأغنية امرأة عاطفيّة, رومانسية, ملهمة, نقية, عذبة, ساحرة, امرأة مصنوعة من موسيقى, امرأة خاطبها في مواضع عديدة في الديوان  قائلا "أنت الشعر, أنت البحر, أنت الفجر, أنت الحضارة, أنت الزمان, أنت الكمال, أنت الغرام, أنت الوقت , أنت النور, أنت الورد, أنت العطر, أنت الحياة, أنت الصباح , أنت تفردي"، هي سيدة الروح التي ألهمت الشاعر كل الأغاني في حضرتها فخرجت منه على شكل قصائد, هذه الحبيبة السمراء أحببتها، لأنها أخرجت هذه القصائد من قلب الشاعر وروحه بكل هذه العذوبة والصدق.
الإبهار في الديوان جاء من كون الشّاعر يتحدث عن تجربة واحدة عاشها, تناولها بكل أبعادها النفسية والجسدية, وكأنه يريد أن يؤرخ هذا الفترة من حياته لتظل خالدة, فالشعر وحده من يخلد الحب. والإبهار جاء أيضاً من سلاسة الأسلوب الذي يتمتع به فراس حج محمد وبراعته الفائقة المتقنة في تطويع الفكرة وكتابتها كما يريد, بلغة رشيقة, وبألفاظ خالية من التعقيد وإن كانت عميقة في معناه, وهذا ما يجعل القصائد تجد طريقها إلى عقل القارئ وقلبه بسهولة.
عندما تريد أن تقرأ ديوان "وأنتِ وحدَكِ أغنيَة" عليك أن تمارس طقوس معينة  فهو ديوان كالقهوة مُرة ولذيذة، لا بد من احتسائها على مهل, مثلا أن تقرأه إما في الصباح مع فنجان قهوة وصوت فيروز, أو مساءً, تحديداً في العاشرة, حيث يجلس الشاعر يستمع إلى أم كلثوم, وحبيبته تستمع  إلى كاظم, ما عليك إلا أن تدع نفسك  للشاعر حين يمسك بيدك بهدوء ويدخلك إلى جو القصائد بكل مافيها من سحر وإحساس صادق وغير متكلف... انصت لروحك حينها, وستسمع الكثير من الأغاني, وستشعر بعذوبة الفرح. 
الصباح في ديوان "وأنتِ وحدَكِ أغنيَة":
الديوان بالمقارنة مع ما صدر للشاعر من قبل من دواويين, كبير نوعا ما, لذا, كان من الظلم تناول الديوان بشكل مجمل, مما جعلني أتناول محور أو جانب منه, وبخاصة أنني أبحث دائما عن المعني, لا يهمني إن كانت القصيدة موزونة أو نثرية, أو كتبت بأي طريقة كانت, المهم عندي قصيدة تشعرني بالمتعة حين أقرأها تتسرب إلى روحي بهدوء, تجعلني أحلق خارج عالمي,  تشبعني,  تروي روحي, تكون ممتعة حد الثمالة, وهذا كله وجدته في ديوان فراس حج محمد. 
هل جربت عزيزي القارئ أن تكون جزءاً من حالة, من قصيدة, أن يلامس جوارحك وصف الكاتب  لحبيبته, وكأنك تعيش معهما الإحساس بطريقة أو بأخرى, لحظة بلحظة شاهداً على تلك اللحظات من نقاء ودفء وحب؟ أنا جربت. تعال معي، ربما أستطيع أن أعطي للمعاني التي وصلتني من قراءة الديوان بعض البريق الذي تستحقه.
الصّباح هو أول النهار الفترة التي تسبق أو تلي مباشرة شروق الشمس, في الصباح كان الشاعر  دائماً على موعد مع حبيبته, لذلك خرجت القصائد بنكهة صباحية, نقية كأول شعاع ضوء للنهار, نراه يغازلها حيناً, ينتظرها, يعاتبها حيناً, وينادي عليها بكل ما أوتي من حب حيناً أخر.
عندما تكون عدد صفحات الديوان (378) صفحة، ويذكر الصباح كلفظ صريح حوالي (135) مرة  فهذا دليل على أهمية هذا الوقت بالتحديد للشاعر, وكأن هذا الوقت الذي تكون حبيبته له وحده, هو وقت يخصهما وحدهما دون العالم, كما العاشرة مساء، أما باقي الأقات فلم تحظَ بنفس القدر من الحضور والتواجد والقصائد والموسيقى, إنما كان فيها الكثير من الشغف والشوق والانتظار فقط.
ما السر في ذكر الصباح في أغلب قصائد الديوان؟ الإجابة موجودة في بدايات الشاعر في باكورة أعماله التي حملت اسم "رسائل إلى شهرزاد 2013"  وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي" وقصيدة "لنْ أندمَ ما دمتِ شهرزاد!" في هذا الديوان. 
 شهرزاد الملهمة التي كتب لها الشاعر كل القصائد من قبل، وكُتبت لها هذه القصائد أيضاً, إنها ابنة النور التي أتته ذات صباح وكيف أنها نامت بروحه, وتركته, ليظل يكتب عنها بكل هذا التوهج والنور الذي استمده منها, النور الذي يسكن روحه, في هذه القصيدة يتضح لنا سر ذكر الصباح في أغلب قصائد الديوان "ص 105 – 107"
لن أندم!
سأحتفظ بالنص الأخير والجملة الأخيرة لزمن أحفادي
سأُعْلِمُهم وأُعَلِّمُهم وأسرد لهم قصة شهرزاد ابنةِ النور التي أتتني ذات
صباح والهة مختارة!
فنامت وتركتني حتى هذه اللحظةِ أكتب!
يأتي أول ذكر للصباح في الديوان مع قصيدة "الظل القصير" من البداية يريدها "وحدها" كل صباح, وكل هنا تعني استمرارية الشيء, وهو لا يريدها هادئة أو عادية كالأخريات, بل شهية بنشوة الريح, وقوية غزيرة مثل رذاذ المطر. "ص 15" 
سأرد القصائد كلها عن باب الشعر
واحدة واحدة
لتدخلي وحدك كل صباح بنشوة الريح
ورذاذ المطر!  
من الملاحظ أن الديوان يحتوي على العديد من القصائد الغزلية, وإن لم يك أغلبها, المتعمق في المعنى لهذه القصائد يجد أن الشاعر لم يك يقصد المتعة الجسديّة بمعناها المجرد, إنما قصد إشباع روحه والتعمق في بحر الحب حد الغرق فيه, حتى ترضى روحه, أراد الحبيبة روحاً وفكراً وجسداً, الجانب الجسدي هو وجه من أوجه الحب، فهو ترجمة حرفية للمشاعر والحب بشكل ملموس, لذلك لم يهرب منه الشاعر ولم ينكره, إنما كتبه بصورة وأسلوب راقٍ لا يخدش حياء القارىء, الشاعر هنا أراد أن يصف رغبته بالتشبع من حبيبته حد ارتواء قلبه وروحه وجسده منها, في شكل أغنيات عزفها جسده قبل روحه, لتصل لنا في شكل هذه القصائد.
نجده يريد الحبيبة روحا وفكراً وجسداً في قصيدة غزلية "على أنفاسي الحرّى" حين يطلب الشاعرمن حبيبته بكل جرأة, أن تمارس معه الحب بكل الجنون الملموس, وأن تمارس كل طقوس الرقص فيه, ولا تستمع لأي موسيقى بل ترقص على أنفاسه الحرّى, الصباح حاضر أيضاً هنا, ليكتمل به كل هذا الجنون, ويكون شاهداً عليه "ص 79 – 82"
أنت لي قطعة معنى
قطعة جنة أخرى وحوريّة
وأنت فنجاني وقهوتي الصباحية
ليعبق في مداهْ
صباح الرقص يا سمراء
يسكب رشفة رشفةْ
بعمق ضياهْ!
واستعدي كل ليل كي نعاود ملتقاه! 
وقد حدد لنا الشاعر أي وقت يبدأ عنده الصباح بالضبط في قصيدة "عند السابعة" "337 -338": 
هناك عند الصباح وقت السابعةْ
كنت تغتسلين في لغتي أنا
وتتحدين في ذاتي أنا
وتبتكرين سماءك العليا معي
وتكون ذاتك مثلما أنت أنا 
نجد أن كل ما هو جميل يعني عنده الصباح فنجده  في قصيدة "لحن الغيوم" يريد الأغنية صباحية, والقبلة "قبلة الصباح"، وكأن للقبلة الصباحية مذاقا مختلفا عن باقي الأوقات, كذلك الحال بالنسبة للأغنية الصباحية "ص 177- 189":
يا ليتني طفل أنام على ساعديها
تدثرني بالضوء
ذلك المنساب من بين بينيها
يا ليتني طفل تغني لي أغنية الصباح
وقبلة الصباح
وحكاية في كل مساء لولوبية!
في الديوان قصائد ذكر فيها الصباح كعنوان للقصيدة مثل:
قصيدة "أهذا أنتِ في هذا الصباح؟"، هذه القصيدة يتضح بها حجم المسافة وحجم الاشياق وكيف تحتاجه هي أيضاً كما يحتاجها هو, وهنا من فرط حبه وشوقه لها يسأل أهذا أنت في هذا الصباح؟ "ص 223 – 224": 
وتمدّ لي حضناً ربيعياً وتحتضن المدى
كأن الصبح جاء لها
يناجي وحدها وحدي
على مد المسافة من هناكَ إلى هناكْ!
وقصيدة "شيء من صباح" يذكر الشاعر لفظ الصّباح خمسة مرات في هذه القصيدة, يتمرد من خلالها على كل الأشياء, ويعدد ما يريده من هذا الصباح, وماذا يعني له هذا الصباح الجاف, هذه القصيدة التي لم يذكر فيها الحبيبة "ص 143 – 144":  
هذا الصباح أعلنُ أنني لا أشبه الأشياء!
ولا الأشياء تشبهني!
وأنا لست الضميرَ المنفصل المغموس في خمر الأبجدية المبتل
بحلم قد تبقى من الليلة الماضية!
وقصيدة "أميرتي هذا الصباح"، هذه القصيدة ترقص فرحاً بخلاف القصيدة السابقة للصباح, لأن الحبيبة هنا حاضرة في هذا الصباح, وفي القصيدة أيضاً يذكر" كلّ عام وأنت أجمل ما في العمر "بجانب العنوان  "ص 146 – 148"
وقصيدة "صباحُكِ الآنَ"، بكل ثقة يعلن الشاعر أمام محبوبته أن صباحها هو, في قصيدة تحمل من جنون الحب الكثير والصباح عنواناً لها وبجانب العنوان (لأجل أحمرها يحلو الصباح وتغتسل القصيدة بالندى) مما يدل على غزلية القصيدة وجرأتها, لكن أعجبتني ثقة الشاعر هنا في نفسه وحب حبيبته له, وقد أطلق عليها لقب الصباح, وجعل من نفسه صباح هذا الصباح       "ص 163 – 164":
صباحكُ الآنَ شعرٌ وسطر ومدرسة وحزبٌ ووطنْ!
صدحت على سبورة الصفّ لأكتبها مع الفتياتِ والصبيةْ
مع الشعراء والكتابِ والرؤيا!
مع الأسفار والمدن العريقةِ
والمسكونِ فيّ مذ عرفتك يا صباي!
صبابتي ورضاي!
أيتها الصباحُ, صباحكِ الآن أنا!!
وقصيدة "أنتِ والصباح وبينكما أنا!"، هي هناك, والصباح هنا تحتله تفاصليها, وبينهما هو العاشق لكل تفاصيل هذا الحب, لكنه يجعل نفسه بينها وبين الصباح ليكون هو كل تفاصيل صباحها وطقوسه. "ص 180 - 182": 
صباحك قهوتي
وقصيدة مجنونة وأنا
ورحيق زهر حطه الفجر الجميل على يديك بقبلة حرى نذوب بها هنا!
وفراشة خجلى  تحدنا عند الفطور
فتضحكين من طول رائحة الجمال يعم أرجاء السنا
ويختم القصيدة بالمقطع التالي الذي يظهر كيف أنه يستمتع بهذا الحب الذي يشبه أغاني فيروز في الصباح؛ ليعكس الإحساس بالراحة والسعادة التي تصاحبها التي لا تنتهي, ولأن السعادة تقاس باللحظات فهو يشبه اللحظة التي يمران بها "هنا"   
صباحك مثل فيروز الصباح لا ينهى له وِرْدٌ
وليس يعرف قلقلةْ!
صباحك مثل هذه اللحظة أحلى ما يمر بنا هنا
فلتقرئيني كلما طلع الصباح وفرّح الوقت الغِنا!
وقصيدة "أنت الصباح الغض"، قصيدة عمودية من سبعة عشر بيتاً تحدث فيها عن حبيبته بالكثير من العظمة والإجلال وختمها بهذا البيت "ص 277 – 279": 
ما زلت أذكر عهدنا يا غايتي    :::  أنت الصباح الغض أنت تفردي
وقصيدة "صباح الخير يا أبهى ويا أحلى!!" في هذه القصيدة يصف حبيبته بأجمل الأوصاف ومن شدة حبه وشغفه بها, أرى الشاعر يقول صباح الخير لكل من مر في طريق حبيبته، وكل الأشياء التي من المتوقع أن تمر بها وكأن الشاعر في هذه القصيدة كان يغني فرحا لم يك يقصد أن يكتب قصيدة، وإنما أريد أن يعزف لحنا من فرح "ص 183 – 186":
" صباح الخير يا أنثى الغواية والهداية والحروب وسر أسرار السلامْ" 
..............
صباح الخير للعطر الجميل للمفتاحِ  للسيارة البيضاء تخطر في فتونْ
صباح الخير للشال المزركش,  للنظارة السوداء,  للقلم الحبر, للأوراق,
للدفترْ
للحاسوب, و"الشنطةْ"
وللنت الذي أوصى بها طيراً يغرد في الحنايا واستقرْ
لمكتبها وآنية الشاي,  للدخان, للزيتون والزعترْ
للكمون والخبز المعد لوجبتها عند الضحى الأشقرْ
بعض الصباحات لا تأتي هادئة أو كما نشتهي:
أحيانا حين نرسل رسالة لمن نحب فنحن ننتظر منه الرد السريع على رسالتنا, وحين يتأخر الرد أو يرد باختصار على عجل, أو لا يرد نشعر أننا لا شيء, وأن هذا الحب يسحقنا وحدنا, الشاعر في صباحاته مع الحبيبة كان يرسل لها رسائل صباحية، فيأتي الرد منها متأخراً أو على عجل وأحيانا لا يأتي الرد، فيجعله يشعر بأنه لا شيء, وأنه لا يعني لها كما تعني له، وحسبه أنه محض عاشق. "ص  128 – 131": 
أشعرُ أنني "لا شيء"
"حامض "
لم تعدْ تكتبُ لي "أحبكَ"
وأنا كما كنتُ هناك يوماً
أكتبها "اشتياقي" و"صباحي"!
أأستحقُّ "كرامتي" أم أنني "لا شيء"
"تافه "؟
لا شئتُ إذ شاءتْ
وإنّي محضُ "عاشق" 
وفي صباح أخر يشعر الشاعر بالوحدة، يبدو أنها لم تكن موجودة في هذا الصباح، فيقول إنه كما كان وحده دائما سيظل هكذا, لكنه خص الصباح وحده بطقوس هذه الوحده "وأطلق للريح روحي كل صباح". "ص 39 "
يبدو أنني سأظل وحدي
وأطل على شرفة الروح وحدي
وأطلق للريح روحي كل صباح
وحدي!
لأكون كما كنت وحدي .
كثيراً ما كان يأتي الصباح، والشاعر يحمله شغفه وجنونه بها وبخاصة إذا أتى الصباح بعد ليلة من التفكير بها, هي الملهمة التي لا يمر وقت دون التفكير بها, من رسمت ملامح الوقت وكل شيء بملامحها "ص 73 ":
أينَ كنتِ؟
الأمسُ يبحث عنك حتى الآن لم يرجع!
واليومُ لم يأتِ بوِرْدِ اليومْ!
وتوقفُ الهمس في شفتين من لغةٍ
من الرجس المقدسْ!
وَعَدْتِ ثمّ لم تأت الغزالة
لم تقضم شفاهي مع سويعات الصباحْ
برّدت ما فيها من الأعصابِ
واستمتعتِ إذ هلّ الضبابْ
الصباح حين يعصف به الحنين والذكريات , كيف يأتي النوم للشاعر في هذا الوقت وفيه ما فيه من ذكريات, تُلقي بتحايا الحنين والشوق, لكل ما كان هنا يوما ذات صباحات الحب، ولم تعد موجودة الآن، الصباح في غياب الحبيب مرٌ بطعم الحنين. "ص 117- 120": 
أتدرين أن صباحاً قد نسيناه هناك ما زال
يُذْكَر بالتحايا!
تذكري أين كنا ذات قصة غير سويّة الأضلاع
تنهش من تصبرنا غناءً دون لحن!
أتدرين أن رسالة هنا تكتبني وأنا أصيح بداخلي
أبعدُ عنها وتلحقني
سرقتني من نومة الصباح الفتية
من الصعب أن يفكر الإنسان أن من يحب, هو الآن مع شخص آخر, يمارس معه الحب بكل ما يشتهيه هو معه, في قصيدة "لعلّها... ولعلّه" بكل ما تحمله من جرأة ووصف دقيق لشكل  الممارسة المتخيلة منه, لحبيبته مع غيره, مما يعني أنها نسيته في هذا الصباح أو ربما تضحك عليه هناك في مخيلتها وعلى صباحه البارد دونها, وهنا في هذا النص الجريء تتضح العلاقة أكثر بين الشاعر وحبيبته حين يقول إنها ربما لا تقرأ الآن ولا تكتب, إنها علاقة حب عبر الورق, علاقة روحية, يتأخذ من الكتابة أحيانا لرسم علاقة كاملة روحية وجسدية، يتمنى لو عاشها يوما معها. "ص 156- 158":
لعلها الآن نائمة هناك
في هذا الصباح المخلع بالعاصفة!
يلفها بذراعيه الأسمرين
ويمد نحو رياحها بعضاً من حناياهْ! 
المسافة "الهنا والهناك" في ديوان "وأنتِ وحدَكِ أغنيَة":
دائماً ما كانت الهنا والهناك محور معظم القصائد, فالشاعر يكتبها هنا, ويتمني أن يعيشها في الهناك, وهي تقرأه هناك, وتحتله هنا. كأن المسافة بين الشاعر ومعشوقته كانت تقاس بالأغاني. ويتجسد ذلك في أكثر من موضع، سأذكر بعض منها بشيء من الاختصار:
"بعيدة وقريبة في كل آن!
فكل مسافة بيني وبينكْ
سنقطعها سوية وعدتنا اللحن والوتر
وأغنية كاظمية!" (ص 225 )
"هناك كنتِ 
فكيف أصبح الحلمُ هناكْ 
وكيف يكتبني في ساعديك هنا" (ص 187) 
"لأنكِ الآن هنا! أقربُ منّي إليّ" (ص 96)
"يا ليتها كانت هناك/ هنا" (ص120) 
"لم أجدك "أنتِ" هناكْ"  (ص 126)
"هيَ الوقتُ سيِّدةُ الوقت!" (ص 161) 
"لأكتبَ من هناك!" (ص 165) 
"أكاد أشعر من هناك إلى هنا ... تتنفسين بداخلي" (ص 203) 
"أين أنتِ؟ أين كنتِ؟ .. ليتك الآن هنا". "وأنا هناك على هناك مع الهُنا" (ص 232) 
"يا ليتك الآن هنا"( ص 238)
"ما قد يحدث هنا /ك" (ص 316) في هذه القصيدة تتجسد المسافة بينهما بكل وضوح والهنا والهناك تتضح أكثر فنجده يقول:  
" ولكن لستِ وحدك ههنا...
ولستِ وحدك ههناك
وليس غيري وغيرك ههنا
في كل ظل ورؤى
نرتل ما تضافر من أملْ! 
وقد ختم الشاعر ديوانه بقصيدة "اللحن يكتب قصة أخرى": 
وقد ذكر فيها الصباح كأنه يريد أن يقول لنا إن الصباح فيها بدأت الحكاية، وفيه تنتهي "ص 368 – 369 "
اتركي هذا الصباح كما رتبته يد القدر!
فيه الرياحُ العاتية
فيه شمس صافية
فيه بوحك والشجر
فيه خدك والقمرْ
فيه غيم أبيض الكلمات
يمشي في خفرْ
اتركيني مثل كل شيء طازج
واستفتحي لغتي بهذا المفتتح:
"وأنت وحدك أغنية".
وبهذه الجملة الخاتمة يعود بالقارئ إلى البداية مرة أخرى، فلا القصائد ستنتهي، ولا الحب سيعرف له نهاية، إنه هو القدر الذي لا فكاك منه، فكما يتجدد الصباح يتجدد الحب ويتجدد العزف والغناء لهذا الحب ولهاتيك المحبوبة الأبدية.

حالة العداء للأدب الفلسطيني : (شهادات إسرائيلية ): غسان كنفاني، عز الدين المناصرة ومحمود درويش

_ ترجمة : (محمود البنّا) : 
بتاريخ (16-2-1981)، أذاعت (وكالة رويتر) للأنباء خبراً موسعاً لقائمة من الكتب الفلسطينية، أصدرت بشأنها الرقابة الإسرائيلية(تسنزورا) ، قراراً بمنع تداولها ، من بينها روايات غسّان كنفاني ، وجميع دواوين (عزالدين المناصرة ) ، وبعض دواوين محمود درويش ، وسميح القاسم و فدوى طوقان . وقالت الوكالة نقلا عن الرقابة الإسرائيلية ، بأن أشعار (المناصرة )، تتحدث دائما عن (الألوان الأربعة) – ألوان العلم الفلسطيني، وتحرّض على العودة إلى (الجذور الكنعانية) ، ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي . وفيما يلي ، شهادات اسرائيلية تحريضية ضد ( الأدب الفلسطيني ). 
1. بروفيسور دوف شينعار : 
في عام 1982 ، لم تكن صحافة الضفة الغربية وحدها ، هي التي كشفت إجراءات الرقابة الإسرائيلية، بل كشفها أيضا صحافيون  إسرائيليون  وعالميون، مثل آموس إيلون (صحيفة هآرتس الإسرائيلية ) ، وأنثوني ليوس (نيويورك تايمز) ، وكشفوا أيضا عن إلغاء الأوامر التي أصدرتها السلطات العسكرية الإسرائيلية المحرجة ، والتي كانت قد صدرت 1977 ، ثمَّ أصدرت في أيلول 1982 ، قائمة رئيسية منقحة ، تحتوي على (1002) عنوانا، ثلثها أعمال شعرية، وقصصية ، وأدبية، وثقافية كذلك ، فإن أقل من 10% من الأعمال المراقبة ، هي كتب دينية :إسلامية ومسيحية، وفي الحقيقة أن الكثير من هذه العناوين المراقبة كانت لشعراء وروائيين وطنيين، من بينهم (غسان كنفاني – سميح القاسم –محمود درويش – عزالدين المناصرة ) . وهذا يشير إلى تشويه أهمية الأدب الفلسطيني من قبل الرقيب الإسرائيلي. إن نقد المعالجة الأدبية لمعضلة الكبرياء القومي ، في مواجهة البقاء اليومي ، ومفارقة المعالجة ، لواقع معاد ومشوش ، يثير أسئلة أكثر تحديدا، بالإضافة إلى نقد البلاغة المنمقة، المسهبة المحاكية لذاتها ، فإن التركيز العاطفي والعقلاني على الأسئلة ،حول ما إذا كان العمل الأدبي ، قد لازم الفعل ، وحول إذا ما كان بوسع المبدعين الفلسطينيين ، أن يشبعوا ميولهم الفردية في مواجهة الحاجة الجماعية ، نحو الإتزان الوطني ، السؤال الأول حول التوتر بين الحاجة  للتعبير النشيط عن المشاعر العظيمة ، والضغوطات الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي. وقد تمَّ تصوير الخيارين ، تصويرا مؤثرا . فالخيار الأدبي، تم توضيحه، أما الخيار الثاني (اختيار الفعل )، فقد مارسه : ( الشاعر عزالدين المناصرة ،والروائي غسان كنفاني ، وكمال ناصر ) الذين أضافوا إلى النشاط الأدبي، اختيار (الفعل الثوري الكامل) في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. والحقيقة أن كنفاني وناصر ،قد قتلا في عمل عسكري ، (أما المناصرة ، فما زال على قيد الحياة) ، مّما يجعل من التوتر بين الخيارين المتعارضين ظاهريا ، يجعله ملموسا بشكل أكبر.
2. إيهود يعاري و زئيف شيف: 
(كان الشباب في المناطق المحتلة ، يتبادلون المنشورات ،وكراسات الإرشاد ، والتدريب السري ، ويستمعون إلى المحاضرات في جلسات مغلقة، تعقدها الخلايا السرية . جيل كامل من الشباب الذين تربوا على نظرية النضال ، وطرقه وأساليبه، الأمر الذي جعلهم متعطشين للعمل ، فالكراسات والمنشورات التي صودرت بأيدي السلطات الإسرائيلية ،...أُتلفت، واعتقل موزعوها ، وحكم عليهم  بالسجن بتهمة التحريض، غير أن التوزيع واسع النطاق (لأدب النضال ) ، لم يكن بإمكان السلطات الإسرائيلية ، منع استمراره ، مثلما لم يكن باستطاعة السلطات الإسرائيلية، منع الشباب من حفظ أناشيد وقصائد ، (معين بسيسو ، وعزالدين المناصرة ) التي تمثل روح الصمود .

3. جريدة (الأخبار الكندية اليهودية) : 
سوف يقيم (بيت الثقافة) في مونتريال ، أمسية للشاعر الفلسطيني الخليلي- عز الدين المناصرة ، بعد ثلاثة أيام، 29-10-2000، وقد سألنا بعض نقاد الأدب الإسرائليين عن هذا الشاعر ، فقالو: إن قصائده، تحرض على (الانتفاضة) ، ضد إسرائيل ، وتدعو إلى البحث عن الجذور الكنعانية.

هوامش
¬
1. Dov Shinar : Palestinian voices, Lynne Rienner Publishers, Colorado, U.S.A, 1987- (P.124)+ (P.130+131).
2.   إيهود يعاري ( مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق ) ، وزئيف شيف (المعلق العسكري لصحيفة هآرتس الإسرائيلية ) في كتابهما المشترك : انتفاضة – ترجمة دار الجليل ، عمان ،الأردن 1990- ص49 .  
3. The Canadian Jewish News, 26/10/2000, Canada

ملحق خاص بعيد الأضحى من اصدار مجلة الاصلاح الثقافية

عرعرة- من شاكر فريد حسن ـ
أصدرت مجلة الاصلاح الثقافية الشهرية عددًا خاصًا بمناسبة عيد الأضحى المبارك، ضم عددًا من المواد الخاصة بالعيد، فضلًا عن مجموعة من المقالات والنصوص الأدبية والثقافية.
وكتب رئيس تحرير المجلة الأستاذ مفيد صيداوي تحت عنوان " عيد أضحى مبارك ": " عيد الأضحى في فلسطين يسمى أيضًا العيد الكبير، تمييزًا عن العيد الصغير وهو عيد الفطر السعيد، ومن عادات أهلنا في اعيادهم زيارة الجيران اولًا بعد صلاة العيد ومعايدتهم ثم زيارة الأقارب، وخاصة " الولايا "، وكذلك التصدق على الفقراء والمساكين ومنحهم امكانية المعايدة كالأخرين.
وأضاف : " مؤسف أن بعض هذه العادات تكاد تختفي، ويستبدلها بعضنا باطلاق المفرقعات، التي تذهب المال وقد تؤدي الى اصابات بين الأطفال أو الكبار من أبناء البلد الواحد، وقد يقوم البعض باطلاق العنان لصفارات السيارات، وهو بذلك يزيد التشويش على أهله وأبناء حيه وأبناء بلده، أو يقوم البعض ب " مفاركة السيارات " في قرانا التي تفتقر لشوارع عصرية بالأصل فتأتي هذه الأعمال بالازعاج لأهالينا، ونحن نأمل أن تختفي مثل هذه الأعمال المؤذية والمضرة لنا جميعًا".
وفي باب المقالات يكتب الأديب شاكر فريد حسن عن رحيل قمر دير الغصون د. فياض فياض، فيما يكتب د. محمد حبيب الله عن " قراءة المتعة وعصر الشاشات "، ووجدان عبد العزيز عن الشاعرة آمال عواد رضوان" أنموذج المققف الباخث عن هوية".
وفي العدد قصيدة للشاعر صالح أحمد بعتوان " رقص على قيثارة العدم "، وقصيدة " عنصرية " لجميل بدوية .
وفي زاوية معرض الاصلاح تنشر المجلة لوحة " راهب السادر " للفنان وئام نجيدات .

ضوء آخر: كتاب للشاعر شوقي مسلماني

إلى شوقي مسلماني:  
كنتَ بيننا
وعندما رفعوا المائدة
وتفرّقَ المدعوون
أعادكَ صمتٌ
لم يكفّ يوماً عن ملاطفةِ القوّة
تلك المتسرّبة من شقاءِ الفولاذ.
ـ بيار شلهوب. 
*

مِن مكانٍ وفي زمان 
بدأتْ قطرةُ الدمّ تدخل في طورٍ أوّل
وتماماً مثلما هذا يسبح وذاك يركض 
وهؤلاء يطيرون وأولئك يزحفون
وما بين الكلّ من تبادل في الأدوار 
لأنّ القسوة ولأنّ الرقّة   
و"اليومُ الأوّل يحملُ في أحشائه اليومَ الأخير" 

من مكانٍ وفي زمانٍ 
أطلّ الموتُ أوّلاً 
وهذا من أسباب تسلّطه بهمجيّة 

وكلّما اقتربَ ابتعدَ  
وكلّما ابتعدَ اقتربَ.

ــــ*ــــ

النقصُ فادح 
في نسبةِ الأوكسجين.  
**

العدَمُ 
يعملُ على أكثر مِن خطّة.     
**

اقتربتَ مِنْ مسألتكَ 
مع الذين يرمونك في الجبّ 
يتّهمونكَ أنّكَ رأس قليل 
أو موت جوّال  
أخطرُ العضّ  
هو أن تعضَّ يدَك  
يرمونك أنّك ترمي عينيك 
لسمكةِ القرش   
أخطرُ العضِّ 
هو أن تعضَّ يدَك  
وعندما تغمز 
للمخلب.  
**

"وحده الذي يخجل 
هو الإنسانُ الإنسان". 
**

الوقتُ "يويو" 
في يدِ الزمن 
صعوداً ونزولاً  
لئلاَ يشعر بالملل. 
**

الوجوه ذاهلة 
الحرارةُ فوق الأربعين 
لا قطرةَ ماء 
المشهدُ يتكرّر 
شِباكُ صيّادي السمك 
في البحارِ البعيدة 
لا تزال ترفع عظاماً بشريّة 
لا نفعَ بعدُ من رفعِ تقارير 
للجهات الحكوميّة المعنيّة 
حرائق في الوجوه 
من أثر خليطِ الملح والنفط 
من أثر نفاقِ العالم 
لا تقلْ أنّي أسأتُ فهمك 
أنّك لا تكره 
أنّ القلوبَ تقسو مرّات 
أنّك تطلق الرصاص 
فوق رؤوسِهم لترويعهم 
لجماً للإكسودس 
قلْ أنّهم لا يشبهونك 
فقط. 
**

ماذا تفعل ها هنا 
يا سليل الفراغ؟.  
**

أمّا هو فقد اندفعتْ به مظلّتُه 
إلى الناحية التي يخشاها الجميع 
حيث السباع والأفاعي والحشرات 
وعندَ زيح الأفق لا يزال قطار 
في سبيلِه بعدُ يمضي.
**

العقلُ يُسمع ويُرى  
علومُ الهندسة جوهرة  
الداءُ ليست علوم الحروب  
الداءُ في حرسِ القديمِ البالي   
في حياةٍ عاشت وماتت ولا تزال 
تمتلئ بهم وتتكاثر 

كلُّ مذاهبِ العنصريّةِ داء  
وكلُّ مذاهبِ الجشعِ والقتلِ بالتجويع. 
**

الناحيةُ أنحاء 
منها التي ولِدت 
وتلك التي لم تولد بعد.    
**

"العددُ الإجمالي 
هو 6 بليون إنسان  
نحن في مطلع عام 2000 
وكثيراً قد يبلغ العدد عام 2050 
لا أقلّ من 10 بليون إنسان  
بصمةُ كلِّ فرد تتّسع برّاً، بحراً، جوّاً 
ويقولون: "كونوا مثمرين. تكاثروا وانتشروا".   
**

الفِكرة 
الفِكرة لا الكِثرة. 
**

تدعوه إلى العقل 
يدعوك إلى علم الكلام. 
**

أيضاً أحثُكَ لتعترف 
بجريمةِ إبادةِ اليهود الأوروبيين 
ومنهم مثالاً لا حصراً 
يهود غيتو وارسو 
فلا ترجع بعدُ إلى عملكَ المشين 
ولكنّ الغريب في نمط نظام عقلك 
الذي هو صنيع نظامِكَ اللصّ 
أنّكَ لن يهدأ لك بال 
ولن يهنأ لكَ حال 
إلاّ إذا أوغلتَ أكثر في الدمّ 
تعترف بجريمة لتدبِّر لثانية 
أليس هذا ما جرى 
مع فلسطينيي غيتو غزّة 
أيّامَ أعيادِ الميلاد 
ورأسِ السنة 2008 ـ 2009؟ 
ما هو الفارق بين الموت بالغاز 
والموت بالفسفور الأبيض؟. 
**

القبضةُ 
شديدةُ التملّك  
وقاسية. 
**

رحلة 
من ذئب إلى كلب. 
**

هو حسن الحظّ  
أم سيّئ الحظّ   
إذا 
لا حظّ له؟. 
**

الحواسُّ 
غيرها في المرّة التالية.    
**

الكاميكازي 
أهدافُه عسكريّة. 
**

ليس من واجبي 
أن أجرِّعَ وطني كأس السمّ.  
**

الزبدُ 
لهاثُ البحر.  
**

الطعنةُ ذاتها 
في الموضع ذاته 
دائماً في المرّة الثانية 
أبعد غوراً. 
**

عندما تعلم 
عندما لا تعلم 
عندما كأنّك تكلِّم ذاتَك 
أو عندما تتحدّث الى أذنٍ للإيجار 
أو عندما تحتمل بصبرٍ جميل لساناً للإيجار. 
**

المهمّة جديرة 
أن تسلِّطَ ضوءاً 
على ذهاب وإياب. 
**

طبائعُ الإستبداد 
السقوطُ، الإستغلال 
السابقُ، اللاحق، قلةُ الرحمة 
الذين لا يروعهم أن تقسو قلوبُهم 
عبيدُ النخاسةِ الحديثة، ثقوبُ القديمِ البالي 
القِيمُ المتخثِّرة، الوجوه التي تقطر سمّاً.  
**

الصدفةُ 
يبحثون لها عن قانون. 
**

اقتصادٌ صناعيّ، اقتصادٌ زراعيّ، اقتصادٌ ريعيّ 
التنافسُ في الوحشيّة، المالُ السياسي، الإستغلالُ الطبقي 
حقوقُ العمّال، الضمانُ الصحّي 
حقوقُ المرأة التي على ظهرها مَجرَّة.  
**

يجب 
على هذه الديمقراطيّة 
أن ترسم قواعد اللعبة 
حتى تفوز الأقليّة 
بأصواتِ الأكثريّة. 
**

الحكْمُ بيدِ الأقليّة 
وعلى الأكثريّة أن تقتنع 
أنّها هي التي تحكم. 
**

أينما اتّجه بصرُك 
في السماوات الداخليّة أو الخارجيّة 
توجد دوائر 
قطرُ بعضِها أكثر عمراً مِنْ بعض. 
**

"جورج حبش 
ورقةُ السنديان الناعمة والجارحة 
أوّلُ الشرر، أوّلُ اللهب 
الفكرةُ التي تلت النكبة 
سار على خطى السيّد المسيح 
في أرضِ الشريعةِ وبحرِ الجليل 
كان عذباً كأنهار بلاده 
علقماً كناقفِ الحنظل في قفارِ اللدّ". 
**

"لا تستوحشوا طريقَ الحقِّ لقلّةِ السائرين فيه" 
"لا عذْر لمن أدرك الفكرةَ وتخلّى عنها" 
**

"تستطيع طائراتُ العدوّ 
أن تقصف مدننا ومخيّماتنا 
أن تقتلَ الأطفالَ والشيوخَ والنساء 
ولكنّها لن تستطيع أن تقتل إرادة المواجهة فينا" 
"أنا مسيحيّ المولد، إسلاميّ التربية، إشتراكيّ الفكر". 
**

ولا إخال كريماً يلفظ إسم الحكيم 
إلاّ مشفوعاً بالحبّ، بالتقديرِ والإمتنان. 
*

المنطِقُ الأخضر، المنطِقُ الأزرق، المنطِقُ الأصفر  
المنطقُ الأحمر، المنطقُ الرمادي 
المنطقُ اليانع، المنطقُ المانع، المنطقُ المفترِس 
المنطقُ اللطيف، المنطقُ الكثيف، المنطقُ المبحِر 
المنطقُ الطائر والمنطقُ الرمل. 
**

"وحدها القوّة إمكان المجرم". 
**

محاولات 
كلّها باءتْ بالفشل 
للجمِ هذا التردّي.   
**

"العقلُ الغائب 
لا يرى الفكرةَ الحاضرة". 
**

"الوعيُ الزائف 
أحدُ العراقيل في وجهِ الغد". 
**

والكلُّ 
خطأُ الكلّ. 
**

المسألة متراكمة  
سلوكٌ لا أعتقد أنّه صنيع رقّة 
هو صنيع آلات وخْز.  
**

كلّ جهة 
ليست أقلّ قسوة.  
**

تخرج 
مِنْ كمِّ عمرِك..  
جميعُنا ليتذكّرَك 
جميعُنا لينساك..  
ستقول 
ستصمت  
بيننا حيِّز لأمانيك 
جميعُنا مثلك  

تسمع غناءنا 
نسمع غناءك  
أينما تحلّ 
ستضيء 
وكم ستكون فسيحاً 
قاصداً كلّ جهة 

سترى الحافّةَ 
وسترى جهةَ الغد.  
**

مجنون 
في الوسط 
مِنَ حيّزٍ مأهول 
بالرمل. 
**

تحدّثني 
عن جرحٍ في يدك 
أنا طريح الفراش 
بسبب من جرحٍ قاتل 
في قلبي؟. 
**

عماء 
كلُّه 
هذا العماء.  
**

ذاتها الخَرافة 
ما أكثر العقل فيها 
ذاته العقل 
ما أكثر الخرافة فيه  
العلماءُ الطبيعيّون 
عملُهم أن يشيروا بالنصح 
لا يحرِّك ساكناً 
مثل الذي ينظر بألم. 
**

"فقيهٌ جاهل 
عملُه التستّر على الجهلِ والعجز". 
**

"نحن أبناء هذه الشمس بالتبنّي  
أمّنا شمسٌ غيرها ماتت لنكون". 
**

دمٌ على شظايا 
Unfinished Business
**

أوّل ما ستخرج 
سترى وجه الوجه. 
**

خطأ أن تكون هذه المخالب 
لم يكن من يستدرك، ميْت مَنْ لا يستدرك 
لا شلاّل فضّة، لا غزال 
لا ندى ـ شامة على خدّ وردة  
لا يد من ريش النعام.    
**

خطأ 
يتأكّد يوميّاً. 
**

كلُّ جهة 
هي جهةُ خرائب.  
**

كلّ ما أريد 
ألاّ يكون هذا الوقوع بعدُ أكثر.   
**

إنّه في صندوق منذ 17 يوماً 
إفهمْ يا بني آدم  
إنّه في صندوق منذ 17 يوماً 
"50 سنتم - 120 سنتم – 122 سنتم"  
وقبل أن يغلَقوا عليه 
أعطوه رغيفاً وقربةَ ماء   
هل تعرف يا بني آدم؟   
سأذهبُ إلى المرقّط 
حاملاً زجاجةً وكأسين 
سأشربُ نخبه وسأصيح: 
"بوركَ فيك"  

ورأسِكَ الشريف 
سأرفعُ يدِي التي تحملُ الكأسَ 
وهي اليد اليمنى بالتأكيد 
كأنّي أرفع المشعل 
وسأقولُ بانصياعٍ وفخر: 
"بورك فيك 
الشبل هذا من ذاك الأسد"  

سأصهل  
سأسابقُ الريحَ 
سأدخل عليه 
سأرفعُ يدي اليمنى إلى رأسي 
وسأقولُ لذاتي: 
"استرحْ" وسأستريح 
و"انصرفْ" وسأنصرف  
سأحلمُ أنّي أقوم بالواجبات 

هو في صندوق ليتعلّم الأخلاق  
قالوا له: 
"خذِ الخبزَ والماء 
يا مسكين رحلتك طويلة"   
ورأسِكَ الشريف 
هذا كلّ ما في الأمر. 
**

من يحقد 
انتظرْ منه دوراً. 
** 

ليس مِنْهم بعدُ أكثر مِنْ صورة   
والعنوانُ العريض في هذه الصحيفة 
يؤكِّدُ وهو ينفي 
يأخذ بيدِ رأسي إلى عالمٍ آخر 
يقول: "كلّ شيء لونه أبيض"   
أين هو المحاطُ بالعويل؟ 
أين هو برجُ الهاوية؟   
وليس لديّ غير هذه الصورة 
مهما أفعل 
في هذه الساعة المتأخِّرةِ 
مِنَ الليل.   
**

لا تعرفني 
فقط سمعتُ عنك   
أنت تجلس القرفصاء
وجهكَ محطَّم 
الآخر سلاحُه عليك  
لم أكن حبيبك 
لم أكن سياجك 
بعضُ الآخر لم يكن يجروء 
على دخول مسرح 
أو مسبح أو سينما أو مطعم 
فيه "أبيض"..       
كان يرث الرملَ 
ذاته يعوم في بحرِ دمِك 
يقطّع طوالَ الأسبوع في شرايينك 
ويوم الأحد يعزف على "بيانو".            
**

لم ينس "ألن ركمان"  
ماذا حصلَ عامَ 2003 
في رفح - غزّة 
بعينيه رأى 
وليس بعيني أحد غيره 
بأذنيه سمعَ 
وليس بأذني أحد غيره 
وكانت "راشيل كوري" تقول 
بشجرتها الباسقة: "لا، لا"..   
نحن في القرن الحادي والعشرين 
أيضاً يُهدَم دمُ "راشيل كوري" 
وتُجرَفُ أحلام 
لم ينس "ألن ركمان" 
ولن.
**

السؤال إذا "المحرقة" 
تعني أنْ يحرقوا شعباً آخر؟. 
**

مِنْ أينَ تبدأ  
مِنْ حافّةٍ في الرأس  
مِنْ فوّهةِ بركانِ الرأس         
مِنْ مكْرِ الرأس  
مِنْ كراماتٍ للرأس؟ 
   
مِنْ شظيّة  
وفي الرأس 
مَن يستأصل بدأب زهرةَ الحياة؟   

وفي الرأس ثعلب 
وفي الرأس أخرق 
وفي الرأس الخواءُ وصداه 
وفي الرأس نصفُ الرأس 
ما خلفَ ظهرِ الرأس 
وديكُ الرأس   

أم تبدأ ممّا في الرأس 
يختبئ ذعراً 
مِنْ كثيرِ ما يكون       
مِنْ بكاء  
أم ممّن يتردّد 
في أن يكون وجهاً      
أم ممّا في الرأس 
مِنْ أوبئة وكأس محطّم؟     

أمامكَ كاتم صوت 
من يفتخر أنّه ليس له صوت  
مَنْ لا ينتبه أنّه ليس له صوت 
مَنْ يصلّي لكي لا يكون له صوت  
ومَنْ أقسمَ إذا رأى صوتاً 
سيعدمه عمرَه صلباً، حرقاً، شنقاً 

وفي الطريق عيون وقحة 
تبتسم، تلدغ، تتثاءب وتنام.  
**

حتى في الأعماق السحيقة 
حيث العتمة الموحشة    
أنامل رقيقة وعيون طفلة          
وضوءٌ آخر ينبض. 
**

يعبر الغدُ 
على قدر العقل. 
**

قومٌ من الأقوام 
يفرحهم النهيق 
ويحزنُهم تغريدُ الكنار. 
**

نسي إسمَه 
حافظُ كلِّ الأسماء؟. 
**

عمّا تبحث فيما تقول  
عمّا تبحث فيما تقلق وتأرق  
فيما ترقد وتتأمّل  
عمّا تبحث وأنتَ تستعجل   
فيما ترسم وفيما تكتب 
عمّا تبحث؟.   
**

الرسّام يرسم 
وبعد وقت سيفهمون 
أنّه يسبقهم إلى أصل الحكاية 
التي لها حكاية 
لها حكاية. 
**

عمّا تبحث 
عندما تدمع حزناً أو فرحاً  
عندما تشير إلى جهة 
عندما تكاد تختنق  
عندما بأعلى صوتك تضحك 
عمّا تبحث؟.  
**

التشظّي 
في الإتّجاهات كافّة. 
**

لا فراشة 
لإنعاش الطقس؟.
**

جهةٌ عملها دفن موتى 
جهةٌ لا تفضّ التباساً 
جهة لا أحد له علاقة بها 
ولا هي لها علاقة بأحد 
جهة لم تولَد بعد  
جهةٌ محمّلة بأكياس الفراغ 
الحصَاد يسجّل رقماً قياسيّاً 
الأكياسُ تكاد تتمزّق 
جهةٌ فوق وحركةٌ تحت 
جهةٌ تمرّ وقلّما يلاحظ أحد 
ومع ذلك يركبها شيطان 
كلّما وقعتْ عينها عليه 
وجهة خرجتْ ولم تعد.
**

الشرارةُ 
حظُّها عند ذروة جبلِ المعارِف 
تاجٌ على هامةِ جليلِ التراكم 
وجليلِ النوع 

الرأسُ كما أراه 
جهةٌ للإستعداد 
جهة لتسجيلِ هيئةِ الحقيقي 
وليس الذي يعبر 
جهةٌ تنظر بعينين 
ذات قدرة على القطْعِ والوصْل 
وعندها الطبول 

ليست المسألة في التكافؤ 
بل هي في شرفِ المحاولة. 
**

لا مكان 
لمن لا رأس فيه. 
**

تلك محاولة 
المشهدُ غيره في كلِّ حقبة 
السببُ هو الكسور في رأسِ الدمّ.  
**

ذهاب وإياب 
كلمة معتبَرة وكلمة عابرة 
الأرض تدور والمغزل يدور 
وذهاب آخر وإياب آخر. 
**

أقدام مكسورة 
أقدام ثابتة، أقدام بلا أقدام 
عيون أسيرة، عيون خلفَ عيون 
أوجه مالحة، أوجه حلوة 
أوجه منتصِرة وأوجه مُسِمَّة.  
**

جميعُهم نظرٌ أبعد 
قائمون على خدمة تائه 
واسترضائه 
منهم الذي صار مروحة 
ملطِّفاً من سطوةِ الحرّ 
منهم الذي صار خزانة 
تحفظ أشياءه 
منهم صار نقوشاً 
تُذكِّرُه أنّ الحياة فنّ 
ومنهم للمرور،  للأشجار، للطيور 
للسماء الزرقاء الهائلة الثمينة 
ومنهم صار هاتفاً 
لئلاّ يشعر بالعزلة 
والذي صار سريراً 
يسهر لراحته 
من انكسارِ ظهرِه. 
**

كأنّما لكي يقعَ الآخرُ 
في فخّ الحيرةِ أيضاً.  
**

ويكون ذاته ويكون غيره 
ويكون صائباً ويكون مخطئاً 
مقيماً – عابراً وغابراً 
وأينما تلتفت 
جريء وخانع، مودّة وجفاء 
صديق وعدوّ..  
الرائي، القمّة، الحضيض 
الآهل والمهجور..  
وهو الصوت.. ويمضي. 
**

يراك ـ تراه 
يُحاصرك ـ تدفعه 
تحاصره ـ يدفعك 
يُفرِدُك ـ تُفرِدُه 
يقتل فيك ـ تقتل فيه  
والوقتُ ليس بعدُ هو ذاته 
الضوء ليس بعدُ هو ذاته  
كلّها قصص وحكايات.. رميم.  
ـــ**ــ

في النفق
ليلٌ طويل
ينام.
ــ ** ــ 
ـ "كلّ ما بين مزدوجين منقول". 
_ "ضوء آخر" \ الطبعة الأولى سنة 2015 \ دار الفهد للنشر والتوزيع.