ديوان العرب تكرم عددا من رواد الأدب، والفكر، والثقافة في القاهرة

تقوم ديوان العرب بتكريم عدد من رواد، ورموز الأدب، والفكر، والثقافة في قاعة محمد حسنين هيكل في مبنى الأهرام الرئيسي في شارع الجلاء يوم الجمعة ١٢ نيسان أبريل ٢٠١٩ في الساعة الخامسة مساء.
وسيتم هذا العام تكريم كوكبة من رموز، ورواد الأدب، والفكر، والثقافة من أجيال مختلفة، بعضهم رحلوا عن عالمنا تاركين تراثهم الثقافي بيننا، وآخرون ما زالوا ينيرون لأجيالنا طريق المستقبل.
بهذا التكريم المتجدد تكون قد جمعت جيل الأجداد، والآباء، والأحفاد في باقة واحدة تزين بها ساحتنا الثقافية، وتؤكد بها على أنها لن ننس مبدعينا، ورموز ثقافتنا.

المكرمون هذا العام هم

المبدعون الراحلون

١ الدكتور عبد العظيم أنيس، مفكر، وناقد أدبي، وباحث في التراث العلمي العربي.
٢ الروائي أبو المعاطي أبو النجا، أديب، وروائي.
٣ الدكتور أبو بكر يوسف، كاتب ومترجم الأدب الروسي للعربية، مصر.
٤. الكاتب، والصحفي عبد العال الباقوري، مصر.

المكرمون الذين ما زالو يتحفونا بإبداعاتهم.

١ الروائي صنع الله إبراهيم، مصر.
٢ الدكتور على القاسمي، باحث وعالم لغوي، العراق.
٣ الباحث رفعت السيد أحمد، مدير مكتب يافا للدراسات، مصر
٤ الدكتور أحمد بلحاج آية وارهام، شاعر، وناقد أدبي، وأكاديمي مغربي،
٥ الدكتور علي نسر، ناقد أدبي، وباحث، وشاعر، لبنان.
٦ الوائي صبحي موسى، مصر.
٧ الكاتبة، والصحفافية أمينة النقاش، رئيس تحرير الأهالي، مصر.
٨ الباحث أحمد الدبش، باحث فلسطيني في التاريخ القديم.
٩ الشاعر سمير عبد الباقي، مصر.
١٠ الروائية بهيجة حسين، مصر.
١١ الشاعرة زهور العربي، شاعرة تونس.
١٢ الشاعرة رولا عبد الحميد، سورية.
١٣ الكاتب إبراهيم مشارة، كاتب جزائري.

دوائر ثريا وقاص

بقلم: زياد جيوسي ـ
    شذرات.. هكذا اطلقت أ.د. ثريا وقاص على بوح روحها في كتابها الأدبي الأول " الدائرة في المنتصف"، وبمجرد اطلاعي على الكتاب كنت اهمس لنفسي: ثريا تتألق في نصوص عابرة للتجنيس، ولفت نظري العنوان الذي وضحته في الاهداء لروح والدها بأن روحها مستمرة بالدوران حول دائرة الغياب لولا وجود أمها "التي ما تنفك ترتب دقات القلب"، وحين قراءة الكتاب نجد ثريا تدور حول مجموعة من الدوائر، ففي دائرتها الأولى "دائرة القلب" التي وصفت بها الأحبة والأصدقاء بصناديق الذكريات فإن غابوا تبعثرت الذكريات ولكنها فعليا في دائرتها الأولى لم تخرج عن أسرتها: ذكرى الأب وروعة الأم واحتياج الأخت  والأخ، وحين نغوص بهذه الشذرات نشعر أننا نستمع لترنيمات يتلوها القلب بخشوع وقدسية في محراب تعبد، ولعل الاعتراف بالعلاقة بالكتاب الذي كانت تكرهه بطفولتها لأنه يستلب اباها منها، لتتحدث باعتراف لماذا تقرأ وتقول أنها تقرأ من أجل استعادة احاسيس قديمة وضحكة أباها وبعض الطفولة، لدلالة على التحليق الأقرب للتعبد في شذراتها.
   من الأسرة تنتقل إلى الصداقات التي افتقدتها في نفس دائرة القلب، فالصداقات كما الأسرة مزيج من مشاعر تجتاحنا وأحيانا لا نجد لها تفسيرا فهي ترى أنه بدون الصداقات لا تكون الحياة ممتعة، فنحن نحتاج إلى كتف صديق نضع رأسنا عليه لنرتاح قليلا، ولكنها تتألم أننا نفقد الكثير من هذه الصداقات فجأة، إما بالغياب أو أنها تضيع دون إدراك ولا انتباه كما طفل يفقد لعبته دون أن يشعر بذلك، ولكن في جانب آخر فهي انتقائية في مفهوم الأصدقاء فلا ترغب بكثرتهم فتقول: "الذين يملئون حياتهم أصدقاء خوف من الوحدة..ينتهون وحيدين"، وأحيانا تشعر بضعفها أمام صديقاتها اللواتي يغيرن برامجها بابتسامة لا تملك إلا أن تلبيها ولكنها بعد ذلك تشعر أن صديقاتها خطر عليها.
   في 23 شذرة في دائرة القلب نرى أن الكاتبة مشدودة لروح الأب أولا وللأسرة ثانيا، ولكنها حين تنتقل للأصدقاء والصديقات تمر بحالة نفسية مختلفة بين ضرورة الأصدقاء والصديقات، وبين الانتقائية والرفض الداخلي في روحها، ولكنا في نفس الوقت تجد التلقائية في التعبير عن روحها وشذراتها، بينما حين ننتقل للدوائر الأخرى سنجد تعابير أخرى ففي الفصل الثاني من بوحها: (دوائر.. دوائر)، نجدها تعلو الكلمات بعبارة تقول فيها: "ما يقلق اليوم ليس أن نفقد بعض أوهامنا، ولكن أن لا نجد ما يعوضها"، وهذه العبارة دلالة على الخوف الكامن في الروح وحجم التشاؤم والذي سنراه جليا حين نجول دوائر.. دوائر، وفي 15 شذرة سنرى حجم الخوف الذي يسود روحها، فالقيم تتغير ومفهوم الوطن أصبح مخيفا، والخوف من الحرب يسود الحياة، والخوف من الغد لا يتوقف، والضمير أصبح مثقوبا قذرا، حتى أنها تشبه الناس في الأوطان كالغاضب وحده في السوق، لا يعرفه أحد ولا يهتم بغضبه أحد، وأصبح التعامل مع الوطن كما التعامل مع الأشياء عديمة الفائدة، يتم رميه عند أول تأشيرة سفر أو تذكرة طائرة، وفي ظل هذه الصورة السوداوية التي تمر بها تظهر بارقة أمل واحدة  وهي رغبتها أن يقول من تصفه الساهم الكئيب الذي يصغي كل يوم إلى كوارث العالم، رغبتها أن يقول لها كلمة أحبك لينتهي الحزن وتستحي الحرب وترحل وتعود العصافير للأشجار، ولكن في ظل هذا الكم الكبير من فقدان الأمل والتشاؤم الذي لا حدود له من الواقع المحيط، هل يمكن لهذه الكلمة أن تغير المسار المعتم؟
   من التشاؤم المغرق في السوداوية تنتقل بنا الكاتبة إلى دائرة جميلة العنوان "دائرة الحب"، ولكنها تستبق شذراتها عن الحب بعبارة: الحب مكونة من حرفين ومجنونين، وهذه العبارة وحدها كافية لتحطيم كل ما يمكن تخيله بمشاعر الحب من سمو وإنسانية وتحليق روح، وفي 23 شذرة باحت بها روح الكاتبة نجد حجم التناقض في الإحساس بين شذرة وأخرى، وفي مفهوم الحب الذي نجده محلقا مرة وعابر سبيل في أيامنا هذه، تحلم بحب يكون عظيما حين يكون بدون مقابل، بينما في شذرة أخرى ترى أن الحب سباق شيق بين اثنين للوصول إلى الملل، والحب مسيرة نحو المتاعب تنجرف لها القلوب لتصل في النهاية الى فكرة أنه لا يوجد حب حار وحب فاتر، فقط هناك حب أو لاحب، وهذا يذكرني بقصيدة نزار قباني التي يقول فيها: "اختاري الحب أو اللاحب فجبن أن لا تختاري، لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار"، وهذه المفاهيم المتناقضة في الحب حيرتني، فهل هي انعكاس لتجربة تركت أثرها وندباتها، أم هي رغبة بالحب يسودها الخوف الذي يلجم المشاعر؟
   "استدارات لطيفة" هي الدائرة الأنثوية في الكتاب حيث تروسها بعبارة: "كل النساء جميلات دون أن يعلمن ذلك، وحدهم الرجال ينبهوهن أو ينسيهن ذلك إلى الأبد"، وفي هذه الدائرة المفتوحة نجد عبر 13 شذرة حكاية المرأة وكيف تفكر وكيف تصاب دوما بخيبة الأمل وصعوبة فهمها مهما اقترب منها الرجل، فقد شبهتها الكاتبة بالبيت بغرفه المتعددة وكل غرفة لها استخدام، الاولاد، المطبخ.. الخ، ولكن في كل بيت غرفة تحتوي على الركام والأشياء التي استهلكت، ومن يريد أن يفهم المرأة عليه أن يدخل إليها في هذه الغرفة، وبالتالي فكأن الكاتبة توحي لنا من خلال تناقض مفهوم المرأة وماذا تريد، أن لا إمكانية لفهم المرأة.
   في "دوائر ناقصة" تبدأ الحديث للآخر بالقول: لماذا تصر هكذا على الغياب؟ اظهر قليلا.. إظهر كي أرى جيدا عيوبك.. وفي 13 شذرة تدور أفكار الكاتبة عن الغائب الذي رحل بدون أن ينظر للخلف، فتصف مشاعرها بألم شديد ولكن بأسلوب عاطفي جميل، فدوائرها ناقصة في ظل غياب الآخر وعدم اهتمامه بمن تركه، فهي ترى أنه حتى إن عاد سيكون شخصا آخر، وهي التي قدمت كل شيء وتركت كل ماضيها خلفها، وفي لحظة قرر الغياب فهي هنا تتمنى أن يظهر من جديد ليس لكي يعود الحب بل من أجل أن تكتشف عيوبه أكثر.
   من ألم الغياب تعود الكاتبة في شذرات جديدة بلغت 11 شذرة إلى "دوران حول الطفولة والذكريات"، ولكنها مسبقا تطالب أن لا نحتفظ بكل الذكريات القديمة كي لا تعيق المسير للمحطة القادمة، فتستعيد ذكريات الطفولة وحكايات الأباء والأجداد والجدات، ولعلها تلخص كل ذلك بالقول أننا حين نكون أطفالا نحلم أن نكبر، وحين نكبر نحلم أن نعود أطفالا، لتنقلنا بعد جولة ذاكرة الطفولة إلى 15 شذرة من "حلقات الزمن المفرغة" حيث "تسير السنوات عمياء على رصيف العمر وقلوبنا عكازتها البيضاء"، فترى أن الزمان يمر بنا تاركا آثار حبه على أجسادنا كلما تقدم بنا العمر، "وكأن الوقت الذي يفترسنا بدون رحمة صديقنا الحميم" في فلسفة جميلة للتعايش مع الزمان والوقت والتقدم في العمر، وفي نفس الوقت ترى أن نعيش جمالية اللحظة فكل ما يمكن أن نلهث من أجل بناءه لن نتمتع به في المستقبل.
   لعل ثريا وقاص في دوائرها تصر أن ترى الكثير من الألم والتشاؤم أكثر من رؤية الفرح والجمال ففي "تناقضات دائرية شبيهة بالحياة" تلخص الفكرة أعلى شذراتها بالقول: كم هي كثيرة أسباب الخير، كم هي وخيمة نتائج الشر، ونختار الشر لأننا لا نحب الخير لأحد"، تجول في هذه الفكرة في 23 شذرة ورغم كل ذلك نرى أنها ترى الخير موجود في بعض القلوب، "فالنور الذي وضعه الله في قلوبنا لا يمكن ان تطفئه كله أفعالنا"، وترى أن الكلمة الطيبة تعود كالصدى مهما كانت خافتة، ومن هنا ورغم التعميم في أعلى هذه الشذرات وحجم التشاؤم الا أن هناك بصيص من حب وجمال.
   تختتم ثريا وقاص دوائرها في "الدائرة المفتوحة على الحلم" وفيها تبحث عن وجه آخر من الجمال في الحياة، وهذا نلمسه بالفكرة الموجودة في بداية هذه الدائرة قبل أن تنقلنا إلى شذراتها، حين تقول: "الكتب من الشجر الأخضر، ومنذ أن قللنا من شراءها نقص الهواء من بيوتنا"، وهذه مقدمة رائعة تلخص أن الكتاب هو الموجه وهو رفيق الحياة فكلما قرأنا كتابا شعرنا ان يدا تزيح ترابا تراكم على اكتافنا، فهي كأنثى ترى أن أجمل كتابة هي التي تكتب عن الحبيبة فتغار منها كل النساء، وأننا كي نجد أنفسنا علينا أن ننسلخ عن ذاتنا حين نكتب، وتجول معنا بنفحات روحها وشذراتها التي بلغت 14 شذرة في عالم الكتاب والشعر والكُتاب والشعراء بجمالية أقل ما يقال عنها: حلوة..
   وبعد هذه الجولة في دوائر ثريا وقاص المعنونة الدائرة في المنتصف، نجد أسلوبا قريبا من الشعر والشاعرية في حروفها، وهي شذرات أو كما قلت في البداية ترنيمات أقل ما يقال بحقها أنها جميلة وتشد القارئ، ونرى أن الكاتبة في شذراتها الجميلة كانت تجول في النفس الإنسانية بتناقضاتها، ومن يريد أن يقرأ ثريا وقاص فعليه أن لا يقرأ الشذرات على عجل أو كما هي مرسومة بالكلمات، بل أن يقرأ الروح خلف الكلمات كي يخرج بمفاهيم جميلة للحياة، فرغم الإحساس الأولي بالكثير من الألم والتشاؤم والتناقض الذي يسود روح الكاتبة، إلا أن القراءة المتأنية تكشف حجم الفلسفة بالدوائر التي لم تكتمل، فالدائرة المكتملة للحياة والتي نعيش من خلالها هي التي في المنتصف، وفي هذه الدائرة التي تمثل الحياة بتناقضاتها كما رسمتها ثريا وقاص، سنجد أن الله وهو واحد أحد خلق الكون على مبدأ الثنائية، فمقابل الكره يوجد الحب ومقابل الصحة يوجد المرض، فلماذا لا نبحث عن الوجه الإيجابي في كل شيء؟

نسرين ستودة تفوز بجائزة كورت طولوخوسكي 2018

إعداد وترجمة عادل محمد ـ
أعلن الموقع الإلكتروني للرابطة القلمية السويدية، على شبكة الإنترنت، عن منح الجائزة الخاصة لرابطة سويد القلمية (PEN) لعام 2018، للمحامية السجينة والناشطة الإيرانية في مجال حقوق الإنسان نسرين ستودة.

وذكرت رابطة سويد القلمية في حيثيات منحها الجائزة للحقوقية والكاتبة الإيرانية، نسرين ستودة، أن ذلك بسبب شجاعتها ونضالها المتواصل ودفاعها عن الأصوات المعرضة لخطر "الرقابة والإخماد في إيران".

يشار إلى أن جائزة طولوخوسكي القلمية، تمنح يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، من كل عام،  للكتاب والصحافيين المناضلين السجناء، وخصصت الرابطة هذا اليوم باسم "الكتاب السجناء".

وكان طولوخوسكي صحافيًا، وعضوًا في الحزب الاشتراكي الألماني المستقل، وقد ألغيت جنسيته الألمانية بسبب يهوديته وكونه صحافيًا، بعد وصول هتلر والحزب النازي في ألمانيا للحكم، كما تم نفيه إلى السويد.

وتوفي طولوخوسكي، قبل الحرب العالمية الثانية، بسبب أخذه كمية كبيرة من الأدوية في مستشفى في السويد، حيث يعتقد البعض أنه انتحر.

وقد حصل على الجائزة نفسها قبل ستودة فرج سركوحي، وناصر زرافشان. أما نسرين ستودة  فهي محامية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، وتقبع في السجن منذ يونيو (حزيران) الماضي. 

وكانت ستودة قد دخلت في إضراب في السجن منذ يوم 25 أغسطس (آب) الماضي، وحتي 3 أكتوبر (تشرين الأول)، احتجاجًا على وضع بعض السجناء السياسيين، مثل فرهاد ميثمي، الناشط في مجال حقوق الإنسان.

​نوروز السجناء السياسيين
مطالب أمهات وزوجات وأزواج السجناء

في الأيام  الأخيرة من العام 2018 ،وخصوصاً بعد صدور الأحكام الشديدة من جانب السلطات الأمنية الإيرانية  ضد السجناء السياسيين وسجناء الرأي،  شدّ انتباه الرأي العام ظروفهم المريعة في السجن بعد اتهامهم لآرائهم المعارضة مع حيثيات أحكام البلد. فأمكانية الحصول على محكمة عادلة ونزيهة أصبح أمرًا مستحيلاً منذ فترة طويلة، ناهيك الحصول على خدمات طبية ومنع زيارة الأهل لهم.

لقد قام الكثيرون بوضع صورة "نسرين ستوده" على مائدة النوروز كإضافة "السين" الثامنة على السين السابعة . كما بادر البعض بالتضامن معهم بأساليب مختلفة بصفتهم مدافعين حقيقيين للحقوق المدنية الإنسانية .

علماً بأنه لم يتم الموافقة على منح أياً منهم إجازة النوروز. وخلت قائمة عفو المرشد من أسماء السجناء السياسيين .

 أدعوكم لسماع مطالب مجموعة من عائلات السجناء السياسيين الموجهة إلى الشعب والمسؤولين، حيث انتخبوا تلفزيون "من وتو" من أجل الإعلان عن هذه المطالب.  


 ​بافيديو.. تضامن نساء إيرانيات مع نسرين ستوده في مترو طهران

​صور نسرين ستوده وسپيده قُليان واسماعيل بخشي على مائدة النوروز

اعمال تطوعية في قرية مصمص


مصمص – من شاكر فريد حسن ـ

شهدت قرية مصمص في طلعة عارة ، اعمالًا تطوعية وفعاليات متنوعة بمواقع مختلفة من البلدة ، وذلك كتقليد سنوي على شرف يوم الارض منذ ثلاث سنوات ، تحت عنوان " انا لبلدي " ، وكإسهام في نشر وتعميق روح وقيم العطاء والتطوع ، وذلك بمبادرة جمعية " رم " التطوعية الثقافية ، وبمشاركة متطوعين ومتطوعات من الاهالي والسكان ، من شتى الاوساط والقوى الشعبية والسياسية .

وخلال هذا اليوم ، تم تنفيذ سلسلة من الاعمال التطوعية المختلفة ، من ضمنها تنظيف الشوارع وسد حفر اسفلتية في شوارع القرية وطلاء عدد من الجدران وتجميلها بلوحات ورسومات فنية ، وتنظيف المقبرة وصيانتها وازالة الاعشاب الضارة وغرس ورود في اماكن متفرقة ، بالإضافة على تنظيف المساجد وغير ذلك .

كما وأقيم على شرف هذا اليوم ، محطات وانشطة منوعة كمحطة للتبرع بالدم ، وجمع ملابس للمحتاجين ، وفعاليات ثقافية وفنية  ، منها عرض مسرحي لأيمن نحاس بالتعاون مع جمعية مساواة  بالمركز الجماهيري .

من السّجن إلى حيفا يمضي باسم خندقجي




إعداد: آمال عوّاد رضوان ـ
كرضيعٍ مُوجَعٍ يَحتفون بهِ، وأمُّهُ ما زالت طريحةَ الفراشِ في المشفى، بين قضبان الموت والغياب وأصفاد الحياة والعذاب!؟ هي إبداعاتك بين أيادينا نحتفي بها، يا المبدعُ باسم الخندقجي، لكَ ولكلّ أسرانا البواسل تحيّةَ مَحبّةٍ وتقديرٍ لقلوبِكم النّقيّة، مِنّا أدباء وقرّاء، من حيفا وعكّا والناصرة ويافا والجليل الأشمّ، والمثلّث والنّقب الصّامد، ومِن حنايا بلدنا العتيد التليد- لكم المجد والحياة والحُرّيّة والوطن. 
برعاية المجلس المِلّيّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ/ حيفا، أقامّ نادي حيفا الثّقافيّ أمسيةَ للأديب الفلسطسنيّ السّجين باسم الخندقجي، في قاعة كنيسة ماريوحنا المعمدان في حيفا، بتاريخ 21-3-2019، وسط حضور من الأدباء وذوّاقي الكلمة، وقد ازدانت القاعة بلوحات فنّيّة لكلّ من الفنّانتيْن أصالة حسن وصبحية حسن، وبعد أن رحّبَ المحامي فؤاد نقارة رئيس النّادي بالحضور وبالمُتحدّثين، وبالمُحتفى به الّذي تعذر حضوره ورواياتِهِ، تولّت عرافة الأمسية عدلة شدّاد خشيبون، وتحدّث عن روايات باسم الخندقجي كلّ من: د. أليف فرانش بمداخلةٍ حول: خسوف بدر الدّين الدّوران والتّأرجُح بين الأقطاب، ومداخلة د. جهينة خطيب بعنوان: مقاربة نقديّة في الخطاب الصّوفيّ لشخصيّتين صوفيّتين: في رواية خسوف بدر الدّين لباسم خندقجي ومسرحيّة مأساة الحلّاج لصلاح عبد الصّبور، ومداخلة د. عادل الأسطة بعنوان: سطوة الشّاعر باسم الخندقجي في "نرجس العزلة"   قرأتها ريتا عودة، ثمّ تمّ التقاط الصّور التّذكاريّة!
مداخلة د. أليف فرانش بعنوان: خسوف بدر الدّين- جدوى الدّوران والتّأرجُح بين الأقطاب
بدايةً، أباركُ للأمّهاتِ في عيدِهنّ، راجيًا أن تكونَ الفصولُ ربيعًا دائمًا بما نَمنحُ ونُمنحُ، وقبلَ البدءِ بتناول الرّواية نفسها، أودّ الإشارةَ إلى بعض النّقاط العامّةِ الّتي ترتبط، بطريقةٍ أو بأخرى، بالعملِ الرّوائيّ ذاتِه.
1* لا شكّ أنّ هذه الرّوايةَ تصطفي في مراتب الأعمال الرّوائيّة الفلسطينيّة الّتي استطاعَ كاتبُها أن يفيدَ من تقنيّات العملِ الأدبيّ، وأنْ يُجنّدَ هذه الأساليبَ في سبيلِ الوصول بعملِهِ الأدبيّ إلى هذهِ الهيئة الأدبيّة.
2* نلمح، لا سيّما في الآونة الأخيرة، نزعةً لدى أدبائِنا الفلسطينيّين، في التّعريج على التّاريخ بشكلٍ عامّ، والتّاريخِ الصّوفيّ بشكلٍ خاصّ؛ أذكرُ على سبيلِ المثالِ روايات: راكبُ الرّيح ليحيى يخلف، الصّوفيّ والقصرُ لأحمد رفيق عوض، ولا ننسى تجربةَ شعرائِنا محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما، في اعتمادِ التّوجّهِ ذاتِهِ في الشّعر، خاصّةً الأشعار المتأخّرة؛ ولهذا أسبابُهُ، ففي هذا التّعريج والاستخدامِ خطابٌ يرنو إليهِ أدباؤُنا، يجدونَ في الحُلّةِ الصّوفيّة، أو المُرقّعةِ الصّوفيّة، إن صحّت الاستعارة، إطارًا يفيدون منه.
3* يتطلّبُ هذا المَنحى جهدًا كبيرًا مِن المؤلِّفِ الّذي يخوض في عالمٍ واسعٍ جدًّا هو عالمُ الصّوفيّة، إضافةً إلى دراسةِ التّاريخ. في هذا التّوْليف إنجازٌ كبيرٌ، لكنّ هذا الإنجازَ يتطلّبُ جهدًا مَهولًا، فبُورِكَ أصحابُه.
في محاولةٍ لرصدِ بعضِ الحركاتِ في "رواية خسوف بدر الدّين" أشير بدايةً، إلى أنّ الرّوايةَ تستحقّ دراسةً سأسمّيها في هذا المَقام بالدّراسة النّورانيّة، لتِبيانِ انعكاسِ المفاهيمِ الصّوفيّةِ فيها، وتَحليلِها وِفقَ الأنساقِ الصّوفيّةِ كوْنَها زاخرةً بها، وهي دراسةٌ لن تَفيها الدّراسة الأدبيّة النّقديّة اللغويّة كاملَ حقِّها. فقد دأبَ باسم خندقجي على تذويتِ المُعجم الصّوفيّ في بنيانِ الرّوايةِ ونسيجِها. ومنها المَنهجُ العرفانيّ الّذي يعتمدُهُ مَسارًا في بناءِ شخصيّةِ بدر الدّين: وقد اعتبرَ العرفانَ أحدَ المناهج المُتّبعةِ في الوصول إلى الله، إلى جانبِ المَنهج العقليِّ والمَنهجِ النّقليّ أو النّصّيّ. ويُفارقُ المنهجُ العرفانيُّ غيرَهُ مِن المناهج الآنفةِ الذّكر، أنّهُ لا يعتمدُ في إنتاجِ مفاهيمِهِ على العقل، ولا على ظاهرِ النّصّ الدّينيّ، بل يُرجعُها إلى الإلهامِ والتّلقّي مِن مَصدرٍ مُتعالٍ. فالمعرفةُ حسبَ طرائقِ العرفانيّةِ تَنشأُ عن مُكاشفةٍ وعيانٍ، لا عن دليلٍ وبرهان.
يمكنُ قراءةُ هذه الرّوايةِ بتوجّهاتٍ عدّة، والتّركيزُ على نَواحٍ عدّةٍ فيها أيضًا. اخترت، هنا، التّركيز على حركيّةِ الرّواية، وهي حركيّةٌ أسمَيْتُها بـ:”الدّوران وَالتّأرجُح بين الأقطاب"، وفي هذه التّسمية توازٍ بينَ حركةِ العملِ الرّوائيّ، وبينَ حركةِ المريدِ الصّوفيّ في دورانِهِ وتأرجُحِهِ واتِّباعِهِ أقطابَ المعرفةِ اللّدُنيّةِ والنّورانيّة. فكما يدورُ الصّوفيُّ دوْرتَهُ تدورُ أحداثُ الرّواية، فيتركُ بدرُ الدّين سماونة مسقطَ رأسِهِ، ويجوبُ بلدانَ العالم مُتأرجحًا بينها، لكنّه يعودُ إلى هناكَ بحركةٍ دائريّةٍ كدوْرةِ الصّوفيّ. في سيماونة يبني مَجْدَهُ، يقول ص304: "ها أنتَ قد عدتَ إلى سيماونة شيخًا، لا بل مُعلّمًا، لا بل ثائرًا، بل ممسوسًا"، ويدورُ بهِ القدَرُ والزّمنُ فينهارُ المجدُ، بخسوفِهِ بدرًا مِن النّور إلى العتمةِ، في دورةِ الزّمن تنهارُ مملكتُهُ، وهي أشبهُ بالكومونا الّتي يبناها ثوّار إبّان الثورة الفرنسيّة، أو اليوتوبيا وفقَ الأيديولوجيّة الاشتراكيّة الشّيوعيّة، حتّى وإن بدا التّوازي بينهما عسيرًا. أمّا الدّوران الأكبر فهو في عنوان الرّواية: خسوفُ بدر الدّين، ففي خسوفِ القمرِ حركةٌ دائريّةٌ أدّتْ إلى حدوثِهِ، ولولا الدّوران لربّما بقيَ الخسوف، أو لربّما ما كانَ أصلًا. لهذا فالرّوايةُ تقومُ على حركيّةِ الدّوران وما يَحملُهُ مِن تغييرٍ قد يكونُ ذا حدّيْن، ويبقى السّؤال: هل هناك مِن جدوى للدّوران، أم أنّ الجُمودَ أفضلُ في بعضِ الحالات؟
أمّا التّأرجُحُ فينعكسُ في المَحاورِ الثّلاثةِ الّتي تتناولُها الرّواية، وهذهِ المحاورُ الأساسيّةُ هي الصّراع بمختلفِ أطرافِهِ، ثمّ التّقاطُبُ كشكلٍ مُتطوّرٍ للصّراع، والخيبةُ كنتيجةٍ له، وتتلاحقُ الأحداثُ راسمةً صورةً لهذه المَحاور، لنجدَ الشّخصيّةَ الرّئيسيّة بدر الدّين، وما يحيط به/ ها مِن شخصيّاتٍ قريبةٍ، يَدورونَ ويتأرجحونَ في دائرةِ هذه المَحاور، بُغيةَ البحثِ عن إجاباتٍ وافيةٍ لأسئلةٍ لا إجاباتٌ شافيةٌ لها. 
الصّراع: في الرّوايةِ عددٌ هائلٌ مِن الصّراعاتِ الّتي تذهبُ بعقل القارئِ بعيدًا، إلى تلكَ الحقبةِ التّاريخيّة، وتَدَعُهُ يتساءلُ ليسَ عن الصّراعاتِ فقط، بل وعن طبيعةِ الجنس البشريّ الّذي لا يَستكينُ، إلّا إن رأى الدّماءَ مَسفوكةً، والحياةَ مُستباحةً أمامَ نداءِ الموت؟ فيتساءلُ عن جدوى كلِّ هذا. خندقجي يقودُ قارئَهُ بحنكةٍ، ليُوصلَهُ إلى هذا التّساؤل، وذلكَ مِن خلالِ العددِ الهائلِ واللّامُتناهي مِن الصّراعاتِ المُختلفة، والّتي يُغيّرُ فيها البشرُ مواقفَهم، كما تتبدّلُ الفصولُ أو الشّهور. وفي هذا تلميحٌ وإيماءٌ لِما نُعايشُهُ، لكنّه هنا مُركّزٌ مُشدّدٌ بشكلٍ لا يتركُ مجالًا لخديعةٍ فكريّة. ومِن هذهِ الصّراعات: صراعُ الهُويّة لدى طورة، وصراعُ الجيوش، والسّلاطين، والأمم. يقول على لسان ابن خلدون ص97:”حلِّقْ في سماءِ الزّمان، ترَ الأرضَ ترتجفُ بزلزلةِ جيوشِ السّلاطين".
الأقطاب: نلمحُ في الرّوايةِ تأرجُحًا شديدًا وحادًّا تتخابط بينها الشّخصيّات، كأنّها الكُرةُ الّتي تتقاذفُها جِهتان، فمِنْ قطبٍ إلى قطبٍ تجدُ نفسَها الشّخوصُ في حركةٍ مِنَ الحيرةِ، أو القراراتِ المُتعاقبةِ تحتارُ بين قطبيْن، أو تنتقلُ بينهما، مِن صورةٍ مكنونةِ المزدوجة الّتي تُمثّلُ الطُّهرَ والعفّةَ والنّورَ والرّوحَ تارةً، والشّهوةَ والجسدَ والشّبقَ تارةً أخرى، بشكلٍ مُتقطّبٍ يدعو إلى الذّهول؛ مِن العِلم مقابلَ السّيف، مِنَ الواقع مقابلَ الغيب، والدّينِ مُقابلَ الكُفر، مِن تجاذُبِ الذّكرى أمامَ الواقع مِن ترجيح القوّةِ على العدلِ أو العكس، مِنَ الانقيادِ إلى النّقائض، الموتِ في سبيلِ الحياة. هذا التّقطّب يُسارعُ مِن حركةِ التّأرجُح، لتَخرجَ منهُ الشّخصيّاتُ مُنهَكَةً، وقد تفتّتَ فيها الجسدُ والفِكرُ، وطَرحتْ سؤالَ الجدوى مُجدّدًا حيالَ اختيارِها، أو اتّجاهِها. فهذا بدر الدّين، وأنا أقرأ ص 212: "فمَن الّذي كان ممسوسًا بالاضطرابِ والقلق، وذلكَ المزيجِ الغامضِ مِنَ السّرورِ والأسى والفرحِ والحزنِ سوى بدر الدّين؟". وينجلي التّقطّب جليًّا في التّعابير الإكسومورونيّة (الإرداف الخلفيّ الّذي يجمعُ بينَ نقيضيْن مُتلاحقَيْن) الّتي يُفاجئُنا بها خندقجي حين يقول ص95: "وأنتَ الغريبُ الوحيدُ، القلِقُ المُبصِرُ، الأعمى المُتمرّد الخانعُ، الضّالُّ المُؤمِنُ، المُخطِئُ التّائب، المُعلّمُ الجاهلُ، الفتى الكهلُ، عبدُ الشّهوةِ وعبد التّوبة".  
الخيبة: الرّوايةُ تمتلئُ بالخيبةِ والانكفاءِ، وتَبدُّدِ الآمالِ في فضاءِ الرّغبةِ والتّوْقِ والحُلم. تسعى الشّخصيّاتُ إلى تحقيقِ ما تصبو إليه، لكنّها تنكفئُ مُجسِّدةً مثالَ اللّابطل، وهو تلكَ الشّخصيّةُ الّتي لا تتمكّنُ مِن تحقيق أهدافِها ولا طموحاتِها، بل تنكفئُ على نفسِها، وخيبتُها على مستوى الرّغبة، والعمل، وحتّى الشّعور...، وهناكَ الكثيرُ مِنَ الخيباتِ: السّلطانة أمّ فرج لا تُحقّقُ مأربَها مِن بدر الدّين. علي باي الخازندار يفشلُ في الانقلابِ على الملكِ برقوق. مكنونة الّتي تفشلُ في تحقيقِ الجاه، مِن خلالِ صوْتِها والتّقرّبِ إلى أصحاب السّلطة والنّفوذ، فتدفعُ روحَها ثمنًا لذلك. لكن يبقى السّؤالُ: هل تجدُ الشّخصيّاتُ نفسَها قد قامتْ بدوْرِ البطلِ أم لا؟ هل ترى جزءَ تحقيقِ المأرب، أم جزءَ الانكفاءِ ودفْعِ الثّمن؟ أيّ جزءٍ مِن الكأسِ ترى؟ وهل دفْعُ الثّمنِ كفيلٌ بإعادةِ التّفكير، أو بزَمّ الشّفتيْن والضّربِ على الصّدر ندمًا. 
الرّوايةُ تعجُّ بالخيبات؛ ما قد يدفعُ القارئَ إلى التّساؤل عن جدوى الحُلم. لماذا نحلمُ إن كانت الخيبةُ تتربّصُ بنا هناك في طرفِهِ؟ وهل هي إلى هذا الحدّ، واهنةٌ واهيةٌ تلكَ الخيوطُ الّتي ننسجُ منها أحلامَنا هذه؟ يُوجّهُ خندقجي القارئَ بفِطنةٍ إلى التّساؤل عن جدوى الإقدام، والتّغيير، والرّفض، والنّيّةِ في البناء، وكأنّي به يُحمّلُ الخيبةَ خطابًا مِن نارٍ يُشعلُ سؤالَ الجدوى مِن جديد، كما جاء على لسان بدر نفسِه ص122: "ما الجدوى من حياةٍ عجزت فيها"؟ وينبشُ في أعماقِ التّوْقِ (بالتاء) سلاسلَ طوْق (بالطاء)، قد تجعلُ الباحثَ المُكدَّ يتوقّفُ عن سَعيِهِ، فيَقبلُ الواقعَ كما هو طائعًا، مسلّمًا، ممتثلًا، راضخًا، مستجيبًا، شاكرًا، راضيًا، قانعًا، قنوعًا، صاغرًا، صغيرًا، منكفئًا، عاجزًا، مُغلِقًا مَنافذَ حواسِّهِ بيديْهِ، كتمثالِ القِرَدَةِ الثّلاثة.
ونتساءلُ حيالَ حركاتِ الدّورانِ والتّأرجُح، وحيالَ ما ينتهي به الصّراعُ مِن خيباتٍ مارّةٍ بفعلِ التّقطّب، هل يكتفي خندقجي فعلًا بسرد الحدث التّاريخيّ، مُطعّمًا بالأجواءِ الصّوفيّة مِن كشف، وأحوال، وانخطاف، وحقيقة، ونور (تكرّرت الكلمة مئات المرّات)، معتمدًا على شخصيّة بدر الدّين الّتي احتارَ التّاريخُ والمُؤرّخون بأمرِها، أم يقومُ الخطابُ الرّوائيُّ في هذا العمل، على الإحالةِ إلى الحالةِ العربيّةِ الفلسطينيّةِ أو الإنسانيّةِ عامّة، في السّؤال حولَ ما نبحثُ عنه مِن مَعانٍ، في تمرّدنا ورَفضِنا للأمر القائمِ ولواقع الحال؟ هل هناك جدوى مِن الرّفضِ والتّحدّي، وصفِّ الصّفوفِ وتجنيدِ النّاس وراءَ فكرٍ، مَهما كان ساطعًا مشرقًا إنسانيًّا وعادلًا حتّى، أم أنّ في الدّنيا توازنًا ما يفرضُه الأقوياء؟ 
عندها هل تبقى لجذوةِ الكفاحِ الجدوى نفسَها؟ هو سؤالٌ يخترقُ التّاريخَ والمستقبلَ، ويَجثُمُ على كاهلِ الحاضر. إنّه سؤالٌ يُحرجُ الأيديولوجيّات المختلفة، ويضعُها عاريةً أمامَ النّتائج، كما عرّت الخيبةُ الصّراعاتِ، وكما تأرجحتْ على حوافِّ الأقطاب. والمقصودُ أيديولوجيّات مَذهبيّةً وسياسيّةً علمانيّةً ودينيّة، هو ليس بالسّؤال الوجوديّ فقط، والدّائر حول جدوى الحياة وما فيها من رغبات وأهداف يسعى الإنسان إلى تحقيقها، بل ويسألُ عن هذه الجدوى مقابلَ مبدأ النّهاليّة ”النّهاليزم"، وهو مبدأ رفض القِيم القائمة، كما قال نيتشة: "الإيمانُ يعني عدمَ الرّغبة في المعرفة". فهل نحن أمامَ خطاب كهذا؟ عندها تحملُ الرّوايةُ أبعادًا خطابيّةً وجوديّةً ومنهجيّة وحياتيّة ووطنيّة، تدعو إلى قراءتِها بتَرَوٍّ كبير، وتأنٍّ، وبحزمةٍ كبيرةٍ مِن النّور. 
فإنّ كان الأمر كذلك، فهذه الرّواية هي كشف حساب عميق للحركة والحركات الّتي ينتهجها المرء، وهي سؤال مفتوح لجدوى التّأرجُح مقابل القبول، وجدوى الرّفض مقابل الرضوخ، وتقبّل الواقع كما هو.
مداخلة د. جهينة عمر الخطيب: 
مقاربةٌ نقديّةٌ في الخطاب الصّوفيّ بينَ شخصيّتيْن صوفيّتيْن؛ بدر الدّين محمود في رواية خسوف بدر الدّين للأديب الفلسطينيّ باسم خندقجي، والحلّاج في المسرحيّة الشّعريّة مأساة الحلّاج، للكاتب المصري صلاح عبد الصّبور 
تساؤلات البحث: 
هل وظيفةُ الصّوفيّ أن يبقى في بوتقتِهِ ومِحرابِهِ، أم أن يسعى إلى تحقيقِ العدل والمساواة؟ لماذا وظّفَ باسم خندقجي الشّخصيّةَ التّاريخيّةَ الصّوفيّة بدر الدّين محمود؟ هل لوجود باسم خندقجي في المعتقل وثلاث مؤبّدات تأثيرٌ على روايتِه؟ لماذا المقارنةُ بين مأساة بدر الدّين وخسوفِهِ مع مأساةِ الحلّاج؟
التّصوّف: 
التّصوّفُ الإسلاميّ القويمُ هو أن يبلغَ المؤمنُ درجةَ "الإحسان"، الّتي هي أعلى الدّرجات في التّوجّه إلى الله عزّ وجلّ، والّتي يُشيرُ إليها القرآنُ الكريمُ في قوله: (والّذينَ جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنينَ). (العنكبوت:69).
مراحل التّصوّف
1- إسلام: وهو الإذعانُ والاستسلامُ، والخضوعُ للدّين عن طريق القوْل الظّاهريّ، والنّطق اللّسانيّ، وأداء العبادات. والإسلام يتمثّلُ في النّطق بالشّهادتيْن والعمل الظاهر. 
2- إيمان: وهو التّصديقُ بالقلب، والاعتقادُ بالعقل، والاطمئنانُ في النّفس إلى صِدق ما يقول اللّسان.
والإيمان يتمثّلُ في اعتقادِ القلب واطمئنانِ الفؤاد.
3- إحسان: وهو التّوجّهُ الكلّيُّ إلى الله، والتّعلّقُ الدّائمُ به، والتّفكيرُ الموصولُ في صفاتِهِ وآياتِه، والمراقبةُ المستمرّةُ لعظمتِهِ وجَلالِه، والمشاهدةُ المقيمةُ لأنوارِهِ وأضوائِه، وهو: "أن تعبدَ اللهَ كأنّكَ تراهُ، فإنْ لم تكنْ تراه فإنّهُ يراك". والإحسانُ يتمثّلُ في اليقينِ والإخلاص، وهذا الإخلاصُ هو لبُّ التّصوّفِ وعمادُ أمْرِه؛ ولذلك يقول إبراهيم بن أدهم ـ وهو إمامٌ مِن أئمّةِ الصّوفيّة وزعيمٌ مِن زعمائِهم ـ حينَ يصفُ طريق التّصوّف: "أعلى الدّرجات أن تنقطع إلى ربّك، وتستأنسَ إليه بقلبك وعقلِكَ وجميعِ جوارحِك، حتّى لا ترجو إلا ربَّك، ولا تخافُ إلا ذنبَك، وتُرسِّخ محبّتَهُ في قلبك، حتّى لا تُؤْثر عليها شيئًا".
نحن أمامَ روايةٍ تاريخيّةٍ، أصبغَها الكاتبُ بخيالٍ وظّفَهُ لإظهارِ إسقاطاتات على عصرنا، فشخصيّةُ الصّوفيّ بدر الدّين محمود حقيقيّة، كذلك أصدقاؤه شيخ يمينه طورة كمال وشيخ يساره مصطفى. وعندَ قراءتِنا للرّواية نجدُ روحًا واحدةً تجمعُ الرّواية، بمسرحيّة مأساة الحلّاج للشاعر المصري صلاح عبد الصّبور، وليسَ التّشابه لكوْنِها صوفيّة، بل بما تُمثّلُهُ مِن توظيفات وإسقاطات، وهذا ما ستحاول الدّراسة توضيحَهُ من خلال أفكار بدر الدّين وأهدافه في حياته، وأيضًا علاقته بأصدقائه وفي نهايته.
بدر الدّين محمود والحلّاج شخصيّتان تاريخيّتان:
بدر الدّين محمود من العلماء الصّوفيّين، عُيّن بوظيفةِ قاضي عسكر في جيش موسى أخي السّلطان محمد. والحسين بن الحلّاج عالم صوفيّ، أحد أشهر الصّوفيّين وأكثرهم إثارة للجدل عبر التّاريخ. وُلد في البيضاء في فارس عام 244 هـ/ 857م، ثمَ انتقلت أسرته إلى واسط في العراق.
نهاية واحدة
حوكم بدر الدّين وحُكم عليه بالإعدام، وأعدم في عام 1420 في سيرس.[4] وعام 1961 دُفنت عظامُهُ في تربة السّلطان محمود الثاني الّتي في طريق الدّيوان. وقُتل الحلّاج في بغداد عام 309 هـ/ 922م، على يد رجال الخليفة العبّاسيّ المقتدر، على نحوٍ بشع، حيثُ جُلدَ وصُلبَ وقُطّعتْ جُثّتُهُ وأحرِقت، وألقيَ رفاتُهُ في نهر دجلة.
أسباب قتلهما واحدة: اتّهم  بدر الدّين بالزّندقة والتّحريض على الحاكم. أجمعَ علماءُ عصر الحلّاج  على قتلِهِ، بسبب ما نُقلَ عنهُ مِن الكفر والزّندقة. (بينما السّبب الحقيقيّ خوفهم من إحداث ثورة، بسبب آرائه في الحاكم العادل).
كلاهما اختلفت الآراء حولهما: 
حِججُ أصحاب الآراء المُعادِيةِ لبدر الدّين: ظهرَ زمن السّلطان محمد شخصٌ يسمّى بدر الدّين، انتحلَ صفةَ علماء الدّين الإسلاميّ، بدأ في أزنيق في تركيا يدعو إلى مذهبه الفاسد، فكان يدعو إلى المساواةِ في الأموال والأمتعة والأديان، ولا يُفرّق بين المسلم وغير المسلم في العقيدة، فالنّاسُ إخوةٌ مَهما اختلفتْ عقائدُهم وأديانُهم. واتّهموه بأنّه قال: إنّني سأثورُ مِن أجل امتلاكِ العالم، وباعتقاداتي ذاتِ الإشارات الغيبيّة سأقسّمُ العالمَ، بينَ مريدين بقوّةِ العِلم وسرِّ التّوحيد، وسأبطلُ قوانينَ أهل التّقليد ومَذهبهم، وسأحلّلُ باتّساعٍ مشاربي بعض المُحرّمات.
آراء معادية للحلّاج: اتّهم بأنّه ادّعى النّبوّة وأنّه هو الله. فكان يقول: أنا الله. وأمرَ زوجةَ ابنه بالسّجود له. فقالت: أوَيُسجدُ لغيرِ الله؟ فقال: إلهٌ في السّماء وإلهٌ في الأرض. كانَ يقولُ بالحلول والاتّحاد. أي: أنّ الله تعالى قد حَلَّ فيه، وصار هو والله شيئًا واحدًا. قيل إنّ له كلامًا يُبطلُ به أركانَ الإسلام، ومَبانيهِ العظام، وهي الصّلاة والزّكاة والصّيام والحجّ. فكان يقول: إنّ أرواحَ الأنبياء أعيدت إلى أجساد أصحابهِ وتلامذتِه، فيقولُ لأحدِهم: أنت نوح، ولآخر: أنتَ موسى، ولآخر: أنت محمد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الحلّاج مِنْ الْمَقَالاتِ الّتي قُتِلَ الحلّاج عَلَيْهَا، فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنّما قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتّحاد وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزّندقة وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أَنَا اللَّهُ. وَقَوْلِهِ: إلَهٌ فِي السّماء وَإِلَهٌ فِي الأرض.. وَالحلّاج كَانَتْ لَهُ مخاريقُ وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ، وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتّحادهِ بِهِ وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الآلِهَةِ: فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الحلّاج)اهـ مجموع الفتاوى (2/480).
آراءٌ مُناصرة لكليهما: بدر الدّين ظهرَ في أيّام هذا الملك شخصٌ يدعى بدر الدّين، نشرَ مذهبَهُ المُؤسّسَ على المساواةِ في الأموالِ والأمتعة، وهذا المذهبُ أشبهُ شيءٍ بآراء بعض اشتراكيّي هذا الوقت. تبعَهُ خلقٌ كثيرٌ مِن المُسلمين والمسيحيّين وغيرهم، لأنّه كان يعتبرُ جميعَ الأديان سواء ولا يفرّق بينهما.
الحلّاج: ساهمَ في المُطالبةِ في تحقيق العدالة:
أدرك الخلفاءُ العبّاسيّونَ خطورةَ هذا الطّرح النظريّ سياسيّا، وخافوا أن يتحوّلَ أصحابُهُ إلى فرقةٍ ذاتِ تأثير، فقمعوا المُتصوّفة المتمرّدين كالحلّاج والشّبلي، واتّهموا الحلّاج بالزّندقة تبريرًا لقتله.
انبهارُ رجال السّلطة بهما، والّذي أصبحَ واحدًا من السّيوف الّتي وُضعت على رقبتيهما:
بدر الدّين: "وأنت ستقوم بك الدّنيا أيّها المُقبلُ على رؤاك في زاويتك، لتنتشي بمَن حولك، فهل اكتفيتَ بتحلّقهم وتشبُّثِهم الأخير بمرّقعتك" . وصل بدر الدّنيا إلى منصبٍ مرموقٍ في الدّولة فأصبح قاضي العسكر.
الحلّاج: كانت له أسهمه القويّة عندَ بعض النّافذين، بل وصُنّاع القرار داخل البلاط العبّاسيّ آنذاك، فحسب أحد النّصوص، أنّ الحلّاجَ لمّا قدِم بغداد، استطاع أن يستغوى كثيرًا من الرّؤساء. الأهمُّ مِن ذلك، أنّ السّيّدة شغب أُمّ الخليفة المقتدر كانت متعاطفةً مع الحلّاج، لدرجةٍ أنّها تدخّلت مرّاتٍ عديدةً لمنع أيّة عقوبة ضدّ الحلّاج، وقد وصفَ البعضُ تأثيرَ الحلّاج على السّيّدة شغب، بأنّه "تأثيرٌ طاغٍ"، كما كان نصر القشورى حاجب المقتدر، واحدًا من الّذين اعتقدوا في أفكار الحلّاج، وشكّلَ مصدرَ حمايةٍ له لفتراتٍ طويلة، بل إنّه حسب وصف المصادر "افتُتِنَ به"، حتّى إنّه كان يسمّي الحلّاج (العبد الصالح)، و"دافع عنه أشدّ مدافعة، وكان يعتقد فيه أجمل اعتقاد". 
مواجهة الموت بشجاعة:
بدر الدّين محمود: عندما عَرفَ أنّ مصيرُهُ الموتَ لا محالة، رفضَ الاستسلامَ والخنوع، وواجهَ مصيرَهُ بشجاعة: "وأتخلّى عن النّاس الّذين وعدناهم بالنّعيم، لنفرَّ مُتستّرينَ بدمائِهم الّتي ستُهرق بسببنا، ما هذا سوى سبيل الذلّ والخديعة، أختفي يا صاحبيّ. أنا أتجلّى بنورِ عِلمي ويقيني الإلهي." 
الحلّاج: حُكم عليه بالإعدام عام (922م)، وذكر الطبري المؤرّخ الشّهير الّذي عاصر الحلّاج، والّذي توفّي بعد عام فقط مِن مقتله، في كتابهِ (تاريخ الأمم والملوك) عن هذهِ الواقعة، أنّه "أخرجَ مِن الحبس، فقُطّعت يداه ورجلاه، ثمّ ضُربَ عنقه، ثمّ أحرِقَ بالنّار". وهذا التّكتّمَ كان نتاجَ محاربةٍ لكلّ مؤلفات أو محدثين، آتوا بالذكر عن التّصوّف.
وعن إبراهيم بن فاتك قال: "لمّا أُتيَ بالحسين بن منصور ليُصلَب، رأى الخشبةَ والمساميرَ فضحكَ كثيرًا حتّى دمعت عيناه. ثمّ التفتَ إلى القوم فرأى الشّبلي بينهم فقال له: يا أبا بكر، هل معك سجّادتك. فقال: بلى يا شيخ. قال: افرشها لي. ففرشها فصلى الحسين بن منصور عليها ركعتيْن، وكنتُ قريبًا منه. فقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقوله تعالى"لنَبلوَنّكم بشيءٍ من الخوفِ والجوع" الآية، وقرأ في الثانية فاتحة الكتاب وقوله تعالى "كلّ نفس ذائقة الموت" الآية، فلمّا سلم عنها ذكر أشياء لم أحفظها وكان ممّا حفظته: اللّهمّ إنّك المُتجلّي عن كلّ جهة، المُتخلّي من كلّ جهة. بحقّ قيامِك بحقّي، وبحقّ قيامي بحقّك. وقيامي بحقّك يُخالف قيامك بحقّي. فإنّ قيامي بحقّك ناسوتيّة، وقيامك بحقّي لاهوتيّة. وكما أنّ ناسوتيّتي مُستهلكة في لاهوتيّتك، غير ممازجة إيّاها، فلاهوتيّتك مُستولية على ناسوتيّتي غير مماسة لها. وبحقّ قِدمك على حدثي، وحقّ حدثي تحت ملابس قِدمك، أن ترزقني شكر هذه النّعمة الّتي أنعمت بها عليّ، حيث غيّبت أغياري عمّا كشفت لي من مطالع وجهك، وحرمت على غيري ما أبحت لي من النّظر في مكنونات سرّك، وهؤلاء عبادُك قد اجتمعوا لقتلي تعصّبًا لدينك وتقرّبًا إليك. فاغفر لهم، فإنّك لو كشفتَ لهم ما كشفت لي، لَما فعلوا ما فعلوا، ولو سترتَ عنّي ما سترت عنهم لَما ابتُليت. فلك الحمد في ما تفعل، ولك الحمد في ما تريد، ثمّ سكت وناجى سرًا. فتقدّم أبو الحارث السّيّاف، فلطمه لطمةً هشم أنفه وسالَ الدّمُ على شيبه. فصاحَ الشّبلي ومزّقَ ثوبه، وغشى على أبي الحسين الواسطي وعلى جماعة من الفقراء المشهورين. وكادت الفتنة تهيجُ، ففعل أصحاب الحرس ما فعلوا".
رؤية مشتركة للمؤلفين من الرّواية من خلال توظيف التناص التّاريخيّ:
صراع بدر الدّين: "كان يُعاندُ مصيرًا كُتب عليه. لم يكن يشأ لنفسه مقام أبيه ومصيره. سكنه إحساس بالنضج والعلوّ أسمى من وصيّة أبيه، يتخبّط ما بين موتٍ وحياة، وحربٍ وسلام، خاضَ أعماقَ الدّنيا، وخاضَ سحرَها وعوالمَها الخفيّة. تاه في نوازع نفسه. تهتّك وشهد خرابه، بعد أن علّمه الحكماء هناك أنّ السّاعي للسّموّ بذاته، عليه أوّلًا أن يحطّ من قدر نفسه وكبريائه، ليُحاربَ نفسَهُ بنفسِه" 
لقد واجه صراعًا ذاتيًّا بين الكلمة والفعل، فهل على الصّوفيّ الاكتفاءَ بعالمِهِ وزاويتِه، أم عليه اختراقها لينتقلَ إلى مرحلةِ الفعل؟ "تُعبّر أوجاعُ البلوغ إلى عين عقلك، والغيُّ فيك أحرقَ قلبك وأضلعك. وأنت الغريبُ الوحيدُ القلِقُ المُبصر، الأعمى المتمرّدُ الخانعُ الضّالُّ المؤمن، المُخطئ التّائب، المعلّمُ الجاهل، الفتى الكهل، عبدُ الشّهوة وعبدُ التّوبة، اُصرخ، اُصرخْ بالله عليك وقلْ لي ماذا تريد" 
لقد عانى بدر الدّين صراعًا، ذاقَ الخطيئةَ ليعرفَ قيمةَ التّوبة، وقد استقرَّ رأيُهُ رغمَ حيرتِه، بأنّ على الصّوفيّ مهمّة الفعل، ولن يكتفي  بشرنقتِهِ الصّوفيّه، فيعرفُ التّصوّف وهو استشهاد من الكاتب لقول للإمام الصّوفيّ الجنيد بقوله: التّصوّف، أن يُميتَكَ الحقُّ عنك ويُحييكَ به، الحقّ الّذي يُنيرُ الوجوهَ ويكسو الدّنيا ببياضٍ ناصع، يُذهبُ عن العباد سوادَ الجهل والخنوع." 
صراع الحلّاج: من أهم الجمل الّتي جاءت في مسرحية مأساة الحلّاج:" ليس الفقر هو الجوع إلى المأكل أو العُرْي والحاجة إلى كسوة. الفقر هو استغلال لقتل الحب وزرع البغضاء". والمسرحيّة هي نقدٌ سياسيّ اجتماعيّ، وهي بالأحرى مأساةُ صلاح عبد الصّبور، مأساة المثقّف.
ما كان يشغل صلاح عبد الصّبور والحلّاج قبله، هو البحث عن الحقّ والعدل والإصلاح السّياسيّ والاجتماعيّ، وتحويل الكلمة إلى فعل، ومن هنا كمنت مأساته ليس بقتله، بل في عجزه عن تحويل الكلمة إلى فعل. وقد استدعى صلاح عبد الصّبور شخصيّة الحلّاج، وهي الشّخصيّةُ الإشكاليّة الّتي سبّبت الحيرة لمَن حوله، فبعضهم اعتبره صوفيّا، وبعضُهم اعتبرَه زنديقا. وقد اختاره صلاح عبد الصّبور لأنّ زمنَه يُشابه زمنًا عاش فيه صلاح عبد الصّبور 1964، زمن الكبت السّياسيّ الاجتماعيّ.
كما أنّ الحلّاج كان يرى التّصوّف جهادًا متواصلا للنفس، بالابتعاد بها عن متع الدّنيا، وتهذيبها بالجوع والسّهر، وتحمّل عذابات مجاهدة أهل الجور، ويبثّ روح الثورة ضدّ الظّلم والطغيان، وفي هذه الصّفات وجد صلاح عبد الصّبور ضالته، فتقنّع بقناع الحلّاج، والقناعُ هو أسلوبٌ حداثيّ في القصيدة العربيّة، يُوظّفه الشّاعر فيتقمّص شخصيّة تاريخيّة للتّعبير عن مأساة الواقع العربيّ، وعن معاناة الإنسان، فهنا تعبيرٌ فنّيّ يتجاوزُ فيه الشّاعر ذاتيّتَه، فيما تتجاوز مَعاني القصيدة محدوديّة زمنها، فيتحدّث الشّاعرُ عن نفسِهِ متجردًا من ذاتيّتِهِ بقناع شخصيّة أخرى، فالقناعُ أداةٌ رمزيّة اتّخذها صلاح عبد الصّبور، ليرمز بها إلى كلّ مثقّف عربيّ.
الحلّاج يمثّل البطل المتمرّد الّذي يحاول قول رأيه، ويطرح على المجتمع رؤيته، فالحلّاج عند صلاح عبد الصّبور قد رأى الفقر والجوع والفساد في المجتمع، فينكر عزله الصّوفيّ ويخلع الخرقة (مثال الزهد الصّوفيّ)، فينزل إلى النّاس خالعًا خرقته ليدعوهم إلى الله ليكونوا مثله أقوياء، وقد توقّف صلاح عبد الصّبور طويلًا أمامَ شخصيّة الحلّاج، وقرأ ما كتبه القدامى والمستشرقون عن هذه الشّخصيّة، وآثرَ أن يَبعثها من جديد، فيُقدّمُها  في صورة الثائر الدّينيّ والمُصلح الاشتراكيّ، فقدّم لنا بطلًا، قضيّتُهُ الأساسيّة هي محاربةُ الظلم والفقر، الفقر بمعناه الرّوحيّ والمادّيّ، ومن هنا فقد ركّز على الجوانب الّتي تجعلُ منه رجلًا ربّانيًا يكرهُ الطغيان وينشد العدل. إنّ الحلّاج الّذي أعطاه الله نورَ المعرفة، يعرفُ دوْرَهُ كثائرٍ دينيّ، وأولى خطوات هذه المعرفة أن يخلَعَ الخرقة الّتي تعني تجرّدَهُ الصّوفيّ من متاع الدّنيا وينزلّ إلى النّاس، وهو يعي أن الصّوفيّين الّذين يرون إرضاء الله بشعارهم "الخرقة"، سيرَوْن أنّهم  سيرضونه أكثر بخلعها في سبيل العبادة. إنّ البطل هنا يبدأ في أولى خطوات التّمرّد، حينما يرى في الاحتجاب من أعين النّاس احتجابًا عن عين الله وبُعدًا عنه، ولذا يخلعُ الخرقة في محبّة النّاس الّذين يُحبّهم في مرضاة الله. إن الحلّاج حينما يخلع الخرقة، فإنّما يريد أن يكون حرًّا، حتّى لا تكون هذه الشّارة قيدًا على عقله وعلى لسانه، يمنعه من التّفكير في أسباب امتلاء دنيا الله بالفقر والقهر والمهانة.
إنّ مأساة الحلّاج الحقيقيّة ليست في استشهاده، أو عجزه عن اتّخاذ قرارٍ بالهرب من السّجن، وإنّما مأساته الحقيقيّة في عجزه الفادح عن تحويل الكلمة إلى فعل، أي الصّراع بين القضيّة الضّروريّة تاريخيًّا، وبين الاستحالة العمليّة لتحقيقها، وعلى صليب هذا الصّراع يتمزّق، حتّى قبلَ أن يُصلب فعلًا عبر شكوكه، فيرى الحلّاج أنّه يستحقّ الموت لأنّه باح بعلاقته بالله.  
دلالات مشتركة لعنوان المؤلفين:
خسوف بدر الدّين: تم توظيف اسم الشّخصيّة التّاريخيّة بدر الدّين محمود. بدأها بكلمة خسوف بحيث وظّف التورية بوجود المعنى الحقيقيّ لخسوف القمر والبدر إلى خسوف.
مأساة الحلّاج: تمّ توظيف اسم الشّخصيّة التّاريخيّة الحلّاج، وتمّ توظيف كلمة مأساة بتورية، ففعلًا مصير الحلّاج شكّل مأساته، ولكن صلاح عبد الصّبور أسقط مأساة المثقّف المضطهد عليها. 
علاقة بدر الدّين بصديقه طورة: "ستكون شيخ يميني يا طورة ستكون شيخ يميني" 
طورة رافق صديقه ومعلمه بدر الدّين، وكان من مريديه وأتباعه، وبقي معه في كلّ الظّروف. "طورة الّذي لم يبارك سُنّةً يحفظ عبرَها اسمَه فوق الأرض، ما دام بدر لم يقتدِ بها، هو الصّديق بصمت والرّفيق بإخلاص، والمريد بوَجْد، تلاشى ليصون بدرًا ويتقن تعاليمه ورؤاه، بعيدًا عن حياة عاديّة ملؤها السّعادة والاستقرار، في بيت هانئ برفقة زوجة تحفظ نسله بأبناء مِن بعده. كان همّه بدر ورفقة بدر ومذهب بدر، لينصره حتّى الموت، حتّى الفداء." 
الحوار الصّوفيّ بين بدر الدّين وطورة: "إلام تسمو يا صديقي/ إلى الحياة إلى النّور والأمل إلى الحبّ والعدل"/ هذا ما ستجده في متون كتبك وحواشيها فقط/ وضعت الكتب لفهم الحياة وإدراك مصائرنا فيها، ولم توضع في سبيل تعليم طفل، لا يملك من أمره شيئا سوى حظ أبيه وسطوته" 
الحوار الصّوفيّ بين الحلّاج والشبلي: لكن يا أخلص أصحابي نبئني/ كيف أميت النّور بعيني/ هذي الشمس المحبوسة في ثنيات الأيّام/ تثاقل كلّ صباح، ثمّ تنفض عن عينيها النّوم/ ومع النّوم الشّفقة/ وتواصل رحلتها الوحشيّة فوق الطرقات/ فوق السّاحات الخانات المارستانات الحمامات/ وتجمع من دنيا محترقة/ بأصابعها الحمراء النّاريّة/ صورًا أشباحا تنسج منها قمصانًا/ يجري في لحمتها وسداها الدّم/ في كلّ مساء تمسح عيني بها/ توقظني من سبحات الوجد/ وتعود إلى الحبس المظلم/ قل لي يا شبلي أأنا أرمد/ لا بل حدّقت إلى الشّمس/ وطريقتنا أن ننظر للنّور الباطن/ ولذا فأنا أرخي أجفاني في قلبي/ وأحدّق فيه فأسعد/ وأرى في قلبي أشجارًا وثمارًا/ وملائكة ومُصلّين وأقمارا" 
الكشف لدى الصّوفيّين: يعرف الكشف الصّوفيّ بأنّه كشف الحجب عن أولياء الصّوفيّة، فيرَوْن ويسمعون ويعلمون ما لا يعلمه النّاس من مغيبات، سواء الماضية أو الحاضرة أو المستقبليّة.
الكشف لدى بدر الدّين: في عمرك المرهَق لم تعتِّق فؤادَك تلك الأصواتُ الهاتفةُ الصّاخبةُ الهامسة الباكية، لتُبدي لك الأصوات الّتي كانت تقودك إلى غياب أدهش من حولك، وأثار خشيتهم الّتي كانت تقودك إلى غياب أدهش من حولك وأثار خشيتهم منك. أكثر من سبع سنين وفي كلِّ سنة كنت تنال من هذه الأصوات نبر نورها وحروف ضيائها، لتجمع الحرف على الحرف والكلمة على الكلمة والجملة على الجملة، لتُبدي لك الأصوات بسرِّها وتصدّ، ثمّ جاهدت أنت وغبت أكثر لتُصغي برهافة ووجل إلى الهمس. من أين ينبعث الهمس؟ من أين أتاك؟ من قلبك من سمائك؟ من عقلك من روحك؟ من أين أتاك الهمس فأدماك وسوّاك ممسوسًا غريبًا ملقى هنا؟ فهل أدركت العبارة يا بدر؟ وأنت تقول بسطوع نورك في حلقة العلم، وما أدراك أنّه نور وحق مبين؟ هل صدّقت أنّ عبارتك سماويّة، وأنّ نبرها وحرفها ولغتها كلّها سماء؟ هل أنت ابن كلتيهما: ابن السّماء وابن الأرض؟ هل سيرحمك ربّك." 
الكشف لدى الحلّاج: الحلّاج:لا إني أشرح لك/ لم يختار الرحمن شخوصا من خلقه/ ليفرق فيهم أقباسًا من نوره/ هذا، ليكونوا ميزان الكون المعتـّل/ ويفيضوا نور الله على فقراء القلب/ وكما لا ينقـُصُ  نور الله إذا فاض على أهل النّعمة/ لا ينقص نور الموهوبين إذا ما فاض على الفقراء.
"رؤية بدر الدّين لسياسة البلاد": غير أنّ  هذا الأمير غرّه النّصر، وتغاضى عن التّقوى والرّأفة بالمغلوبين على أمرهم. وما أنا من حيرة تلبّستني، ما سببه إلا عجزي عن إفهامه وجذبه أي قيم مذهبنا ومعانيه، إذ إنّني كنت قد توسّمت فيه خيرًا وسندًا لنصرة المظلومين، ولكنّ العمى أصاب فؤاده، فالصّبر يا إخوتي، فلن تطول غيبة الإشارة. وعن طريق الدّم هذا لا ذنب لنا فيه، إذ هو طريق سيؤدّي بنا حتمًا إلى إزالة الجور وإحقاق العدل والانعتاق" 
رؤية الحلّاج في سياسة البلاد: "الحلم جنين الواقع/ أمّا التّيجان/ فأنا لا أعرف صاحب تاج إلا الله/ والنّاس سواسية عندي/ من بينهم يختارون رؤوسًا ليسوسوا الأمر/ فالوالي العادل/ قبس من نور الله ينور بعضًا  من أرضه/ أمّا الوالي الظالم/ فسِتارٌ يحجب نور الله عن النّاس/ كي يُفرج تحت عباءته الشّرّ/ هذا قولي.. يا ولدي، "الشّرّ استولى في ملكوت الله/ حدّثني.. كيف أغضّ العينَ عن الدّنيا/ إلّا أن يظلم قلبي"  
بدر الدّين والغواية: "ثقلت أنفاسه وضاق صدره، وانفجر قلبه بدقّات صاخبة، ذهب صوته. لم يلتفت وهي على وتيرة فتنتها، تذهب وتجيء في ظهره، متأوّهة دافنة شبقها في ظهره. قتلته بأنفاسها وجسدها الخصب. كاد يلتفت يقع يخترقها ويدميها، كي تسمع القاهرة كلّها صرخة اكتفائها، إلّا أنّ صوتًا خفيًّا هتف في أذنه: "طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره"   حكمة للصّوفيّ الدّرويش بشر الحافي.
"لقد نالك الكشفُ، والكشفُ عريٌ مقدّس. نحن لا ننتهكُ ولا نُعرّي الجسدَ في سبيل اللّذّة والعهر، بل سعيًا وراء السّرّ والنّور. نحن ننكشف لنحتجب. اُنظر إلى الشّمس: على الرّغم من نورها السّاطع فإنّنا لا نراها، ولا نقوى على التّحدّيق إليها. هي دفؤُنا، هي المحتجبة في سرمديّة هذا الفضاء" 
"لا تفتح عينيك فلن تراني، وعد من حيث أتيت، وامضِ فقد استعدت نورك، إن حجبته فسينير، وإن هربت منه فسيهرب منك إليك، فلا تجزع من غروبٍ ما بعده إلّا شروق. النّور يُشرق منك أيّها المبارك بنور الله"  
نهاية بدر الدّين وأسبابها: حوكم ثم حكم عليه بالإعدام، وأعدم في عام 1420 في سيرس.  وعام 1961 دفنت عظامه في تربة السّلطان محمود الثاني.
نهاية الحلّاج وأسبابها: قُتل الحلّاج في بغداد عام 309 هـ/ 922م، على يد رجال الخليفة العبّاسيّ المقتدر، على نحوٍ بشع، حيثُ جُلدَ وصُلبَ وقُطّعتْ جُثّتُهُ وأحرِقت، وألقيَ رفاتُهُ في نهر دجلة. "أترى نقموا منّي، إنّي أتحدّث في خلصائي/ وأقول لهم إنّ الوالي قلب الأمّه/ هل تصلح إلّا بصلاحه/ فإذا وُلّـيتــُم لا تنسوا أن تضعوا خمر السّلطة/ في أكواب العدل؟"
رؤية النّور في آخر النّفق رغم سوداويّة النّهاية:
رواية خسوف بدر الدّين: رغم سوداويّة الحياة نحن محكومون بالأمل، كما قال سعد الله ونّوس،  والأمل ينفض في كلّ حنايا الرّواية رغم النّهاية المأساويّة، فقد مات بدر الدّين، دفاعًا عن مفاهيم تبعث الأمل في النّفوس، ودفاعًا عن العدل، دفاعًا عن المساواة، دفاعًا عن الإنسانيّة بكلّ معانيها، مهما كان عرقك ولونك ودينك. 
مسرحيّة مأساة الحلّاج: كذلك مسرحيّة مأساة الحلّاج تبعث الأمل رغم كلّ شيء، من خلال المطالبة بأمور مثل التآخي بين البشر، وحرية المثقّف "بل أبغي لو مدّ المسلم للمسلم كفّ الرحمة والود" (مأساة الحلّاج، ص73) كان يقول: كان مَن يقتلني مُحقّقُ مشيئتي/ ومُنفّذُ إرا دة الرحمان/ لأنّه يصوغ من تراب رجل فانٍ/ أسطور َ ً وحكمةً وفكرة". وكان يقول: إنّ مَن يقتلني سيدخلُ الجنان/ لأنّه بسيفه أتمّ الدّورة/ لأنّه أغاث بالدّماء إذ نخس الوريد/ شجرة جديبة زرعتُها بلفظي العقيم/ فدبّتِ الحياة فيها، طالت الأغصان/ مثمرة تكون في مجاعة الزّمان/ خضراء تعطي دون موعد، بلا أوان  (مأساة الحلّاج ص 11).
ما أراده باسم خندقجي وصلاح عبد الصّبور من إبداعيْهما: الإنسانيّة، المساواة بين جميع الأجناس والأعراق، العدل وحرّيّة المثقّف.
الخاتمة: خسوف بدر الدّين خروجٌ عن المألوف في رواية أدب السّجون، تميّزت بلغةٍ راقيةٍ وانسيابيّةٍ في الوقت ذاته، وتوظيفٍ مائزٍ للتّاريخ الصّوفيّ، وإبداع خلف القضبان بحبكة جاذبة.
مداخلة د. عادل الأسطة بعنوان: سطوة الشّاعر باسم الخندقجي في "نرجس العزلة".
باسم الخندقجي شاعر وروائيّ يقبع في الأسر من سنواتٍ طويلة، وهو محكوم بغير مؤبّد. صدر له حتّى الآن، ديوانا شعر وروايتان ومنثور روائيّ. بدأ باسم يكتب الشّعر ثمّ تحوّل إلى كتابة الرّواية التّاريخيّة، فصدرت له روايتان هما "مسك الكفاية" و"خسوف بدر الدّين"، والرّوايتان يعود زمنُهما الرّوائيّ إلى فترة العبّاسيّين وما تلاها.
تجربة باسم تجربة تُلفت النّظر لغير سبب، فهو يقبع في السّجن ولا يكتب عن تجربته فيه، وهو بذلك يختلف عن سجناء كثر كتبوا عن عالم السّجن وتجربتهم فيه، وتكاد أعمالهم تقتصر على تجربتهم ومحيطها، ومنهم وليد الهودلي، عصمت منصور، هيثم جابر وعائشة عودة، ومن قبل هشام عبد الرّازق.
ويحقّ للمرء أن يتساءلَ عن السّبب: لماذا يكتب باسم عن عوالم لم يعشها، ويلجأ إلى التّاريخ ولا يكتب عن عالمه؟ هل قرأ نتاجات أدب السّجن، ورأى أنّه لن يضيف إليها أيّ شيء جديد؟ هل يعتقد أنّ القارئ أشبع قراءة عن حياة السّجن، وأنّه بحاجة إلى نصوص مختلفة؟ هل هو شخصيّا مُغرم بالتّاريخ وبالرّواية التّاريخيّة؟ وهل تربّى في أحضان الرّواية التّاريخيّة، فقرأ جرجي زيدان وأمين معلوف وغيرهما، فأراد مواصلة الكتابة في هذا النّوع من الرّواية؟
ولكن باسم قبل أن يكتب الرّواية والرّواية التّاريخيّة، كتب الشّعر وأصدر فيه ديوانيْن، وتحوّل بعد كتابة الشّعر إلى كتابة الرّواية، وهو في هذا الجانب ليس استثناء. الشّعراء العرب الّذين أخذوا يكتبون الرّواية، وغدوا يُعرفون على أنّهم روائيّون أكثر مما يُعرفون شعراء، كثيرون.
ظاهرة كتابة الشّعراء الرّواية وهجران الشّعر تُحيل إلى كتب نقديّة لنقّاد بارزين التفتوا إلى هذا، وقد أصدر النّاقد المصريّ المعروف جابر عصفور كتابًا نقديًّا عنوانه "زمن الرّواية"، ويتزامن مع سؤال زمن الرّواية سؤال آخر هو سؤال موت الشّعر، وليس هذا السّؤال مقتصرًا على الأدب العربيّ، ففي فرنسا كتب مرّة ناقد في ثمانين القرن 20: "إنّهم يَدقّون آخر مسمار في نعش الشّعر".
في الأدب الفلسطينيّ التفت دارسون ونقاد إلى الظاهرة، وكتبوا عن شعراء معروفين غدوا يكتبون الرّواية، ومن الشّعراء سميح القاسم وإبراهيم نصر الله وأسعد الأسعد وزكريا محمد، وظاهرة إبراهيم نصر الله تُعدّ الأكثر بروزًا، وهو يكاد الآن يُعرف روائيًّا بالدّرجة الأولى، فرواياته هي الّتي جلبت له الجوائز في الفترة الأخيرة لا دواوينه الشّعريّة.
باسم مال مؤخّرًا إلى الرّواية، وآخر أعماله الصّادرة هذا العام في بيروت هي روايته التّاريخيّة "خسوف بدر الدّين"، وقبل عاميْن ونصف العام صدر للكاتب نصّ عنوانه "نرجس العزلة" 2016، وقد أدرج على غلاف الكتاب دال "رواية"، لكنّ الصّفحات الدّاخليّة الّتي احتوت على تصنيف المؤلف لا النّاشر، اعتمدت عبارة "منثور روائيّ، ولم تعتمد دال رواية، وإذا نظر المرء في متن النّصّ، فإنّه سيقرأ عن تجربة فلسطينيّ يكتب الشّعر، ولكنّه بدأ يحاول كتابة الرّواية، وقد كتب رواية للفتاة الّتي أحبّها في أثناء دراسته الجامعيّة، ثمّ أهداها المخطوط، ولم يعد يملك نسخة عنه، ولا يعرف صاحبه ماذا فعلت به، بعد أن تزوّجت وسافرت إلى دولة نفطيّة.
"منثور روائيّ" عبارة لافتة تُحدّد جنس "نرجس العزلة"، وفيه مزج بين النّثر والشّعر. كما لو أنّ ما كُتب هو شعر نثر. و"منثور روائيّ" تُذكّرنا بعباراتٍ عرفها الأدب العربيّ، هي نثر المنظوم أو نظم المنثور.
والصّحيح أنّ الأدب الفلسطينيّ لم يَخلُ مِن نصوص نثريّة غلب عليها روح الشّعر. من "يوميّات الحزن العادي"، إلى "ذاكرة للنّسيان"، إلى "في حضرة الغياب" لمحمود درويش،  إلى "دفاتر فلسطينيّة" لمعين بسيسو، إلى "إلى الجحيم أيّها اللّيلك" لسميح القاسم، إلى شعراء كتبوا الرّواية مثل محمد القيسي و.. و..
من بين الأسماء السّابقة الذكر يستحضر قارئ "نرجس العزلة" كتب محمود درويش النثريّة المشار إليها، وأبرزها "في حضرة الغياب"، وكأنّ سطوة الشّاعر درويش سطوة لا يقدر كثيرون على مقاومتها، وأنا طبعًا في مقالاتي منهم.
هل قرأ باسم للتوّ "في حضرة الغياب" و"يوميّات الحزن العادي" و"ذاكرة للنّسيان"، ثمّ شرع في الكتابة؟
ما يغلب على نصوص درويش في كتابيْن من الكتب الثلاثة، هو توظيف الضّمير الثاني في الكتابة، وهو ضمير الأنا أنت، حيث يُجرّد من نفسه شخصًا آخر يُخاطبه، وتغدو الكتابة مونولوجًا طويلا، وقد توقّف الدّارسون، وأنا منهم، أمام هذا الأسلوب، بل إنّني وجدتُني أوظّفه في أكثر ما كتبت، ولسوف أجتهدُ في إيجاد مبرّرات ومُسوّغات للّجوء إليه، في حالة لجأ إليه كاتب، ومثل نقّاد كثر لم أرَ فيه لعبة شكليّة أو نزوعًا نحو التّنويع في أساليب القصّ والكتابة ليس إلّا. 
يبدو نصّ "نرجس العزلة" مونولوجًا طويلا، وكاتبُه الّذي يدرس الأدب في جامعة النّجاح، خلافًا لرغبة أبيه، وظّف ضمير الأنا أنت، وان كان في صفحات مُعيّنة يستخدم الضّمير الثالث وأحيانا الضّمير الأوّل، فنصغي إلى ساردٍ يقصّ بصيغة الفعل المضارع عن الشّاعر الشّاعر، وهو يحلم بكتابة رواية (ص88 وما بعدها)، ونصغي إليه يتحدّث عمّا يُلمّ به، ويورد الكاتب هنا كلام الشّخصيّة بين علامات تنصيص. 
يلجأ الشّاعر إلى العزلة، ويكتب نصّه الأقربَ إلى سيرته الذاتيّة، ويعترف الشّاعر أنه شيوعيّ فلسطينيّ ينتمي إلى حزب الشّعب الفلسطينيّ، ويُقرّر العزلة الشّخصيّة لمدّة مُحدّدة، وللعزلة أسباب، فقد شعر بالضّجر والقرف ممّا آلت إليه أوضاع الفلسطينيّين، بعد نهاية الانتفاضة الأولى الّتي يتغنّى بها كثيرًا، ومع توقيع اتّفاق (أوسلو) ومجيء السّلطة، ويُقدّم نقدًا عنيفًا لمَن سار في رِكابها مِن مناضلي الأمس ويسخرُ منهم، ويظلّ يتحسّر على الشّهداء، ومنهم صديقه أمجد الّذي استشهد في الرّصاصة الأخيرة الّتي أطلقها جنود الاحتلال، قبل انسحابهم من المدن الفلسطينيّة بعد توقيع الاتّفاقيّة. 
ويكون لأمجد حضورٌ كبيرٌ وتأثيرٌ بارز في ذهن الشّخصيّة المُتكلّمة في النّصّ، فقد كان صديقَهُ المُقرّبَ فكريًّا وشخصيّا، ويمكن القول إنّه مرجعيّته الّتي يتكئ عليها في رفض ما آلت إليه الأوضاع، ولم يكن المتكلم ليصدّق ما يجري، حيث النّقاء الثوريّ الّذي كان هو وأمجد وجيل الانتفاضة يتمتّعون به قد غدا من الماضي، وحلّت مَحلّه الانتهازيّة والمشاريعُ التّنمويّة المُموّلة من جهات غربيّة، لا يَهمُّها المشروع الوطنيّ، على أنّ السّببَ الأساسَ للعزلة يكمنُ في الرّغبة بالإبداع. "نعم، ستُجدّدُ عزلتك، ستفضّ المَطالع وتكتبها، ستمارس فوق الصّفحات عشق قصائدك، ستكتب نصًّا، ستبدع".
والشّخصيّة الرّوائيّة صاحبةُ المونولوج تُقرّ بأنّها شخصيّة مُتناقضة مع نفسها، فهي شخصيّة يساريّة تشرب الخمر، ولكنّها تفكّرُ في الارتباط بفتاة جامعيّة مُحجّبةٍ ومتديّنة، وهذا ما لفت نظر الأستاذة الجامعية بربارة الّتي رغبت فيه واشتهته، إذ تقول له: "لكنّها مُتديّنة أيّها الأحمق، وأنت كومونست شيوعيّ؟" (ص60). 
ويعترفُ هو بأنّه شخصيّة متناقضة: "تضحك بصوت عال من تناقضك" (ص57).
ويبدو هذا اليساريّ الشّيوعيّ نرجسيًّا حقّا، فهو مثل عمر بن أبي ربيعة ونزار قبّاني. إنّه مطلوبٌ من النّساء، وهو ما يقوله العنوان عموما "نرجس العزلة"، وهو ما تلاحظه الفتاة الّتي أحبّها، وظلّ يَنعتُها بـ"امرأة البدء" الّتي كانت تلاحظ بصمت مدى ازدحامهنّ حول عاشقها".
تغيب امراة البدء عنه جسديّا، لكنّها تظلّ ذاتَ تأثيرٍ وحضور، فهي لم تختفِ مِن حياتِه، وتدخل امراةٌ ثانية من حيفا في حياته، وتكون هذه المرأة امرأةَ الهُويّة والانتماء، وغالبًا ما يُلصق بها عبارة "الهُويّة والانتماء"، كما ألصق بالأولى عبارة "امرأة البدء"، المرأة الأولى هي حبُّه الأوّل، والمرأة الثانية هي فلسطين في امتدادها التّاريخيّ: "ها أنتِ مع نون من حيفا، حيفا الّتي تَسكنك، امرأة من وطن ووطن بلا امرأة، كنت تودّ لو تحضنها باكيًا في ذلك المساء. عذرًا أيّها الوطن، لقد خذلتك".
طبعًا هناك نسوة أخرياتٌ في النّصّ، مثل الأمّ الّتي لها حضورٌ لافتٌ ومُؤثّرٌ في حياته، فمنذ طفولته كانت تعرفُ تفاصيلَ حياته، وتهتمّ بها من الحمام إلى الطعام، وهناك أخته ليلى الّتي تقوم علاقتُهما معًا على أساس الصّراحةِ التّامّة، ويغلب عليها أمر المكاشفة، فهو مرجعها حتّى في أمورها العاطفيّة، وهناك فادية الصّديقة الّتي تهتمّ بأمره وتسأل عنه حتّى في عزلته، وهناك السّكرتيرة أمّ الياس الّتي تعمل معه في المؤسّسة الّتي يُديرها، واللّافت هنا نموذج المرأة الّتي تبدو شهوانيّة "أمّ صبحي"، وهي امرأة مُتزوّجة ولها غير عشيق، تحبّ الحياة وتمارس الجنس لانشغال زوجها عنها بالتّجارة والمال، مع أنّها أمّ، وابنها شاب وصديق للمتكلم ولصديقه أمجد.
هل يمكن المُطابقة بين كاتب النّصّ الحقيقيّ والشّخصيّة الرّوائيّة؛ المُؤلف الضّمنيّ الّذي نُصغي إليه مباشرة؟ أعني؛ هل النّصّ نصّ سيرة ذاتية؟
العقد الّذي أبرمَهُ الكاتبُ مع قارئه هو "منثور روائيّ" لا سيرة ذاتيّة، وإذا ما طابقنا بين باسم وكاتبه، فسنجد تقاطعات واختلافات. كلاهما ينتمي إلى حزب الشّعب الفلسطينيّ ويعتنقان الماركسيّة، لكنّ باسم حتّى الآن، لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر، في حين تجاوز بطله السّتين، وكان تخرّجه من الجامعة في الانتفاضة الأولى الّتي شارك فيها، وأمّا باسم فقد شارك في الانتفاضة الثانية. تبقى المطابقة غير مُجدية، بخاصّة أنّ الكاتب صدّرَ نصّه بالآتي: "إنّ هذا المنثور لا يمتّ إلى الواقع بأيّة صلة، وإن حدث، فهذا محض صدفةٍ أو محض عشق".
والسّؤال هو: كيف يُصدّرُ كاتبٌ يساريّ يعتنقُ الماركسيّة نصًّا أدبيًّا بالعبارة السّابقة؟ هل أذهب بعيدًا، إذ أزعمُ أيضًا أنّ باسم كان واقعًا تحت تأثير نصوصي الرّوائيّة؟ في كتابتِهِ عن نابلس المدينة المحافظة الّتي يتلصّصُ أبناؤها بدافع الفضول على خصوصيّات الأفراد، كنتُ أقرأ ما كتبتُه عن المدينة، فهل مرّ بطلُ منثور باسم بما مررت به؟
ولنابلس حضور يشغلُ صفحات من "منثور روائيّ"، نابلس في فترة الاتفاضة الأولى الّتي أغلقت فيها الخمّارات، لكنّها لم تكن تخلو من أشخاصٍ يُوفّرون المشروبات الرّوحيّة لمَن يتعاطاها سرّا. ونابلس مدينة ليس فيها أماكن "تصلح لامرأة وشاعر".
وحين يُقرّر لقاء فادية وحيدين، "لم يكن يعرف أين يمضي بها، كلّ الأماكن محاصرةٌ في المدينة، كلّها تتلصّص على كلها"، و”أخذ يتجوّل في السّيّارة دون أدنى وجهة محدّدة"، واكتشفت هي مدى ضياعه فضحكت قائلة: "ألم أقل لك إنّ المدينة لا تصلح؟"، وفي النّهاية لا يجد مكانًا يجتمعان فيه، سوى دكان العائلة التّاريخيّ شرق المدينة.
طبعًا، علينا ألّا ننسى أنّ هذا كان في فترةٍ سابقة، فنابلس مع مجيء السّلطة الفلسطينيّة اختلفت في هذا الجانب، وصار فيها أماكن يمكن أن يجتمع فيها شاعر وامرأة، إن لم يكونا تحت المجهر.
ونابلس كما يقول عنها أمجد مدينة أحبُّ الأشياء إلى قلبها الإشاعات، ومع ذلك يحنّ أبناؤها إليها وهم بعيدون عنها، فالمتكلم وهو في عزلته في مدينة ثانية، يتذكر ساعات خاصّة بها، وبخاصّة وقت الأصيل، فهذا الوقت هو "وقت مدينتك البعيدة، دكان أبيك، رائحة السّوق العتيقة، ما بعد صلاة العصر بقليل، رشرشة مياة تمتزج مع صوت فريد الأطرش الّذي كان أبوك يهوى صوته، كنت تتّحد في تلك اللحظات، وعندما تفاجئك الذاكرة بها الآن، تتّحد بها وتعشقها أكثر... هي مدينتك وشارع حبّك الّذي كان وطنًا لحبك وقت الأصيل، بضع حميميّة غريبة عن مدينة لا تحبّذ الأشجار كثيرًا، بقدر ما تحبّذ صناعتها المحليّة والتّرويج لها ولهمومها اليوميّة".
مداخلة عريفة الأمسية عدلة شداد خشبيون: 
كيفَ لي أنْ أقفَ هنا ولا ألتمِسَ الهُناك.. كيفَ لي أن أكونَ هناكَ ولا ألتمِسَ الهُنا.. هي ليست أحجية لا ولا لغز يُعاندُ المنطق، هو يومٌ مُميّزٌ شاءتْ لي الأقدارُ أن أقفَ مِن خلالِهِ اليومَ  هنا، وقبلَ التّحيّة الّتي أحتارُ كيفَ أُطرّزُها، وأنا الّتي لم تعجزْ مرّة عن تطريز أيّة تهنئةٍ أقولُ: ما بالُ الخيطُ يُعانَدُ، والقماشُ يُطارَدُ، والإبرةُ توخِزُ؟ هل حقًّا ابتهجَ آذارُ وخنقَ كلّ شوكةٍ في دربِ الأخيار؟ مساؤُكِ رحمةً أمّاه، فلولاكِ لم يَجْرِ نهرُ عطائي والحياة. مساؤُكم ربيعيٌّ بامتياز، مَن منّا لا يُحبُّ الرّبيع؟ مَن منّا لم يُراقبِ السّماء؟ اللّيلُ يطولُ ولو قصُرَ، والنّهارُ يقصرُ ولو طال. هو آذارُ يا أمّي، عادَ بأزهارِهِ وعبيرِهِ، عادَ بيومِهِ المُميّز، ولم تعودي معه، لا بل ها أنت عائدةٌ معهُ بكلّ تفاصيلِهِ. كلّ عامٍ وأمّهاتنا بألف ألف ربيع وخيرٍ ينبضُ بالحياة.
الإبداع ليسَ مُقتصرًا على الكلمةِ المكتوبة، بل هو كلُّ ما يهزّ النّفسَ والرّوحَ، ويجعلُ القلبَ ينبضُ بسرور، وهذا ما لمسناه مِن خلالِ تجوالِنا في إبداع فنّانتيْنا أصالة حسن وصبحيّة حسن، فنقلتا لنا بريشتيهما وفكرهما أجملَ لوحاتٍ، بوركتِ يا أصالة وبوركتِ يا صبحيّة وبورك العملُ الفنّيّ. 
أصالة حسن فنّانة تشكيليّة: 
من قرية نحف تسكن مدينة حيفا، ترسمُ بألوان الأكريلك، عضوٌ في جمعيّة إبداع جمعيّة الفنّانين التّشكيليّين العرب، حازت على شهادات المرتبة الأولى في عدّة مسابقات، حاصلة على لقب أوّل وثاني في الفنون من جامعة حيفا، واشتركت في عدّة معأرض.
الفنّانة التشكيلية صبحيّة حسن: 
من قرية نحف، ترسم بالألوان الزّيّتيّة على القماش، تحاور الزّمان والمكان بألوانِها ومعأرضها، وبمواضيعَ مستوحاةٍ مِن المحيط الّذي تعيشُ فيهِ، تعبيرًا عن المعاناةِ العامّة والخاصّة، عضو في جمعية إبداع، حازت على جائزة أفضل لوحةٍ تعبيريّةٍ، في مسابقةِ الرّسم الّتي أقيمت في إحياء الذّكرى الخمسين لمجزة كفر قاسم، حاصلة على اللّقب الأوّل وشهادة تدريس في موضوع الفنون. 
باسم محمد صالح أديب الخندقجي: 
عريسُ أمسيتنا، وإنْ غابَ جسدًا، فحضورُهُ رغمَ الغياب قائم، لك تحيّة آذارية بعبير الرّبيع وشذاه، كاتبٌ عاش الخريفَ ربيعًا، وأصرّ على كبتِ عاصفةِ الأيّام بحبرٍ يَنبضُ بكلماتٍ غَنِيّة، وقبلَ الخوضَ بخسوفِ بدرٍ باسميٍّ أصيلٍ. قال جبران خليل جبران: "إنّ السّجينَ المظلومَ الّذي يستطيعُ أن يهدمَ جدرانَ سِجنِهِ ولا يفعلُ، يكونُ جبانًا".
هذه عبارةٌ فيها التّحدّي والقوّة والعزيمة، وهي بيتُ قصيدِ هذه اللّيلة، فباسمُنا الّذي تعذّر عليهِ أن يكونَ بينَنا اللّيلة، لكنّه قلبًا وروحًا هو موجودٌ، أجل، موجودٌ رغمَ عتمةِ سِجنِهِ وقشعريرةِ بدَنِهِ، وها نحنُ في نادي حيفا الثّقافيّ نعانقُهُ مِن خلال كتاباتِهِ وحِبرِ أدبه. هو مِن بلد النّار، من مواليد 1983، درس في مدارس محافظة نابلس. بدأ في مدرسة المعري أولى مراحل الدّراسة الابتدائيّة، وحصل على شهادة الثانويّة العامّة من مدرسة الملك طلال، والتحق بجامعة النّجاح الوطنيّة دراسة خاصّة قسم العلوم السّياسيّة، ثمّ تحوّل إلى قسم الصّحافة والإعلام. بدأ حياتَهُ الطّفوليّة مثل أيّ طفلٍ فلسطينيّ داخل الوطن، عاصرَ جنونَ الاحتلالِ بكلِّ قسوتِهِ ومَعانيهِ، وبدأتِ الانتفاضةُ الأولى وكانتْ محطّةً قويّةً في ذاكرةِ ذلك الطّفل الّذي بدأ ينمو سريعًا أكبرَ مِن طفولتِهِ، وكانَ تأثّرهُ الشّديد بالفكر اليساريّ، واللّيلة نراه في سجنه يبتسم ويغنّي للحريّةِ من خلال أدبه، فها هو هذا الباسم للحياة شوقًا يهدينا حُريّته. 
د. أليف فرانش: 
مُرَبٍّ، مُركّزٌ ومُحاضرٌ في كلّيّةِ أورانيم، ويعملُ في معهد موفيت وكلّيّةِ القاسمي مُحاضرًا ومُرشدًا تربويًّا. مُتخصّص في طرائق تدريس اللغة والأدب، وباحث في الأدب العربيّ الحديث، بشكل خاصٍّ في الأدب البوليسيّ العربيّ، والكتابة الإبداعيّة. 
د. عادل الأسطة: 
أستاذ جامعيٌّ وكاتبُ مقالةٍ أسبوعيّة في جريدة الأيّام الفلسطينيّة، صدرت بعضُ كتبهِ في دمشق والقاهرة وبيروت. مُهتمٌّ بالشّاعر محمود درويش والشّاعر العراقي مظفّر النّوّاب، وبصورةِ اليهود في الأدب العربيّ والرّوائيّ اللّبنانيّ إلياس خوري. وقد كتب ساخرًا: كان يُفترض أن أكونَ هذا المساء في حيفا، لأتحدّث عن كتاب الأسير باسم الخندقجي "نرجس العزلة" وتجربتِهِ الأدبيّة، لكن ماذا أفعلُ وأنا محظوظٌ بوجودِ العظم في الشّوربة؟
جهينة عمر  الخطيب: 
من شفاعمرو حاصلة على الدكتوراه في الرّواية الفلسطينيّة، ورسالتها موسومةٌ بتطوّرِ الرّوايةِ العربيّة في فلسطين48، حاصلة على شخصيّة عام 2016 مِن مؤسّسة سيّدة الأرض رام الله، لدوْرِها الرّياديّ في خدمة القضيّة الفلسطينيّة. أصدرت ثلاثة كتب، وتعمل في مشروع بحثيّ حول الأدب الفلسطينيّ، ومن بين المواضيع الّتي تعمل حاليًّا عليها الآيْروس في الأدب والفنّ التّشكيليّ الفلسطينيّ، وكتاب حول المَسرحيّين الفلسطينيّين، ومُعجم كتاب الأطفال في فلسطين، وكتاب الأديبات الفلسطينيّات نساء بلا قيود. حصلت مؤخّرًا على جائزة الإبداع من وزارة الثّقافة والرّياضةعن فئة البحث الأدبيّ، ناشطة ثقافيّة شاركت في مؤتمرات دوليّة عدّة.

أطلقه (درويش وطوقان والمناصرة)... اليوم العالمي للشعر اقتراح فلسطيني

-   انعقد فى باريس، ومدن فرنسية أخرى (بوردو – غرونوب،مارسيه)، مهرجان (ربيع الثقافة الفلسطينية) لمدة أسبوعين، فى (مايو، 1997)، بمشاركة ثلاثة شعراء فلسطينيين عالميين، هم: (محمود درويش – عز الدين المناصرة – فدوى طوقان)، وهم على التوالى ينتمون للمدن الفلسطينية التالية (عكا – الخليل – نابلس) –كما شارك فى هذا المهرجان المهم، عدد من القصاصين والروائيين من مدن فلسطينية أخرى، أبرزهم: (سحر خليفة – أنطون شمَّاس – زكى العيلة – غريب عسقلانى – ليانة بدر – رياض بيدس)، والمؤرخ الفلسطينى (إلياس صنبر.وقد وصفت (جريدة القدس العربى 2/3/2014)، المهرجان بأنه (يشكّل نقلة نوعية، وغير مسبوقة على الصعيد الأوروبي). وقد حضرت حشود عربية وفرنسية، فاعليات وأمسيات المهرجان، يتقدمهم مثقفون ومفكرون ونقاد فرنسيون منهم: (جاك ديريدا – مكسيم رودونسون – تسفتيان تودوروف),
    كانت أبرز فاعليات المهرجان (ندوة الأدب والمنفى)، كذلك أقيم أضخم ندوتين شعريتين: إحداهما: صباحية محمود درويش الشعرية فى جامعة السوربون – وأمسية عز الدين المناصرة وفدوى طوقان الشعرية فى (مسرح موليير الباريسي). وأقيم حفل توقيع لديوان (رذاذ اللغة) بالفرنسية لعز الدين المناصرة فى (مكتبة ابن سينا فى باريس)، وأقيم حفل توقيع آخر لهذه المختارات الشعرية فى (مدينة بوردو)، بمشاركة ناشر الكتاب مدير دار سكامبيت (كلود روكيه)، الذى قال فى كلمته: (بعد أن قرأت مختارات (رذاذ اللغة ) – أعتقد أن الشاعر المناصرة، لا يقلّ أهمية عن شعراء فرنسا العظام فى النصف الثانى من القرن العشرين) وأقيمت أمسية ثقافية فى (معهد الحضارة)، كذلك أمسية ثقافية فى (مدينة غرونوبل)، وفى (مدينة مارسيه).

- وفي ظل النجاح الكبير لفاعليات المهرجان (ربيع الثقافة الفلسطينية)، اجتمع الشعراء الثلاثة (درويش والمناصرة وطوقان) فى (فندق لوتسيا التاريخي) فى باريس، بتاريخ (15/5/1997)، وتفاهموا حول فكرة (المبادرة الفلسطينية لتأسيس اليوم العالمى للشعر) فأرسلوا إلى فيديريكو مايور، مدير عام اليونسكو الدولية، عبر ممثل فلسطين فى اليونسكو عمر مصالحة – رسالة – بيانا بعنوان: (مانيفستو: الشعر شغف الإنسانية – الشعر جسد العالم) – ووقع الرسالة الشعراء الثلاثة: (فدوى طوقان، مواليد 1917 – محمود درويش – 1941 – وعز الدين المناصرة– 1946) وطالبوا بتخصيص يوم عالمى للشعر فى نهاية الرسالة.


        أطلق على هذه المبادرة صفة (المبادرة الفلسطينية، 15/5/1997). أرسلتْ (اليونسكو) – الفكرة – أو        المبادرة الفلسطينية إلى (30 منظمة ثقافية فى العالم) أو أكثر، وتمت مساندة (المبادرة) من قبل (اللجنة الوطنية المغربية) بتوقيع رئيس الوزراء (اليوسفي)... بتاريخ (29/11/1998). وفى عام (1998، 1999) تواصلت الاستشارات، حتى أصدرت اليونسكو عام (1999) قرارها بالموافقة على فكرة (تأسيس يوم عالمى للشعر). وأعلنت أن يوم (21 مارس) من كل عام، هو يوم عالمى للشعر.

- كتب كثيرون عن هذه المبادرة، ومن بينهم الشاعر والصحفى اللبنانى (أحمد فرحات) بعنوان (تحية إلى شعراء العزلة الكبار) فى (جريدة الاتحاد الإماراتية – بتاريخ 24/3/2016) ما ننقله حرفيا: (لا بُدّ من التنويه بما أعلنته منظمة اليونسكو فى عام 1999، بتكريس يوم عالمى للشعر فى 21 مارس من كل عام، بناء على اقتراح ثقافى عربى فلسطينى مسبق، أعقبه دعم ثقافى مغربي، قدمته (اللجنة الوطنية المغربية 1998)، لليونسكو – كان تقدم به فى عام 1997، الشعراء العرب: (فدوى طوقان – محمود درويش – عز الدين المناصرة) إلى مدير اليونسكو وقتها، الإسبانى فيدريكو مايور، الذى رحَّب بالفكرة، وسهَّل تنفيذها، انطلاقاً من كونه شاعراً فى المقام الأول، ولكونه أيضاً ينتمى لعائلة برشلونية مُطعَّمة بجذور عربية أندلسية، تعود إلى القرن الثامن الميلادي). ويضيف أحمد فرحات فى مقالته قوله: (ينبغى أن نذكر هنا بأن فكرة قيام يوم عالمى للشعر، نبعت أساساً من رأس الشاعر عز الدين المناصرة، باعتراف الشاعر محمود درويش، الذى تبناها من فوره مع الشاعرة فدوى طوقان – وذلك كما أسرَّ لى الشاعر درويش نفسه فى باريس، عام 2004). ويختتم فرحات مقالته بالقول: (فى كل الأحوال ... من المهم جدّا أن نسجّل للعرب، هذه الفكرة الريادية فى المحافل الثقافية الدولية، لا سيما الشعرية منها).


فدوى طوقان(1917- 2003) 
صدرت للشاعرة عدة مجموعات شعرية نذكر منها:
1. وحدي مع الأيام، دار النشر للجامعيين، القاهرة،1952 م.
2. وجدتها، دار الآداب،بيروت، 1957م
3. أمام الباب المغلق.
4. الليل والفرسان، دار الآداب، بيروت، 1969م.
5. على قمة الدنيا وحيدا ً.
6. تموز والشئ الآخر.
7. اللحن الأخير، دار الشروق، عمان، 2000م.
8. واشقيقاه -2018. 


دواوين (محمود درويش(1941-2008) ،ومنها :

1. عابرون في كلام عابر. ط. 2. بيروت: دار العودة، 1994
2. ورد أقل. ط. 6. بيروت: دار العودة، 1993.
3. أحد عشر كوكبًا. ط. 4. بيروت: دار العودة، 1993.
4. هي أغنية، هي أغنية. ط. 4. بيروت: دار العودة، 1993.
5. أرى ما أريد. ط. 3. بيروت: دار العودة، 1993
6. أعراس. ط. 3. بيروت: دار العودة، 1993. (نشرت الطبعة الأولى عام 1977)
7. ديوان محمود درويش. بيروت: دار العودة، 1994
8. خطب الدكتاتور الموزونة. حيفا: دار راية، 2013.
9. حصار لمدائح البحر. ط. 5. بيروت: دار العودة، 1993. (نشرت الطبعة الأولى عام 1984
10. تلك صورتها وهذا انتحار العاشق. ، 1993. (نشرت الطبعة الأولى عام 1975).
11. محاولة رقم 7.  (نشرت الطبعة الأولى عام 1973
12. العصافير تموت في الجليل ،(نشرت الطبعة الأولى عام 1969
13. أوراق الزيتون. (نشرت الطبعة الأولى عام 1964
14. أثر الفراشة : يوميات. بيروت: 2008.
15. كزهر اللوز أو أبعد . طبعة خاصة. رام الله2005.
16. لا تعتذر عما فعلت. بيروت2004.
17. حالة حصار. بيروت2002.
18. جدارية. بيروت2000.
19. لماذا تركت الحصان وحيدا. بيروت، 1995.
20. لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي : الديوان الأخير. بيروت: ، 2009.
                        ترجمت قصائده الى أكثر من عشرين لغة 

دواوين عزالدين المناصرة (1946-.....) 
1. يا عنب الخليل، بيروت، 1968. 
2. قاع العالم، بيروت، 1969. 
3. مذكرات البحر الميت، بيروت، 1969. 
4. قمر جَرَشْ كان حزيناً، بيروت، 1974. 
5. بالأخضر كفّناه، بيروت، 1976.
6. جفرا أُمّي، بيروت، 1981. 
7. كنعانياذا، بيروت، 1981. 
8. (حيزيّة: عاشقة من رذاذ الواحات)، عمّان، 1990. 
9. مطرٌ حامض، قبرص، 1992. 
10. لا أثق بطائر الوقواق، رام الله، 2000.
11. البنات، البنات، البنات ـ عمّان، 2009.
12. (باللغة الفارسية): مختارات من شعره بعنوان (صبر أيوب)، ترجمة الدكتور موسى بيدج، طهران، 1996. 
13. (باللغة الفرنسية): مختارات من شعره بعنوان، (رذاذ اللغة)، ترجمة: الدكتور محمد موهوب، وسعد الدين اليماني، دار سكامبيت، بوردو، فرنسا 1997. 

14. (باللغة الإنجليزية): (مختارات) من شعره، ترجمة: الدكتور عيسى بُلاّطة، منشورات مهرجان الشعر العالمي، روتردام، هولندا، 2003. 
15. (باللغة الهولندية): (مختارات) من شعره، ترجمة كيس نايلاند، منشورات مهرجان الشعر العالمي، روتردام، هولندا، 2003. 
16. يتوهج كنعان، (مختارات شعرية)، دار الصايل، عمّان، 2008. 
17. (باللغة الفرنسية) ،(الخروج من البحر الميت)، (مختارات شعرية)، ترجمة: محمد ديوري (المغرب)، الصايل للنشر والتوزيع، عمّان، 2012
18. باللغة الانجليزية: (مذكرات البحر الميت)، ترجمة: عوني أبو غوش، 2013.
19. باللغة الانجليزية: (قاع العالم)، ترجمة: عوني أبو غوش، 2013.
20. توقيعات عز الدين المناصرة (إبيجرامات = هايكوعربي)ـ ط2، الصايل للنشر والتوزيع، عمّان، 2013.
21. الأعمال الشعرية (في مجلّدين) ــ صدرت (الطبعة العاشرة)، الجزء الأول، المجلس الأعلى للثقافة بمصر، عام 2016 ــ (ولم تصدر أية طبعة من مجلدي أعماله الشعرية في مسقط رأسه فلسطين، حتى اليوم).
22. لن يفهمني أحدٌ غير الزيتون (مختارات شعرية)، وزارة الثقافة الفلسطينية، ط4، 2017

رئيس "جمعية محترف راشيا" شوقي دلال يلتقي سفير السعودية في لبنان وليد البخاري ولوحتان بريشة دلال لآثار العلا

من ضمن عمله لنشر روح المحبة من خلال الفن بين لبنان والدول الشقيقة إلتقى رئيس "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" و"امين عام تجمع البيوتات الثقافية في لبنان" شوقي دلال سفير المملكة العربية السعودية وليد بن عبدالله البخاري في مقر السفارة بيروت وكان لقاء ثقافي فني إجتماعي تم البحث فيه بقضايا ثقافية وفنية تهم بلدينا الشقيقين

دلال قال في اللقاء: اتوجه اليوم للملكة العربية السعودية وقيادتها العزيزة وشعبها الشقيق بتحية محبة من ريشتي ومن خلال ما رسمته سابقاً 

لآثار منطقة العلا التاريخية في المملكة والتي تدل على تاريخ المملكة العربية السعودية العريق وهي لوحتان من ضمن رسالتي في الفن لنشر المحبة والتلاقي بين بلدينا الشقيقين وبإذن الله سوف أكمل هذا الرسالة من خلال رسمي لعدد من المواقع الأثرية والتراثية في المملكة وأغتنمها فرصة لأوجه تحية من القلب لسعادة السفير وليد البخاري على ما يُكنه من محبة كبيرة للبنان وشعبه وثقافته من خلال ما سمعت منه من حفظه لتاريخ العلاقة بين لبنان والسعودية خاصة مرحلة التأسيس والتي ساهم فيها ثقافياً وروحياً أمير البيان الامير شكيب ارسلان والعديد من الادباء اللبنانيين وهذا يؤكد على ما يربط بلدينا الشقيقين من أواصر محبة كانت وستبقى بإذن الله" 

وفي ختام اللقاء قدم دلال للسفير البخاري لوحتين مائيتين بريشته تمثلان آثار منطقة العلا التاريخية.

جولة في روح الفنان وليد الجعفري

بقلم وعدسة: زياد جيوسي ـ
   حين كنت في زيارة للدوحة وقطر علمت بمعرض "تشكيليون أردنيون" للفنان الصديق وليد الجعفري والفنان رزق عبد الهادي، وحين مررت عبر عمَّان عاصمة أردننا الجميل عائدا للوطن، لم أضيع الوقت فاتجهت إلى صالة عرض الفنون في بنك القاهرة عمان برفقة الفنانة التشكيلية ربا أبو دلو لمشاهدة المعرض، فلوحات الفنان وليد الجعفري لها عبق خاص وسبق أن شاهدت الكثير من أعماله أثناء مشاركتي في معرض الكتاب في الشارقة قبل سنوات، وصورت اللوحات وكتبت مسودة قراءة نقدية انطباعية عن ابداع الفنان، لكن عطل فني طارئ بحاسوبي أضاع جهدي أثناء العودة، فوجدت في المعرض الحالي فرصة كبيرة لاستعادة ذاكرة بعض مما فقدت.
   الفنان وليد والفنان رزق أبدعوا في هذا المعرض المشترك، وسأتناول في إطلالتي هذه أعمال الفنان وليد الجعفري ثم سيلي ذلك أعمال وإبداع الفنان رزق عبد الهادي، فالفنان وليد وبجولة في أعماله التي شاهدتها في المعرض تميز بقدرة فنية كبيرة وبصمة خاصة به، فهو يستخدم مادة أذكر أنه قال لي أنها من ابتكاره من خلال جهد كبير من التجارب، وهي مادة تمنح اللوحة أبعاد ثلاثية وشكل أشبه بالسيراميك ولكنها ليست سيراميك،  وأعماله التي شاهدتها معروضة بالمعرض بلغت 25 عملا، يمكننا أن نحيلها إلى ثلاث فضاءات حسب الموضوع في اللوحة، فالمجموعة الأولى كانت تحلق في فضاء المكان بينما المجموعة الثانية في فضاء الوجوه والأجساد والثالثة حلقت في فضاء الرمز، وسأتناول نماذج من هذه المجموعات:
   فضاء المكان: الوطن السليب لم يفارق الفنان في لوحاته، فالفنان من مدينة الرملة التي هُجر أهلها عام 1948 وهو نفس العام الذي ولد فيه الفنان في مدينة لم يستطع أن يراها بطفولته، لكنها كما الوطن لم تفارقه وهذا ما نلمسه من خلال مؤلفاته العديدة وأبحاثه كدكتور في العلوم السياسية، وما أذكره من حديثه عن الوطن في لقائنا الأول ربيع 1974 في بغداد حين كنت طالبا بالجامعة إبانها، وفي هذا المعرض شارك بخمسة من لوحاته عن المكان كان القاسم المشترك في أربعة من اللوحات مدينة القدس بمآذنها وأبراج كنائسها وبيوتها التراثية الضاربة القدم في تاريخها، إضافة أن لوحة من اللوحات الأربعة تميزت بوجود عبارات مكتوبة تمازجت مع المكان ومنحته قدسية خاصة (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله)، وإضافة للعبارات المكتوبة كانت هناك الرموز الكنعانية والمتوارثة عبر الآف السنين، ولم يغفل الفنان الرمز الفلسطيني الذي يرمز لحلم العودة وهو المفتاح، فمن المعروف أن الكثير حين أجبروا على الهجرة حملوا مفاتيح بيوتهم على أمل العودة القريبة والتي طالت كثيرا، فتوارث الأبناء والأحفاد هذه المفاتيح التي أصبح لها رمزية وقدسية خاصة، بينما اللوحة الخامسة من فضاء المكان كانت تختلف عن سابقاتها فقد صورت الطبيعة والأرض وشجر الزيتون بطريقة لافتة للنظر وليس مجرد مشهد طبيعي عابر، فعبرت بصمت عن الالتزام المتبادل بين الإنسان والأرض.
فضاء الوجوه والأجساد: من خلال سبعة لوحات غاص الفنان وليد الجعفري في أعماق الروح الإنسانية وعكس هذا في معظم اللوحات على الوجوه أو على الأجساد، فهناك 3 لوحات رسمت الوجوه مباشرة بأسلوب فني تشكيلي وكان القاسم المشترك فيها الحزن والألم ولكن قسمات الوجوه حملت أيضا ملامح الغضب، لكن الفنان في اللوحات الأخرى جعل التعابير في الجسد البشري سواء منفرداً أو من ضمن مجموعة، فكان الجسد هنا لغة ناطقة معبرة عن الألم والأمل، المعاناة والاحتمال، الأمس والغد، فكان الجسد بطريقة رسمه يروي حكاية بصمت إن لم تكن حكايات، والقدرة على تطويع الجسد البشري للتعبير مسألة ليست بالسهلة، فالوجوه يمكن منحها التعابير بسهولة بعكس الجسد الصامت بدون تعابير وحركات راقصة، فيعبر عن الألم الذي يجتاح الروح من خلال إبداع ضربات الفرشاة أو الأسلوب الفني المستخدم، ولو نظرنا الى لوحتين إحداهما لامرأة والأخرى لرجل وهي تمثل الجسد من منتصفه الأعلى، لشعرنا بحجم القهر الذي يسود الأعماق، بينما بالمقابل هناك لوحة تمثل شخصين متلاصقين معبرة عن الوحدة في مواجهة الألم والنظرة للوجهين نظرة أمل للغد، وكذلك اللوحة التي ضمت سبعة أشخاص مثل كل جسد بها بعض من حكاية ألم
مشترك، مع ملاحظة لجوء الفنان إلى رسم سبعة أشخاص بما يمثله هذا الرقم من موروث ديني وتراثي.
فضاء الرمز: اللوحات الحافلة بالرمزية واستخدامها لتعبر عن افكار الفنان وأهدافه كانت هي الفضاء الأوسع في لوحات الفنان، فعبر 13 لوحة لم يتوقف الفنان عن تدفق الرمزيات المرتبطة بالتاريخ الفلسطيني في لوحاته، فكان الرمز يعبر بهدوء وصمت عن تاريخ حضارة بدأها كنعان قبل أكثر من عشرة آلاف وخمسمائة سنة من خلال بناء مدينة أريحا "مدينة القمر" الكنعانية، مرورا بالحضارة الإسلامية العربية والحضارات التي تمازجت مع الحضارة الكنعانية، فنشاهد بعض من التداخل في الرمزيات المستخدمة في اللوحات، فهناك لوحات ضمت رمزيات تعود للحضارة الفرعونية، ورمزيات أخرى مستمدة من حضارة ما بين الرافدين في العراق.
   هذا التمازج بين الرمزيات كان أشبه بكتاب تاريخ مرسوم يشير لواقع كانت تحياه المنطقة بتلك الفترة، فالعلاقات بين تلك الحضارات تراوحت بين الجوانب التجارية كما تشير السجلات عند الفراعنة عن علاقات تجارية ربطتها بالكنعانيين، وأيضا بين حضارة الكنعانيين وبين حضارات ما بين الرافدين، وفي جانب آخر المعارك والاحتلالات التي خضعت لها فلسطين سواء من الفراعنة أو من البابليين، وهذا خلق تمازج حضاري بين شعوب المنطقة، وهذا ما نلاحظه بوضوح في لوحات حفلت بالرمزيات للفنان وليد الجعفري.
  فاستخدام الكف وفي وسطه العين واستخدام الخرزة الزرقاء وهي من رمزيات مقاومة الحسد نجدها لدى الفراعنة إضافة للكنعانيين، والقباب والأهلة بعض من رمزيات تراوحت بين الفترة الكنعانية والفترة الإسلامية التي أعطت للمنطقة طابعها الخاص، إضافة للفخار المزجج (السيراميك) بألوانه الزرقاء الفيروزية المتميزة الذي تميزت به حضارات ما بين النهرين واستخدم نفس اللون في النقوش الفرعونية مع اختلاف الأسلوب الفني، ولو نظرنا إلى لوحة يتوسطها القلب لوجدنا فيها خلاصة الرمزيات التي كانت مستخدمة في الحضارة الكنعانية بشكل خاص، إضافة لكلمات تعبر عن ارتباط ابن فلسطين ببحره السليب، وحين ندقق بالرمزيات المستخدمة بأشكالها المختلفة نرى فيها النقوش التي تستخدم في تطريز الثوب الفلسطيني والذي تعود نقوشه المستخدمة للفترة الكنعانية.
   اللون كان من وسائل الرمزية المستخدمة لدى الفنان، فمعظم الألوان المستخدمة كانت ألوان حارة ودافئة تراوحت بين الأحمر والأحمر الأرجواني والبرتقالي وهي ألوان تطغى على الأثواب الفلسطينية، إضافة للون الأبيض وتوشيحات باللون الأخضر والأصفر وكلها ألوان ارتبطت بالتراث القديم والتاريخ ولم يأت استخدام الألوان من الفراغ أو مجرد عبث لوني بلا معنى، وهذا ما نلاحظة بالدوائر الصغيرة التي حملت اللون الأزرق الفيروزي فهي كانت مساحات محدودة الاستخدام كونها دخلت من حضارات أخرى للمنطقة فكان تأثيرها أقل من الألوان الأخرى وخاصة الأحمر الأرجواني، فاللون لدى الفنان هو لغة تعبيرية يمكنها أن توصل ما بداخل الفنان وماذا يفكر به إن أجاد استخدامه، وما عدا ذلك يكن عبارة عن ألوان بلا هدف ولا معنى ولا لغة ولا تعابير.
   ونهاية في هذه الجولة السريعة لا بد أن أشير أن الفنان أبدع في لوحاته وهناك لوحات تميزت فيها فحملت عبق المكان والتراث والتاريخ، ولكن لجوء الفنان في معظم اللوحات للرمز يجعلني أشعر أن معظم لوحاته موجهة للنخبة التي تمتلك خلفية ثقافية كبيرة للحضارات التي مرت بها المنطقة وخاصة الكنعانية، فمن لا يمتلك هذه الخلفية لا يمكنه أن يفهم اللوحات ورموزها وسيكتفي بتأمل الجماليات اللونية والشكلية في اللوحات مع إحساس وشعور غامض أن هناك خلف ذلك حكاية ترويها اللوحات.