مجلس إدارة مهرجان "من قلبي سلام لبيروت" يزور مرتضى لمتابعة التحضيرات



زار وفد من "مجلس ادارة مهرجان سبوت شوت فيلمز الدولي" برئاسة المخرج بلال خريس، وزير الثقافة عباس مرتضى في مقر الوزارة، لتقديم الشكر على رعايته المهرجان المرتقب تحت عنوان "من قلبي سلام لبيروت".

فوضع خريس الوزير مرتضى في أجواء التحضيرات لإطلاق المهرجان والاعلان عن البرنامج خلال مؤتمر صحفي قريباً. وخلال اللقاء نوّه مرتضى بأهمية مشاركة 120 دولة بـ 2605 أفلام قصيرة ضمن الفعاليات، كدليل واضح على اهتمام العالم بلبنان وتحديداً بيروت. وقال: "نحن نعمل كوزارة ثقافة بالشراكة مع كل العاملين في هذا القطاع بهدف بلسمة جراح الناس من الوجع والالم، وتجديد الروح وتكريس ثقافة الأمل سيما بوجود طاقات هائلة تقدم نفسها في الازمات من دون مقابل".

وذكر خريس أهمية المهرجان على الصعيد الوطني لناحية اعادة بورصة الثقافة السينمائية الى بيروت، ومعها الدورة السياحية التي سترافق حضور المشاركين في المهرجان من كل أقطار العالم، بالاضافة الى اللجان العربية والأجنبية الحاضرة.  

كما أكد وفد مجلس إدارة المهرجان المؤلف من المخرج بلال خريس والمخرج علي كلش والفنان سعد حمدان والمنتج هادي حجار والاعلامية هناء حاج والمصور خالد عياد، وكان المشرف عام للمهرجان النجم الكويتي داوود حسين على تواصل مباشر معهم، وأكدوا على أهمية مشاركة دول العالم كتحية حياة الى بيروت، وأن المشاركين في المهرجان جمع كل العالم في شكل متساوٍ من دون تمييز.  

وخُتمت الزيارة على أن يحدد موعد انطلاق فعاليات المهرجان خلال القريب العاجل.


أسرى وحكايات في فضاء عمان



تقرير: حسن عبّادي/ حيفا

عقدت رابطة الكتاب الأردنيين مساء الاثنين 26.07.2021 في العاصمة الأردنية عمّان عبر تطبيق زوم الندوة الحادية عشرة لمبادرة "أسرى يكتبون"، وخصصت لمناقشة كتاب "أسرى وحكايات" (من فن السيرة في السجون) للأسير أيمن ربحي الشرباتي الملقّب بـ (المواطن)، وأدار الأمسية الشاعر محمد خضير الذي تحدث عن الكتاب وأدب السجون، وقرأ نصوصاً من الكتاب. وقد حضر الندوة العديد من الأدباء والكتاب والمهتمين بأدب الحركة الأسيرة.

افتتح باب المداخلات الأديب المقدسيّ محمود شقير بتحيّة للأسرى خلف القضبان، وقرأ رسالة بعثها للكاتب يوم 24.11.2020 وتطرّق لكيفية كتابة الكتاب ورؤيته النور، وأسلوبه واستخدامه الفكاهة بطريقة ذكيّة.

 تلاه الكاتب صالح حمدوني بمداخلة عنونها: "سفر التنكيل"، وجاء فيها: "ينقطع الفعل الإنساني في حالتين: "في الأسر ترفض الروح إلا تأكيد وجودها، لذا تتحوّل الكتابة إلى فعل تُقاوم الروح من خلاله لتأكيد حضورها، وإصرار جسدها على البقاء من خلالها، الكتابة ملاذ أخير، وربما وحيد، ليقول الأسير بعد 24 عاماً من الأسر، أنه موجود وحيّ."

وفي مداخلة للكاتب محمد عويسات بعنوان "مقاومة الضّياع في عتمة الزّنازين" تناول فيها الناحية الموضوعية والفنيّة وقال: "أبرز ما يسم الكتاب هو الحشد العظيم من الاستعارات والمجازات والتشبيهات والتّصوير البيانيّ، التي منحت نصوصه لمسات جماليّة رائعة، وإن كان تواليها متراكبة متكاثفة يأتي أحيانا على حساب الفكرة."

تلتها كلمة للأسير أيمن الشرباتي، ألقاها نيابة عنه ابنه علاء، شكر فيها القيّمين على الندوة وكلّ من ساعده في النشر، وتحدّث عن أهميّة الكتابة والنشر بالنسبة للأسير "بدأت بالكتابة بعد وصولي إلى قناعة بأن الصراع العربي الإسرائيلي ما هو إلّا صراع  روايات بالدرجة الأولى والأخيرة فقرّرت أن أجعل من قلمي بندقيّة مشحونة بذخيرة الأحرف، وأن أجعل لغتي خندقُا ونصوصي حصنًا افتراضيًا في وجه سجّاني".

كما وشارك في النقاش الأديب جميل السلحوت والقاص مصطفى عبد الفتاح، والأديب سعيد نفاع (الأمين العام لاتحاد الأدباء الفلسطينيّين الكرمل 48) وقرأ قصّة بعنوان "المواطن يكتب القصّة".

وكانت المشاركة الختاميّة للمحامي الحيفاوي حسن عبادي الذي شكر بدوره ميسّر الأمسية ورابطة الكتّاب الأردنيّين، راعية المشروع، كما تحدّث عن أهميّة الكتابة بالنسبة للأسير "إنَّ الكتابة خلف القضبان متنفّس الأسير، يرسم الوطن وقوس قزح يتكوّر في أعالي السّماء ليعانق شمس الحريّة... نعم؛ الحريّة خير علاج للسّجين". 



في البدء كان العراق: كتاب جديد للأب يوسف الجزراوي

 


صدر للاديب العراقي المغترب الاب يوسف جزراوي مجموعة شعرية جديدة بعنوان (فِي البَدْءِ كَانَ العِراقُ) عَنْ الاتحاد العام الكتّاب والادباء العراقيين / فرع ميسان.

تقع المجموعة  فِي ٢٣٦ صفحة مِنْ الحجم الوسط.

تقديم الشاعر جوزيف موسى إيليا ودراسة الشاعر والناقد حامد عبد الحسين حميدي رئيس اتحاد كتّاب ميسان.

**


(في البدء كان العراق) اشتغالات  المنفى ومنظومة الذاكرة اليقظة .

حامد عبدالحسين حميدي – ناقد عراقي 


(1)

النصُّ المحفّز الذي يوقظُ فينا رغبةَ التأمل والمتابعة ، هو نصٌّ فاعلٌ بامتياز ٍيعتمدُه الشّاعر مِن خلال منظومةِ ارسالياتٍ محدّدةٍ ومتكاملةٍ الرؤى، ثمّ يتلقفها القارئ وبشحناتٍ متتاليةٍ لتكشفَ له فيما بعد عن حُزمة مُترابطة مِنَ التداعياتِ الداخليةِ والخارجيةِ ، فعالمنا الباطنيّ متراكمبجملةٍ من التورطات المتخمة بواقعٍ لا يحتملُ إلا أبعاداً متفاوتة ، ربّما في نهاية الأمر تحرّضُنا على الانفلاتِ أحياناً أو التمسكِ أخرى بماتبقى لنا ، وشتانَ ما بينَ الاثنتينِ ، فللمفردةِ والتركيبِ خطورة أقوى مما يتوقعه الآخرون ، والقارئُ الفاعل يجدُ فيها لذّة ومتعة التقصيّ عن تلكالفضاءات المُزدحمة في ماهيات النصِّ الناطق ولو ضمنياً ، نحنُ هنا سنتعرفُ على شاعرٍ امتلكَ كلَّ الأدواتِ الفنيةِ الناجعةِ ، واتضحتْأمامنا قدرته على تطويعِها وبحسبِ ما يقع نُصْب عينيه ، مِن يومياتٍ متناقضةٍ ، فهو مُدركٌ لكلّ ما يدورُ حوله ، مِن عبثية ضاجّة ، وفوضويةخارجة عن حدودِ المعقول ، مما ولّدتْ لنا مسارات مختلفة ، ذات فِكرٍ صادِم وبعيد كلّ البُعد عما جُبِلنا عليه ، لعلّ(الأب يوسف جزراوي) فينصوصهِ يتحركُ وعلى وفق منظومةٍ داخليةٍ ذات نسقيةِ الشّعور المتجذّر لوطنهِ ، واحساسهِ المُرهف في خلقِ عالمه الخاصّ بعيداً عن وسوسةِالغرباءِ الذين يحاولونَ تمزيقَ صورةِ الوطنِ وتدميرَ معالمهِ الأثريةِ وضياعها : 

عن دموع كاهنٍ بغدادي 

بكى وطنه حنيناً 

على حواف الأرصفة 

المُبتلة بدموع الغرباء .. ( آثار دمعة)

ممّا توالدتْ لديه صورٌ أخرى لهم ، فالموتُ والدمارُ وتشظّياتُ الواقع المريرِ ، وفجيعةُ مخلفاتِ الاحتلالِ المقيت ، وتغييرات في ديموغرافيةِالانسانِ العراقيّ ، وهذيانات الدروبِ الحالكةِ ، التي كانتْ وما تزالُ تعجّ بالخرابِ والفسادِ ، بعدما كانَ العراقُ بلداً آمناً مُطمئناً ، خيرُه الوفيريمتدُ الى الشّعوبِ الفقيرةِ المحتاجة ، ليشبعها محبّة وسلاماً ، هذه الصّورةُ الشّعريةُ المحفّزةُ لذهنيةِ القارئ ، تكمنُ فيها استرجاعيةَ ذاكرةٍيقظةٍ :

وكيف أرثي شعباً 

كفّه صارت صحناً 

لشعوب افتقرتْ وجاعتْ ( نخلة استطالت بها المنايا).

ثمّ تتنفّسُ لديه رئتا الصّبر بأيقونةِ الانتظار، وهو يداعبُ أمله علَّ بارقةً منها تطفئ ذلك الهوسُ الرافدينيّ والعشقُ الممزوج بنكهة الفنجانِ الذيتفوحُ منه رائحةُ القهوةِ :

فالانتظار سيجلس 

على مقعد بقربك 

يثرثر كثيراً ببلادة 

وينتظر بفارغ الصبر 

مكاملة من وطن 

يدعى الانتظار !! ( قارئة الفنجان).


(2)

غلبتْ على أسلوبيةِ نصوصِ (الأب يوسف جزراوي) مسحةُ الصّور الدينيةِ والاقتباساتِ والتضمينات مِن الكتبِ السّماوية المنزّلة والحكموالأمثال والطقوس الشعبية المشهورة ، لِما يمتلكُه مِن تطلعاتٍ ثقافيةٍ ودينيةٍ عاليةٍ ، وقيمةٍ انسانيةٍ رفيعةٍ ولما يحملُ بينَ خافقيه مِن هدفٍ نبيلجعلَ مِن نصوصهِ ، مُرسلات ذات طابع انساني لا تشوبه شائبة ، فصوتُ التسامح والمحبّة والسلام ، وتوحيد الرّؤى ونبذ الفرقة والتناحروالبغضاء كانتْ أبرزُ ما حملته نصوصُه ، ودعتْ إليه ونطقتْ بمفهومات كبيرة ، لتكونَ مِحوراً مهمّاً في تقريبِ مفهوماتِ الرّسالات السّماويةوبما تضمنته مِن مبادئ عليا ضِمن خطابياتِ ( النداء والاستفهام ) :

وبصمتٍ عاتب السماء 

ربّاه 

ما هذا الشقاء ؟

لا تغفر لهم

لأنهم يعلمون ما يفعلون .. ( لقد مات أعزل) 

لتهيمنَ على نصوصهِ النّزعةَ الرّوحيةَ الطافحةَ بكلّ كمالياتِ الذّات المسالمةِ ، والجوّ الهادئ الذي تنسجمُ فيه طقوسٌ ذاتَ منحىً تراتيليّ ،لتتعالى الأصواتُ هاتفةً ، أنّ الحياةَ لعمل الإنسان الحرّ الخالد ، لمَنْ يوقدُ شمعة لينيرَ بها طريقَ الآخرينَ ، كما نجدُ ميولَه الى استخدام ماتداولَ على ألسنةِ الناسِ واشتهر ، ومنها : 

وقلت لنفسي :

كذب المنجمون ولو صدقوا

لكن على ما يبدو

أنها صدقت في كذبتها !! ( قارئة الفنجان) 

فعبارة ( كذب المنجمونَ ولو صدقوا ) مقولة متداولة ومشهورة ، وكذا استخدامه (اتقِ شرّ مَن أحسنت أليه !!) ، في قوله :

لئلا تردّد مع القائلين :

اتقِ شرّ من أحسنت إليه !! ( قارئة الفنجان)

في أغلبِ نصوصهِ ، نجدُه يحاكي لغةَ القرآنِ الكريم مُقتبساً قوله تعالى : ليس على الأعمى من حرج ) في قوله :

وليس على المغترب 

حرج في ذلك!! ( قارئة الفنجان )

كما نجدُ في أسلوبهِ ثورةً عارمةً لا يمكنه أنْ يخفيها بل يطلقَ لها العنان مع تصاعدِ غلواء الرّوح المتأججة الثائرة، وهو يعاني من غربتهِوابتعادِه عن موطنهِ الأصليّ ليكونَ رهينَ منفى و حلمٍ لا حدَّ له :

احذري أن تقتفي أثر مهاجر 

منحه الاغتراب جنسيتين 

في وقت يأبى ساسة وطنه 

منحه أمان الإقامة !! ( احذري ) .

فمعالمُ صورته الحقيقية التي تظهرُ لنا جلياً بينَ نصوصهِ هنا وهناك ، فيها إيمانٌ مطلقٌ بالفكرِ الهادفِ غير الملوث بالمظاهر الدنيوية الزائلةحيثُ شخصيته المتحرّرة والمنسجمة مُجتمعياً مع كلّ المكوناتِ :

لي فكر يختلف 

ينبذ التخلف والتعصب 

لا يمتّ الى العنصرية بصلة 

ولا يستهويني التخوين 

إذ لست من هواة 

تمزيق الصورة الاجتماعية للآخرين . ( احذري ).


(3)

القارئُ سيجدُ في هذه المجموعةِ الشعريةِ ، علائقيةُ الشاعرِ بالوطنِ ونخيله وكلّ ما طرأ عليه من حوادثٍ جمّة ، رغبةً منه في عدم الانسلاخ عنه، لأنّه ابن بارّ يعي ما يدور خلفَ الكواليس من مؤامراتٍ كبيرة ، تحاولُ من خلاله القوى الخارجية الاطاحة به ، وزّجه في دهاليز الظلمة الأبدية، مما جعله متعلّقاً بكلّ حدثٍ صغيرٍ أو كبيرٍ مترقّب ليرى أنّ روحَه عالقةٌ هناك : 

وعلام التعلّق بعراقيّ 

عيناه كشاشة تلفاز 

تبث أحزان العراق .. ( أحذري ) 

كما نلحظُ النفسَ الشعريّ الطويل الذي يحظى به (الأب جزراوي) لتمتدَ قصائدُه ضمنَ فضاءاتٍ شاسعةٍ من الأسطر ، تتحرّك بحريةٍ تامّةٍ ،وبأسلوب ذي منحى منبسط سلس فلا تعقيدَ ولا نبو ، بل فيه كتلة من التناغمات المترابطة ، هذا الأمر ربّما يعودُ لكونهِ رجل دين واعٍ ، اعتادَعلى تلاوة الصلوات التي طالما تبركنا بسماعها ليجسّ مكامن الوجع والحزن في قلوبنا ، ليضمدَها بالغفرانِ والابتهالِ الى اللهِ تعالى ليمسحَعنّا كلّ الذنوبِ ...


العناب المر على مائدة النقاش في مكتبة بلدية نابلس






تقرير: فراس حج محمد

عقد منتدى المنارة للثقافة والإبداع في حديقة مكتبة بلدية نابلس يوم السبت 24/7/2021، وبتعاون مشترك ما بين المكتبة وبيت الفكر والثقافة الشبابي، ندوة خاصة لمناقشة رواية "العناب المر" للكاتب الفلسطيني أسامة مغربي، واستهل اللقاء السيد ضرار طوقان مرحبا بالكاتب والمتحدثين والضيوف، مبينا أهمية مناقشة هذه الرواية كون كاتبها أسيرا محررا، وتتناول الرواية حدثا مهما في حياة الشعب الفلسطيني، وهو الانتفاضة.

وبين عضو منتدى المنارة الشاعر مفلح أسعد مدير الندوة دلالات العنوان، ومآلاته في النص وفي الواقع، حيث تذوق الناس مرارة تلك الحقبة التي لم يكن يطمح الفلسطيني لتكون هذه هي نتيجة تلك التضحيات.

وتوقف الدكتور خليل قطناني عند المكان في الرواية، متحدثا عن المكان وأنماطه وتشكلاته والمكان الأليف والمكان المعادي، وفرّق بناء على رأي غاستون باشلار في كتابه "جماليات المكان" ما بين المكان والمكانية، إذ يبرز مفهوم المكانية في شعرية المكان وتوظيفه الفني في رواية العناب المر من خلال كثير من الإشارات بيّن بعضها الدكتور قطناني.

وفي إضاءة أخرى قدمها الكاتب فراس حج محمد وقف من خلالها على ما تثيره الرواية من أفكار في بنيتها الاجتماعية وما تدل عليه، مركزا على "الحاضنة الشعبية" التي كان لها الأثر الكبير على مطاردي الانتفاضة الأولى، كما أشار إلى دور المرأة في الرواية، وكيف أنه ظل محكوما للنظرة التقليدية للمرأة على الرغم من وجود امرأة مؤهلة فنيا وروائيا أن تكون نموذجا تقدميا للمرأة الفلسطينية.

وأما القراءة الثالثة التي قدمها الناقد رائد الحواري فأشار إلى واقعية الرواية، وخاصة ما تناولته الرواية من ظاهرة التعامل من المتعاونين، عملاء الاحتلال، وعمليات الإسقاط والتجنيد في صفوف المخابرات الإسرائيلية، كما تحدث الحواري عن البطل الإنسان بعيدا عن الأسطرة التي استطاعت رواية العناب المر أن تقدم ثلاثة نماذج منهم وهم: إبراهيم وأحمد وحسان.

وفي كلمة للكاتب أسامة مغربي بيّن ظروف كتابة هذه الرواية، فهي التجربة الأولى له، وعمرها يقارب الثلاثين عاما وإن نشرت عام 2018، إلا أنها كتبت عام 1994 في السجن، ولذلك ففيها بعد توثيقي لمرحلة من مراحل النضال الفلسطيني.

وقبل تكريم الكاتب من منتدى المنارة للثقافة والإبداع وتوقيع نسخ من الرواية، استمع الكاتب إلى مداخلات متعددة من الكتاب والكاتبات الذين حضروا الندوة وتفاعلوا مع مضمونها وأفكارها، مقدمين بعض الملحوظات النقدية حول الرواية.

ومن الجدير بالذكر أن الرواية صدرت عن وزارة الثقافة الفلسطينية عام 2018ـ وتقع في (303) صفحات من القطع المتوسط، وللكاتب أيضا رواية بعنوان "اغتراب" صدرت عام 2020، وسردية قصيرة بعنوان "اجتياح" صدرت عام 2021.


البحث عن الهويّة في عمق التاريخ العربيّ




د. عايدة فحماوي وتد

محاضرة في الأدب العربيّ الحديث.

"أنتَ الْواقفُ أمامَ عتبةِ النّصِّ، عليْكَ الْآنَ، أنْ تَملُكَ حرارةَ الصّحراءِ في الْقلبِ، وكثيرًا مِنْ عشقِ الْمَجْدِ... /  كيْ يستريحَ النّصُّ... بَيْنَ يديْكَ مِثلَ السّيفِ الْعائدِ مِنَ النّصرِ. ولكيْ تَجْتازَ الْعتبةَ، وتَدخلَ معي في سَفَري، عليْكَ أنْ تَتركَ هُنا كلَّ مَتَاعِ الدُّنيا... وتكونَ معي في سَفَرِ التّاريخِ إلى الْوراءِ." 


هكذا يقدّم الشاعر وهيب نديم وهبة لكتابه خطوات فوق جسد الصحراء مخاطبًا قارئ الديوان، ومصدّرًا لقصيدة طويلة يربط بين أجزائها سفر القمر في جسد القصيدة، فيصبح القمر معادلًا موضوعيًّا (objective correlative) لخطوات العربيّ ورحلته التاريخيّة فوق جسد الصحراء: 


"قَمَرٌ

فوقَ ليلِ الْجَزيرةِ / ويداكَ مِنْ فِضّةٍ /

وجسمُكَ مِنْ تُرابٍ"


"قَمَرٌ

يَرسُمُ ظِلَّ الّلونِ / يَلعبُ في فُرشاةِ الضّوْءِ / 

يَرسُمُ بَحرًا وجَزيرةً" 


"كانَ الْقمرُ يتنزَّهُ في بُستانِ الْأرضِ 

يُصْغي إلى أصواتِ أُغنياتِ الْمَاءِ"

[...]

"قَمَرٌ

يَرْسُمُ وخيالاتٌ بعيدةٌ... 

دَخَلتْ مدائِنَ الرُّخامِ والْحريرِ" 


"قَمَرٌ

يا بدرَ الْبُدورِ يُغطّي السّماءَ 

يَفتَحُ سِفْرَ التّكوينِ وَرَسْمَ التّلوينِ"


ويمكن للقارئ أن يلحظ مركزيّة "القمر" على مسرح القصيدة؛ فتتعدّد صوره وتتلوّن معها تداعياته الوظيفيّة، ويتحوّل متّخذًا أقنعة متعدّدة لأصوات تاريخيّة متداخلة: يتنزّه في بستان الأرض، يرسم مدائن الرخام والحرير، وينتظر الفارس "الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم" القادم من صحراء الجزيرة:


"أسمعُ نشيدَ النّخيلِ في إنشادي / أسمعُ ملائكةً تَهْتِفُ باسْمكَ / وعِبادًا تشهَدُ أوْ تَستَشهِدُ باسْمِكَ /

في لحظةِ خلْقٍ أُلوهيّةٍ


فتحَتِ السّماءُ أبوابَ الْجنّةِ / وخَرجَتْ للعالمينَ رسولا

مِنْ أبوابِ سماءٍ عُلويّةٍ / هتفَ صوتُ جبريلَ في الْغارِ

"زَمِّلوني"/ هوَ صوتُ الْحقِّ يهدُرُ كالْعاصفةِ / هوَ أنتَ سيّدُ الْأرضِ / خرجْتَ رسولا / وأُنزِلَ عليكَ الْكتابُ  * اقرأْ باسمِ ربِّكَ الّذي خَلَق"


ويبدو اختيار الشاعر للقمر كمعادل موضوعيّ  للعربيّ الذي يجاور خطوات التاريخ متناغمًا مع دلالاته السياقيّة؛ فالقمر قبل كلّ شيء رفيق الصحراء العربيّة، هو ركن من أركان القصيدة العربيّة الكلاسيكيّة، كما ويشير إلى التقويم الهجريّ، ولا ننسى أن القمر يشير إلى مركز العبادة الأولى، إذ أنّ الديانات القمريّة أقدم من الديانات الشمسيّة، بالإضافة إلى أنّ القمر يشير إلى التحوّل من خلال دورته وشكله المتغيّر تبعًا لذلك، لذا يختار الشاعر القمر ليسافر من خلاله في تاريخ العرب ويظهر تحوّلاته الفكريّة والعقائديّة والاجتماعيّة والأدبيّة. وحالما نبدأ بقراءة الصفحات الأولى من القصيدة نلاحظ دخول صوت المتكلّم إلى السياق الشعريّ حيث يعلن الصوت عن رغبته في مجاورة خطوات ذلك القمر، فيقول: 


"حَنيني ليسَ على حَجَرٍ / على رَسْمٍ على الْقِفارِ /

حنيني لِمَنْ سكنَ الدِّيارَ...


خُذْني مَعكَ خُطْوتي في الْهواءِ / أضَاعَني قَدَري... والْأُفُقُ في مِعْصَمِي

كانَ يُشيرُ  لي إلى الطّريقِ... 

تَخاصَمَ في ليلِ الْأعاصيرِ معْ بَصَري

كانَ هواءً صارَ ريحًا / صارَ إعصارًا / أينَ مَوْطِنُ قَدَمي أينَ الطّريقُ؟"


  حنين المتكلّم في القصيدة (persona-البرسونا) للماضي، للتراث، للتاريخ، للامتداد الطبيعيّ عبر الزمان ورغبته في السفر عبر الماضي، نراه ممتزجًا بشعوره بالغربة والضياع وفقدان الهويّة، ولهذا فإن الحنين يشير إلى محاولة البحث عن خارطة الهويّة من خلال تتبّع خطوات جماعيّة في الماضي،  لذا فإن المتكلّم في القصيدة يصبح صوتًا جمعيًّا يعبّر عن رغبته في العودة للجذور حيث يشعر بالأمان، فالحاضر أصبح ضياعًا  وغربة ومنفى: 

 

"خُذْني معَكَ / أدْخُلُ خَيمةَ التّاريخِ /

عَباءَتي الشّمسُ والصّحراءُ يدي...

وأصابعي أَودِيةٌ دائمةُ الْجَرَيانِ بالْحِبرِ والْكِتابةِ.


خُذْني معَكَ / خُطْوتي في الْهواءِ /

أَضاعَني قَدَري وبَيْني وبَيْنَ مملكتي

يقِفُ الْغَريبُ وقاطِعُ الطَّريقِ 

والسَّيفُ والجلّادُ وَالْمِقصَلَةُ

والطّريقُ إلى رِحابِ مَكّةَ طويلةٌ 

ولَيْلٌ مِنَ الضّبابِ كثيفٌ..."


إن هذه القصيدة تؤكد ضرورة البحث في الماضي والنبش فيه لاستعادة معنى الحاضر المفقود، إنها ترى ضرورة قصوى في العودة إلى عزّة الماضي وإلى عبق الماضي، ونحن نشتمّ فيها رائحة الجزيرة العربّية، جاهليّة وإسلاميّة، وكأنّ الحضارة امتداد لا ينقطع، وممّا يؤكّد هذا التضمينات للآيات القرآنية التي تحفل بها القصيدة. 

في نفس الوقت، يشعر القارئ بأن خشبة المسرح تهتزّ لوقع أقدام عنترة وبكائيّات مجنون ليلى، وأذان بلال. فيمزج الشاعر بين عناصر الحياة العربيّة والإسلاميّة: الحب، البطولة، وفيما بعد الإيمان الدينيّ العميق، إنّها العناصر الثلاثة التي تملأ شقوق الحياة العبثيّة التي عاشها الإنسان العربيّ، ويضيف إليها الشاعر عنصرًا رابعًا هو الحكمة، فالشاعر يضمّن أيضًا عناصر للفلسفة اليونانيّة بأشكالها المختلفة داخل القصيدة.

تبدو لنا رؤية الشاعر في أساسها تبحث عن الحاضر في شكل الماضي، وتبحث عن الهويّة المفقودة عن طريق هويّة السلف، وعن سؤالنا للشاعر حول صياغة التاريخ بهذا الشكل قال:  

"إن صياغة التاريخ بهذا الشكل المستحدث هو تقريب بين النصّ التاريخي وبين عظمة الإنسان وقوّة الحضارة الإسلامّية التي كانت، لهذا فحين أعيد صياغة هذا التاريخ، تشعر بأنّك ليس فقط قريبًا منه بل أنتَ المحور العالميّ، فجميع الثقافات العالميّة اقتبست من الحضارة العربيّة الإسلاميّة، وفي جميع العلوم في الكيمياء والفيزياء والرياضيات كان الغرب في ظلمة واخذ منا النور حتّى علم الفلك والفضاء، فالعالميّة هي الحضارة العربيّة والعودة للجذور بدون الأصل لا يمكن الوصول إلى العالميّة."

ويضيف الشاعر عن تجربة مسرحة القصيدة فوق جسد الصحراء المحترق بأنّه "يعيد لهيب الحضارة الإسلامية الراقية التي سمت بخطوات الرسول صلعم حين كنّا عصبة واحدة وقوى مؤمنة بوحدانيّة الله والخير والعمل الصالح". أو بكلماته الشعريّة:


"هيَ لحظةُ خلقٍ في التّكوينِ

أنْ تعودَ إلى مَكّةَ

وأنْ تكونَ «حجّةُ الْوداعِ»

لا إلهَ إلا اللهُ" 


إشارة:

هذه المقالة الواردة في /خطوات فوق جسد الصحراء/ الطبعة الثامنة 2021. 


مركز فِكر: لدعم المواطنين والحفاظ على كرامتهم وصحتهم



شدد رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية فِكر المحامي شادي خليل أبو عيسى، ضمن لقاء معه، على ضرورة العمل بكل جهد واخلاص من أجل تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية والمحروقات والكهرباء والمواد الأساسية، وأكد على أهمية التكاتف معاً لدعم المواطنين رغم الظروف الصعبة التي نعيشها. وأضاف: نتقدم بالتهاني بمناسبة عيد الأضحى آملاً أن ينعم الوطن والمواطن بالخير والبركة

إصدار عدد تموز 2021 من مجلة "الإصلاح" الثقافية



عرعرة- من شاكر فريد حسن  


صدر العدد الجديد (عدد 4، المجلد العشرون، تموز 2021) من مجلة "الإصلاح" الثقافية الشهرية، ويضم العدد بين دفتيه العديد من الموضوعات والمواد الأدبية والثقافية، وتزين غلافه الداخلي صورة لقرية عرعرة. 

يستهل العدد رئيس تحرير المجلة الأستاذ مفيد صيداوي بالعروة الوثقى، حيث يستعرض فيها المناسبات التي تصادف في شهر تموز، ثم يتحدث عن رحيل الشاعر والمترجم الأديب العربي العراقي سعدي يوسف. 

وشارك في الكتابة للعدد كلّ من ا. د. حسيب شحادة، الذي يتساءل: إلى متى انتهاك قواعد العربية والاستخفاف بها؟!، ود. يوسف بشارة بمقال "لن يستطيع أحد تهميش لغتنا العربية"، ود. روز اليوسف شعبان عن "اللغة والهويّة"، وفادية محمود محاميد في دراسة عن قصة "الأغصان" لزكريا تامر، والأستاذ سعود خليفة عن ألقاب العرب والمسلمين. 

في حين يكتب الأستاذ حسني بيادسة عن حكاية مثل شعبي مظلوم، والشيخ غسان حاج يحيى عن زاوية عين الهدهد للأديب حسين مهنا، والكاتب علي هيبي عن الفدائية زينب الكفراويّ، والمحامي سعيد نفاع في الخماسية الغزاوية، والأستاذ فيصل طه عن مذكرات المرحوم عادل أبو الهيجاء. 

أما المسرحي رياض خطيب فيقدم حلقة جديدة في المسرح والثقافة المسرحية، والكاتب حسين مهنّا عن العَصا. 

وفي مجال النصوص الأدبية، يحتوي العدد على قصيدة "حوار شفاه وعيون" للدكتور منير توما، وقصة "الهروب إلى الضياع" ليوسف صالح جمّال، وقصة "السيارة الهجينة " لنعمان إسماعيل عبد القادر. 

وتنشر المجلة دراسة عن الفلسفة الحديثة للدكتور زكي نجيب محمود، ومقالة "البيِّنَة وإلّا حَدٌ في ظَهرِكَ" للشيخ أحمد حسين الباقوري. 

ويحتوي العدد كذلك الزوايا الثابتة "جمال الكتب" و"نافذة على الأدب العبري" و "نافذة على الأدب العالمي"، واستعراض للعدد الثالث من الإصلاح في سنتها الأولى الصادر في أيار العام 1971، وذلك بمناسبة مرور خمسين عامًا على صدور المجلة، بالإضافة إلى مجموعة من المختارات والملح الخفيفة. 

تحرير اسطورة فلسطينية " قراءة في رواية تحرير للأديبة: حمدة خلف مساعيد


بقلم الأديبة: إسراء عبوشي

صدرت حديثاً رواية تحرير للأديبة حمدة خلف مساعيد، وهي من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، لوحة الغلاف للفنان الفلسطيني محمد نصر الله، وعلى الغلاف حصان ينحني مقابل فتاة ترفع جبينها عالياً، وتنظر للحصان بهدوء، في اختيار الغلاف دلالة على روح تحرير وصفاتها. 

نحن أمام عمل روائي وطني فلسطيني، سجلت الكاتبة في روايتها الأولى أحداث ثورية ونضالية لمخيم جنين، كان لشخصية الفدائي الفلسطيني نصيب الأسد في الوصف والسرد، أيقظت فينا الكاتبة ذكريات بطولية، وأحييت الفكر الثوري، خاضت البطلة تحرير مع الأبطال جولات بطولية انتهت باستشهادها، البندقية المدفونة تنهي الرواية، أطلقت تحرير رصاصة الموت أصابت أو أخطأت.. لن تدري، وكأن قدر الفلسطيني أن يموت حزيناً بعد أن يحمله اليأس لاختيار نهاية موجعة.

حوار سردي

تخلت الكاتبة عن حقّها السّردي ُكلّفت تحرير به، امتلأت صفحات الرواية بالحوارات العاطفية تجاه الوطن، حاورت الكاتبة النفس البشرية وتتبعت عقدها من خلال شخصيتيّ تحرير وإيهاب بأسلوب حواري شيق، 

أحبت تحرير  إيهاب المتخاذل لتنشي الكاتبة بينهم حوار يصب في عمق الصراع الوجودي بيننا وبين المحتل.

لقد جسدت الكاتبة عنفوان المقاومة وبسالة مرحلة من نضال مخيم جنين، واصفة جمال الروح النضالية، ومبينة قيمة الوحدة فلم تذكر أحزاب، تلك الروح الجريئة التي لا ترَ صوب عيونها سوى النصر.

 تحرير تظهر في بداية الرواية فتاة حرة تعرف ما تريد، شخصية قيادية قوية مبادرة، وبين ليلة وضحاها يتبدل الحال وتضع في ظرف يجبرها على ترك حبيبها والزواج من أخيه، تضع الكاتبة يدها على الجرح، هناك خلل في العلاقات التي تحكمها الظروف والعادات والتقاليد والأعراف في المجتمع، تعري الكاتبة سوء العلاقات وتدخل بطلي الرواية ـ إيهاب وتحريرـ التي عاش معهم القارئ قصة حب جميلة، رغم الاختلاف بينهم في النظرة للمقاومة والدفاع عن الوطن، والرغبة في تحريره.

 ومع ذلك تتعايش تحرير مع الواقع الجديد، في دلالة على قوة المرأة الفلسطينية في خوض التحديات وتأكيد على أخلاق المرأة الفلسطينية واهتمامها بالمحافظة على تربيتها المبنية على المبادئ والالتزام.

صراع نفسي

بين حب الوطن والهزائم المتلاحقة معضلة أوقعت البعض في الشك وأضعفت النفوس، هو فساد للروح المتوهجة، يطفئها رويداً رويداً لتغدوا غير صالحة للنضال، تكسر سيف المقاومة، وتنحني لروتين الحياة الذي يجعل الفلسطيني على الهامش، هو أحد روافد الهزائم جريمة النفس وتخاذلها أمام روحها وكينونتها الوطنية.

لقد أتت الكاتبة على الأسباب التي شكلت شخصية إيهاب بهذه الصورة، وهناك أسباب أخرى دفعت الفلسطيني للشك في جدوى نضاله وأورثت شخصية انهزامية ضعيفة، لا تستطيع أن تتخذ قرار، ومن يهزم أمام قرار وطنه يهزم في قرار ذاته، خسر إيهاب تحرير لأنه نشأ بشخصية انهزامية.

 وهناك أسباب أخرى هي عدم توفر الوقت الكافي للفلسطيني ليفكر بما يحدث حوله، يمضي جل وقته باحثاً عن قوت يومه، تعطل الفكر مقابل الماديات.

يخطط العدو في أفكار متراكمة ولا يترك ثغرة، فها هو يرسل الجواسيس إثر تحرير، ويجند العملاء، هذه من أسباب قتل روح النضال في الفلسطيني، حيث أن إيهاب متعلم، ويتمتع بشخصية قوية وحياة عملية ناجحة وحضور طاغي، وقلب محب ومشاعر تحسن الجدال، وترغم الحبيبة على خوض معركة خاسرة لصالح قلبه دائما.

مشاهد حياتية 

أبدعت الكاتبة في سرد حوار مشوق سلس قريب من مشاهد الحياة الاعتيادية، مع أنها ليست من مخيم جنين ولم تسكنه يوماً، ولكنها استطاعت أن تدخلنا بقلمها المبدع، واسلوبها المميز إلى حارات المخيم وبيوته، لكن في بعض المواقع يتداخل الحوار بلا مقدمات مثال ذلك صفحة 149. حيث يحتار القارئ من القائل؟

في مشهد موت أم محمد تفتح الكاتبة جراح عميقة تجسد حياة أمهات الشهداء والأسرى، بالغالب الموت ينهي معاناة أم الشهيد وأم الأسير، فلا انتظار على بوابات السجن، ولا قلق من ظروف الأسر.

وددت بعد أن أنهيت قراءة الرواية أن أسير في شوارع المخيم أتصفح وجوه المارة باحثة عن ملامح أم محمد وتحرير وأكرم وشادي، أن ارفع رأسي لعل أم سمير تطل من إحدى النوافذ أو تجلس على باب محل خضار تلقي التحية على المارة، فقد صورت الكاتبة حمدة مساعيد الشخصيات بصورة حقيقية تكاد تسمع صوتها وأنت تقرأ الحوار.

تحرير اسطورة فلسطينية 

تنتهي الرواية على صورة مغايرة لما بدأت به، تفاجئ القارئ بعيدة عن تصوراته، وهذا نوع من الأبداع، هي ليست رواية اعتيادية، تتعقد الأحداث ثم تسيطر عليها الكاتبة بحنكة واقتدار.

عندما طويت آخر صفحة فهمت مغزى الرواية بنظرتي الأنثوية، تحرير هي أسطورة فلسطينية لأُنثى ترسم الوطن الذي تحب وتعيش في إطار الصورة، يحاصرها الخونة ويستدرجها أحدهم ولكنها تتمكن منه، لا تقع ولا تتبع قلبها، لأجل سمعة أهلها واحترام لكلمتهم تقبل الزواج، ترفض الانصياع لقلبها وتُخلص لزوجها، تدافع عن شرفها بالدم وتدافع عن بيتها بروحها.

في رسالة أكرم التي تعتبر وصية لتحرير تدخل الكاتبة القارئ بمتاهة لا داعي لها عندما تذكر أصل إيهاب وكون أخته سولينا زوجة شادي، فلا داعي له في الرواية ولا يخدم الأحداث، ومبالغ به.

ومما لفت نظري أن الرواية تمت عام 2002م وطبعت هذا العام، أي أنها بقيت حبسية الأدراج كل تلك الأعوام، كم هي المواهب التي تبقى حبسة الأوراق بلا دعم، وما أخطر وأد الكلمة.

سيرة حب زهرة: كتاب جديد للشاعرة وعد جرجس

 


صدر للشاعرة والكاتبة السورية وعد جرجس عن دار نشر ليندا عبد الباقي في سوريا الديوان الشّعري النَّثري السَّردي الثاني سيرة حُب زهرة  جزيل الشكر لجهود الدّار الرائعة المبذولة  وقريباً جداً سيصدر عن ذات الدّار  اِلكترونياً ليكون بمتناول أيدي الجميع

للراغبين بالحصول على نسخة ورقيّة من الديوان  الاِتصال على هذا الرقم وطلب نسخة وستصلكم إلى عنوانكم أينما كنتم  من داخل سوريا أو خارجها : 00963932530162 

•لوحة الغلاف:الفنّانة سلام الأحمد 

•تصميم الغلاف : الفنّان أنور رشيد 

•مقدمة الديوان:الشّاعر والناقد المغربي مؤسس حركة ق ن ح الشعريّة الأستاذ عبد الرّحمن بو طيّب . 

•قراءة مقتضبة مرافقة للديوان بقلم الشاعر والمحاور الكردي خالد ديريك.

_________



الديوان: "سيرة حب زهرة" / ديوان قصيدة نثر سردية / للشاعرة السورية الأستاذة "وعد جرجس".

          

الدراسة النقدية: للاستاذ المغربي الناقد عبد الرحمن بوطيب. 

  = القراءة النقدية:

دَيْدَنُها الإدهاشُ وتكسيرُ حدود، هي الأديبة الشاعرة القاصة السورية السامقة الأستاذة "وعد جرجس".

لعبة الإدهاش بتقنية تكسير البنية وبلاغة كشف المستور نعيشها بكل حميمية وتأثر مع شاعرتنا البليغة في عملها الجديد هذا الذي يرحل بنا في عوالم تجربة نفسية سيكولوجية لزهرة... "زهرة" 

تخرج بنا ـــ في هذا المدخل المعجمي ـــ من حد الدلالة العَلَمية على أنثى، إلى حد الدلالة الرمزية المنزاحة إلى كائن رهيف يؤثت فضاء الطبيعة بكل أبعادها الرومانسية الشفيفة.

= باب بلاغة التجنيس =

المتن الشاخص ينفتح ـــ في رهان تجنيس المتن ـــ على حد الشعر كما جاء نصاً بالإجمال في فضاء الغلاف الخارجي البديع من تصميم الفنانة السورية "سلام الأحمد"... "شعر"، وتعييناً

بالتفصيل في فضاء التعيين التجنيسي: "قصائد نثر سردية"، وذلك فوق ما جاء في "المقدمة": (سيرة حب زهرة فكرة ترجمتها على شكل قصائد نثر سردية ولوحات نعبر عن أنثى).

هي الرحلة الذاهبة بنا في بحر شعرية عوالم تكسير بنية القصيدة العربية بما يجعلها قصيدة تثور على القواعد الشعرية التقليدية، لتشتغل بأدوات "قصيدة النثر السردية" بكل ما تحيل إليه من جمالية غواية تهجين لون أدبي تعبيري متعارف على حيويته وعدم رضوخه للتقليد بكل أنواعه ومظاهره.

تكسير بنية القصيدة العربية ـــ عن قصد وسبق إصرار ـــ نعيشه في هذا الديوان "الوعدي" المدهش على مستويات فنية بنيوية عديدة تؤهل شاعرتنا لاحتلال مكانة مائزة بين شواعر العربية

وشعرائها الكبار.

شعرية التكسير تتعدى فرادة التجنيس إلى بلاغة التوظيف البنيوي لأدوات اشتغال شعريةٍ جماليةٍ واضحةِ المعالم من المؤسسات التعبيرية الفنية البنائية، إلى المؤسسات الدلالية الصارخة في وجه واقع ذكوري مرفوض، إلى الامتدادات الجمالية التعبيرية والتأثيرية... هي مهارة تلوين العمل الشعري بتلوينات خاصة تتنفس في دواخلنا ـــ طوعاً أو جبراً ـــ من البنية إلى الدلالة إلى الجمالية.

= باب بلاغة الفضاء المعماري البنائي =

معمارياً، في التزام واضح بخصيصة من خصائص قصيدة النثر هي خصيصة "الوحدة العضوية، والوحدة الدلالية" تكسر شاعرتنا الرهيفة بناء القصيدة العربية باعتمادها معماراً تركيبياً يتأسس على "مشهدية مقطعية" عبارة عن "لوحات سردية" تشتغل بلعبة "تعدد الأصوات السردية" الراصدة رحلة الأنثى / الذات الضحية من وهم الغواية، إلى واقعية الصحوة، وذلك لِتُعَرِّيَ المستورَ في ثنايا علاقة وجدانية بين "زهرة" مفعمة الروح بحب عميق صادق، و"ذكر" لا يحمل من معالمه الجنسية النوعية إلا مظهر الذكورة المفتقدة كل أبعاد الرجولة النبيلة.

مشهدية المقاطع الشعرية السردية تنفتح على لوحة أولى بصوت هذا "الذكر" تكشف مستور "كيف جعلها تحبه" بهجمة شرسة مغلفة بوجدانية رومانسية شاعرية تمتح معجمها من حقل العواطف الجياشة الهاجمة بِنِيَّةٍ إيروسية سوداء على كيان رهيف منذور (لتجربة عاطفية مؤلمة يمكن أن تمر بها أي أنثى شابة أو مراهقة أو ناضجة حتى) كما تصرح بذلك شاعرتنا "وعد".

هذه الإيروسية تتخفى وراء خطاب إغراء حالم (اسكنيني / غوصي في عمق الشوق / اسحبي معكِ حنيني / ...)، خطاب فوقي توجيهي متحكم في مشاعر "زهرة" عذراء بريئة معرضة

للسقوط في حبائل ذئب همه الأساس هو نهش جسد بديعٍ مُغْرٍ ـــ باعتباره مجانياً (أداة تفريغ) ـــ تسكنه روح هشة مفعمة بِرِقَّةٍ تجعلها تسقط بكل استسلام (تحت تأثير كلمة حب على مخيلتها 

وعواطفها)... مفارقة كشف مستور علاقة مختلة بين الرجل والمرأة في (مجتمع ضيق متحجر ورثه، وسيورثه لأجيال لاحقة).

اللوحة / المحطة الثانية يحملها صوت الزهرة موضوع التجربة الحارقة، صوت يرحل بنا حاملاً معه وجداننا بكل البطولية الإشكالية الحاملة قيماً إيجابية في واقع شاخص منحط/ هي رحلة (زهرة سقتها مياه مالحة فذبلت، لكنها عادت واستقت مطر السماء فولدت من جديد)... رحلة المعاناة 

والخلاص لذات بريئة (استنزفت كل ما تملك من عاطفة روح وجسد لأجل لا شيء... بينما يحتفل ذكر بانتصاره على كبرياء أنثى).

أنثى (أقنعت نفسها بأنها أقوى من الحب، وبمصارحة صغيرة مع نفسها ستنتهي المشكلة، لكنها نسيت أن الحب لا يسكن حيث يسهل إلقاء القبض عليه)... هي وقفة المكاشفة الصادمة (لا يسكن الحب حيث يسهل القبض عليه)... بؤرة الوعي التام بزيف العلاقة بين أنثى وذكر تبدأ من (خروج إلى داخلي) في متاهة ضياع يؤشر عليها حمل معجمي صادم (ضائعة / عمق بحر من ظلام / مهجتي تصارع موج الهيام / حائرة...)... صراع داخلي يتسرب من الذات الموجوعة إلى ذواتنا 

الحالمة المرهونة بعلاقات ماضوية أسست مواثيق علاقة استغلالية استغفالية قهرية بين الرجل الشرقي الشبقي والمرأة العربية المستسلمة... في لحظة الوعي / المكاشفة (هي هربت منه، عقلها رفضه، ولكن قلبها العاشق عنوة أخضعها له)... علاقة مختلة بين منطق العقل وغواية القلب.

وفي (حوار مع القلب /الغادر) نعيش مع مونولوج شفيف كأنه مونولوج تضطرم ناره في دواخلنا نحن بالذات ستبدأ لحظة المساءلة (أيعقل أني أحبه)، ها هو هذا الذكر الشبقي في قفص الاتهام، 

ومعه في القفص قلب تائه يتمرد على منطق عقل مرشد.

قمة الصراع الدرامي تتجسد في "المحاكمة" (أفعلاً أنا أحبه، أم إنني أحب أن أحبه؟) أهو حب للآخر، أم استرضاء للذات الحالمة؟... صراع درامي تعيشه المرأة العربية، عن وعي أو غير وعي، ولكن... (هذا هو الحب يا عزيزتي... فاستسلمي، هكذا قال لها كل ما في الكون)... إنها "المؤامرة الوجودية المقلوبة على رأسها"... وقد اعترفت في نهاية المطاف بأنها (فقط تحبه) / استسلام دون مبرر منطقي... أهو قدر المرأة العربية؟

لوحة مشهدية أخرى تحمل معها "غواية التمرد" (وكان في المرة التي تلت تمردها خضوعاً لسلطان عشق خرج عن نطاق الحجم والمنطق)... في لحظة "سكر" بحب زائف (لمحت ذرات الليل المضيئة تحت ضوء القمر... لمحتهم سماسرة يجوبون بين الرموش باحثين عنة مرمرة... 

سماسرة جهلة)... هي لحظة الانعتاق، إنها (نجمة ثائرة) كانت تعيش (أجمل فترات الحب) في متاهة (انعدام العقل وسيطرة الشعور... فلا ترى إلا ما هو جميل وكامل، لكنها خطر مؤجل)...

و(استمرت تحبه دون حساب، فأخذ كل شيء، ونسي تسديد دين الحب الذي عليه) / قمة المأساة.

وكان الفراق زمن حصول الوعي بالخسارة (لا يسكننا ضياع الوحدة إلا حين تهجرنا أقوى الدوافع لوجودنا، هكذا شعرت وهي مرمية تحت سطوة الفراق)... وقد سقطت دمعة، لكنها لا تستسلم... 

لقد بدأ العتاب، بعدها يفور بركان الغضب المخمد (بطاقة خرافية من اللامبالاة استمدتها من ذبذبات الكبرياء).

وتنتهي بنا الرحلة الشعرية إلى محطة الخلاص حيث (تبللت أخيراً بغيث السماء) في نوع من التطهير الأدونيسي الواعد بالخصب والنماء... خصب روح تنبت زهرة من جديد... فكانت

ولادتها الأجمل).

ماذا بعد هذاعسى أن نقول عن شعرية رحلة الضياع والخلاص مع شاعرتنا العميقة "وعد"؟

فقط، وأكثر... قمة الدهشة الحارقة مع تاء التأنيث المتحركة، وليذهب هذا الذكر الشرقي إلى مزابل التاريخ... إنها المرأة العربية "الوعدية" تتحرر.

= باب بلاغة بنياتِ تعبير فنيةٍ: معجم / صورة / رمز / انزياح... وإيقاع =

تدهشنا شاعرتنا الهامسة سحراً يتقطر رحيقاً من شهد ورود جنان وادي عبقر... تسحرنا ببديع معجم يتماهى وتدرج انفعالاتنا ونحن نرحل في درب سيرة الانتصار على ضياع.

معجم يمتح من حقول دلالية مناسبة للمقام التعبيريالدلالي التأثيري بكل شعرية سامقة... (حقل الإغراء / حقل الانصياع / حقل الضياع / حقل المحاكمة / حقل المكاشفة... وحقل الخلاص).   

وقد تفننت شاعرتنا في اصطيادنا وشدنا إلى مسرودها الشعري العميق في قلب قضية حضارية اجتماعية وجدانية تهرب عادة من المخيال الشعري إلى التحليل المنطقي هي قضية توتر العلاقة بين الكيان الأنثوي الشاعري الرهيف والكيان الذكوري المادي الشبقي في المجتمعات العربية المتخلفة... شدتنا شاعرتنا وأدهشتنا بوظيفية معجم ثري حامل دلالة عميقة تعمل على تكسير جدار الصمت الرهيب في مجتمعات تؤمن بأن الصمت حكمة.

إدهاشنا يمتد من حد المعجم على حد الصورة الشعرية الدلالية التعبيرية الجمالية التي هربت من قفص الاستنساخ إلى رحاب الإبداع... إنها شاعرة كبيرة تعبر بالصورة الفنية في بنائية استعارية بديعة، هي في كثير من نماذجها غير مطروقة.

التشكيل الاستعاري البديع المشحون بتشبيه شفيف يقتحمنا بكل قوة مع كلمة "ظهر الغلاف" حاملاً معه تأسيساً تعبيرياً شعرياً منزاحاً من مقتضى الظاهر إلى جمالية المعاني البلاغية العميقة. 

جمالياً يقتحم دواخلنا دون استئذان ليحملنا معه في رحلة "سيرة حب زهرة" بكل حميمية (أشعارك المتبعثرة في غرفتي الباردة كانت مدفأتي... نظراتك المرمية في ذاكرتي، وورودك الملونة)...

ولا يدعنا نستكين إلى تقريرٍ مبتذل من أسلوب عبر المتن / الديوان في كل لوحات قصائده الندية 

(غوصي في عمق الشوق / اسحبي لحنيني / اسكبيني حبراً / عانقيني ماء / خروج إلى داخلي / رد قلبي قائلاً / هوامش تنقش على قلبي دونما أفهم / سكرة الحب كتبتها على صدر الأرض...).

وما التعبير الرمزي البليغ بغائب عن رحلتنا، تفننت في اختيار مرجعياته وأبعاده الدلالية المتنوعة شاعرتنا المبدعة.

حضرت رموز من حقل الطبيعة بدءاً من العنوان / عتبة النص: "زهرة" التي تخرج بنا ـــ في هذا المدخل المعجمي ـــ من حد الدلالة العَلَمية على أنثى، إلى حد الدلالة الرمزية المنزاحة إلى كائن رهيف يؤثت فضاء الطبيعة بكل أبعادها الرومانسية الشفيفة.

وتحضر رموز أخرى من حقل الطبيعة تؤثث الفضاء المشهدي في محطات انتقالاته ومتوالياته السردية (البحر / الجمر / ماء / ظلام / موج / نور / ريح / صحراء /...) مع ملاحظة التقابل الدلالي الوظيفي في هذه الثنائية الضدية المتحكمة في بنائية المعجم الرمزي: تيمة الضياع التي 

تؤشر عليها مداخل البحر والجمر والظلام والريح والصحراء... وتيمة الانتعاش التي نؤشر عليها مداخل الماء والنور...).

هذا التوظيف الرمزي يجعل من المتن نموذجاً رائداً لشعرية قصيدة النثر السردية كما هي عند شاعرتنا المسكونة بهم خرق المألوف وتكسير الانتظارات... هي الهوس بعذوبة ماء الانزياحات الهاربة من حد الهباء إلى حد البهاء... انزياحات معجمية لفظية، وتركيبية دلالية، وإيقاعية 

موسيقية، حيت تنزاح شاعرتنا عن حديدية الأقفاص العروضية الخليلية، وحتى عن الامتدادات

العروضية التفعيلية لترحل بنا في بحر بنية إيقاعية داخلية لا ترتهن إلى قواعد بنية خارجية مسكوكة.

إنها البنية الإيقاعية المناسبة للدفقة الشعورية الشعرية المؤسسة للبناء الدرامي الحامل توترات السيرة الشعرية الغيرية / الذاتية.

بنية تتأسس على التكرير الصوتي والمعجمي والصرفي، والاشتقاقي والتركيبي... والنماذج الدالة

على هذه الشعرية الإيقاعية فريدة نوعها عديدة ومرصودة على جسد المتن برمته.

= ختاماً =

مهما وقفنا على أبرز آليات اشتغال المتن الشعري السردي السيري مع شاعرتنا الكبيرة "وعد جرجس" فإننا لن نكون منصفين حقها في الفرادة والتميز، ولن ندعي أننا أحطنا بما وجبت الإحاطة به من بديع ألوان التعبير "الوعدي" من أجل التعبير، والتبليغ، والتأثير... وللمتلقين 

الكرام ما يؤهلهم وأكثر للغوص في يم... "سيرة حب زهرة".

بوركت شاعرتنا الكبيرة.


عبد الرحمن بوطيب.

شاعر وناقد ومؤسس حركة "ق ن ح" قصيدة النّثر الحداثية. 

الدار البيضاء / المغرب: 18/05/2021

____________



• قراءة  مقتضبة لفكرة الديوان مرافقة له بقلم الشاعر والمحاور الكردي  الأستاذ خالد ديريك .

______________________________


عن كتاب " رواية حب زهرة" للشاعرة والكاتبة وعد جرجس

الاندفاع والحيوية، ورؤية الجانب الجميل فقط!

تتعرض الفتاة أحيانا في المجتمع الشرقي المحافظ لخداع العشق، وهي غالبا تكون صادقة في مشاعرها لأن الفتاة لا تجوز لها المبادرة أولا وبالتالي تعلق روحها بأهداب الكلمات من الوصف والمدح والغزل التي تؤثر على نفسيتها ودواخلها التي منعت منها لسبب أو آخر إلى حين إخماد هذه الحرائق، بينما الشباب/ المراهقون غالبا يبحثون عن الشهوة وسد النقص في شخصيتهم، يعتقدون أن التعدد العلاقات انتصار لذاته الذكورية. هذا كله يؤكد إن للأهل والمجتمع ثم العادات والتقاليد والالتزامات الدينية لهم دور وتأثير على هذه المرحلة العمرية.

تبدأ رحلة الجنون وجلد الذات، حين يغامر المرء العاشق دون إدراك وتكون نتائج عاطفية صادمة أحيانًا قد تتحطم أبراج الثقة بالذات وتحتاج زمنًا للترميم والتجديد!

إن حب المراهقين أو سطوة القلب على العقل قد يتخطى حدود المعقول حتى عند الكبار، هي مرحلة ضعف الوعي، لكنه غالبا حب صادق، يبقى في ذاكرة متخمة بالسواد.


بين دفتيه (الكتاب) تعيش العاشقة في عالم ضيق وأفق أضيق، على تلال ذكريات جردتها عواصف الغزل من النمو المفيد في مغامرات صبيانية مراهقة إلى أن يتحكم العقل والقلب مناصفة فتستعيد الزهرة براعمها وتنثر عطر بتلاتها، ترسم خارطة طريق متوازنة لحياتها.

الديوان هو دندنات وهلوسات عاشقة، كتبته الشاعرة في مرحلةٍ عمرية صغيرة  مقارنة بتاريخ كتابة الديوان وعمرها الحالي المقيد في السيرة الأدبية ورغم ذلك ترى أنه مزيجٌ فائضٌ من الإبداع النّثري السردي الممتع المتسلسل بطريقة دراميةٍ فريدةٍ من نوعها تشدُّ القارئ وكأنّه يقرأ قصة وشعراً في ذات الآن . 

الفكرة وطريقة طرحها جديدة خارجة عن المألوف الذي اعتاده مجتمعنا وراحلة إلى عالم اللامألوف قارعةً أبواباً موصدة يجب فتحها لتنوير وتوعية شباب وفتياة مجتمعنا 

ويبقى القول، يتطور المرء في هوايته ومواهبه مع مرور الزمن، خاصة عندما يكون شغوفا بها ويعكف على البحث والتنقيب عن جواهرها ويضع لمساته الإبداعية الخاصة تمييزًا، وهذه هي حال الشاعرة والكاتبة المبدعة  وعد جرجس أيضًا فهي الآن لها كتب ودواوين يشع بين أوراقها ألوان الإبداع  والتميّزوالفكر النير.

خالد ديريك  

شاعر وكاتب  كردي سوري 

18/05/2021 

سويسرا

ولا يزال العنقود يتدلى: قراءة في رواية ( عنقودٌ مِنَ الشيزوفرينيا ) – للكاتب : كريم عبدالله – العراق .

 


بقلم الطبيب الاختصاصي أمراض نفسيّة: باهر بطي 



( الكون ساعة هائلة من حيث تبدأ تنتهي, ومن حيث تنتهي تبدأ, بلا انقطاع.....من حرّك هذه الساعة ) يفتتح ( كريم عبدالله ) روايته (عنقود من الشيزوفرينيا )  بهذا التساؤل لندخل معه في ملحمة كلكامشية حداثوية. أقول كلكامشية لأنها رواية اشتملت على كل صراعات وتساؤلات كلكامش من عشتار التي تجتاح صورها الرواية في أزمتها مع التفاحة, الى الصراع مع الشرير خمبابا ثم انكيدو الذي مات ومواجهة حقيقة الموت ودور الحية في مشكلة البشرية مع الخلود, وإن كان كلكامش قد وجد في النهاية تعريفاً لمعنى الحياة الا ان كريم يصر على استفزاز القارئ بلغة تسيل عذوبة فيما هو يشاكس ويظل يتركه في حيرة حتى آخر سطر.


  محاور رواية "عنقود من الشيزوفرينيا" تؤكد انها عنقود منسوج بلغة ادبية مبدعة بعناية فائقة بين انتقالات المفردات والجمل الصورية والسردية وبين مستويات العمق الفكري للرواية. الابداع الادبي ( لـ كريم عبدالله ) ينقل الصورة ( عفواً أقصد صوراً عنقودية ) بسرد تعبيري وشعري في الوقت ذاته يتنقل بالقارئ بين حالات من الدهشة والاشمئزاز وحالات الاستفزاز ومسائلة تلغي الثوابت في عقل ( أنا ونحن ).


 الرواية تمتلك عدة مستويات وسأبدأ بالمستوى التوثيقي في الرواية لكل من تاريخ رعاية الصحة النفسية في العراق , ثانياً الواقع النفس اجتماعي للفرد والمجتمع العراقي , ثالثاً الواقع السياسي للمرحلة الحاضرة من تاريخ العراق . وعلى المستوى الاعمق والكلي يوجد التساؤل الفلسفي متمثلاً بالسؤال الوجودي ( من انا ومن نحن واين موقع انا من نحن .؟. ) وماهية الانسانية وطبعاً السؤال الخالد: ماذا ولماذا الحياة والموت .؟ .


  لنبدأ رحلتنا مع التوثيق لأزمة المريض العقلي في العراق ونقرأ في ص 8- 9 ( الجميع يتفقون ان هذا المكان يبدو للناظر إليه من الخارج جميلاً....أما لو دخلت إلى أعماقه فستجد اختفاء الحياة وانطفاء السعادة والاحلام المجهضة, وتتلمس بنفسك آثار القمع والاضطهاد والتسلط ). هذا هو واقع المريض العقلي سواء كان (فاقد) ام (مستقر). واقع المرضى الحقيقي انهم في ( الردهات المقفلة بأقفال الخوف , يتكاثر خلف ابوابها المتصدعة حزن مزمن......ضحكاتهم بكاء طويل مزمن , المستقبل كالماضي يبتسم متهكماً على تلول الخيبات.... ماذا يعني أن تكون مصاباً بالفصام وأن تقبع بلا أفراح في عمق هذا الظلام..... ثقيل هو الأسى الواقف الى جانبك يرافقك حتى المثوى الاخير حيث تحمل احلامك الصغيرة مجاذيف عارية ذاكرتها بلا تواريخ ). ونجد الصفحات ص 76 الى ص 84 امثلة على حوارات واحداث تتنقل ما بين رسم معاناة مرضى في مستشفى والمعاناة النفسية للمرضى في مجتمع يقول بالرحمة ولا يعرف معناها الحقيقي, فنجد مريض يقتل مريض نتيجة النظام المتخلف للرعاية في المستشفى , الى معاناة مريضة مثلية الجنس . ووسط هذ التنقلات حوارات الصراع النفسي للمريض مع الذات ومع المجتمع القمعي . ورغم ذلك يبقى الحوار بين الامل واليأس مستمر فيقدم ( كريم عبدالله ) مقترحا على لسان مريضة (اننا الان نعيش هنا هذا قدرنا بعد ان تخلى عنا الجميع....قد يظن الذين خارج جدران هذا المكان باننا مجنونات لا يمكن الاطمئنان منهن ومن شرورهن لكنني ارى باننا اصبحنا نشترك جميعا في مكان واحد). نعم هذا الوعي يمكن ان تجدوه داخل المستشفى يعبر عنه مرضى, وفي ص 84 يقترح مريض متعلم اقتراحاً بنّاءاً  وتنموياً, ولكن ( كريم عبدالله ) كالعادة يتركنا هنا في حيرة بين تصديق تحقق الامل أم الاستمرار في الحلم بالأمل. هل سيتحقق فعلاً مشروع المريض (مهند المهندس الزراعي) وهل سيتم تطبيق نظام البيوت المحمية (ص 110) بدل ترك المرضى في قاع نسيان المجتمع والاهمال القاتلين .؟ . هل يمكن ان يكون كل عراقي كلكامشاً يحكم بعدل وإنسانية ويتبنى مفهوم ( كريم عبدالله ) لمعنى العمل الجماعي من أجل حياة سعيدة (ص١٠٤ الاعمال الكبيرة تبدأ من …) ؟؟؟  


  الرواية توثق وتغور في الصراعات النفس اجتماعية للمجتمع العراقي وتكون عشتار هي مسبار الغور . عشتار في واحدة من الرحلات في الرواية تتقمص شخصية (وزيرة الكردية) لتبحر في ثنايا الرواية في بحثها عن لذة لا يسمح بها المجتمع فتسقط اسيرة الجنون بسبب الصراع بين الرغبة والخطيئة . الصراع في مجتمع لا يستطيع ان يطور مفهوم لحقوق الانسان وكيف يمكن احترامها مع الحفاظ على الانتماء الجمعي , وعلى الاغلب تذهب النساء ضحية الاتهام بالعهر. وأيضا يبقى ما يسمى بالشذوذ الجنسي عاراً يدمر ضمير يتصارع مع شهوة تصل الى حدود الهوس المرضي ولكن يبقى المجتمع يحاسب هذا الانسان ذكرا ام انثى بدون اي تفهم وتقدير لعامل الاندفاع بسبب المرض النفسي . في ص 121 نهاد تناجي نفسها المعذبة ( أنا الملعونة الشريرة , انا المكروهة من الجميع فليطاردوني ويرجمونني بالحجارة....فشلت في كل شيء مع نفسي مسلوبة الارادة وعقلي فارغ, لا أحد يغفر لي شروري الخارجة عن سيطرتي, ....أحاول ان اتخلص من شرور نفسي بالانتقام, عليهم ان يتحملوا ما ارتكبوه بحقي كلهم ساهموا في سقوطي نحو الحضيض) أسأل نفسك عزيزي القارئ كم عاقل يستطيع ان يستكشف دواخله كما تستكشفها هذه المجنونة لئلا يقع في السلوك الانتقامي بشكل أو بآخر؟؟؟ .


 وطبعاً لابد ان يضم العنقود حبات عن الواقع السياسي للمرحلة الحاضرة من تاريخ العراق. جسد العراق الذي انتهكته صراعات سياسية بين قوة عظمى أحتلته ولاعبين سياسيين فاسدين استخدموا أسم الله حتى كفر البعض بالله بسببهم, اذ استخدم اسم الله دون فهم حقيقي للإنسانية في الدين ومعنى ان يقول الامام علي عليه السلام "من لم يكن لك أخاً في الدين كان نظيرك في الخلق" فصارت عقلية القطيع الطائفي تتحكم بالعراق. يقع المرضى وسط قتال بين القاعدة الامريكية وهؤلاء اللاعبين (ص 151), وتحترق ردهات في المستشفى في خضم هذا الفساد والصراع, ويسأل ( كريم عبدالله ) ايضاً دون خوف (ص ١١٧ من المسؤول عن قتل الكفاءات .؟. ) ويستعرض الاحتمالات (عملية سرقة ام تصفيات سياسية ام عمليات مدبرة من قبل جهات مجهولة لتصفية البلد من الكفاءات..!!!), وفي ص (116) يذكرنا ( كريم عبدالله )  كيف ان آلامنا اصبحت لقمة سائغة يتداولها مراسلي القنوات الفضائية كل يمضغها وفق اتجاه القناة السياسي ليغسل بها عقول القطعان. اما نحن العراقيين فلانزال نتصارع في حوارات, اغلبها يظهر على شكل عنف دموي وليس حواراً عقلانياً , في ص 125 يتنقل الحوار بين ( تأثير التناقضات الداخلية والضغوطات الخارجية.....- فقدان العدالة....- لقد تورط الانسان في هذه المذابح , اصبح عبدا لمعتقداته ونزواته ورغبته بالانتقام. -نحن لا نمتلك فضاءً نمارس فيه حريتنا, فضاء يرفض العسكر والخرافة, وتكون السلطة للقانون....).


 ونصل اعماق العنقود المجنون بالتفكير بمعنى الوجود, اقول انه مجنون لان عقل انسان الشارع العادي يقبل ما يقال له بدون مسائلة للحقيقة فيسمى "عاقل"! في ص 93 يكمن السؤال الوجودي للمجنون (من انا, من نحن, ومن هم سنبقى نحن هم الذين نحن.....نحن الشاهدون على هشاشة الواقع, نحن الوارثون لإرث الخراب العنيف......, لقد قدر علينا ان نكون نحن.), فالمجتمع لن يميز ال (أنا) بل سيبقى يحكم على (هم) وفق منطق قطيع ال ( نحن). فيما يبحر القارئ بين السطور سيجد دائما الصراع بين الحياة والموت الذي يواجهه الانسان الذي فقد مكانه في المجتمع ليدفن حياً في المستشفى ويجد الوقت والظرف المناسبين ليتعمق في حقيقة الصراع بين فائدة الحياة وفائدة الموت, ويواجه صدمة كلكامش بموت أنكيدو فيستمر بالبحث عن ماهية الحياة بين الرغبة في خلود مؤجل او مجهول أو غير ممكن, والبحث عن سعادة حياة مفقودة ولكن مصطنعة في عالم الواقع. وعلى مستوى آخر سينتقل ( كريم عبدالله ) بالقارئ من الوجه الديكارتي لعملة (أنا أفكر اذن انا موجود) الى وجه (أنا مجنون اذاً انا غير موجود) وهو الوجه الآخر لمعنى الحرية عندما يتصارع العقل مع التفاحة  بشهادة الغيب (ص 154- 155: آه ايها الضمير المستفيق في زمن الوهم, متى تمنحنا الطمأنينة بدلاً من وخز سياطك....ما هي حقيقة وجودنا في هذا الزمن, كيف سنصل الى معرفتها ونحن نعيش ها هنا.....ما الفائدة من التمسك بالأخلاق وقد تساوى الجزاء في حالة تطبيقها أو بعدم ذلك.....لا بد من وجود عالم آخر تتحقق فيه العدالة والسعادة, لكن من يضمن لنا وجود هذا العالم الآخر .؟؟؟!!! . ويصبح رمز الانسان التفكري بعمق لدى ( كريم عبدالله ) : (ما زلت امتلك المتناقضات, الموت والحياة, الوجود واللاوجود, الخير والشر, السعادة والتعاسة......انا ادرك مقدار هذه المعاناة, وارغب بألاّ اتخلص منها, أي عشق للآلام ارتكبه بحق نفسي.) ثم في ص 160 -161 نقرأ (حينما تنتابنا نوبة الجنون نكون اكثر سعادة يتخاصم الجسد مع الوعي, لا سلطة لأحد على الآخر كل يغني على ليلاه, يهرب الجسد بعيداً ويمارس افعاله دون رقيب بينما وعينا يمارس رياضة أوهامه في فضاء شاسع, اننا سجناء افكارنا....ربما ما يفعله الجسد هو بعض من الحرية, وان ما يقوم به الفكر حرية بأضعف الايمان) .!! .


 ويبقى دائما العقل المتحرر من أقصى قيوده في رحلة الذهاب والاياب اللا متناهية في مشاكساتها, فنجد في ص 124 (ها هو العالم يغتسل مني في منيّ القبح بينما الانسانية محاصرة بالغام هائجة, أخفت فراديس الامل مؤسسات الأديان التي شوهت وجه الله.......الذين يحرقون الجمال في جحيم الرب بشرهم بالثبور يوم يأتي نبي الخصب يزرع بذور الامل ينمو في النفوس الرب لا يقتل اولاده) الامل هو (ما زالت الارض حبلى بالأيمان, لن تتنازل تحت طغيان الكراهية بعدما ملأتها الحروب فجيعة, لابد أن تعود صافية يظللها قوس الله...سيجئ نبي الجمال يؤمن بالحياة, ويعيد للإنسانية بسمة عريضة, ينشر الامل في الارض وتورق الاحلام اياماً جديدة).


 ولكن هذه ليست الخاتمة بعد, لا خاتمة لهذه الرواية العنقودية, إذ يبقى ( كريم عبدالله ) يجادل لماذا وماذا هو الموت وتبقى (الريح تعبث بمكر بأوراق الشجر) ويستمر الاستفزاز (ص 164 هل وجودنا حقيقة في هذا العالم, ...فهل ان هذا العالم عالم حقيقي....هل نحن شيء ام لا شيء .؟؟؟!!). وفي الصفحات الثلاث الاخيرة يتدلى العنقود الى (علينا ان نكون اوفياء للحياة حتى نتحمل الموت علينا ان نعشق الموت حتى نعيش الحياة)!...(اين يكمن النور, في الموت ام في الحياة, هل ان حياتنا هذه جديرة بان نعيشها كما هي ما الخير والشر في الحياة, وما الشر والخير في الموت..)!...(أنا قررت ان انهي هذا العنقود من الشيزوفرينيا بهذه الطريقة لكي لا يتكرر مرة اخرى......ربما كانت الحياة قصيرة, ولكنها كانت جميلة وتستحق, لقد اشغلت حياتي بالكثير من الاعمال الخيّرة, الان انا آمل بان تستمر حياتي وتكتمل, الان سأنعم بالراحة الابدية, الان سأعبر الى الضفة الاخرى بأمان.....ستبقى الحياة هي الخير الاعلى, فلولا الموت لما كانت هكذا مدهشة ونادرة.....)...... لا تستعجل ايها القارئ الكريم فصدمات العنقود لم تنتهي بعد فالكاتب الكريم يبقينا في حيرة مستفزة لحرية اختيارنا مع سطره الاخير (سقطت يده من على صدره حرة متدلية في الفضاء, بينما الاخرى مازالت تمسك بقوة في مسند الكرسيّ).


 د باهر بطي

طبيب أختصاصي أمراض نفسية

بورتلاند, أوريكون, الولايات المتحدة


دار الرعاة تستذكر الراحلين غسان كنفاني وأنطون سعادة




بحضور نخبة من الكاتبات والكتاب والإعلاميين والأكاديميين، نظمت دار الرعاة للنشر والتوزيع، في رام الله أمس الخميس 8/7/2021 ندوة للحديث حول غسان كنفاني؛ أدبه وفكره، وإطلاق كتاب "استعادة غسان كنفاني" للكاتب فراس حج محمد، وجاءت الندوة في ذكرى اغتيال غسان كنفاني التاسعة والأربعين، وذلك يوم 8/7/1972 على يد الموساد الإسرائيلي في بيروت، وذكرى إعدام أنطون سعادة في بيروت أيضا بتاريخ 8/7/1949.

وبدأت الندوة بتقديم الأستاذ نقولا عقل مدير الرعاة للندوة والمتحدثين فيها، والوقوف دقيقة صمت إجلالا لأرواح الشهداء، مستذكرا غسان كنفاني وأنطون سعادة والراحل توفيق زياد الذي توفي في الخامس من هذا الشهر.

وفي مداخلة للأستاذ المحامي الحيفاوي حسن عبادي بيّن فيها محطات مضيئة من أدب غسان كنفاني ورواياته "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا" و"أم سعد"، ومسرحية الباب، وغيرها، مشيرا إلى النصب التذكاري الذي أقيم في حينه تخليدًا لذكرى الأديب الفلسطينيّ غسّان كنفاني، ابن مدينة عكا،  في مدخل مقبرة النبي صالح في مدينة عكا، وقد تمت إزالته على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

وقال عبّادي عن كتاب "استعادة غسان كنفاني": "حاول فراس تقصّي واقتفاء أثر مواقف غسان كنفاني وشخصيته من خلال كتاباته في حينه وربطها مع واقعنا اليومي الرديء، مواقفه السياسية والثقافية آنذاك مع الوضع الراهن وتطورات القضية الفلسطينية، وكأنّي بكنفاني ما زال يقاوم كل المشاريع الصهيونية التي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، بقلمه الأشرس من البارود".

أما الناقد رائد الحواري فسلط الضوء على كتاب "استعادة غسان كنفاني" والقضايا التي التفت إليها المؤلف في الكتاب، وكيفية تناول المسائل الثقافية والأدبية، ليخلص الحواري إلى القول: "وبهذا يكون "فراس حج محمد" قد تناول شخصية "كنفاني" بشمولية وإنسانية وبحيادية، وليس بصورة (سوبر مان)، فهو يذكر أثر غادة على غسان، وكيف أنه سب "دين" "غادة" حينما تجاهلته وتجاهلت رسائله".

وفي حديث للمؤلف فراس حج محمد أشار إلى العلاقة الجامعة ما بين أنطون سعادة وغسان كنفاني، وكيف أنهما "حالة نادرة" من المثقفين، مبينا أن المثقف هو صاحب المشروع الثقافي السياسي، وليس هو ذلك القارئ النهم أو المؤلف عديم الرؤيا والمشروع التنويري.

وقبل فتح باب الحوار تم عرض "نشيد الوفاء" الذي أعدته مجموعة من الشباب من لبنان ليعرض في فلسطين في هذه الندوة التي هي تقليد سنوي تنظمه دار الرعاة للاحتفاء بغسان كنفاني وأنطون سعادة.


قراءة في ديوان "خطوات فوق جسد الصحراء" للشاعر الفلسطيني وهيب نديم وهبة: الذات الشعرية القمرية تقرأ الصحراء والكون والإنسان/ د. مصطفى عطية جمعة



أستاذ الأدب العربي والنقد - مصر 


هذا الديوان يحمل إبداعا مغايرا على مستوى الرؤية والبنية، والطرح والجماليات؛ وليس هذا بمستغرب على شاعر كبير في حجم وهيب نديم وهبة، فقد سبقه بأعمال شعرية وإبداعية عديدة، تشي بجلاء عن سعيه إلى قراءة الواقع والوجود والتاريخ والحياة بشاعرية متوهجة، لا يمتاح فيها من المتداول الشعري، وإنما يسعى إلى التميز الشعري، وهو ما اتضح في تجربته في الديوان موضع دراستنا. 

فالديوان ينتمي إلى فئة الديوان القصيدة، أو القصيدة الديوان، بمعنى أن الديوان كله هو قصيدة واحدة متصلة، متنوعةٌ زواياها، متكاملة أبعادها، وقد وفِّق شاعرنا في هذا البناء الشعري، لأنه بالفعل يعزف على رؤية كلية، تتجاوز الجزئيات والفرعيات والنثيرات، لتقرأ الجغرافيا في ضوء التاريخ، والتاريخ ضمن معطيات الجغرافيا، وقد احتوتهما شاعرية فذة، تنثر مفردات المكان في إطلالات الزمان، وتعانق الإبداع الشعري العربي في بكارته الإبداعية، في العصر الجاهلي، ومنها ينطلق إلى الثورة التي أحدثتها رسالة الإسلام: ثورة روحية وإبداعية وفكرية ولغوية.

وإزاء هذا التميّز الجمالي، في بنية شعرية أساسها اللحمة الشعرية في قصيدة واحدة، والتقاؤها على موضوع واحد، فإن التأويل يتوجب أن يكون موازيا لأية قراءة نقدية جمالية، وكما يقول تودوروف فإن عملية التأويل تفصل المتلاحم، وتجمع المتباعد، لأن التأويل يشكّل النص في فضائه الدلالي، وليس في خَطّيته، وهذا لا يمنع من تعدد التأويلات، فالدائرة التأويلية تسلم بضرورة تواجد الكل وأجزائه، ولكنها دوائر التأويل لا تتساوى، فهي تسمح بالمرور عبر عدد يكثر أو يقل من نقاط الفضاء النصي(1)، أي أن تأويل النص الشعري يمتاح من لغة النص وجمالياته، وتتسع دوائر التأويل أو تضيق تبعا لاستراتيجية القراءة، وما ارتكزت عليه نصيا.

وسيكون نهجنا في قراءة الديوان ناظرا إلى كلية الرسالة التأويلية، في ضوء معطيات المقاطع الجزئية، ساعين إلى تبيان أوجه من الإضافة الإبداعية المتحققة فيه.

يمثل عنوان الديوان العتبة الأولى في فهم العالم الشعري للديوان، فهو -بشقيه الرئيسي والفرعي- حامل للدلالة الكلية الأولى، وبالأدق فإن عنوان الديوان هو بوابة لفهمه؛ إذا قرأناه في ضوء الاستهلال الذي وضعه الشاعر في مقدمة ديوانه.

تكمن المفارقة في عنوان الديوان بشقيه الرئيسي والفرعي؛ فالعنوان الفرعي "مسرحة القصيدة العربية"، هو مفتاح فهم العنوان الرئيسي الذي سبقه. فلفظة "مسرحة" تحيلنا إلى الدلالة البكر للفظة مسرح في العربية، والتي تعني –كما ذكر لسان العرب- الموضع من الأرض الذي فيه الحلال والخير من دابة وزرع(2)، وهو ما يؤكده المعجم الوسيط بأنه مرعى السرح، ثم يتبنى المفهوم الحديث للمسرح بأنه المكان الذي تُمَثّل فيه المسرحية(3). أما إضافة لفظة المسرح إلى القصيدة العربية، فهي في رأينا إضافة مكانية، بمعنى أن الإضافة الإبداعية  في منظور شاعرنا أنه سيتخذ من القصيدة سبيلا لقراءة المكان، وهو ما أوضحه في العنوان الرئيسي "خطوات فوق جسد الصحراء"، أي أنه سيخطو شعرا وإبداعا على تخوم المكان في الصحراء العربية، فلننتظر شعرا مؤطرا بعبق المكان، مثلما هو معبر عن المكان الذي حدده بأنه الصحراء العربية، بهضابها وجبالها وسهولها ورمالها، وهو ما يقودنا إلى مفهوم شعرية المكان والذي يتشكل بواسطة اللغة الشعرية، إذ تمتلك بدورها طبيعة مزدوجة، فللغة بعد فيزيقي يربط بين الألفاظ وأصولها الحسية، أما إذا صارت اللغة أداة لتشعير المكان، فإنها لا تعتمد على اللغة فقط، وإنما يسبقه الخيال، الذي يشكل الخيال بواسطة اللغة على نحو يتجاوز قشرة الواقع، إلى ما قد يتناقض مع هذا الواقع، ويظل رغم ذلك واقعا محتملا، ويشكل الخيال الشعري مع المكان، فيما يسمى جماليات اللغة المكانية أو جماليات المكان، فالمكان إذا حضر شعرا فإن الخيال يحوّله إلى حلم، والذاكرة تفرقه إلى أمكنة متعددة (4). 

وقد أبان الشاعر عن مسرحته للقصيدة برؤية مغايرة، تتجاوز الأفق المكاني الضيق في المسرح الفيزيقي أو التمثيلى إلى مفهومه الخاص؛ وذلك في مقدمة لديوانه؛ صاغها بعبارات نثره، وجعلها تنظيرا لشعره؛ أشعلها بعاطفته، وأنارها بخياله، حينما يقول: "لكيْ تَجْتازَ الْعتبةَ، وتَدخلَ معي في سَفَري، عليْكَ أنْ تَتركَ هُنا كلَّ مَتَاعِ الدُّنيا... وتكونَ معي في سَفَرِ التّاريخِ إلى الْوراءِ. نقطةُ الانطلاقِ: زمنُ الْجاهليّةِ. نهايةُ الْمطَافِ: حُجَّةُ الْوَداعِ.  مُحاولةٌ للدّخولِ في تاريخِ الْحضارةِ الْعربيّةِ الْإسلاميّةِ."

فالعتبة المرادة هي عتبة عالمه الشعري الذي يؤسسه في هذا الديوان، ويطالب المتلقي بالتهيؤ في السفر معه، فإن تطوافه هو تحليق زمني مكاني، حيث يبحر مكانيا في صحراء الجزيرة العربية مترامية الأطراف، من الربع الخالي إلى اليمن السعيد، ومن مملكتي الحيرة والغساسنة وثمود، إلى بقاع حضرموت وعاد قوم هود، وفي الوقت نفسه يبحر زمانيا بدءا من الجاهلية، مرورا بحقبة الرسالة، انتهاء ببدايات تكوّن الحضارة الإسلامية. وبذلك تتضح الدلالة المرادة في عنوانه "مسرحة القصيدة فوق جسد الصحراء"، فالمسرحة سَفرٌ مكاني زماني للقصيدة، وما جسد الصحراء إلا الأرض الرحبة القفراء التي تتشكل منها جزيرة العرب، وما حولها من مياه وبحار. 

وقد ما أبانه بعدئذ بقوله: "تَفتحُ الْبابَ الآنَ... على مَهدِ الْجزيرةِ الْعربيّةِ. تَدخلُ مدينةَ الشِّعرِ، ومَدائنَ النّثرِ، وصَرْحَ التّاريخِ، وجسدَ الْأرضِ الْجُغرافيا. لا تَبْحثْ عني بَيْنَ سُطورِ الْكتابِ... هُوَ أنتَ هذا الْعربيُّ الْقادمُ إلى الْجزيرةِ الْعربيّةِ." 

فالمتلقي/ القارئ هو المبحر في جسد الصحراء، لأن الذات الشاعرة لا تحتكر وحدها الولوج ولا السفر، وإنما تأخذ في خطابها كل عربي، أيا كان زمنه ومكانه. 

لقد سعى شاعرنا إلى تأليف المادي مع المعنوي، والمحسوس مع المجرد، وعلى حد قوله ناعتا جهده في ديوانه: "هُنا تَجِدُ الْقمرَ والْبحرَ والرَّمْلَ، والصّحراءَ والتّاريخَ، وقَدْ دَخَلَ الْواحِدُ في الْآخرِ، حتَّى ضاعَتِ الْفُروقُ بينَ الشِّعرِ والنّثرِ، بَيْنَ التّاريخِ والْجُغرافيا، بَيْنَ الْمَسرحِ والْقصّةِ، وبَيْنَ الْواقعِ والْخيالِ." 

بما يعني أنه جمع أشكالا وأجناسا عدة في نصه الشعري، ليصبح الشعر بوتقة تصهر أشكالا إبداعية عدة. 

وإذا نظرنا إلى نص الديوان، فإننا سنجد أن الرؤية تتخذ من القمر مفتاحا تتطلع به إلى الجزيرة العربية، تاريخا وبشرا، هضابا ووديانا، شعراء وحكماء، وقد تكررت مفردة القمر، متصدرة غالبية المقاطع الشعرية، دون الشعور بأن التكرار يعطي وقعا سلبيا كما هو متوقع، وإنما نجد أن التكرار يعطي في كل مرة دلالة جديدة، لأنها تأتي في سياق شعري جديد، حيث تصبح الصياغة الشعرية (للقمر) حقلا تتراكم فيه المعاني والدلالات، مما يتطلب ضرورة النظر إلى بنية التكرار ذاته، على مستويين: الأول الظاهري للكلمة وما حولها، والثاني: باطني(5) ننظر في دلالات السياق حوله. 

فهو يستهل النص بأن جعل ذاته الشعرية قمرا يتلألأ في ليل الجزيرة: 

"قَمَرٌ / فوقَ ليلِ الْجَزيرةِ

ويداكَ مِنْ فِضّةٍ / وجسمُكَ مِنْ تُرابٍ

وسماؤُكَ مِنْ نُحاسٍ / وَعِشْقُكَ مِنْ سَرابٍ."


فالذات قمرية تتشكل في المتخيل الشعري، لتكون ذات أيدٍ وجسد وسماء وعشق، فكفاها غارقتان في اللون القمري الفضي، وجسمها من ثرى الجزيرة، وسماؤها نحاس. 

وتتعدد مهام القمر، الذي هو الذات الشعرية المتأملة، والذي هو أيضا ذات العربي المتلقي، وهو ينظر من علياء لعالم الجزيرة العربية، فالقمر يصبح رسّاما لأخيلة الذات المحلّقة في عالم خيالي، مأخوذة ملامحه من سرديات التخييل العربي.


"قَمَرٌ / يَرْسُمُ وخيالاتٌ بعيدةٌ...

دَخَلتْ مدائِنَ الرُّخامِ والْحريرِ / وأَجواءِ الْخِيامِ وبَراري الْهُيامِ...

وبساتينِ الْعُطورِ وغاباتِ النّخيلِ  / واغتَسَلتْ في ماءِ الْبحرِ

وانتَظرَتِ الْفارسَ الْقادمَ منْ صحراءِ الْجزيرةِ"


ففي هذا المقطع تنسج الذات القمرية رؤاها المتخيلة من رصيد من عالم جميل، سمعناه في الحكايات العربية القديمة، في أجواء ألف ليلة وليلة، وخيام الصحراء، وقصص العشاق، عندما يجدون في البساتين والغابات ملتقيات لهم، خاصة أن العاشق في التراث العربي يكتسي دوما بملامح البطولة والشعر، والمثال على ذلك عنترة العبسي، الذي قال شعرا رومانسيا لا يزال يعبق قلوب العشاق إلى يومنا، وكان في حروبه أسدا هصورا، يدمي قلوب الأعداء، ويعيد لمحبوبته ظافرا ولهانا. 

وتتحول الذات القمرية، لتكون فوق البحر، وما أكثر البحار المحيطة بالجزيرة!


"قَمَرٌ / فوقَ الْبحرِ / 

مُبلَّلٌ قليلًا بالنُّعاسِ وَالْمَطَرِ

ويَنتشِرُ الضَّبابُ / غَزالةٌ / تَنْزِلُ مِنْ سُحُبِ السّوادِ

تَلفُّ الْبحرَ في مِنديلِ الدّمعِ / 

ويَنسكِبُ نَهرُ الشّوقِ في وادٍ سَحيقٍ 

لا زَرْعَ فيهِ... لا غَرْسَ لا نباتَ"

الذات القمرية تشرئب في عليائها إلى مياه البحر، في سواد الليل، ولكنها لا تزال مؤنسنة، وقد أثقل جفنيها النعاس، ولاحقتها قطرات المطر، ومع ذلك هي عاشقة للبحار المحيطة بصحراء الجزيرة العربية، التي تخلو من الزرع والغرس، في دلالة على أن الذات العربية لا تتنكر للصحراء وإن كانت قفرا، ولن تجرفها تيارات الماء ولا الأمواج، ولا الأمطار، ولن تخدعها الغيوم المحملة بالغيث. إنها عاشقة للصحراء.


"قَمَرٌ  /  يا (امرأَ الْقيسِ) يَلْمَعُ مِثلَ السّيفِ

مِنْ غَربِ الْحِجازِ وشَرقًا في اَلْمَدَى

يَمانيُّ السّيفِ / عَدَنِيُّ الرّمحِ والْقامةِ

وصَنعاءُ تَنزِلُ مِثلَ أميرةٍ / تَغسِلُ قدمَيْها في ماءِ الْبحرِ

وتَصعَدُ حيثُ يَرْقُدُ مَجدُ الشّمسِ ساجدًا

في صلاةِ حُريّةٍ يَتلوها الْفجرُ"


تبدلت الذات الشعرية القمرية فصارت سيفا، في دلالة على أن الاشتغال الإبداعي في هذا الديوان على القمر بوصفه علامة شاهدة على أبرز ما يميز الذات العربية في تاريخها، وقد كان السيف جزءا من تراثها، بل هو رمز لعزتها وقوتها وفتوحاتها. 

القمر السيف صناعته وملامحه يمانية، يستحضر امرأ القيس، الشاعر والفارس، ولكنه يغوص جنوبا، حيث صنعاء المدينة الساحرة، المنتصبة على جبال اليمن، تذكرنا بماض تليد، كان اليمن فيها سعيدا، وكانت الصحراء العربية منجبة للفوارس الشعراء، وعندما جاءتهم الرسالة القرآنية جعلوا سيوفهم سبيلا لنشرها.

 

"قَمَرٌ / فوقَ رُبوعِ "الرُّبع الْخالي"

فوقَ الْبَراري والْقِفارِ

لا يُشبِهُ شكلَ الْأرضِ في التّشبّهِ"


غيّر القمر وجهته، وهو لا يزال في عليائه متطلعا، فصوب نظراته ناحية الربع الخالي، تلك الأمكنة المهجورة، التي لا نجد فيها إلا أرضا صلدة، وحجارة سوداء أشبه بالمحترقة، وبراري قاحلة، ولكنه يعتز بها، لأنها أرض شاهدة على تاريخ العروبة، وقد صارت عبر دروبها جيوش العرب في طريقها لفتوحات فارس والعراق. 


"قَمَرٌ  /  في مَلَكوتِ سماءِ الْكلماتِ

في الْبدءِ دَخَلَتْ في حالاتِ الْماءِ سَحابةٌ

تَجمَّعَ السّحابُ / حُزمَةً مِنْ نورٍ ونورًا منْ نارِ

واستوطنَ اللّؤلؤُ في كتابٍ / 

نزلَ الضّوْءُ فوقَ كوكَبِ الْأرضِ

مَطَرًا منْ كلامِ اللهِ / مِنْ أوّلِ بُستانِ الدّنيا حتّى جَحيمِ النّارِ / مَلَكوتُ الْأرضِ خالدةٌ في كلماتٍ"

هنا القمر يتلاقى مع قيم الرسالة الإسلامية، ليحلق في ملكوت التوحيد الرباني، ويقرأ الكون في هديه القرآني، وكأن كلماته لؤلؤ، يضيء ظلمات الأرض، فكادت الذات القمرية أن تتخلص من ماديتها، لتصبح أشبه بسحابة، تجمع النور من الشمس، أو النور من النار، ثم تصبح قطرات ماطرة من كلام الله، فتنشر عبقها في ملكوت الأرض، لعل أهلها يهتدون يوما إلى معنى التوحيد الذي يخرجهم من نار الجحيم. 

وختاما، لاشك أن العالم الشعري لوهيب نديم وهبة أشبه بالصحراء التي غزلها شعرا في ديوانه، فهي في ظاهرها رمال صفراء، إلا أنها تحوي جغرافية متنوعة، وسرديات البطولات والفتوحات، وعلامات النصر والفخار، وهذا ما دفعه إلى الاشتغال عليها شعرا، لعل الشعر يفجّر المستتر من مخزونها الإبداعي، كي نعيد قراءة تاريخنا من جديد، وإذا كان القمر وسيلة الذات الشاعرة في الديوان، فإن هناك عناصر أخرى مكانية وكونية وزمنية يمكن أن يواصل اشتغاله عليها في قادم الأعمال.


إشارات:

) الشعرية، تزيفيتان تودوروف، ترجمة: شكري المبخوت، ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط2، 1990، ص22. 

2) لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، القاهرة، د ت، ص1985. 

3) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 2004، ص426. 

4) إضاءة النص: قراءة في الشعر العربي، اعتدال عثمان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988، ص7-9. 

5) التِّكرار في الدراسات النقدية بين الأصالة والمعاصرة، فيصل حسان حولي، رسالة ماجستير، جامعة مؤتة، 2011، ص69. 



منتدى المنارة يقيم أمسية "بوح كنعاني" في نابلس

 


نظّم منتدى المنارة للثقافة والإبداع يوم السبت 3/7/2021 أمسية شعرية تحت عنوان "بوح كنعاني"، اشترك فيها أحد عشر شاعراً وشاعرتان، وأدار الأمسية الشاعر والناقد الدكتور خليل قطناني، وقد احتضنتها صبانة كنعان التاريخية.

وبدأت الأمسية بكلمة مقتضبة للدكتورة لينا الشخشير، بينت فيها أن هذه الأمسية تعقد بالتعاون مع بيت الفكر والثقافة الشبابي، تنشيطا للحركة الثقافية في مدينة نابلس التي توقفت بفعل جائحة كورونا، وتمثل بوحا كنعانيا شاملا للكل الفلسطيني، مؤكدة أننا نحن الباقون، والغرباء سيرحلون.

وبعد عزف النشيد الوطني وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء، بدأ الشعراء بإلقاء قصائدهم التي تنوعت مضامينها الوطنية والإنسانية والغزلية، ممجدة الوطن والإنسان، ومشغولة بالهم الوطني والقضايا الراهنة. وأما الشعراء المشاركون فهم: سامح أبو هنود، مبين كيوان، عفاف خلف، د. عبد الرحمن حامد، زهدي حنتولي، معالي سلمان، سميح محسن، مفلح أسعد، إسماعيل حج محمد، لطفي مسلم، كامل ياسين، فراس حج محمد، وعبد الله الخالدي.

وفي نهاية الأمسية، كرم منتدى المنارة للثقافة والإبداع الشعراء المشاركين.


رواية "ترزقون" للأديبة يسرية سلامة في معرض القاهرة الدولي للكتاب

 


كتب: محمد يونس


تشارك الروائية المتميزة "يسرية سلامة" هذا العام في "معرض القاهرة الدولي للكتاب" في دورته الثانية والخمسين برواية "ترزقون" وذلك في صالة”1” جناح A44 لدار "ابهار للنشر" في المعرض في 30 يونيو 2021 بالتجمع الخامس، ويستمر حتى 15 يوليو المقبل.


وتعد هذه الرواية ذات قيمة فنية وثقافية كبيرة؛ إذ كانت للمؤلفة رؤية مختلفة في تقديم قضايا المرأة المعاصرة ومعاناتها حيث انها تمكنت عبر روايتها "ترزقون" من العبور إلى جوانب من واقع المرأة، لا سيما في بعض التفاصيل الإنسانية التي جسدتها في العديد من الشخصيات التي تضمنتها الرواية، وقدمت الفكرة بطابع أدبي روائي، وتأخذ القارئ مباشرة إلى عمق الأحداث المتتالية والأفكار لتصل به في نهاية الرواية إلى الإحساس بالقضية بكافة تفاصيلها الإنسانية والتي أصبحت مناقشتها ضرورة حتمية وملحة.


قدمت الكاتبة "يسرية سلامة" الوقائع والأحداث دون اصطناع أو ابتذال بالاشتباك مع العديد من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحيط بواقع المرأة المصرية، بابراز زيادة حدّة المشكلات إلى أن تصل لأوجها لتعتبر المُختبر الواقعيّ والموضوعيّ الذي تعتمل فيه هذه الروابط كلّها وعلاقات التأثُّر والتأثير بين الرجل والمرأة والعنفُ ضدّ المرأة في المجتمع.


تقدم رواية " ترزقون " أطروحات متنوعة لقصص تعكس تجارب حسية إنسانية الطابع لتكتسب رونقًا جديدًا تلتحم مع الواقع وان كانت في الأصل مجرد خيال للخروج بمفاهيم جديدة يُراكم الكلمات والعبارات، ومعها تكتسي السطور معاني جديدة لرفع راية الوسطية، والانتصار لحقوق المرأة التي لم تعد رفاهية يمكن تجاوزها أو حتى تأجيلها؛ بل أصبحت قضايا حياتية وهناك حتمية وضرورة لمناقشتها.


رواية ترزقون تعكس معاناة تخترق العقول وتستوطن المشاعر لتدعو القارىء للتفكر والتأمل ليستمتع بقراءة الرواية بإسلوب بسيط وكلمات تنفذ إلى القلب مباشرة.