احتفاليّة إشهار كتاب نعيم بن حماد/ لد. محمد خليل




كتبت آمال عواد رضوان ـ

     وسط حضور متنوّع من الأدباء والأصدقاء والأقرباء والمهتمين بشأن الثّقافة، وتماشيًا مع تعليمات وزارة الصّحّة وظروف الكورونا، تمّ عقد حلقتين أدبيّتين لإشهار وتوقيع الكتاب الجديد "نُعيْم بن حماد معارضًا للخلافة العبّاسيّة"، للكاتب والنّاقد د. محمد خليل، وقد نظّم الحلقة الأولى د. محمد خليل، في بيته العامر في قرية طرعان، بتاريخ 10.11.2021، والحلقة الثّانية أقامها منتدى الفكر والإبداع، في المكتبة العامة في شفاعمرو، بتاريخ 13.11.2021. 

     بعد أن رحَّب د. خليل بالحضور، قدَّم لمحة مختصرة تُعرِّف بالكتاب، وإضاءة أوّليّة على مضمونه، والظّروف التّي رافقت تأليف الكتاب إلى أن رأى النّور، وضرورة تكثيف هذه النّشاطات، دعمًا وتشجيعًا للمبدعين، وتشجيع الوعي القرائي وتذويته، لاسيما في ظل ما تشهده الحركة الأدبيّة والثّقافيّة المَحليّة من ركود وتراجع، فمثل تلك النّشاطات تتيح الفرصة لالتقاء المبدعات والمبدعين، بهدف التّواصل، وتبادل الرّأي بقضايا تهمّ الأدباء والحركة الأدبيّة المحلية، والمشهد الثّقافيّ المّحلّي.

    الشاعرة آمال عوّاد رضوان تحدّثت عن الكتاب وأهمّيّته في التّوعية وزعزعة الرّاكد، إذ يعكس ظروفنا الرّاهنة التّي ما زالت قائمة منذ أكثر من ألف عام، هذا وقد شارك الجميع وتفاعلوا بالنّقاش والمداخلات وإبداء الرّأي، وفي نهاية اللّقاء تمّ توزيع الكتاب على الحضور.  

   في ما يلي أسماء الحضور والمشاركات والمشاركين في الأمسية: د. فهد أبو خضرة، عصام مخول، يزيد عواد، توفيق جبارين، جورج جريس فرح، نبيهة جبارين، نهاي بيم، موسى حنا، سعيد بدر، ناظم حسون، عبلة فراج، ناجي ظاهر، حسين الشاعر، حسن عيد عدوي، مها حنا، فاطمة عدوي، خالدّية أبو جبل، أمين خليل، د. ليلى حجة، غازي عدوي، الأستاذ نظمات خمايسي، إياد خليل، وفاء بقاعي عياشي، إقبال خليل، زينة فاهوم و آمال عواد رضوان. 

  جاء في مداخلة د. محمد خليل: 

    موضوع الكتاب هو توظيف الأدبيّ والدينيّ في السّياسي، ومقدرته كسلاح في محاولته تحقيق التّغيير الاجتماعيّ والسّياسيّ، معتمدًا على  منهج التّحليل النّقدي للخطاب أو للنَّص الذّي يوظِّفه نُعيْم بن حماد، كما يطلعنا على مواقفه المحدّدة والواضحة من الدّولة العبّاسيّة، من خلال كتابه الموسوم بـ (كتاب الفتن). كما هو معروف، لا يمكن فصل العنصر السّياسيّ عن العنصر الاجتماعيّ، أو الدينيّ، أو الثّقافيّ أو الأدبيّ، فجميعها متعالقة بعضها ببعض، والعلاقة بينها جميعًا كانت وما زالت علاقة جدليّة بامتياز. إنّ الأدب نسيج لغويّ بما يملكه من وسائل تعبيريّة، وأخرى تصويريّة متعدّدة يمكنه أن يؤدّي دورًا إبداعًّا فاعلًا، لاسيما في غياب الحياة السّياسيّة الصّحية، وما يرافقها من وسائل منع وقمع وتقييد، فكلّما ازدادت حدّة القمع والملاحقة، وكلّما ضاق أفق الحرّيّة، ازدادت الحاجة إلى الإبداع! 

      أو كما يقال: "الحاجة أم الاختراع"! ما يدفع المبدع إلى أن يلجأ إلى النّص، وكذا كلّ فنّان آخر، فقد يكون الأدب والأديب مولودين شرعيين للواقع وللمجتمع، ضمن إطار زمكانيّ محدَّد، وهو ما يجعل الأدب أفضل وسيلة، وخير مقياس للمتغيّرات أو التّقلبات التّي تطرأ على المجتمع، الأمر الذّي يمنح الأدب دورًا فاعلًا في حياة مبدعه وحياة المجتمع، وفي إمكانيّة تحقيق التّغيير المنشود، فالوجود حركة لا تعرف التّوقف تمامًا، مثلما هو النّهر في جريانه هي الحياة. 

    جاء في مداخلة آمال عوّاد رضوان: ميزان الحقيقة بين كفة التّفكير وكفة التّكفير!

   ليس سهلًا أن يحاول أحدهم الخروج على السّلطة، وإماطة اللّثام عن الحقيقة دون تصادم، أو تفاقم أو إعدام، أو دون التّعرض للعنة المطاردة، والمراقبة، والسّجن، والنّبذ، والنّفي، واللإقصاء، والتّغييب، والتّنكيل والتّكفير كوسيلة قمع للمعارضة، أو حتّى التّصفية النّفسيّة والجسديّة، فكم بالحري إن أراد مبدع أن يواجه أوصياء على رؤيةٍ مقدّسة، أو يعارض نظامًا سياسيًّا دينيّا وعبّاسيًّا وهو في أوجِه؟ 

     كان نعيم بن حماد سنيّ المذهب شيعيّ الهوى، يميل إلى علي بن أبي طالب، ويُفضّله على عثمان بن عفان، وقد قال سارتر: "الكلمات مسدّسات عامرة بالقذائف، فإذا تكلّم الكاتب، فإنّما يُصوّب قذائفَهُ نحو الخصم"! فللكلمات تأثيرٌ كبير بمدلولاتها الدّينيّة، والسّياسيّة، والاجتماعيّة، والثّقافية، وبشتّى أفكارها المتعالقة ببعضها على المدى القريب والبعيد في التّوعية، وبتبديل القيم الفكريّة، وبالتّغيير الاجتماعيّ والسّياسي. 

   لقد ارتاى نُعيم بن حماد أن يوظّفَ الموروث الدّينيّ من الأحاديث النّبويّة المُكمّلة للقرآن، بكلّ أبعادها الدّينيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة، كوسيلة ومحرّك ناجع في التّخفيف من المعاناة، فهي السّلاح الأقوى، ولها السّطوة في اختراق جُدُر المؤسسات السّياسيّة الحاكمة بقالب وغطاءٍ دينيّ، وفي مواجهة أنظمتها وأجهزتها الرّافضة للتّعدّدية، والّتي اتّخذت الشّريعة الإسلاميّةَ معيارًا أساسيًّا في تسويغ وجودها وأفكارها، إذ إنّ هذه الأحاديث النّبويّةَ لها خاصّيّةِ إقناع الجمهور من جهة، وتساهم في زعزعة الدّولة ومواجهتها، وفي مناكفة الاتّجاهات الفكريّة المختلفة من جهةٍ أخرى، لأنّها تعتبر مصدرًا موثوقًا حثّ القرآن على قبولها وطاعتها الواجبة، فهي مرجعيّةٌ أصليّة، لها دلالاتها الثّابتة والقاطعة والحاسمة التّي لا يُشكّكُ في مصداقيّتها، مهما تعاقب عليها الزّمان والمكان، لِما لها من امتدادٍ تاريخيّ ودينيّ في الوعي واللّاوعي الجمعيّ للمجتمع.  وما أشبهَ اليوم بالأمس البعيد، فهو واقع أليمٌ لا زالت الحكومات العربيّة تمارسه في تهميش المعارضين من الأدباء، وفي ترويع المفكريّن، وترهيب المبدعين بالقتل، وتهجير الأفكار وأصحاب العقول خارج أوطانهم، فنعيم حماد استبق الأحداث، ورامَ السّلامة كي يواجه الواقع، فهرب بفكره المناهض سِرًّا من بغداد إلبن ى مصر لمدة 40 عامًا، وضمَّنَ "كتاب الفتن" دوافعَه وأهدافه بموضوعاتٍ جريئةٍ، مناهضة للخلافة العبّاسيّة، ولانحراف الخلفاء العبّاسيّين عن شعارات الثّورة البدئيّة، وتناول القمع، والقهر السّياسيّ، والنّفي، والاغتراب بأشكاله المتعدّدة، وتطرّق إلى تهميش العنصر العربيّ، وسيطرة السّلطة العجميّة من الفُرس والأتراك. 

   أصرّ نعيم بن حماد أن يكون ناقدًا متمرّدًا صاحب موقف، وأن يسلك الطّريق الصّعب، معتمدًا على روح الحديث النّبوي، إذـ "أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر"، فكتب بدمه سفر خلاص مجتمعه من السّلطان الجائر، وأمضى 7 سنين في سجن سامراء يتلقّى شتّى فنون التّعذيب، ثمّ قضى شهيدًا للحرّيّة عام 850م في خلافة المعتصم، "وقد أوصى أن يُدفن في قيوده وقال: "إنّي مخاصم"، فلم يُكفَّنْ، ولم يُصَلَّ عليه.

     البحث في هذا المضمار يتطلّب جهودًا كبيرة في التّنقيب، والتّحقيق، وبلورة فكرة موضوعيّة شاملة تعكس الظّروف متعدّدة الجهات، وذلك بسبب كثرة المصادر المُوالِية للفترة العبّاسيّة، وقِلّةِ المصادر المُعارضة، وذلك بسبب الخوف وسرّيّة الإصدارات من ناحية، وبسبب حرق المصادر المناوئة من ناحية أخرى، وهناك أسباب أخرى كثيرة. 

إذن؛ لماذا يدخل د. محمد خليل هذا المضمار الشّائك؟ هل بسبب استمرار محنة الثّقافة العالميّة منذ الأزل إلى اليوم؟ هل لأنّ الثّقافة وليدة بيئتها؟ هل يريد توجيه أنظار وألباب القرّاء والمُتلقّين إلى صُلب الواقع، ليحثّهم على التّفكير بالتّغيير الإيجابيّ في المجتمع؟


جماليّة المعنى الأيروسي في ديوان "وشيء من سرد قليل"*



بقلم رائد الحواري/ فلسطين


كلما قرأت لفراس حج محمد أتأكد أنني أمام شخصية مبدعة، فكل عمل يقدمه يؤكد تألقه وتميزه، فبعد ديوان "وأنت وحدك أغنية"، وديوان "ما يشبه الرثاء" قلت لن يكتب فراس أفضل منهما، الديوان الأول لما فيه من تنوع وتعدد الأشكال والموضوعات والأسلوب، والثاني للتكثيف والصور واللغة التي استخدمها. في هذا الديوان، ورغم أنه متعلق بامرأة واحدة، إلا أن لغته والطرق التي تناول فيها المرأة تجعله ديوان يُدرّس، فقدرات الشاعر فراس حج محمد على تقديم الفكرة/ الموضوع بأكثر من صورة وحالة، يعد ميزة لا نجدها إلا عند قله من الشعراء، واللافت في ديوان "وشيء من سرد قليل" أن الشاعر يتماهى مع القصيدة، وهي التي تكتبه. من هنا  نجد مجموعة ألفاظ تشير إلى حالة التماهي بين القصيدة والشاعر، وهذا ما جعل الديوان مقنعا للمتلقي، فهو ليس مصنوعا صناعة، بل مخلوق خلقا، فالمتعة وجمالية اللغة والصورة الشعرية كلها شواهد على هذا الخلق في الديوان.

سنأخذ بعض القصائد من الديوان لتبيان ما جاء في المقدمة، يقول في قصيدة "شهية فعل الأمر":

"ظلي هنا عندي وعندي ثرثري

سيلي على شفتي كالكأس مسكر

واطوي الحنين هناك سفر غواية

وتبتلي

وتعرفي

وتغربي

وفي ضلوعي غرغري" ص10

عندما يوجه فعل الأمر إلى الحبيب/ القريب فهذا يشير إلى رغبة واندفاع الشاعر نحو المخاطب، من هنا نجد زخم في استخدام الفعل: "ظلي، ثرثري، سيلي، اطوي، تبتلي، تعرفي، تغربي، غرغري" واللافت في هذه الألفاظ وجود تكرار للحروف فيها: "اللام في "ظلي"، الثاء والراء في "ثرثري"، التاء في "تبتلي"، الغين والراء في "غرغري"، وهذا يشير إلى رغبة الشاعر الجامحة نحو المرأة، فمن خلال تكرار وتتابع هذه الحروف يشير إلى رغبته وحاجته إلى اللقاء/ التوحد مع الحبيبة، فالأفعال السابقة بشكلها المجرد تخدم فكرة الرغبة في المرأة والتلاقي معها، وهذا ما يجعلنا نقول إن القصيدة هي التي تكتب الشاعر، وأن الشاعر يتماهى مع القصيدة.

رغبة الشاعر المستعجلة لا تقتصر على تكرار الحروف في الالفاظ/ الأفعال فحسب، بل نجدها في الحركة السريعة أيضا:

"فاكهة الليل أناي

فجني

أنضجيني

مدي إلى يديك

تذوقيني

عرفيني مرة أخرى على طعمي

وكونيني

واختصري الطريق إلى جنوني" ص13

نلاحظ أن هناك سرعة في أفعال: "فجني، أنضجيني، مدي، تذوقيني، عرفيني، كونيني، اختصري" نلاحظ أن الأفعال متعلقة بالشاعر مباشرة، وليست كالأفعال السابقة المتعلقة بالمرأة، وهذا يشير إلى أن اللقاء تم بينهما، فأراد ان يأخذ حاجته المادية/ الجسدية من خلال: "مدي يديك، واختصري الطريق"، وحاجته الجمالية: "أنضجيني".

وقبل المغادرة أنوّه إلى أن هناك (حشمة عند الشاعر، بحيث لم يتوغل في وصف اللقاء الذي تم بينهما، وهذا يعود إلى أنه اللقاء الأول، لكن سنجد لاحقا، كيف أنه (يتكيف) معها وينسجم، فيصف لنا مشاهد متعددة ومتنوعة عن هذه اللقاءات.

هناك أشكال أخرى تشير إلى  الرغبة والحاجة للحبيبة، تتمثل في استخدام صيغة المثنى:

"تعالي كي أعد أصابعك

عشرين مرة

ستا وعشرين سنة

وأزرع بين نهديك الصغيرين

بين كل خليتين

عبارتين

ووردة وقصيدة وحروف باء" ص16

نلاحظ صيغة المثنى في: "نهديك، الصغيرين، خليتين، عبارتين"، وهذا يعكس  رغبة الجمع بينهما، كما أن اللغة البيضاء: "أزرع، خليتين، وردة، قصيدة، حروف الباء" التي جاء بها المقطع يشير إلى حالة التماهي بين الشاعر والمرأة، فاستخدامه لعناصر الفرح الطبيعة: "وأزرع، ووردة" والكتابة: "عبارتين، حروف، الباء" يؤكد أنه يتماهى مع الحبيبة. كما أن استخدامه للصورة الشعرية والإيحاءات الجنسية تؤكد تلك الرغبة الجامحة عند الشاعر:

"...للصدى الممتد عند الدغدغة

واستقيمي في متون الآه عند إشباع الفراغ لتلك المحبرة

مبيضّة وحليب ماء" ص16

فالجميل في هذا المقطع أن الشاعر يستخدم لفظ "الدغدغة" الذي يعطي معنى الإثارة، وأيضا الشكل الذي قدمه فيه، وتلاقي وتتابع حرفي الدال والغين، يخدم المعنى الذي يريده الشاعر، وبهذا يمكن للمتلقي أن يصل إلى الفكرة بأكثر من طريقة، المضمون، وشكل اللفظ، وطريقة لفظ لفظه/"الدغدغة". وإذا ما عدنا إلى المقطع سنجد أن هناك إيحاء باللقاء الجسدي بينهما: "الآه، المحبرة، مبيضة، حليب، ماء" وهذا أحد الأشكال المتعددة التي سيتناول بها الشاعر اللقاءات التي تمت بينهما.

في قصيدة "مواجد في وحدتي البعيدة" يقدم الشاعر رغبته بطريقة جديدة:

"إن عدت لي عدت إليك

تلم الزهر عن كتفي

خمرتي معصورة في شفتيك

وينقر طيرك الذهبي سنبلتين من جسدي

تمسدني بدفء يديك

إن عدت أنبت من جديد غابة لتفيء فيّ

تجعلني كونا يفيء إليكِ

إن عدت لي عدت إليّ امرأة كونية

يروي كأسها ولهي عليكِ

إن عدت لي لن أعود سوى إليّ" ص29

نلاحظ أن هناك ألفاظاً مكررة: "عدت/ أعود" سبع مرات، وهذا الرقم لم يأت بتخطيط/ بقصد من الشاعر، وهذا ما يجعلنا نميل إلى أن عقله الباطن هو من (يُلقنه الألفاظ) ويكتبه، فتكرار اللفظ سبع مرات يشير إلى الرغبة المستديمة والدائمة التي يريدها الشاعر، كما أن تكرار "تفيء/ يفيء" بصيغة المؤنث والمذكر يخدم فكرة الرغبة باللقاء، ووجود معنى للمثنى في: "كتفي، شفتيك، يديك" وصيغة المثنى في: "سنبلتين، تمسدني، كلها تشير بطريقة غير مباشرة إلى الرغبة والحاجة للقاء.

يتقدم الشاعر  من المرأة أكثر، بحيث (يصرح) عن فحوى اللقاء بينهما في قصيدة: "الحب ليس هذا الذي في القصيدة":

"يا جنة القلب الشهية قربي شفتي إلى شفتيك

تذوقي لغتي وغني لي

واعجني جملي برضاب شهدك

يا جنتي وحبيبتي عرفي شغفي إلى معراج عشقك

هناك الغيم يعصرني كؤوسا

تشتهيك ثمالة من طعم تغرك    

أتجدد في نهرك الرقراق مثل قطرة

فهلا جريت في دمي كشهوة مستفيضة؟

أحبك أبتها السائلة المرأة المرآة

أرى نفسي

أذوب في شفتيك قبلة من وجع

يمسني جلدك الشفاف

عطرك اللانهائي يحيي  شهقتي على بتلات وردك" ص101

إذا ما توقفنا عند هذين المقطعين سنجد أن هناك  حرف الشين  مكون أساسي في مجموعة ألفاظ: "الشهية، شفتي، شفتيك، شهدك، شغفي، عشقك، تشتهيك، كشهوة، شفتيك،  الشفاف، شهقتي" وهذه الألفاظ بمعناها المجرد تخدم فكرة الإثارة الجسدية، وتفتح باب الشهوة عند المتلقي، هذا من جهة، ممن جهة أخرى شكلها وطريقة كتابتها يثير الغريزة ويفجرها في القارئ، وإذا أخذنا المعنى العام للمقطعين، نكون أمام مجموعة مثيرات تخدم الفكرة التي يطرحها "فراس حج محمد".

كما أن التواصل بين الألفاظ والمعنى يخدم فكرة حميمية اللقاء: "لغتي/ غني/  جملي/ رضاب" كل هذه الألفاظ متعلقة باللغة وطريقة لفظها، كما أن ألفاظ: "الغيم/ يعصرني/ كؤوسا/ ثمالة/ طعم" متعلقة  بما يُشرب، وهذا يخدم فكرة  كمال الوصال/ اللقاء الذي تم بينهما.

هذا فيما يتعلق بالمقطع الأول، أما بخصوص المقطع الثاني، فالشاعر يركز على حالة الرقة/ الشفافة/ الناعمة التي نجدها في ألفاظ:  "الرقراق، السائلة، أذوب، الشفاف، بتلات"، وأيضا نجد صفات/ حالات الماء في: "الرقراق، قطرة، جريت، مستفيضة، السائلة، الشفاف"، وهذا أيضا يخدم فكرة الحلول/ التماهي بين الشاعر والمرأة، فأراد من خلال استخدام حالات/ صفات الماء أن ينساح/ يمتزج بها ومعها، بحيث لا يفترق/ ينفصل عنها.

يتقدم الشاعر أكثر نحو التصريح/ متجاوزا (خجله) فيقدم قصيدة أيروسية. يقول في قصيدة "المس الجنوني للمعنى الدقيق من الكتابة":

"... أشتهي رش عطر الياسمين على جذوعك

أتسلق أيمنك العرفجيّ

أشعل أيسرك العاطل من حمالة الصدر

أفتح ثغرة في السد

تغلغلها الألف الطليقة

وأحضن مثل زر الورد وردتك اللطيفة

وأمطر مثل غيم الله ماء كوثري الطعم في أرض شفيفة

وأكتب أسفل النهدين تحت السرة السراء

آياتي الطريفة" ص122 و123

في هذا المقطع نجد اللقاء الجسدي: "حمالة الصدر، أفتح ثغرة، تغلغلها الألف الطليقة، وأحضن زر الورد، وأمطر، تحت السرة" لكنه قدم ذلك بصيغة أدبية، وهذا ما أضفى عليه لمسة جمالية، فرغم أن الفكرة جنسية، إلا أن طريقة تقديمها لم تكن (فاجرة)، فالصبغة الشعرية  أبقت القصيدة محافظة على جمالها الأدبي، بحيث لا يشعر القارئ بالاشمئزاز من فكرة اللقاء الجسدي. فهذا المزج  بين فكرة (قاسية/ محرجة) واللغة وطريقة تقديمها تحسب للشاعر الذي جمع بين متناقضين، فكرة محرجة وصيغة أدبية.

وبهذا يكون الشاعر "فراس حج محمد" قد قدم أكثر من صورة وشكل  للقاء المرأة، فمرة نجده محتشما/ عذرياً، وأخرى يتجاوز خجله، وفي غيرهما أقرب إلى الإباحية، الأيروسية، كل هذا دون أن يفقد جمالية القصيدة، أو أن يتخلى عن  الشاعرية فيما يقدمه.

===========

* الديوان من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الأولى، 2021.

قراءات نقدية لكتاب "وتحملني حيرتي وظنوني.. سيرة التكوين" للمفكر المغربي سعيد بنكراد



كتب حسن العاصي ـ

نظمت مجلة رباط الكتاب بالتعاون مع مركز تواصل الثقافات في العاصمة المغربية الرباط صباح يوم السبت 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 جلسة علمية حول كتاب" وتحملني حيرتي وظنوني" للمفكر المغربي "سعيد بنكراد" الذي صدر مؤخراً عن المركز الثقافي للكتاب.

شارك في قراءة الكتاب عدد من كبار النقّاد والباحثين والمفكرين المغاربة، وهم محمد الداهي، عبد السلام بنعبد العالي، وعبد الأحد السبتي، ومحمد الوالي، والطيب بلغازي، وجعفر عاقل، وعبد الحي المودن. وأدار الندوة احمد بوحسن.

كان من حسنات هذا اللقاء وفضائله ـ كما أشار الناقد محمد الداهي ـ انه جمع تخصصات متنوعة (الفلسفة، والسيميائيات، والتاريخ، والعلوم السياسية، والصحافة، والدراسات الثقافية، والبلاغة الجديدة) لتحليل السيرة الذاتية الفكرية لسعيد بنكراد من زوايا ومنظورات متعددة وبطريقة ممتدة او عرضانية"

اجتهد الدكتور "سعيد بنكراد" في كتابه الجديد الذي يتضمن ما يشبه سيرته الفكرية، في الإجابة على سؤال السيرة العلمية والفكرية المقتضبة والمختصرة. وجد نفسه يغوص في خلفياته الفلسفية والفكرية والابستمولوجية والأيديولوجية السياسية، من حيث لم يكن مخططاً لذلك بصورة مسبقة.

يمثل الكتاب حالة من البوح الفكري وليس الشخصي، حيث يعتمد المحطات الفكرية التي تشكل الخبرة الثقافية للكاتب الذي يدرجها ضمن السياق الإنساني.

من الجدير بالذكر أن مجلة رباط الكتاب ستتكفل مجلة بنشر مداخلات المشاركين على موقعها قريبا.

صدر حديثاً " صهوة الجوى" مجموعة قصصية للكاتبة الفلسطينية صفاء غليون

 



صدر حديثاً،  مجموعة قصصية بعنوان صهوة الجوى، للكاتبة الفلسطينية صفاء غليون ....

المجموعة تتألف من تسعين صفحة من الحجم المتوسط ، تحتوي المجموعة على  أربعٍ وعشرين قصه ، و تبرز فيها المواقف الإنسانية والعواطف الجياشة، وقد صاغت الكاتبة عباراتها بأسلوب لغوي  متميز، مستخدمة بعضاً من الأساليب البلاغية ، مع تكثيف للرموز والإيحاءات  والتي بدورها تتميز  بالعمق والرقة،....

 تبرز في  القصص مخاطبة الروح والوجدان فهي  تحمل مجموعة من  الرسائل الإنسانية الماثلة  بين الخيال والحقيقة.

وقد اختارت صهوة الجوى عنواناً للمجموعة القصصية كناية عن الفرس الجموح التي تصهل تحديا في وجه الصعاب ،وتفعل المستحيل لتحقيق الطموح.

ويذكر أن الكاتبة من مواليد مدينه نابلس وعضو هيئة تأسيسية لملتقى رواد المكتبة وعضو في منتدى الأديبات الفلسطينيات


مع كتاب "قضايا مختارة في الاستشارة التربوية، والصحة النفسية" للأستاذ يونس جبارين


بقلم: شاكر فريد حسن  


أهداني مشكورًا الصديق العريق الأستاذ يونس عبد اللـه جبارين، ابن مدينة أم الفحم، كتابه الذي صدر قبل أيام معدودات، بعنوان "قضايا مختارة في الاستشارة التربوية والصحة النفسية".  

يقع الكتاب في 368 صفحة من الحجم الكبير والورق الصقيل وطباعة فاخرة، وراجعته لغويًا عقيلته الأستاذة لميس جبارين، والصف الضوئي والإخراج الداخلي والغلاف لروان حسين الشريف من عمان، وجاء في الإهداء: "إلى روح والدي المهجر من قرية اللجون، والذي لم يكمل معنا المشوار، والذي غرس فيحب التعلم والمعرفة/ إلى والدتي الغالية امد الله بعمرها/ الى خالي أبي سامح الخبير في علم الفلك والفيزياء، والذي واكب تعليمي الثانوي وزرع الطموح في نفسي/ الى بناتي الغاليات حنين، رانية، رندة/ الى اولادي بدر، عبد اللـه (عبوشي)/ الى اخوتي، انسبائي، واحفادي، امدهم اللـه بالصحة والتوفيق/ الى رفيقة دربي أم بدر التي هيأت لي كل الظروف لإصدار الكتاب/ الى احبائي واصدقائي ورفاق الدرب/ والى كل من يتكبد عناء قراءة الكتاب". 

ويتناول الكتاب حزمة من الموضوعات المتعلقة بالاستشارة التربوية والصحة النفسية بين الحاضر وخيارات المستقبل، مع التركيز على الاهتمام لخلق وبناء الشخصية القويمة المقتدرة على التعاطي والتعامل والتكيف مع التحديات العصرية الحديثة. 

ويعتمد الكتاب على تجربة الكاتب العملية الثرية في هذا المضمار، ومساعدة زملائه الدارسين في بوسطن سنة 2000 وقسم الخدمات النفسية والاستشارية، فضلًا عن كتب ومؤلفات في هذا الشأن، وأحداث متلاحقة وظواهر غريبة بسبب جائحة الكورونا، وقضية العنف التي تجتاح مجتمعنا العربي. 

ويكتسب هذا الكتاب أهمية بالغة كونه جاء لرفع الحاجات النفسية ومحاولة إيجاد إجابات وحلول للمعضلات والمشاكل التي تواجه الطاقم التربوي والعلاجي داخل المدرسة وخارجها. 

يقسم يونس جبارين كتابه إلى 3 فصول، الفصل الأول عبارة عن مدخل للإرشاد الصحي، ويناقش مشكلات الحياة النفسية وأثرها في الصحة بين النظرية والتطبيق، في حين يتطرق في الفصل الثاني للإرشاد الأسري ويتوقف عند أسباب انتحار الشباب، بالإضافة لمسألة التحرش الجنسي في المدرسة وغيرها من المسائل والقضايا، أما الفصل الثالث فيتناول حالات تواجه الطاقم التربوي وكيفية معالجة المشكلات. وفي كل فصل من فصول الكتاب يقدم نماذج عينية من الواقع حول كل قضية وقضية. 

يشار إلى أن مؤلف الكتاب الأستاذ يونس عبد اللـه جبارين هو ناشط اجتماعي وسياسي، عمل سنوات طويلة مستشارًا تربويًا ومرشدًا قطريًا للمستشارين التربويين في موضوع المناخ المدرسي وتقليص ظاهرة العنف، واشغل منصب نائب رئيس بلدية أم الفحم بين الأعوام 1986-1989، وعمل في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية في البلاد، وعمل مرشدًا لمدارس القدس العربية، وأجرى بحثًا عن العنف المدرسي على 4000 طالب وطالبة من الصفوف الرابعة حتى الثواني عشر، والمزيد عن سيرة الكاتب مثبتة في مستهل الكتاب. 

لقد بذل الأستاذ يونس جبارين جهدًا كبيرًا في إنجاز هذا الكتاب التربوي الهام، الذي استغرق ما يقارب 4 سنوات، معتمدًا على مراجع كثيرة أشار إليها في النهاية. وهو كتاب فريد من نوعه ومختلف عن دراسات وكتب أخرى تعالج المسائل النفسية والتربوية، وهو يشكل إضافة توعية وكمية للمكتبة العربية في هذا المجال والسياق، ويثري عمل المربين والمستشارين التربويين والاخصائيين النفسيين والعاملين الاجتماعيين ويفيدهم كثيرًا. 

نبارك ونهنئ الصديق الأستاذ يونس جبارين بمناسبة صدور منجزه الذي يستحق الاهتمام والتقدير، نشد على يديه ونرجو له حياة مديدة ومزيدًا من المنجزات والإصدارات. 

قصائد الومضة في سوتيانك الأحمر في مرآة (الهايكو)

 



بقلم / د . سعد ياسين يوسف


كما في الفنّ التَّشكيليّ تتعدد الرؤى للَّوحة بحسب زاوية النظر إليها وثقافة المتلقي وما يسبغه عليها من معانٍ ورؤى جديدة لم تكن تخطر حتى في بال من رسمها، وهذه هي سمات الإبداع الحقيقيّ الذي يترك دوائر التلقي تتسع من نقطة ما تشكل مركزاً في القراءة ومحوراً لها .

    وفي مجموعة ومضات الشَّاعر كريم عبد الله ( سوتيانك الأحمر ) الذي تتجلى فيها سيميائيّة اللَّغة بأعلى مراحلها والتي صدرت عن دار المتن ببغداد مؤخراً نجد أن الشَّاعر قد لجأ إلى لغة تكثيف عالية في القصائد مما منحها عمقاً دلالياً غير مسبوق في قصائده السَّردية الطوال التي كان يطلُّ بها علينا .

  وليس غريبا أن يلج الشَّاعر إلى هذا المضمار بكل ما فيه من معانٍ أيروسيّة ، فالأمثلة كثيرة على هذا النحو من الإثارة في الشِّعرالعربي كما في شعر أمرؤ القيس في الشِّعر الجاهليّ وأبي النواس وبشار بن برد ومطاع بن أياس في العصر العباسي .

    وفي الدّراسة التحليليّة لديوان ( سوتيانك الأحمر ) التي تضمنها هذا الكتاب يتجلى بوضوح هذا التّعدد في الرؤى والتَّناول للأثر الذي أنجزه شاعرنا كريم عبدالله وتردَّدت أصداؤه في مرآة الأديبة العربيّة إيمان مصاروة التي أستفزتها نصوص المجموعة لتحللها وفق مسطرة قصيدة (الهايكو)على الرّغم من أنَّ الشَّاعر حينما أصدر مجموعته لم تكن موسومة بوسم  قصائد الهايكو .

   ومع ذلك تأتي محاولة المبدعة إيمان مصاروة لتثري القراءات التي قدمت والتي ستقدم لهذه المجموعة من قصائد الومضة أو كما يسميها البعض الشَّذرة أو النَّثيرة والتي أسمتها على أنها ( هايكو ) رغم تعريفها لقصيدة الهايكو بأنها : (هي نثيرة أو قصيدة بسيطة ومضغوطة في بنائها، تبدو ظاهريًا أنَّها سهلة المنال لكنَّها استطاعت استقراء المرئيات كالطبيعة  بتفاصيلها.) وفي موضع أخر تدمج النثيرة بالهايكو لتطلق تسمية جديدة هي ( نثيرة الهايكو)

 ولتأكيد ذلك أستشهدت بالأصوات التي أصرت على ولوج وتعريب قصيدة الهايكو اليابانية في الوطن العربي وفي المقدمة منهم الشَّاعر الفلسطينيّ عز الدين المناصرة والشَّاعر المغربي عبد الكبير الخطيبي وسامح درويش والذين وقفوا بوجه من أكد أنَّ النَّثيرة والشَّذرة والومضة هي امتداد لتطور القصيدة العربية المعاصرة ولا حاجة أنْ نستورد الشِّعر من اليابان وندجنه ونحن أمة شعر متجدد ، فيما تساءَل آخرون هل سيكتب اليابانيون قصيدة الشَّطرين العمودية ؟

    ومن الثابت أن للبيئة الثقافيّة التي تحيط بالمبدع أثرعلى المبدع وتوجهاته وما يتبناه ويعتقده ولذا فنحن هنا بصدد التناول النقديّ الانطباعيّ      التحليليّ لإيمان مصاورة لمجموعة الشاعر كريم عبد الله (سوتيانك الأحمر ).

   بعد المقدمة التي تناولت فيها تاريخ وتقنيات قصيدة الهايكو وأبرز مناصريها والتأكيد بأن كريم عبدالله كتب هذا النوع من الفنون الشعريّة تتجه نحو دراسة نصوص الشَّاعر بلغةٍ انطباعيّة تحليليّة تفكك من خلالها شفرات ومضاته المترعة بالتَّكثيف والحسّ الشعريّ الوجدانيّ في ضوء الوضع السياسيّ والإجتماعيّ المحيط بالشَّاعر وبرؤية المتتبع القريب جداً إلى نتاج الشَّاعر سيّما وأنها كانت قد قدمت دراسة سابقة عن شعره في مجموعة (تصاويرك تستحم عارية ).

ولذا فكلما أقتربت رؤية النَّاقد من الشَّاعر اتضحت رؤاه الفنيّة وأدرك عمق الشَّاعر ورأى تفاصيل نصف قمر نصوصه المعتم ليسبر أغوارها بيسر وسهولة ، ولذا فهي تدرك مقدار الهمّ الوطنيّ الذي أكتنفته قصائد المجموعة وإلتزام الشَّاعر في ومضاته برسالته الوطنيّة والإنسانيّة حينما تناول مامرَّ بالعراق من حروب وويلات أنهكت كاهل شعبه لسنوات طويلة .

     لقد سلطت الضوء في دراستها التحليلية على هندسة نصوص الشاعر وترابطها من حيث المعنى والبناء ووصفت البعض منها  بأنها كقطعة واحدة وهذا ما لمستهُ في الومضات السَّبع عشرة التي أوردها ضمن  نص طويل بدأها بجملة ( في لحظة الوداع ) ولو أستخدمناها مرة واحدة ودمجنا كل الومضات التي وردت فيها لأصبحت قصيدة نثر رائعة بصورها وقوة تكثيفها .

     كما أهتمت إيمان مصاروة بلغة القصائد وتأكيد الشَّاعر كريم عبدالله في نصوصه على استخدام الفعل المضارع في مقطوعات "قصيدة الحرب" مما يدل على الحيوية والحركة وسهولة  تتبع المتلقي ولقرب زمنها وديمومة حركتها مشيرة ألى "أن نصوص الشَّاعر تميزت بمهارة  في خلق علاقة تماثلية بين الدَّال والمدلول وذلك بالتغلغل في أسرار اللّغة والتَّمتع بالقدرة على معرفة الحمولات اللَّفظية والمعنوية التي تتمتع بها الأسماء وتمنح إمكانية للتآلف بين  مفرداتها التي تبدو ظاهريا غير متجانسة. لكنها أصابع الشَّاعر البارع التي تصنع كيمياء لغوية بين الألفاظ المتباعدة "، وهذه قراءة خلّاقة تحسب للمبدعة أيمان مصاروة في تحليلها لنصوص كريم عبد الله .

     كما تناولت في دراستها لنصوص الشَّاعر الآيروسية  في (سوتيانك الأحمر) من منظور نفسيّ وليس من منظور حسّيّ بمعنى الإثارة الجنسية ووصفتها بأنها "رغبات مكبوتة في أعماق الذات وربما هي أمنيات ممنوعة أو أحلام من الصعب تحقيقها .!! لكن المتلقي سيلمس بوضوح التأثير الحسّيّ والجنسيّ المهذب الذي أراده الشَّاعر في نصوص هذه المجموعة من خلال مداعبة خياله ورسم الصَّور الشِّعرية العارمة  وتأجيج الإحتدام الكامن في معاني النصوص من خلال الكتابة الأيروسيّة والتي أخذت تسميتها من أسم الإله الإغريقي "أيروس"، وهو إله الرَّغبة والحبّ والخصوبة .

    لقد أرجعت المبدعة أيمان سبب عمق المعاني وجمال الصَّور في نصوص كريم عبدالله إلى اشتغال الأخير على نفسه بشكلٍ جيد وإلى أستعانته بمواهبه المصاحبة لموهبة الشِّعر والمتمثلة بكتابة النصوص المسرحيّة والدّراسات الأدبيّة والنَّثر بأشكاله،  إضافة إلى أنَّه رسام وموسيقي وسارد وليس شاعراً فقط ، وهذه حقيقة مهمة في الكشف عن مرجعيات وينابيع الإبداع  في نتاج الشَّاعر .

   ومما يلاحظ هنا في هذه الدّراسة طول الأقتباسات الشِّعرية أحيانا والتي تصل إلى صفحتين مما يثقل الدّراسة بأستشهادات لا مبرر لها ومن الممكن اختزالها ، ولكن ربما سعت إيمان إلى أن تتيح الكثير من النّصوص أمام المتلقي الذي لم يكن ليحصل على المجموعة لسبب أو لآخر .

    والمتتبع لقصائد المجموعة سيجد أنَّ الشَّاعر كريم عبدالله تناول البيئة العراقيّة الريفيّة الأصيلة بكل تسمياتها ومفرداتها وطراوة طينها الحرّي وكم كنت أتمنى أن يتم التوسع في الحديث عنها لأنّه أستخدمها بشكل جماليّ هائل وحميميّ ومن الممكن دراستها من وجهة نظر مثيولوجيّة وثقافيّة .

   بقي أنْ نقول أن قصائد ( سوتيانك الأحمر) بغض النظر عن تسميتها بقصائد (ومضة) أو (هايكو) تبقى قصائد مهمة في الشعريّة العراقيّة الحديثة وريثة التجديد في الشِّعر العربيّ وبما تمتلكه من تكثيف وسلاسة وابتعاد عن التعمية والإنغلاق .

كما أن دراستها وفق هذه الرؤية النقديّة المضمخة بذائقة شاعرة عربيّة مهمة يفتح المجال أمام قراءات ودراسات نقديّة ثقافيّة وبنيويّة وسيميائيّة أخرى في قابل الأيام .

مع الكاتب سميح مسعود وروايته: حيفا ..برقة

 


بقلم : عبد السلام العابد 

    الكاتب سميح مسعود من مواليد حيفا، عام ١٩٣٨ ،يحمل شهادة الدكتوراة في الاقتصاد ، منذ العام ١٩٦٧م  ، وعمل مستشارا اقتصاديا في عدة دول عربية ،ورئيسا للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين فرع الكويت ، وعمل مديرا للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال بكندا، ونشر حوالي خمسة عشر كتابا في الاقتصاد  .

  وله اهتمامات ثقافية فقد نشر مجموعة شعرية حملت عنوان : ( الوجه الآخر للأحزان ) وكتابا بعنوان ( رؤى وتأملات ) .

  ومؤخرا عثرتُ على كتاب صادر عام ٢٠١٤م عن منشورات دار راية للنشر في حيفا  حمل عنوان  (حيفا ...برقة..البحث عن الجذور  ).

   ترددت في قراءة هذا الكتاب للوهلة الأولى ، فأنا لا أعرف شيئا عن هذا الكاتب ، ولكن العنوان لفت انتباهي ، فما  طبيعة هذه العلاقة التي تربط  بلدة برقة الواقعة بين مدينتي نابلس وجنين، وحيفا المدينة الفلسطينية على شاطىء المتوسط ؟.  

   قرأت السطور الأولى فشدتني ، لا سيما وأنها رواية واقعية تسجيلية ، شخوصها حقيقيون، وأمكنتها معروفة ، وأحداثها متسلسلة.

  الرواية التسجيلية تتحدث عن طفولة الكاتب وحياة أسرته في مدينة حيفا، فقد عاش فيها حوالي عشر سنوات، وتعلم في مدارسها، وتعرف على شوارعها وحاراتها، وأحيائها، ومواطنيها من الفلسطينيين والعرب ، بحكم عمل والده في حيفا ، المنحدر من بلدة برقة، والتي كان يعود إليها في الإجازات .

   يتذكر أيام الدراسة واليوم الأخير في دوامه المدرسي، عندما أخبر مدير المدرسة الطلبة وهو متألم حزين ، بأن هذا اليوم هو الأخير؛ بسبب عدم قدرته على حمايتهم من اعتداءات الغزاة وهجماتهم الغاشمة. 

  وبعد أخبار المجازر والهجمات الغادرة، قبل و خلال عام ثمانية وأربعين، يغادر الفتى حيفا مع أسرته البيت الجميل الذي عاشوا فيه بسعادة وهناء، ويعود إلى بلده برقة، حيث الأهل والأقارب .

   وتمر عشرات السنين ، بعد النكبة، ويعود الكاتب سميح مسعود في زيارة إلى فلسطين، وبرقة وحيفا، فيزور الأماكن التي عاش فيها،  ، وبيت أسرته الذي ما زال ماثلا للعيان ،  ويتعرض أثناء  زيارته حيفا لمرض خطير، فيأخذه أقاربه إلى مشفى متخصص هناك ، ويمن الله عليه بالشفاء والصحة من جديد على أيدي أطباء  فلسطينيين أكفاء  ، تماما كما تمكن أحد الأطباء في مشفى حمزة بحيفا، قبل العام ثمانية وأربعين من معالجته بنجاح في طفولته المبكرة.

  رواية (حيفا ...برقة ..البحث عن الجذور ) تستحق القراءة حقا ..فتحية محبة وتقدير لكاتبها الدكتور سميح مسعود الذي كان يعيش مغتربا في كندا عندما كتبها ونشرها


فادي اللوند يلبي دعوة د. سهير عبدالقادر في مهرجان "أولادنا"

 




استكمالاً لمشروعه الإنساني، الذي انطلق به من خلال مهرجان "الأمل السينمائي الدولي" في ستوكهولم، لبى الفنان العالمي فادي اللوند دعوة الدكتورة سهير عبدالقادر رئيسة ملتقى "أولادنا" لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث نظمت مهرجاناً ثقافياً فنيا في دار الأوبرا المصرية، استقطب فرق وفعاليات ثقافية وفنية إبداعية من معظم الأقطار العربية، وكان الإحتفال تحت رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حضره عدد من وزراء الدولة ونجوم الفن من كل أنحاء العالم، وألقى الملتقى المتميز الضوء على قضايا هذه الفئة الملهمة في المجتمع.

وشكرا فادي اللوند د. سهير عبدالقادر وكل القائمين على هذا الحدث الفريد من نوعه وكل التوفيق والنجاح على لفتتهم الإنسانية، والتي تنم عن تفاعل مع فئة مهمة فكرياً وثقافياً في المجتمع العربي، والتي لها دور فاعل في تنمية العديد من المرافق لما تملكه من همة ووعي.

يذكر أن الفنان العالمي فادي اللوند شارك كضيف شرف في "مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي" الذي أقيم في قصر الثقافة، وحضره حشد كبير من النجوم وصناع الفن في العالم.

وأشاد اللوند إلى أهمية تفعيل دور المهرجانات التي تبرز أهمية جيل كامل، وتصقل المواهب التي بدورها تعمل على تنمية المجتمع وتساهم في تطوير العديد من المرافق وليس المرفق الفني فقط.

وألتقى اللوند خلال جولاته في مصر مع عدد من النجوم والشخصيات المصرية والعربية، وتباحث مع بعضهم عن الأعمال الانتاجية والفنية والنشاطات التي يحضر لها، استكمالاً لأعماله الجديدة التي سيعلن عنها بتاعاً.

كما أطل فادي اللوند عبر شاشة "نايل لايف" المصرية عبر برنامج "نهارك سعيد" حيث تحدث عن النجاح الباهر الذي حققته الدورة الأولى من مهرجان "الأمل السينمائي الدولي" في ستوكهولم والأصداء العالمية التي أثنت على مجهود المنظمين وفريق العمل المحترف والعالي الجودة، كما تحدث عن الخطوات التي تجهز استعداداً للدورة المقبلة.

ويستمر فادي اللوند بجولته المصرية حيث سيحل ضيفاً على عدد من الفعاليات المصرية، على أن يقوم بجولة أوروبية للبدء بخطواته الجديدة لمهرجان الأمل السينمائي الدولي.

https://youtu.be/JzUyocDMDGs


امسية شعرية للشاعرة دوريس خوري في المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح



كتب/ شاكر فريد حسن  


نظم المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح ندوة وأمسية خاصة حول التجربة الشعرية وإبداع الشاعرة الفلسطينية/ اللبنانية دوريس خوري، المقيمة في بلدة البقيعة الجليلية، وذلك عبر منصته الافتراضية، بمشاركة الشاعرة وعدد من النقاد والمهتمين بالشأن الثقافي. 

تولى إدارة الندوة الشاعر السوري صبري يوسف، وشارك فيها الشاعر القس جوزيف إيليا كضيف شرف. وقدمت خلال الندوة أوراق نقدية مهمة من الناقد الفلسطيني د. محمد هيبي، والناقدة اللبنانية دورين سعد، والناقد الأردني د. عاطف الدرابسة، ود. درية فرحات، وقرأت الشاعرة بعضًا من أشعارها. 

هذا  وشكرت الشاعرة دوريس خوري المنتدى والنقاد الذين شاركوا في التكريم والاحتفاء بتجربتها الشعرية، وتقديم القراءات النقدية. 

قراءة في رواية ( خيانة ٌ في تلافيفِ العقل ) لـ كريم عبدالله – العراق

 



كتب د. باهر بطي ـ

انْ أخونَ أو لا أخون ... هذا هو السؤال . ! .

 جاهدت ‏لأسابيع أن اكتب ‏مقال بلغة تحاكي لغة كريم عبد الله في رواية "خيانة في تلافيف العقل", وبعد أن خُيّل لي إني نجحت في فكّ أسرارها , قرّرت مسايرة كريم في الخيانة وأن اكتب هنا بما يُخيّلُ لي انه لغة علم النفس , فلا يلومنّي القارئ إن لم يجد ما يبحث عنه , في الأغلب ان كل قارئ سيدور في تلفيفة غير التي يدور فيها قارئ آخر ومن غير المؤكد بعد لّفات عديدة اننا سنلتقي عند رسالة كريم . الخيانات في تلافيف العقل هي استفزاز مطلق (وهذا هو المطلق الوحيد الممكن ايجاده) , اذ انها ثورة اللامطلق كما هي صرخة غضب على المطلق . "خيانة في تلافيف العقل" يمكن ان تكون الجزء المكمّل لرواية كريم "عنقود من الشيزوفرينيا" والاثنان يقفان كشواهد شامخة للفكر المستكهن لسر الوجود والسؤال الشكّي في اطار خيانة لمنطق أفلاطون الذي يقول (نحن مجانين إن لم نستطيع أن نفكر) بينما يثبت لنا كريم (نحن لا نستطيع أن نفكر إن لم نكن مجانين) ويستعير من فرناندو بيسوا ( الجنون وبعيداً عن كونه امراً شاذاً هو الشرط الطبيعي للكائن البشري/ ص 190) . بعد أن ينجح منطق الجنون في كشف جنون المنطق والحرية التي يمنحها الجنون للعقل ينطلق كريم في صراع الوجود مع العبثية ( كلنا مجرم حتى يثبت براءته وأن أصبحت بريئا صرت مجنون ) .! . السؤال الوجودي متوفر في كل زاوية وانت تدور في تلافيف التساؤل والإجابة تدور في تلافيف تخونها (ص 181 هل على الإنسان أن يثق بهذا العالم ) , ولم يُبقِ كريم حجارة لم يقلبها و( ينبش اجدادها ) وبالمناسبة من مُتَع الرواية هي التعابير العامية لتوثيق العقل العراقي . يمكن للقارئ الحذق ايجاد رسالة الانسانية التي يبشّر بها كريم ( المحبة الإنسانية هي الحلّ ) وخيانتها بالسؤال ( ولكن كيف وهناك من خطط العكس ) ويتكحّل الاستفزاز بتساؤل القارئ عمن خطط العكس .

كريم يجعل القارئ يعيش اللحظة داخل عالم ابداعه ليس عن طريق التفكّر فقط وانما بالحسّ ايضا . ينتقل القارئ الى هذا العالم في سطور مثل ( استراق السمع إلى الأشجار والعصافير ص14) , نقرأ في ص 325 دقّة مذهلة في استخدام الحواس الخمس في وصف التدخين وفي ص 247 وصف لوقع تساقط المطر. ويرتقي الحسّ الى مستويات متعالية للحسّ الجمالي والرومانسي المتداخل مع الاحاسيس الشبقية فنقرأ في ص 301 ( قميصك الوردي يحمل عطر المصالحة مع الجسد ) , وعلاقة الجمال بالرغبة فيذكّرني بنزار قباني في ص 342 وايضاً (‏ص 323 تتساقط ذنوبي كلما ‏دنوت من محرابك ويصيبني الخرس إذا رمقتني عيناك , فلا أدعية تستنجدها صلواتي مستشفعة بها كل شيء فيك يأخذني إليك ). وتتصاعد الاثارة الشبقية مع تصارع الرغبة مع العقيدة فيستثار (جواد) ليقول ( إبنة الكلب كم هي جميلة ومثيرة أستغفر الله .! . ), ويستمر كريم بالإثارة فنقرأ في ص 140-141 كمثال ما يصلح لمشهد خلاعي سينمائي .

رغم كل التلافيف التي تدور في كرة الخيانات تبقى مكانة الجنون محفوظة إذ يؤمن كريم ان ( دعوة المريض صادقة ) لأنه نموذج البراءة . ويحفظ كريم للجنون هيبته في عالم العشق فيصف جنون العشق الذي حمله ( المريض المجهول الهوية ) لطبيبة الأسنان , لكن سيبقى القارئ في حالة التشوق والاثارة عندما يتركه كريم معلّقاً مع التساؤل هل قتلها المجنون أم انتحر ويريد أن يحفظ للمجنون مكانته عندما يسأل (ماذا فعلت؟ ص 355).

 تستمر الخيانة بكشف المستور في الأنا سواء في الجزء الواعي أو اللاواعي منها . وتمثل (نوال) في ص 362 دور ‏سفيرة المرأة المكبوتة ورفض قاعدة ( قوامة الرجال ) و( والنساء قاصرات ) التي صارت وسيلة لممارسة عنف الرجال ضد النساء . يملأ كريم الرواية بأمثلة على التناقضات الاجتماعية الخائنة للقيم الى درجة اعطاء العذر لممارسة الدعارة طالما ان ( المصلحة فوق كل شيء ) او مثال الشهوة لدى المدير في صفحة 330. وتتعدد الامثلة على الازدواجية في الشخصية العراقية بما في ذلك ايجاد العذر السياسي للسقوط الأخلاقي (ص144). ولكن التغيير يصعب جداً عندما يغرق العقل الجمعي في منافقة لقيم عليا كالدين والوطن , ففي صفحة 297 حوار حول رفض او قبول مساعدة من موظف منظمة دولية لكونه مسيحي , وفي صفحة أخرى عاملة تقول ( الله خلّصنا من الطبيبة الصبيّة .....وجاءنا طبيب مسلم ) , والايغال الجمعي والفردي في قمع واضطهاد الاقليات الدينية فيقول ( ممرض ) عن الطبيبة الصابئية ( كلما ذهبت الى هذه الطبيبة...اغتسلت غسلة النجاسة ) , ويصف كريم معاناة الطبيبة منذ طفولتها في صفحة 328, ويتناقض العقل الجمعي مع حقيقة الدين المتسامحة رغم ( كثرة الجوامع ) .

 في مجموعة أخرى من التلافيف يستعرض كريم الاحوال السياسية بما هي مسببات ونتائج في الوقت ذاته . الديمقراطية بحاجة لتغيير نفس اجتماعي ويعطي كريم الدليل من خلال مجموعة التناقضات ( تلافيف الخيانات ) التي تستعرض الموقف السياسي في ضوء التناقضات النفس اجتماعية , فيستذكر المعاناة مع قمع نظام صدام حسين كما في صفحة 143 مثلاً ثم ينقلنا الى معاناة ما بعد سقوط ذلك النظام في 2003 فيقول ( كان مستغرباً كيف في ليلة وضحاها تبدلت وانكشفت نفوس ووجوه . !! ص 266) . وينقلنا كريم بين صورتي ( الاجتماع الحزبي ) واجتماع ( لجنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ونكتشف بينهما حقيقة ما لم يتبدل . سقوط بغداد تحت الاحتلال وسقوط نظام صدام وقيام نظام جديد لم يغيّر الصورة بل تعمّقت التناقضات ( يجب علينا أن لا نفهم حتى نحافظ على انفسنا ص 312)... وينكشف النفاق دائماً ( أتذكرُ كيف كان جباناً وكان يتملّق لنا .. هذا عصر الجبناء ص 306) , نهب المستشفى من قبل موظفيها بعد السقوط الذين يعذرون انفسهم لانها ( حصتنا من النفط ) كما كانت ( حصتي من بئر النفط ص 220) قبل السقوط . جوهر الامر هو غريزة الشهوة للسلطة والتي عبرت عنها زوجة الرفيق الحزبي ( أبو فليح ) الذي انقلب الى دور معاكس بعد السقوط فتقول له ( اما شبعت من ماضيك ص 273) , ثم في لفّة أخرى تتم تصفية الرفيق من قبل نفس اللجنة التي تقرر ( ابناءه ينتمون الينا فيجب ان نشاركهم العزاء في أبيهم ص 337). الهوية الوطنية ضاعت ما بين تناقضات المنتج السياسي للازدواجيات النفس اجتماعية فنقرأ في الرواية ( لقد سرقوا وطنيتنا ص195) , وينقلنا كريم بين صور الفساد/ الاحتلال/ الاغتيالات (التصفيات) , ونزعة الانتقام التي تتصارع بين ( ما ذنبهم ) و( بشر القاتل بالقتل ), والاضطرار الى ( الهروب من الوطن ) , وصرخة المجنون في ( اخرجوا أيّها المحتلّون من بلادي ص 265). ولا ينسى كريم المرور على واحدة في تلافيف عقل من أعمق تناقضات العقل الجمعي , فتظهر نظرية المؤامرة ( الصهيونية ) في عدة لقطات وحتى مؤلف المسرحية نفسه يشكّ بانها مؤامرة من (اليهود) عليه .

  يريد كريم في الصفحة الاخيرة ان يقنعنا باللوذ بـ ( الهوس ) في داء الهوس الاكتئابي فهو ( بهجة مذهلة تعبق مشوشة مسعورة في تلافيف عقل يهاجر بعيداً يحتمي بكآبة هائمة ) , أنه ( الضحكة المشلولة تمرّدت اخيراً على مستوى العار تكيفت تناضل من أجل البقاء...) , ويكشف كريم سرّه هذا في الصفحة الاخيرة بما يخفّف خوفي عليه من رغبة الانتحار, فثنايا الرواية في كل دورة للتلافيف تحمل اعراض اكتئابية المتجذرة في كآبة وجودية ممتزجة بأعراض الصدمة النفسية أو بالأحرى الصدمات النفسية . ( خيانة في تلافيف العقل ) تتكامل مع قرينتها ( عنقود من الشيزوفرينا ) في توثيق للطب النفسي مستعرضاً من خلال أعراض مرضى المستشفى والخدمات المقدمة لهم . من اكثر الصور بؤساً هي وضع العلاج بالصدمة الكهربائية كما يظهر في صفحة 160. نقرأ في صفحة 337 وصفاً رائعاً بمأساويته لأعراض نفسية ذهانية وكذلك نقرأ في صفحة 338 كيفية تشكّل الوهم والتدهور في الحالة النفسية التي يسببها الوهم المرضي الذهاني , ونقرأ في صفحة 162 ما يمكن ان اسميه "أنشودة معاناة الفصام" (عشرون عام , انا والفصام , كلانا يتبع الآخر, نعيش في بغض ووئام......!! . ) . كما تظهر الكآبة في أقوى صورها عندما ننتبه الى أن الرواية هي بثلاثة فصول ذو شتاء طويل فقط ولا يوجد فصل ربيع.   

‏  الصدمات النفسية تدور الى لفّة على حرب الكويت وحادث قصف المستشفى بصاروخ وظهور الشخصية المتفلسفة للمريض المجهول الاسم ذو اضطراب الشخصيات المتعددة فيظهر بأسم سقراط "والمعروف بأبو سقراط في أتحاد الادباء" , ونتعرف الى أهم أعراض اضطراب الصدمة النفسية إذ يتكلم ( سقراط ) ومن بين ما يقول في صفحة 225 ( في أعماقي تنام ذكريات الماضي ). لا يعلم القارئ انه كان يقرأ فصولاً لمسرحية حتى ننتقل في صفحة 231 الى الصدمة الاكبر مع بدأ الفصل الاخير, فيبدأ كريم رحلته في فصل الشتاء الطويل بالقول ( ليبكِي العالم , أجمل اناشيده , حين يهزمه العار...) . يقوم كريم بالرحلة الاكبر من التلافيف بأستخدام تقنية العلاج المسرحي في التأهيل النفسي لغرض الخيانة. 

يثبت لنا كريم في تلافيفه أن الذات هي كرة صوف ملفوفة من مجموعة خيانات الأنا لتشابكات الروح والعقل والجسد والواقعة بين مطرقة وسندان المكونين الاخرين للذات الغريزة والأنا العليا . يسعى انسان كريم الى تحقيق الذات المثالية في سماء يتعانق فيها الشبق مع الجمال والبراءة , ولكن هيهات ( لماذا يكون الزمن بخيلاً علينا في لحظات السعادة ). المثال هو ان نتمكن من ( الدخول والخروج بحرية ), ويمكن ان نصل لذلك ( متى ما أختلّ التوازن , لابد من قيام ثورة , ثورة تقضي على الجذور القديمة , وتزرع بدلاً منها اشجار مثمرة ) . الخيانة هي في الاهمال الكلكامشي فيؤنبنا كريم بالقول ( لماذا بقيتم تحت رحمتي وتنتظرون الخلاص من غيري ص 367) . الحياة هي المسرحية ولكن عبثية القدر الرافض لها كريم تؤدي الى ان ( ستنهار المسرحية وتتبعثر الأدوار... أي لعبة .؟... غير متفق على المسرحية !) , ( ص 233 لقد زجّ بنا في هذه المسرحية ص 240 ماذا يخبئ لنا هذا المخرج ) . المعاناة الجوهرية للكاتب/ مؤلف/ مخرج المسرحية هي الصدمة النفسية الكبرى التي تسببها الأزمة الوجودية (ص 246 هل بإمكان الموت؟ ), مجموعة تساؤلات ( ص 150 ما هي الحقيقة.... ص 204 من جاء بهذه الكرة , ومن الذي رماها في هذا الفراغ الرهيب , هل جاءت من اللاشئ .؟؟؟؟) . مع اليأس الوجودي ( كل شيء سيتبدّد كفقاعة ) يتصاعد الغضب فيقول في صفحة 245 ( تباً لك من قدر ترسم لنا مصائرنا رغماً عنا , وتباً لك من عالم مجهول يسلبنا الارادة.!! ) . مؤلف المسرحية حاذق وحازم ‏( هو حكيم ) ‏ولكن في النهاية يسائلونه ( خلف الكواليس جرت التعديلات ) حتى يشكّ ويُسائل هو نفسه كذلك .

 كريم يعطي , في عزف متبادل مع الخيانة التشاؤمية , ضوء الامل في نهاية نفق العبثية , ويعطي رأيه على لسان سقراط الشماعية (ص 214 عليك أن تجد نفسك... ). تقديس الجمال والحب هو الثابت الوحيد في كل انحاء التلافيف ( ص 336 لقد نَمَتْ هذه الازهار الجميلة وسط مستنقع للمياه الثقيلة ) . الدعوة للثورة من أجل الانسانية تكاد ان تكون المقدس الثاني , إذ يناقش كريم في ص 319 علاقة البيئة بالشخصية والمجموع بالفرد ويبشرّ بالثورة على الجهل والسماح للعقل بممارسة حريته كاملة لتكون الانا العليا مرتبطة بالقيم الانسانية الحقيقية وليس القطيع . نقرأ في ص 329 ( إن الانسان بقيمة ما يُقدّم من أفعال انسانية تعود على الجميع بالخير, وان يحترم الانسان أخاه الانسان , واننا جميعا لنا رب واحد هو الذي خلقنا ) وهو بذلك يتناغم مع مقولة الامام علي أبن ابي طالب عليه السلام " فإنهم إما أخاً لك في الدين أو نظير لك في الخلق". بناء اجتماعي يقوم على القيم الانسانية بحاجة لعقول مفكرة , فنقرأ هذه الدعوة للعقلانية في ص 291 على لسان طبيب ( دعنا نعيد البناء ) , وكذلك نقرأ مفهوم التعايش الانساني في عدة لقطات من ابرزها ما جاء في ص364 فيعبر الطبيب النفسي اليهودي الدكتور جاك عبود شابي , وهو من مؤسسي الطب النفسي في العراق , عن المعنى الانساني المهني فيقول كريم على لسانه ( أنا ابن العراق والبصرة... ليس مهماً عندي ابن مَنْ أكون , ولا مِنْ أيّ ديانة سأكون , المهم لديّ ماذا استطيع أن اقدم للإنسان ...). فماذا ستخون يا عزيزي القارئ لتحيا بحرية العقل وقيم الانسانية .؟؟....!! .

د باهر بطي

طبيب أختصاصي أمراض نفسية

بورتلاند, أوريكون, الولايات المتحدة

الوجه الآخر لكميل أبو حنيش: وقفات مع الشعر الفلسطيني

 


كتب فراس حج محمد/ فلسطين ـ

تنويه: صدر مؤخّراً كتاب "وقفات مع الشعر الفلسطيني " للأسير الكاتب كميل أبو حنيش عن وزارة الثقافة الفلسطينية، وفيما يأتي مقدّمة الكتاب.

هل للكاتب وجوه متعددة؟ أم أنها الكتابة هي ذات هذا التعدد؟ في هذا الكتاب ثمة محور آخر للكتابة ينتهجها كميل أبو حنيش، الروائي والشاعر وصاحب المقال السياسي التحليلي. هذا سؤال مفتوح متصل على امتزاح الإبداع، كتابته من جهة وتقييمه من جهة أخرى، فهل الشعراء النقاد وهم يعالجون الشعر نقديا أقدر على النقد بمفهومه الأوسع من النقاد غير الشعراء؟ 

تُرجع مقالات هذا الكتاب "وقفات مع الشعر الفلسطيني" الدارس إلى الناقد الأول في الشعر العربي، وقد كان شاعرا، فالشعراء هم أنفسهم كانوا نقاد القصائد قبل بروز الناقد المتخصص، وحتى الناقد المتخصص بعد ذلك لم يكن بعيدا عن قرض الشعر وإن لم يعرف به ويشتهر. إنها إذن أدوار يؤديها أصحاب الإبداع تجاه بعضهم بعضا. كانت تنطلق من إبراز العيوب وانتقادها حتى وصلت إلى تقويم الشعر والتفريق بين جيده ورديئه. فثمة دور للناقد إذن، وكانت مهمته وظيفية متصلة بالإبداع وإتقان الصنعة الشعرية في دائرتيها الكبيرتين اللفظ والمعنى.

في كتاب كميل أبو حنيش هذا الذي نضعه بين يدي القراء ودارسي الشعر الفلسطيني ثمة ما يؤشّر نحو تلك الذائقة المصقولة والذهنية المتوهجة والدربة عالية الحساسية في تناول النصوص الشعرية التي قاربها كميل، فكان يذهب في هذه الوقفات وراء شهوة نفسه المعرفية، وكان يكتب بكل ما أوتي من قوة ومعرفة ليعبّر عما أحدثه العمل المدروس أو المقروء من أثر في نفسه، لا يمدح الشاعر ولا الشعر، وإنما كل همّه متجه نحو الكشف عما رآه في النص من تجليات ثقافية، فجاءت هذه الوقفات كاشفة عن العالم المخفي والمتجلي للشاعر أو للشاعرة كما يظهر لكميل خلال القراءة أو التحليل.

لم يقف كميل أبو حنيش في هذه الوقفات على حدود القراءات الانطباعية المتعجّلة، مع أن الانطباعية ليست عيبا نقديا كما أزعم. بل غاص في النص فاعلا ومتفاعلا مع النصوص كاشفا عما فيها من جماليات، فكأنه، وهو الشاعر والذواقة والمثقف، يبني منهجا نقديا خاصا فيه منطلقا من النص محاورا ما فيه من أفكار كاشفا عما فيه من رؤى، أو كأنه كان باحثا ثقافيا في تلافيف القصيدة عما يشبع نهمه المعرفي والجمالي، فاقترب من آليات النقد الجمالي المعروفة لدى نقاد لهم باع كبير في النقد، كمحمّد مندور كمثال للناقد الذي اختط لنفسه طريقة في فهم الشعر وقصائده دون أن يكون أسيرا لمنهج واحد محدد.

يتألف هذا الكتاب من تسع دراسات، أسماها الكاتب وقفات، فتحدث عن شعراء فلسطينيين وشاعرات فلسطينيات، ولم يكن معنيا سوى بالنص وجمالياته من خلال ما كان يصله إلى المعتقل من كتب شعرية ودواوين سواء من خلال هدايا الكتّاب له شخصيا، أو من خلال ما يوصله إياه صديقنا المشترك وصديق الأسرى الأستاذ المحامي حسن عبادي ضمن مشروعه العبقري "لكل أسير كتاب" هذا المشروع الذي عرّف بجيل كامل من الكتاب الشباب إلى أبناء الحركة الأسيرة، وها هو ابن بارّ من أبنائها المقاومين يعرّفون القراء على هذا الجيل وأصوات منه جديرة أن تدرس وأن يقرأ شعرها وأدبها ورواياتها. وإنه لمحفزّ كبير للكتاب والشعراء أن تدخل كتبهم إلى داخل المعتقلات، وإنه لشرف أكبر أن يهتم الكتاب الأسرى بها فيتناولونها بالقراءة والدراسة والنشر عنها. إنهم، وهم الأسرى القابعون خلف القضبان، يتمردون على كل ذلك فيفرّون مع الشعر ويحلقون ويوصلون أصوات هذا الجيل الذي كثيرا ما عبر أبناؤه عن تواضع الاهتمام النقدي بما يكتبون، فيأتي الاهتمام من داخل المعتقلات. إنها مفارقة ذات دلالة قوية، ولعلها محرجة لنا نحن الطلقاء خارج الأسوار الحادة.

لقد كنت واحدا من هؤلاء الشعراء الذين كتب عنهم كميل في هذا الكتاب، وخصني بوقفة، وكان هناك أيضا ثمانية آخرون وهم: أسامة ملحم، وآمال عواد رضوان، وإيمان زيّاد، وشذى أبو حنيش، وعفاف خلف، وفاتن مصاروة، ومرزوق الحلبي، ونداء يونس. 

لم أكن واحدا ممن كتب عنهم كميل فقط، بل شرّفني بأن أبني مادة الكتاب وأحرّرها، فارتأيت أن أرتّب هذه الوقفات أبتثيّا حسب أسماء الشعراء المكتوب عنهم، مخالفا ترتيب المؤلف نفسه الذي أعطى لكل مقال رقما ضمن سلسلة حلقات بدأها مع الشاعرة شذا أبو حنيش وأنهاها مع الشاعر مرزوق الحلبي.

لم تكن هذه المقالات هي كل ما كتبه الأسير كميل أبو حنيش في الشعر، بل إن جعبته تحمل العديد من القراءات الشعرية لشعراء عرب أيضا، وكذلك لروائيين فلسطينيين، تمّ تأجيل نشرها لكتاب قادم، أو كتب قادمة، لعلها تسدّ ثغرة في جدار الثقافة أو تبني مدماكا في معمار الأدب الذي يحتاج إلى دارسين ونقاد كما يحتاج إلى مبدعين.

آمل أن يصدر كتاب كميل أبو حنيش القادم وهو معنا، ويتنسم نسائم الحرية، هو والأسرى كافة.

نابلس 

تشرين الأول 2020


زيارة أعضاء ملتقى رواد مكتبة جنين العامة إلى مكتبة نابلس العامة

 




كتبت إسراء عبوشي:

قام يوم السبت 13|11|2021 أعضاء ملتقى روّاد المكتبة في محافظة جنين بزيارة إلى مكتبة بلدية نابلس العامة، حيث كان في استقبالنا الأستاذ: ضرار طوقان أمين المكتبة، والأستاذ: بشار التمام نائب أمين المكتبة، والأديب والباحث: رفيق حداد  والأستاذة: أماني النوري من العلاقات العامة.


من الكتب نبدأ الحكاية: 

  و قدموا لنا نبذة عن تاريخ المكتبة التي تأسست سنة 1960 وافتتحت في عهد الملك حسين بن طلال عام 1962، وكانت أول مكتبة في المملكة الأردنية الهاشمية إبان الوحدة بين الضفتين الشرقية و الغربية، في عهد رئيس البلدية أحمد سروري.


الحكاية كلمات وإبداع: 

 بدأت فعاليات نهارنا بأصبوحة أدبية في حديقة المكتبة، أدارت مديرة ملتقى روّاد المكتبة الأديبة: إسراء عبوشي مستعرضة إنجازات الملتقى وخطته القادمة لتتويج نهاية العام بمزيد من النجاحات، كما

 باركت لأعضاء الملتقى: عصري فياص، ووسيم أبو الرب، وصفاء غليون  الإصدارات الجديدة، و هنأت الشاعر الشاب: سنيم عمرو لحصوله على الدرجة العلمية الثانية:ماجستير.

وشكرت الأستاذ كمال سمور مدير مكتبة بلدية جنين على الدعم الدائم للملتقى، وأعضاء الملتقى و تعاونهم الدائم وعملهم بروح الفريق لإنجاح ندواته وفعالياته.

ثم قدم الشاعر: أبو الناجي وصلة زجلية، وقدمت الدكتورة و الشاعرة: عايدة أبو فرحة وصلة زجل بصحبه الموسيقى.

 و قدم أعضاء الملتقى مشاركات أدبية وشعرية وهم: 

الأستاذة: سحر أبو زينة، والشاعر عبد القادر مراعبة، و الشاعر الشاب سنيم عمرو، والأديبة: حنين أمين، والكاتبة: سعاد شواهنة، والشاعرة: تغريد أبو مويس، والأديبة: صفاء غليون، وقدمت الأديبة: حمدة مساعيد شعر نبطي.


أروقة و زوايا الإبداع في مكتبة بلدية نابلس:

ثم قام الحضور  بجولة داخل المكتبة بصحبة الأستاذ ضرار طوقان الذي عرفنا على تاريخ المكتبة وأهميتها وما تقدمه من خدمات لروادها، وآلية تصنيف الكتب، وقد أهدى الأدباء الضيوف مجموعة من إصداراتهم الأديبة، حيث أهدت الأديبة : إسراء عبوشي مجموعتها القصصية ياسمين،  وأهدت نيابة عن الأديب عمر عبد الرحمن نمر " حكي القرايا" بجزئيه الأول والثاني، ونسخة من شذى الكرمل الصادر عن الاتحاد العام للأدباء الفلسطينين الكرمل48 لتعميق التواصل مع الكل الفلسطيني.

وأهدى الأديب مفيد جلغوم مؤلفاته عن الحياة النباتية وعن زهرة السوسن، وأهدت الأديبة حنين أمين روايتها شمس، وأهدى الشاعر عبد القادر مراعبة دواوينه الشعرية، أشرعة الوجد، هجائيات أنثى ثائرة، زفرات في زمن العثرات  ،شذرات من فصول الحياة.

وأهدت مديرة الملتقى نيابة عن الأديب عمر عبد الرحمن نمر " حكي القرايا" بجزئيه الأول والثاني، ونسخة من شذى الكرمل الصادر عن الاتحاد العام للأدباء الفلسطينين الكرمل48 لتعميق التواصل مع الكل الفلسطيني.


وتجولنا في أقسام المكتبة حيث استقبلتنا الأديبة: فاتن سلهب مسؤولة قسم المراجع وحدثتنا عن القسم، والتصنيف الخاص بمدينة نابلس باسم" نابلسيات" 

وكانت في استقبالنا الأساتذة فاطمة أبو هواش أيضاً. 

من قسم التصنيف والفهرسة وفي  الأرشيف حدثنا الأستاذ: محمد خلفة عن أهم ما في الأرشيف: قسم مكتبة الأسير الفلسطيني ...قدري طوقان وأوقاف لواء الشمال الذي  احتوى على أقدم المخطوطات من عام  1923 والتي تعود لجريدة اليرموك، وقد أطلعنا على رسائل مؤرشفة للأسرى والشهداء، وهذا عمل يؤرخ نضالات شعبنا ويوثق حياتهم بخط يد أبطاله.

وكانت في استقبالنا أيضاً الأستاذة: نفين اسليم وعدد من الموظفين الأكفاء، حيث تتطلب الأرشفه جهد وعمل متواصلين.


نابلس تاريخ و حكاية:

ثم اتجهنا إلى  البلدة القديمة برفقة المؤرخ والباحث والأديب: رفيق حداد، حيث بدأت الجولة من المدرسة الفاطمية التي تعود للعهد العثماني منذ عام 1911 في عهد السلطان محمد رشاد، وسميت المدرسة الرشادية الغربية للبنات وأصبحت الفاطمية بعهد الانتداب،ثم انتقلنا إلى مدخل حارة الغرب وتوقفنا عند جامع الخضر ودير فنشر، ومررنا بحمام سليم افندي للنساء الذي كان صبانه الرنتيسي قديماً، وقد مررنا بصبانتين في حارة الغرب تم قصفهما أثناء اجتياح نابلس بالقرب من خان الوكالة . 

صعدنا إلى حارة الياسمينة من سوق البصل وزرنا حوش العطعوط حيث اتخذه الشهيد أبو عمار ثكنة عسكرية في بداية مقاومة الاحتلال

.

مررنا بزقاق اللولو لنصل إلى حارة القريون، زرنا قصر محمود عبد الهادي، وقصر طوقان، و أطلعنا الأستاذ: رفيق حداد على أقسام القصرين، وكانت قصور الحكم في عهد عبد الهادي وطوقان في القرن السابع والثامن عشر.

وذهبنا إلى ساحة القريون الرئيسية وتسمى ساحة التوتة، لوجود توتة في منتصفها.

المحطة التالية جامع التينة" البراء بن مالك" الذي تم ترميمه مؤخراً، توقفنا عند نبع القريون، وقدم لنا الباحث رفيق حداد شرح عنه، فقد بني في القرن الثاني الميلادي في عهد الرومان.

بعد ذلك ذهبنا إلى مركز تنمية موارد المجتمع، حيث اطلعنا على المجسمات الثلاثة لمدينة نابلس" شكيم الكنعانية القديمة، ونيابولس الرومانية والبيزنطية، ونابلس البلدة القديمة"

بعد ذلك انتقلنا إلى شارع خالد بن الوليد مررنا بسوق النجادة ووصلنا باب الساحة " المنارة" وجامع النصر اطلعنا على تاريخهما وانتقلنا غرباً لزاوية الشيخ التدماني التي تأسست عام 1776م بعدها توجهنا إلى خان الوكالة وحدثنا عن خان الوكالة الباحث رفيق حداد تاريخه وتطور بناءه، وبعد استراحة غداء ودعنا الباحث: رفيق حداد، الذي رافقنا طول فترة تجولنا في المكتبة والمدينة القديمة بعد أن وجهنا له أسمى آيات التقدير لهذه الجولة القيمة بصحبته.

ثم توجهنا إلى سبسطية وزرنا آثارها الغناء.

وفي الختام تتقدم إدارة وأعضاء ملتقى روّاد المكتبة في جنين من إدارة وموظفي مكتبة بلدية نابلس العامة بأسمى آيات الشكر والتقدير على الاستقبال الرائع وحسن الضيافة

دمتم ودامت صروحنا العلمية شامخة أبية.

عوالم تحت الأرض الرائعة لكلّ العائلة. تأليف الأستاذ وهيب نديم وهبة

 


 كتبت شهربان معدّي:

الكرمل؛ أرض الحكاية الخالدة التي احتضنت عشرات الحضارات وما زالت سامقة، خضراء، عصّية على نوائب الدهر..

حديقة الله، أو كرمة الله، كما ذُكرت في التوراة والعهد القديم، باللغة السريانية والأرامية، قطعة من الجنة سقطت من السّماء، سويسرا الصّغيرة، كما يسميها البعض، اختارها النبي أيليا، ليواجه أنبياء بعل وعشتروت، وانتصر عليهم، فانتصر الخير على الشرّ، وارتفع الكرمل، بهذا الإنتصار، إلى الأعالي حيث تهب الريح، وحيث تصافحك يد السماء يا عزيزي القارئ، وتلفحك روح الأنبياء.. 

وليس عبثًا اختارها الأستاذ وهيب وهبة، لتكون أرض الحكاية، فالكرمل مسقط رأسه، ملعب طفولته ومرتع صباه، من نسغ ماؤها العذب الزلال، ارتوت روحه، ومن خيرات أرضها الخصبة، تغذّى جسده "هو الكرمل، سجّادة من العُشب والزهر، وروح الشّجر المغروس بتعب الإنسان" ص8.

الإنسان بطبيعته؛ فضوليّ، ومُحبًّا للإستطلاع، غزا الفضاء الخارجيّ، وجاب أرجاء البسيطة، نقب جوف الأرض، وغاص في أعماق المُحيطات، بذل قُصارى جهده ليكتشف كلّ شبر وفتر على أديم كُرتنا الزّرقاء الباذخة الجمال، لكي يضع يده على كنوزها الخفية والظاهرة منها للعين المُجرّدة، ولم يعبأ بتشويه ملامحها السّاحرة، أو تلويث مياهها الصافية، وتسميم هواءها النقي، كان هدفه الأول والأخير، استغلال مواردها الطبيعيّة..

ولكن في ذلك الصباح الباكر، حيث تدور أحداث بطل قصتنا ـ الراوي - الكاتب نفسه- الذي رزم أغراضه الشخصية، الحبل والطوق وآلة الحفر الصّغيرة، جهاز الإتصال، وصندوق الأدوية، ولبس بدلته الخفيفة التي تليق بهذه المُغامرة، وشد الرحال، لعالم المغامرات والعوالم الخفيّة، ليأخذنا معه عبر سرديته الرائعة، ومن خلال لغته الشعرية، الحالمة، لعوالم خفية تحت الأرض، ولكنها ليست ككل أرض، أنها أرض الكرمل الأخضر، "حيث يعيش الكرمل مع وجدان التراب، حكاية عشق وبطولة، ونبعة ماء وسباق خيولٍ" ص8 "أنت تدرك أن لك قلبًا ينبض بالحنين حين تُبصر الكرمل والبحر والسّماء التي تعانق الأفق."

وتبدأ الحكاية عندما يسقط طير غريد في حفرة غامضة، سحيقة المدى، ليست بفعل انسان؛ ربما تكونت بقدرة خارقة، أو بقوى الطبيعة، ولكن ما أثار فضول الكاتب؟ أنه كل ما يسقط في هذه الحفرة، لا يعود أبدًا وكأنها هاوية بلا قرار، والتفكير يقوده ليجرّ جذع شجرة، ويسقطه في الحفرة، ولكنه يختفي كما اختفى الطير، ص10.

المجازفة غير مضمونة، ولكن لا يغمض له جفن، يتقلب كلّ الليل.. أسئلة كثيرة تحتدم في خياله الخصب، المفتون بحب المُغامرات، واكتشاف علم الغيب، وهو يعرف أن جبل الكرمل، قديم، بعمر الزّمان نفسه، وأنه كان مأهولًا بالسكان منذ العصور القديمة، يغلب النعاس عيونه التي أتعبها التنقيب والتفكير، ولكن  أسئلة كثيرة نامت على شفته، تنتظر طلوع الصباح..

"المعرفة هي الكنز البشريّ الذي منح العالم نهضة تطوّر الحضارات" ص15. 

عندما نقرر أن نبدأ الرّحلة، ستظهر لنا معالم الطّريق، رغم المخاوف الكثيرة، ولكن لكي ننجح؛ علينا السفر في اتجاه مخاوفنا.. هكذا يؤمن المغامر الأريب، كلّ شيء جاهز، يمسك أول الحبل ويبدأ بالنزول رويدًا رويدًا، وبحذر شديد، مع قبعة على الرأس مثبّت عليها مصباح أماميّ صغير، رغم الظلام الدّامس، فضوله وشغفه باكتشاف المكان، ينير كلّ شيء، أليست نار البصيرة أقوى من نور النّهار ونور العين الشحمية..؟ وهي "سرّ المعرفة الذي منح العالم نهضة تطور حضارات الشعوب" ص15.

عندما وصل لقعر الهاوية، حيث كان جسده يرتعد، ولامست أقدامه الأرضية الصُلبة، تذكّرت قصّة أليس في بلاد العجائب، صاحبة الخيال الجامح المتوثب والفضول الذي قادها  لداخل جحر الأرنب العجيب، الطموح ذاته قاد بطلنا لذلك المكان المجهول، في رحلة مُثيرة تحمل كلّ عناصر الدهشة والإثارة تُغيّر مفهومنا عن هذه العوالم الخفية.. والصورة النمطية التي نعرفها عنه، بأنه عالم الموت والفناء..

وليس عبثًا أُقارن بين فضول أليس في قصّتها الأسطورية التي تُعد من روائع الأدب العالميّ، للكبار والصّغار، رواية تُرجمت لجميع لغات العالم، أليس تكبر في الرواية وتصبح عملاقة، رغم أنها وحيدة تتجول تحت باطن الأرض، ولكنها تتحدّى كلّ الشخصيات التي واجهتها وتتغلب عليها بفضل شجاعتها وحكمتها، تجاهد لتقول رأيها، أو تسأل أسئلتها، أو تعبر عن معارضتها. برغم الجهود لإسكاتها ووصفها كثيرا بالغباء، هي لا تستسلم، وتبقى روحها متمردة وراغبة في الفهم والبحث عن المنطق، ذاته الفضول قاد بطلنا المِقدام، متحديّا الظلام الدامس ولزوجة الدهاليز، ورطوبة المكان، ليلتقيَ، بمجموعة مخلوقات غريبة، تعيش تحت الأرض، قاماتهم قصيرة وبنية جسدهم قويّة، هيئتهم تدب في أعماقه الفزع، فتحات عيونهم فارغة، ولكنهم يًشاهدون بنور البصيرة، وبالرغم أنه لم يعثر على لغة مُشتركة، يستطيع من خلالها مُخاطبتهم، ولكن لحُسن حظه وجد مخلوق أرضيّ يشبهه، كان دليله في هذه الرحلة الخيالية، أطلعه على أسرار هذه الشعوب، ومدى تقدّمهم في جميع المجالات العلمية والصناعية، تجوّل معه في الدهاليز التي تُشبه دهاليز مدينة الملاهي المُرعبة، وفي معامل المطر التي تُقلّل رطوبة المناخ وتسمح لنور الشّمس بتدفئة المدينة المدفونة في باطن الأرض، وبين القاعات الواسعة التي يشتغل بها العمّال كخلية النحل، من حيث النظام والهندسة والوفاء،  يتنقلون ما بين الزّجاجات المُعلقة، وبين الألواح المُضاءة بشدّةٍ، "لا يقوى بصري على التمعن" ص31 من وهج الضوء؛ رغم أنه المعروف لدينا جميعًا، أن باطن الأرض يسوده الظلام، ولكن هذه المخلوقات المتطورة يعود تفوقهم العلميّ بسبب صفوة القوم، وهم العلماء والحكماء الذين تم تكريمهم، وتصنيفهم بأنهم صفوة القوم، بفضلهم أضاؤوا مُدنهم، وحافظوا على سلالاتهم، وارتقوا بحضارتهم.. "نحن نصنع حضارة الغد وأنتم تصنعون حضارة الحرب وتجارة السلاح وقتل الإنسانية، أنتم تنزعون الشرعية عن الأقلية العاقلة، مُقابل الأكثرية الجاهلة" ص33.

المخلوق الغريب الذي كان مرة انسانًا، ولكنه فضّل البقاء بهذا العالم السُفليّ، لما وجده من رقة في التعامل واحترام الآخر بين كائنات ينبت لها اجنحة عندما تُريد الطيران، في هذه العوالم النورانية، يُقدّم له الأزهار المطبوخة ويصطحبه في رحلة طيران فوق بحر السُحب الذي يحرس الكوخ، ويسترسل الدليل قائلاً:- "أنتم لا تستطيعون السفر، ونحن نُسافر ما بين المحبة والملائكة، أنتم تغرقون في المادّيات، أين عاشق النور، أين الصلاة، الصلاة بهدف الصلاة وليس لهدف الجنّة" ص37.

وعند وصولهم للكوخ، لا يبصر المغامر الكوخ بل يبصر حزمة من السُحب، تُحيط بالمكان، يسمع أصوات ترانيم صلاة ولكن لا وجوه ولا أجسام..

قلت أين هم؟ أجاب الدليل:-

- هم عبدة المدينة، حرّاسها ونواطير أرضها، وصانعو أحلامها، أمجادها، رازقو سُكانها، لا تبصرهم - هم الشّفافون على أبصارنا، وصلوا إلى هذا المقام بفضل صفاء قلوبهم، ونقاء ضميرهم، وبهاء صلاتهم" ص38.

بعد هذا التحليق الروحانيّ، الشفيف، والترانيم السّماوية، يشعر الراوي بالنُعاس، تسرقه غفوة صغيرة، يحمله صديقه بين النور والضباب.. تهتزّ أركان المدينة، ليتفاجأ القاريء، بأن كلّ هذه الرحلة الخياليّة، كانت (قراءة قصة في كتاب) مجرد حلم جميل، مليء بالمُفاجآت والتحديات، في عوالم خفيّة لم تطأها قدم أنسان، تمامًا كما حدث مع أليس عندما كانت مستغرقة في حلمها الجميل، وأيقظتها اختها لميس، لتكتشف أن كلّ ما رأته كان منامًا.. وانتهت بذلك قصة أليس في بلاد العجائب.. ومثلها انتهت قصتنا الرائعة، "عوالم تحت الأرض"

قصة ملائمة لكلّ العائلة، أنصح الأهل وبشدّة، قراءتها سوية مع أولادهم، الوقوف معهم عند كلّ فقرة واستخلاص العبر منها، التمتع باللغة الجميلة والسرد الساحر، التماهي مع بطل القصة - الراوي- والتّعلم من جرأته وشجاعته في اقتحام عالم الغيب، وسبر أغوار المستحيل، بفضل الخيال الجامح، والرغبة في اكتشاف عوالم جديدة، وليسأل كلّ أب ولده عن تأثير هذه التجربة عليه، وأنه في حال اكتشافهم لهذه الحُفرة، هل كانوا سيقومون بما قام به بطل الرواية، ويمشون وراء شغفهم وفضولهم، وليعلّموا أولادهم أنه لولا شغف وفضول الإنسان، لكنا ما زلنا في العصر الحجريّ..

 للأديب الرائع الأستاذ وهيب أقول:- 

أسرتني لغة الكتاب الشعريّة ..والسرد الآخاذ ..الذي يجعل القارئ يلتهم الصفحات كفطيرة لذيذة..

خرجت لتوّها من الفرن.. يجهز المرء عليها.. حتى آخر لقمة ..ويتمنى لو بقي المزيد ..بوركت صديقي على هذه الأيقونة.. في كتاب المطر حلّقنا معك بين المجرّات ..والآن نكتشف معك بواطن الأرض الخفية.. وكنوزها الرائعة..أتمنى أن تكون رحلتك القادمة داخل جسد الإنسان ..رحلة بين الجسد والروح والنفس ..تكتبها بلغتك الشعرية الراقية.. التي عودّتنا عليها.. وترسم معالمها روحك العذبة ..وهمّتك العالية .وبذلك تسدّ نقص كبير في مجال الأدب الخياليّ العلمي المحليّ، الذي سيثري عقول أجيال ويبني أجبال ..يعطيك ألف عافية وأكثر.

احترامي ومودتي ..شهربان.


"أشواق تشرين" جديد الشاعرة د. روز اليوسف شعبان

 


كتب: شاكر فريد حسن  


عن دار الهدى والنشر في كفر قرع بإدارة الناشر عبد زحالقة، صدر ديوان "أشواق تشرين"، للشاعرة وكاتبة الأطفال ابنة طرعان الجليلية د. روز اليوسف شعبان، قدم له كاتب هذه السطور شاكر فريد حسن. 

ويشتمل الديوان على مجموعة من النصوص الشعرية التي تتغلغل في الذات وتعبر عنها، في الحب والغزل والوطن، وقصائد تعبر عن غربة الإنسان في عصر مليء بالهموم والضغوطات النفسية، وأخرى نصوص تمس القضايا الوطنية والوجع الفلسطيني، ومحملة بالأحلام والأشواق، وتستحضر الماضي الجميل، بلغة موحية ومشاعر صادقة وإحساس مرهف. 

وتتسم البنية الشعرية لدى روز شعبان بانتقاء الألفاظ العذبة المترقرقة والصور المجازية التي تفيض رقة وجمالًا، فضلًا عن المعاني الإنسانية التي تلامس الوجدان وتخترق القلب في شجن وموسيقية وإيقاع آسر خلاب متنوع يتلاءم مع كل موضوع كل قصيدة، ولا تخلو كثير من القصائد الغزلية من رمزية للوطن. 

يشار إلى أن هذا الديوان الثاني للشاعرة روز شعبان بعد ديوانها "أحلام السنابل" الصادر في العام 2020، علاوة على أربع كتب في أدب الأطفال هي: "أزهار البنفسج، مفتاح جدتي، برتقال يافا، وحذاء ريتا". 

نهنئ الصديقة الشاعرة والكاتبة د. روز اليوسف شعبان بصدور ديوانها الجديد "أشواق تشرين"، ونرجو لها المزيد من العطاء والإبداع والتألق والنجاح، وأن تتحفنا دائمًا بقصائدها وأشعارها الناضجة الراقية والسلسة والمعبرة عن روح إنسانية مرهفة وموهبة حقيقة وتجربة أثبتت حضورها في المشهد الإبداعي والساحة الأدبية في هذه البلاد. 


"جداريات في سماء المخيم" عصري فياض يجسّد الحدث و الزمان والمكان، بقلم متيم بعشق الأرض

 


بقلم الأديبة: إسراء عبوشي


صدر حديثاً عن دار الجنان للنشر والتوزيع | الأردن، مجموعة قصصية للأديب: عصري فياض بعنوان" جداريات في سماء المخيم" 

وقد شرفني الأديب عصري بكتابة مقدمة المجموعة القصصية.

قدمتُ لبطولات شخصيات عصري وما الشخصيات إلا أبطال مخيم جنين  التي خلد سيرتها عصري تحت اسم "جداريات في سماء المخيم"

بعد أن قرأت المجموعة شعرت أن العين تتوق لرؤية المخيم من جديد، ذهبت وتجولتُ في أزقته وشاهدت صور الابطال على جدرانه، رأيتهُ بعيون أصحابه أدركت قيمة بطولات شبابه وصمود اهله، رأيته وكأني لم أراه من قبل.

رأيته بعيون قلم كاتب يجسّد الحدث و الزمان والمكان، بقلم متيم بعشق الأرض

...............

المقدمة

................

عصري فياض كاتب قادم من مخيم جنين، يحمل قلمه كما يحمل الجَرّاح مشرطه يفتح الجراح ومن ثم يخيطها، تبرأ نوعاً ما بفضل كلماته، الجرح الإنساني هاجسه، متيم بعشق الأرض قلمه سلاح مقاومة وتعبير رافض لما تتعرض له الذاكرة الجمعية من محو وطمس.

جداريات في سماء المخيم المجموعة الثانية للكاتب عصري فياض، تحمي الأرض والذاكرة، ينتمي الكاتب للأرض بالدرجة الأولى، ويجند قلمه للإفصاح عن ارتباطه السَرْمَدِيّ بالقضية.

الوطن هو القاسم الأعظم لعناوين القصص، فالكاتب عصري فياض يحمل الوطن في قلبه كما يحمله في قصصه هو يُعيد توجيه البوصلة بعد أن صدأت عقاربها ومضى على انحرافها وقت طويل وألم مرير ونالت منا الخسارات ما نالت، لنجد أنفسنا في مكان آخر تهنا فيه عقود، يصيغ ذلك من خلال قصص حقيقية لبطولات تعيدنا إلى مجدنا الأسطوري العالق في جدران الذاكرة، يسجل الكاتب تاريخ في جداريات راسخة حيث قوة اللغة وجزالتها في سرد مؤثر سلس جعل من هذه الجداريات مشاهد سينمائية مذهلة، قادرة على التسلل إلى النفس وإحياء ما غفي فيها، الجداريات في السماء وكأن المخيم يرتقي عن مساحات الأرض ليعلو إلى السماء ويرسم جدارياته هناك، في محيط درامي واحد.

تدخل كلماته في صدق مخيف إلى عمق الأحداث والحاضر. يكتب فياض حياة في الموت، نور مُظلم بشفافية متجرداً من عاطفته، ليستثير عاطفة القارئ، ما كتب يخصك بشدة ، ستعيش حزنك معه، حتى النهاية ستنزف دمعا . وأنت تصارع عواطفك

فمتى كتب فياض هذه القصص؟

مؤكد قبل أن تبهت عاطفة فياض، وقبل أن تخالط عواطفه الإحباط، 

وقبل أن يتغير الخطاب السردي التحريضي الذي يؤجج حمية الفلسطينيين.

هي عذابات حقيقية ينقلها الكاتب من جدار الذاكرة، إلى جداريات ورقية، يحاكي الحياة بكل تفاصيلها القاسية ، فالحياة في جداريات في سماء المخيم حياة مملوءة بالألم والمعاناة.

في قصة " رجولة" يحققون مع محمد بتهمة أنه رجل لا يقبل الذل، فقد رفع خنجره في وجه العدو، مقابل جندي أمامه وألف عين تصوب نحوه بنادق القنص، جدارية امتزجت برسومات الفنان التشكيلي محمد الشلبي.

لتقول حقيقة مضرجة بالدماء، لعل القارئ بعد أن تمتلئ عينيه بالدموع وهو يتحسس إصابة محمد يتمنى أم يزور المخيم ويبحث عن النخلتين بين جدرانه، هو الأمل الذي حَذا بمحمد لتحمل الآم مثقلة قد تكون الرصاصة التي دخلت جمجمته وأفقدته بصره لأيام أهونهما، إنه عشق الوطن وحب الجهاد الهاجس الذي يُبقي الأبطال أحياء.

فاين أتت تلك الحقائق.؟ توفى أحد أبطال القصص في الثمانينات، إذن فالكاتب أخذ الحقائق من رواية أصحابها، فكان الأصدق بتوثيقها، واجلى عنها زيف التاريخ ... 

أخذنا الكاتب إلى داخل المعتقلات وشاهدنا ما يجري من قمع وممارسات وحشية داخلها واستفزاز، امتلك الكاتب ملكة تصوير الأحداث، وكأنك أمام لوحة سيمائية متقنة الإبداع.

وأخذ يتنقل الكاتب بين الأحداث بسلاسة ويربط الفترات الزمنية بصورة منتظمة .

وادخلنا فياض كذلك في حارات المخيم وأزقته، معه وجدنا انفسنا وجهاً لوجه أمام دبابات الاحتلال، وسمعنا صوت الصبية في الشوارع، شاهدنا حرب شوارع وكنا في موقع المواجهة ، وقص علينا فنون قتالية برع فيها الصبية بقيادة " زياد العامر" واحرزنا النصر " فقد هزمناهم" 

خلد الكاتب الطرق البدائية في المقاومة بأسمائها المألوفة في ذلك الوقت " الأكواع" " عبوات بلاستيكية" وأظهر طرق كشف توغل الجنود ليلاً، وكيفية توزيع الأدوار بين المقاتلين، وأسلوب القتال بين كر وفر، النصيب الأكبر كان لمعركة اجتياح المخيم عام 2002م، في بداية نيسان، وبين استشهاد برصاص الجيش واستشهاد بداعي الفقر مسافة ليست بريئة، وطعم آخر.

سمى عصري فياض الأسماء بمسمياتها "قوات متوغلة... جريمة"

قلم الكاتب الضمير الحي الذي دون الحقيقة لا أكثر، وكم نحتاج لتوغل تلك الحقائق إلى عقول منّ أنكروا علينا معانينا، هو المخيم وما دام قائماً فالحقيقة قائمة، والمطالبة بالعودة قائمة، والمقاومة قائمة، تناول ذلك الكاتب بلا مبالغة بالأحداث، كان السارد الخفي لعذابات وأحداث تحكي عن نفسها، يلجأ بالعادة الكاتب للمبالغة ليشوق القارئ ويستثئر على تفكيره، هنا وحدها الحقيقة تمسك بالقارئ من قلبه، مع إسقاطات الصور في فكره _التي برع في عرضها الكاتب_ فحقيقة جرائم الاحتلال تفوق ابشع الجرائم وتفوق الخيال، يكفي أن يكون الكاتب شاهد عليها.

وللمرأة نصيب كبير ودور بارز في المجموعة القصصية، هي جدار البيت الصلب، هي مصنع الرجال وأم الأبطال، وهي الأسيرة والمناضلة، سجل في سماء المخيم جداريات تُشعر النساء بالفخر، وتعيد توجيه البوصلة لدور المرأة الفلسطينية العظيم في شتى المجالات، هي حفيدة دلال المغربية، كل لوحة في الجداريات لا تخلوا من صورة امرأة جميلة.

يُعيد الكاتب للأذهان ذكرى الشهيد" أحمد استيتي" البائع المتجول الذي عرفته كافة بيوت مدينة جنين في تسعينات القرن الماضي، استشهد في ذكرى الإسراء والمعراج، ما من بيت من بيوت جنين إلا ووقفت سيارته على بابه، عرفته النساء قبل الرجال لطيب أصله، وحزنت على استشهاده المدينة والمخيم، وحدّ الحزن عليه أرجاء المحافظة، فقد لمس به كل من عرفه الشموخ والأنفة والثقة العالية بالنفس والجود، هو مثال لابن المخيم الذي يُقدر قدسية قضيته، لم يغفل الكاتب التفاصيل الصغيرة في شخصيته، أعاد للذاكرة جاكيت احمد بجيوبه المتعددة دلالة على الجود، وسرد حكايته من أولها إلى وقتنا هذا ، والد أحمد "حسن" تعيده الأيام للحياة في سمات شخصية ابن أحمد يحمل الحفيد اسم الجد وصفات الأب ليقول إن حق الفلسطيني لا يموت، وقضيته لا تموت ما دامت هناك حياة.

لم يتطرق فياض إلى الفصائل إلا ذكراً، في رسالة مضمونها" من البديهي أن يكون الدفاع عن الوطن للوطن"


عَوَالِمُ تَحْتَ اَلْأَرْضِ للاديب وهيب نديم وهبة

 


قبل التقديم:

اَلْحَضَارَةُ هِيَ مَجْمُوعُ ﭐلْمِيزَاتِ وَﭐلْخَصَائِصِ ﭐلِاجْتِمَاعِيَّةِ وَﭐلدِّينِيَّةِ وَﭐلْخُلُقِيَّةِ وَﭐلتِّقْنِيَّةِ وَﭐلْعِلْمِيَّةِ وَﭐلْأَدَبِيَّةِ وَﭐلْفَنِّيَّةِ عِنْدَ شَعْبٍ مُعَيَّنٍ. مَاذَا يَحْدُثُ حِين تَنْدَمِجُ تِلْكَ ﭐلْحَضَارَةُ مَعَ حَضَارَاتِ ﭐلشُّعُوبِ ﭐلْأُخْرَى. 

أَلْكِتَابَةُ فِي ﭐلْخَيَالِ اَلْعِلْمِيِّ، أَلتَّرْجَمَةُ، أَلرُّسُومَاتُ، أَلتَّصْمِيمُ وَالْإِخْرَاجُ. كُلُّ تِلْكَ ﭐلْعَنَاصِرِ ﭐلْمُجْتَمِعَةِ كَتَرْكِيبَةٍ كِيمْيَائِيَّةٍ أَخْرَجَتْ لِلنُّورِ ﭐلْعَوَالِمَ ﭐلْمُظْلِمَةَ- عَوَالِم تَحْتَ اَلْأَرْضِ. 

حُبُّ ﭐلْمَعْرِفَةِ وَﭐلْمُغَامَرَةِ وَﭐلِاكْتِشَافِ، أَلرُّقِيُّ وَﭐلتَّفَوُّقُ لِحَضَارَاتِ ﭐلشُّعُوبِ. 

كَيْفَ ﭐسْتَطَاعَ ﭐلْعَقْلُ ﭐلْبَشَرِيُّ ﭐلتَّحَرُّرَ مِنَ ﭐلْجَهْلِ وَﭐلِانْطِلَاقَ لِعَوَالِمِ ﭐلْمَعْرِفَةِ وَﭐلِاخْتِرَاعَاتِ. 


التَّقْدِيمُ:

حِينَ يَتَحَرَّرُ الْفِكْرُ مِنْ جَاذِبِيَّةِ الْوَاقِعِ، يَسْمُو بِالْمُطْلَقِ فِي فَضَاءِ الْكَوْنِ أَوْ قَدْ يَهْبِطُ إِلَى أَعْمَاقِ الْأَرْضِ... إِلَى عَوَالِمَ فَقَدَتْ قُوَّةُ الْجَاذِبِيَّةِ السَّيْطَرَةَ فِيهَا.

بَطَلُ قِصَّتِنَا– يَنْزِلُ إِلَى الْأَعْمَاقِ كَيْ يَكْتَشِفَ عَوَالِمَ أَرْضِيَّةً مَخْفِيَّةً عَنْ أَنْظَارِنَا– لكِنَّهَا مُعَمَّرَةٌ بِالْحَيَاةِ وَتُقِيمُ أَوْطَانًا أُخْرَى.

حُبُّ الْمُغَامَرَةِ وَالْاكْتِشَافِ وَالْبَحْثِ عَنِ الْمَجْهُولِ غَايَتُنَا. هكَذَا نَسْتَطِيعُ تَحْفِيزَ وَحَثَّ الْقَارِئِ لِلْغَوْصِ فِي أَعْمَاقِ الْفِكْرِ– كُلُّ اخْتِرَاعٍ أَوْ هَنْدَسَةٍ جَدِيدَةٍ لِلْعَالَمِ– مَصْدَرُهَا الْعَقْلُ وَالْاكْتِشَافُ وَبَذْلُ الطَّاقَةِ الْكَامِنَةِ فِي أَعْمَاقِ الذَّاتِ/ الصَّبْرِ وَالتَّجْرِيبِ وَالْمُثَابَرَةِ وَالْمُغَامَرَةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَجْهُولِ.

هذِهِ الْقِصَّةُ وِفْقَ الْمَعَايِيرِ الْعَالَمِيَّةِ- تَحْمِلُ مُسَمَّى "أَدَبُ العَائِلَةِ" لِمَنْ يُحِبُّ الْعِلْمَ- الْمُغَامَرَةَ– الْاكْتِشَافَ. 

قِصَّةٌ في الْخَيَالِ الْعِلْمِـيِّ– بِالْعَرَبِيَّةِ: وهيب نديم وهبة– التَّرْجَمَةُ: بروريا هورفيتس– الْغِلَافُ وَاللَّوْحَاتُ الدَّاخِلِيَّةُ: إيمان كنعان- الإصْدَارُ– سهيل عيساوي بِدَعْمٍ مِنْ صُنْدُوقِ يهوشوع رابينوفيتش– عَدَدُ الصَّفْحَاتِ 88 غِلَافٌ مُقَوَّى حَجْمٌ كَبِيرٌ


حكاية سرِّ الزيت في الندوة السادسة عشرة لمبادرة أسرى يكتبون

 


 عُقدت يوم الأربعاء الموافق 03/11/2021 في مقر رابطة الكتاب الأردنيين في عمان الندوة السادسة عشرة من ندوات أسرى يكتبون، وقد تناولت الندوة رواية "حكاية سرِّ الزيت" للكاتب الأسير وليد دقة. وتولى إدارة الندوة الكاتب الأردني هاني الهندي، حيث عرّف بالكاتب وليد دقة وبكتابه. 

وأما المداخلة الرئسية فكانت قراءة نقدية للدكتورة فهيمة غنايم، وجاء فيها: "تجسّد حكاية سر الزيت معاناة ذوي الأسرى الفلسطينيّين، وكيف يتقدّم بهم العمر دون رؤية ذويهم، في إشارة الى والدة وليد التي قضت عمرا تأْمل فيه أن تحتضن ابنها خارج سجنه.. إضافً إلى فتيات ونساء تسرق ظلمة الأسر أعمارهن، وأطفال اعتقلوا وانتزعوا من أحضان أمهاتهم ومن طرقات مدارسهم، تنهش طفولتهم ظلمة الجهل والمستقبل المجهول، لتصل الرواية في خلاصتها إلى أن الفلسطيني أينما حل فإنه يعيش في سجن كبير، بحاجة للوعي والفكر والإرادة لأجل مستقبل مشرق يقوده أبناؤنا بالوعي والإدراك لقضايانا المصيرية."

وتلتها مداخلة أخرى للروائي مصطفى عبد الفتاح بعنوان "البحث عن طريق تحرير المستقبل"، تحدّث فيها عن أسلوب الكاتب ومضامين الرواية التي تلائم الفتيان وغير الفتيان وكاتبها صاحب رؤية ورؤيا، "وكأنّي به يتنبأ بعمليّة نفق الحريّة"، معوّلا على الجيل الشاب وتعلّمه. وتبعتها مشاركة للأسير الكاتب حسام زهدي شاهين ألقاها نيابة عنه الروائي عبد السلام صالح، واصفاً وليد دقة بأنه رجل: "يتمتع بدرجة عالية من الإنسانية، كما يتمتع بأعمق أشكال الوعي والانتماء لهويته الوطنية والقومية والإنسانية".

وفي كلمة للمحامي الحيفاوي حسن عبادي شكر باسمه وباسم الحركة الأسيرة، القائمين على هذه المبادرة، وتحدّث عن لقاءاته بالأسير وليد دقة، وأضاف "تحدّثنا عن التهجير والعودة المشتهاة، فالحاجة فريدة ما زالت تحلم بعودتها إلى قاقون والحوارث، وعن الحريّة التي ستتحقّق بهمّة جود ورفاقه".

وشارك في الندوة كل من الأديبة سحر أبو زينة، والأديبة خالدية أبو جبل والكاتبة نهال أحمد مهيدات، فتحدثن عن الكاتب والكتاب. كما حضر الندوة- افتراضيّا عبر تطبيق الزوم- العديد من الأدباء والمثقفين.