الفقد والذات في أريدكَ وأكثر للكاتبة صابرين أحمد عودة


بقلم: زياد جيوسي ـ

   للمرة الثانية يتاح لي قراءة كتاب للكاتبة صابرين أحمد عودة فكان الأول رواية والآن كتاب من نصوص نثيرة أو ما اصطلح عليه بالشعر النثري تحت مسمى "أريدكَ وأكثر"، والكتاب من 182 صفحة من القطع المتوسط من اصدار جفرا ناشرون وموزعون مع لوحة غلاف تثير التساؤل حول محتوى الكتاب مسبقا ولوحة غلاف تحمل صورة الكاتبة بشكل جانبي لا يظهر وجهها وهي ترتدي الثوب الفلسطيني والطرحة البيضاء على رأسها تنظر مبتسمة بالمرآة التي تعكس وجهها مع جمال الاشجار من حولها وهي مبتسمة، وعبارات من نص يتحدث عن الحب من نص بالكتاب تبدأه بالقول: "لا تكتمل الأنثى، إلّا مع رجل يدرك كيفية، الوصول لقلبها" وتنهيه بالقول بصيغة التحذير:"إيّاك ثمّ إيّاك محاورة أنثى لا تدرك، نوتة الحبّ وهمساته"، فهل كان العنوان للكتاب "أريدكَ وأكثر" يخاطب هذا الآخر؟ وهل أرادت أن تعطينا بابتسامتها  على الغلاف انطباع أنها راضية عما كتبت من السطر الأول حتى الأخير أو مبتسمة لأرواح والدها ووالدتها؟، وكان الاهداء خارج عن الأسلوب التقليدي فجاء على شكل نثيرة تتحدث عن أولادها وأمها التي رحلت قبل ثلاثة سنوات، وتبدأ القول بعبارة مؤلمة "لا أب لي" فالأب رحل من ثلاثة عقود، وفي صفحة لاحقة تقول: "عذرًا: من تحيّا بالطهر لا تكفّ روحها عن قصائدكَ، وترتحل!"، لتقول في الصفحة التالية وتحت عنوان "تنويه" وقبل أن تبدأ نصوص الكتاب: "من يحبّ كاتبة عليه التعمق في حنايا روحها، يعتزلها مدة زمنية لتدوّن ما يجول بخاطرها أثر موقف مرّ أمامها لتخرج منتعشة، التلذذ في وقت القهوة المتكرر، مع عدم نسيان الغزل الصّريح في حرفها وأنوثتها الطاغية، تحمل مزاجيتها وتقلباتها الخريفيّة"، فهل كل هذه البدايات موجهة لمن تريده وأكثر؟ فما قرأته يشير لرغبة عارمة تجاه المخاطب فهي لا تريده فقط.. بل أكثر، والأكثر يبقى في قلب الشاعرة إن لم نكتشفه خلال الكتاب. 


   النثيرة أو الشعر النثري والذي انتشر في السنوات الأخيرة بعد أن أطلق أدونيس مصطلح قصيدة النثر عام 1959 بعد أن كان هذا النمط من الشعر قد انتشر في فرنسا وكتبت فيه الناقدة سوزان برنار كتابا نقديا موسعا، وتلاه بعام أنسي الحاج حين وضع ما سمي بالبيان الأول لقصيدة النثر العربية، وبالتأكيد أن التغير على أساليب الأدب عامة وأساليب الشعر خاصة هو بعض من حركة تطور وتغيير، فالقصيدة العربية مرت بمراحل مختلفة من قواعد الخليل والبحور مرورا بشعر التفعيلة بدون الالتزام بالبحور، وصولا إلى الشعر الحر الذي أعلن الثورة على ما سبقه وصولا إلى النثيرة أو القصيدة النثرية، وبدأنا نلمس في الفترة الأخيرة مصطلحات جديدة مثل الحداثة وما بعد الحداثة، وإن كان الكثير مما نقرأ تحت بند الشعر لا علاقة له به وهو أقرب لخاطرة أو خربشات صيغت على شكل قصيدة فكانت كالغراب الذي قلد الحمامة، فلم تصبح قصيدة ولم تعد إلى الخاطرة، فالشعر ابداع روح وفن وله قدرة كبيرة على التأثير على روح المستمع وروح القارئ، وخاصة حين يحفل باللوحات البلاغية ورمزيات غير مغرقة برمزيتها ودقة الصياغة بدون اختلال وتفاوت وكسر إضافة للجَرس الموسيقي، فالشعر مجموعة من التراكيب الحية له مزاياه بكافة تصنيفاته، وهذه التراكيب والمزايا تحلق بالروح إلى فضاءات من جمال وخاصة بعد اعتادت الارواح على القصيدة القائمة على البحور، وأخذت وقتا ليس بالقصير لتذوق شعر التفعيلة، والآن الاشكالية باستيعاب القصيدة النثرية رغم انتشارها بين نصوص متميزة؛ وبين تراكيب يسميها من يكتبها شعرا نثريا ولا علاقة لها بالشعر.  


   الكاتبة في نصوصها عبر صفحات الكتاب تناولت محاور عدة، ومن أهم المحاور التي تناولتها هي: 


   اليتم والفقد: الألم على فقد الأم التي رحلت منذ ثلاث سنوات والأب الذي رحل منذ تسعة وعشرون عاما ترك أثره على الكتاب ونصوصه، فنصها الأول موجه لروح أمها الراحلة تحت عنوان: "قلب أمي ندبة في فم الذاكرة" تخاطب بها روح أمها التي رحلت، ويلاحظ أن النص تكرر فيه بدايات ثلاثة بكلمة "أمي" بخط اكبر من خط النص في إشارة رمزية للسنوات الثلاثة على رحيل الأم تخاطبها ثلاثة مرات في اليوم صبح وظهر وليل، وتبدأ نصها بالقول: "ألا تلمحين وجهي كلّ صباح؟ الذي تركتُه في مرآة غرفتكِ، ليهديكَ وردةً كلّ صباحٍ"، وفي نصها "ليلة شتاء" تعود للحديث عن الام واليتم فتقول: " قد نسيتُ روحي في مكانٍ ما، في ليلة شتاء، أنا الحكواتي فيها، لتؤنس اليتمَ فينا، وتمسح غبار الأيام"، وتعود في نفس النص لتقول: " اجمعيني أمّي في عروقكِ، ولا تحزني"، ويتجلى الم الفقد في نصها "الأمس المشؤوم" فتقول فيه: " كانت نهرًا أتوضأ من دمعة عمرها، أغسل شعري في ماء عينيها، وكان ما يُرعبني، أن يتوقّف مجرى نهر حنانها"، ويتكرر الألم بقوة في نصها "صافِحِيني بالموتِ بلا وجع" وفي المقطع التالي يتجلى الوجع ببوحها: " أمّي: خُذي روحي نحوكِ، فالنّزاع معكِ فيه، "نشوة"، وأنا إنْ نجوتُ من الموتِ، للموت أنجو معكِ"، وفي نصها "غربتي" تحيل الأم إلى وطن فتقول: " وكان عندي حبيبة، مكونة من حرفين، (أمّ)، على هيئة وطنٍ كبيرٍ، أثرها باقٍ في روحي". 


  فكل شيء يذكرها بأمها ويثير مواجعها وهذا ما نراه بنصها "خاتم أمي" بقولها: "وزّعتُ شوقي في الطّرقات، كتبتُ به، كابوس اليُتْم وتعويذة، وخاتم أمّي المدوّن عليه، أوّل الحبّ وآخره"، ويتجلى حجم حزنها في نصها "وجه الحزن" بقولها: "دونكِ الاَن، أنا في عِداد الموتى، وأدركُ الأمر جيدًا، وكان أقسى وجه الحزن، وأنتِ تودّعين الحياة!"، وتواصل سكب دموع الحزن في نصها "ندبة" فتقول: " عام الحضور البهيّ، فرشتُ الورود، لعلّها، تنبّت حديقة ياسمين، من ظلّها، وتورّد الحياة من روح.. أمّي!"، والأم لا تفارقها في نصوص نثرية أقرب للخاطرة "روح أمّي" وفي نصها "الحضن الدافئ" الذي تتحدث به عن أسرتها من أم وأخوات وأخ، بينما في نصها "شراءُ بسمة" تعود للشعر النثري فتهمس لأمها: "ألا تعاودين الجلوس معي لخمس دقائق فقط؟ في الرّوح شيءٌ عميقٌ حزين، ليس بالسّهل إخمادُ وخزة الحنين لكِ، لكلّ شيءٍ فيكِ".  


   ونرى أيضا أن روح الأب التي رحلت منذ زمن طويل لم تفارق الكاتبة ففي نصها "وطن وبحة صوت" تخاطب والدها بالقول: "لترابكَ رائحةٌ عطرةٌ تفوح كلمّا مرّ طيفي، وأرددُ: هي صلاةٌ في هيكل الحرف" وتستمد الصبر على الفقد من اسمها فتقول: "واسمي مثلًا: كان سرُّ البدايات"، وتواصل الحديث مع روح والدها في نصها "عتبةُ الذكريات" فتقول: " كم توهّمتُ أنّ (والدي) عاش طويلًا، حتى خاب حسابي للنّبضات"، وتستخدم في هذا النص إسم لنوع عطر بالحروف الانجليزية وكان من الأجدر أن تستخدم كلمة "عِطركَ" في العربية فلا تضعف الشطرة، وهذا يتكرر في نصها "نون النسوة والسواد" حين تقول مخاطبة روح الأم بالقول: "أتغسلين وجهكِ بالصابوّنِ (estee lauder) والماء؟" فلو لم تورد الاسم بالأجنبي لما ضعفت الشطرة بل كانت ستكون أقوى. 


 وتواصل الألم على ذكرى الأب الراحل في نصها "أنثى الفقد" فتقول: " منهمكةٌ وقلبي في الخريف، والبكاءِ عند عتبةِ الدّيار، على جُثمان الفقيد، قتلتُ ضحكتي"، وتتألق بالوصف لحالة اليتم في نصها "دمعة شوق" فتقول وهي تخاطب الأب: "في ضمّة اليتيم، يسبّح المغزى على، أجراس الموعد، للنهوض من جديد"، وفي نهاية نفس النص تخاطب روح الوالد بالقول: "عُد لي، في غيابكَ رسالتان، دمعةُ شوق تهذي باسمكَ، ورقصةٌ على سقوط الجبناء"، بينما في نصوص أخرى تخاطب الأم والأب كما في نص "صلاة العيد" فتقول: "كيف أهيئ ذاتي للعيد، وأنا لا زلتُ، أرى الأرواح في قلبي"، وفي نصها "الأبيض لي" ربما تخاطب الأب بدون أن توضح ذلك فيصبح النص محيرا للقارئ وتقول: "أنا لا أقلّد أحدًا، تهمس في نبضكَ، هو الأسود لي وحدي، وتتميّز بالأبيض" 


   الذات: في نصها "ليلة شتاء" تصف نفسها بأنها "أنا أنثى الورق والحبر، لا قارورة عطر"،نجدها تكرر الحديث عن نفسها في نصوص مختلفة ومنها قولها في نصها "القانون الذكوري" بقولها: "كُلّما انتابتني رغبة للحبّ من جديد، أطفأتُها بالهروب، فأدركت الآن، أنّني أنثى كافرة بالحبّ وصوته"، كما قالت عن ذاتها في نص "الحضن الدافئ" موردة حتى اسمها: "حكمة إلهية كانت(الصّابرين)، في المنتصف، هي لم تصارع الموت عند ولادته، بل ردّدت له وغنّت له بفرح طفلة"، وكذلك تتحدث عن ذاتها في نصها "جهد الروح" بالقول وهي تخاطب نفسها: "كل الكلام عالق في الحلق، وكأنّك لا تدركين إلّا حروف العطش، ترفضين البكاء رغم راحتك في دمعاته، ترفضين الاستسلام رغم يقينك بالضعف، تقاومين"، بينما في نصها "وخاب ظني" تنتقل لأفكار أصبحت تؤمن بها فتقول: "وأدركتُ أنّها: حياتي مريض يواسي ميتًا، لا النائم فاق من غفوته الأبديّة، ولا المتألم تعافى من أوجاعه المزمنة"، وترى ذاتها تختلف عن الآخرين بالحب في نصها "أنوثة بلا نشوة" فتقول: "لِمَ في أوطاننا، رواياتُ الحبّ جسدها كبنايةٍ آيلةٍ للسقوط، ولِمَ الحبّ في قلبي أنا، مختلفٌ" وأعتقد أيضا أنها تخاطب روح أمها في هذا النص فالصيغة أنثوية بوضع الكسرة تحت "أحبكِ"، وتصف نفسها في نص "الحدس المزيف" بالقول: "أنا إنسانةٌ سيئةٌ جدًا عند نوبة الحزن، لا أستطيع السيطرة على الدموع الساخنة التي تؤذي خدّ القلب الذي يُتلف منه جزءًا"، بينما في نصها "لا ذنب لي" تخاطب امرأة اخرى صدمت بها فتقول: "وما ذنبي أنا؟ من يومها وصوتُها في رأسي بطرف أصابعي أصافحُ الجميع"، بينما في نصها "أنثى حرة" وهو يدخل تحت تصنيف الخاطرة تقول عن نفسها: "يا الله، كم غدوتُ عن حالي غريبة، وبعيدة جدًا". 


   وبعد هذه الجولة في نصوص الكتاب الذي تمتعت به والذي أسال دمعة من عيني من عدد النصوص التي وصفتها بالبكائيات، حيث وجدت نفسي أغوص بكم كبير من الأحاسيس والمشاعر من حب الأم الى ألم الفقد والفراق، فكانت النصوص بكائيات تثير الشجن والمواجع، حتى أني تسائلت كيف احتملت الكاتبة كل هذا الألم ولم تتسلل نعمة النسيان لروحها لعلها تسلو قليلا، فلا يخلو نص من الألم وتذكر الأم والأب اللذان رحلا، وفي حديثها عن الذات نجدها انسانة غامضة في تعاملها مع الآخرين وتفضل العزلة، أو ترى نفسها حالة مختلفة عن النساء ولا تتوقف حتى عن انتقاد نفسها. 


    وفي النهاية نجد أن الكاتبة تنقلت بين نصوص شعر نثرية امتلكت مواصفاتها جيدا، وفي نصوص أخرى تغلب فيها السرد على شعر النثيرة، وفي بعض النصوص كانت الخاطرة هي الأقرب للنص من الشعر رغم توزيع الشطرات على الأسطر لتظهر على شكل قصيدة، إضافة لأراء تعبر عن رأيها و"فلسفتها" بالنظر لمسائل عديدة وعبارات تحمل عبارات الحكمة، وهذا الخلط من عوامل إقامة حاجز منيع في فهم قصيدة النثر فتبقى بعض النصوص لدى النقاد خارج اطار التصنيف والبحث، مما يثير التساؤل إن كانت قصيدة النثر قد أظهرت أن هناك أزمة في الشعر الذي خرج عما اعتدنا عليه أو أزمة في النقد بالابتعاد عن طبيعة قصيدة النثر بطبيعتها البنائية متأثرين بشعر البحور، وأنا مع البحث في الجماليات والأشكال الفنية وفكرة النص مع مراعاة الايقاع والرمزية واللوحات المرسومة بالكلمات بهذه النصوص ومدى قدرتها على حمل الروح للتحليق فيها، فهي نصوص أدبية بدون شك خرجت عن الأطر التقليدية فتتولد قصيدة النثر منها إن توفرت الأسس فيها، ولا تكون خرجت عن مكونات قصيدة النثر وعن قواعدها وإدراك البنى الضرورية والأساسيىة لها حتى لا تكون هناك أزمة في الشعر النثري، مع ملاحظتين لا بد منهما: الأولى أن العنوان موجه لذكر بينما غالبية النصوص موجهة للأم وهي أنثى، والثانية: ان الكاتبة ورغم كل الجهد بتدقيق الكتاب الا أن هناك بعض الأخطاء القليلة ولكنها لمن لا ينتبه تقلب معنى الكلام، متمنيا للكاتبة أن تتألق في كتب أخرى وابداع آخر لعل الفرح يكون سيده ويخرجها من الحزن والألم، فمهما كان الحزن ومهما كان الألم فقد آن لنا أن نفرح. 

رحلة في قارب المجنون والبحر للشاعر: وهيب نديم وهبة


نقد وتحليل: أركان حلبي ـ

يحق لي ككل مسافر في هذه الدنيا الغريبة أن أبحر في قارب المجنون، لأصارع أمواجًا وتيارات في بحر عائم بالفكر والتأمل، عائم بالسخط والكراهية، عائم بالحيرة والقلق والحلم الضائع... يحق لي أن أصرخ وأتكلم وأعبر عن رأي حتى ولو القليل مما في نفسي وعقلي. شيء ما يدفعني إلى الأمام ويعطيني قوة المواجهة والمجابهة... وهيب نديم وهبة، ذاك الإنسان المجاهد في سبيل الإبداع وخلق ما هو جديد وقيم... وهيب، ذاك الحس الشاعري المبدع، الصريح والبسيط، البعيد كل البعد عن التعقيد والغموض، زهرة ربيعية أخرى تفتحت في روض الأدب... زهرة فريدة من نوعها، تعبق بعطر أدبي ساحر يجذب كل من يمر بها. زهرة تجذب كل من يمر بها ليلمسها ويتفحصها ويشبع من عبيرها الفريد...


كتاب المجنون والبحر فكرة إبداعية جديدة... ولأول مرة أسمع أن القصيدة "تمسرحت"... خرجت القصيدة من ثياب القدسية الشعرية وصعدت على خشبة المسرح (حتى لو كان مسرح الحياة) أمل جديد في أفق الأدب، تفتح أبوابًا جديدة وتبشر خيرًا.

 

المجنون والبحر... عنقود عذب ولكن مرة يكون حلو المذاق ومرة تكون الحبيبات دون طعم (لان الفكرة المتجسدة في أعماق النص... ان الحياة والمجتمع الذي نعيش فيه ويعيشه الشاعر، يخلط بين الطيب والشرير، بين المحبة والكراهية وغيرها)


وهيب يأخذنا جماعات في رحلة المجنون، عبر خطوط مجتمع مُركب ومعقد ومفكك،  في حين يحتاج هذا المجتمع للوقوف معهُ وبجانبه، تتعامل معهُ القادة والوجهاء والزعامة السياسية، كما يقول في بداية الكتاب: 

"قد يكون الجنون... في هذا الزمن بالذات، أكثر واقعية من الواقع الحياتي المعيش... وحقيقة حتمية مفروضة... وقوانين اجتماعية وسياسية تدق بعنف بصلابة على العقل والأعصاب... أصبحنا بحاجة إلى قضاة ولجان تحكيم... في ما بيننا من علاقة..."


كم يقهرني ويمقتني أن يسجن الخير بينما ينطلق الشر ليتحكم في ما بيننا فنفقد المحبة والعطف وحب المساعدة... ويفقد الإنسان الوفاء والغيرة على مصالح الغير، لان الأنانية والرفعة إلى أعلى، تضع هؤلاء في موقف حرج، فالوصول إلى الغايات أصبح سهلا وبسيطًا، ندوس على من حولنا، ونستغل ظروفهم، دون حساب لآلامهم، وبعد ذلك حتمًا نصل إلى الأعلى.  

يقول الشاعر:

"هذا الوهم القاتل... الذي يجعل للمادة قدمين وكفين ويحمل الأرض... على كف هاوية."

ونصل لقمة رذالة الإنسان... ومواقفه (المشرفة)! حين يقول الشاعر لهؤلاء... بعد أن ثار البحر وهاج وفقدوا القيم:

"ليس من السهل، أصبحت النزاهة عارًا والدعارة علمًا والخداع تجارة والكذب مهنة..." 

يتذكر المجنون "هالة" حبيبته، وأمله والنور الذي ينير دربهُ في هذه الحياة البائسة الجافة، يتذكرها ويتذكر الفرح ولكن:   

"هالة دخلت مثل الأرنب البري في ذاكرة المجنون، وعاشت في شرايين الدم وركضت في حقول القلب الواسعة البيادر... جاءت بعد جفاف البحر، وموت السمك البحري على ضفاف اليابسة..." 


ماذا تجدي المحبة بعد أن نفقد كل إحساس جميل... وتصبح الدنيا جفافًا وأوراقًا خريفية بائسة ذابلة... الكل في صراع... الكل يركض ويسرع بخطى تسابق الريح من أجل أكل الدنيا، دون حساب الضائع من عمر الإنسان، الكل يركض والدنيا كما هي مكانها، وكما قال الوهيب: 

"وهذا السباق العنيف. كل واحد منهم يريد أن يأكل الدنيا، والدنيا كما هي..."

 

هدأ البحر والمركب يتابع المسير... ونحن في المركب فاغري الأفواه... مشدوهين... مما يجري حولنا، وما نجابه في طريق سفرنا في بحر المجنون... هو الزعامة والقادة والدعايات الكاذبة، والمناشير الملونة المزركشة. أصبحت رسائل أمل للبسطاء والفقراء الذين ينامون ويصحون على أمل تحقيقها، فالوعود كثيرة وإلى ما لا نهاية. 

المهم أن يصل القائد لهدفه وطموحه، حتى ولو كان على حساب ضحايا عديدة من الأبرياء... ويتناسى الجميع المصائب التي تحل على قرانا من سرقات ومخدرات وانحرافات...  

قالَ المجنونُ وهوَ يضحكُ، ويشتمُ ويبتسمُ:

"أترى هذا البرميلَ المقلوبَ؟

هذا عالمُكُم - عالمُكُم فارغُ المضمونِ... 

وألف تاجر ممنوعاتٍ - مخدِّراتٍ، صفقاتٍ، 

زعاماتٍ...

وصغارٌ تأتي وتضيع، تمارس لعبةَ الكبارِ.

أين أحلامُ الطّفولةِ - وربيعُ الْأغنياتِ، 

وأمانٍ نبتَتْ في الْأفقِ البعيدِ... 

في الخيالِ"


أين براءة الأطفال وابتساماتهم... أين الفرح الذي يطل من عيونهم... ماذا سيحل بهم وبشقاوتهم وضحكاتهم...  ما هو أملهم ومستقبلهم؟ ما هو مستقبل هؤلاء "الأسماك" في هذا البحر الكبير العائم...  فالسمك الكبير الجائع... يأكل الصغير : 

المجنون: "أنا  لا  أحب  السمك  المقتول  ولا  العصافير الميتة، ولا  الحمام  المذبوح  ولا  الفراشات  التي  تعلق  في  شباك الأطفال، ولا  الأسماك  التي  تعلق  في  شباك  الصيادين"

ويعتذر شاعرنا للبحر ويطلب منه ألا يحزن، لأنه سيرحل إلى دنيا جديدة مليئة بالمحبة والسعادة والأمان...! سيرحل إلى دنيا شعارها الحرية والكل سواسية... لا أحكام فيها ولا قوانين، ولا قادة... ولا زعامة... معذرة: 

صديقي البحر الجبار/ بكل هذا الكبرياء / وهذا الحب الناعم / هل تحزن أن أرحل؟

   

ما أجمل أن يشبه شاعرنا الحياة بالبحر الواسع والإنسان المجنون "بالسيد"... ويشبه لنا الشاعر حزن البحر على الإنسان، بقوله:  

"يجمع البحر شريعة المجنون في زجاجات الأحزان، 

ويقذف بها إلى الشاطئ بكاء عاصفة خرساء.

الآن تجلس هالة قرب متاع الرحيل 

وتبكي بكاء عاصفة خرساء."


ويسافر السيد ويجن البحر، فيقول: 

"كنت أعرف، سيدي، زمن الغيبة، 

زمن الحضور والغياب، وكنت أخاف! 

ووحدي الآن – وأنتَ موتي. 

أموت بعدك، سيدي. أين أنتَ! 

جن جنون البحر صارخًا 

بين الصخر وبين الصخر: 

أين أنتَ... سيدي!"

 

مع انتهاء الحبة "الثانية عشرة من عنقود المجنون والبحر " الحلقات. أتمنى أن أكون قد حققتُ ولو القليل من وصف ما أتحفنا به الشاعر وهيب نديم وهبة من الوصف المبدع للمجتمع وما يجابهه من صعوبات ورذائل، وانعطافات في هذا العالم المليء بالطرق الملتوية والشائكة.


الثائر العاشق في رواية " الأسير 1578" للأديب: هيثم جابر

 


كتبت الأديبة إسراء عبوشي


رواية "الأسير 1578" للأسير هيثم جابر. صدرت الطّبعة الأولى عن المكتبة الشعبية ناشرون في نابلس، أمّا الطّبعة الثانية للرواية للعام 2022 ستصدر عن مكتبة سمير منصور في غزّة. تقع الرواية في 304 صفحة من القطع المتوسّط..

بأسلوب سلس وأفكار منتظمة متسلسلة، يروي الكاتب قصة حب روتينية نشأت في حرم الجامعة، يَحول الاحتلال دونها ويخطف العاشق قبل أيام من الزواج، وكأن الفلسطيني كُتب عليه ألا يهنأ بالحياة الروتينية ولا يعيش كالمعتاد.

الفراق عنوة يجعل قصة الحب الروتينية قصة حب عذرية، ويؤجج المشاعر ليرويها البطل بطريقة مرهفة وحس شفاف وروح شغفة، تضيء سجنه المظلم، وتبسلم جراحات التعذيب الأليمة، يلجأ إلى ذكراها منصرفاً عن اسأله التحقيق، فيغيظ المحقق ويكسر هيبته.

تلك البساطة في سرد تفاصيل سعادتهما، والمودة في اجتماعهما، تُظهر فظاظة الاحتلال، كل ما يرده هذان الحبيبان أن يجتمعا تحت سقف واحد، الشاب عادةً يحب... يعشق... يفرح.. ويتزوج.. 

يمكنه أن يحقق هذه الحياة السهلة، لكن الشاب الفلسطيني الذي لا يرتضي الهوان ولا يقبل أن يحتل المحتل أرضه ويدنس مصلاه، قدره مختلف وإن كان لا يشرب إلا ماء قذراً وغيره يشرب المياه المعدنية.

استخدم الكاتب مفردات متناغمة ولغة شعرية متناسقة مع السرد، جعلت الرواية لوحة فسيفسائية زاخرة بالإبداع، وكسرت الصورة النمطية عن الثائر المناضل، قلب رقيق شفاف وروح مرهفة وأحلام... اكتملت تلك الصورة من خلال الرسائل التي تبادلاها الحبيبان العاشقان.

معنى مختلف للعشق ... معنى مختلف للثائر، المرادف بلغة الكاتب  لكلمة " ثائر" هي كلمة عاشق

من يعشق الوطن يعشق كل شيء، بل هو وحده وصحبه الثائرون من يتقنون فن العشق، وحدهم الثائرون الين يضغطون على الزناد يتقنون فن قطف الورد من الخدود القرمزية، هو من ينسج القصائد والنّشيد والغضب، أنت الذي تتقن فن الاحتراق، أينقصك؟! لا أحد أحق منك بالعشق إلا أنت، صفحة 70

استخدم الكاتب مفردات متناغمة ولغة شعرية مشبعة بالجمال والبلاغة، وكأنه عصر سنوات عمره وقال كل ما لديه.

هي امرأة الكلمات العابرة بين أجنحة البنفسج والزعفران، هي امرأة الليل المسافر في مرافيء الشتّاء البعيدة، هي قداسة الأقحوان في عبق المساجد والكنائس، صفحة 49

أما عن   عالم الحرمان والألم كما وصفه الكاتب، فهو عالم الأسير داخل الزنزانة حيث يتوقف فيه الزمن، ذلك الزمن الذي كان يضبط على توقيت قلبيهما معاً، له لغته الخاصة وقوانينه ونظامه وألوانه وكأن العمر توقف، ويصف الفرق بين غرفة التحقيق وباقي أقسام السجة بنصف إفراج.

ومع ذلك ينظم الأسرى أنفسهم كل يتميّزوا بحياتهم، كما تميّزوا بفكرهم ونضالهم. صفحة 78

في النهاية نحن أمام رواية من مفتاحها الأول" العنوان" تثير قضية الأرقام، في رسالة ضمنية لعدم قبول أن يكون الإنسان رقماً.

أكان أسيراً أو شهيداً.

بالإضافة إلى العديد من الرسائل الضمنية التي حوتها الرواية.

الرواية تضاف إلى مكتبة أدب الأسرى، رواية غير نمطية مختلفة وتصنف من أفضل ما كتب الأسرى.

وتعرفنا على قدرات وحياة أديب أشرقت من عتمة الزنازين.


مع الدكتور حسام الخطيب وكتابه "النقد الأدبي في الوطن الفلسطيني والشتات"


فراس حج محمد| فلسطين


توفي في مدينة الدوحة القطرية الناقد الفلسطيني الدكتور حسام الخطيب بتاريخ: 16/11/2022، عن عمر ناهز التسعين عاماً، فقد ولد عام 1932، ألف خلال هذه المسيرة العلمية والثقافية العديد من الكتب النقدية، ومن بين هذه الكتب كتابه "النقد الأدبي في الوطن الفلسطيني والشتات"، وفي هذه الوقفة الاستعادية لجهود الناقد الخطيب البحثية أقف عند هذا الكتاب المخصص لرسم خريطة للنقد الأدبي الفلسطيني والنقاد الفلسطينيين وجهودهم في العصر الحديث، منذ بداية عصر النهضة العربية؛ ‘ذ لم يغب الناقد الفلسطيني عن حركة النقد العربية على امتداد هذا التاريخ الطويل والحافل بالأسماء النقدية والنظرية والمقولات النقدية.

صدرت الطبعة الثانية من الكتاب عن مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، بعد الطبعة الأولى التي صدرت عام 1996 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ويوضح المؤلف بعنوان فرعيّ طبيعة الكتاب بأنه "دراسة في حركة النقد الأدبي في فلسطين المقيمة والظاعنة من النهضة حتى الانتفاضة- 1988"، والخطيب بهذا العنوان يبين حدود هذه الدراسة الزمانية والمكانية، واتصالها بفرع محدد من فروع الدراسة الأكاديمية؛ وهو النقد الأدبي.  

يتخذ المؤلف من المنهج التاريخي الوصفي مسلكا في دراسة المادة النقدية في المراجع ذات الصلة، ويتتبع تطور الحركة النقدية على أيدي النقاد الفلسطينيين منذ بداية عصر النهضة، فيبدأ بإصدار أحكام حول طبيعة ما هو مكتوب في هذا الفرع قبل عصر النهضة وقبل الوصول إلى الرواد والنقاد، فيخلص المؤلف بنتيجة حول تلك الكتابات بقوله إنها "نصوص ضئيلة القيمة وغرضها تقريظي وتفكيرها ضحل ولغتها مصطنعة" معللا ذلك بأن كاتبيها "لم يكونوا من أهل النقد ولا ادعوا ذلك"، لافتا نظر الدارس والقارئ إلى ضرورة التفريق بين الآراء النقدية والنصوص النقدية، فدراسته هي للنصوص النقدية وليست للآراء النقدية التي لا تنقطع في أي عصر من العصور.

وتحدد الدراسة حدها الزمني الأول بعام 1904، وذلك عندما بدأت بالحديث عن جهود "روحي الخالدي" الذي يصفه د. حسام الخطيب بأنه رائد النقد الأدبي الحديث، فيلقي الضوء على ملحوظات الخالدي النقدية من خلال كتابه "تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب وفيكتور هوكو"، والكتاب صادر عام 1904، بعد أن صدر على شكل مقالات متفرقة في مجلة الهلال المصرية عام 1902، وتحدد عام 1988 حدها الثاني ببداية الانتفاضة فتتوقف الدراسة عند إدورد سعيد وإحسان عباس وجبرا إبراهيم جبرا، مبينا آراءهم النقدية وتطورها وتنوع مجالاتها وأشكالها واتفاقها واختلافها عن بعض النقاد العرب أو العالميين، وخاصة أفكار الناقد إدورد سعيد.

وتحدد الدراسة مجالها الجغرافي بفلسطين التاريخية، والشتات الفلسطيني العربي وغير العربي، على ما في هذا الحد الجغرافي من مطاطية وعدم تحديد إلا أن القامات النقدية التي تعرض لها المؤلف والتقدم النقدي الواضح لدى النقاد الكبار في الشتات جعل هذا الحد واضحا نوعا ما على أن بعض النقاد لم يأخذ حقه في الدرس والبيان، وخاصة النقد الأكاديمي في الجامعات سواء في فلسطين أم خارجها، كما ارتبط النقد بجنسية الكاتب وأصل مولده، وعلى ما تثيره هذه القضية من إشكالية ما، تختلف بكل تأكيد عن الأدب، إلا أنها محدد ربما يكون مقبولا، على الرغم من أن علمية النقد وعدم ارتباطه الحتمي بأدب جغرافيا معين يجعله عصيا على التصنيف الجغرافي، وخاصة النقاد الفلسطينيين الكبار من أمثال إدورد سعيد وإحسان عباس، فجهودهما لم تقتصر على الأدب الفلسطيني، بل كانت القضايا النقدية والأدبية المفتوحة على آفاق أرحب من تحديد الجغرافيا هي الأبرز في جهودهما النقدية، وامتدت إلى ما هو أبعد من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي عند سعيد وإلى التأريخ الأدبي والدرس الأدبي وتحقيق المخطوطات كما هو عند إحسان عباس.

يقسم المؤلف كتابه إلى قسمين: يتناول في القسم الأول النقد الأدبي في فلسطين من النهضة إلى النكبة (1948)، ويتوقف الكتاب في ختام فصله الأول عند "بدء النقد الأكاديمي والنقد المتخصص وإسهامات أخرى"، فيعرض إسهامات إسحق موسى الحسيني وجهوده النقدية، ومشاركة الشعراء بالكتابة النقدية، وقد بدأت في الظهور المقالات النقدية في الصحف العربية، تلك التي كتبها أدباء وشعراء من أمثال فدوى طوقان وعبد الكريم الكرمي وإبراهيم طوقان، وغيرهم.

ويجعل القسم الثاني وهو بعنوان "النقد الأدبي من النكبة إلى الانتفاضة" في فصلين، يبحث في الفصل الأول حركة النقد الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، وقد توحدت فلسطين تحت الاحتلال، مبينا الوضع الثقافي العام للكتاب والأدب الفلسطيني في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، وأثرها في النقد الأدبي، ويتناول الفصل الثاني حركة النقد في إطارها العربي والعالمي.   

ويعتمد الخطيب على تحليل البنية النصية للنصوص النقدية عند النقاد أجمعين محاولا استخراج ما فيها من ملحوظات نقدية، مبديا ملحوظاته عليها، غير غافل عن شرطها التاريخي الذي كتبت فيه، فهو لا يدرس نصوص الرواد بمنظار النقد المعاصر بعد أن قطع النقد أشواطا بعيدة في النظريات الفلسفية والمعرفية، بعكس النظرة إلى النقد المتخصص والمستوي على سوقه بعد ذلك والذي ظهر في المؤلفات النقدية بشتى أشكالها سواء في المقالات الصحفية أو الدراسات في المجلات المتخصصة أو الكتب ومن هنا تبدو موضوعية الكتاب ورصانته العلمية.

وتكشف الدراسة تأثر النقاد الفلسطينيين بالثقافات الأجنبية، فكما تأثر الخالدي بالأدب الفرنسي، يظهر تأثر خليل بيدس بالأدب الروسي، وأحمد شاكر الكرمي بالأدب الإنجليزي وتأثر وتأثير إدوارد سعيد بالنقد الأمريكي، كما أنه يبرز التيار التقليدي في النقد الأدبي الفلسطيني، وتصدر هذا التيار كل من إسعاف النشاشيبي وخليل السكاكيني، ولكنه لا يلتزم بمنهجيته التاريخية في أن يكون هذا التيار هو المدروس أولا، لذلك تجد المؤلف يدافع عن هذا التأخير بسبب تلك الطفرة التي تمثلت في جهود روحي الخالدي النقدية والرياح الخاصة التي أتى بها كل من خليل بيدس وأحمد شاكر الكرمي، والتي أوحت بأن مسيرة النقد الأدبي الفلسطيني كانت ذات بدايات بعيدة عن مشية الهوينا.

ويقف وقفة متأنية عند النقد الأيديولوجي الذي مارسه بعض النقاد  في منتصف الثلاثينيات أو بعد ذلك عند الناقد فيضل دراج، اتساقا مع الحركة النقدية العربية بشكل عام، ويبين الخطيب أن هذا التيار النقدي "ولد جاهزا مكتملا، سواء من ناحية مستنده الفكري الماركسي، أم ناحية مقولاته الأدبية الأساسية"، ولم يكن هناك ناقد بعينه يمثل هذه المدرسة، بل كانت اتجاها عاما عند مجموعة من النقاد؛ كان من بينهم نجاتي صدقي وعبد الله مخلص، وعارف العزوني، وغيرهم، ويصف الخطيب هذا الاتجاه النقدي بأنه تيار متماسك بين أتباعه أفكار مشتركة، يتيح للدارس الحديث عنه كاتجاه نقدي بعيدا عن تقديم كل ناقد على حدة.

ويعرض الكتاب كثيرا من المقولات النقدية للكتاب والنقاد الفلسطينيين واهتمامهم بالبعد الإنساني في الأدب وارتباطه بأدب المقاومة، متحدثا عن مفهوم الأدب الشعبي وأهميته، وارتباط النقد الأدبي بقضايا عامة فلسفية وتاريخية واجتماعية.

وبالمجمل فقد عرض الكتاب مخططا شاملا لحركة النقد للنقاد الفلسطينيين ودورهم في حركة النقد العربية والعالمية واستفادتهم من التطور النقدي والنظريات النقدية، وبهذا يشكل الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية لا غنى للدارس والمثقف عن هذا الكتاب الذي جاء محيطا بالخطوط العريضة لحركة النقد العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص مع جوانب من التفصيل في بعض القضايا حيث جاءت متسقة تماما مع هدف المؤلف من هذا الكتاب في توثيقه للجهود النقدية للنقاد الفلسطينيين.

رحم الله الدكتور حسام الخطيب الذي رسم في كتابه هذا الخطوط العريضة التي قد تدفع باحثين آخرين لاستكمال جهده التأريخي في متابعة حركة النقد الأدبي الفلسطيني ما بعد 1988، إذ استجدت كثير من الأسماء المشتغلة في حقل النقد الأدبي، وتعددت المؤلفات النقدية التي ترصد الحالة الإبداعية في فلسطين التاريخية أو الإبداع الفلسطيني المنتشر في العالم وبلغات متعددة. كما استجدت ظروف أخرى، كان لها تأثير في حركة النقد الفلسطينية وخاصة السياسية، وما أنتجه اتفاق أوسلو وتداعياته وأثره في الأدب.

كما أنّ الخطيب رحمه الله لم يولِ أهمية للنقد ذي الطابع النسوي في قراءة النقاد التأصيلية لموضوع النسوية واتصالها بالأدب، إذ يستحق هذا التيار العناية والاهتمام والبحث. إضافة إلى ما شهدته حركة النقد الفلسطينية والعربية من تطور هائل مرتبط بالتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، وظهور النقد التفاعلي بمقالات ودراسات ومؤلفات كذلك.

قراءة نقدية في المجموعة القصصية (من عبق الماضي) للقاصّ السوري جورج عازار

 




   بقلم نوميديا جروفي، شاعرة و كاتبة و ناقدة (الجزائر)


هناك ذكريات حلوة في ذاكرة كل منا من أيام الطفولة أو الشباب أو المرحلة الجامعية لا نستطيع نسيانها وكلما كبرنا لمرحلة أكبر من التي كنا فيها تزيد أحزاننا أحيانا، فكثيرون يندمون على كثرة أحزانهم على بعض الأشياء في الماضي التي من الممكن أن تمرّ دون أن تُؤثّر فينا بشكل سلبي.

وقد تبدو بعض المواقف التي قمنا باتخاذها في الماضي تُجاه أمور عادية هي أكثر المواقف الذي قمنا بالنّدم عليها وتمنّينا أن تعود الأيام مرّة أخرى حتّى نستطيع أن نستمتع باللّحظة تاركين كلّ الأفكار السلبية جانبا حيث أنها مرّتْ وأصبحت ذكرى فعلينا أن نعي أنّ كلّ الأشياء تمرّ وتُصبح ماضي سواء أليم أو ماضي يحمل ذكريات نتمنّى عودتها.

نشعر بالحنين والاشتياق لأيام مضت نتمنّى عودتها فهناك من يتحسّر علي أيام شبابه أو طفولته متمنيا عودته يوماً حتّى يستطيع أن يفعل ما كان يفعله في الماضي ولكن ليت الزمان يعود يوماً لنفعل ما عجزنا عن فعله الآن.

و الشيء الجميل هو تلك الذاكرة القوية التي يملكها البعض كما لاحظتها في المجموعة القصصية للقاصّ السّوري (جورج عازار) فليس الماضي إلاّ كنزا من المهارات و الخبرات و التّجارب، بدونها يتخبّط الإنسان في الظّلام.

حيث يقول (جورج إليوت) بهذا الصّدد: " لا أريد مُستقبلا يفصلني عن الماضي".

نتوغّل قليلا في قصصه و نتحدّث عنها..


ففي قصّة ( إرادة الحياة):

نعيش مُعاناة أمّ راشد بعد وفاة زوجها، حيث قامت بالأعمال المنزلية لقاء أجر زهيد عند أصحاب البيوت المُترفة لتُعيل أطفالها اليتامى، حتّى حلّ ذلك اليوم الذي بُترت فيه ساقها بسبب حادث السيارة الذي تعرّضت له و هي تهُمّ بقطع الطّريق عائدة إلى أطفالها ذلك المساء.

و بعد مُضيّ أيّام من فترة العلاج و النّقاهة خطرت لها فكرة بيع سندويتشات لطلبة المدارس بعربة صغيرة لتُطعم صغارها، حيث كان يُساعدها ابنها و هو في طريقه للمدرسة.

و هكذا نسيت مرارة ما عاشته و هي ترى الابتسامة في عيون أطفالها.

فبعزيمتها و قوّتها و صلابة إرادتها و تحدّيها استطاعت أن تتخطّى كلّ الأهوال و المصاعب.

و في قصّة (تأوّهات الحنين): 

القصّة هنا جعلها الكاتب (جورج عازار) على لسان الأمّ التي أحزنها فُقدان بيت العائلة و الإبتعاد القهري عنه.

إنّه البيت العتيق الذي احتضن الأطفال، إنّه المكان الذي عشقتْ فيه روح الحياة.

لم تستطع نسيان زهور حديقتها التي زرعتها بنفسها، و لا عبير الريحان،  

و لا تلك الصّباحات المشمسة التي اشتاقت لها.

جلست و هي في منفاها البعيد و غُربتها تُحدّث ابنها عن شجرة التّوت العجوز التي كانت في باحة المنزل، حدّثته عن تسلّقه جذعها فترة شقاوته و هو طفل ليقطف ثمارها.

ذكّرته بليالي الصّيف و رعد الخريف.

شكتْ له عن حنينها لمدفأتها القديمة و صوت زقزقة العصافير.

و في تأوّه عميق أخبرته عن حنينها الكبير لتلك الدّار و صخب الجيران         و صياح الصّبية.

بصراحة يصعب عليها نسيان ذلك البيت، فبين جنباته عاشت مسرّاتها       و اختبأت أحزانها، فلأجله تبكي ذكريات عمر و أشواق و حنين.

هي الأمّ التي أحبّت المطر فوق بيتها العتيق و لون شمس وطنها و نسمة الهواء التي تُداعب براعم زهراتها الجميلة.

ففي كلّ ليلة كانت تُبلّل وسادتها بدموع الأشواق لذاتها التي تاه منها العمر ذات يوم في المنفى بعيدة عن بيتها العتيق.

نتحدّث عن قصّة ( من عبق الماضي):

إنّه العنوان الذي وَسَمَ به الكاتب (جورج عازار) عنوان المجموعة القصصيّة.

و يتحدّث الكاتب هنا عنه هو لأنّه بطل القصّة، حيث عاد إلى موطنه مُشتاقا لبيتهم العائلي، و دخل كلّ الغُرف واحدة تلو الأخرى مُستعيدا كلّ الذّكريات هناك.ليعود مُجدّدا إلى موطن اغترابه مُودّعا بيتهم العتيق بصمت.

لكن عندما وصل اكتشف و هو يفتحُ حقيبته ليُرتّب حاجياته أنّ الحزن قد غافله و تسلّل إلى جميع أشيائه فعطّرها بلونه ليُصبح شريكا دائما لما تبقّى من سنوات عمره الكئيبة.


و في قصّة (غريبة): 

قصّة بلسان الأمّ تتحدّث فيها عن الدّنيا التي تراها غريبة و تُناديها بــ: " يا أيّتها الغريبة".

تبقى تُكلّمها و تُحدّثها ة تبُثّها شكواها و مناجاتها و ألمها و أمنيتها شبه المستحيلة بالعودة لوطنها الأمّ حيث قالت: "آه لو أعود إلى ضيعتي".

حزينة جدّا هي في غربتها تلك لأنّها في عالم لا تنتمي إليه و لم تتمكّن من التأقلم فيه.

ثمّ نرى أنّ الكاتب جعل غريبة في نهاية القصّة هي الأمّ نفسها حين قال: 

"ترحل غريبة عن عالمٍ صارت فيه الأحاسيس عملة مُندثرة، ترحل راضية زاهدة".

فنراه هنا يتحدّث عن رحيل والدته عن العالم و يتكلّم بتفاصيل شبه دقيقة عن ما حدث يومها في ألم جعلنا نعيشه معه. ثمّ ختم القصّة بميلاد الحفيدة.

غريبة هي الحياة، فهناك من يأتي إليها في الوقت الذي يُغادرها البعض لتستمرّ الحياة الغريبة.


نتحدّث عن قصّة (موعد مع السّماء):

قصّة تحكي معاناة والدَيْنِ في بلاد الغربة بعد أن فرحا بنجاة ابنهما و وحيدهما من موت مُحتم بسبب الحرب، ليموت المسكين غرقا بقارب في نزهة في غربته قبل أن يلتمّ شمل عائلتهما الصغيرة الذي كاد أن يحصل.

الكاتب هنا يُحدّثنا عن معاناة الغريبة في بلاد الغربة دوما في حياته اليومية، حيث عليه أن يدفع ثمنا باهضا لأجل الحفرة التي تُوارى فيها جُثّته حيث لاحظنا هذا من خلال ما عاناه الوالدين لأجل دفن ابنهما الوحيد و فلذة كبدهما.


و في قصّة (كان جدّي):

 يعود بنا الكاتب إلى مرحلة طفولته و يحكي لنا عن جدّه الأسطورة في زمن مضى، كما وصفه لنا وصفا دقيقا جعلنا نتخيّله و كأنّنا نراه بملامحه كلّها     و عن مسبحته تلك التي لم تكن تُفارقه.

حدّثنا عن جدّه الذي كان يحكي للأحفاد حكايات لا تُنسى ، و منها نستنتج أنّ الكاتب جورج عازار ورث السّرد و القصّة من جدّه النّابغة و الأسطورة.


نتوغّل قليلا في قصّة (شجرة تتحدّث عن موتها):

 تكلّم الكاتب هنا بلسان الشّجرة و هي تحتضر في سُويعاتها الأخيرة قبل أن تُودّع العالم القاسي الذي اجثتّها من جذورها بعد أن كانت شتلة خضراء يانعة لغاية ما أصبحت شجرة كبيرة.

قصّة الشّجرة هنا ذكّرتني بقصيدة الشاعر (إيليا أبو ماضي) عن التينة الحمقاء التي قتلت نفسها بنفسها حتى اقتلعوها.

لكن هنا الشجرة في قصّة الكاتب (جورج عازار) مختلفة جدّا لأنّها تتحدّث عن حياتها و سعادتها لغاية رؤيتها شبح الموت يتسلّل رويدا رويدا و يقترب منها، حتى انتهى بالمسكينة و هي تقول:

" و ما أنذا ألفظ أنفاسي الأخيرة، فيما صورة رفيقاتي تتراءى لي هناك في البعيد و المنشار الكهربائي لا يترك لي فرصة التقاط الأنفاس".

و لأنّ الكاتب جورج عازار مسرحي فقد أبدع كثيرا في قصّة الشجرة.


نسافر لقصّة (في رحلة الإغتراب):

يحكي الكاتب هنا عن معاناة المغترب عندما يصل إلى بلاد الغربة و معاناته الكبيرة في الإغتراب بعيدا عن وطنه.

ذكّرني بقوارب الموت التي يُهاجر فيها الشّبان بلدانهم هربا من المعاناة ظنّا منهم أنّهم سيجدون السّعادة تنتظرهم أوّل ما تطأ أقدامهم بُلدان الغربة، حيث يعتقدون أنّهم سيجدون العمل و المال كمن قال:" إنّ السّماء لا تُمطر ذهبا و لا فضّة" و إنّما تنتظرهم معاناة كبيرة حتّى يتأقلموا مع تلك الحياة الجديدة.


في قصّة (سيّارة جديدة):

الكاتب هنا حدّثنا عن قصّة حقيقية حدثتْ معه بفقدان سيارته الجديدة التي سُرقت منه ذات يوم و مفاجأته الكبرى بعدم إيجادها في مكان ركنها، و بعد مُخابرته قسم الشّرطة و التّبليغ عن سرقتها تفاجأ من الردّ البارد من قبلهم في أنّها ستظهر لاحقا بعد أن ينتهي منها الوقود في مكان ما و أنّها قد تكون  سُرقت من قبل بعض المراهقين، و هكذا كان، فبعد حواليْ أسبوع اتّصلوا به من إدارة الشرطة و أبلغوه بالمكان الذي وُجدتْ فيه و أنّه بإمكانه الذّهاب هناك لجلبها.

لكن بمجرّد وصوله هناك وجد سيارته في حالة يُرثى لها، حيث كُسّر زجاج النافذة و خُرّب موضع تشغيل السيّارة، بالإضافة إلى الضّربات التي كانت موجودة على هيكل السيّارة من الخارج، و بعد إصلاحها و في أوّل يوم لها تعرّضت لحادث اصطدام لها في مقرّ عمله.

لتذهب السيّارة مجدّدا إلى ورشة الإصلاح و يضطرّ هو لركوب الحافلة من جديد في الصّباح للتوجّه للعمل.

و في الحديث عن قصّة (المكان الأخير):

هي قصّة جمعتْ بين الشكّ و اليقين، الحياة والموت، الخيال والواقع، خوف و قلق، حياة واقعيّة ووهميّة، هلوسات، أماكن تظهر و تختفي، و كلّ هذا حدث و هو في الحافلة في طريقه للعمل. و بعد أن انتهى دوامه و في طريق العودة للبيت ظهرت الهواجس من جديد بمجرّد الاقتراب من المكان نفسه.

لنكتشف بالتّدريج أنّ ذلك المكان هو المقبرة و نحن نتوغّل فيما كتبه من خلال وصفه بعد أن وجد نفسه وجها لوجه أمام ذلك المكان و توجّهه بأقدام مرتعشة مُجتازا بوّابة الدّخول.

و من خلال بعض الجمل التي كتبها الكاتب مثل:( الكلمات المكتوبة فوق الألواح الرّخامية) و ( أخذ يغرق في حسابات الأرقام متى جاؤوا لهذا العالم  و متى رحلوا)

لتنقضي ساعات كثيرة له هناك و يُغادر المكان في منتصف الليل عائدا إلى بيته حيث وجد زوجته قلقة لغيابه و تأخّره في العودة.

و في اليوم التالي و هو مارّ بنفس المكان و هو في الحافلة ينظر بإمعان     و يندهش من اختفاء الألواح الرخامية و لا حتّى أثر لمقبرة، و حتّى المدافن اختفتْ تمامًا.

ففي هذه القصّة أدخلنا الكاتب في متاهة  مليئة بالمشاعر و الهواجس     و الخوف و الرهبة.

و القصّة هنا  هي تحليل في فلسفة النفس البشرية و فلسفة الموت       و الحياة.


ننتقل لقصّة (مشاعر في غيبوبة):

هي قصّة الابن العاقّ الذي استمع لرأي زوجته فقام بتوبيخ والده العجوز الذي كان في أمسّ الحاجة لابنه في ذلك العمر الكبير و كيف قام بطرده بطريقة غير مباشرة فهمها الأب المسكين و اختفى من حياة ابنه دون مقدّمات.

الزوجة الشريرة فرحت بانقطاع الزيارات فيما الحفيد تكدّر لأنه يُحبّ جدّه     و الهدايا التي كان يجلبها له ككلّ جدّ يُسعد أحفاده و لو بقطع شوكولاطة أو حلوى.

و بعد ثلاث سنوات يمرض الأب المسكين بمرض ألزمه الفراش، و عندما وصل الخبر إلى الابن صحا من نوم الغفلة الذي كان فيه و شعر بتأنيب الضّمير ليسافر مسرعا إلى أبيه بعد أن أحسّ أنه على وشك أن يفقده.

لكن ماذا ينفع النّدم هنا؟

و بعد الكلمات التي سمعها من والده دمعت عيناه و هو يُدرك مدى الألم الذي سبّبه لوالده من معاملته القاسية له.

لكن هل تكفي الدّموع لتُداوي جراح القلب الغائرة و الدّامية؟


في الأخير:

المجموعة القصصيّة (من عبق الماضي) تحتوي على 24 قصّة تُسافر بنا تارة إلى الماضي الجميل في البيوت الدمشقية بباحاتها الجميلة بحديث الأمّ و قصص الجدّ الرائعة، و تارة إلى مرحلة الطّفولة و الشّباب للكاتب نفسه و تارة أخرى إلى هناك حيث غُربته في بلاد الثّلج فيسرد علينا مُعاناة المغترب، و أحيانا أخرى يتحدّث بلسان غيره، كما جعلنا نعيش حزن الأمّ في غربتها و حنينها لبيتها العتيق أو كما فعل مع الشّجرة، و قصّة ندم الإبن العاقّ بعد فوات الأوان لما فعله مع والده أو مأساة سوسن في قصّة (همسات النّفس الجريحة) التي اختتم بها مجموعته القصصيّة.

بصراحة الكاتب (جورج عازار) أبدع كثيرا في أوّل إصدار قصصي له لأنّ القارئ يقرأ القصص بعاطفته و يتأثّر كثيرا بما جاد به قلم الكاتب من إبداع رصين يجعلنا نعيش كلّ قصّة لأنها تحكي الحقيقة الإجتماعية المُعاشة حولنا       و فينا و بيننا كلّ يوم  في حياتنا اليومية.

تكريم رواد السياحة الدينية فى امسية مصرية سعودية




القاهرة اشرف علي 

نظم القائمون على فندق أنوار المدينة موفنبيك- التابع لمجموعة سياد القابضة السعودية- احتفالية ضخمة بأحد فنادق القاهرة، لتكريم شركاء النجاح من شركات الحج والعمرة والتى يزيد عددها على 150 شركة. 

ويستحوذ فندق أنوار المدينة موفنبيك علي النسبة الأكبر من استضافة الأفواج القادمة من كافة محافظات مصر، ولذك عمد المسئولون عن الفندق على تنظيم هذه الاحتفالية، لتكريم شركات الحج والعمرة التى ساهمت ولعبت دورًا هامًا فى تحقيق هذه النجاحات.

جاء ذلك بحضور المهندس مهند خوقير الرئيس التنفيذي لشركة سياد القابضة، والمهندس ملهم خوقير نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الفنادق ومشاريع الضيافة، وعادل بيبرس مدير عام أنوار المدينة موفنبيك، وعمرو العاصي النائب التنفيذي للمدير العام، وناصر ترك عضو مجلس إدارة ونائب رئيس اتحاد الغرف التجارية، عضو الإدارة العليا للحج والعمرة، وهشام أمين عضو لجنة تسيير أعمال غرفة الشركات السياحية،عضو الإدارة العليا للحج والعمرة، بجانب قيادات غرف السياحة الدينية فى مصر.

وقد أشاد الحضور بجهود المملكة العربية السعودية وما تقدمه للحجاج والمعتمرين طوال العام من خدمات ورعاية متكاملة على كافة المستويات.

ومن جانبه قال المهندس مهند خوقير، إننا نولي عملائنا في كل أنحاء العالم أهمية خاصة ونسعي دائمًا لمد جسور التواصل معهم للحفاظ علي نجاحنا وترك انطباعات جيدة لدي الحجاج والمعتمرين، مشيرًا إلي أن أنوار المدينة موفنبيك يمتلك من المقومات مايجعله في مقدمة الفنادق، حيث يضم أكثر من1292، غرفة وجناح، كما أنه يستحوذ علي أكثر من ٣٠٪ من الطاقة الفندقية الفاخرة بالمدينة المنورة، بجانب امتلاكنا فندق «سجي المدينة» ذو الأربع نجوم بخدمات خمس نجوم.

وأكد أن أنوار المدينة موفنبيك هو الخيار الأول للمعتمرين والحجاج من مصر، حيث الخدمات المتميزة والمطاعم العديدة التي تلبي أذواق المصريين بمختلف أطيافهم، بالإضافة إلي وجود نخبة من المعارض لأكبر الماركات العالمية، فضلًا عن أكبر سوبر ماركت في المدينة المنورة، وكل ذلك داخل مبني واحد.

وأشار إلى أن مجموعة «سياد القابضة» المالكة للفندق تضم شركات شقيقة للنقل وتنظيم برامج العمرة مثل (إيزي عمرة)، كما أنها تتمتع بخبرات طويلة في الإعاشة والتغذية.

وتعليقًا علي الحفل الذي أقيم في أحد فنادق القاهرة قال المهندس ملهم خوقير: نحن سعداء بهذا التعاون مع شركاء النجاح في مصر الذين يفضلون أنوار المدينة موفنبيك بما لديه من مقومات تدعم جهودهم مع عملائهم.

وفى نهاية الاحتفالية قام المهندس مهند خوقير بتوزيع الأوسمة والجوائز علي وكلاء الحج والعمرة، وهو الأمر الذى قوبل بترحاب كبير من قبل الحضور، الذين أشادوا بالمميزات المتعددة التى يتمتع بها فندق أنوار المدينة موفنبيك، إضافة إلى القدرات الفائقة والإدارة الرشيدة التى يتمتع بها القائمون على الفندق.


بيان هام من الدكتور عدنان الظاهر الى مسؤولين عراقيين حول هيئة التقاعد الوطنية


في 17/11/2022 

إلى الذوات المحترمين :

1 ـ رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني

2 ـ السيّد وزير المالية

3 ـ رئيس هيئة التقاعد الوطنية السيد أياد الجبوري

أَيُعقلُ أنْ يحدث اليوم في هيئة التقاعد الوطنية العراقية الذي حدث معي وأنتم لا تدرون بما يحدث في إحدى مؤسسات الدولة العراقية ؟ أعرض أمامكم ما حدث لي والحكم لكم :

1 ـ راجعت في التاسع من شهر تشرين الأول من هذا العام القسم رقم 37 / القسم المسؤول عن إضبارات المتقاعدين المدنيين لمتابعة موضوع مستحقاتي التقاعدية لأكثر من عامين. طلبت مني إحدى الموظفات في هذا القسم إستصدار ماستر كارد مصرف الرافدين لأنَّ [ كي كارد ] الذي أحمل لم يعدْ صالحاً.

2 ـ سارعت للحصول على ماستر كارد الخاص بمصرف الرافدين ودفعت مقابل ذلك 20 الف دينار.


3 ـ راجعت في اليوم التالي الموافق 10 / 10 / 2022 القسم رقم 37 لتفعيل الكارد الجديد ففاجأتني ذات الموظفة التي طلبت مني قبل يوم الكارد الخاص بمصرف الرافدين أني محسوب على مصرف الرشيد لذا يتعين عليَّ إستصدار ماستر كارد آخر من شركة النخيل لأنَّ مصرف الرشيد لا يقبل مني إلاّ هذا الكارد !؟

4 ـ راجعت فوراً وفي نفس اليوم موظفي شركة النخيل في مبنى هيئة التقاعد الوطنية / الطابق الأرضي فقال لي أحد الموظفين هناك إنَّ الأمر هذا يستغرق عشرة أيام إلى أسبوعين وطلب مني ترك رقم تلفون لديهم للإتصال بي وإخباري بما يستجد.

5 ـ مرَّ أسبوعان وراجعت قسم النخيل فأخذت موظفة هناك [ أظن اسمها حذام / حذامي ] هوية التقاعد الخاصة بي وراجعت بها السيد عامر [ أو عمّار ] .... خرجت من مكتبه وفاجأتني بأنَّ السيد عامر قد أفاد أنَّ صدور كارد النخيل لا يتم إلاّ منتصف شهر تشرين الثاني 2022 !؟

6 ـ حاولت مقابلة السيد رئيس هيئة التقاعد الوطنية وانتظرته في مكتبه الخاص لأكثر من ساعتين حتى ظهر موظفٌ سائلاً : مَن السيد القادم من ألمانيا ؟ أجبته أنا. أخذني معه إلى مكتبه واتصل بموظفين آخرين تداولوني بود وحرارة لأنتهي في قسم الحاسبة المركزية حيث أفاد موظفو إستقبال هذا القسم أنَّ مستحقاتي التقاعدية ماشية وستكون جاهزة يوم الأحد القادم . كم هي هذه المستحقات وإلى أي مصرف تم تحويلها ؟ لا جواب سوى أنهم أكدّوا أنَّ السحب يتم بكارد مصرف الرافدين الجديد الذي معي. في مكتب السيد رئيس الهيئة أفاد مسؤول قابلني هناك أنهم لا يتعاملون إلاّ مع ماستر كارد مصرف الرافدين ولا علاقة لهم بشركة النخيل.

من هذا يتضح أنَّ في هيئة التقاعد الوطنية  قسمين منفصلين لا يعرف أحدهما ما يجري في القسم الآخر : القسم رقم 37 يؤكّد على العمل مع شركة النخيل والقسم الآخر يؤكد أنَّ التعامل مع كارد مصرف الرافدين فقط ! ما هذه الشيزوفرينيا الوظيفية في دائرة واحدة  علماً أنَّ المصرفين كليهما حكوميان ؟

7 ـ راجعت القسم رقم 37 وطلبت من السيدة [ إنتصار ] معرفة حقيقة وضعي وكم حوّلتْ من مستحقاتي وإلى أي مصرف تم التحويل ؟ قالت حوّلنا إلى مصرف الرشيد وهذا المصرف يعرف كم حوّلنا لك ! لم يكن معي بعد كارد النخيل.


8 ـ في التاسع من شهر تشرين الثاني راجعت قسم مجموعة النخيل وزرت السيد عامر ففاجأني أنَّ كارد النخيل الخاص بي جاهز لديه [ بعد مرور شهر كامل ] ! ناولني إيّاه ولكن   بدون تفعيل ورقم سري   PIN 

 قائلاً غداً ظهراً نوافيك به على رقم التلفون الذي تركتَ معنا. وبالفعل إتصل مشكوراً السيد عامر وذكر لنا الرقم السري في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الخميس الموافق العاشر من شهر تشرين الثاني . ما منع السيد عامر من تفعيل كارد النخيل بوجودي في مكتبه بدل الإنتظار حتى إلى ما بعد ظهر اليوم التالي ؟ 

هل يعرف السادة موظفو هيئة التقاعد الوطنية كم تكلّفني إقامة اليوم الواحد في بغداد قادماً للعراق من أصقاع بعيدة متخذاً من أحد فنادق بغداد سكناً لي وقد إستغرقَ الحصول على كارد النخيل شهراً كاملاً ؟

المهم وبعد كل هذا التعب وما دفعتُ من مصاريف يومية جاءتني مخصصات تقاعدية لشهر واحد فقط [ تشرين الأول 2022 ] مقدارها 500 دولاراً خالية من مخصصات شهادة الدكتوراه ! يا ناس يا سادة يا مسؤولون كباراً وصغاراً هل تدرون كم كلفتني سفرتي هذه واضطراري للبقاء شهراً كاملاً في العراق منتظراً رحمة مَن لا يعرف الرحمة ولا يستحقها أصلاً ؟ متى تُصلح الأمور وتأخذ حقوق الناس مجراها السوي من غير عَنَت وجهد ومشقّات وتأخيرات لا لزوم لها ؟ هل حقاً نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين ولدينا إنتخابات برلمانية ودستور ومجلس وزراء وكيان دولة عصرية .... هل حقّاً ؟

لا أتكلم عن الرؤوس المتورّمة مرَضاً والأنوف المتيبّسة لدى الكثير من موظفي وموظفات هيئة التقاعد الوطنية حيث الإجابة بالإشارات وبأسلوب فوقاني بغيض والويل لمن يُعيد سؤاله لوقرٍ في أُذنيه مثلاً حيث السكوت المطبِق أو الصرخة العالية. في كل مراجعة أحسُّ كأني شحّاذ أستعطي ولستُ مواطناً يطالب بحقوق يكفلها له القانون.

فيا مسؤولون ضعوا حداً لهذه المهزلة ـــ الكارثة وأعيدوا للإنسان العراقي حقه الطبيعي وكرامته.

أستاذ دكتور عدنان عبد الكريم ظاهر الظاهر

المانيا.

Dr. Adnan Al- Dhahir

Fischer von Erlach Str.27

80689 München

Deutschland   


فادي اللوند يتلقى رسالة شكر من النقابة ويشكر المرتضى



تلقى الفنان فادي اللوند مؤسس ورئيس مهرجان الأمل السينمائي الدولي في الاتحاد الأوروبي، تلقى رسالة تهنئة رسمية من نقابة ممثلي المسرح والإذاعة والتلفزيون في لبنان، بشخص النقيب نعمة بدوي وأعضاء النقابة، لتكريمه فنانين من لبنان، ولما قدمه للفن من لبنان الى عالم الاغتراب.

رد فادي اللوند على شهادة النقابة بقوله: “رسالتكم شهادة أعتز وأفتخر بها من بلدي الحبيب لبنان، وأشكر نقابة ممثلي المسرح الإذاعة السينما والتلفزيون في لبنان وإدارتها الموقرة وعلى رأسهم نقيب الممثلين الأستاذ الفنان نعمة بدوي وكامل أعضاء الإدارة المحترمين والسادة الزملاء المبدعين، أشكركم على مجهوداتهم الجبارة لدعم ومساندة الفن و الفنانين والمثقفين في بلدنا الغالي”.

وتابع اللوند: “كما أعود وأشكر وزارة الثقافة اللبنانية الكريمة وعلى رأسها معالي وزير الثقافة اللبناني القاضي محمد وسام المرتضى على الوقف إلى جانب أبناء الوطن وتقديم الدعم المعنوي لهم في ظل هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها وطننا الحبيب بجميع أطيافه، داعياً المولى عز وجل أن يبارك في هذا البلد الكبير الغالي وأن يتخطى هذه الأزمات ويعود منارة مشعة في المنطقة العربية، وأن يعمّ الأمن والأمان والرزق الوفير على أبناء شعبنا الحبيب الغالي". 

مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة في ذكراه


 في ذكرى ميلاد المطران العلاّمة ميخائيل الجَميل- الغائب بالجسد- (المعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي على أوروبا وعضو مجمع القديسين في الفاتيكان) استذكرت مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة أعماله وخطاباته الانسانية وحواراته الحضارية ومقالاته وأبحاثه الانسانية والاجتماعية والثقافية واللاهوتية والتاريخية.

وفي ذكراه عقدت لقاءات ثقافية اجتماعية أكدت على أنه كان على تواصل مع مختلف الثقافات، ومشدداً على أهمية التحاور كسبيل لتقريب الانسانية من بعضها البعض، مع احتفاظ كل حضارة على خصوصيتها وتكوينها وتفاعلها الايجابي مع محيطها.

وقد كان للعلاّمة الجَميل لقاءات وحوارات مع العديد من الشخصيات الفكرية والأدبية في سبيل تفعيل دور لبنان الحضاري، من بينها: الأديب ميخائيل نعيمة والشاعر سعيد عقل والفقيه القانوني إدمون رباط والفيلسوف روبير غانم والقاضي الدكتور يوسف سعدالله الخوري والأديب توفيق السمعاني وسواهم من الشخصيات.


الأسير " أسامة الأشقر يدخل عامه الواحد والعشرين بالأسر

 


بقلم: منار خلاوي


 يصادف اليوم الأثنين 14|11|2022م ذكرى اعتقال الزميل الصحفي والكاتب الأسير أسامة الأشقر من بلدة صيدا شمال طولكرم، والذي يدخل عامه ال 21 في الأسر لينضم بذلك إلى قائمة عمداء الأسرى الفلسطينيين، والتي يدخلها بعد سنوات طويلة من الإرادة والتحدي لبطش السجان ورطوبة جدران مقابر الأحياء.

فبكل ما أوتي من عزيمة وإصرار انتفض على واقع الأسر، ورفض بأن يكون مجرد رقماً طي النسيان، فاستل قلمه فكتب فأبدع، وكان نتاج مشروعه الثقافي إصدار كتابه الأول "  للسجن مذاق آخر"

 والذي تحدث فيه عن تفاصيل رحلة الاعتقال منذ اللحظة الأولى حتى لحظة التحرر، وما يمر به الأسير خلالهما بعضها الحزين وبعضها الآخر سعيد

 . وهو الآن يستعد لإطلاق كتابه الثاني، الذي أثبت فيه بأن الفلسطيني ما زال كطائر العنقاء، ينهض من بين الرماد، والأحكام المؤبدة والأقفال لينبعث من جديد يراسل مئات الشخصيات الفلسطينية والعربية والأجنبية، من مختلف أنحاء العالم ، هذا إضافة لكتابة مئات المقالات، ونشرها في عدد كبير من الصحف والمجلات والمواقع المحلية والعالمية، وإعطاء الدورات التثقيفية المعنية، بمختلف المجالات داخل الأسر، ليقوم بالخطوة الأكبر في التمرد على واقع الأغلال حيث أعلن ارتباطه بزوجته منار خلاوي.

 الأشقر رغم الثماني مؤبدات التي ظن الاحتلال واهما بأنه قد أفقده حياته وحوله لظل منسي بعد عامين من المطاردة، إثر التحاقه بركب كتائب شهداء الأقصى خلال الانتفاضة الثانية، حينها كان يبلغ من العمر عشرين عاما فقط وحكم عليه بالسجن المؤبد ثماني مؤات وخمسين عاماٍ، بسبب مسؤوليته عن تنفيذ عملتي ميتسر وحرميش عام 2002

عام جديد وأمل متجدد لعله يكون العام الأخير بالأسر.


"ضوء آخر" روح شِعري قلِق، متأمِّل ومتألِّم


ـ د. محمّد مسلم جمعة.  

مجموعة "ضوء آخر" هي من جديد الشاعر شوقي مسلماني ـ الأسترالي اللبناني الأصل ـ  تتألّف من ثلاث "حركات"،  يستهلّها قائلاً: "تدعوه إلى العقل \ يدعوك إلى علم الكلام"، وشتّان ما بين طريق العقل وبين طريق علم الكلام، فالأوّل يتّسم بالحسم تثبيتاً لقاعدة وهي ثمرة المقارنات ما بين الأدلّة والوقوف على الأحكام وصولا إلى حجّة تستند إلى قواعد المنطق، بينما علم الكلام يأخذك إلى متاهات لغوية تستند إلى اشتقاقات وما هو مجازي وحمّال أوجه. 

وتبدأ رحلة البحث في الوجود المعيوش بدءاً من "قطرة دم" وولادة كائنات تمّ تشكّلها وفق تميّز وخصائص.. لتنتهي للقول أنّ "اليوم الأوّل \ يحمل في أحشائه اليوم الأخير" . 

المجموعة تنظر في ما تنظر بمسألة الموت وبكلّ التحديات الكبرى، إلى البحث بقوننة الصدفة، إنّها جهد فلسفي بروح شعري قلق، متأمّل ومتألّم جراء التنافس الوحشي المتمظهر بفعل الإستغلال الطبقي ونهب حقوق العمال وأشكال استغلال المرأة واستشراس الحرس القديم البالي والعنصريّة المتفلّتة بإطلاق وكلّ مذاهب الجشع و"القتل بالتجويع".. بأسلوب متميّز عمّا نقرأ.  

وفي ما يلي الحركة الأولى من المجموعة وهي كما يقول collage ـ "كولاج": أجنحة، نظرات وكلمات:   

"القبضةُ 

شديدةُ التملّك  

وقاسية. 

**


تدعوهُ إلى العقل 

يدعوكَ إلى عِلمِ الكلام. 

**


مِن مكانٍ وفي زمان 

بدأتْ قطرةُ الدمِّ تدخل في طَورٍ أوّل

وتماماً مثلما هذا يسبح وذاك يركض 

وهؤلاء يطيرون وأولئك يزحفون

وما بين الكلّ من تبادل في الأدوار 

لأنّ القسوة ولأنّ الرِقّة   

و"اليومُ الأوّل يحملُ في أحشائه اليومَ الأخير" 


من مكانٍ وفي زمانٍ 

أطلّ الموتُ أوّلاً 

وهذا من سبب تسلّطه بهمجيّة 


وكلّما ابتعد اقترب    

وكلّما اقترب ابتعد.  

**


حظُّه  

سيئ أم حسن 

إذا لا حظَّ له؟. 

**


الصدفةُ 

يبحثون لها عن قانون. 

**


الكلُّ  

خطأُ الكلّ. 

**


مِنْ أينَ تبدأ؟   

مِنْ حافّةٍ في الرأس؟   

مِنْ فوّهةِ بركانِ الرأس؟          

مِنْ مكْرِ الرأس؟   

مِنْ كراماتٍ للرأس؟    

مِنْ شظيّة؟..  

وفي الرأس مَن يستأصل بدأب 

زهرةَ الحياة..    

وفي الرأس ثعلب 

وفي الرأس أخرق 

وفي الرأس خواء وصداه 

وفي الرأس نصفُ الرأس 

ما خلفَ ظهرِ الرأس 

وديكُ الرأس..    

أم تبدأ ممّا في الرأس 

يختبئ ذعراً مِنْ كثيرِ ما يكون؟        

مِنْ بكاء أم ممّن 

يتردّد في أن يكون وجهاً؟       

أم ممّا في الرأس مِنْ أوبئة 

وكأس محطّم؟..      

أمامكَ كاتم صوت 

من يفتخر أنّه بلا صوت  

من لا ينتبه أنّه بلا صوت 

مَنْ يصلّي لكي لا يكون له صوت  

ومَنْ يقسم إذا صوتٌ  

سيعدمه عمرَه صلباً، حرقاً، شنقاً 

وفي الطريق عيون وقحة 

تبتسم، تلدغ، تتثاءب وتنام.  

**


العدَمُ يعملُ 

على أكثر مِن خطّة.     

**

 

إنّه في صندوق منذ 17 يوماً 

يا ابن آدم إفهمْ، في صندوق منذ 17 يوماً 

وقبل أن يغلَقوا عليه أعطوه رغيفاً وتنكةَ ماء   

أتعرف يا ابن آدم؟ سأذهبُ إلى المرقّط 

حاملاً زجاجةً وكأسين، سأشربُ نخبه 

سأصيح: "بوركَ فيك"    

ورأسِكَ الشريف سأرفعُ يدِي 

التي تحملُ الكأسَ 

وهي اليمنى بالتأكيد 

كأنّي أرفع المشعل 

وسأقولُ بانصياعٍ وفخر: "بورك فيك"  

سأصهل، سأسابقُ الريحَ، سأدخل عليه 

سأرفعُ يدي اليمنى وأؤدّي التحيّة  

وسأقولُ لذاتي: "استرحْ" وسأستريح 

و"انصرفْ" وسأنصرف  

سأحلمُ أنّي أقوم بالواجبات..  

هو في صندوق ليتعلّم الأخلاق  

"خذِ الخبزَ والماء، قالوا

رحلتك يا مسكين طويلة"    

ورأسِكَ الشريف 

هذا كلّ ما في الأمر. 

**


ليس من واجبي 

أن أجرِّعَ وطني كأسَ السمّ.  

**


الكاميكازي   

أهدافُه عسكريّة. 

**


المهمّة جديرة 

أن تسلِّطَ ضوءاً 

على ذهاب وإياب. 

**


عمّا تبحث فيما تقول  

عمّا تبحث فيما تقلق وتأرق  

فيما ترقد وتتأمّل  

عمّا تبحث 

فيما ترسم وفيما تكتب 

عمّا تبحث؟.   

**


عمّا تبحث 

عندما تدمع حزناً 

عمّا تبحث 

عندما تدمع  فرحاً  

عندما تشير إلى جهة 

أو عندما تكاد تختنق  

وعندما بأعلى صوتك 

تضحك 

عمّا تبحث؟.  

**


الحواسُّ  

هي أعلى وهي غيرها 

في المرّة الثانية.    

**


الطعنةُ  

هي ذاتها 

وفي الموضع ذاته 

أبعد غوراً.  

**


"العددُ الإجمالي 

هو 6 بليون إنسان  

ونحن في مطلع 2000 

وكثيراً قد يبلغ العدد عام 2050 

لا أقلّ من 10 بليون   

وبصمةُ كلِّ فرد تتّسع برّاً، بحراً، وجوّاً 

وبعدُ يقولون: "كونوا مثمرين. تكاثروا وانتشروا"!.   

**


النقصُ فادح 

في نسبةِ الأوكسجين.  

**


"وحده الذي يخجل 

هو الإنسانُ الإنسان". 

**


ماذا 

تفعل ها هنا 

يا سليلَ الفراغ؟.  

**


اقتربتَ 

مِنْ مسألتكَ 

مع الذين يرمونكَ  

في جبّ  

يتّهمونك 

أنّكَ رأس قليل 

أو موت جوّال ـ  

وأخطرُ العضّ هو 

أن تعضَّ يدَك ـ   

يرمونك 

أنّك ترمي عينيك 

لأسماك البورانا ـ 

أخطرُ العضِّ 

هو أن تعضَّ يدَك..    

وعندما تغمز للمخلب.  

**

 

الوقتُ 

"يويو" في يدِ الزمن 

نزولاً، صعوداً 

لئلاَ يشعر بالملل. 

**

 

وجوه ذاهلة 

الحرارةُ فوق الأربعين 

لا قطرةَ ماء، المشهدُ يتكرّر 

شِباكُ صيّادي السمك في البحارِ البعيدة 

لا تزال ترفع عظاماً بشريّة 

لا، لا نفعَ بعدُ 

من رفعِ تقارير للجهات الحكوميّة المعنيّة 

الحرائق في الوجوه 

من أثرِ خليطِ الملح والنفط 

من أثرِ نفاقِ العالم 

لا، لا تقلْ أنّي أسأتُ فهمك 

أنّك لا تكره 

أنّ القلوبَ تقسو مرّات 

أنّك تطلق الرصاص فوق رؤوسِهم 

لجماً للإكسودس ـ للرحيل الأعظم 

فقط قلْ أنّهم لا يشبهونك.  

**


إقتصادٌ صناعيّ 

إقتصادٌ زراعيّ، إقتصادٌ ريعيّ 

التنافسُ في الوحشيّة 

المالُ السياسي، الإستغلالُ الطبقي 

حقوقُ العمّال، الضمانُ الصحّي 

وحقوقُ المرأة التي على ظهرِها مَجرَّة.  

**


طبائعُ الإستبداد 

السقوطُ، الإستغلال 

السابقُ، اللاحق، قلةُ الرحمة 

من لا يروّعهم أن تقسو قلوبُهم 

عبيدُ النخاسةِ ، ثقوبُ القديمِ  

القِيمُ المتخثِّرة والوجوه التي تقطر سمّاً.  

**


المنطِقُ الأخضر 

المنطِقُ الأزرق، الأصفر  

الأحمر، الرمادي 

اليانع، المانع 

المفترِس، اللطيف 

الكثيف، المبحِر 

والمنطقُ الرمل. 

**


السؤال! 

هو إذا "المحرقة" 

تعني أنْ يحرقوا شعباً آخر؟. 

**


لا فراشة:  

لإنعاش الطقس.

**


التشظّي   

في الإتّجاهات كافّة. 

**


مجنون في الوسط 

مِنَ حيّز مأهول بالرمل. 

**


كلُّ جهة 

ليست أقلّ قسوة.  

**


"الوعيُ الزائف 

أحدُ العراقيل بوجهِ الغد". 

**


"العقلُ الغائب 

لا يرى الفكرةَ الحاضرة". 

**


في النفق! 

ليلٌ طويل ينام". 


التماهي في ديوان "على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت"[*] للشاعر فراس حج محمد


رائد الحواري| فلسطين

من يتابع إصدارات فراس حج محمد يجدها دائما تضم ما هو جديد، فهو يحرص على أن لا يكرر ذاته، وأن يكون عمله فيه ما هو غير مألوف، وديوان "على حافة الشعر" يأتي ضمن هذا الاطار، فالديوان هو أقرب إلى مجموعة من الدواوين، ليس لأنه يأتي في مواضيع متعددة، وبلغات مختلفة فحسب، بل لأن كل قسم من الديوان يشبع القارئ ويملأه بالمتعة، بحيث ليس من السهل تناوله في جلسة واحدة، فحالة (التخمة) التي تصيب المتلقي عند قراءة أقسام الديوان تجعله (يعزف) عن مطالعة أي شيء مكتوب، وكأنه أمام نص مقدس/ نص مدهش لا يتيح لمن سواه أي مساحة أو مكان. 

بداية؛ سنحاول التوقف عند ما جاء في أقسام الديوان، ولكن قبلها ننوه إلى أن الشاعر يستحضر عناصر الفرح مجتمعة، المرأة، الكتابة، الطبيعة، التمرد، فعندما يتحدث عن المرأة نجده يقدمها بصورة مطلقة، وكذلك الحال عندما يتناول الكتابة/ الشعر، جاء في "الشعر سيدنا الأجل" (ص13): 

يا سيّد الشعر إنّ الشعر يعتذرُ

  إذ ما نطقتَ تجلّى السحر والقدرُ

  فاكتب قصيدك إكراماً لشجو سنا

  واقرأ علينا فإنّا بعدُ ننتظرُ

  واملأ كؤوسك بالألحان علّ هوىً

  من غائب الشخص يتلونا فننبهرُ

  أطربْ مسامعنا أخلصْ بمتعتنا

  إنَّا للحن قصيد الشعر ننتصـرُ

  أسمع حبيباً جرى في الغيم غائبهُ

  لكنّ حضـرته في روحنا قمرُ

  

إذا ما توقفنا عند هذه القصيدة، نجد أن الشاعر متماهياً مع القصيدة، فالعنوان "الشعر سيدنا الأجل" نجده حاضرا في البيت الأول من خلال تكرار "الشعر"، ومن خلال استخدام ألفاظ متعلقة بالشعر: "نطقت، فأكتب، قصيدك/ قصيد، وأقرأ، يتلونا، مسامعنا/ أسمع"، وإذا ما دخلنا إلى عمق القصيدة نجد أن المذكر "الشعر" ينعكس على القصيدة كاملة، بحيث لا نجد أي لفظ مؤنث باستثناء "غائبة"، فالشاعر استبدل بالقصيدة "القصيد"، ولم يكتف بهذا، فنجده يجمع الغيمة "الغيم" كتأكيد على حالة التماهي بينه وبين القصيدة، فجعله "الشعر" يتماهي مع المذكر متجاهلا الأنثى بصورة شبه مطلقة، رغم أن فراس (غارق) (بـ ) و (مع) و (في) الأنثى، لكن الشعر استطاع أن يجعله يتخلص من (جنون) الأنثى، ويجعله يتوحد مع الشعر/ الكتابة. 

وأحيانا تكون المرأة هي المولدة/ الموجدة لبقية عناصر الفرح، وأحيانا تكون الكتابة. ففي قصيدة "الشعر سيدة لسيدة الشعر" كانت الكتابة/ الشعر هي من أوجد المرأة وأعطاها حضورا بهيا (ص15): 

الشّعر سيّدةٌ زهراءُ هائمةٌ

  تختالُ زهوتُها بينَ البساتينِ

  تمشـي بأحْرُفِها في غُنْجِ فاتنةٍ

  تسقي الورودَ بأقداحِ الحساسينِ

  وتعزِفُ الفردَ من ألحانِ نشْوَتِها

  جَذْلى يعانقُها بوْحُ الأَفانينِ

  

نلاحظ أن الشاعر يقرن المذكر/ الشعر بالأنثى، بحيث يجعلهما في مكان/ حالة/ زمن واحد: "زهورها/ البساتين، الوردة/ الحساسين، تعزف/ ألحان، يعانقها/ الأفانين"، وإذا ما توقفنا عند ألفاظ  المذكر والمؤنث نجد أن الغلبة للأنثى التي تهيمن بصورة واضحة على القصيدة.

ونلاحظ أن الشاعر يستحضر أيضا الطبيعة التي نجدها في: "زهراء/ زهورها، تسقى، الوردة، الحساسين، وبهذا يكون الشاعر قد استخدم ثلاثة عناصر للفرح، الكتابة/ الشعر، المرأة، الطبيعة.  

في قسم منمنمات تماهى الشاعر مع "المنمنمات" التي تتكرر فيها حروف الميم والنون، بحيث نرى هذا التكرار حاضراً في القصائد، جاء في قصيدة "منمنمة على شغاف القلب" (ص29): 

أتت على فرعين من لغةٍ

محمّلةً بوهجٍ

مثل موجٍ

طائراً غنّى على برْجٍ

وهاجْ

حطّت على فرعي

ومعي معي

وتسرّبت في أضلعي

مثل ألسنة السّراجْ

قطفت من الشّفتين كِلْمةْ

ومن القلب المضمّخ شمّهْ

ومن العناقِ على العناق أمتعَ ضمّةْ

مثل ماء الوصلِ في صفو امتزاجْ

هناك ألفاظ متقاربة في لفظها ومتجانسة: "بوهج/ موج/ برج/ هاج"، وألفاظ متكاملة: "محلقة/ طائرا/ حطت"، وهناك لفظان يعطيان مدلولاً ثنائياً: "فرعين/ الشفتين"، وألفاظ  تتكون من حروف مكررة،: "المضمخ"، وهناك تكرار في ألفاظ "معي/ العناق" كل هذا يشير إلى أن الشاعر متوحد مع شكل لفظ "منمنمات"، وما فيها من ألوان الجمال. 

في قسم "إللات: محاولة في القفز على حواجز اللغة، يتناول الشاعر مجموعة من الشخصيات، منها "أميرة الوجد مرة أخرى (ش. ح)" ص97 و98: 

هيَ امرأةٌ تحبّ الشتاءَ اغتسالَ المطرْ

وتمشي فراشة ناعمة الخطوات مع خيط السحابْ

تحبّ سماع الأغنيات الهادئة

وإيقاع الحفيف مع الشجرْ

تجدّد نفسها بغيمة هاطلةٍ، جامحةٍ مثل فرسْ

تشعر أنّ الله فيها قطرة متدلّيةٌ

تجوب الشوارع لينجب فيها الغيمُ وصلته القادمة

وترسم في المدى شارتها اللولبيّةَ

تتهادى مثل نغمة متتالية

في معارجها القصيّة مثل نور ملكْ

تخفّف حرّ صيف متهدّل يزعجها

كأنّ هذا الشتاء لها وحدها دون سرب حمام وغيومْ

تقدّ لي حرفين من شغفٍ ومن شرفٍ ومن شبقِ الشفقْ

من شروق الشين في فاءِ الفلكْ

لغة حميميّة الدفء وصلاً ورضىً

امرأة المدينة هذا اليوم سرّ الله في هذي المدينةْ 

شاديةٌ وشافية وشاهدة وشامة غرّاء في وجه الألقْ

تعتنق الومقَ المتصبّب منها 

كلّما احتدّت محاني الماءِ ضوّعها العبقْ

يمكننا القول أن علاقة الشاعر بهذه المرأة كان في فصل الشتاء لوجود ألفاظ: "الشتاء (مكرر)، مطر، السحاب، بغيمة/ الغيم/ غيوم، هاطلة، قطرة، الماء"، وأن تعلقه بها كان شديد الوقع عليه، لهذا نجده متأثرا باسمها من خلال كثرة الألفاظ التي تتكون من حرف الشين: "الشتاء (مكرر)، تمشي، فراشة، تشعر، الشوارع، شغف، شرف، شبق، الشفق، شروق، الشين، شادية، شافية، شاهدة، شامة"، واللافت أن  غزارة حرف الشين جاء بعد أن ذكر الحرفين اللذان يكونان اسمها:

شغف ومن شرف ومن شبق الشفق 

من شروق الشين في فاء الفلك

وبعد أن ذكر لفظ "حميمة" الذي فيه تكرار حرف الميم الذي يعطي معنى التماهي مع الآخر، نجده ينساق بطريقة (مكشوفة/ مجنونة) مع الاسم: 

"شادية وشافية وشاهدة وشامة غراء في وجه الألق"، ولم يقتصر الأمر على حرف الشين فحسب، بل تعداه إلى تعلقه بلفظ "الألق" الذي نجده في:  

تعتنق الومق المتصبب منها 

كلما احتدت محاني الماء ضوعها العبق

فنجد "الألق، تعتنق، الومق، العبق"، كل هذه الألفاظ التي ختمت بحرف القاف جاءت بأثر "الألق" المتعلق باسمها "ش. ح"، وإذا ما توقفنا عند مضمون القصيدة والألفاظ التي تشكلها، نجد أن هناك تكاملاً بين الألفاظ البيضاء والناعمة وبين أميرة الوجد، فالمعنى جميل وناعم كحال الألفاظ، وهذا ما يجعلنا نقول استخدام الشاعر لعناصر الفرح المرأة، والطبيعة: "فراشة، فرس، حمام، مطر، شفق، شروق، الغيم" والكتابة: "الأغنيات، حرفين، لغة" جعل بياض الفكرة والألفاظ مطلقاً، بحيث يصل القارئ  إلى الفكرة من خلال المعنى العام للقصيدة، ومن خلال الألفاظ المجردة. 

أما في قسم قصائد إلى صوفي فنجد البياض المطلق يعم غالبية القصائد، بحيث نجد الألفاظ الناعمة تخدم الفكرة البيضاء، فالشاعر كان في هذا القسم غارق في اللذة حتى أن البياض كان حاضرا بوضوح، يقول في قصيدة "أبيض أبيض" (ص167): 

و"شَيْءُ" حبيبتي أبيضْ

  كزهر الفلِّ بل أبيضْ

  تفتّحَ في الليالي البيضْ

  كأنّ حليبه الأبيضْ

  يفيض بكأسها البيضاءْ

  شفيف مزاجه الأبيضْ

  فأروي "شيئها" المبيضّْ

  بدفق "عبيريَ" الأبيضْ

  فليس هناك من أبيضْ

  كشـيء حبيبتي الأبيضْ

  

نلاحظ أن لفظ أبيض جاء في صدر وعجز كل بيت، ولم يقتصر الأمر على اللون الأبيض فحسب، بل طال أيضا ما لا يغطي/ يحجب جمال الأبيض: "بكأسها، شفيف"، وهذا يشير إلى وضوح العلاقة بينهما وانكشاف طبيعة اللقاء الذي تم.

وقد تناول الشاعر فعل الجماع من خلال (وضوح الإيحاء) أو (إيحاء واضح): "تفتح، يفيض، فأروي، بدفق"، فهذه الألفاظ كافية لإيصال فكرة اللقاء الحميم بينهما، لكن تكرار لفظ "أبيض"، والطريقة التي قدم بها (أخفى/ غطى) هذا السفور وجعله (يستتر) من خلال مشتقات البياض.

 ويتقدم الشاعر أكثر في قسم "في مديح النهد" نحو جسد المرأة، مبدياً رغبته الجامحة فيه وفتنته بنهديها، (ص201):  

ما أروع هذا الصدر! 

الشق العادل في العدلين 

ما أفخم هذين النهدين! وما 

أجرأ عيني الوالهتين!

وإني أتدحرج عن جبلي

وإني: 

ما أجبن كفي العمياوين!

إذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة نجد صيغة المثنى حاضرة من خلال: "العدلين، هذين، عيني، النهدين، الوالهتين، كفيّ، العمياوين"، وهذا يخدم فكرة النهدين، وأيضا فكرة تعلق الشاعر بالمرأة، فرغم أن هناك (سفوراً) في الوصف، وهذا قد يحرج بعضهم، إلا أن الطريقة التي قدم بها المقطع جاءت مدهشة، فقد لصق "العمى" بالكفين، وأعطى الجرأة (الفعل) للعينين، وهذا القلب في صفات الأعضاء، أو ما يعرف بتراسل الحواس له أثر جميل على المتلقي. 

يختم الشاعر الديون بقسم: "في حبسة الكوفيد التاسع عشر"، حيث جاءت القصائد تحمل مضموناً أسود، قاتماً، يقول في قصيدة: "يا ضباب الغياب لا تبتلعها" (ص232): 

لا شيء في العينين إلّا الحزنُ والدمعُ الكسيرْ

لا شيء في الكلمات إلّا ما تناثر من نزيف الأسئلةْ

نحنُ- الغريبينِ في معاركَ من زمن خجولْ-

بارقتا سؤالٍ ومطرْ

لا تندبي حظّاً تهدهده المسافات الطويلة بالخطرْ

لا تستقلّي مركباً يفضي إلى الطرق البعيدة في متاهاتِ

المجاهيل المدهلزةِ السفرْ

القسوة والسواد حاضران في الفكرة، وفي الألفاظ أيضا: "الحزن، الدمع، الكسير، نزف، الغربيين، معارك، تندبي، بالخطر، البعيدة، متاهات، المجاهل، المدهلزة"، والانتقال من حالة البياض/ الفرح/ الجمال إلى حالة القسوة/ السواد تؤكد أن الشاعر يكتب القصيدة من داخله، وليس بواسطة قلمه، لهذا نجده يتماهى مع فكرة/ موضوع القصيدة التي تُكتبه.

[*] الديوان من منشورات دار بدوي للنشر والتوزيع، ألمانيا، الطبعة الأولى، 2022.