أهمية الأدب الفلسطيني المترجم من خلال كتاب" 48 قصص فلسطينية قصيرة" للدكتور حسام رمضان




الأديبة: إسراء عبوشي

صدر حديثاً عن دار نشر "إنر تشايلد بريس" بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية، كتاب "قصص فلسطينية قصيرة

"Palestinian Short Stories 48 "، باللغة الإنجليزية.

للدكتور والمترجم الفلسطيني: حسام رمضان

ويعد الكتاب عملا وطنياً أدبياً نوعياً، ويضم 48 قصة قصيرة، لـ48 كاتباً فلسطينياً في الوطن والشتات..

نحن هنا نقول كلمتنا ونُسمع العالم لغتنا ليس شرطاً أن نطلق الرصاص ما دمنا قادرين على صُنع الإنسانية، وخلق حوار حضاري ثقافي

علم آخر يرفرف عالياً مع كل اسم من ضمن أسماء 48 كاتب وكاتبة، ألسنا أعلاماً للوطن 

نحن محاربون بلا بنادق، كلمتنا تحمل همّ الوطن، بكافة ألوان الحياة، نحن المظلة لهذا الشعب، نتكلم بلسانه ونروي همومه، لقلم الكاتب القدرة على اختزال الحياة وحصر خطواتها في دروب الأمل، تستحق تلك القدرة أن تترجم وتمثل الحياة الفلسطينية خير تمثيل، من يقوم على ترجمتها فدائي يجيد حمل الوطن في فكرة وقلبه، فكل الشكر للدكتور: حسام رمضان، الذي قدمنا للعالم، بترجمة هذه القصص هو نجاح متفرد أدبياً وإنسانياً ووطنياً.

لقد صنع رمضان لوحة فسيفسائية معنونه ب 48 هي القصة الباهرة التي لا تنتهي، نحن خلفها إلى آخر فصولها “التحرير"

ما دمنا نكتب فلا يمكن لشعلتها أن تنطفئ

هذا الكتاب حلقة وصل بيننا وبين ثقافات الشعوب حضارياً ومعرفياً، مدرستنا الأدبية قصتنا التي نحاكي بها العالم ونزهو بها بترسيخ ثقافتنا

نقلت الترجمة أدبنا الفلسطيني من المحلية إلى العالمية، عبرت كلماتنا الحدود والقارات، رغم أن الأدب الفلسطيني يعاني من قلة الأعمال المترجمة إلى اللغة الإنجليزية، قضيتنا العريقة ورسالتنا المقدسة يجب العمل على توثيقها ليبقى الأدب الفلسطيني ذاكرة خالدة بروايته الحقيقية

. حسام رمضان عرّفنا إلى العالم أدبياً وثقافياً، وحمى الرواية الفلسطينية من التزوير والاندثار. 

وقد استمر العمل على هذا المنجز الفلسطيني ما يقارب الخمس سنوات، إلى أن خرج للنور هذا العام

الدكتور حسام رمضان كاتب فلسطيني مواليد عام 1990م، من نابلس مقيم في ألمانيا وهو خريج آداب إنجليزي من جامعة النجاح الوطنية في نابلس وحاصل على الدكتوراه في الدراسات الإنجليزية من ألمانيا.

رسالة الدكتوراه حملت عنوان: "دور الأدب الفلسطيني المترجم للإنجليزية بالدفاع عن الموقف الفلسطيني أمام العالم"

وهذا هو الإصدار الثالث له فقد صدر له "أرنا وجهك يا حنظلة"٢٠١٩، ورواية " كوما" عن دار يافا للنشر والتوزيع/ الأردن عام 2021 


الرسام اللبناني شوقي دلال أعلن عن إطلاق معرض لوحات بعنوان "من ريشة لبنان، تحية لأمير التلاقي والإنسانية الامير محمد بن سلمان".

 


أطلق رئيس "جمعية محترف راشيا" وامين عام "تجمع البيوتات الثقافية في لبنان" الرسام شوقي دلال مشروعه الفني اليوم بعنوان "من ريشة لبنان، تحية لأمير التلاقي والإنسانية الامير محمد بن سلمان" وذلك من خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر الجمعية راشيا الوادي وبحضور رؤساء جمعيات واندية ثقافية وإجتماعية وفنية.

بعد النشيد الوطني القى دلال كلمة قال فيها: اليوم يشرفني أن أُطلق مشروعي الفني العربي من لبنان حيث أردته ان يكون بعنوان "من ريشة لبنان، تحية لأمير التلاقي والإنسانية الامير محمد بن سلمان". القائد العربي الذي جمع العرب في قمة جدة وأثبت بالفعل أنه رجل التلاقي والإنسانية حيث كَسر الحواجز القائمة بين الأشقاء العرب وجمعهم على المحبة وهذا لم نشهد عليه منذ سنوات عديدة في تاريخ الجامعة العربية فاستحق أن يكون أمير التلاقي والإنسانية وها هو صاحب السمو يُكمل رسالته الرائدة في تثبيت معاني المحبة والتطوير المُرتكز على العلم والمعرفة ومعاني المحبة والإنفتاح الملتزم والتطور في أقصى حدوده.،...

 أضاف دلال : من هذا المنطلق وكرسّام لبناني قمت بإنجاز رسم 100 لوحة فنية من جميع الدول العربية وخصصت منها 28 لوحة من المملكة العربية السعودية وقد تم إنجاز هذا المشروع بالتزامن مع إنعقاد القمة العربية في جدة فكانت هذه اللوحات جامعة من خلال الفن للدول العربية كما جمعها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ، لهذا تلاقى جمع اللون العربي في اللوحات بجمع العرب في القمة وكان هذا المشروع الذي أردته تحية حب وعرفان من ريشتي والفن اللبناني لأمير التلاقي والإنسانية الامير محمد بن سلمان وسوف اسعى في القريب العاجل لإقامة معرض لهذه اللوحات التي تحمل معاني وقيم نبيلة تُعَبّرعن الأصالة العربية الجامعة"...


- في الصورة شوقي دلال خلال مؤتمره الصحافي 


التشكيلية لينا الناصري تروي ذاكرة الرافدين

 




بقلم وعدسة: زياد جيوسي


   لينا الناصري فنانة تشكيلية مبدعة من العراق الشقيق، عرفتها منذ أعوام حين كنت التقيها في معارض الفن التشكيلي أثناء تواجدي في عمَّان عاصمة أردننا الجميل، لفت نظري اهتمامها الدائم بريشتها بتراث العراق وتوثيق تاريخه باللوحة واللون، وحين وجهت لي الفنانة الدعوة لزيارة محترفها وافقت فورا، ولكن هذه الزيارة تعطلت عدة سنوات بسبب سفري المستمر وفترة الكوفيد التي أبعدتني عن عمَّان قرابة عام كامل، وحين عدت لم يكن بالامكان زيارة أحد إلا ما ندر، حتى كانت زيارتي لمحترف الفنانة في بدايات شهر ت 2 للعام الفائت والتي غادرت الأردن بعدها لحوالي ستة شهور متواصلة، وفي زيارتي فوجئت من لحظة دخولي المحترف حتى لحظة مغادرتي أنني في متحف ضم اللوحات والأزياء والقطع التراثية أكثر من وجودي في محترف للوحات التشكيلية.

   الفنانة لينا الناصري تستحق بجدارة صفة أنها ابنة المدرسة التشكيلية العراقية، فهذه المدرسة تعود بجذورها للتاريخ القديم وإن تفاوت نهوضها وانتكاسها حسب الفترات التي حكمت العراق، حتى بدأت النهضة الحقيقية مع بدايات القرن الماضي بظهور فنانين مبدعين وابتعاث بعضهم للغرب لدراسة الفنون في بداية ثلاثينات القرن الماضي، ومن ثم تأسيس المعهد العراقي عام 1936م لتعليم الفنون كمؤسسة حكومية أخذت على عاتقها نشر وتطوير هذه الرسالة الحضارية، وهذه كانت الأسس بعد عودة دارسي الفن مع وجود المعهد للنهضة التشكيلية العراقية، فظهر الجماعات الفنية وبرز مجموعة من عظماء الفنانين الذين أسسوا المدرسة التشكيلة العراقية الحديثة، فتركوا بصماتهم على أجيال عديدة، فكانت الفنانة لينا الناصري حفيدة اولئك المبدعين وابنة المدرسة التشكيلية العراقية المعاصرة.

   اللوحات الفنية التشكيلية تشد روحي أكثر من الابداعات الأخرى، فلفت نظري أن الفنانة تألقت في ثلاثة ابداعات من آفاق الفن التشكيلي: التراث والتاريخ والأسطورة، الواقعية الرمزية، الأمكنة، وفي كل مجموعة من هذه الآفاق شاهدت عدد من اللوحات تراوحت بعددها من بين سبع وخمسين لوحة شاهدتها في محترف الفنانة لينا، وكون العدد كبير فقد آثرت أن اختار بعض اللوحات لتعبر عن شقيقاتها في كل أفق من هذه الآفاق: 

  الأفق الأول/ التراث والتاريخ والأسطورة: وقد شاهدت اربعا وعشرين لوحة تروي بعض من ذاكرة العراق وحضارته وتاريخه، وقد اخترت منها ثلاث لوحات تعبر عن فكرة التراث والتاريخ في لوحات الفنانة، فالمجال لا يتسع لقراءة كل اللوحات..

  أول هذه اللوحات لوحة تحمل إسم "حزن بغداد" وهي تربط الماضي منذ عهد سومر وأكد وبابل بالواقع الحالي، فاللوحة مثلت امرأة في وسط اللوحة تعبر عن بغداد حزينة متألمة على ضفاف النهر، رغم أن الفنانة رسمت الوجه بلا ملامح إلا العينين المغمضتين بحزن، وهذه رمزية في اللوحة فبغداد بعد الاحتلال أصبحت لا تتكلم ولا تتنفس، وعيناها مغمضة على الألم، لكنها تقف بشموخ وترتدي الثوب المرسوم عليه الرموز التراثية من قلب حضارات العراق منذ فجر التاريخ، والرسم على أربع طبقات متتالية وكل طبقة من الرموز لها مدلولات من الماضي وإسقاطه على الحاضر.

   ولعل الرمزية تتجلى بشكل كبير بالطبقة العليا بالشخصية الأسطورية التي تحمل سلة مليئة بالجماجم، فالعراق فقد عشرات الألوف من البشر الذين فقدوا حياتهم منذ بدأت الحرب ضد العراق، إضافة للرمزية المستمدة من تاريخ العراق والأساطير في الطبقات الأخرى، ونلاحظ باللوحة أن قيام الفنانة بوضع أربعة طبقات فقط فوق بعضها على الثوب كانت مسألة رمزية لأربع مراحل مر بها العراق بشكل متتالي وهي: الحرب العراقية الايرانية، وحرب الخليج الأولى، والحصار على العراق، وحرب الخليج الثانية وما تلاها والتي جرى احتلال العراق خلالها وتدمير كل مقدراته وتشريد ملايين العراقيين في العالم اضافة لمن فقدوا حياتهم، وكل طبقة رمزية إن دققنا بها كانت تمثل اسقاط الاسطورة على واقع مرحلة من المراحل الأربعة التي مر بها العراق.

   على الجهة اليسرى من جسد المرأة الذي مثل بغداد خاصة والعراق عامة نجد رمزية المرأة العراقية على طول الجسد، والرأس يقع بدقة وكأنه النهد الأيسر والذي يقع فوق القلب مباشرة، في رمزية واضحة أن المرأة العراقية ليست بعاقر وستنجب الأجيال التي تعيد للعراق مجده، فهي معطاء كما النهد وتنبض كما القلب، وعلى يمين اللوحة نجد البومة تقف على حامل تمتد منه رؤوس رمزية للأفاعي وهذا الرمز مرتبط بأسطورة سومرية تدور حول الشيطانة ليليت كما اسماها البابليون وإرش عند السومريين، والتي ارتبطت بالأسطورة بالدمار والخراب والتي كانت تضع البومة على كتفها وترافقها معها باستمرار، ومن هنا كان التشاؤم من طائر البوم عند الكثير من الشعوب، وليليت تضع أفعى ضخمة على عنقها، وكما ورد بالأسطورة فقد تمكن جلجامش من قلع شجرتها وطردها من أرض اورك بالعراق، وهنا في اللوحة لمن يقرأها جيدا يفهم فكرة الفنانة أن بغداد ستنهض من جديد وينهض العراق ويطرد كل المحتلين ويقتلعوهم كما اقتلع جلجامش الشيطانة ليليت، وعندها يشرق فجر الحرية  الذي رمزت الفنانة له بالشمس الدائرية التي بدأت تشرق بالزاوية الأخرى من اللوحة.

   ويلاحظ في اللوحة أيضا لجوء الفنانة الى الرمزية اللونية في التكوين اللوني، حيث نلاحظ الألوان شبه القاتمة في خلفية اللوحة حيث يتمازج اللون الأرجواني بالأسود برمزية للظلام والدم ومعبرا عن الواقع الذي يعيشه العراق، وهذا ما يلاحظ أيضا بلون النهر وكأن الفنانة تريد أن تعيد للذاكرة غزو المغول لبغداد وإلقاء الكتب والمكتبات في النهر حتى تغير لونه، بينما المرأة التي مثلت بغداد كانت باللون شبه الصحرواي وهو المعبر عن الأرض النقية التي تنتظر من يرويها لتعود خضراء من جديد. 

   ثاني لوحة تحمل إسم "حكايا التاريخ": ومن اسمها نستدل على الفكرة التي هدفت لها الفنانة وتحليق روحها باللوحة، وفي هذه اللوحة نجد الفنانة لجأت لأسلوب التناظر بالشكل واللون في الرمزية المستخدمة، فنجد النهر بلون فاتح في الأسفل والأمواج تعلوه بقوة وهو يحمل قارب الفجر الجديد على شكل مصباح علاء الدين في التراث، وفي الأعلى أطراف السماء الزرقاء رمز الفجر القادم وإشراقة الشمس بدأت تظهر من خلف الأشجار والعتمة، وعلى يسار اللوحة بالنسبة للمشاهد وعلى يمينها تظهر أبنية تراثية، والملاحظ أن المبنى على اعلى اليمين يعتبر حديث نسبيا مقارنة بالآخر المرتبط بالتراث القديم، وهذا التناظر المكاني يشير لمراحل من تاريخ العراق وتراثه، بينما قلب اللوحة عبارة عن لوحة كبيرة على شكل بوابة ضخمة تحمل رموزا من التراث القديم في عهد سومر وبابل، وأعلاها رمزية الشمس والقمر والنجوم، إضافة لرمزية الأسد المجنح والآلهة في فكر العراق القديم ورموزها في الأساطير.

   ويلاحظ أن ما يخرج من فوهة المصباح هو شبح أو روح امرأة وليس جني، وهذه رمزية لأرواح الجدات اللواتي رحلن ترفع يديها للخالق بالدعاء، وكما أسلوب الفنانة نجدها لا تظهر بالوجه أية ملامح سوى العينين لتعطي الفكرة العامة وليس الخاصة، وهنا نلاحظ أيضا أن الفنانة في التكوين اللوني العام لجأت للون الداكن في خلفية اللوحة وهي أشجار كثيفة فقدت لونها بحكم الاحتلال، بينما بدأت الأشجار تستعيد لونها مع ضياء الشمس وقرب الفجر، وقد استخدمت الفنانة التكوين اللوني بشكل جيد للتعبير عن فكرة اللوحة ورسالتها.

   اللوحة الثالثة كانت تحمل عنوان "بساطا من كلمات" وهو من نص: "بساطاً من كلمات تكون الارض .. إليكِ أعني" للأستاذ الشاعر نصير الشيخ، ونحن سنجد أنفسنا أمام لوحة جميلة ومتميزة برمزيتها والرموز التي رسمتها ريشة الفنانة، واللوحة تقوم على ثلاثة رموز أساسية، بساط يحمل الرموز التاريخية والأسطورية منذ بداية الحضارة في العراق وهو أخذ مساحة ثلثي اللوحة، والعراق ممثل ببغداد التي رمزت لها الفنانة بشابة جميلة متطايرة الشعر المسدول، ووجه حزين لا تظهر به الا العينين بينما تختفي كما اسلوب الفنانة باقي الملامح مثل الفم والأنف برمزية اشرت لها سابقا، أن بغداد تحت الاحتلال فقدت الكلام والتنفس ولم يبقى الا الحزن والالم والعيون المغلقة الحالمة بالغد، وتنظر بألم الى البساط الذي مثل التاريخ والأرض وهو يداس بهمجية المحتل، والرمز الثالث هو الشمس تلتف حول الرأس بإشارة لفجر قادم، وقد اهتمت الفنانة بالتكوين اللوني ورمزيته فنرى البساط الذي مثل الأرض والتاريخ بلون الدم، بينما لباس الفتاة بلون الأرض ومتموج مثلها والسماء فقدت لونها الأزرق وغطاها الغبار.

   وهذه اللوحات الثلاثة ليست أكثر من نماذج اخترتها من بين المجموعة، حيث نلاحظ في اللوحات الأخرى وهي واحد وعشرون لوحة مدى التزام الفنانة ببصمتها التي ميزتها وميزت ريشتها، فكل لوحة منها بشكل أو آخر استخدمت التراث والتاريخ والأسطورة، فكانت رمزيات الحضارات السومرية والبابلية والأكادية والأشورية والعربية الاسلامية حاضرة بأعمالها الفنية، وهو استخدام لم يأت عبثا بل نتج عن دراسة متعمقة لذلك التاريخ وتلك الأساطير وفهم للرمزيات.

    الأفق الثاني/ الرمزية الواقعية: وقد حلقت روحي مع سبع وعشرون لوحة ومن ضمن هذه اللوحات كانت المرأة برمزيتها تتكرر في ثلاث وعشرين لوحة بينما اربعة لوحات رموز أخرى، وقد اخترت منها ثلاث لوحات رأيتها تمثل الفكرة التي تريدها الفنانة، وإن كانت كل لوحة من لوحات الفنانة تستحق قراءة منفردة وتفكيكية..

   اللوحة الأولى تحت مسمى "نذر لعراقنا الغالي": وهذه اللوحة مثلت العراق الحزين بما ألم به من خراب من بعد ازدهار وتقدم، وقد استخدمت الفنانة رمز المرأة العراقية التي ترتدي ثوبها الزاهي رغم حزنها وترتدي العباءة العراقية وتربط جديلتيها خلف ظهرها، وتحمل على رأسها وعاء منبسط تحمل عليه سبعة شموع مشتعلة ووردة حمراء وغصنها الأخضر، ويلاحظ لجوء الفنانة إلى رمزية التكوين اللوني في اللوحة بشكل خاص، فوجه ورقبة المرأة منقطة حتى قاربت شكل الأرض، وجديلتيها باللون البني وهو لون الأرض الزراعية، وخلفية اللوحة باللون الأزرق اللازوردي وهو يرتبط بالتراث العراقي للقباب والزخرفة من "السيراميك" وألوان الثوب تثير الفرح.

  كما نجدها لجأت للرمز في اللوحة كما الأزهار على ألوان الثوب حيث "بغداد ترتدي حلة جميلة.. أغطية الشباب الجميلة"، والعصفور على كتف المرأة ينظر إلى وجهها ينتظر لحظة الاشراقة، وعدد الشموع السبعة بما يرمز له الرقم سبعة من رمزيات دينية وأسطورية وتفائل، والوردة حمراء بلون الدم برمزية أن الأخضر بالغصن والأوراق للوردة هو الخصب الذي ستتولد منه الثورة للحرية، والوجه عينان مغمضتان بسبب الألم؛ بدون الفم والأنف وقد اشرت سابقا لتكرار واعتماد هذا الرمز في لوحات الفنانة، فالنذر للعراق مرتبط بفجر الحرية القادم وغسل الأرض من الدنس وإعادة الطهر لها.

   اللوحة الثانية وتحمل إسم "جفاف": وكما اللوحة السابقة كانت المرأة العراقية هي قلب اللوحة وبؤرتها والرمز الأساسي لها بالعباءة التقليدية التي ترتديها، حيث نراها ترتدي ثوبا أزرق يمثل النهر والماء في الأسفل قبل جريمة التجفيف، والأفق الموشح بالأحمر والأصفر الذي يرمز للشمس المختفية خلف الغيوم في الأعلى، ونلاحظ أن أكمام الرداء من اللون الأزرق الغامق كما لون الخليج، وفي أسفل الرداء ثلاث نبتات تتجه للجفاف ومقدمات ثلاثة قوارب تجديف كما التي كانت تستخدم بنهري دجلة والفرات ومنطقة الأهوار، ونلاحظ هنا أن وجه المرأة مكتمل الملامح وليس كما الوجوه السابقة مع وشم تراثي على الذقن.

  ونلاحظ نظرة الحزن والألم تغلب على الملامح مع شعر أشقر مموج باللون البني وكأنه مجرى النهرين دجلة والفرات، وفي الأسفل تشققات الأرض بسبب الجفاف بعد تقليل ضخ المياه بسبب السدود التي أقيمت في تركيا وقللت نسبة جريان الماء في النهرين الى درجة الجفاف، فأصبح العراق بين ظلام الليل والاحتلال وبين الجفاف، وقد تمكنت الفنانة من استخدام التكوين اللوني بمهارة، فقد كان اللون للثوب يرمز للوطن والماء والعطاء، والوشم يرمز للتراث، والشعر يرمز للجفاف في الرافدين، بينما خلفية اللوحة اعتمدت اللون الأحمر بالنصف السفلي برمزية للدم الذي انساب وروى الأرض ورمز للثورة القادمة، والنصف العلوي مازج بين الأحمر والأصفر برمزية للفجر القادم.

   اللوحة الثالثة تحت عنوان "بغداد": وهذه اللوحة مثلت بغداد برمزية واضحة وبسيطة، فالجزء الأسفل مازج بين المباني والنهر بحرفية كبيرة، فالسواد يعم بغداد والعتمة تظللها الا من بعض توشيحات بالأحمر ترمز للثورة التي تعتمل بداخلها، بينما الجزء العلوي مثل الأفق المعتم والذي بدأ الفجر يتداخل فيه، وفي السماء فتاة وكأنها ملاك تغمض عينيها وتنام على كفيها وتنثر شعرها وتهمس: "هل لي بليل سلام فأغفو على ثراك"، ووجهها أبيض ناصع وجميل وملامحها دقيقة فهي بغداد الحلم لبغداد التي تعاني.

   الأفق الثالث/ الأمكنة: وقد شاهدت في محترف الفنانة اثنتي عشرة لوحة تناولت المكان بأشكال وأساليب مختلفة، فكانت هناك لوحات اعتمدت رمزية المكان، وهناك لوحات رسمت الأحياء بالمكان كالخيل في لوحة والماعز في لوحات أخرى، والأمكنة الحضرية في المدن والأمكنة البدوية في الصحراء وأطرافها، إضافة للوحات للأشخاص فهناك الشيخ الهرم وهناك الطفل الصغير، ومن هذه اللوحات اخترت ثلاث منها لايصال فكرة الأمكنة عند الفنانة..

   اللوحة الأولى وعنوانها نواعير هيت: وهيت مدينة غرب مدينة الرمادي عاصمة الأنبار وتقع شمال نهر الفرات، وقد تم تصميم النواعير الناقلة للماء فيها قبل مئات السنين لتنقل الماء من الفرات إلى مجرى يمر في الأراضي الزراعية، ومن هنا وكون هذه النواعير بعض من تراث العراق وتاريخه التي أضيفت لقائمة التراث العالمي كان اهتمام الفنانة بها، فنجد اللوحة قد ظهر بها الفرات بشكل خلاب تنعكس عليه ظلال الأشجار، والناعورة الضخمة على يسار المشاهد حيث كانت تنقل الماء من النهر وتسكبه بالمجرى المائي خلفها، وفي أفق اللوحة ظهرت أشجار النخيل الشامخة وسماء صافية، في لوحة طبييعية جميلة لعل الفنانة رمزت بها أن العراق سيعود من جديد رمزاً للخصب والعطاء كما كان في الماضي قبل الحصار الإجرامي والغزوة الهمجية.

   اللوحة الثانية وعنوانها أنام على وسادة الحلم: وقد أخذت العنوان من نص الشاعر نصير الشيخ والذي قال فيه: "أنام على وسادة الحلم.. وأصحو.. على وشايات المدن"، وقد كانت هذه اللوحة من ضمن عدة لوحات من مشروع مشترك تحت عنوان: ايقونات الشعر واللون، واللوحة من ثلاثة أقسام وهي المكان في النصف الأول حيث الأبنية الشامخة والأفق خلفها بلون الأرض ويقف على أعلى مبنى في وسط اللوحة غراب ينظر للأعلى وهو يفتح منقاريه وينعق، والغراب مرتبط بالذاكرة الشعبية بالخراب والموت، وقد ورد ذكره في الحضارات السومرية والبابلية أيضا فكان استخدامه باللوحة ربطا بالرمز بتلك الحضارات القديمة في تاريخ العراق، بينما نصف اللوحة العلوي هو السماء بزرقتها الجميلة، وعلى خط التقاء القسمين توجد فتاة جميلة ترتدي الأبيض وملامح وجهها ترمز لحلم آت، وشعرها ينقسم لونيا مع القسمين، فالقسم الأسفل من شعرها يتماوج بين البني والأصفر وكأنها شعلات من لهب، والأعلى بين الأبيض والأزق والأسود.

   اللوحة الثالثة وعنوانها جسدي، رداءٌ من كلمات.. ثقبه الحنين: وهذه اللوحة تمثل الفتاة العراقية تحلق في الفضاء مع قوس قزح وترتدي ردائها بلون أحمر بالكامل، ولكن مع نقوش على حافة أسفل الثوب تزينه بحروف وكتابة مسمارية، وفي الأسفل منها بيوت عراقية تراثية تزينها الشناشيل، ومن استخدام رمزية قوس قزح نجد الرابط لدى الفنانة بين مباني العراق التراثية في اللوحة وبين الحضارة السومرية في تاريخ العراق، فقوس قزح ارتبط بقصة الفيضان المروية في الألواح السومرية ولاحقا البابلية مع اختلافات بينها، وأن قوس قزح كان وعد الآلهة التي تخصهم بعدم تكرار الفيضان، ومن هنا نجد أن رمز الفتاة المحلقة هو ربط العراق الحالي بما يعانيه من فيضان الدم ممثلا بلون الرداء الأحمر كلون الدم، مع تاريخ العراق مع أول حضارة مكتوبة تركت ألواح دونت الأحداث بالخط المسماري على الواح الطين المجفف قبل عدة الآف من الأعوام.

   وهكذا نجد من خلال هذه الجولة فيما روته ريشة الفنانة لينا الناصري من ذاكرة الرافدين رمزيّ العراق الخصب، أن الفنانة في لوحاتها كانت ابنة العراق الزمان والمكان والتاريخ والحضارة، فهي مواليد بغداد 1971م ودرست الفن وحصلت على دبلوم تعليم فنون بدرجة امتياز، كون الموهبة رافقتها منذ الطفولة وعملت على صقلها بالدراسة والممارسة، كما حصلت على دبلوم تصميم أزياء من لندن، والفنانة عضو في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، ورابطة التشكليين الأردنيين، وجمعية ألوان للابداع الفني في الأردن وعدة هيئات أخرى، ولها حتى الآن خمسة معارض شخصية إضافة لعشرات المشاركات في معارض مشتركة في العديد من الدول، إضافة لاهتمامها الكبير بإحياء آثار ما بين النهرين.

  وهذه التجربة الخصبة كانت من عوامل تألق الفنانة في لوحاتها وتجربتها وهذا ما نلاحظه في الجانب الوصفي العام والتحليلي والتفكيكي للوحات التي تحدثت عنها في هذه الدراسة الفنية، فهي خضعت لعوامل نفسية كثيرة عكستها بدلالات نفسية في لوحاتها متأثرة بما جرى للعراق الأشم من احتلال ومجازر وتدمير وتخريب وتشريد لشعبه، فهي ابنة بيئتها وجغرافية الوطن وتاريخه، ولذا نجد في لوحاتها العراق والألم والتاريخ والأسطورة والتراث والجغرافيا، ولذا استغلت فضاءات أعمالها الفنية بقدرة وتميز واحترافية فلم تترك فراغ بلا معنى، وكذلك من حيث تموضع الأشكال والرموز والتوازن بينها، فأبدعت بالتكوين اللوني وفهم الرمزية اللونية واستخدامها إضافة لمساقط الضوء على اللوحات، مستخدمة الألوان الزيتية "أكليرك" بشكل عام في لوحاتها على القماش المخصص "الكانفس"، فروت لنا حكاية العراق والرافدين بالريشة واللون من العصور المغرقة بالقدم حتى الواقع الحالي من خلال مجموعة من الأفكار والصور سواء البسيطة أو المركبة، والتي تصل بيسر إلى قلب وعقل القارئ والمتأمل للوحة.


"عمَّان 28/5/2023"

 

حول التجربة الأولى للكاتب أحمد مسلم: شعرية الهامش وسرد الريف المهمش/ فراس حج محمد



في الرواية الجديدة للكاتب أحمد مسلم "سجناء خلف قضبان الذاكرة" (كاريزما للنشر والتوزيع، القاهرة، 2022) يبني الكاتب معمارها من قصص وأحداث الريف الفلسطيني، معتمدا على ما تقصّه الجدات والقريبات- في العادة- من قصص وحكايات، يذهب أحمد ابن قرية تلفيت (جنوب نابلس) إلى ذلك التاريخ الشفوي الشعبي الذي يعمر ذكريات الناس فيها، ويعيد تأثيثه في سرد له مذاق خاص، وشهية خاصة، إنه يعيد- نوعاً ما- بناء الذاكرة الشعبية الريفية لتكون مقروءة، لاسيما لجيل لم يعد يسمع هذه الحكايات، نظرا لعدة أسباب، أهمها انقطاع الجيل الحالي عن الجيل السابق بفعل دواعي الزمن والصيرورة التاريخية.

يستذكر أحمد مسلم في هذا المتن الروائي قصة كنز، وجده أحد الفلاحين مدفونا في أرض له، ورحلة هذا الكنز منذ أيام الإنجليز قبل النكبة 1948 وحتى عام 2014،  رحلة سردية استغرقت أكثر من 66 سنة من عمر قرية من قرى الريف الفلسطيني، ليس شرطا أن تكون قريته تلفيت وليس بمستبعد أيضا أنه أخذ ملامح القرية الاجتماعية والجغرافية من قريته، لكن المهم في هذا السرد على مستوى الحدث تتبع تلك الرحلة للدفين/ الكنز والمخاطر التي تعرض لها جدّ مراد (أبو  محمود) بعد الحصول على الكنز.

هذه الفترة الطويلة نسبيا يقطّرها الروائي في سرد وزّعه على أحد عشر فصلا، لم يخل أي فصل من فصولها من حكاية الدفين أو تداعياته الاجتماعية على العائلة، ومن خلال هذا العصب الرئيسي ناقش أحداثا في معظمها هامشية مما يدور في بيئات الريف المهمش أصلا، فلم يسع الكاتب إلى الاستناد على مقولات كبرى، ولا على أحداث مركزية، وكل ما ظهر من أحداث مفصليّة، ما كان له تأثير مباشر على سكان الريف أكثر من غيرهم فهم خاضعون لتأثيرها خضوعهم للضرورة الحتمية، خاصة فيما يتصل بالحواجز والإغلاقات ومعاناة الناس، وخاصة الشباب في الوصول إلى العمل أو الجامعة أو المدينة، وما يحياه الناس من شظف العيش وقسوته، هذه القسوة التي لم يفلح الكنز بقلبها رأسا على عقب إلا بعد فترة طويلة بعد أن أخذ الريف نفسه بالتطور الحتمي والتدريجي.

يظهر أن الروائي وهو يعمل على هذا السرد كان صبورا جدا، وهو يحاول أن يجمع تلك السرود الهامشية ليجعلها متجانسة كلوحة الفسيفساء، لتؤدي في نهاية المطاف إلى بناء سردي ذي شخصية متماسكة، ليس الجامع الوحيد هو الشخصيات الريفية، ولا قصة الكنز، وما جرته من أحداث، بل ذلك الإيقاع الهادئ لروائي يصفّ الحكاية بجانب أخرى بحذر، لعله يحظى برؤيا روائية خارجة عن سياق السرد التقليدي الغارق في المثاليات والمقولات السياسية والوطنية التقليدية.

لقد تجاوز أحمد هذه المطبّات بكثير من الحذر ونجح في هذا لاسيما وهو يستند على عنوان، فيه الكثير من المخاتلة، إذ ينصرف العنوان في دلالته- للوهلة الأولى- إلى الدائرة السياسية الوطنية، ليكتشف القارئ أن "سجناء خلف قضبان الذاكرة" لم يكونوا من أسرى القضية الفلسطينية من المقاومين للاحتلال، وإنما تلك الشخصيات التي ظل يعذبها الماضي وتلاحقها تفاصيله طوال حياتها من الجدة إلى فريد وحتى مراد وأحمد، ولم يسلم منها المتشائل الذي يوجعه الماضي وما فعله إخوته به، وأول ما يقوم به أحمد مسلم لزحزحة العنوان عن تاريخيته المفخخة بالذاكرة الوطنية اقتباسه قبل الدخول إلى الرواية قولا للشاعر العربي أدونيس، يقول فيه: "أقسى السجون وأمرها، تلك التي لا جدران لها"، يحمل هذا الاقتباس معنى عاما للسجن أعمق وأكبر من مكوث الشخص داخل القضبان ويحرسه سجان قاس وعدو كما هو في الحالة الفلسطينية، كما أن هذا الاقتباس من زاوية أخرى يقول إن الأسرى الفلسطينيين قادرون على التحرر من السجن، فالسجن فكرة تعيش في للرأس والذاكرة، ولهذا المعنى أيضا بعض ظلال، وخاصة من خلال شخصية الأسير المحرر الواردة في الرواية وصفا لا اسماً. مع العلم أن الرواية لم تؤكد أيا من المعنيين أو الحالتين لهذا الأسير المحرر على وجه قاطع كتجلّ آخر من تجليات الحذر السردي في الرواية.

هل يمكن أخذ البنية السردية لتكون استعارة سياسية؟ أظن أن الأمر ممكن مع بعض التحفظ أيضاً، لكن هذا التحفظ النقدي في التأويل تقلّ مسافته بين الممكن وغير ممكن إذا ما أعاد المرء قراءة الإهداء، بوصفه نصا موازيا من النصوص المحيطة بالسرد، ذا دلالة نصية سردية تدعم مقولات الرواية، بعيدا عن فكرة "الإسقاط" أو الشطط في التفسير.

جاء الإهداء عاما قابلا للتأويل كذلك: "إلى الذين حرموا حقوقهم بكنوز ظهرت بوجودهم". عند إعادة قراءة العبارة بعد الانتهاء من قراءة كامل النص الروائي سيكون بالإمكان القول باستعارية البنية الروائية للدلالة السياسية، فالكاتب أحمد مسلم ابن جيله، الجيل الذي ترعرع في ظل السلطة الفلسطينية، جيل حرم من حقوقه بكنوز ظهرت بوجوده، فكل الامتيازات التي يتمتع بها المسؤولون، وهم قلة، حرم منها كثير من أبناء الشعب، فاستأثر القادة بالمناصب والمكاسب، ولم يكن للشعب من نصيب إلا دفع الغرامة/ الضريبة الوطنية من معاناة وأسر، وشظف عيش، والبقاء في الهامش حيث الريف المهمش.

على امتداد مائة وثلاثين صفحة من القطع المتوسط استطاع أحمد أن يحافظ على لغة سردية عملية، واقعية، تضيء على الأحداث وتبنيها داخل هذه اللغة، وعلى الرغم من أن البنية السردية شعبية الفكرة والشخوص إلا أن اللغة كانت فصيحة، سلسة، فيها الوضوح السردي المطلوب، لأن السارد العليم المثقف الواعي صاحب الرؤيا هو الذي كان يتحدث، وممسكا بالخيوط جميعها، ولم يسمح لشيء أن يفلت من بين يديه، وهذا جانب آخر من الحذر الذي كان مسيطرا على الكاتب، فلم تحضر اللغة العامية إلا في مواقع محددة جدا مع أن المنطق السردي كان يستدعيها كأحد المميزات الخاصة لشخصيات العمل، لتظهر صورتها المقنعة، وتكتمل عناصر هُوِيّتها.

كما اختار السارد لغة فيها الكثير من الإحالات الثقافية والمقتبسات النصية من الثقافة العربية، والشعر العربي، والآيات القرآنية، كما ظهرت الرموز الإغريقية والأسطورية، وثقافة الروائي الفنية؛ كونه متخصصا في الفن التشكيلي، فظهرت ثقافته الفنية في السرد كذلك، وجاءت هذه التضمينات مجسّدة للفكرة الأساسية للعمل الروائي، أو داعمة لشخصية السارد الواعية التي تؤهلها ثقافته الممتدة أن يكون ساردا عليماً، قادرا على البناء السردي المتدفّق.

ثمة ما هو طريف في الحكايات التي يسردها السارد في هذه الرواية وتماثلها أو تناظرها على اختلاف في الشخصيات، فالجد وعلاقته بفريد، هي كعلاقة مراد بسالم، وهي على ما يبدو كالعلاقة المتوقعة بين مراد وأحمد، كأن ثمة لعنة تلاحق الأحفاد لذنب فعله الأجداد، كما تقول الحكمة الشعبية الرائجة في الريف: الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون.

وهذا على ما يبدو ما حدث مع الكاتب نفسه- بصورة أو بأخرى- عندما استبعدت هذه الرواية بعد تحمس لذلك ووصولها إلى مرحلة متقدمة من المنافسة على جائزة القطان للكاتب الشباب للعام 2023، ليأتي خبر طباعتها في مصر مطوحا لها ولكاتبها عن أن يستمر في السباق والفوز بالجائزة كما حدث مع مراد نفسه الذي أقصي بفعل فاعل عن المنافسة على بطولة الجامعة للشطرنج "كنزه المعنوي"، فكشفه للأمر للجنة الجائزة، ومن ثم استبعاده لمخالفته شرط الجائزة الأساسي؛ ألا يكون العمل مطبوعاً، يشبه إلى حد ما تلك المخاطرة في كشف سر الكنز، فلو تم كشف الكنز لكان للسرد وجهة أخرى، كما لو لم يتم كشف السر للجنة جائزة القطان لكان لهذه الرواية شأن آخر، في أن يحصل- غالباً- الكاتب الشاب أحمد مسلم على جائزة اللجنة وما تعنيه من كنز معنوي لكاتبها أولا قبل القيمة المادية للجائزة، أو على الأقل ربما حصل على "تنويه" من لجنة التحكيم التي تضمّ في عضويتها روائيين مكرّسين ونقادا أكاديميين، لتكون شهادة استحقاق يسعى إليها كل كاتب شابّ، داخل إلى نادي الكتابة الواسع الممتدّ.

وأخيراً، أظنّ أن الكاتب أحمد مسلم بما قدّمه من عمل روائي في "سجناء خلف قضبان الذاكرة" يطرح نفسه وبقوة في عالم السرد، ليكون أحد روائيي الجيل القادم الممتلئ بأفكار جديدة، وبحساسيات فنية، تعتمد في شعريتها على أدوات مكتسبة، وأخرى فطريّة، ليكون قادرا على بناء مشروع روائي، يضيف إلى الرواية الفلسطينية أبعاداً جديدة أو يعمّق البحث في الأبعاد التقليدية؛ فيعيد إجابة أسئلتها من زوايا أخرى، تنتمي إلى هذا الجيل، وما يؤمن به من قضايا فنية أو ما يعتقده من أفكار.


تزامنا مع الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية: رواية "معبد الغريب" تشق الأفق في طولكرم



بناء على رغبة الأسير رائد الشافعي في أن يكون موعد إطلاق روايته الأولى بالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، مستذكرا بلدته التي هجر منها، استضافت جامعة فلسطين التقنية خضوري- فرع طولكرم يوم الثلاثاء 16/5/2023 حفل إشهار رواية "معبد الغريب" بدعوة من مديرية وزارة الثقافة، وهيئة شؤون الأسرى في المحافظة، وبتنسيق الناشطة الثقافية غصون غانم، وبإشراف طاقم مكتبة الجامعة.

استهل الحفل الذي أداره الأستاذ حمد الله عفانة (مدير مكتب وزارة الثقافة) بالسلام الوطني وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء، وتحدّث عفانة عن جهود وزارة الثقافة الفلسطينية في دعم الإنتاج الأدبي للأسرى الفلسطينيين.

ومن ثَمّ تم عرض فيلم قصير للتعريف بالأسير في سجون الاحتلال، رائد عليان عيد شافعي المعتقل منذ 28/7/2003، أعدّته الإعلاميّة هناء فياض، صاحبة مبادرة "الأسير ليس رقماً". تلا ذلك حديث للسيدة عصمت أبو صاع، مديرة هيئة شؤون الأسرى والمحررين في المحافظة، مؤكدة دور الحركة الأسيرة في النضال الفلسطيني، وما يؤدونه من مهام جليلة على المستوى الوطني والثقافي، مشيدة برواية الأسير الشافعي "معبد الغريب".

وفي كلمة للمحامي الحيفاوي حسن عبادي؛ صاحب مبادرتيْ "لكلّ أسير كتاب" و"من كلّ أسير كتاب" تحدث عن زيارته لرائد الشافعي في السجن وعلاقته به، وعمله على الرواية ورعايتها حتى خرجت مطبوعة، ناقلا ما قاله له رائد خلال الزيارة الأخيرة التي سبقت حفل الإشهار: "فرحتي لن تكتمل إلّا حين أعود مع الرواية لأزور أهلي وبلدي".

وفي ذات السياق قدم الأستاذ عبادي لوحة مهداة لمكتبة خضوري بعنوان "الذاكرة اللانهائية" رسمها الفنّان الأسير جمال هندي تزامناً مع الذكرى، بوحي وفكرة الأسير حسام زهدي شاهين. تتمحور حول الذاكرة الفلسطينية المتجددة. وقدّم عبادي شرحا حول مكونات اللوحة؛ "فالطفل الفلسطيني مولود من رحم النكبة المتجسد بحلقة المفتاح، حتى يكبر وينمو ضمن تعاقب الأجيال، ويواصل مسيرته صعوداً على درب ذاكرة العودة نحو فلسطين الوطن، كما وتجسد نافذة المفتاح وحدة الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، وتؤكد الحجارة القديمة عروبة فلسطين وتجذر شعبها العربي الفلسطيني في أعماق التاريخ".

وفي قراءة نقدية للكاتب فراس حج محمد- محرر الرواية، أشار إلى "تحولات الزمن الفلسطيني في الرواية"، وما فيها من مضامين سياسية، وأسئلة وطنية بدءا من سؤال النكبة ذاتها وحتى سؤال الراهن المتعلق بأوسلو وتداعياتها، ويمرر الشافعي انتقاداته على مجمل السياسة والسياسيين في فلسطين، وخاصة الاعتقال السياسي الذي تمارسه أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، والتحقيق مع المناضلين بالأساليب نفسها والكيفية ذاتها التي يمارسها المحقق الصهيوني.

كما بين الناقد حج محمد طبيعة البناء الروائي في رواية معبد الغريب، وتوزع السرد على جغرافيات ثلاث، وأزمنة ثلاثة، تسير بالموازة بين الفصول الفردية والزوجية، لتعود وتلتقي بالفصول الأخيرة، وصولا إلى ما تعانيه الشخصيات الرئيسية في الأماكن الثلاث والأزمنة الثلاث أيضا من اغتراب نتيجة لتحولات الزمن الفلسطيني وتبدل منظومة القيم، وخاصة القيم الوطنية الثورية.

وأضاف أن الكاتب رائد الشافعي ينتمي إلى ظاهرة الكتاب الفلسطينيين الذين ولدوا كتابا في سجون الاحتلال، وكانوا دخلوا السجن بعد عام 2000، ويقارب عددهم (100) كاتب، كتبوا في صنوف أدبية متنوعة، وإن غلبت الرواية على إنتاجاتهم الأدبية لأسباب متعددة.

وفي مداخلة قصيرة للشاعر عبد الناصر صالح بيّن أهمية أدب الحرية، وأهم من كتب فيه، والمضامين التي يتناولها هذا الأدب، والقضايا التي يعالجها.

وفي كلمة للأسير، قرأها نيابة عنه عمه ساطي الشافعي، شكر فيها المبادرين والحضور وكلّ من عمل لإنجاح هذه الفعالية وإشهار الرواية، كما تحدث نجل الأسير فراس رائد الشافعي، في كلمة أهل الأسير عن علاقته بأبيه الذي اعتقل وهو بعد طفل صغير؛ لم يتجاوز الستة أشهر آنذاك.

هذا، وقرأ عريف الحفل برقية وصلت من الشاعر هاني مصبح- غزة، جاء فيها: "برقية تهنئة نقدمها باسم التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين- لجنة تنسيق قطاع غزة للأسير رائد الشافعي في حفل إشهار كتابه "معبد الغريب". فمن يمتلك الأمل يمتلك كل شيء. وأسرانا يمتلكون الأمل ويمتلكون الإرادة والعزيمة والإصرار وبذلك يمتلكون الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية". 

حضر جمهور كبير من المثقفين والكتاب والأسرى المحررين وذويهم هذه الاحتفالية، وقامت مجموعة من وسائل الإعلام المرئية بتغطية الحدث. ووقع الأستاذ حسن عبادي على نسخ الرواية للحضور في نهاية الحفل نيابة عن الأسير الكاتب رائد الشافعي. 

ومن الجدير بالذكر أن رواية معبد الغريب صدرت عن دار الرعاة وجسور ثقافية في رام الله وعمان، وجاءت في (351) صفحة من القطع الكبير، موزعة على (29) فصلاً، وزيّن غلافها لوحة رسمها الفنان علاء أبو سيف.


احتفاليّةُ عشتار العربيَّة في عَبَلّين الجَليليّة!




كتبت آمال عوّاد رضوان ـ

    النّادي النّسائيّ الأرثوذكسيّ في  عبلين الجليليّة استضاف النّادي النّسائيّ الشّفاعمريّ (فنجان قهوة)، وذلك بتاريخ 16/5/2023 في مقرّ النّادي في عمارة وقف الرّوم الأرثوذكس في عَبَلّين،  وكان لقاءً ثريًّا وشيّقًا حافلًا بالفرح والحبور،  أشبهَ بعُرس جليليّ، فحضرت النّسوةُ الشّفاعمريّاتُ بزفّةٍ ومهاهاة وغناء، وهبّت النّساء العبلينيّات لاستقبالهن العفويّ بالتّصفيق الحارّ والرّقص والتّرحيب والفرح والغناء، وقد هيّأن التّضييفات والحلويّات التّراثيّة بأشكالها، إكرامًا للضيوف.

    ووسط عدد كبير من النّسوة هلّ الإعلاميّ يوسف حيدر لتغطية الحدث، وليفاجئنا بطلّتهِ البهيّة الكاتب العَبلّيني زهير دعيم، وكلّنا نتأهّب  لاستقبال غاليتنا د. روزلاند دعيم ضيفة شرف هذا اللّقاء!

    ابتدأ اللّقاءَ بكلمة الأستاذ زهير دعيم التّرحيبيّة، وبارك هذه النّشاطات النسويّة الرّاقية، وهذا الاحتفاء الجميل ببعضهنّ بمَحبّة وفرح غير مشروطيْن، وأكّد على دعمه للمرأة ونشاطاتها المُشرّفة في المجتمع، وحضوره إكرامًا لابنه العمّ الكاتبة والباحثة د. روزلاند دعيم.

    ثمّ كانت كلمة تحيّة من النّادي النّسائيّ الشّفاعمري، ألقتها المسؤولة السّيّدة سعاد بحّوث، أشادت بأهمّية تبادل الزيارات والخبرات بين النّوادي النّسائيّة، لتحفيزها وتنشيطها بفعاليّات بنّاءة تدعم استمراريّتها.  

    أمّا مسؤولة النّادي النّسائي الأرثوذكسي عبلين آمال عوّاد رضوان، فقد رحّبت بجميع الضّيوف والحضور، وبضيفة الشرف د. روزلاند دعيم، وأضاءت بلمحة سريعة جوانب أساسيّة لكتابها عشتار العربية.

    وكانت مداخلةٌ ثريّة وسلِسة للكاتبة المربّية نرجس نشاشيبي حول  مضامين كتاب عشتار العربيّة،  والذي اعتبرته دليلًا سياحيًّا ثريًّا، شاملًا وحافلًا بالمعلومات الدّقيقة الوافية.

   أما د. روزلاند دعيم فقد تحدّثت عن الجهد والوقت الذي استغرقه الكتاب، والرّسالة الوطنيّة والإنسانيّة الّتي يحملها ويُوثّقها، وشكرت المنظّمين والحضور والمتحدّثين.

    أمّا  الفقرة الأخيرة وأثناء التّضييفات، فقد أثرتها الكاتبة والفنّانة نهاي بيم بصوتها العذب الرّنّان، فغنّت وأطربت وأشركت النّساء بالصّداح والغناء والرّقص، وتمّ التقاط الصّور التّذكاريّة، لأجمل نسوة  في أحلى لقاء!

        جاء في كلمة آمال عوّاد رضوان:

     عشْتَار الْعَرَبِيَّة رُؤْيَةٌ حَضَارِيَّةٌ وَدِينِيَّةٌ فِي الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ للكاتبة د. رُوزْلَانْد كَرِيم دَعِيم، صدر عن دار الوسط اليوم للإعلام والنّشر رام اللّه في طبعتيه: الأولى عام 2020 والطبعة الثانية 2022، وقد صمّم الغلاف الفنّان رمزي الطّويل.

   لقد أهدت كتابها إلى والدتها تريز النابِلسي أمد الله بعمرها، وإلى روح والدها كريم الدَّعيم طيب الله ثراه، وإلى أبناء أسرتها نبع المحبة والعطاء والدعم، وإلى أبناء مدينتها الجميلة "حيفا"التي يتنازع عليها الكرمل بشموخه والمتوسط بأمواجه، وإلى أبناء موطنها عمومًا في البلاد والشتات.

    كما تقدّمت بالشّكر الجزيل لكلّ من أسهمَ بإخراج  كتابها هذا  إلى النّور: د. زاهي سلامة، د. رنا صبح، الأستاذة نادرة يونس على دعمهم وتشجعيهم وحثّهم اليوميّ على القراءة والملاحظات والتّدقيق اللّغويّ، وشكرت البروفسور علي صغيّر على قراءة فصل الموحّدين الدّروز، وإبداء الملاحظات والاقتراحات. وشكرت الأستاذة مرلين دعيم عيساوي على ترجمة المقدّمة باللغة الإنجليزيّة، والأستاذة الشاعرة آمال عوّاد رضوان على مرافقتها منذ البداية، ومتابعة الطباعة والتّدقيق والنّشر. كما شكرت دار الوسط للنشر والإعلام متمثلًا برئيسه ومديره الكاتب والإعلامي الأستاذ جميل حامد،  على التّعامل المهنيّ خلال المراحل المختلفة لإصدار الكتاب.

  كتاب "عِشتار العربية؛ رؤيةٌ حضاريّةٌ ودينيّةٌ في الأعياد والمواسم"، هو عملٌ توثيقيٌّ لذاكرةٍ حيّة في الأراضي المقدّسة الّتي عرفت دياناتٍ نشأت فيها أو قدِمَتْ لاحقًا، لتُشكِّلَ نسيجًا حضاريًّا إنسانيًّا كونيًّا، وفقَ تطوُّراتٍ اجتماعيّةٍ واقتصاديّةٍ، وضمنَ مُتغيّراتٍ حضاريّةٍ وسياسيّة، أثّرتْ في الفِكر الإنسانيّ، وفي الحضارةِ التّراكُميّةِ الثّابتةِ والمُتجدّدة، بفعلِ وتداخُلِ وتَلاقُحِ الحضاراتِ الحديثةِ والقديمة: الكنعانيّة، البابليّة، الفينيقيّة، الفِرعَونيّة، الآشوريّة، الأكّاديّة، الأمازيغيّة، الإغريقيّة وغيرها... 

    كتاب "عِشتار العربية؛ هو حصيلةُ تجربةٍ ميدانيّةٍ وأكاديميّةٍ، بمنهجيّةٍ تحتاج إلى بحثٍ ومَصادرَ ومقارَنة، وإلى تحقيقٍ وتدقيق، يبحث في التّشابهِ الكبير في ممارسات واحتفالات الشّعوب، ويبحثُ عن المشترَك الإنسانيّ والحضاريّ في دورة حياة البَشر، فيما يتعلَّق بالجوانب الاجتماعيّة، الأخلاقيّة، التّربويّة والإنسانيّة، من خلال أعيادٍ دينيّة تتضمّنُ عاداتٍ وفولكلورًا وأدبًا شعبيًّا لمجتمعٍ تَعَدُّدِيٍّ، ولحضارةٍ قائمةٍ لها جُذورها الرّاسخة، أعياد تُعزِّز الانتماء، وتُسهمُ في صقلِ وبلورةِ هُويّةِ الفردِ والمجتمعاتِ المتعدّدة دينيًّا، قوميًّا، وطنيًّا، حضاريًّا وإنسانيًّا، وترفعُ الوعيَ لدى الفرد في الانكشافِ السّليم على الآخر مِنَ الفئاتِ الدّينيّةِ المختلفة، ليفهمَها ويتقبّلَها، وليتعايشَ معها باحترامٍ مُتبادَلٍ دونَ هيمنةٍ أو تَسيُّدٍ أو تَجَبُّر.

     د. روزلاند دعيم تناولت في الفصل الأوّل احتفالاتِ وطقوسَ الأعياد المسيحيّةِ الدّينيّةِ والشّعبيّةِ تاريخيًّا، اجتماعيًّا وتراثيًّا بين الماضي والحاضر، وتناولتْ تجلّياتِ الزّمان والمكان لكلٍّ منها مع الإنسانِ والبيئةِ والعالم: الميلاد المجيد، الغطاس، الفصح المجيد، القديس فالنتاين، القدّيسة بربارة، القدّيس مارجريس الخضر، رفع الصّليب، تطواف سيّدة الكرمل، تحدّثت عن الرموز، الصّلوات، العادات، الأمثال والقصص الشّعبيّة، المأكولات والحلويات المرتبطة بكلّ عيد والمُرافِقة للاحتفالات.

   في الفصل الثاني تناولتْ أعيادَ ومناسباتِ المسلمين بين الجانب الدّينيّ والجانب الحضاريّ، كمفهومٍ وتقاليدٍ وثقافة: رأس السّنة الهجريّة وسيرورة التّقويم الهجريّ، ذكرى المولد النّبويّ الشّريف، ذكرى الإسراء والمعراج، الصّوم ولمحات وصلوات رمضانيّة، الحجّ إلى الدّيار الحجازيّة بين الفترة التّكوينيّة والفترة الافتراضيّة.

   وفي الفصل الثالث  تناولتْ أعيادَ ومناسباتِ الموحِّدين الدّروز باحتفالاتٍ دينيّةٍ وشعبيّة، تتضمّن آداب، تقاليد، قصص ومعجزات، وأهداف الزّيارة للمقامات والطقوس الدّينيّة في الجليل والجولان، وزيارة سيدنا الخضر مخترق الزمان وعابر الأديان،   وزيارة مقام النّبيّ شعيب في حطين، وكرامات النّبيّ سبلان.

    جاء في مداخلة المربّية نرجس نشاشيبي:

    ها نحن الآن مع عصفورتنا الغرّيدة (د. روزلاند دعيم) في بيت لحم، نشهد معها ميلاد السّيّد المسيح، وبحسب الأناجيل الأربعة: متّى، مرقس، لوقا ويوحنّا، فإنّه ميلاد معجزة من غير أب، حلّ الرّوح القُدُس على مريم العذراء، فحبلتْ بطفل المغارة، وكانت ولادتُه عظيمة، وبدايةَ السّنة الميلاديّة والتّقويم الميلاديّ في عيد الميلاد المجيد

   ثمّ تستمرّ العصفورة الغرّيدة في رحلتها الطيّبة لنهر الأردن وعيد الغطاس، واعتماد السّيّد المسيح على يد القدّيس يوحنّا المعمدان وقوله:"أنا أُعمّدكم بالماء، وأمّا هو فسيُعمّدكم بالرّوح القُدُس". 

    وفي مدينة القدس أوروشليم تصل العصفورة الغرّيدة، وأجنحتها تُصفّقُ فرحًا بعيد القيامة؛ قيامة السّيّد المسيح من بين الأموات، بعد رحلة العشاء الأخير، وإلقاء القبض عليه، ومحاكمته وموته على الصّليب.

    وتتابع العصفورة رحلة الحجّ لتصل إلى حيفا عروس البحر، تلك المدينة الجميلة حيث تنضمّ إلى موكبٍ يطوف خلاله المسيحيّون، ضمن احتفال الرهبنة الكرمليّة بمسيرة طلعة العذراء في شارع ستيلا مارس صعودًا إلى الدّير، وبحسب الرّواية هي زيارة السّيّدة العذراء لمغارة إيليّا النّبيّ، وهنالك روايات، وهذا الاحتفال هو عيد طلعة العذراء، أو عيد تطواف سيّدة الكرمل!

    وتأبى عصفورتنا الغرّيدة إلّا أن تُخلّدَ ذكرى إيجاد صليب السّيّد المسيح، مِن قِبل الإمبراطورة هيلانة القسطنطينيّة، ليتمّ الاحتفالُ بعيد الصّليبّ

     طويلة رحلة العصفورة وتطوافها، لكنّها تعمل جاهدةً للوقوف على نوافذ مواسم شعبنا الاحتفاليّة الدّينيّة وأعيادها، فتُطلُّ علينا بالاحتفال بالسّنة الهجريّة عند المسلمين، بموسم رأس السّنة وموسم أوّل العام الهجريّ، ومسوم عاشوراء لتأتي أيضًا لتعيد مع إخوتنا المسلمين العيديْن الكبيريْن: عيد الفطر وعيد الأضحى المبارَكيْن!.

   عصفورتنا لا تنسى أصدقاءَها المُوحِّدين الّذين يُفضّلون هذه التّسمية على تسمية الدّروز، فتلتقي معهم في مقام النّبيّ شعيب في عيده المقدّس، وتحوم فوق مقام النّبيّ سبلان، ومقام النّبيّ الخضر، ومقام النّبيّ اليعفوري، وكل مناسبة بتاريخها المحدّد، فتكون هناك زيارات سنويّة بمناسبة احتفال الدّروز بأعيادهم، وتقوم هناك صلواتٌ جماعيّة وإيفاء نذور في مقاماتهم.

    عصفورتنا تعيش السّنة كلَّها مُحتفلةً بأعياد ومواسمَ تُفرحُ النّفس وتُقرّبها إلى سماء إلهيّة، فتنعم بالسّلام والطمانينة، تلك السّنة زاخرةٌ بالتّحليق في ربوع أرضنا، مُهنِّئةً إيّاها معظم بالأعياد والمواسم الدّينيّة الحبيبة على قلوب الجميع. هي في الحقيقة رحلةُ تطواف بين المناسبات الجميلة، حضاريّة، دينيّة وثقافيّة، تأخذنا بها المؤلفة في زيارة لأرض الحضارات، لننهل من ينابيعها. 

   معلوماتٌ وخلفيّات عقائديّة شيّقة تجمعُ الدّياناتِ الثلاث على أرضٍ واحدة، وتحثُّهم على التّمسُّك بها والعيش بسلام تحت شعار الإنسانيّة، واحترامها وتقبُّلها بمختلف أشيائها وشرائحها، إذ تعتبر المناسبات والأعياد الدّينيّة جانبًا حضاريًّا من ثقافات الشّعوب. 

   لذلك، أنا أرى أنّ هذا الكتاب هو تأكيدٌ هامٌّ لجذور تلك الحضارات، وارتباطها بحياة الإنسان الفلسطينيّ وممارساته العقائديّة الّتي يقوم بها حتّى يومنا هذا، فتلك المعلومات القيّمة في هذا المرجع تُذكّر القارئ بأهمية ارتباط مواسمه وأعياده الاحتفاليّة بأرضه ووطنه، قارئ اليوم وقارئ المستقبل من أبناءٍ وأحفاد وقادمين من بعدنا إلى هذه الحياة، وتؤكّد هذه الأعياد ورموزها على هُويّة الإنسان الفلسطينيّ، وعلى انتمائه لأرضه وآثارها ومَعالمِها.

    هذا الكتاب عشتار العربية للمؤلفة د. روزلاند دعيم هو إنتاج جميل جدّا في إخراجه ومَضامينه، قيّمٌ مفيدٌ ومرجعٌ مُهمٌّ لكلّ مُحِبٍّ لهذه الأرض، سلِسٌ ولا مَللَ في قراءتِهِ أو التّنقُّل بين أروقته، حتّى إن لم يكن روايةً للاستمتاع، لكن يكفي أن يكون روايةَ شعب، وسببًا في بقائه وصموده.

    لقد سعدتُ في قراءة هذا المؤلف، وأحيانًا كثيرة أعود لقراءة بعضًا من صفحاته من جديد، لأتذكّر بعض ما ورد فيها، كي أُرسّخَها في ذهني فتبقى لي وطنا يسكن فيّ.

    أوردت المؤلفة معلوماتٍ كثيرةً بتفاصيلَ سهلةٍ واضحةٍ ومفهومة، وبموضوعيّةٍ وحياديّة، وهذا ما منح الكتابَ مصداقيّةً وثائقيّة لا جدال فيها، وفي هذا الصّدد وجدتُ نفسي مُتعلّقة بالكتاب وبما وردَ فيه من إضاءة على جزءٍ كبير من ثقافتنا، وحضارتنا الّتي لا تغيب، فهي حاضرة في التّاريخ وما قبل التّاريخ الميلاديّ!

    كون المؤلفة اهتمّت في خوض غمار الرّؤية الدّينيّة والحضارة والمواسم والأعياد، كلُّ هذا كافٍ ليدلَّ على مدى ارتباطها وانتمائها لشعبها، ولأرضها الكنعانيّة الّتي تدمج في ثناياها حضاراتٍ قديمةً سابقة: البابليّة والفينيقيّة والفرعونيّة والخ.. 

    هذا الكتاب هو مرجعٌ لكثير من المواقع التّاريخيّة والمزارات السّياحيّة الدّينيّة الّتي يزورها الكثير من النّاس والحجّاج والسّوّاح، يمكنهم اعتماده مرجعًا وشاهدًا صادقًا لحضارة ذلك المزار الّذي ينزلون فيه، فيُذكّرهم بأنهم ليسوا موجودين هنا بأجسادهم فقط، ولكن بقلوبهم وأرواحهم، وأنّه لا زال لنا ارتباط متجذر بأصولنا وبأرضنا عقائديًّا وتاريخيًّا.

    الكتاب يحمل رسالةَ مَحبّة، لكلّ مَن يفكّر أن يزرع بذورَ شقاق بين الفئات العقائديّة المختلفة، ليقول له: "لن تنجح"، فنحن بالمحبّة والوفاق نحيا.. سماؤُنا واحدة وأرضنا واحدة.. هواؤُنا واحدٌ وانتماؤنا واحد.. ومن لا دينَ له، فلا يزوره فرحٌ، ولا يسكن في قلبه سلام، ولا يحلُّ في نفسه رجاء!


صدور كتاب "قصص فلسطينية قصيرة" باللغة الإنجليزية

 


صدر حديثا، عن دار نشر "إنر تشايلد بريس" بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية، كتاب "قصص فلسطينية قصيرة" "48:Palestinian Short Stories"، باللغة الإنجليزية.

 ويعد الكتاب عملا وطنيا أدبيا نوعيا، ويضم 48 قصة قصيرة، لـ48 كاتبا فلسطينيا من الوطن والشتات.

 وتشكل فريق الترجمة من أكثر من عشرين مترجما فلسطينيا، وقد أشرف على تحرير وتدقيق الترجمة الباحث والمختص في الأدب الفلسطيني حسام عيسى رمضان.

تولدت فكرة الكتاب لدى حسام رمضان والكاتبة والمترجمة الفلسطينية نجوى غانم، قبل عدة سنوات، إيمانا منهما بأهمية الترجمة لنقل الرواية الفلسطينية وإيصالها لكل العالم لتثبيت الحق الفلسطيني.

وتم إنجاز العمل بالشكل الذي يليق بالأدب الفلسطيني والرواية الفلسطينية، وتحول المشروع إلى حقيقة ملموسة بين دفتي كتاب.

وإذ يعتبر رمضان ترجمة الأدب واجبا وطنيا وضربا من ضروب المقاومة، كما يهيب بكل من يمتلك القدرة على نقل الرواية الفلسطينية إلى اللغات الأخرى بذل جهده ليعرف العالم حقيقة الرواية الفلسطينية التي يحاول المتحل طمسها بكل الطرق.

وتعتبر الترجمة إحدى طرق توثيق التراث والثقافة الفلسطينية، التي تعد ضرورة ومطلبا وطنيا في ظل الهجمة الإسرائيلية الشرسة لسرقة التراث الفلسطيني وطمس الثقافة وتزوير الرواية الفلسطينية.


 


المرأة الوطن .. الشاهدة والشهيدة ". في رواية امرأة بين أربعة رجال، للأديبة الشاعرة رانيا حاتم

 



بقلم الأسير هيثم جابر

عندما يكون عالم السرد بحجم وطن وحجم إمرأة عظيمة، تكون الرساله دون شك نافذة تخترق القلوب والعقول وتترك أثرها الفعال في النفس الإنسانية، والقارئ بشكل أدق وهذا ما فعلته رواية الأدبية الشاعرة رانيا حاتم في روايتها "امرأۃ بين اربعة رجال " برغم قصر صفحات الرواية وبساطة لغتها السهلة السلسلة التي سادت عالم السود حين نسجته الأدبية رانيا حاتم " بُنيت الرواية من مئة صفحة تقريبا . واعتقد ان هذا النوع من البناء الروائي في عصرنا السريع يناسب عصر السرعة والاختصار فالقارئ اليوم المكتظ عالمة بمواقع التواصل الأجتماعي ومواقع الأدب والشعر على صفحات الانترنت والفضاء الأفتراضي يفضل اليوم ماقل ودل والأبتعاد عن الإطالة والروايات الطويلة. وهذا لا يعني أن نقولب أنفسنا في روايات قصيرة ترضي الجمهور أو القارئ، لكن لكل کاتب وجهة نظره في هذا المضمار، لكن رواية الأدبية الشاعرة رانيا حاتم مليئة بالرسائل ومليئة بالآهات التي واجهت شعبنا الذي هجر من أرضه ، بعد ان كان سيد في أرضه ووطنه يمتلك إرادته وأرضه، أرض التين والزيتون ، ارض البرتقال الحزين، ليتحول إلى شعب لاجئ لا حول له ولاقوة، لا يقوى على قوت يومه، كل ما يملكه هو خيمة وشتات. 

تدور أحداث الرواية في زمن النكبات والنكسات شعبنا رغم عدم الإشارة للزمن بشكل واضح وصريح، وهذا من ابداعات الكاتبه التي استخدمت الحدث والايحاء لتحفيز ذكاء القارئ وملكاته الأدبية والقرائية. الرسالة التي أرادت ان توصلها وتقولها الأدبية الشاعرة رانيا حاتم هي أن المرأة الوطن .. المرأة الأنثى .. المرأة اللاجئة هي التي تدفع ثمن الحروب والنزاعات التى يصنعها البشر، والتي يخترعها المحتلون والغزاة، هي أول من تنهش الكلاب لحمها في الأزقه والأروقة المظلمة حين تنهار، وتسقط ، وتدور الدوائر على انوثتها . قد يكون العدو الأول لهذه المرأة هو المحتل الغازي ، وهو كذلك ، وقد يكون أيضا الأب أو الأخ أو حتى الحبيب والزوج التي أرادت ان يكون سندها وظلها في الأرض بعد أن تكالبت عليها كل نكبات الزمن وكلاب السكك و"جوهر" هي بطلة الروايه تكون ضحية والدها الذي تركها لمصيرها حين أراد ان يتخلص من عبئها الاقتصادي بحجة زواجها وسترها في بيت زوجها وتركها وهي طفله في منزل الشيخ مسعود الجاني الثاني الذي لم یصن الأمانه لا هو ولا زوجته وتركها للمجرم الثالث ربيع ابن الشيخ مسعود المفترض فيه ان يكون زوجها وسترها وظلها ، فكان الذئب الذي يفترسها ويذبحها . تكتمل أركان حين يفترسها المجرم الرابع رأفت" الذي كان سبب دمار وضياع شقيقتها ميسر فيخدعها ويتزوج منها وينجب منها طفل في الوقت الذي افترس" ميسر " وكان سبب هربوها واختفائها الغامض ، وضياع شرفها وعفتها، ويصر على التستر على جريمته الأولى حتى تظهر ميسر وتخبر شقيقتها جوهر بالحقيقة، لكن بعد فوات الأوان. جريمة أبطالها وجناتها أربعة رجال كل أسهم وساهم في ارتكاب هذه الجريمة بقصد أو بدون قصد لكن الجريمة تبقى جريمة ولا تبرير للجرائم التي نصنعها بأيدينا ونحاول احيانا اضفاء حسن النية عليها رغم ان الجريمة الكبرى هي جريمة المحتل والغزاة بالأساس.

المرأة أول من يدفع الثمن في الحروب والنزاعات ، أول ضحية للمحتلين والغزاة كانت الضحية الأولى في مخيمات اللجوء في فلسطين حين فقدت الأب والأخ والزوج واصبحت هي كل هؤلاء، وتعرضت للنهش والاعتداء من كلاب السكك ولصوص الغابات المرأة كانت الضحية الأولى في العراق من المحتل وأدواته وتجار اللحم والعرض و المرأة كانت أول الضحايا في سوريا عندما صارت سلعة تباع وتشترى من قبل اشتباه البشر ووحوش اللحوم البشرية .

وللاسف الشديد كان المخيم هو مسرح هذه الجرائم والمجازر المرتكبة ضد المرأة وهذا حالها في كل مكان، نستطيع أيضا ان نقرأ رواية الأدبية الشاعرة رانيا حاتم بشكل مختلف لان القراءات تتعدد من كاتب للآخر ومن أديب لآخر والأدباء بكل تأكيد ستختلف قراتهم عن القارئ العادي والتقليدي القراءة تكون بشكل أعمق تخوض في التفاصيل الدقيقة والعميقة تخترق اعماق بحر الرواية لنقرأ الرموز وما بين السطور وتحليل الرموز التي ارادت الكاتبة ان تقولها وتترك التحليل والوصول لعقول الأدباء والقراء التي يجب على الكاتب احترام ذكائهم كما فعلت الأدبية الشاعرة رانيا حاتم ، فلم يكن جوهر مجرد إمرأة دفعت ثمن لجوئها وثمن حرب فرضها المحتل عليها وعلى شعبها ، بل قد تكون هذه المرأة هي الوطن فلسطين التى رمزت له الكاتبة من خلال جوهر التي مزقها الاغراب وتخلى عن الأصحاب بعد ان تم تفريغها من أهلها ، لقد تمكن الوحوش من افتراس جوهر وشقيقتها "ميسر " بعد أن فقدت الأب والاخ والعم والأهم من هؤلاء الأم التي ماتت على سرير اللجوء وهي طفلة، جوهر كانت فلسطين تكالب عليها الأغراب وتخلى عنها الأصحاب من عرب ومن عجم فكان مصيرها ما آلت إليه اليوم، واصبحت جوهر شبه أنثى ، شبه إمرأة ، يتفضل عليها رأفت بالزواج بعد ان افترسها ربيع المفترض به ان يكون حاميها وظلها . لتعود مكسورة الجناح من جديد إلى أزقة المخيم ، أرادت الكاتبه ان تقول أن فلسطين كالمرأة الضعيفة التي لاسند لها . تتكالب عليها الوحوش من كل حدب وصوب حين تخلى عنها الاهل والاصحاب فلسطين هي جوهر، وجوهر هي فلسطين وبينهما شبه كبير، ولك انت كقارئ أو كاتب أو أديب حرية القراءة والتحليل وحرية الفهم التي أرادت الأدبية إيصالها لقرائها وجمهورها من خلال السرد البسيط والاسلوب الاختصاري والتكثيف في الفكرة والنص معا، من أجل ايصال رسالتها الأدبية الرائعة ثم تنهي الكاتبة وتعتمد على الأسلوب المفتوح في انهاء الرواية لتقول ان الجريمة لم تنتهي بعد ، ولا زالت مستقرة مادام هناك إمرأة مضطهدة وتنهش لحمها وحوش البشر وتريد ان تحولها الى سلعة رخيصة للافتراس فقط ، الجريمة لا زالت مستمرة ما دام هناك احتلال لفلسطين ولأي ارض عربية او غیر عربية، يوزع شعبها تحت نير وظلال المحتل والمعتدي والغاصب ستكون المرأة الوطن والأنثى هي الضحية الأولى والأخيرة، اذن يجب ان تكون النهاية مفتوحة لتدليل على أن الجريمة لازالت مستمرة وترتكب بحق الأرض والشعب والمرأة والطفل. 

رواية الأدبية رانيا حاتم ، إمرأة بين أربعة رجال، تزخر بالمعاني الخفية والرسائل المستورة ، والضحايا والمجرمون يجوبون أروقه سطور الرواية وأزقة المخيم الذي كان شاهداً على هذه الجريمة التى افترست فيها " جوهر" وشقيقتها" ميسر"إضافة إلى انضمام الأطفال الى ركب الضحايا سواء كانوا أشقاء أو ابنها الصغير كما أن المخيم كان الشاهد ايضا على جريمة المحتل الغاصب الذي ارتكب ابشع جريمة في التاريخ ضد شعب أعزل اقتلع من ارضه ليصبح شعباً لاجئ اسمه الشعب الفلسطيني، رواية الأدبية رانيا حاتم تستحق القراءة وتستحق ان يتم تناولها بالبحث والتحليل وكشف ما بين السطور ومن الجدير ذكرة الى ان الكاتبة هي شاعرة صدر لها العديد من المجموعات الشعرية والابداعية وهنا أشدد الى أمر ان ما أتناوله من قراءات للأدباء والشعراء هو ما يتم السماح به ليخترق جدران الأسر من خلال زيارات الاهل وفي العادة يتم اعادة الكثير من الكتب احيانا لنفس الكاتب يسمحون بدخول مؤلف واعادة آخر المزيد من التوفيق للادبية رانيا حاتم ، وکل مبدع أتحفنا بإبداعاته ووضع بصمة على عقلنا الجمعي والمساهمة في تثبيت الرواية الفلسطينية وحمايتها من الزيف والاحتلال لان أخطر الاحتلالات هي احتلال العقول وسحق الخلية الوطنية والقومية


((واثقٌ كجرح)) للشاعر لقمان محمود


صدرت في العراق مجموعة شعرية جديدة للشاعر الكردي السوري لقمان محمود، بعنوان ((واثقٌ كجرح)) عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع. والمجموعة الجديدة هي العاشرة للشاعر في سياق نتاجه الشعري. وجاءت المجموعة في (142) صفحة من القطع المتوسط، وهو استكمالٌ لمشروع محمود في مجال الشعر.

طوى الشاعر مجموعته الشعرية على (35)  قصيدة. القصائد الموجودة هي: الركض، البيت، النوم الأخير، التراب، كتاب الألم، سنة، البحث عن المعنى، سلالم لصعود الموتى، سيرة الليل، ليست لي، كتاب الحب، من مسافة قريبة، سيرة الشجرة، كتاب الأجنحة، تساؤلات، أتابع حريتي، سيرة أعمى، سيرة السلام، في مكان ما، مفترقات، صمت الانسان، قالت العرافة، سيرة الماء، جرح، نوروز، من حجاب الوطن، صراحة النسيان، نوافذ كردستان، أنا هنا، مسافة عذراء، ذات جوع، رائحة الضوء، الذي لم يتعلم الغرق، عشاق، والكلمات الأخيرة.

تسبق هذه القصائد مقدمة للشاعر، وفيها يقول:

"أين المشكلة في أن يقرأ الواحد ويكتب من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، بل حتى من الأعلى إلى الأسفل كما هو الحال في بعض اللغات الآسيويّة... هل يضرّ ذلك بأية لغة كانت؟

وبما أنّ اللغة بمناحيها واتجاهاتها المتعددة تمثل الحياة بأسرها لأنها نتيجة حتمية لتفاعل الانسان مع بيئته أو بعبارة أكثر دقة تفاعله مع حياته وأحلامه وآلامه وجراحه وآماله... وإزاء كل ذلك أقول: جميلٌ أن يستنشق الواحد رائحة ودفء ونكهة وحنين اللغة الأم، لكنّ الأجمل من ذلك هو معرفة أحضان وقبلات  لغوية أخرى. هذا ما أعطت اللغة مفهوماً جديداً حاضراً في كل زمان ومكان، وعلى الدوام، ورغم ذلك  فبعضهم قال: اللغة وطن، وبعضهم قال منفى، وبعضهم لم يقل شيئاً... لكنّ الذين لا أوطان لهم لا يسكتون...". 

تتسم نصوص ((واثقٌ كجرح)) ببوح أصيل مع الذات والوطن والذكريات، كوسيلة للبحث عن معني أوسع للحياة في ظل المنافي. إنها نصوص تتسم بالكثافة الرمزية بمدلولاتها المتعددة: كثافة نوعية في المتخيل لغة ودلالة، وكثافة جمالية في المعنى، وكثافة في الرؤية، وكثافة في الاستقصاء المعرفي الشعري التي تدفع بالبعد الحسي إلى ملامسة الحقيقة و إختراق تفاصيلها الطافحة بالقسوة الموحشة على مدى عمر من المنفى والقهر. وكل ذلك من خلال مخيلة مشحونة برؤى تدفعها إليها ذاكرة حية تنهض على ملاحقة الماضي بكل همومها اليومية. من هنا يمكننا القول أن قصائد لقمان محمود في ((واثقٌ كجرح)) تثير جملة من القضايا الجوهرية المتعلقة بالكتابة الجديدة، على نحو عميق وواسع ومتنوع.

تجدر الإشارة إلى أنّ لقمان محمود شاعر وناقد كردي سوري، يحمل الجنسية السويدية. عمل في مجال الصحافة الثقافية كمحرر في مجلة سردم العربي، ومجلة اشراقات كردية، كما عمل كمحرر في القسم الثقافي لجريدة التآخي.

يقيم حالياً في السويد، وهو عضو اتحاد الكتّاب السويديين. شارك في العديد من الملتقيات الأدبيّة والثقافيّة، داخل وخارج السويد. نشر عدداً من الأعمال الشعرية والنقدية منها: "أفراح حزينة" 1990، "خطوات تستنشق المسافة: عندما كانت لآدم أقدام" 1996، "دلشاستان" 2001، "القمر البعيد من حريتي " 2012، "اشراقات كردية: مقدمة للشعر في كردستان" 2009، "البهجة السرية: أنطولوجيا الشعر الكردي في غرب كردستان" 2013، "مدخل إلى الثقافة الكردية" 2015، "زعزعة الهامش" 2019، "كسر العزلة الثقافية" 2021، "الصمت الذي لا يتوقف عن الكلام" 2022، وغيرها.


الشاعر شوقي مسلماني بعيداً من الأقفاص


ـ كتب سليمان الفهد. 

شوقي مسلماني، شاعر لبناني يعيش في أستراليا منذ عام 1977 . مولود سنة 1957 ـ كونين ـ جنوب لبنان. له العديد من المجموعات الشعريّة منها: "أوراق العزلة"، "حيث الذئب"، "من نزع وجه الوردة؟"، "محور مائل"، "لكلّ مسافة سكّان أصليّون"، و"قبل الموجة التالية". رئس تحرير مجلات: "الرابطة"، "الدبّور" و"أميرة". نشر وينشر في صحف منها "السفير"، "النهار"، "الأخبار" البيروتيّة، إيلاف الباريسيّة، القدس العربي اللندنيّة والعديد من الصحف اللبنانيّة والعربيّة الأستراليّة والمواقع الألكترونيّة. 

وفي لقاء أخير معه، وعند سؤاله عن تجربته والشعر قال: "كنت طفلاً إبن عشر سنوات حين توفيت إبنة عمّي بحادث سيّارة، وكان عمرها سبع سنوات، وبعد  أيّام سألني عمّي جريحاً أن أكتب شعراً في ابنته الراحلة نجاح، وهو سؤال غريب أن يُطلب من فتى، ويومها شخصيّاً لم أجد الطلب غريباً، فقط قمت إلى خلوة وكتبت قصيدة عموديّة من سبعة أبيات. 

انطلق عمّي بسيّارته من كونين الجنوبيّة اللبنانيّة الحدوديّة مع فلسطين المحتلّة إلى صور التي تبعد حوالي 40 كلم، ثمّ رجع بقطعة رخاميّة،  وعليها منقوش أوّل بيتين من القصيدة وجعلها شاهدة على قبر ابنته.  

كلّ ما أذكره قبل هذه الحادثة إنّي كنت أحب الشعر الشعبي وخصوصاً العتابا، ولم تكن لي تجربة مع الفصحى وإن كنت فيها أحفظ قصائد. ويوماً لم أقدّم نفسي شاعراً، رغم كثير القصائد العاميّة التي نظمتها، وبعضها تحاكي أغاني فيروز التي كنت أحفظ العديد من أغانيها وأغنيّها مع أترابي. وظلّت حالي هكذا حتى سنة 1975 وانقلاب عزيز الأحدب، حين كتبت فيه قصيدة عموديّة أدعو فيها إلى إيقاف الحرب الأهليّة اللبنانيّة وقد ألمح إليها التلفزيون اللبناني الرسمي في حينه.  

وإلى أواخر الثمانينات حين اتّصلت في أستراليا بالصديق الشاعر جاد الحاج فأهداني مجموعة شعريّة نثريّة له بعنوان "واحد من هؤلاء"، ثمّ بالصديق الشاعر وديع سعادة وأهداني مجموعة شعريّة نثريّة له بإسم "ليس للمساء إخوة"، ثمّ كنت أقرأ نصوصاً للصديق والأديب والصحافي أنيس غانم بعنوان "حقيبة مهاجر". واستقرّ بي المقام بكتابة الشعر المنثور. وأصدرت مجموعات لاقت استحساناً من النقّاد والأصدقاء منهم الشعراء اسكندر حبش، محمّد علي شمس الدين، عناية جابر، اسماعيل فقيه وكثُر لهم شأن في عالم الشعر والكتابة". 

أمّا عن نظرته إلى واقع قصيدة النثر وكلّ من القصيدة العموديّة وقصيدة التفعيلة والعاميّة فقال إن الشعر بالنسبة له هو الشعر بأي شكل أتى، بشكل العاميّة أم بشكل الفصحى أم بشكل قصيدة التفعيلة أم بشكل قصيدة النثر، المهم "أن تكون اللغة لها إيقاع الروح في حالاتها الكثيرة، ولكن على المستوى الشخصي استقرّ الهوى على الشعر النثري ظنّاً إنّ الشاعر هكذا يحلّق بعيداً عن الأقفاص والقوالب الجاهزة". وهنا أوراق من مجموعة "لكلّ مسافة سكّان أصليّون" عن دار الغاوون:  

1 ـ طبعُها سمّ  \ عقاربُ الساعة. 2 ـ ميناء لبحّارة \ تفحّمهم الشمس \\ الميناء يسأل عن بحّارة \ البحّارة يسألون عن ميناء. 3 ـ ملقى من عليائك \ على خردة ظلّك؟ \\ يا رئيس الطيور \ قلْ أيّ شيء في الملح الواسع \ إلاّ هذه الرعشة الأخيرة \ في جناحيك \\ إلاّ هذا الذهول \ في عينيك. 4 ـ قلبي الغاضب \ يهرب بعقلي \ نحو الزاوية المعتمة. 5 ـ رملٌ \ يطعن برمل. 6 ـ ضدٌّ يقتلك لأنّك ضدّه \ ضدٌّ يقتلك لأنّك على يساره \ ضدٌّ يقتلك لأنّ كلبه لم يستطع أن يعضّك \ ضدٌّ يقتلك لأنّ ملّته طلبتْ \ ضدٌّ يقتلك لأنّك شجرة \ ضدٌّ يقتلك لأنّك تريد أن تعمل \ ضدٌّ يريد أن يقتلك لأنّ لباسك غير لباسه \ ضدٌّ يقتلك لأنّك تسير على قدمين \ ضدٌّ يقتلك لأنّه يظنّ أنّك حين تكون تزرع \ أو حين تكون تصنع \ تكون لا تزرع ولا تصنع \ وضدٌّ يقتلك لأنّ شكل رأسك \ ليس هو الشكل المطلوب \ أو لأنّه ربّما \ يشعر بالملل.  


زيارة لتلفزيون هلا وصحيفة بانوراما في مدينة الطيبة




خبرللنشر من : الشاعر والإعلامي الكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل –

             قام مجموعةٌ من الشعراء والكتاب المحليين  بعد ظهر يوم السبت (13/ 5 / 2023 ) بزيارة  لصحيفة  بانوراما  وتلفزيون " هلا  " في مدينة  الطيبة  - المثلث  .    والشعراء الذين شاركوا في هذه  الزيارة هم :   الشاعر والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه  والشاعر الدكتور أسامة مصاروة  والشاعر الاستاذ حسين جبارة   والشاعر والإعلامي علي تيتي   والكاتب الدكتور محمد  بدران .  وكان في استقبالهم السيد بسام جابر صاحب ومدير محطة تلفزيون هلا وصحيفة  بانوراما . وكان  اللقاء  ودّيًّا وشائقا . وجرى الحديث بين الحضور والمضيف في مواضيع عديدة ومتنوعة: ثقافية وأدبية وفنية واجتماعية ، وتحدثوا عن مكانة اللغة العربية  وأهميتها وإعجازها .. وتطرقوا إلى موضوع الإعلام والدور الرائد والهام الذي  يقوم به تلفزيون  هلا  وصحيفة  بانوراما من تغطية  الأخبار المحلية  في هذا الصدد .

          وقد أهدى  كلٌّ من  الدكتور حاتم جوعيه والدكتور أسامة  مصاروه  والشاعر علي تيتي  مجموعة من كتبهم الصادرة  للأستاذ بسام جابر .

      هذا وقد اطلع  الدكتور حاتم  جوعيه  السيد بسام  جابر على النشاطات والفعاليات  التي  يقوم  بها  مؤخرا  وبالتنسيق مع  بعض الأدباء والشعراء وبشكل مستقل  في  إقامة   أمسيات   وندوات  شعرية  وثقافية  ومهرجانات شعرية  في  مختلف  أنحاء البلاد .. واتفق  معه على  تغطية  هذا النشاطات  إعلاميا من  قبل تلفزيون  هلا . 

   وكان تلفزيون  هلا  يودُّ  أن يجري  لقاء مطولا مع الدكتور حاتم جوعية والدكتور أسامة مصاروه الأسبوع القادم ...ولكن  حاتم جوعيه طلب تأجيل هذا اللقاء  قليلا حتى أن  تصدر  كتبهُ ومجموعاته الجديدة  في مجال الشعر والدراسات .


قراءة تحليليّة في محاورة شعريّة بعنوان: "هاتِ أوراقَكَ" بينَ الشّاعر المبدع والقس الفاضل جوزيف إيليّا والشّاعر الرَّهيف المهندس فوَّاز عابدون

 

الشّاعر السوري القس جوزيف إيليّا

   الشّاعر السُّوري فوّاز عابدون


         بقلم: صبري يوسف 

هذه المحاورةُ الشِّعريّةُ فيها غوصٌ عميقٌ في فضاءاتِ أوراقِنا المضمّخةِ بمذاقِ الشِّعرِ، تحملُ هذهِ الأوراقُ عبقَ السِّنينَ، وأنقى ما في بوحِ الحنينِ. حلَّقْتُ عالياً معَ تجلِّياتِ البوحِ، كم كانَ البوحُ متناغماً، ومتدفِّقاً مثلَ شلَّالٍ مِنَ الفرحِ، وكأنَّ هذهِ المحاورةَ الشِّعريّةَ انبثقَتْ من شاعرٍ واحدٍ ومن خيالِ شاعرٍ واحدٍ لِمَا فيها مِنْ تناغمٍ وتفاعلٍ في انبعاثاتِهما، فقدْ تمكَّنَ الشَّاعرانِ مِنَ الإمساكِ بتدفُّقاتِ الانبعاثِ. 

مساجلةٌ شعريّةٌ بديعةٌ للغايةِ، أشبهَ ما تكونُ حالةَ تدفُّقٍ حلميّةٍ، حالةَ تجلٍّ في ذروةِ العطاءِ. ما هذا التَّناغمُ الشِّعريُّ والبهاءُ الفنّيُّ؟ صورٌ مزدانةٌ بالجمالِ والألقِ ودندناتِ الرُّوحِ على إيقاعِ الحنينِ إلى ذكرياتِ الماضي البعيدِ وإلى حبورِ الشِّعرِ في أوجِ انبعاثِهِ. تولدُ القصيدةُ من لبِّ الحياةِ، من هسيسِ كائنٍ صغيرٍ أو مِنْ طنينِ نحلةٍ أو رهافةِ فراشةٍ تعانقُ بتلاتِ زهرةٍ، فيهفو الشَّاعرُ إلى أنْ يُحلِّقَ في رحابِ خيالِهِ مِنْ أبسطِ محرِّضاتِ الخيالِ. 

الشَّاعرُ القس جوزيف إيليّا ينبشُ أبهجَ القصائدِ مِنْ طينِ الحياةِ، ويلتقطُ رؤاهُ مِنْ دقَّاتِ القلبِ، لأنّهُ يصوغُ شعرَهُ مِنْ مرامي هذهِ الدَّقاتِ الرَّهيفةِ، فتولدُ القصيدةُ معبَّقةً بشهقةِ الحياةِ بكلِّ تجلِّياتِها، والشَّاعرُ فوَّاز عابدون معجونٌ في طينِ الحياةِ، ومبلَّلٌ في رذاذاتِ المطرِ، لهذا نراهُ يتهاطلُ مثلَ المطرِ الهتونِ فوقَ خميلةِ الشِّعرِ. تنبعُ القصيدةُ عندَهُ مِنْ سطوعِ القمرِ، مِنْ حبورِ غيمةٍ مِنْ بسمةِ الأطفالِ مِنْ عناقِ السَّنابلِ لانبلاجِ الصَّباحِ. 

يتناغمُ خيالُ الشَّاعرِ جوزيف إيليّا معَ أبجدياتِ الماضي، غائصاً في لجينِ الحاضرِ وعابراً بكلِّ ابتهالٍ في آفاقِ الصَّباحاتِ القادمةِ، فيتجلّى الشَّاعرُ فوَّاز عابدون في غوصِهِ في مرامي الذّاكرةِ وينبشُ خفايا وأبهى منعطفاتِها، مستوحياً أبهى حبورِ الشِّعرِ مِنْ رحيقِ الماضي وأريجِ الحاضرِ، فتولدُ تدفُّقاتُهُ معتّقةً بالأصالةِ ومبلَّلةً بهبوبِ النّسيمِ النَّديِّ على إيقاعِ انبثاقِ الشَّفقِ الصّباحيِّ. 

قصيدةٌ سِجاليّةٌ متفرِّدةٌ في انبلاجِها وتناغمِها بينَ شاعرَينِ متهاطلَينِ مثلَ هطولِ الفرحِ في صباحِ العيدِ، إنّهُ عيدُ الشِّعرِ، عيدُ القصيدةِ عيدُ الشُّعراءِ عيدُ الكلمةِ المجنّحةِ نحوَ هاماتِ الجبالِ الشَّامخةِ شموخَ الرُّوحِ في أقصى حالاتِ التّجلِّي. تمنحُني الكلمةُ الممراحةُ فرحاً وألقاً، كأنِّي أحدُ المشاركينَ في بوحِ هذا الشِّعرِ، لكنِّي أحدُ المشاركينَ في عناقِ الشِّعرِ واحتضانِ جموحِ الفكرِ الخلّاقِ. الشَّاعرُ جوزيف إيليَّا يمتلكُ رؤيةً خلّاقةً وتطلُّعاتٍ باسقةً في هدهدةِ الكلمةِ، ولا يفوتُهُ حالةٌ انسانيّةٌ، ولا أيَّةُ مناسبةٍ، أو منعطفٌ مِنْ منعطفاتِ الحياةِ، إلّا ولهُ فيها شهقةُ انبعاثٍ، وفي فضاءاتِ السِّجالاتِ الشِّعريّةِ لهُ تهاطلاتُهُ وبوحُهُ الرَّقراقُ، ويحالِفُهُ الانبعاثُ لأنَّهُ يتلقَّى جموحاً رهيفاً ممَّا يساجِلُهُ، فتأتي القصيدةُ في ذروةِ انبهارِها مِنْ كلا الشَّاعرينِ، حتَّى أنَّهُ يَصعبُ على القارئِ أنْ يميِّزَ مَنِ القائلُ هذا المقطعَ، أو المقطعَ الآخرَ لولا أنَّهُ يقرأُ اسمَ الشَّاعرِ، وكلُّ هذا التَّناغم في وهجِ الانبعاثِ والإنسيابيّةِ يجعلُنا نقولُ: إنَّ هذا التَّواصلَ والتّعانقَ هو إبداعٌ فريدٌ مِنْ نوعِهِ، وكمْ يراودُني أنْ نعمِّقَ هذهِ التّعانقاتِ فيما بينَ الأحبّةِ والبشرِ على كافّةِ الأصعدةِ، كي تغدو الحياةُ أكثرَ إشراقةً وتناغماً وعطاءً وبهجةً. الكتابةُ معراجُ طريقِنا إلى قمَّةِ القممِ، إنّها الحياةُ بعينِها، والشِّعرُ أصفى ما ينبعُ مِنْ رحيقِ الكتابةِ، إنَّهُ بلسمُ الرُّوحِ يشفي الجراحَ مِنْ اكتظاظِ ما نراهُ فوقَ جلدِ الحياةِ. تعالوا نكتبُ شعراً فرحاً حبَّاً ونترجمُ أبهى ما في قلوبِنا مِنْ عمقٍ إنسانيٍّ كي نرسمَ البسمةَ على وجوهِ الأحبَّةِ كما رسمَها الشَّاعرُ المبدعُ والقس الفاضل جوزيف إيليا  والشَّاعرُ البديعُ فوَّاز عابدون. فرَحٌ في مهجةِ القلبِ وفي سماءِ الرُّوحِ ينمو.

ينغمسُ الشّاعرُ القس جوزيف إيليّا معَ آهاتِ وهمومِ وهواجسِ الآخرينَ، فحالما سمعَ صديقَهُ الشّاعر المهندس فوّاز عابدون يتحدّثُ لهُ عَنْ أوارقٍ قديمةٍ عثرَ عليها في أرشيفهِ المتناثرِ بينَ طيّاتِ الزَّمنِ، وجدَ فيها مادَّةً خصبةً لمحاروةٍ شعريّةٍ مدهشةٍ، فقالَ لهُ "هاتِ أوراقَكَ" وافرشْها فوقَ مروجِ الشِّعرِ، لعلَّنا نستوحي منها أجملَ الأشعارِ، فلم يتلكَّأ الشَّاعرُ فوَّاز عابدون فوجدَها هو الآخرُ فرصةً لمناجاةِ ما جاءَ في قصائدِ الزَّمنِ الغابرِ، وراحَ يقرأ ما خطَّهُ قلمُهُ يوماً، ممَّا حرّضَ قريحةَ الشَّاعرِ جوزيف إيليّا، فحلَّقَ عالياً في فضاءِ البوحِ .. 

وسرعانَ ما أجابَهُ عابدون ببهجةٍ غامرةٍ، كأنَّهُ عثرَ على كنزٍ ثمينٍ، كانَ مخبَّئاً في مرافئِ العمرِ، مركِّزاً على صونِ الكلمةِ للعهدِ، مهما طالَ بها الزَّمنُ، لما فيها من أريجٍ معبَّقٍ بأرقى الذّكرياتِ. أجل! الأوراقُ تحضنُ هدهداتِ العمرِ، وتضيءُ الطّريقَ في عتمِ اللَّيلِ، وتزيلُ تراكماتِ الغبارِ المتفاقمِ فوقَ مروجِ الحياةِ.  

ويجيبُهُ القسُّ المُرهَفُ في شاعريتّهِ المتوهِّجةِ مثلَ ضياءِ الشُّموعِ، إنَّ الأوراقَ مكمنُ الأسرارِ، ومعبرُ الجمالِ، تموجُ بأناشيدِ النّقاءِ، وأبهى حالاتِ الابتهالِ، تموجُ بأصفى جموحِ الفكرِ، فيها تجلَّتْ منارةُ الأممِ، وهي منبعُ الجمالِ والوفاءِ، ومنها تنبثقُ أرقى الأغاني وتجودُ بأعذبِ الألحانِ، وهي خميرةُ الانبعاثِ على مرِّ الأزمانِ، تهدهدُ أرواحَنا بإشراقةِ الألقِ وتزرعُ فوقَ مآقينا مهجةَ الاشتياقِ! هاتِ أوراقَكَ وأنثرْها فوقَ منارةِ العبورِ! 

فيحلِّقُ عابدون في رحابِ الماضي بكلِّ ذكرياتِهِ الممهورةِ بالألقِ، ويشعرُ أنَّ الكتابةَ رحلةُ بقاءٍ موشومةٌ فوقَ خصوبةِ الزَّمنِ، فيها تكمنُ ديمومةُ العطاءِ، إنّها ذكرى طافحةٌ بأرقى الأماسي، ومكتنزةٌ بمذاقِ الشِّعرِ، وشهوةِ البقاءِ فوقَ خميلةِ العمرِ، مراراً غُصْنا في مهجةِ الشِّعرِ، نقتفي شهقةَ الانبعاثِ، مكلَّلةً بأبهى ما يسطعُ في مآقي الأفقِ، مستعيداً أجملَ الأيامِ، كأنَّهُ في مواسم ِالحصادِ يلملمُ دُرَرَ الحياةِ مِنْ ضياءِ البدرِ، ومِنْ هِلالاتِ الغسَقِ، الشِّعرُ يناغي ذكرياتِنا الغافيةَ في خضمِّ اللَّيالي المعبّقةِ بأزهى الأحلامِ، راغباً أنْ يستنهضَها مِنْ نومِها العميقِ، ويرسمَ فوقَ حبورِ الحرفِ بهجةَ الانطلاقِ! 

تنسابُ تدفُّقاتُ الشِّعرِ عبرَ هذا السِّجالِ البديعِ، مثلَ هبوبِ نُسيماتِ الرَّبيعِ، في صباحٍ معبَّقٍ بأريجِ القَرنْفُلِ، فيتدفَّقُ الشَّاعرُ جوزيف إيليَّا كأنَّهُ في أقصى حالاتِ الابتهالِ، قائلاً ستبقى الكتابةُ وأوراقُكَ ساطعةً ولا يهزمُها غبارُ هذا الزَّمانِ ولا الأزمنةِ القادمةِ، لأنَّ الكتابةَ رسالةُ عشقٍ لكلِّ الأجيالِ، تصونُ العهدَ على امتدادِ العمرِ، تقدِّمُ وهجَ الحرِّيّةِ غيرَ آبهةٍ من شفيرِ العابثينَ، لأنَّها مرتكزةٌ على صلابةِ الصّوانِ. تسمو القصيدةُ عالياً فوقَ ما يصادفُها مِنْ عجاجِ وشوائبِ هذا الزَّمانِ، تُحصِّنُ فضاءَها بعمقِ مداركِها فتجنِّبُها مِنَ الانزلاقِ في دهاليزِ الغرقِ، ثمَّ يحلِّقُ الشّاعرُ في آفاقِ التّجلّي يَشيدُ أبراجَ السُّموِّ بتضافرِ جهودِ الأجيالِ، عبرَ إشراقِ الحرفِ، ولا تلوي ذراعَ القصيدةِ رياحٌ عاصفةٌ، مؤكِّداً على انتقاءِ أرقى ما جاءَ في الأوراقِ من رصانةِ الحرفِ.

ويجيبُهُ الشَّاعرُ فوَّاز عابدون، تفضّلْ واخترْ ما تشاءُ مِنْ رحابِ الأوراقِ، وحلِّقْ في سماءِ الحرفِ، ممَّا يساهمُ في جموحِ الألقِ، وهدهدْ ما تبقّى لمَن لديهِ إمعانٌ في شهقةِ الشَّفقِ، كي ينتقي هو الآخرُ ما يراهُ باذخاً في جموحِ تماهياتِ الغسقِ. مركِّزاً على ما باحَتْ بِهِ رصانةُ الأوراقِ، هامِسَاً لصديقِهِ، خذْني إلى أقصى الأقاصي، وحلِّقْ بي في أسمى آفاقِ الألقِ، فها قدْ غُصْتُ عميقاً في لجينِ الأوراقِ، ووشَّحْتُهُ فوقَ وجنتي، فلا تتوانَ أنْ تتوغَّلَ في مروجِ حرفي، وتجَلَّ بكلِّ شموخٍ في أصفى مرامي البوحِ، وغُصْ في أعماقِ ما جاءَ في كنوزِ الأوراقِ كي تحيي ما توارى منها، كم كنْتَ شفيفاً رهيفاً محرِّضاً على البوحِ، وعميقاً في غوصِكَ في منارةِ الحرفِ، قرأْتَني مثلَ عصافيرِ الخميلةِ وهي تشدو على مقربةٍ من دنياي، تريدُ أنْ أنهضَ من سُباتي كي أَنشدَ معها أنشودةَ فرحٍ من نكهةِ الألقِ، فما وجدْتُ نفسي إلّا وأنا في ذروةِ شغفي، أُهدهدُ كلَّ ما جادَتْ بِهِ قريحتي وما دغدَغَتْ وأيقظَتْ مكامنَ الشَّوقِ إلى كلِّ ما تناثرَ في حبورِ الورقِ! 

واختتمَ الشّاعرُ المدهشُ القس جوزيف إيليّا مثلما بدأَ محاورتَهِ الشِّعريّةَ، مركِّزاً على العودةِ إلى مهاميزِ الحرفِ والأوراقِ، فهي كنزٌ من كنوزِ العمرِ، ويطلبُ مِنْ صديقِهِ أنْ لا يتوقّفَ عَنِ الكتابةِ، لأنَّ الكتابةَ هي حياتُنا المشتهاةُ وعبرَها نتعانقُ معَ الوجودِ وتصبحُ الحياةُ أكثرَ جمالاً وبهاءً، وتصونُنا مِنَ الشُّرورِ المُحْدِقةِ بنا، فلا نمتلكُ سوى أقلامِنا وأوراقِنا نرسمُ عبرَها آفاقَ رؤانا فوقَ وجنةِ الحياةِ وانبعاثِ هِلالاتِ الخلودِ! 


ستوكهولم: 26. 4. 2023 

صبري يوسف

أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم


وفيما يلي المحاروة الشِّعريّة ما بين الشّاعر القس جوزيف إيليّا والشَّاعر المهندس فوّاز عابدون

هاتِ أوراقَكَ

في حديثٍ لي معه أشارَ صديقي الشّاعر الأستاذ المهندس فواز عبدون إلى أنّهُ قدْ عثرَ على أوراقٍ قديمةٍ له فيها الكثير ممّا كانَ قد نسيه مِنَ الكتاباتِ فكتبتُ له قائلًا : 


هاتِ   أوراقَكَ    واقرأْ    ما   بها                            

أجملُ    الأقوالِ     قولُ   الورقِ 

فيهِ    ما    تعجزُ   عنهُ   شفَةٌ                           

هاتفًا    بالقلبِ :   هيّا   انطلِقِ

فأجابني قائلًا : 

إنّها     حُزْمةُ     أوراقي   الّتي                          

طالعتْني       بالسّنا     كالفَلَقِ

لمْ  تزلْ  تحفظُ عهدًا  قد  مضى                           

إنَّ      للأوراقِ    ما    للعبَقِ

فقلتُ : 

إنّها    الأوراقُ   جمِّلْ   وجهَها                         

كاتبًا      فيها    لمزمورٍ  نقِيْ

كمْ   بما  ضمّتْ  بنَتْ   أزمنةً                        

وبهِ    قومٌ     نجَوا  مِنْ   نفَقِ 

وحوتْ   أسطرُها    فكْرًا    بهِ                         

أممٌ     عاشتْ   ولمْ   تختنقِ 

هاتِها      لوِّنْ  عليها  صوَرًا                        

أعينٌ   منها   جَمالًا   تستقي 

واكتبِ  الألحانَ  والشِّعرَ  بها                        

وانتظِرْ    ميلادَ   آتٍ مشرِقِ

فقال : 

هذه    الأوراقُ    إذْ  ألفيتُها                       

قد     أعادتْني  لذاكَ  الألَقِ

إنّها   ذكرى   لأمسٍ  لمْ   أزلْ                      

فيهِ    أحيا   عنهُ   لمْ   أفترقِ 

إنّهم  صَحبي  وكم  كانت   لنا                       

أمسياتٌ      من  قريضٍ   أَنِقِ

كان  لي    فيها  سِجالٌ  مُمتِعٌ                       

مِنْ  رياضِ الشِّعرِ أجني زَنْبَقي

كم    تنادَمْنا     بشِعرٍ  باذِخٍ                       

في   العشيّاتِ  بوقتِ   الغَسَقِ

ذكرياتٌ   قد  غَفَتْ  في  ليلِنا                       

فلْتقُمْ    مِنْ   نومِها   ولْتُطْلَقِ



فقلتُ : 

لن    تُلاشى    وستبقى  طالما                        

بلهيبِ    القُبْحِ    لمْ    تحترقِ 

تخبرُ     الأجيالَ  عن  أجيالِنا                       

كيف  شادت ما هوى من طُرُقِ 

وإلى المرجوِّ سارت  في  خطًى                        

حُرّةٍ     ما   لُوِّثتْ  من   نزَقِ 

تعبتْ      لكنْ   أبتْ  كسْرتَها                        

وأبتْ    أنْ   تُكتسى   بالخِرَقِ 

وسمتْ   أرواحُها  ما   دُنِّستْ                         

وحَماها     وعيُها   من  غرَقِ 

ويرى   مَنْ  بَعدُنا  يأتي  دنًى                         

صرْحَها   شِدْنا  ببذلِ   العرَقِ 

لمْ    نلِنْ  رغم  مآسٍ  ريحُها                        

عصفتْ عصفًا  بنا لمْ  تُشفِقِ 

هاتِها   الأوراقَ  صيِّرْها  هنا                         

دفترًا    ممّا  سيحوي   ننتقي


فقال : 

خُذْ  مِنَ  الأوراقِ   ما قدْ يُنتقى                         

واتْرُكِ   الباقيْ    رهينَ  الحَدَقِ

إنَّ   فيها   بوْحَ   ما  أحْسَسْتُهُ                         

في   سُطورٍ    إنّما  لَمْ  أَنْطِقِ

قالتِ  الأوراقُ:   إنّي  ها  هُنا                         

فاصْطحِبْني    للمدى   للأفُقِ 

كلُّ   ما   أحسَسْتُهُ    سطّرتُهُ                        

فوقَ  وجهي في سطوري حَدِّقِ

وانْشُرِ  المكنونَ  فيها   فلْتَعِشْ                         

أو  تَمُتْ  حزْنًا   إذا لَمْ  تُعْتَقِ

طالَعَتْني  مِثْلَ  عُصفورٍ  شَدا                        

عِندَ    شُبّاكي  ونادى :  أفِقِ

فالتَزَمْتُ   الأمْرَ  إذْ   لَمْلَمْتُها                         

طائعًا   أجْمَعُ   مِنْها ما بَقِيْ 


فقلتُ : 

عُدْ  لأوراقِكَ    واكتبْ   فبِها                         

معْ    حياةٍ   نشتهيها  نلتقي 

وبها    نرسمُ    رسْمًا  خُلْدَنا                         

فلْتُصَنْ مِنْ  كلِّ  شرٍّ مُحدِقِ


القس جوزيف إيليا

٢٦ / ٤ / ٢٠٢٣ 

فواز عابدون