أمسية فنية شعرية في مدينة المغار يشارك فيها الدكتور حاتم جوعيه ونخبة من الشعراء والفنانين المحليين

 





      بمبادرة وتنظيم من الشاعرعطا الله معدي ( أبو شادي )  بمناسبة عيد ميلاده أقيم مساء يوم السبت (  29 /  7 /  2023 ) في عزبة أبي شادي في مدينة المغار أمسية فنية شعرية شارك فيها  نخبة من الشعراء والفنانين  المحليين ، وحضرها عدد كبير من الاصدقاء والضيوف من مختلف أنحاء البلاد .

     أفتُتِحَ الإحتفال بكلمات ترحيبيَّة من المُضيف وبعض الشعراء الزجليين المشاركين .. وألقت  أيضا  الكاتبة  منال عزام ( من قرية كفر كنا ) كلمة ترحيبة من قبل مننتدى "ينابيع " للإبداع ..ثم كانت وجبة العشاء واسراحة  قصيرة ، وبعدها استمرت السهرة عدة ساعات. وقد تولى عرافة البرنامج  الشاعر المضيف عطا الله معدي.وكان هناك فقرات فنية وزجلية وقراءات شعرية. 

   الشعراء والفنانين الذين شاركوا في هذا الإحتفال :

 الشاعر والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه ( مدينة المغار) ، الشاعر حسين حمود ( قرية دير الأسد ) ، الشاعر الزجلي كريم معدي ( مدينة المغار) ،  الشاعر، الفنان يوسف أبو خيط (مدينة الطيرة - المثلث)، المطرب مرزوق طربيه  (قرية عسفيا) ، الشاعرالزجلي سرورحلبي ( قرية دالية الكرمل ) ، الشاعر الزجلي عطا الله معدي ، الشاعر الزجلي مروان هيبي (من قرية كابول) ، الشاعر يوسف زعبي (قرية كفر مصر) ، الشاعر عادل شمالي ( قرية الغجر- الجولان )، الشاعر الزجلي سعيد خطيب (هضبة الجولان ) ، الشاعر علي تيتي ( قرية البعنة ) والشاعرة  نوال دهامشة من قرية كفر كنا  .


كتاب أصوات معاصرة : جامعة جورج تاون تحتفي بالقاصة صبحة بغورة

 



  صدر عن مطبعة جامعة جورج تاون الأمريكية كتاب “أصوات معاصرة” لطلاب المستوى المتقدم ويضم 55 قصة قصيرة باللغة العربية من عشرين دولة من الشرق الأوسط .. تم تنظيم القصص في فصول بناء على بلدهم الأصلي، كما تسبق كل قصة سيرة المؤلف وتليها تمارين لمساعدة الطلاب على استخدام المفردات والفهم واستكشاف التقاليد الأدبية وإتقان التحليل الأدبي. اختار قصص الكتاب جوناس البوستي مدير الدراسات الجامعية بجامعة ييل، نيوهيفين ـ امريكا، وكتب مقدمته روجر ألين وهو أستاذ فخري بجامعة بنسلفانيا .

تم اختيار قصة " دموع على خفقات القلب" للكاتبة الجزائرية صبحة بغورة في قائمة من ثلاث شخصيات أدبية تمثل الجزائر.

ـ كتب البروفيسور الدكتور جوناس البوستي : " تعمل هذه المجموعة الجذابة من القصص القصيرة  المعاصرة من مختلف البلدان العربية على تطوير إتقان الطلاب للتحليل الأدبي والوعى الثقافي حيث تُعرّف «أصوات معاصرة» طلاب المستوى المتقدم بالقصص القصيرة المعاصرة من جميع أنحاء الشرق الأوسط ، خمسة وخمسون قصة باللغة العربية من عشرين دولة تعمل على إشراك الطلاب في الموضوعات الحالية والأساليب الأدبية التي تفتح الباب لاكتشاف كل من المؤلفين الراسخين والناشئين والتقاليد الأدبية. يتضمن الكتاب أصواتا من البلدان والشعوب الناطقة بالعربية التي غالبًا ما يتم تجاهلها مما يمنح القراء الفرصة لتوسيع فهمهم للثقافات العربية."

ـ أكدت جوانا سليمان وهى أستاذ مساعد، قسم لغات وثقافات الشرق الأدنى، جامعة ولاية أوهايو: " أصوات معاصرة هو مصدر ترحيب للطلاب المتقدمين فى اللغة العربية وآدابها. وقد اختار البستي بعناية القصص القصيرة التي تعرض مجموعة واسعة من الجماليات والموضوعات والحقائق الإقليمية. وتغذى التمارين مهارات القراءة عن قرب والتعلم التفاعلي والتواصلي الضروري للقاء هادف مع الأدب"

ـ وصفت هدى فخر الدين وهى أستاذة مشاركة في الأدب العربي بجامعة بنسلفانيا مجموعة الاختيارات :  بالمجموعة القصصية المنسقة ببراعة حول المواضيع الجذابة وفى تعددية من الأساليب والأصوات لذلك يضع كتاب «أصوات معاصرة» الأدب والكفاءة الثقافية في مركز تعلم اللغة التواصلية وتجهز طالب اللغة العربية للقفز نحو إتقان اللغة.

قراءة في ديوان فراس حج محمد على حافّة الشعر ثمّة عشق وثمّة موت [1]



فاطمة عبد الله سلامة [2]| فلسطين

على الرغم من أن الكتابة حول هذا الديوان لن تفيَه حقّه، وسيظل هناك قصائد كثيرة نغلق عليها التأويل، إذ من العسير علينا لملمة انفعالات الشاعر التي ميزت شخصيته وأسلوبه ووجدانياته المتفردة بمزاجه العاصف، وروحه المليئة بالتوتر، إلا أنني حاولت.

حين يكون الإهداء "إلى من مروا على لغتي وأقاموا فيها صلاتهم"، فهل يكون علينا المرور على لغة متخيّرة الألفاظ، عذبة المعاني، منتخبة جيدة السبك مرور الكرام؟

بالطبع لا. فحين نقف بين يدي لغة فراس حج محمد نقبل عليها بأفعال وأعمال التذوق، والتفسير، والتعليل، والتحليل، وبخشوع لنقيم صلاة، والصلاة تحتاج طهارة، وطهارة القلب هي المرادة، فاغمس قلبك بالحب وأقبل.

"على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت"[3]، والعشق والموت واحد، ففي تعريف للعشق قال محيي الدين ابن عربي "العشق التفاف الحب على المحب حتى خالط جميع أجزائه" [4] ، والعشق هو الإفراط في الحب والشغف بالمحب، تُفقد فيه السيطرة على العقل ليجمح ثورة القلب. وفي سيرة لابن العربي كتبها محمد حسن علوان "موت صغير" [5] عنى به العشق.

وللمرور إشارة تضاء ليدخل بها الشاعر ديوانه، قصيدة (إشارة مرور) ص11.

في زحمة عاطفية

أكتب كي أمرّرني بين خطوط ملتوية

فثمّة امرأتان ونصف كائن بشريٍّ هناك

امرأة أحبّها وتصمت

وأخرى تحبّ أنايَ فأصمت 

وأنا أخلع في الفراغ كياني وأمرّ...

الشاعر في هذا الديوان يكتب القصيدة خارجاً عما ترسخ في الأذهان أن القصيدة هي التي تكتب الشاعر... والشعر إلهام، والشاعر يوحى إليه...

أول ما يعثر عليه المتلقي في هذه القصيدة الألم وملامح شكوى تشير إلى نفس حساسة مرهفة الشعور، وهذا جانب من جوانب الشاعر، له بواعثه ومقدماته، ونتائجه، على طول صفحات هذا الديوان. 

في المجموعة الأولى من الديوان "من غمسة الريشة" يتدفق حبر الإبداع وينسجم بين الخيال واللغة المدققة المنمّقة، وقوة الديباجة وزهو الزهور والورود بين أبيات الشعر:

الشّعر سيّدةٌ زهراءُ هائمةٌ

  تختالُ زهوتُها بينَ البساتينِ

تمشـي بأحْرُفِها في غُنْجِ فاتنةٍ

  تسقي الورودَ بأقداحِ الحساسينِ

وتعزِفُ الفردَ من ألحانِ نشْوَتِها

  جَذْلى يعانقُها بوْحُ الأَفانينِ

شمّاءُ فرعاءُ لا تلهو بأَظْفُرِها

  نَجْوى الجَلالِ بأفياءِ الرَّياحينِ

  من قصيدة (الشعر سيدة لسيدة الشعر) ص15.

ست قصائد في هذه المجموعة تفوح مفرداتها برائحة الورد والياسمين والرياحين والنرجس.

في المجموعة الثانية "منمنمات" ليس هناك شك في صدق العاطفة وحرارة الانفعال التي تصل إلى المتلقي. (منمنمة على شغاف القلب) ص29:

أتت على فرعين من لغةٍ

محمّلةً بوهجٍ

مثل موجٍ

طائراً غنّى على برْجٍ

وهاجْ

حطّت على فرعي

ومعي معي

وتسرّبت في أضلعي

مثل ألسنة السّراجْ

قطفت من الشّفتين كِلْمةْ

ومن القلب المضمّخ شمّهْ

ومن العناقِ على العناق أمتعَ ضمّةْ

مثل ماء الوصلِ في صفو امتزاجْ 

قصيدة (على صهيل الحب ) ص31 يحلق الشاعر بروحه وشاعريته إلى السماء بإنشادة رائعة:

أحبّك قدر ما في الكون من حبٍّ

ومن مطرٍ

ومن ذكْـرٍ ومن شعرٍ ومن نثْرٍ

ومن شهوةْ

ومن شمسٍ ومن ليلٍ

ومن أملٍ ومن يأسٍ

ومن ضعف ومن قوّة

أحبّك قدر سمائنا بنجومها

وبضوئها

وخيالها

شغفا بصهيل المهرة الحرّةْ

وقدر الأرض كلّ الأرضْ

بمحبّة نافت عن القدرةْ

وقدر ما في الزّهر من عطرٍ

وما في الغيم من قطرةْ

أحبّك قدر ما في لوحنا المحفوظ من قدَرٍ

أتى يشدو الغرامَ بقمّة النّشوةْ

قصيدة لها لحن خاص يصعد ويهبط، يرسم لوحة تتسع بالضوء وتضيق بالظل، وحرف العطف الذي لا يكاد مطلع سطر يخلو منه وإن غاب أحضر الشاعر مفردة أحبك. يفعم قلوبنا بالحب والتعاطف معه وهو مؤمن بالقدر المكتوب باللوح المحفوظ. 

في اعتقادي استطاع الشاعر أن يعبر عن عمق شعوره وصدقه ويسجل همسات قلبه بكل ما فيها من ضعف وقوة ويأس وأمل بأنغام، وألوان متكاملة شجية وفي قطع موسيقية لا تخلو من الإبداع والتميز.

في هذا الديوان أيضا ظاهرة وسعت الشعر والنقد، يبحث في العلاقات انسجاما بين الخيال والواقع، فنجد فراس الناقد الاجتماعي والفني والأدبي والمفكر، بعين الناقد يقرع طبولا كثيرة وبإحساس الشاعر يصوغ قصيدة تعكس البعد الثقافي لشخصيته.

المجموعة الثالثة- إللات: محاولة في القفز على حواجز اللغة

القصيدة الأولى في هذه المجموعة (إلى الحفيدات : عن الفتيات اللواتي لا يعرفن جدّهنّ)

قصيدة تنساب من شعور يتفق ومزاج أصيل يدركه المتلقي ويعايشه، فتنساب الكلمات بلا تكلف ولا صنعة ولا اختلاف، ينطلق بالقصيدة ودون زخرفة يرسم لوحة حسبما يتفق وذكرياته وذوقه يحصي فيها خسارة الحفيدات دون أجداد. 

يكتب الشاعر إلى أصدقاء وصديقات يكنّ لهم الوفاء، وإلى شعراء وأدباء نقدا وتقديرا، وإلى نساء يجهر أو يرمز إليهن، ولهن مكانة خاصة لديه، يقودنا إلى عالمه الخاص فنقف أمام صور شعرية ندرك فيها شعورا إنسانيا ينمّ عن مدى العمق والشمول، في الاتصال بالكون والحياة ويرسل تعابيرَ موحية لنقف على الدلالة المعنوية والذهنية للألفاظ والعبارات. كقصيدته إلى الشاعر أشرف فياض (كيف أنجو من الأيديولوجيا؟) ص100، وقصيدة ( إلى ايرما جارسيا من زوجها جو) ص111، وقصيدة (إلى ابراهيم نصر الله روائيا:  الصعود إليّ قَبلا) ص103، والتي سبق وتناولها فراس حج محمد في إحدى مقالاته النقدية، ويتناول في القصيدة شخصيات الرواية ويدخل في مكوناتها. وكما فعل في قصيدة (إلى جاد عزّت :كأنه "الناقص مني" أنا أيضا) ص83، وانغماسة روحية في ديوان الشاعر جاد عزّت.

و(إلى الشاعر العباسيّ أبي تمّام باحثا عن وصْل الشعر) ص135.

هذا الشاعر الذي شغل القدماء والمحدثين في تناول أشعاره ونال شهرة في حياته وبعد مماته، ذلك لأنه عني بمفهوم الشعر انشغالا بوظيفته، لقد سيطر على عقله مفهوم الشعر بشكل غير مسبوق فكان يدعو إلى التأني إليه ومن ذلك قوله [6]:

ولكنه صوب العقول إذا انجلت سحائب منه أعقبت بسحائب

والصوب هنا المطر ، وهذا البيت يعني أن دلائل الشعر لا نهاية لها، ومعانيه لا يحجزها فضاء، فالشعر ليس وحيا فقط، إنما هو العقل والثقافة وسحائب متتابعة.

أما البيت الذي اختاره فراس حج محمد فهو بيت عجيب يأتي به أبو تمام بوعي صريح مباشر قاطع (الشعر فرْج) [7] إنه لا يوارب ولا يقارب، يقول لك صراحة إن الإبداع هو هذه العلاقة من التداخل والتمازج والمتعة، وكل متعة تحتاج إلى رعاية واجتهاد، فلا معنى دون معرفة، ولا معرفة دون بحث وتعمق وتأمل، وأبو تمام يرى القصيدة امرأة حلوة لا يسهل على العابرين إتيانها، وفراس حج محمد يأتي ببيت أبي تمام، بقصيدة يقودنا إليه ويعبر عنه، يهتك أسرار بيت الشعر ويمزق حُجبه.

هذا الديوان بشكل عام معرضا لتفنن الشاعر وتنوع موضوعاته، ولهذا كان من الصعب على القارئ تناول الديوان دفعة واحدة، إذ من الصعب جدا خلق جو نفسي عام لتلقي تنوع الموضوعات فعلى القارئ الخروج من حالة ذهنية إلى حالة ذهنية أخرى، ومن نقلة نفسية إلى أخرى. ولكن أيضا في هذا الديوان ما يطرد السأم من النفس، فتتركه برهة لتعود إليه بشوق محدثا فيك المتعة والدهشة.

يمضي الشاعر في قصائده إلى صوفي ، مهداة إلى امرأة لا تمل من الحب، تنوع هنا أيضاً بين الشعر المقفى وشعر التفعيلة وقصيدة النثر يسرد انفعالاته وأحاسيسه ويصور جزيئات شعوره حينا وعاطفته الملتهبة، وثورة جسده حينا آخر، يغرق في الغزل وتفوح القصائد بالحب، الذي لا يخلو من الوجع والمعاناة كما في قصيدة (مشهدان لوجع يدعى الحب) ص170

(يا كلّ صبـــحٍ ناقضٍ متــــناقضٍ          هلا اتَّقيتَ الله في القلبِ الشّقيْ)

(1)

الحبّ أنّك موجعٌ دون سببٍ ظاهرٍ

تُعجزُ الطبّ والأدوية

وتفسد اختراع الطمأنينة والهدوءْ

تلغي قوانين الطبيعةِ

والشتاء الطويل الكثيفُ يصبح أقصرَ من فروع الشجرةْ

الحبّ لغة تسبح في بياض القلبِ

صمتِ الشفاهِ

احتدامِ التأمّلِ

اضطراب المنطقِ المعتلّ أصلاً

الحبُّ حبّة قمح فاسدة تستقرّ في قعر تربةِ القلبِ

تفسده عن آخره

تجعله هشّاً كقبضة قطنٍ

طرياً مثل الزغبْ

شائكا كجملة رعويّة المعنى تماماً

مائعاً كالهواء ساعة الفجر الأوليّ

الحبّ تعثّرٌ، وتلعثمٌ، وتغرّبٌ، وتبعثرٌ 

وإضاءةٌ فضّاحةٌ لمجرى الدمْ

الحبّ هذا الكلامُ الذي يوجع الوقتَ

ويكتب الحدَّ

يقتل اشتهاءات المجاز في سلّة الذاكرةْ

(2)

ثمّةَ ما أعددْتُه لامرأةٍ أخلفت موعدَها الوحيدَ معي 

ولم تأتِ

فصارت كالحجرْ

ونَسيتُها، ونسيتُ ما شكلُ الكلامِ

قصيدةً وبريةً المعنى تنام على يديّ كوهج نارْ

ونسيتُ موعدَها.....

فيطلق هنا بواعثه النفسية ولوعة الحب وما يصيب المرء به من الإطراق والصمت والشرود.

في المجموعة الرابعة "في مديح النهد" وهذا ورد في المجموعة الثالثة أيضا، قد يضيق صدر بعض المتلقين من زاوية أخلاقية بشعر فراس ويسقطونه في هوة لا قرار لها، ويتبرمون ويتحرجون منه في المقاييس النقدية، ويعتبرونه متهتكا مستهترا، ويعتبرون شعره لا يصح  للناشئة أن تطلع عليه، لما قد يحدثه من أثر رديء في نفوسهم ويضر بأخلاقهم.

هنا الشاعر ليس واعظا أخلاقيا، وهذه المادة ليست تربوية، فالشعر هنا يرتبط باللذة الجنسية، ويبدع في منحها طاقة تصويرية هائلة، والجميل أن فراس كان صادقا مع نفسه وهو يكشف ما يختلج فيها، صادقا في تجربته وبالخبر الذي يقدمه، صادقا في أمور قد يتهم فيها بخلقه وتدينه، ومخلصنا في القضاء على مسافة ما يشعر به وما يقوله. وإن كان الشعر قائما على التخيل وليس لنا عليه البرهان الصادق، فألذ الشعر أكذبه، إلا أنه ينهض بمخيلة السامع.

يقول الناشئ الأكبر وهو أبو العباس عبد الله بن محمد في تعريف للشعر ووصفه: "الشعر قيد الكلام، وعقال الأدب، وسور البلاغة، ومجال الجنان، ومسرح البيان، وذريعة المتوسل، ووسيلة المترسل، وذمام الغريب، وحرمة الأديب، وعظمة الهارب، وعذر الراهب، وفرحة المتمثل، وحاكم الإعراب وشاهد الصواب" [8].

المجموعة الأخيرة: في حبسة الكوفيد التاسع عشر 

يتناول الشاعر الانقطاع عن العالم، وما أحدثه هذا الفيروس من تغيرات في حياة الناس وأمزجتهم، وإحساس الشاعر بالضجر والملل والكآبة والملل، يضع الشاعر القارئ بين فكي الإحباط والتخبط، والانتظار والترقب بلغة شعرية وصور مبتكرة، كما في القصيدة الأولى من هذه المجموعة (رسائل الشبح الصغير) ص204

ماذا حلّ بالحداثة يا ولدي؟

يقولون إنها أضحت في مأزق وجوديّ كبير

يقف الشبح الصغير المحتال ضاحكا من بارودة الجنديّ في مشهدٍ عبثيّ لطيف؛ مؤلم في الحالتينْ

الشبح الصغير يحقّق انتصاراته دون عناء يذكر

يجلس مرتاح البال يلتقط الضحايا في كلّ مكان 

يحاصر المحاصرينْ

هذا الشبح الذي سبب الخوف والهلع وأدخل العالم طلاسم الخروج من هذه الجائحة. يختم الشاعر قصيدته 

حتما "هذا الوقت سيمضي" ويكون للعالم وجه آخرْ

(هذا الوقت سيمضي) مقولة لوزير هندي يصل إليها الشاعر في نهاية القصيدة، ولهذه الجملة قصة معروفة، وهي جملة ذات قيمة في الحياة بإمكانها أن تعيد التوازن للنفس البشرية بأنْ لا شيءَ دائم.

الهوامش:

[1] مداخلة خاصة لندوة دار الفاروق الخاصة بمناقشة الديوان، نابلس، 15/7/2023.

[2] كاتبة من القدس، صدر لها العديد من الروايات، وعضو لجنة دار الفاروق الثقافية.

[3] صدر الديوان عن دار بدوي للنشر، ألمانيا، 2022، وهو الديوان الثامن للشاعر.

[4] الفتوحات المكية، ابن عربي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، المجلد الثالث، ط1، 1999، ص484.

[5] رواية "موت صغير" للروائي السعودي محمد حسن علوان. صدرت الرواية لأوّل مرة عام 2016 عن دار الساقي في لندن. حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2017، المعروفة باسم "جائزة بوكر العربية". (الويكيبيديا)

[6] شرح ديوان أبي تمام، الخطيب التبريزي، دار الكتاب العربي، ط2، 1994، ج1، ص118.

[7] السابق، ص413.

[8] البصائر والذخائر، أبو حيان التوحيدي، ت: وداد القاضي، دار صادر، بيروت، 1988، ج5، ص218.


دار الفاروق في نابلس تناقش ديوان "على حافة الشعر"/ رائد الحواري



بعد انقطاع طارئ بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية بحق مدينة نابلس ومواطنيها عقدت اللجنة الثقافية في دار الفاروق جلسة أدبية لمناقشة ديوان "على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت" للشاعر الفلسطيني فراس حج محمد.

افتتح الجلسة الناقد سامي مروح منوها إلى أسباب انقطاع الجلسات والصعوبات  التي تحول دون قدوم أو خروج الزملاء من نابلس، ومبينا أن انعقاد هذه الجلسة يعد أمرا في غاية الأهمية، وذلك لما فيه من تحدٍ لإجراءات الاحتلال، وأيضا لقيمة اللقاء الذي يكشف عن وجود كتاب وشعراء في فلسطين استطاعوا أن يكونوا لأنفسهم مكانة شعرية خاصة بهم بعيدا عن التأثير أو تقليد الآخرين.

ثم فتح باب النقاش وكانت أول المتحدثين الروائية فاطمة عبد الله، التي قدمت قراءة نقدية حول الديوان، وأضاءت على ما فيه من أفكار وصور شعرية واستعرضت مجموعات الديوان الخمسة، وترى الكاتبة أن "الشاعر في هذا الديوان يكتب القصيدة خارجا عما ترسخ في الأذهان أن القصيدة هي التي تكتب الشاعر ... والشعر إلهام، والشاعر يوحى إليه..."، وفي تقييم عام للديوان بينت الكاتبة أن هذا الديوان بشكل عام معرضا لتفنن الشاعر وتنوع موضوعاته ولهذا كان من الصعب على القارئ تناول الديوان دفعة واحدة، إذ من الصعب جدا خلق جو نفسي عام لتلقي تنوع الموضوعات فعلى القارئ الخروج من حالة ذهنية إلى حالة ذهنية أخرى، ومن نقلة نفسية إلى أخرى. ولكن أيضا في هذا الديوان ما يطرد السأم من النفس، فتتركه برهة لتعود إليه بشوق محدثا فيك المتعة والدهشة".

في حين ينحاز الشاعر لطفي مسلم في كلمته إلى الشعر الموزون بشكليه القصيدة الكلاسيكية وقصيدة التفعيلة، ورأى أن قصيدة النثر لا بد من أن تستقل وحدها في ديوان لا تختلط بالقصائد الموزونة.

أما الكاتب همام الطوباسي فقال: "اشتقنا لهذه الجلسات التي تعطينا شيئا من الفرح وتلبي طموحنا في المعرفة وتزيدنا ترابطا وتماسكا، ففي زمن القهر نحتاج إلى الحب، لأنه ملاذنا من عالم القسوة، والشاعر يستخدم لغته الشعرية في التغزل بالنساء، فكان الديوان ممتعا، جميلا، سلسا، والغلاف يخدم ما فيه من مضمون".

وتحدث الشاعر سماحة حسونة فقال: "سأتكلم عن قصيدة النثر، إذ ليس من السهل صياغتها،  لما تحتاجه من فنية، من هنا تنوع أشكال القصيدة في الديوان له ميزة، حيث يجعل القارئ يشعر أن هناك متعة في كل من قصيدة: التفعيلة، وقصيدة النثر، والقصيدة الكلاسيكية،  فالشعر لا سلطة لنا عليه، هو يأتينا كوحي، وإننا نكتب ما يميله علينا، إن كان فرحا أو حزنا، حبا أم حربا".

أما الكاتب علاء عاشور فقال: "أحب أن أتعلم منكم، فأنا أحب وأعشق الأدب، هذه الجلسة الأولى التي أتشرف بحضورها، وأرجوا أن أستفيد وأقدم لكم شيئا مما أكتبه في جلسات قادمة".

ثم تحدث الشاعر عمار دويكات قائلا: "اعتقد أن المضمون الذي يقدمه الشاعر في ديوان "على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت" أكبر من الشكل ذاته، فالمضمون يسبق الشكل، والفكرة تتقدم على اللغة، رغم سلامة اللغة وقوتها. فالمواضيع الفلسفية عند الشاعر أكثر عمقاً وتمكنا ودراية فكأنه يكتب بروحه لا بجسده، وإذا انتقلنا إلى كتاباته عن المرأة مثلاً نرى تحولا في شكل الكتابة وسرعة في اللغة وبساطة في الدلالات". ويضيف "يعطي الشاعر فراس حج محمد أهمية قصوى لعناوين إصداراته ويهتم كثيرا بشكل الغلاف، وهنا نرى غلافا إبداعيا يتماهى مع المضمون للنصوص"، ويختم حديثه قائلا: "الشاعر فراس حج محمد يكتب نفسه دائما، يكتب ما يراه وما يريده، يرسم ذاته سواء كانت متشظية أم كانت متماسكة".

أما القاص منجد صالح فقال: "لقد تم اطلاق الديوان في مركز حنظلة في رام الله، برعاية مكتبة الرعاة وجسور، وهذا اللقاء الذي يناقش ويفصل ما جاء اللقاء الذي جاء يناقش ويفصل ما جاء في الديوان يعتبر تتويجا لإشهار الكتاب، فراس حج محمد متعدد المواهب، فرغم أنني أحب فراس كناقد أكثر منه شاعرا، إلا أن هذا الديوان فيه ما هو جديد على مستوى الشكل الذي قدمت به القصائد، نتمنى لهذا القلم أن تكون عنده محبرة متسعة وكبيرة تستطيع أن تلبي قدراته الإبداعية".

أما الأستاذ نسيم خطاطبة فقال: "أنا مع الشاعر فيما يطرحه من مواضيع محظورة اجتماعيا، فالشاعر يكتب ذاته، وما يشعر به، ولا نستطيع أن نضع له طريقاً نقول له: اسلك هذه، ودعك من تلك".

وتحدث الناقد سامي مروح فقال: "الشاعر فراس حج محمد شاعر متمكن من ناصية الشعر الذي ملأه بكل إحساس إنساني، وهذا يدل على عفوية الشاعر في طرح الصور الشعرية التي تحمل الدلالة لتنقلك إلى أعلى من المضمون، ويتنقل الشاعر عبر قصائده ليشكل حاله رومانسية جميلة، فتشعر في حالة ذوبان داخل القصيده وتجعلك في حالة من التجلي، بمتعة لا متناهية". وبخصوص اسم الديوان أشار مروح إلى أن ارتقاء الشاعر باسم الديوان كان نقلة نوعيه لتعيش في معترك جدلي يرقى بك إلى فكر فلسفي فالعشق والموت لصيقان، فحالة العشق تفضي إلى الموت".

أما رائد الحواري فقال: "الديوان لا يمكن أن يقرأ في جلسة واحدة، وذلك لوجود أكثر من ديوان في هذا المنجز الشعري، فالقارئ يشبع عند قراءة أي قسم من أقسام الديوان الخمسة، مؤكدا أن الشاعر حج محمد قادر على انتهاك المحرمات الثلاث خاصة تابو الجنس، لأنه يريد للقارئ أن يفكر وأن يتحرر من الأفكار التقليدية الموروثة.

وفي مدخلة للمحامي الحيفاوي حسن عبادي- الذي تعذر عليه الحضور  لظروف خاصة- وصف الديوان ولغته بأنها "جميلة، انسيابيّة، وجرأة طرحه، كعادته، يُحسد عليها وصارت ماركة فراسيّة مسجّلة". وأضاف عبادي في معرض تناوله للمجموعة الأخيرة من الديوان، "في حبسة الكوفيد التاسع عشر": "يصف فراس بعدسته المجهريّة وحروفه التغيّرات الصغيرة والكبيرة التي حدثت لهذا العالم، كلّها مشفّرة ومبرمجة لمصالح من يتحكم في عالمنا، في طريقه لصهر الوعي الجماعي وبناء كائن جديد يسيّره وَفق مصالحه، وهنا نلمس رؤية الشاعر وتفاعله مع التغيّرات الكونيّة، بمجسّات عالِم يتفاعل ولا يقف باكياً على الأطلال".

وفي نهاية الجلسة استذكر الشاعر فراس حج محمد المرحوم "محمد عبد الله البيتاوي" ودوره كمثقف وناشر وكاتب كرس حياته لخدمة الثقافة الفلسطينية والمثقفين، وعقب على آراء المتحدثين، مبينا أهمية النقد في الحياة الثقافية، وأوضح وجهة نظره في الأدب الأيروسي، فقد تم طرحه في الديانات، وفي الكتب السماوية، وفي الحضارات القديمة، وفي الأدب القديم، ولم يخل التراث العربي من ذلك، فوجد عند ابن حزم وجلال الدين السيوطي على سبيل المثال". وأضاف الشاعر حج محمد أن "مهمة الأدب الجيد تكمن في اتحاد المتعة، والأسلوب، والفكرة، لكن الأهم يبقى الأسلوب الذي يقدم الفكرة، ومن هنا تنشأ المتعة لدى القارئ. وأما بخصوص تنوع الأشكال الشعريّة في الديوان فهي أمر قصدي يحرص عليها الشاعر منذ تنبه إليها الشاعر محمد حلمي الريشة عندما أشرف على طباعة ديوان "وأنت وحدك أغنية".

في نهاية اللقاء تم تحديد الجلسة القادمة يوم 18/8/2023 لمناقشة رواية "المرافعة" للأسير الأديب حسام الديك.


لصالح من يتم تشليل الحالة الثقافية في فلسطين؟



فراس حج محمد| فلسطين

انتهت أمس (الخميس 13/7/2023) وقائع ملتقى فلسطين السادس للرواية العربية، وألقت الأديبة حياة الريّس البيان الختامي. وبعيدا عن إنشائية البيان وتواضع ما جاء فيه من أفكار وسطحيتها، فلم يرتقِ في أفكاره ومضامينه ليكون بيانا ختاميا ثقافيا لافتا للنظر، بل قام على عموميات وكليشهيات ركزت على الحالة السياسية في خطوطها العامة، وكأنه بيان قمة عربي من تلك القمم السياسية الخائبة شكلا ومضموناً التي يصنعها السياسيون البليدون، ويشير البيان أن ثمة تناظرا بين الحالتين السياسية والثقافية، وهذا يعني أن الكارثة عمت وطمت فشملت المثقفين والقطاع الثقافي برمته، فالبيان الختامي ليس مجرد طقس لإسدال الستار وإعلان النهاية والوصول إلى المحطة الأخيرة، بل يجب أن يؤشر على حالة الوعي الثقافي التي حكمت المؤتمر ومخرجاته. لقد كان بيانا رديئا بالفعل، كما هو الملتقى بجلساته، وهذا من ذلك، فالمغرفة لا تسكب إلا مما في الإناء، فهذا من جنس ذاك، فلم أشعر بالجدية في صياغته، ولا الجدية في إلقائه.

لقد تابعت ما وسعتني الظروف من البيت، وقائع بعض الجلسات، واطلعت على برنامج الفعاليات التي أعدته الوزارة، ومن خلال هذه المشاهدات والمتابعات، أشير إلى جملة من الملحوظات على هذه الدورة بهمسة في أذن المسؤولين في وزارة الثقافة، وخاصة عبد السلام العطاري- مدير دائرة الآداب في الوزارة، بصفته المسؤول عن إعداد المؤتمر والتجهيز له، يتحمل مسؤولية كبيرة في عدم نجاح هذه الدورة، لكنه ليس وحيدا في ذلك، بل الوزير مسؤول مسؤولية كبيرة، كما أن المدعوين (الضيوف المتحدثين) خيب كثير منهم الظن، فقد جاء قسم منهم مستند إلى تاريخه الشخصي السياسي أو الثقافي، دون أن يستعد جيدا لمثل هذا الملتقى المهم على أية حال، فلو أرادت وزارة الثقافة أن تعد كتابا مطبوعا حول المؤتمر وما قدم فيه من أوراق، فلن تجد بين يديها سوى الهواء.

وبناء عليه، على هؤلاء المسؤولين أن يراجعوا أنفسهم جيدا، وأن يجروا تقييماً لما قد جرى في جلسات المتلقى: 

* بعض الجلسات كانت هزيلة بالفعل، ولم تضف جديدا نهائيا لجمهور المثقفين، كحديث إبراهيم نصر الله، هو هو، مكرر ومكرور أعاده في محافل ومقالات ولقاءات سابقة، لا جديد لديه، وإن كان روائيا كبيرا وصاحب جوائز! وأظن أن استقدامه دعائي جماهيري، إذ لم يمض على استضافته في مركز القطان شهرا (الأحد 18 حزيران)، لتوقيع أحدث رواياته، فأعاد ما قاله هناك، ولم تكن هناك أية فكرة جديدة للأسف. عدا أن المحاور ضعيف، كالمحاورين الآخرين، لم يكن واحد من هؤلاء لافتا للانتباه أو أنه يمكن أن يقود الحوار إلى مناطق بكرا في تجربة المتحدثين، ما يجعل المرء يتساءل عن أهمية ما قاله نصر الله أو غيره، فالجمهور الذي استمع إليه في القطان هو نفسه الذي استمع إليه في جلسة الملتقى التي عقدت على ما يبدو في مقر دار طباق في رام الله، وهو نفسه من يقرأ مقالته ورواياته ويعلق على صفحته الفيسبوكية. فلماذا لا تبحث الوزارة عن آخرين لهم تجارب مختلفة يسمعهم جمهور فلسطين لأول مرة؟ على الوزارة أن تبحث عن آفاق فتح المعرفة لا عن إغلاقها من خلال مجموعة من الأسماء التي تقول بالإضمار إن فلسطين فقيرة إبداعيا فليس فيها غير أسماء محددة. هذا الدور التاريخي يجب أن تلتفت إليه الوزارة والقائمون على فعالياتها.

* ندوة الرواية التاريخية كانت ندوة تعيسة، لا شيء يلفت النظر فيها سوى ما قاله محمد نصار. نبيل عمرو حرف البوصلة نحو السياسة فغرق في حديث بعيد، ثمة إغراق في تبجيله من مدير الجلسة أكثر من المتحدثين الآخرين؛ نوع من النفاق الثقافي الفجّ. المتحدثون الآخرون ارتجاليون، وفي الندوة خلط بين مفهوم الرواية الفلسطينية السياسية في مقابل الرواية الصهيونية مع الرواية التاريخية. لم يكن واضحا هذا الفرق بينهما عند فخري صالح الذي تحدث عن الرواية التاريخية معتمدا على جورج لوكاش، ولم يتحدث عن السردية التاريخية الفلسطينية، جوني منصور حاول الربط بين المفهومين، لكنه لم يأخذ حقه كما ينبغي.

* من أتعس اللقاءات لقاء الكتابة عند الجيل الجديد، صباح بشير خيبت ظن حسني مليطات ولم تتحدث عن تجربتها وهربت إلى مساحة ليست لها، ولم يؤتَ بها لتنظّر في فن الرواية والنشر واستغلال الناشرين، فليس مطلوبا منها أن تكون "ناقدة" ومنظرة ثقافية، مع أن كل ما قالته لا جديد فيه، ملتقط من هنا ومن هناك، بعيد عن تجربتها الشخصية التي هي تجربة روائية ما زالت في بدايتها، فهل هذا يؤهلها لتشارك في هذه الجلسة، الزملاء المشاركون معها أكثر إدراكا لدورهم، وتبدو تجاربهم أنضج من تجربتها، لكنّ أفضل ما كان في هذه الجلسة حديث الروائية نعمة حسن القادمة من غزة، فتجربتها غنية فيما تتطلع إليه من كتابة قادمة، وأحسنت الحديث عن تجربتها.

* الحضور كان باهتا، والتغطية الإعلامية ميتة، ولم تهتم الوزارة إلا بفعالية الافتتاح، فعملت على "لمّ" الجمهور، فوفرت حافلات لكل مدينة بالمجان، ليكون الحضور كبيراً، وبعد ذلك، صارت كل الندوات بائسة الحضور ونقاشات الجمهور بائسة إلى حد التفاهة. ولم يقم الإعلام كما يجب بالتغطية المطلوبة لمثل هذا الحدث. المرتادون والأصدقاء على قلتهم وجدوا ضالتهم بالتقاط الصور كالعادة مع "الكتاب الضيوف" و"الكتاب الكبار". حتى هؤلاء لم يهتموا بالتصوير مع أدباء بلدهم، إنما مع "الضيوف" ومع "نصر الله" بوصفه ضيفاً، وشخصية مشهورة. أقترح على إبراهيم نصر الله عمل معرض صور له مع الجمهور. ألا تراها فكرة عبقرية وقد تضيف جديدا، فلم يسبق لأحدهم أن فعلها، ربما لأنه لا يمتلك ما تمتلك من صور مع القراء والمعجبين والمعجبات.

* غياب كثير من الأسماء الفلسطينية عن الملتقى، وهناك أسماء لم يلتفت إليها على مدار الدورات الستة ما يعني أن الوزارة عمياء وليست صماء، وبكماء فقط، لا ترى جيدا الحالة الثقافية التي يصنعها مثقفو فلسطين يوميا. إلا إذا كان هدفها من ذلك التهميش، وعاطف أبو سيف والعطاري يتحملان مسؤوليتهما المباشرة عن ذلك. أعلم أنه لا بد من أن يكون عدد المتحدثين محدودا، وله طابع التخصصية حسب محاور الملتقى، ولا بد كذلك من أن أي فعالية بهذا المستوى سيواجهها كثير من المصاعب والاعتراضات، وكما قال أ. سمير درويش تعقيبا على ردة فعل بعض المثقفين وعتبهم على أنهم لم يكونوا موجودين في الملفات الإبداعية التي تعدها مجلة ميريت الثقافية: "أي ملف تعمله أي مجلة في الكون، عن أي مشهد أدبي في أي مكان، بالتأكيد لا يكون جامعًا مانعًا يضم كل من تحب أن تراهم، ببساطة لأن الملف يستوعب 30 مادة مثلًا، بينما (المكان) به 3000 شاعر وكاتب، وهذا يعني أنك ستأخذ واحدًا فقط من كل مائة... واحد فقط سيفرح، بينما يغضب 99 آخرون"، وهذا ما يحدث مع الأنشطة الثقافية التي تعدها الوزارة، لكن على القائمين على تلك الأنشطة أن تتوخوا العدل في إشراك آخرين، لهم تجاربهم الإبداعية المميزة، وعندهم ما يقولونه.

* كل جهد يجب أن يشكر عليه القائمون، شريطة ألا يكون جهدا ضائعا يرسخ أسماء ويغيب أخرى، فالوزارة تقوم على فكرة تشليل الحالة الثقافية، وخاصة الفلسطينية منها، ومع كل ذلك أقول: كل عام وفلسطين ومن يحبها بخير، ورحم الله الشهيد غسان كنفاني الذي يشكل الملتقى السنوي وجها مهما من وجوه استعادته الواضحة، إلا أن حضوره كان باهتا أيضا، فلم يكن إلا عنوانا عريضا غاب عن جملة التفاصيل، وهذا خلل بنيوي في إعداد الجلسات والمتحدثين.


صدر حديثاً كتاب " خواطر الثانية عشر" للأديبة الفلسطينية : فاطمة قطيط


صدر حديثاً عن دار بوڤار للنشر والتوزيع في مصر، كتاب " خواطر الثانية عشر لطالبة طب الأسنان في الجامعة العربية الأمريكية: فاطمة قطيط، ويقع في ١٢٧صفحة من القطع المتوسط ، وهذا الكتاب هو باكورة أعمالها الأدبية، 

 وما يميز هذا الإصدار فكرته التي تلامس مكنونات النفس البشرية وأسرارها بين الكتمان والبوح، تجسد تلك الأفكار الكاتبة ضمن خواطر أطلقت عليها الثانية عشر، حيث إن الكاتبة قطيط    توقت قلمها ليكتب تلك الخواطر مع تمام الساعة الثانية عشرة يومياً، في علاقة بين الشعور والوقت، لعل ما بالروح من مشاعر حزينة تمضي مع الوقت، أو لعل الأمل يبدأ مع بداية يوم جديد في الثانية عشرة..

وأشارت الكاتبة أنَّ الهدف من هذا الكتاب هو إيصال رسالة أنّ باستطاعة البشر كتمان السر والحفاظ عليه من خلال تدوينه على ورقة وتركه هناك، أما من تفيض أسراره ولا يقوى على كتمانها فليناجي الله سبحانه، هي حكمة خفية من ضمن حكم يستخلصها القارئ ضمن تلك الخواطر في سياق سردي غير مباشر، هذا الحكم تنبع منها طاقات كامنة تغير فكر القارئ وتوجهه لحياة أفضل.

ويشار بأن الكاتبة فاطمة قطيط شاركت في كتاب جماعي حمل عنوان “موسم الخريف" وكتاب آخر بعنوان "بقايا الذكريات" 

وقد حصلت قطيط  على أربع جوائز في القصة القصيرة، وجائزتان في الخاطرة.

وللكاتبة مشروع متنوع في الكتابة حيث إنّها تعمل على إصدار ديوان شعر قريباً بعنوان: “جنين وما أدراك ما اسمها" وهناك رواية لم تكتمل تدور أحداثها في جنين ومخيمها.


 .



جوبلين بحري رواية وطن




بقلم: زياد جيوسي


   هذه الرواية هي الإصدار الثاني للكاتبة الفلسطينية دعاء زعبي المقيمة في الناصرة المحتلة عام النكبة 1948م، وسبق أن تشرفت بقراءة كتابها الأول "خلاخيل" والكتابة عنه، وهذه الرواية الأولى لها صادرة عن دار ورد للنشر والتوزيع في دمشق عام 2021 م تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط وتصميم الغلاف من تصميم الفنان الشاب ورد حيدر، وهو عبارة عن مشهد لمفاتيح العودة التي ارتبطت بالتهجير القسري لأبناء فلسطين بالقوة والمجازر ورمزيات من ذاكرة الفلسطيني كطابع بريدي مختوم بكلمة يافا وريشة كتابة وأطراف لصور فوتغرافية، بينما الغلاف الخلفي ضم تعريف بالرواية للأستاذ المرحوم حيدر حيدر وصورة الكاتبة على خلفية لصورة تراثية من يافا، وكان الإهداء برمزية للشعب وبقيته لأرواح أمها وأبيها، مع ملاحظة أن الكاتبة تميزت باختيار العنوان للرواية فالجوبلين هو فن قديم يتم من خلاله نسج لوحات فنية يدويا أو على النول تزين الجدران الداخلية للبيوت وأخذ اسمه من عائلة فرنسية احترفت هذا الفن، والبعض يسمونه "نسيج الكنفه" بينما في مصر حمل إسم القباطي نسبة للأقباط المصريين الذين احترفوه، وحين نقرأ الرواية نكتشف لماذا اختارت الكاتبة هذا العنوان.


  الرواية تقوم على محورين أساسين هما:

   محور الرواية الأول هو كيفية مقاومة الاحتلال من خلال سلاح العلم ولذا بدأت الرواية برسالة من ميار ابنة يافا موجهة للصهيونية سارة فنكلشتاين وهي كابتن طيار عسكري ملوثة بالدم العربي وأصبحت مدرسة في الجامعة والتي قالت للراوية ميار يوسف: "أتركي العلم والدراسة لصالح الزواج والأطفال"، فقررت ميار تحديها وهزيمتها بالدراسة والوصول لأعلى الدرجات العلمية، اضافة لأستاذها الصهيوني الذي جعلها ترسب في الامتحان ثلاث مرات لاختيارها غسان كنفاني أنموذجا لمدينة يافا، وفي رسالتها تظهر للصهيونية كيف انها انتصرت عليها بالتفوق العلمي والتحدي بعد منعها من اكمال الدراسة في الصحافة والاعلام، فسافرت الى برلين مدعومة بأهلها رغم أنهما لم ينجبا غيرها، فوالدها يودعها بالقول: "امضي نحو حلمك بقدمين ثابتتين وقلب واثق متين"،  وهذا القرار بالتحدي والسفر اجبرها أن تتخلى عن قصة حبها مع نديم، فكانت بين خيارين: التحدي للإحتلال أو الحب والبقاء وترك العلم والدراسة لصالح الزواج والأطفال، فاختارت التحدي والوطن وداست على قلبها.

   والمحور الثاني هو الاصرار على التمسك في الوطن والبقاء فيه رغم كل المضايقات لتهجير من تبقى في فلسطين  فتقول ميار عن الغربة بفترة دراستها "غرباء نحن كغربة التاريخ في هذه المدن"، وتتذكر همسات والدها لوالدتها قبل سفرها: "لن تترك العش للغربان تنهش قشه، ولا الحقل للجرذان تنهب زرعه، ستعود لتكمل الحلم وتزرعه من جديد سنابل قمح وزيتون بقاء، فهما لم يتركا أرضهما وبلادهما كي تفعلها هي"، وتقول وهي تعاني من الغربة "وجع الأوطان المسلوبة والمنهوبة حارق"، وهذا ما نلمسه برفض ميار اسلوب صديقتها "جيدا" بمزج العربية بالعبرية وتقول: "لطالما طلبت من جيدا عدم اقحام الدخلاء أرض الضاد المقدسة"، لذا نجدها في غربتها "داومت على تذكير العالم أن هناك حقا مؤجلا لا بد أن يعود، دينٌ يجب أن يسدد"، متذكرة دوما عبارة والدها لها: "صاحب الحق يا ابنتي هو الأقوى دائما".


وهناك محورين آخرين ظهرا في رحلة الاغتراب هما:

   الأول هو: حلا صديقتها السورية الأب والألمانية الأم والتي كانت الشخصية الثانوية الأساس في الرواية وأخذت مساحات جيدة حيث روت حكايتها في عشرين صفحة تعادل عُشر الكتاب، وأصبحت صديقة ميار حين التقتا في معرض فني، وأصبحتا لا تتفارقان وسافرتا الى اسبانيا معا حين اصيبت حلا بدوار ظنته ميار دوار البحر، لكنها غادرت بعد فترة تحت عنوان اشتياقها لأهلها في سوربا ولم تعد فقد توفيت بمرض اخفته عن ميار، وفعليا لم أجد علاقة بين ما روته حنين عن حياتها بهذا العدد من الصفحات وبين محاور الرواية، فهي اصبحت صديقة ميار التي لا تفارقها وتحدثت ميار عن ذلك وعن ألمها بعد وفاة حلا وعن ذكرياتها معها بالغربة حتى أنها كتبت لها رسالة وأرسلتها عبر الهاتف رغم أنها متوفاة، وأعتقد أن هذا كان يكفي حتى لا تخرج الرواية عن سياقها وتفقد وحدة الفكرة فيها.

   الثاني هو نديم: وهو الحب الذي لم يفارقها ولكنها تخلت عنه في سبيل تحقيق حلمها وتحديها للمحتل متمثلا بسارة فنكلشتاين، فهي ما زالت تحن له وتسأل عنه من يعرفه، ولكن في لحظة قررت أن تكتب له رسالة وترسلها على أمل وصولها له إن لم يغير رقم هاتفه بعد هذه السنوات، وفي هذه الرسالة ظهر الصراع الذي اعتمل بداخلها في سنوات الغربة حول خيارها بين الحب والوطن واختيارها الوطن.

      وخلال السرد الروائي نجد الكاتبة تحدثت بحرقة عن معاناة الفلسطينيين بالسفر لبعض البلدان العربية التي تمنع دخول الفلسطيني الذي يحمل جواز السفر الصادر عن دولة الاحتلال مرغما، دون إستيعاب أن الفلسطيني في اراضي 1948 مجبر على حمله واستخدامه بحكم الاحتلال، وبدون فهم أن هناك: "مجتمع فلسطيني يعاني غربة انتماء داخل مجتمع اسرائيلي يحاول طمس هويته وتغذيته ببذور لغته وسطوته وأسطورة بقائه على هذه الأرض كشعب الله المختار"، وبدون استيعاب وفهم أنه مجتمع يحاول "الحفاظ على ملامح هويته الأصلية وعلى تراثه وعاداته، مع تحديه الأكبر، التصدي لوجود هذه (الأسطورة)" فأصبح سفر الفلسطيني الذي أجبر على هذا الجواز "أشبه برحلة على صفيح ساخن أو جولة في حقل الغام".

   كما لجأت الكاتبة لاستخدام الأساطير فمدينة يافا ترتبط بأسطورة واله اسطوري حيث نسب اليونان اسمها إلى ابنة إله الريح الروماني، فتذكر في سياق الرواية وزيارتها لاسبانيا وسبتة الآلهة الاسطورية مثل "بوسيدون، غايا، كاوس، انتايوس او عنتي وزوجته طنجة، كما تألقت بوصف الأمكنة وخاصة في اسبانيا وتخيل القائد الفاتح طارق بن زياد واستذكار حضارتنا في الأندلس، كما تألقت بوصف برلين من خلال صديقتها حلا الفنانة من أم المانية وأب سوري وكذلك وصف أسواق دمشق التراثية.

   ميار تفكر بطفل تروي له حكايات الوطن ولكنها تبتعد عن فكرة الزواج من أجل تحقيق حلمها بأن تصل لمستوى علمي متقدم ودور مميز بالإعلام، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل العلم وحده وسيلة المقاومة؟ اليس الوطن بحاجة لأبناء يقاومون؟ اليس التكاثر السكاني الفلسطيني وخاصة بالجزء المحتل عام 1948 م  هو ما يقلق مؤسسة الكيان؟

   ميار ترفض فكرة تفرغ صديقتها نورا لتربية ابنائها، فإن كانت ظروف زوجها المالية تسمح بذلك فمن المؤكد أن التفرغ لتربية الأبناء أهم من العمل، وخاصة أننا نلاحظ مدى انتشار العصابات والمخدرات وقضايا القتل في الوسط العربي بالعمق الفلسطيني والتي بلغت منذ بداية هذا العام 2023 م حتى كتابة هذا المقال أكثر من مئة ضحية، وتغض شرطة الاحتلال بتعليمات من "الشاباك" النظر عن ذلك من أجل تدمير المجتمع الفلسطيني من داخله.

   هناك بعض من الحوارات في الرواية أخذت الطابع الخطابي المباشر، ويمكن أن أعزي ذلك انه أتى من أناس جاؤوا ليودعوا ميار قبل السفر، وتلجأ ميار باستمرار لاستذكار الماضي فتتذكر مدرستها ندى وموقفها المعادي للحب وكذلك استاذ الرياضيات الذي وجد كلمات شعر على دفترها فوقفت امامه بحوار يدل على شخصية قوية، واستذكارها للماضي هو بعض من الحنين وهو: "نقطة ضعفها في غربتها"،

   وفي الرواية كان هناك العديد من الشخوص الثانوية لها دورها في الرواية إضافة لشخصية حلا، فكانت شخصية حسام وهو فلسطيني من شمال فلسطين لجأ اهله الى ميار لمساعدته في ترتيب أموره حين أتى طالبا ليدرس الطب حيث أنه في الوطن المحتل "وضعت جامعاتها الكثير من العقبات أمام الطلاب العرب الفلسطينيين الراغبين بدراسة موضوع الطب البشري"، فأصبح بمقام الأخ الأصغر لها وخاصة ان هناك علاقة قربى ونسب كما طبيعة المجتمع الفلسطيني حيث نقول دوما بمثل شعبي: "النساء شبكة"، وخفف من غربتها رغم فارق العمر بينهما حتى عاد الى الوطن.

    وهناك شخصية هاشم عبد الكريم الصُحفي في أحد الصحف الرقمية في غزة المحاصرة الذي تعرفت اليه ميار عبر وسائل التواصل الاجتماعي و"دأبت ميار طوال الوقت أن توصل صوته المحاصر داخل رقعة من البازلت والإسمنت وشظايا القذائف إلى العالم الذي تعيش فيه".

   أبو شاهين اليافاوي الكهل بائع البن ذو الذاكرة الخصبة الحاضرة والتي تروي حكايات يافا أم الغريب وذاكرتها وتاريخها الحضاري والفني والاعلامي، وكانت ميار تبتهج حين تزوره "وهي تراه يمسح آثار الغبار المتكدس عن وجه يافا المغبرّ بحار التهويد وتغيير أسماء الأماكن وهدم الهوية"، وهو يروي ما عاشه وما سمعه وعن دور الاحتلال بشطب يافا بتاريخ يزيد عن خمسة الآف عام لصالح تل ابيب ذات ما لا يصل الى خمسين عام.

  كما أشارت الكاتبة لشخصية يهودية هو بروفيسر شفارتس الكهل اليهودي ومن المتدينين من أصل نمساوي وأستاذها بالجامعة ولطفه بالتعامل معها، ومع ذلك وبعيد عن انسانيته ولطفه مع ميار فهو يبقى بعض من الاحتلال وقد أتى لفلسطين مهاجرا من بلد أوروبي ويسكن في بيت أحد أجدادنا التي استولى عليها الاحتلال.

   في الربع الأخير من الرواية تبدأ المفاجئات بالظهور، فالصهيونية سارة فنكلشتاين ستشارك في مؤتمر مشاركة به ميار أيضا بعد خمسة عشر عاما من حكايتها مع سارة في يافا، هذا المؤتمر الذي تنتصب فيه ميار أمام الحضور"كانتصاب زيتونة تجذرت عميقا في الأرض"، والمفاجئة الثانية أن نديم استلم الرسالة ورد عليها مظهرا حبه بعد هذه السنوات أيضا حيث "عاد نديم يدق ترانيم عشقها القديم"، وسأترك للقارئ أن يقرأ الرواية ونهاية المفاجئات سلبا أو ايجابا حتى لا أفسد على القارئ متعته.

   وعودة للعنوان نجد أن الراوية قالت عن أمها: "لم تعد قادرة على على القراءة أو حياكة الصوف أو نسج لوحات الجوبلين التي أحيت بها بيتنا الصغير" وقبلها وصف الأم: "لم يتضائل عشقها للبحر وحكاياته يوما"، فكان العنوان رمزية للرواية التي نسجت بدقة حكاية التحدي لأنموذج من الشعب الفلسطيني من خلال ميار يوسف، فالأم عاشقة للبحر مبدعة بنسيج الجوبلين فكان العنوان للرواية "جوبلين بحري".

   والخلاصة أن الكاتبة دعاء زعبي في روايتها الأولى تمكنت من أن تكون نبض شعبنا المحتل في العمق الفلسطيني في عام النكبة، ورغم ملاحظات أوردتها على الرواية في سياق المقال إلا أن الكاتبة تمكنت بشكل جيد من التعبير عن الدلالات النفسية في شخوص الرواية، فكان لكل شخصية دورها الذي جعل الرواية كنسيج لوحة الجوبلين، وبإسلوب سلس ولغة قوية جندت جميع عناصر السرد الأدبي لترسم شخصية ميار وتبرزها وتفرضها بقوة في روح القارئ، علما أن الكاتبة من مدينة الناصرة وتسكنها إلا أن من يقرأ الرواية سيعتقد من تفاصيل الوصف وقوة العشق أنها من يافا، وقد أحكمت الكاتبة يدها على عنصرين مهمين بالرواية هما الزمان والمكان واهتمت بالحبكة القصصية وكذلك بالسرد والحوار وايراد رأي الكاتبة عبر الرواية، وأعتقد أنها اتقنت ايضا عناصر مهمة وهي البداية والتأزم والنهاية والأبعاد الفكرية والسياسية والاجتماعية.

  وأنهي الحديث عن هذه الرواية بعبارة غوته التي استشهدت بها الراوية والتي تلخص فكرة الرواية بكلمات: "نحن بجبلتنا نصدق أبعد الأشياء عن التصديق، ومتى نقشت في الذاكرة فالويل لمن يحاول محوها".


"عمَّان 17/6/2023"


التشكيلية طرب أبو زهرة تروي بالريشة حكاية صمت


بقلم وعدسة: زياد جيوسي


   القليل من المعارض التشكيلية التي حضرتها في حياتي كانت تروي حكاية، وهذه المعارض كانت من أجمل المعارض التي شاهدتها عبر ما يزيد عن نصف قرن من الاعوام التي مرت من عمري، وحين وجهت لي الفنانة طرب أبو زهرة الدعوة لحضور معرضها الشخصي "حكاية صمت" والذي كان في بيت عرار في مدينة اربد يوم 15 أيار للعام الحالي 2023م وبتنظيم من ملتقى ألق الثقافي ورئيسته السيدة حمدة الهربيد وبالتعاون مع مديرية ثقافة اربد وحضور رئيس قسم الهيئات الثقافية  الأستاذ سامي الدبيس لافتتاح المعرض، كنت أشد الرحال لقضاء يوم في رحاب الفن التشكيلي وذاكرة المكان في بيت عرار، وخلال الطريق كنت اسائل نفسي: ترى ما هي حكاية الصمت التي سترويها ريشة الفنانة؟ وخاصة أنها المرة الأولى التي سأحضر لها معرض شخصي.

   من لحظة وصولي وبعد احتساء القهوة بدعوة وتكريم من مديرة بيت عرار السيدة فاطمة الصباحين  كنت أجول لوحات المعرض والتي بلغت ثلاث وعشرين لوحة وأستمع منها همساتها وأناتها وهي تروي الحكاية، حكاية المرأة المعنفة والتي تحلم بالسكينة والطمأنينة في بيتها، بعيدا عن العنف والقمع الذي تعانيه، ومن هنا نجد أن الفنانة في لوحاتها تناولت قضية اجتماعية مهمة، من حيث الواقع الاجتماعي وتنمر الذكورية على المرأة، ومن الجوانب النفسية التي مثلتها شخصية المرأة في لوحاتها، معتمدة في روايتها التكوين اللوني والريشة والأسلوب، وكان لكل لوحة اسم يعبر عن تسلسل حكايات الرواية، حكاية الصمت التي روتها بصمت من خلال لوحات تتحدث ولا تصمت.

   يلاحظ أن المرأة كانت هي الموضوع الظاهر في ثلاث عشرة لوحة من اللوحات، بينما الخيول التي رمزت بها للمرأة كانت في ستة لوحات، وكانت هناك لوحة واحدة ترمز لبيت المرأة المعنفة ولوحة واحدة تشير لواقع المجتمع ولوحة رمزية تعبيرية تشير للعلاقة بين الطرفين ولوحة واحدة تشير للواقع الذي تعيشه المرأة في بيتها رغم كل المعاناة، ومن خلال هذه اللوحات سنستمع لهمسات بعض اللوحات، مع المرور السريع على باقي اللوحات لتروي جميعها لنا حكاية الصمت التي كتبتها ورسمتها الفنانة التشكيلية طرب من خلال الريشة واللون.


   اللوحة الأولى: وقد أسمتها "أنا لا أعيش يومي، أنا أنجو منه فقط" وفيه صورت امرأة جميلة تضع أحمر الشفاه وطلاء الأظافر وتسدل شعرها الناعم على كتفيها، وترتدي رداءً أنيقاً يكشف عن ذراعيها ومساحة من أعلى الصدر، في رمزية إلى أن المعنفة ليست من تعيش ظروف اقتصادية أو اجتماعية متعبة فقط، بل ربما تكون سيدة تعلمت وتعيش بظروف اقتصادية واجتماعية جيدة، والمرأة في اللوحة تضع يديها على وجنتيها وملامح الحزن تظهر على وجهها من أسفل العينين حتى الذقن، فالعينان تغطيهما عصبة سوداء معتمة برمزية واضحة إلى الواقع الذي تحياه والظلم الذي تعيشه.

  ونرى أن طرف العصبة بدأ بالانفكاك وكأنه يتعرض لريح بدأت تعصف به، وهذه إشارة رمزية أن تحرر المرأة بدأ لتعود مكرمة كما يجب أن تكون وكما نص عليها الدين الحنيف، هذه الحقوق التي أضاعتها ظلامية المجتمع وعدم الوعي الذكوري أن المرأة هي النصف الآخر للذكر، وخلفية اللوحة وفضائها اعتمدت اللون الفاتح مع ضربات فرشاة بالأزرق والرصاصي الفاتح، ترمز من خلالها أن المنغصات والتعنيف والتنمر هو من يشوه حلم المرأة والواقع الذي تريده بطمأنينة واحترام وتقدير، مع الإشارة أن الفنانة كانت متمكنة برسم ملامح الوجه وتشريح الأصابع بدقة وإتقان تشير لموهبة وقدرة فنية جيدة.

   اللوحة الثانية: وحملت عنوان "فقدت بعضي وأنا أبحث عنه" وهذ العنوان يثير السؤال أين تبحث؟ وحين نتأمل اللوحة نرى الجواب وهو أنها تبحث عن بعضها في عالم الجمال وسحر الطبيعة، حيث نجد في اللوحة المرأة تقف على حافة جدول ماء يخترق غابة بشكل جانبي بدون أن يظهر وجهها، برداء أزرق مريح للنفس وشعر منسدل على الظهر بتسريحة بسيطة وجميلة، تنظر للجدول والأشجار بتأمل حالمة بأن تكون حياتها بهذا الجمال بعيدا عن التعنيف والتنمر، ومن خلال الاسقاط الضوئي نجد أن قلب اللوحة حيث تنظر المرأة هو المنير واللون الأخضر حيث مسقط الضوء مثير للبهجة، بينما الجانب الأيمن معتم والأيسر أكثر اضاءة والأرض.

  ونلاحظ أن المرأة تقف على الجانب الحافل بأوراق الشجر المتساقطة والجافة بلون أقرب للأحمر وليس الأصفر، رغم أن المشهد ربيعي وليس خريفي حتى تتساقط أوراق الشجر، ولكنها رمزية للجفاف العاطفي الذي تعيش فيه ولكنها تحلم بالسماء الصافية كما أفق اللوحة، كما نلاحظ اهتمام الفنانة بالتكوين اللوني وتدرجاته للون الأزرق، حيث السماء بلون أزرق مثير للبهجة وموشح ببياض الغيوم، والجدول يشوبه التعكر فيخفي زرقته بينما الرداء بلون البحر الذي تكتنفه الأمواج، برمزية واضحة للثورة والموج في روح المرأة والتعكر في حياتها وحلمها بالجمال والصفاء، كما لجأت للتكوين اللوني ورمزيته بالغابة بأطرافها الثلاث وأوراق الأشجار المتساقطة.

   تواصل الفنانة رواية الحكاية فنراها في اللوحة الثالثة في المعرض تهمس بعنوان: "وكم كنت وحدي" بلوحة تعبيرية عن أحاسيس المرأة المعنفة، وفي اللوحة الرابعة التي عنونتها: "استنفذت جميع فرصي بالبقاء" نرى حجم القهر والتشاؤم في رمزيات اللوحة والتكوين اللوني، بينما في اللوحة الخامسة وتحت عنوان: "ثبات على حافة الانهيار" نرى امرأة على شاطئ البحر وتنظر للأفق المعتم وإن كان فيه إشراقة بسيطة تحلم بها خلف الغيم، فتتجاوز التشاؤم وتقرر الثبات رغم أنها على حافة الإنهيار، بينما في اللوحة السادسة والمعنونة: "أوهن البيوت" نجد لوحة رمزية عبارة عن بيت عنكبوت على شجرة، وأعلاه وخلفيته أخضر وقاعدته أوراق تميل للجفاف في إشارة رمزية أن البيت الذي تعنف فيه المرأة معرض للانهيار، والبيت القائم على الاحترام المتبادل والمحبة يبقى أخضرا خصبا.

  ومن ثم تنقلنا الفنانة إلى اللوحة السابعة وعنونتها: "لا تنس أني بذلت الكثير حتى لا نصبح غرباء"، وهذه اللوحة والتي رسمت بالألوان الداكنة تعبر بدقة عن حكاية الصمت التي ترويها لنا الفنانة، فهنا نجد امرأة تجلس على حافة الطريق رغم برودة الجو حيث يظهر الجو من خلال ارتدائها المعطف والحذاء الطويل الواقي من المطر، وهي تنظر للخلف باتجاه ذكر يسير بدون الالتفات اليها ولا الاحساس بمعاناتها، وهو يضع يديه على خاصرتيه بمشهد يشير للقسوة في التعامل معها حتى أصبحا غرباء رغم كل ما قدمته لكي لا يصلا لهذه المرحلة، ونلاحظ في اللوحة اعتماد الفنانة على التباين اللوني بين مكان المرأة المعتم ومكان الذكر المضيء، وهذه لوحة من اثنتين من كل اللوحات التي يظهر بها رمز ذكوري حيث كانت المرأة هي الطاغية على معظم اللوحات.


   لتواصل الفنانة روايتها لحكاية الصمت فنجدها في اللوحة الثامنة والتي أسمتها "لا أريد ردا" حيث نجد امرأة جميلة الوجه والملامح وقد زينت وجهها بأدوات التجميل، وعارية من أعلى الصدر وتسدل شعرها الأسود خلف ظهرها، تغمض عينيها وملامح الحزن على وجهها، وعلى جبينها ورأسها ورقة بيضاء غير مستوية تماما ولكنها فارغة بعد طول انتظار فتصرخ في بداية ثورة على واقع: لا اريد ردا، لتنتقل بنا في اللوحة التاسعة وعنونتها "حكاية تنسدل من آفاق احلامنا" الى وجه جميل لامرأة ذات شعر مسدول وباقات من ورود ياسمين يانع على جانبي وجهها، ولكنها تحمل في عينيها نظرة التحدي والإصرار رغم الظلال المنعكسة على وجهها، وكأن الفنانة بدأت التحول للثورة في وجه الظلم، فتنسدل الحكاية من أحلامها.

   في اللوحة العاشرة "يرتدون ثياب الحملان" تظهر خمسة نماذج ذكورية من المجتمع منها ثلاثة يرتدون لباس المهرجين ويضعون الأصباغ والأقنعة على الوجوه، بينما خلفهما ذكرين أحدهما بأصباغ تظهره كأنها "دراكولا" مصاص الدماء والآخر بملامح قاسية تظهر الوجه الحقيقي لهذه الفئة، بينما خلفية اللوحة سوداء في رمزية لظلامية المجتمع الذي أتوا منه، لنرى الفنانة في اللوحة الحادية عشرة وعنوانها: "فأجدني مقيدة من جديد" تعطينا وجها جميلا آخر لإمرأة ذات شعر أسود منسدل وعينان مغمضتان، والتي رغم جمالها ورقيها من خلال زينتها وملامحها إلا أن ملامح القهر تظهر عليها وهي تمسك بيدها سلاسل معدنية تحيط بجسدها وتثبته على الحائط الرمزي للمعاناة، في رمزية أنها رغم كل محاولاتها السابقة لبناء علاقة ايجابية مع الآخر تجد انها مقيدة من جديد، فحائط الصد الذكوري  أكبر من قدراتها ومحاولاتها.

   تواصل الفنانة سرد حكاية الصمت فنجدها في اللوحة الثانية عشرة والتي أسمتها "ويشهد الله أنا كنا صادقين حتى خذلنا"، وفي هذه اللوحة خرجت من رواية المرأة الواحدة لجميع النساء، فقاعدة اللوحة خمس نساء يلفهن وشاح الظلام المتوشح بالنار كما إعصار، ونرى أن النساء من بيئات مختلفة فهناك المحجبة وغير المحجبة، وفي أفق اللوحة امرأة جميلة بعينين زرقاويين ودموعها تسيل من القهر المحيط بها مع ذلك تنظر بإصرار وبدون خنوع، ونرى أن الفنانة استخدمت التكوين اللوني ورمزية اللون لايصال الفكرة سواء بالقهر للمرأة الرمز في الأعلى أو بالوشاح الذي يحيط النساء بقاعدة اللوحة، فنجد الأفق المحيط بوجه المرأة كأنه براكين مشتعلة، وهنا المرأة الباكية مثلت مجتمع النساء بغض النظر عن البيئة وليس ذاتها فقط، لكن ورغم ذلك فهناك بارقة أمل حيث نجد النور ينعكس على وجه المرأة التي تعاني لينثال كطاقة من نور عليها وعلى باقي النساء، وهن يشهدن الله انهن كن صادقات في حياتهن حتى خذلن.

   تواصل الفنانة حكاية الصمت ففي اللوحة الثالثة عشرة والتي حملت اسم: "هل أنتِ من تحلمين" اظهرت لنا اربع فتيات يرقصن الباليه بشكل حالم ومن هنا كان السؤال للمرأة التي تعاني لنفسها، لتنتقل في اللوحة الرابعة عشرة بثورة جديدة فتظهر امرأة تصوب سهم برمزية من قوس تحت عنوان: "صوبت سهامها نحو الحزن الذي نهش جوارحها" وفي عينيها اصرار كبير، وخلفها طاقات من نور انفراج بدأت تسقط نورها عليها، بينما في اللوحات الخامسة عشرة وعنوانها: "يا باخلا في الوصل أنت قتلتني" واللوحة السادسة عشرة بعنوان: " وتلك العثرة التي أوجعتك أخذتك لآفاق رحبة" لجأت للرمزية الواقعية لتكمل الحكاية، لتنقلنا لأسلوب آخر لتكمل حكاية الصمت من خلال التعبير بواسطة الخيول فنجدها في اللوحة السابعة عشرة بعنوان: " كم تحتاج الروح لروح تتكأ عليها"، تصور بابداع فرس تتكئ بعنقها على ظهر جواد، مستخدمة الرمز اللوني بالتباين بين الوان الخيول وكذلك التباين اللوني في الأفق بين العتمة والنور، الذي يرمز للحلم والراحة بعد معاناة رمزت لها باللون الناري أسفل قاعدة انبثاق النور، على قاعدة مظلمة للوحة تقف الخيول عليها برمزية لواقع تحياه المرأة وتعبر عن حلمها بروح تتكئ عليها، مع الإشارة أن الفنانة تمكنت بإبداع من رسم الخيول رغم أنها من أصعب الصفات التشريحية.

   وفي اللوحة الثامنة عشرة بعنوان: "لم أطلب يدا تمسح دموع الفزع" تتألق بلوحة لفرس تسيل منها الدماء ولكنها تسير نحو الضوء والحرية بعنفوان، وتكمل في اللوحة التاسعة عشرة تحت عنوان: "أضعت في وسط الصحراء قافلتي" وفي اللوحة العشرين بمسمى: "واهجروني فربما صرت حرا لا يقدس أمرا" وفي اللوحة الحادية والعشرين وهي اللوحة الوحيدة بدون عنوان، حيث تواصل الفنانة استخدام رمزية الخيل للتعبير عن المرأة وروي حكاية الصمت فالخيول تتألم وتصهل ولا تتكلم، حتى تصل بنا الى اللوحة الثانية والعشرين وأسمتها: "مع خيوط الشمس" حيث فرس وجواد يركضان مع الفجر والخلفية من أسفل اللوحة حتى أعلاها وكأنها موج بحر أو عواصف، في حلم للمرأة أن تكون هي والذكر في انسجام وتوافق بعيدا عن التعنيف والتنمر والذكورية التي لا علاقة لها بالرجولة، لتنهي المعرض بلوحة اسمتها: لا أخطها بالحبر" وهي لوحة لتنور خبز وأرغفة طازجة فيه وخارجه، وكأنها تريد أن تترك لنا النهاية مفتوحة بالقول: رغم كل المعاناة فالمرأة لا تتوقف عن واجبها تجاه أسرتها، أو تريد القول: ومع كل الثورة للمرأة على الظلم إلا أن المجتمع يصر أن يضعها في زاوية محددة.. الخدمة والبيت.

   فكانت هذه حكاية الصمت روتها لنا الفنانة طرب أبو زهرة بريشتها وألوانها بإبداع فني معبر وجميل، تحت فكرة واحدة هي معاناة المرأة في المجتمعات التي تعيش فيها، فكانت لوحة استغلت فيها الفنانة كل مساحات اللوحات وفضائها برمزية حفلت بالدلالات النفسية وغاصت في روح المرأة وما يعتمل فيها، مع اهتمامها بالتوازن في اللوحات والتشريح الدقيق للوجوه والخيل والأصابع، مستخدمة الوان "الأكليرك" على القماش "الكانفس" بإتقان رغم بعض الهنات القليلة في بعض اللوحات من حيث البخل باللون وظهور بعض من نسيج القماش أو بثور زائدة كان يجب الانتباه لها وفي زوايا أخرى بعض من الكرم اللوني الذي سال على بعض اللوحات، لكنها فعلياً كانت محدودة بأعمالها الفنية في حكاية الصمت، مع ضرورة الإشارة أن الفنانة اتقنت بشكل جيد استخدام مساقط الضوء والتباين في التكوين اللوني لإيصال الفكرة للمشاهد، وكانت الواقعية مع الرمزية عالية في اللوحات مع العناوين لها، ويلاحظ لجوء الفنانة لوجوه مختلفة للنساء فالمعاناة شاملة وليست لإمرأة واحدة، كما اهتمت الفنانة بجمال النساء والزينة على الشفاه والعيون والوجوه وتسريحات الشعر والملابس للتعبير عن الفئة الاجتماعية الراقية للمرأة.

   وهكذا اجد أن الفنانة والتي امتلكت الموهبة منذ الطفولة وصقلتها على يد الفنان التشكيلي محمود أسعد، لم تدرس الفن في كلية فنون وكانت دراستها في كلية المجتمع العربي في عمَّان لمادة مختلفة، وكان هذا معرضها الشخصي الثاني إضافة لمشاركات كثيرة في معارض جماعية، تمكنت بجدارة في معرضها أن تنضم للرائدات من الفنانات التشكيليات اللواتي أبدعن في التعبير عن المرأة في لوحاتهن، ومنهن نجاة مكي وزينب السجيني وعائشة الفيلالي ومها الذويب، وحفصة التميمي وصفاء العطياوي وفخرية اليحيائي وجينا نحلة وملاذ حشمو وملاك العبار، والعديد من الفنانات التشكيليات المبدعات على مستوى الساحة العربية، وأصبح لها بصمة ستضعها إن واصلت مسيرتها في صفوف التشكيليات الرائدات.


"عمَّان الخامس من حزيران 2023م" 

رائد الحواري يناقش أدب سعادة أبو عراق


تقرير: فراس حج محمد

صدرت عن دار الفاروق للثقافة والنشر في مدينة نابلس دراسة أدبية للناقد الفلسطيني رائد الحواري ضمت بين دفتيها "قراءات في أدب سعادة أبو عراق"، يقع الكتاب الصادر بالقطع المتوسط في (165) صفحة.

وفي مقدمته القصيرة يجيب الناقد الحواري عن سؤال "لماذا سعادة أبو عراق؟"، فيقول: "تقدمت أكثر من أدب سعادة أبو عراق، فوجدته متعدد المواهب، يكتب القصيدة، القصة، الرواية، المسرحية، الفلسفة، الدراسات الاجتماعية والفكرية، وأعجبت به أكثر عندما عرفت أنه يكتب للأطفال أيضاً".

وتحفل مسيرة الأديب أبو عراق بالعديد من الإنجازات والمؤلفات، إذ صدر له أكثر من عشرين كتاباً، موزعة على أجناس أدبية متنوعة، كما ذكر الناقد في مقدمته، إضافة إلى أنه حاصل على بكالوريوس آداب، ودبلوم دراسات عليا في الفلسفة، وتقاعد من العمل التربوي، حيث عمل في وزارة التربية والتعليم الأردنية. وحاصل على ثلاث جوائز في حقول أدب الطفل والإبداع القصصي والروائي. كما أن أبو عراق عضو رابطة الكتّاب الأردنيين، وتسلم رئاسة فرعها في مدينة الزرقاء بين عامي 2000 و2002.

اشتمل كتاب الحواري على خمسة فصول، ناقش في الفصل الأول عالم أبو عراق القصصي، فتوقف عند مجموعاته القصصية: ليلة العيد، وطريد الظل، وزرقاء بلا ذنوب، وحكايات مقهى المغتربين، وفتيان الحجارة، وسلون. ومن القصص المنفردة، تناول الناقد بالتحليل قصص: حلم دجاجة، حقوق الإلهام وبيجماليون، والاشتباك، وزاوية اليقين.

أما العالم الروائي للأديب أبو عراق، فيتناوله الكتاب في الفصل الثاني، فتوقف عند رواية ثلاث عشرة ساعة، ورواية قلعة البحر، ورواية ما قاله الإله إيل، وهذه الرواية حلل بعض مشاهدها في الفصل الأول أيضا؛ على اعتبار أنها قصص قصيرة، عندما نشر المؤلف بعض مقاطعها على صفحته في الفيسبوك، وبذلك يقدم الناقد رؤيتين لعمل أدبي واحد، الأولى من وجهة نظر قصصية، والأخرى من وجهة نظر قصصية، ويلفت النظر بطريقة غير مباشرة إلى أنه بالإمكان قراءة بعض مشاهد الرواية بنفَس قصصي، وإلى هذا التداخل بين العالمين القصصي والروائي عند أبو عراق، أو غيره من الكتّاب الآخرين الذين يستندون إلى القصة القصيرة في بناء رواياتهم، وهذه ظاهرة فنية وتقنية مستخدمة عند بعض كتاب الرواية المعاصرين.

وفي الفصل الثالث يقرأ الناقد ديوانين للشاعر أبو عراق؛ فناقش في القراءة الأولى (الأنا في ديوان ذاك هو أنا)، وفي الثانية (الألم في ديوان زفير). في حين خصص الفصل الرابع للإضاءة على كتاب "يوتوبيا الدولة الإسلامية"، ليختتم الكتاب في فصله الخامس بقراءته لعالم أدب الأطفال في مسيرة أبو عراق الأدبية، فحلل مسرحية الكلب الذي لا يأكل لحم صديقه، وتوقف عند الأفكار التي عالجها المؤلف في كتابه الموجّه للأطفال "هيا نكتشف هيا نخترع".

ولم يكن الناقد في هذه القراءات المتعددة يكتفي بالتحليل الأدبي، بل حرص على أن يضمن الكتاب شيئا من نصوص المؤلف القصصية والشعرية، ليكون القارئ قادرا على التعرف أكثر على عوالم هذا الأديب، والتزم في كل هذه القراءات بالمحافظة على منهجيته المعهودة في قراءته للأدب من ناحيتين فكرية وتركيبية جمالية، من منطلق انطباعي، وبذلك يعزز الناقد موقعه النقدي في سياق الثقافة الفلسطينية فيعرّف بعوالم أديب ثريّ في أفكاره، وغنيّ في أساليبه.

يضاف هذا الكتاب إلى كتب الناقد الصادرة سابقاً التي تناول فيها أدباء من أمثال قراءته لأدب محمود شاهين، وكميل أبو حنيش، ومحمود عيسى موسى وصافي صافي، ومنصور الريكان وعبود الجابري، ومازن دويكات وإسماعيل حج محمد ومفلح أسعد وعمار دويكات. عدا قراءاته في أعمال أدباء آخرين، وخاصة الشباب، أو الكتّاب الأسرى، ويواظب على نشرها في موقعه في الحوار المتمدن، أو في المواقع الإلكترونية الأخرى والصحف العربية.


صدور كتاب "الأسرار تحت جمر الغواية" للكاتبة السورية هند زيتوني




تقرير: فراس حج محمد

صدر عن مكتبة طرابلس العلمية العالمية في ليبيا كتاب "الأسرار تحت جمر الغواية" للشاعرة والروائية السورية هند زيتوني. يقع الكتاب في حوالي (200) صفحة. احتل الغلاف الذي صممه أمين حرب لوحة للفنان السوري صبري يوسف، وراجع الكتاب لغويا شادي الشايب.

قدم الشاعر الليبي عمر عبد الدايم للكتاب واصفا إياه بقوله: "شيءٌ جميلٌ سيلاحظه القارئ الحصيف في هذا الكتاب؛ وهو التداخل السلس بين ما اقتبسته الكاتبة من جُمَلٍ وأبيات شِعرية، وأقوال وحِكَمٍ، تطول مرةً وتقصر مرات، لكتّاب وفلاسفة وشعراء قدماء ومعاصرين، دون أن تنُكِر الكاتبة ذلك أو تدّعيه لنفسها، وبين كتاباتها هي في ذات الشأن، وبذلك استطاعت بمهارة أن تلعب على أصابع بيانو التلاقح المعرفي ليجدَ المتلقي نفسه في حالة تماهٍ تام مع الكتاب وكأنما يؤدي وإياه رقصة باليه بارعة دون نشاز أو تشويه".

توضح المؤلفة الفلسفة التي قام عليها كتابها بقولها: "أحببت- في هذا الكتاب- أن أشركَ الآخر في تجربتي ورؤاي عن الحياة من جوانب فكرية متعددة شاملة اقتباسات؛ خواطر، ورسائل لكتّابٍ مشهورين خاضوا غمار معركة الكتابة باحتراف، وكشفوا عن مكنوناتهم الفكرية المكتنزة وعيا وإضافة نوعية إلى المسلّة الإنسانية".

عرضت الكاتبة وجهة نظرها في موضوعات كثيرة، واختلط رأيها بآراء الكتاب الآخرين، سواء أكانوا متفقين معها أم مختلفين، إذ كانت تريد أن تقدم تلكم الأفكار- كما سبقت وقالت في مقدمتها- بتنوعها البشري والفكري، فناقشت مسائل الكتابة والقراءة، والحب والموت والحياة، والحرية، والصداقة، والخير والشر، والوطن والمنفى والهوية والانتماء، كما ناقشت أفكارا كالسعادة والحزن والفرح والأمل والتأمل، ولتحقيق غرضها في عرض تلك المسائل أثبتت لنفسها نصوصا، واقتبست مجموعة أخرى من النصوص الشعرية والسردية لمختلف الكتاب من الشرق والغرب، فاشتمل الكتاب على سبيل التمثيل نصوصا للدكتور أحمد خالد توفيق، ومحمود درويش وفرانز كافكا، ولوركا، وجلال الدين الرومي، وقيصر عفيف، وغيرهم.

كما أظهرت الكاتبة عنايتها بفن الرسائل، فأثبت مجموعة من الرسائل كتبها شعراء وروائيون وقادة وسياسيون، من أمثال: جبران خليل جبران، وغسان كنفاني، وأمل دنقل، وبتهوفن، وجوني كاش، وتشرشل، وسارتر ونابليون، وآخرين.

يدل الكتاب على تنوع ثقافة الكاتبة وتمددها المعرفي، واطلاعها على مصادر ثقافية متعددة، ويقدم للقارئ صورة بانورامية لقارئة نهمة، تتفاعل مع ما تقرأ، وتختار منه ما يروق لها، جريا على عادة كتاب كثيرين، فقد قامت كثير من كتب التراث على هذا الشكل من الاقتباسات ككتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، وكتاب الفوائد لابن القيم الجوزية، كما تحفل حركة التأليف المعاصر بكتب مشابهة تحمل وجهة نظر كاتبها فيما يقرأ، ككتاب "دولة النساء" للكاتب عبد الرحمن البرقوقي، وكتاب "فستق أدبي" للشاعر حنا أبو حنا، وغير هذا وذاك الكثير من المؤلفات.

ومن الجدير بالذكر، فإن كتاب "الأسرار تحت جمر الغواية" يأتي بعد أربعة من الدواوين الشعرية: "كلمات وحفنة من حنين"، و"أنثى بنكهة البنفسج"، و"غواية الدانتيل"، و"وحدي أتمدد في فقاعة"، وثلاث روايات: "أنثى بطعم النبيذ"، و"بوح النساء"، و"إيلينا". 

ترجمت الكاتبة التي تعيش حاليا في أمريكا مجموعتين؛ شعرية وقصصية لعدة شعراء وكتاب من الوطن العربي إلى اللغة الإنكليزية، وتُرجمت بعض أعمالها إلى اللغة الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وقدمت الباحثة الفلسطينية هالة اللوح رسالة ماجستير بأعمال زيتوني الروائية تحت عنوان: "تقنيات السرد في روايات هند زيتوني".