الجرح النازف في رواية تفصيل ثانوي



بقلم: زياد جيوسي

   بدعوة من منتدى شرق وغرب لندوة أقدم فيها قراءة نقدية وأشارك الحضور في مناقشة رواية الكاتبة عدنية شبلي "تفصيل ثانوي"، والكاتبة عدنية التقيتها أول مرة في احدى المناسبات الثقافية في مؤسسة قطان في مدينة رام الله، وكانت قادمة من العمق الفلسطيني المحتل عام 1948م، وفي مناسبة أخرى أهدتني كتابها الذي فاز بجائزة مؤسسة القطان حيث فاز لها كتابان: رواية "مساس" عام 2001 م ورواية "كلنا بعيد بذات المقدار عن الحب" عام 2004 م، وفي عام 2017 أصدرت روايتها "تفصيل ثانوي" بعد غياب ثلاثة عشر عاما بعد روايتها الثانية، وهذه الرواية اثارت ضجة حين قامت ادارة معرض فرانكفورت للكتاب الغاء تكريم الكاتبة والجائزة المقررة لها بتحيز كامل لدولة الكيان الصهيوني بعد بدء معركة طوفان الأقصى، وتضامن مع الكاتبة هيئة الشارقة للكتاب وانسحبت من المعرض وكذلك اتحاد الناشرين العرب وتضامن معها عدد كبير من الأدباء والكتاب في انحاء العالم.


   الرواية من 127 صفحة من القطع المتوسط وصدرت بغلاف بسيط يصور الصحراء بما يتناسب مع الرواية التي تدور محاورها في صحراء النقب، والغلاف الأخير امتداد للغلاف الأول مع تعريف مختصر عن الرواية والكاتبة، وقد صدرت عن دار الآداب في بيروت بطبعتين الاولى 2017 والثانية 2021، وفكرة الرواية قائمة على عودة فتاة فلسطينية بعد خمسة عقود للبحث عن جريمة اغتصاب وقتل لفتاة عربية ارتكبها الجنود الصهاينة في معسكر هناك في 13 آب لعام 1949، والمعسكر قديم يعود بالأصل لمستوطنة "نيريم" التي دمرها الجيش المصري عام 1948 ونقلت المستوطنة بعدها الى موقع يبعد 25 كم، وجرى العمل على ترميم المعسكر لمنع المتسللين من أبناء فلسطين الذين هُجروا من وطنهم في عام النكبة 1948 من العودة للوطن، وهنا سنلاحظ أن فكرة العودة قد تكررت في الروايات والقصص والأفلام الوثائقية الفلسطينية، ومثال على ذلك رواية عائد الى حيفا للشهيد غسان كنفاني، وفيلم البيت المفقود للمخرجة وفاء جميل ورواية يافا أم الغريب لأسماء ناصر ورأيت رام الله لمريد البرغوثي وباب الشمس لإلياس خوري، ورواية ليس وداعا يا قدس للكاتب محمد شاكر عبد الله، وشخوصها الرئيسة عادت لأسباب متعددة ومنها البحث عن ابن أو بيت أو زوجة أو أمكنة أو جريمة كما في هذه الرواية.


   يلاحظ في الجزء الأول من الرواية أن الراوي هو الضابط الصهيوني وقائد المعسكر، ويلاحظ أن الكاتبة أسهبت في وصف المكان والصحراء والكثبان الرملية وموقع القائد في المعسكر، ولو أن هذا الوصف كان في رواية لا علاقة لها بالضابط والجنود الصهاينة لكان كما العزف على قيثارة في وسط رمال الصحراء، وهذا الوصف يستمر لحين عثور الضابط وجنوده على مجموعة من العرب البدو يسقون جمالهم من نبع ماء صغير بين اشجار الدوم والبطم والقصب، وتم اطلاق النار عليهم وقتل الجمال والبدو بدم بارد رغم انهم غير مسلحين ولا متسللين ولم يبق الا الفتاة والكلب، وقد تم اسرها ونقلها للمعسكر وفي صباح اليوم التالي مزق الضابط ملابسها وفتح عليها خرطوم الماء واعطاها صابون لتغتسل، وأشير هنا أن الكاتبة وصفت البدوية بأن رائحتها كانت نتنة جدا من تراكم العرق عليها والبول وعدم النظافة، وهذا مبالغة غير منطقية فرغم شحة المياه الا أن البدو يسكنون عادة قرب ينابيع ماء في الصحراء ليسقوا مواشيهم ويشربوا ويعدوا الطعام، والاستحمام والنظافة بعض من تقاليدهم وخاصة انهم مسلمون ويتوضأون يوميا للصلاة ويستحمون باستمرار، الا اذا كانت اشارة من المستعمر وقائد المعسكر أن العرب قذرين والصابون لا ينظفهم ولا ينظفهم سوى قتلهم والتخلص منهم، كما يلاحظ أن البدوية لم تقاوم تمزيق ملابسها والقيام بغسلها بالماء عارية أمام كل الجنود، وكلنا نعرف مسألة العرض في مجتمعاتنا فكيف لدى البدو؟ وإن قاومت قليلا حين اغتصبها الضابط فعضت كفه وصرخت، فالموت لدى المرأة أفضل ألف مرة من المساس بعرضها، والكاتبة تدرك ذلك فهي ابنة عرب الشبلي.


   ونلاحظ أن الضابط بكل قذارته مؤمن بصهيونيته القائمة على فكرة الأرض الموعودة وأن الأرض لهم وأنه يجب ان لا تترك للعرب، وكان قد ترك المجال للجنود أن يختاروا أن يغتصبوا الفتاة جميعهم أو أن يجعلها تعمل بالمطبخ، وطبعا اختاروا اغتصابها بعد ان يبدأ قائدهم هذه المهمة القذرة، وبعدها قام بأخذها مع نائبه الرقيب وجندي والسائق الى مسافة من المعسكر وأطلق عليها الرصاص وقتلها، وأكمل الرقيب اطلاق النار عليها ودفنوها بالحفرة التي طلب من الجندي أن يحفرها.


    وهنا لا بد أن نلاحظ أن الرواية ركزت على هذا التفصيل الثانوي ولم تتحدث عن عام النكبة ولا عن المجازر التي تمت فيها ولا عن طرد الآلاف من أصحاب الأرض خارج الحدود، وكأنها ارادت احياء كل ذلك من خلال هذه الحادثة بعد أن تحول كل شيء الى اعتيادي كنسف البنايات واغتيال المقاومين،


ويجب هنا يجب أن نشير أن القصة حقيقية والقتل للفتاة تم في صبيحة 13 آب للعام 1949م أي بعد النكبة بأكثر من عام وبعد أن تشكل الجيش من العصابات الارهابية الصهيونية، وإن لعب خيال الكاتبة دوره في إظهار قذارة الصهاينة من الضابط حتى الجنود، ومن هذه القذارة كيف تصرف الضابط مع الكلب المنزعج من غياب البدوية عنه ولا يعرف أنها قتلت، ويظهر ذلك في نهاية الجزء الأول من الرواية، وهنا لا بد من الاشارة أن الروائية قد أطالت بالسرد والتوسع به كما حكاية القرصة التي تعرض لها الضابط في أول ليلة من أحد الحشرات، فوصفت كيف تطورت وتقيحت في أكثر من مكان بحيث أصبحت وكأنها شيء مهم، علما انه لو لم تشر لها من الأصل لما حصل خلل في السرد الروائي، ووجودها لم يضيف شيئا للرواية سوى زيادة عدد الصفحات.


    في الجزء الثاني من الرواية تصبح الموظفة الفلسطينية هي الرواي فتغرق في سرد تفاصيل ثانوية لسكنها في مدينة رام الله والكلب الذي ينبح وعملها الجديد، والظروف التي يعيشها الناس تحت الاحتلال كما في عملية نسف لبناية بها ثلاثة مقاومين، بينما هي تبدو مزعوجة من الغبار الذي اندفع من النافذة لغرفة مكتبها، علما بأني سكنت رام الله من نهاية 1997 حتى بداية 2016 وعايشت كل الأحداث بها من اجتياحات واعتقالات، وعادة حين يكون هناك أشخاص يقاومون بالسلاح ويرفضون تسليم أنفسهم، كان جيش الاحتلال يقصف البيت بصواريخ الإنيرجا لقتل المقاومين، ولم يكن يعطي اشعار للجيران بذلك حتى يفتحوا نوافذ بيوتهم أو مكاتبهم كي لا يتحطم الزجاج كما اشارت الكاتبة في الرواية، ولكن الروائية أشارت إلى أن التفاصيل الثانوية والصغيرة تلعب دورا في حياتها، وهذا الدور هو الذي منح الرواية اسمها، وتفصيل صغير وثانوي هو الذي قادها للتفكير والبحث في عملية اغتصاب وقتل الفتاة البدوية، بعد أن قرأت مقال لكاتب من دولة الكيان يتحدث عن الجريمة، حيث لفت نظرها أن التاريخ سيصادف تاريخ ولادة الراوية بعد ربع قرن أي في عام 1974 وهو أيضا ميلاد الكاتبة عدنية شبلي، وبشكل عام معروف عن النساء الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة بعكس الرجال، ولذا نجدها تورد حكايتين احدهما من التراث والأخرى من النقد الفني لتشير إلى دور التفاصيل الصغيرة في الحياة، وربما كل ذلك لتبرر لنفسها اهتمامها بالغبار الذي حط على مكتبها من جراء تفجير البناية، وعدم اهتمامها باستشهاد ثلاثة شباب من شعبها بتفجير البناية التي اوصلت لها الغبار على مكتبها.


   نلاحظ أن الكاتبة  لجأت للحديث عن تقسيمات المناطق أ ب ج وهذه طبقت على الضفة الغربية بعد اتفاق اوسلوا، وأيضا اشارت للهويات الممنوحة للفلسطينيين، فهناك الخضراء لغزة والضفة وهناك الزرقاء لسكان القدس وتتيح لهم التحرك بحرية سواء في الضفة أو في الأراضي المحتلة منذ عام 1948م، وأشارت كيف استعارت هوية صديقة لها من القدس لتدخل بها للقدس واصفة بشكل دقيق حاجز قلنديا والذي يسميه الاحتلال معبر قلنديا لمنحه صفة حدودية، وهذا الحاجز فرضه الاحتلال بين القدس وبين الضفة الغربية والمناطق الأخرى، وهي تغامر للوصول الى ما تريده بموضوع البدوية التي استشهدت برصاص الاحتلال بعد اغتصابها عام 1949، وكانت بين تتردد بين الاصرار على المتابعة وبين التراجع فما تقوم به مغامرة غير مأمونة الجانب وخاصة استخدام هوية لا تخصها، ولكنها تقرر المغامرة فهي تشعر أن هذا التفصيل الصغير بمصادفة مقتل البدوية مع ذكرى ميلادها بعد ربع قرن لم يأت عبثا ولا مصادفة فلا بد أن هناك شيء يخصها بالموضوع.


   وأشير ايضا أن الكاتبة اشارت لسجن عوفر وأنه تأسس عام 2002 بجوار المعسكر، وما اردت الاشارة له أن هذا المعسكر كان للجيش الأردني قبل حرب 1967 وسقوط الضفة الغربية وقطاع غزة اضافة لسيناء والجولان في قبضة الاحتلال الصهيوني في ستة أيام فقط، وأتذكر هذا المعسكر حين درست من الثالث حتى الخامس الابتدائي في اعدادية بيتونيا، وكنا نستمتع بالرحلات إلى البالوع الذي تتجمع به مياه الشتاء ويصبح ملاذا للطيور المهاجرة بجوار المعسكر، وكان والدي يصاحبنا معه أحيانا حين يذهب لممارسة صيد الطيور في البالوع مثل القطا والوز والعصافير والحمام، واستغرب أن الراوية اتجهت عن طريق بيتونيا وقرى اللطرون الى يافا وكان يمكنها اختصار الطريق من القدس الى يافا مباشرة بطريق مأهولة وسهلة ولا تأخذ وقتا طويلا للوصول الى سوق الكرمل في يافا، ومنه الى مسجد حسن بك ومن ثم المنشية حيث هناك متحف لأحد عصابات الاحتلال قبل قيام الكيان، إلا اذا كان الهدف أن تورد أسماء البلدات الفلسطينية حيث ومن خلال خريطة معها تستعيد أسماء للقرى المهجرة والمدمرة على يد الاحتلال، بعضها أسماء مألوفة لها والبعض الآخر غير مألوف.


   حتى تصل الراوية للمتحف وتجول قاعاته ومن ثم تركب السيارة باتجاه الجنوب للوصول الى موقع المعسكر الذي جرت به الجريمة وتلتقي مسؤول متحف مستوطنة "نيريم" التي تأسست عام 1946  والمهاجر من استراليا في بداية الخمسينات، وهو يحدثها عن تاريخ المستوطنة ويعطي سكانها صفة البطولة في مواجهة الجيش المصري في عام النكبة، ثم يشير أنه جرى نقلها بعد الحرب الى هذا الموقع تحت بند أن الأمطار هنا أفضل، ولكن السبب الفعلي هو الخوف كون الموقع السابق قريب على الحدود المصرية، ومن خلال الحديث مع حارس المتحف والارشيف نجد الكاتبة وقعت بخطأ كبير، فقد اشارت على لسان الحارس أنه هاجر من استراليا الى فلسطين في أوائل الخمسينات وسكن هذه المستوطنة ولم يغادرها، ولكنه في اجابته على أسئلة الراوية التي كانت تهدف للوصول الى معلومات اضافية غير التي نشرت عن عملية اغتصاب وإعدام البدوية، يقول أنه تطوع في وحدة عسكرية تشكلت بعد نهاية الحرب كانت مهمتها البحث عن متسللين في المنطقة، وأنهم وجدوا جثة فتاة بدوية قتلها أهلها ورموها بالبئر لشكهم بها وهذه من عادات العرب وما يسمى بمجتمعاتنا "قتل الشرف"، والسؤال: كيف كان بهذه الوحدة العسكرية والتي تشكلت في عام 1949 بينما هو هاجر لفلسطين في أوائل الخمسينات؟ وواضج ان هذا الصهيوني يريد التستر على الجنود من خلال عدم التحدث عن الاغتصاب والقتل ويريد أن يتهم الفتاة بشرفها وأن اهلها قتلوها، وإن كان هو من جنود الوحدة العسكرية فهذا يعني أنه شارك بالاغتصاب والجريمة.


    وحين تذهب للمعسكر لا ترى أي جندي وهذا مستغرب كون المعسكر مقابل لمدينة رفح الفلسطينية التي تتعرض للقصف من جيش الاحتلال باستمرار، وبالتأكيد لا تجد أي أثر يشير للجريمة التي تبحث عنها، فحتى في المجازر الكبيرة التي ارتكبها الصهاينة دفنوا الجثث في آبار أو في مقابر جماعية وأخفوها ولم يتركوا ما يشير لها، ومثال ذلك شهداء الطنطورة الذين أصبح فوق مقبرتهم ساحة لوقوف السيارات، ولولا انكشاف الموضوع واللقاء مع عدد من الذين شاركوا بالاغتصاب والقتل والتمثيل بالشهداء لما عرف أحد عن وقوع المقبرة تحت الساحة.


    في نهاية الرواية تلجأ الكاتبة على لسان الراوية للغرائبية، فهي ترى امرأة باللباس البدوي بجوار الشارع فتنقلها معها وتنزل على رأس طريق ترابي غير ظاهر، ولا تتكلما سويا طول المسافة وهي ترى بالعجوز انها بعمر البدوية الشهيدة لو عاشت، وحين تتركها تنزل وتواصل هي طريقها تشعر بالندم أنها لم تسألها عن الحادثة فربما لديها معلومات، وبعد مسافة تقرر العودة للنقطة التي انزلت البدوية فيها وتبحث في الخارطة عن مواقع مسكونة فلا تجد الا اشارة لموقع تدريب محظور على المدنيين، تتجه له لتجد نفس الوصف لموقع مقتل البدو على يد الصهاينة عام 1949 بما فيها الجمال لكن بدون بشر، وتجد رصاصة مستخدمة فتتجه لسيارتها حين تجد جنود يصرخون عليها بالتوقف، فتمد يدها لتأخذ حبة علكة من جيبها وتنهي الرواية بعبارة: "فجأة، يغمرني فيما يشبه الحريق الحاد في يدي ثم صدري، يليه صوت اطلاق بعيد".


    قدمت الكاتبة سرديتين بشكل محايد في الرواية الأولى السردية الصهيونية المزيفة القائمة على القتل والاغتصاب وتزوير التاريخ، والسردية الفلسطينية بذكر أسماء القرى التي كانت ودمرها الصهاينة والاشارة الى اليافطات التي أصبحت بالعبرية ولم تعد عربية وتغير اسماء الأمكنة لأسماء غريبة عن الأصل، فهنا البدوية ليست مجرد امرأة بل رمز وطن جرى اغتصابه، وسنلاحظ أن الرواية اهتمت بالرمزيات كثيرا وفي العديد من المواقع ابتعدت عن المباشرة، فيلاحظ في الرواية تكرار فكرة وجود الكلب في أكثر من موقع، فهناك الكلب في رام الله والذي يعوي من بعيد، والكلب الوفي مع البدوية الشابة، وغيره من الكلاب التي اهتمت الكاتبة أن تضمنها سردها الروائي، إضافة لعدم ذكر الأسماء لشخوص الرواية كي تجعل المسائل عامة وليست خاصة بفرد معين.


  وسنلاحظ أن السرديتين أدتا لاختلاف أسلوب اللغة في القسم الأول عن الثاني، حيث من الممكن أن يشعر القارئ بالجزء الأول بالملل بعكس الجزء الثاني، والسبب أن السرد في الجزء الأول على لسان الضابط الصهيوني القاتل والمغتصب بلا أحاسيس أو مشاعر، بينما الثاني على الموظفة الفلسطينية التي آلمتها وتؤلمها أحداث يمر بها الوطن، وسيلاحظ القارئ أن الرواية أخذت فكرة انسانية وشعور انساني، وهذا الشعور يأتي مترافقا مع التفصيل الثانوي بتوافق تاريخ قتل الفتاة البدوية بعد اغتصابها من الجنود الصهاينة، ويجعل الراوية تشعر أن هناك شيئا يخصها في هذه الجريمة، ومن هنا نجدها تبحث بمغامرة عن هذه الجريمة ومسرحها رغم أنه بالمنطق لن تجد في الموقع أي أثر، لكنها هنا وبنهاية غرائبية تحمل معها بدوية من مكان خال من البشر لبداية الطريق لموقع الماء والجمال قرب المعسكر، وكأنها تشير بشكل غير مباشر أن تلك البدوية هي روح الشهيدة، وأن الجمال الستة على عين الماء هي ارواح الجمال الستة التي قتلها جنود الاحتلال تنتظر من يرفع الستار عن الجريمة، وأن أصوات طلقات الرصاص في البعيد والتي أصابتها حسب وصفها، هي اصوات الرصاصات التي أصابت الشهيدة، فهل التفصيل الثانوي جعل الراوية تشعر أن روح الشهيدة سكنتها أو حلت بها؟ وأن الرصاصات التي أصابتها هي اشارة أن الجريمة لم تنته وما زال الجرح نازفا في التفصيل الثانوي وما زال الاحتلال يمارس جرائمه بقتل أبناء فلسطين واغتصاب أراضيهم!!

الزمنكان في رواية (مالم يقله سيزيف في مذكراته المجنونة) للكاتب : كريم عبدالله

 




بقلم : الشاعرة : سلوى علي / السليمانية  


الزمن هو الخيط الذي ينشر عليه الكاتب احداث روايته , بينما المكان هو البساط الذي تتحرك فوقه الشخصيات .

حين قرأت عنوان الكتاب سافرت مع نفسي بصحبة ابطال المسرحية في الفراغ لأستلهم المشاعر، الروح، الجسد، النبؤة وذلك الشعور الصارخ المجنون بين جدران و أبواب تلك الفلسفة التي عانقت عاشق كعصفور مذبوح أعلن الحرب على الذاكرة في ساحات لغة شعرية ومكنونات منتظمة تجوب الصفحات.

رواية (مالم يقله سيزيف في مذكراته المجنونة)لكاتبه الشاعر والروائي كريم عبدالله ,ينقلنا الى العالم السفلي / الحضيض للمصحات العقلية , وما يحدث في السرّ بعيداً عن الضوء ووسط الظلام , والى أزمنة ما نكاد نستأنس بها الا ونقلنا بصورة خاطفة الى زمان آخر ويجعلنا في حيرة من امرنا , ويرسم لنا أماكن موحشة وبسرعة يأخذنا رغماً عنا الى أماكن أخرى .

 كما نعلم ان الهدف من الرواية ((هي أن تجعلك تعيش مشاعر جديدة ،وتتحسس لغتها الادبية, وتحسّن من مفرداتك اللغوية ,ويتحسّن خيالك لتهرب من الواقع بطريقة ايجابية)). والرواية الناجحة تعزز من الجانب الأنساني والخيال الابداعي ،حيث لها تاثير غير مباشر وتبدأ تخمر دواخلك ويضيف بعدا جديدا لفكرك وكيانك ،هذا بجانب أثرائك اللغوي وكسب معلومات  لم تعرفها قبل، الروائي الجيد حين تقرأ  له تتخيل الشخصيات وتعيش حزنها وخوفها وفرحها، هنا نجح الروائي كريم عبدالله في هذه الجوانب والأهم منها حافظت الشخصيات كل منها بداخل الرواية على لغتها الشعرية الخاصة به ,وهنا يكتب للروائي نجاح اخر له كشاعراجاد مكامن اللغة والتعبير عنها بصورشعرية مكثفة وعلى هيئة القصيدة البوليفينية بكتلة واحدة متعددة الاصوات والتي تعتمد على تعدد المواقف الفكرية فيها و تنوع الصيغ وتوظيف جيد لوحدة الزمان والمكان وعمل كمايسترو ناجح لجمع كافة الالحان في عمل موسيقي رائع.

كما حاول الروائي كريم عبدالله من خلال استخدامه لرسم المكان تقريب هذا المكان من نفس المتلقي لرسم الأبعاد والفضاءات الذي تدور فيه الاحداث من خلال المشاعر ,والمعلومات المختزنة في ذاكرة الروائي من فلسفة, وأحاسيس ,و علاقات ,ضمن توليفة تأريخية ونفسية و دينية و أجتماعية، لأن المكان يمثل المحور الأساسي من المحاور التي تدور حولها الرواية، فقد تجاوز كونه مجرد شئ صامت أو مجرد عنصر أو خلفية تدور حولها الأحداث.


المكان في هذه الرواية لعب دور المفجر لطاقات الأبداع عند كريم عبدالله من حيث بناءه اللغوي والتشييد الخيالي والطابع اللفظي التي تستطيع اللغة التعبير عنه بوصف الأشياء وتقديمها للعين بصورة أمينة تحرص على نقل المصداقية وجعل المكان في الرواية مماثلا في مظهره الخارجي للحقيقة .الرواية توثّق أزمنة ما عادت الان موجودة على أرض الواقع , فهي كسجلّ حقيقي للأجيال أن تتعرّف عن قرب على ما أحدثه الزمن وتبعاته على شخوص , وأمكنة , وارواح معذّبة عاشت خلف جدران هذا المكان .

وقد نجح كريم عبدالله حين أشار الى تواريخ محددة وأحداث معروفة سواء في البداية أو في سياق الرواية ، ليبث بعض المعلومات أو الأشارات الزمنية تمكن القارئ من معرفة الزمان الماضي والحاضر ، كما ويبين الزمن النفسي والطبيعي. يستطيع القارئ أن يجد في هذه الرواية مختلف الأمكنة , مثل المكان الهندسي الذي تعرضه الرواية بأبعاده الخارجية , والمكان ذو التجربة المعاشة الذي عاش فيه الروائي , وبعد أن ابتعد عنه أخذ يعيشه في الخيال , حيث يثير الخيال لدى المتلقي , والمكان المعادي الذي يعبّر عن الهزيمة واليأس , والمكان الصوتي الذي تبرز جماليته من خلال الصوت فقط , والمكان الحنيني الذي يذكّرنا بالماضي , والمكان النفسي الذي يصور لنا خلجات النفس وتجلياتها وغيرها من الأمكنة .

الزمن النفسي من حيث أرتباط الشخصيات أرتباطاً وثيقاً بحالتها الداخلية وتلون حالتها النفسية والشعورية ، أما الزمن الطبيعي فهو الزمن الخارجي الذي يشكل الداعم الأساسي للروائي ليبني عليه الرواية .لقد استخدم الروائي كريم عبدالله ( فلاش باك ) كثيرا في روايته هذه , مما جعلنا نركض وراءه نتتبع هذه الأزمنة , وكيفية معالجتها حسب رؤيته .

 لقد كان أشبه ما يكون بالمونتير الذي يحذف ويضيف كل ما يجعل من الرواية مترهلة , فجاءت تختصر لنا أزمنة كثيرة , وتتحدث عن أمكنة كثيرة ايضا .

بقي أن أقول رواية (ما لم يقله سيزيف في مذكراته المجنونة) لكاتبه كريم عبدالله من الروايات التي تفتح الكثير من الأبواب لقراءات نقدية ادبية متعددة , والغوص في مكنونات جماليتها من كل الجوانب ....

فشكرا لكل هذا الجمال .

رحيل الفنان والموسيقار الفلسطيني الكبير مصطفى الكرد


كتب الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل –  فلسطين –

انتقل الى رحمته تعالى الموسيقار والفنان الفلسطيني الكبير مصطفى درويش الكرد  ( 1945 – 2024 ) أحد  أهم الموسيقيين الفلسطينيين الذين لحنوا وغنوا الأغنية الوطنية الملتزمة .. وهو من مدينة القدس ابن باب حطة احد أحياء القدس العريقة ، وله مسيرة رائعة وثريَّة على مستوى النهضة الثقافية والفنية في فلسطين .  المرحوم خالد الذكر "مصطفى الكرد " موسيقي ومسرحي كبير ومن مؤسسي مسرح الحكواتي المقدسي وأحد أقطابه ومدير مركز الموسيقي . شغل منصب مدير دائرة الموسيقى في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني، وشغل أيضا منصب مدير مركز القدس للموسيقى العربية

ومن أهم اعماله الفنية لقد قام بتلحين مسرحية بعنوان : ( عنترة في الساحة خيال ) ، وهي تمثيل وغناء فردي ..أي شخص واحد فقط قام   بأدائها وتمثيلها على قاعة المسرح (مونودراما).. ومن تمثيل وإخراج الفنان القدير راضي شحادة من مدينة المغار     .           .               .

 وهنالك معلومات عنه لا يعرفها الكثيرون .. لقد سُجن مصطفى الكرد بعد  عام 1967 عندما كان عمرهُ 22 سنة وعُذّبَ كثيرا في السجن لأجل أغانيه الوطنية ومواقفة السياسة المشرفة ..وبقي صامدا وثابتا ولم يترك الفن الملتزم ..وكانت كل أغانيه التي لحنها وغناها وطنية وسياسية هادفة تتناول القضية الفلسطينية وقضايا وهموم الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

رحمه الله وجعل مأواه  الجنة  لقد  ترك  وراءه انجازا  عظيما وإرثا 

     خالدا من الأعمال الموسيقية والفنية والأغاني  المميزة التي ستتناقلها وتُرددها الاجيال على مر الدهور 

رئيس مركز فِكر: لمواجهة مخاطر الأبنية الآيلة للسقوط


شدد رئيس مركز فِكر ومؤسسة المطران ميخائيل الجميل للحوار والثقافة، المحامي شادي خليل أبو عيسى في لقاء معه، على وجوب التحرك لمواجهة المخاطر المتكررة من المباني الآيلة للسقوط. وأضاف: يقتضي التحرك السريع، لا الإهمال كما هو حاصل ومعاينة الأبنية المتصدعة الآيلة للسقوط تفادياً للحوادث التي قد تحصل لاحقاً، وضرورة إجراء مسح فعلي على المباني ووضع التقارير اللازمة، تمهيدا لإجراء المقتضى حفاظاً على المواطنين في ظل الظروف الطبيعية وعدم صيانة الأبنية والمتابعة الدورية.


الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين - الكرمل 48 يشارك في إحياء يوم اللغة العربية في مدرسة الكرمة في حيفا





اللجنة الإعلامية -

  شارك الاتّحاد في إحياء يوم اللّغة العربيّة في مدرسة الكرمة في مدينة حيفا، وذلك يوم الخميس 15.2.24، ممثّلا بثلّة من أعضائه، ومركّزة النّشاط المدرسيّ في الاتّحاد الكاتبة فوز فرنسيس تنسيقًا. 

   استقبل الكتّاب مديرة المدرسة المربّية عبور الشيخ ومركّزة اللّغة العربيّة المعلّمة منار خطيب، قبل أن يتوّزعوا على طبقة الصفوف السّابعة والثامنة ليعطي كلّ كاتب حصّتين. تطرّق الكاتب مصطفى عبد الفتّاح إلى موضوع الهويّة وأهميّة اللّغة في الحفاظ على التّراث والتّاريخ. في حين تحدّث الشّاعر نبيل طربيه عن الأنواع الأدبيّة وأهميّة درب الابداع. أمّا الكاتب حسن عبادي فقد تناول في فعاليّته موضوع النّكبة والتّهجير وحبّ الوطن، وأهميّة الحفاظ على لغتنا العربيّة في عصر العولمة الّذي نعيشه. 

   الكاتب نايف خوري تحدّث عن اللّغة العربيّة الفصحى، والمحكيّة ونشوئها واللّهجات المختلفة الّتي تميّز كلّ بلد وبلد، في حين تجمع اللّغة الفصيحة الجميع. وكان موضوع الشّاعر كميل شقّور عن التّواصل واللّغة كوسيلة تواصل للإنسان، وعن أهميّة اللّغة العربيّة وجماليّاتها، وقام الكاتب سمير أبو الهيجاء بالتّحدّث عن اللّغة العربيّة ومكانتها عالميًّا وثرائها بالمعاني مقارنة مع لغات أخرى، إضافة إلى مكانة اللّغة في الشّعر العربيّ. 

   تمّ في النّهاية تلخيص تقييميّ، قدّم فيه الكتّاب انطباعاتهم الإيجابيّة عن الفاعليّة وعن الطلّاب وتفاعلهم اللّافت مع مواضيع المداخلات. وشكرت الإدارة ومركّزة اللّغة العربيّة الاتّحاد وأعضائه، مقدّمة شهادات تقدير وشكر للكتّاب.

   تجدر الإشارة إلى أن كتّابنا قاموا بإهداء إصداراتهم لمكتبة المدرسة ولبعض الطلاب الّذين أبدوا رغبة بالمطالعة.


في استعاراته الجسدية.. نمر سعدي يُلاحق نظرات العاشق على وهج الهندباء


علي الرَّاعي / ناقد من سوريا


«قالَ شاعرٌ كهلٌ لشاعرٍ شاب: لا تكن تعيساً مثلي ولا تحوّل عمرَك لدواوين حبٍّ طويلةٍ لامرأةٍ لا تستحقُّ حرفاً منها.. في النهاية، وبعدَ فوات الأوان لا فرق بين نظرات العاشق والأبله..».

هذه الدفقةُ الشعرية من مجموعة «استعارات جسدية» للشاعر نمر سعدي، الصادرة مؤخراً عن دار دلمون الجديدة بدمشق، هذه الدفقة لن تكون النموذج الذي يُمكن لمتلقي هذه المجموعة أن يقيس عليها، أو أن تكون جزءاً من كل المجموعة، ذلك أن الشاعر سعدي سيوزع نصوصه في سبعة أبواب، يكاد كلُّ بابٍ فيها يُفارق ما سبقه من أبواب أو ما تقدّم عليه لدرجة الاختلاف، ومثل هذا «التنويع» قلما يجده المُتلقي في تجربةٍ كاملة لشاعر، فما بالك في مجموعةٍ شعرية واحدة؟ بمعنى أن أول ما يتبادر لقارئ «استعاراتٍ جسدية» هو التنويع في سكب القصيدة في أوعية البياض، سواء من حيث الشكل، أم من حيث بنية القصيدة، وإن بقيت «الشواغل» هي نفسها التي تكاد تكون الملمح الوحيد الذي يأتي كخيط عقدٍ أو سلسلةٍ تجمعُ بين مجموعات أبواب هذه القصائد:

«راقصةُ الفلامنكو الجميلةُ،

تلكَ التي من حفيداتِ لوركا،

النحيلةُ كالغصن..

راقصةُ الفلامنكو التي لا تُشير إلى قمرٍ في السماء،

ولكن لمن يتفحّصُها من بعيدٍ بعينينِ من وهجِ الهندباء؛

تُضيءُ المكانَ بوشمٍ على شكلِ حوريّةٍ تتأهبُ للطيران،

ويتبعُها شجرٌ عائليٌّ إلى آخر الأرض..»

في أول نصوص هذه المجموعة التي يطلق عليها الشاعرُ سعدي «ثعلبٌ ينامُ في حدائق السرياليين»، هنا معظمُ النصوص تُقارب نوع القصة القصيرة جداً، سواء بالحكائية التي يشتغلُ عليها كمتحدثٍ بضمير الأنا، بمعنى شخصية الحكاية هي هنا «الضمير» الحاضر «أنا»، أو حتى بطريقة شكل الصياغة التي لا تهتمُّ بتوزيع التراكيب، أو ربما يقتربُ أيضاً صوب ما اصطلح على تسميته بـ«القصيدة العارية».. هنا حيث النص يفتقدُ أي موسيقا، حتى من نوع الموسيقا الداخلية للنص، وكل ذلك لصالح سردٍ كان حريصاً في مجموعة النصوص هذه على ألا تطولَ كثيراً.. لنقرأ هنا مثل هذا النص، الذي حرصت على أن أنقلهُ كما كُتب، وذلك للمقارنة بينه وبين القصة القصيرة جداً، سواء من حيث السرد الحكائي أم حتى بالكتابة على البياض:

«منذُ سنينَ طويلة، وأنا لا أفعلُ شيئاً؛ فقط أحوّلُ أغاني «اليوتيوب» إلى مناديل ورقية أسحبها بلطفٍ بالغٍ من «لابتوبي» الشخصي، وأمسح بها الدموع التي تتكورُ على ضفاف قلبي».

غير أن مثل هذا الشكل القصصي لن يبقى مع المجموعة الثانية من النصوص، تلك النصوص التي أطلق عليها الشاعرُ «مجازات وردةِ الحيرة».. هنا السرد سيطول من دون أن يتخلى عن «الحكائية» لكن من دون أن يصبح قصة قصيرة بالمُتعارف عليه، وإن كان الكاتب يبقي على مناخاته السوريالية التي يفعمها بالكثير من الشعرية العالية.. هنا تُفارقُ النصوص القصيدة إلى مناحٍ سردية إلى «قلبٍ مُخرّم بالسفرجل»، حيث يبلغُ السرد ذروته الحكائية، لكن من دون أن يُضحي بصياغة التراكيب المُدهشة التي نسجها من خيوط مفردات من سياقاتٍ مُختلفة، وليزيد في حالة السرد فإنّ الشاعر لا يهتمُ بشكلِ القصيدة على البياض، كأنّ ثمة نفوراً بينه وبين بياض الصفحة، فيزحمها بتلاحق التراكيب وتواليها خلف بعضها.

إذاً، السرد الحكائي، حتى لا أقول القصصي، ما يُميز البابين الأولين من نصوص هذه المجموعة، وهي بكلِّ الأحوال هي غواية – الحكائية – وهي ليست جديدة تماماً، غير إنه يوجد الكثيرون اليوم في «ديوان الشعر العربي» ممن يستخدمها حتى تكاد تُمحى من خلالها الحدود بين الكثير من الأنواع الأدبية لاسيما بين القصة القصيرة والشعر، فيما يتجه بالكتابة الجديدة منحى «الأقصودة»، أي ذلك النص الذي ينهض على مُكر نوعين إبداعيين «القصة والقصيدة»، يأخذ من الأولى الحكائية، ومن الثانية الشعرية، ومن ثمّ نوع ثالث يكاد يكون مختلفاً عنهما:

«آخر الليل عندَ تقاطعِ حلمين فوق البياض،

وعند ارتماء السكارى..

تقولين: هل مرَّ أعمى اشتهاءاته من هنا؟

وهل مدَّ قلباً لحزنِ امرأة؟»

غير إن الشاعر، وفي أبواب المجموعة التالية، سيتخذُ منحىً ثالثاً في شكل القصيدة، ومن دون أن يبتعد عن مناخات البابين السابقين، هنا ستُكثف القصائد إلى متوالياتٍ شعرية، يجمعُ كل عددٍ منها تحت عنوانٍ عريض، والحقيقة الجمالية اللافتة في مجموعة «استعارات جسدية» أن الشاعر كان مشغولاً بتشكيل عناوينه، فقد جاءت هي نفسها بتراكيب شعرية مُدهشة.. عناوين هي نفسها يضعها الشاعرُ في مهبِّ تأويلات القارئ، ومنها نقرأ: «العصافيرُ رزقُ المُحبِّ، اشتهاءاتُ قلبٍ فاشل، قمصانُ زليخة، الحبُّ كلبٌ من النار».. هنا حيثُ تنسلُّ المتواليات الشعرية من تأويلات العنوان، متواليات لا يفصل بينها سوى بمجموعةٍ من النقط:

«الشاعرُ، النزقُ، الأثيم

الصاخبُ، القطُّ المشاغبُ والأليفُ

الذئبُ، والولدُ المُدلَّلُ

والأميرُ الضالُ..

ضيّعَ في المرايا وجههُ

ضيّعَ قلبَهُ في رغوةِ الصلصالِ

أو طينِ الأنوثةِ للأبد..».

ومنذُ البداية، أي منذُ بداية المجموعة، «يشرحُ» سعدي ماهية القصيدة التي يُشكلها، يُحددُ اختلافها عما اعتادت عليه الذائقة العربية من نصوصٍ لشعراءٍ عرب كان لهم النصيب الأوفر بالتلقي في محنة القراءة في الليالي العربية.. يُفسّرُ سعدي قصيدته بنفسه من دون انتظار ناقدٍ، بل هو يوجهها إلى ناقدٍ ما، ربما قد يلتبسُ عليه أمرها.. يتحدّثُ عن «نصٍّ شعري» مُختلف بملامحه في كتابة القصيدة، وهو يذكرُ كلَّ ذلك بنصٍّ شعريٍّ أيضاً يقول:

«قصيدتي امرأةٌ صامتةٌ لا تصهلُ كأحصنةِ نزار قباني، ولا تذرعُ دهاليزَ التّبع كالسيّاب، وقطعاً لا تحبو على الأرضِ عاريةً كجدّها جرير، ولا تصطحبُ عشيقها في رحلةٍ نهريّةٍ.. الشيء الوحيدُ الذي تفعلهُ عندما تأتي هو أن تمدَّ يدها النحيلة مثلَ عودِ ثقابٍ وبدهشةِ طفلٍ غجريّ تُشعلُ وردةَ دمي المُطفأة..».

ربما يكون الشاعرُ مُحقاً فيما يوصفُ به نصه الشعري، أو «قصيدته» كما يُسميها، وهو يقولُ لك: ثمَّة طعمٌ آخر للشعر كهذا مثلاً، وثمة شجرةٌ أخرى للقصيدة، وهذه بعضُ ثمارها.. غير إنَّ ما أراهُ أنَّ لدى الشاعرُ «غواية» جمالية طالما دفعته في مختلف نصوص أبواب مجموعته لـ«ارتكابِ» المواربة.. هنا ثمَّة نص مُخاتل تماماً كالأبواب المواربة.. يذهب الشاعرُ من خلالها إلى الكتابة «عبر النوعية»، فهو وإنْ دوَّن على غلاف المجموعة «شعر»، غير إنَّ نصه كثيراً ما فاضَ عن القصيدة، أو قل كثيراً ما انحرف عنها صوب أنواع إبداعية أخرى، كنا قد ذكرنا بعضها في بداية هذا المقال، أو قل إنّ الشاعر يستدعي أكثر من نوعٍ إبداعي لمؤازرة قصيدته، والحقيقة أن القصة القصيرة طالما تحرشت بمكرها الجمالي بالشعر لدرجة التماهي معه في كثير من الأحيان، ومن بوابة «المواربة» أيضاً، إنه يُمكن للمتلقي أن يتلمس الأشكال الشعرية كلها تقريباً في نصوص هذه المجموعة من قصيدة النثر إلى قصيدة التفعيلة إلى تخوم الموزون، كما يستدعي «التشكيل» أيضاً، ويُمكن الحديث مطولاً عن المشاهد البصرية في نص الشاعر سعدي لاسيما وهو يقوم بجمع مفرداتها وتراكيبها تماماً كمصوِّر فوتوغراف أو كملوِّن في لوحة تشكيلية:

«كنتُ أخفي دموعي في أكمامي كالثعالبِ العاشقة

وأنا أبحثُ عن تفاحةِ قلقٍ ناضجٍ

في مطالع الجاهليَّة

وأبتسمُ في وجهٍ لا تعبيريٍّ لنادلةِ حياتي..».

مركز فكر في اليوم العالمي للانترنت الآمن


شدد المركز الدّولي للملكيّة الفكريّة والدّراسات الحقوقيّة فِكر في اليوم العالمي للانترنت الآمن، على ضرورة أن تكون شبكات الانترنت آمنة  خصوصًا في ظل تكرار الاعتداءات العدوانية في العالم الرقمي والمواطنون يعمدون إلى استخدام تلك الشبكة للضّرورات اليوميّة على كافّة الصُّعد، وهذا ما يحتاج إلى قوانين وتشريعات تضمن هذه الحماية.


وفي هذا السّياق، أكد مركز فِكر ضرورة تضافر الجهود المحليّة والدوليّة لتطوير التّشريعات التي تحدُّ من الجرائم الاكترونيّة ومن القرصنة والاختراقات الإلكترونية بما فيها التي تحصل على الادارات العامة والخاصة ومن مخاطر العدوان الالكتروني


الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل48 يستكمل تشكيل هيئاته، بانتخاب رئيس ولجنة تنفيذيّة لمجلس أدب الأطفال

 


اللجنة الإعلامية-

   عُقد عصر الجمعة التاسع من شباط 2024 اجتماع لمجلس أدب الأطفال المنبثق عن الاتّحاد في مقرّ الاتحاد في شفاعمرو، وذلك بناء على قرار الأمانة العامة في اجتماعها الأخير نهاية كانون الأول 2023، طبقًا للنظام الاتحاد الداخلي الذي يقضي بضرورة تجديد انتخاب الهيئات الفاعلة في منتصف دورة الاتحاد التنظيميّة.

   افتتح الاجتماع الأمين العامّ الكاتب سعيد نفّاع بكلمة مقتضبة مشيرا إلى دور المجلس وانجازاته ونشاطاته خلال السنتين المنصرمتين، وإلى نجاح المؤتمرَين اللذّين خُصّصا لأدب الأطفال؛ الأول في طرعان في آذار 2022 والثاني في الطيبة حزيران 2023 إضافة إلى الأمسيات الأخرى، وكيف أن المؤتمر الأول دفع وأعطى معنويات عالية لدى الكتّاب مما دعا إلى إنشاء مجلس أدب الأطفال الذي رأسته د. ميساء الصحّ وأشرفت على كافة النشاطات حتى الآن،  والتي أشادت في كلمة مختصرة وباركت جهود أعضاء المجلس واللجنة التنفيذية تحديدا في نجاح كافة الفعاليات، معلنة أنّه حان الوقت لتنتقل هذه المسؤولية لآخرين ليتابعوا العمل وستكون اليد الداعمة والمساعدة.

   ترأس الاجتماع الكاتب سهيل عيساوي حيث قال إنه يطمح للمزيد من النشاطات مطالبًا بتفعيل مجلس أدب الأطفال بشكل دائم، وضرورة التحقيق الحالي لكلّ اقتراح وعدم تأجيله بالإضافة إلى اقتراحات أخرى هامة، ليعطي بعده حقّ التحدّث للمتداخلين وهم؛ سليم نفّاع، عماد فرّو، روز شعبان، حنان جبيلي عابد، براءة غسان أبوبكر، فوز فرنسيس، مصطفى عبد الفتاح وميساء الصح.

   ظهر واضحًا خلال النقاش غيرة كتّابنا على أدب الأطفال وعلى أبنائنا وأهميّة هذا الأدب والنشاطات التي علينا القيام بها وتنفيذها من أجل دفع ورفع شأن هذا النوع الادبي الذي هو أساس هامّ لتطوير مجتمعنا واللّبنة الأساسية التي يجب الاعتماد عليها. كانت هناك اقتراحات جادّة وفي غاية الأهمية، نذكر بعضًا منها؛ متابعة النشاطات التي يقوم بها الاتحاد في مدارسنا العربية، لقاءات مع الأهل ومحاضرات حول أهمية أدب الأطفال، قراءات في قصص أعضاء الاتحاد وقراءات وإبداء الرأي حتى قبل إصدار أي قصة، متابعة الاهتمام بالقيم كالانتماء والعطاء وغيرها، مسرحة قصص الأطفال وتلحين قصائد للأطفال، ترجمة قصص الأطفال للغات أخرى وإصدار مجلة لأدب الأطفال وغيرها كثير.

   لخّص الأمين العامّ الاجتماع وشكر ميساء الصح على جهودها خلال الفترة السابقة، ليتمّ بعد ذلك انتخاب الكاتبة حنان جبيلي عابد رئيسة جديدة للمجلس إضافة إلى اللجنة التنفيذية التي ضمّت المتداخلين والمتحدّثين أعلاه وكلّ من فاضل علي وزيدة عطشة بناء على تقديم ترشّحهم مسبقا واللّذين اعتذرا لعدم تمكنهما من المشاركة بالاجتماع.

   هذا ومن الجدير بالذكر أن الاتّحاد وطبقًا لنظامه الداخلي كما جاء أعلاه، كان قبلا جدّد انتخاب كافّة هيئاته الفاعلة وتعديلها؛ هيئة تحرير شذى الكرمل والتي أعاد الثقة بها مضيفًا لعضويّتها كل من روز شعبان ورياض مخّول، ولجنته الإعلاميّة منتخبًا فوز فرنسيس رئيسًا لها بدل زياد شليوط.

رحلة نقدية في كتاب جنين مريمنا البتول

 



أ‌. عمر عبد الرحمن نمر 

صدر الكتاب عن دار الجنان للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1 سنة 2023م،تأليف الكاتب عصري فياض،وقد أهداه إلى روح الشهيد زياد الزرعيني... الذي استشهد في السابع من آذار 2023م، وقدم له الدكتور شادي الغول...وقد جاء الكتاب في 186 صفحة من القطع المتوسط،وتضمن مئة نص...

يؤثث المخيم الدائرة المركزية لبيئة النصوص السردية،كما تشكل مدينة جنين الحلقة المحيطة للحلقة الأولى،وبذا تتشكل من البيئة محطات للطاقة السردية،والتوهج الإبداعي،وتشارك مكونات هذه البيئة بكل اقتدار في بطولة النصوص كلها... فمنها تنطلق الكلمات،وتتشكل العبارات التي تعنون للممارسات الثورية الفلسطينية،وفيها يتوازى اللفظ مع الفعل،ومن رحمها تتخلق قيم الفداء والتضحية،والإباء والشمم.

ولعل في عنوان النصوص ما يدلل على ذلك، " جنين مريمنا البتول " حيث كانت الجملة الاسمية بمبتدأ مكاني،ثم تأنسن هذا المركب بالإخبار عنه وربطه بقدسية مريم،بتفاعل الجملة بالوعي الجمعي بإضافة مريم إلى " نا الجمع"" مريمنا " ثم إضافة صفة القدسية والطهر لهذا التآلف (البتول)...

إن المتأمل في هذه النصوص،يهاجمه أكثر من تساءل: ولعل في مقدمتها: هل تنتمي هذه النصوص لجنس الخاطرة كما أسماها وصنفها كاتبها؟ أم إن بعضها يقترب من جنس القصة القصيرة، " الاستقلال" مثلا... ص118،حيث التكثيف في الوصف والحدث والخاتمة... وبعضها يقرب من المقالة " ثورتنا والزمن " ص115... حيث الحدث ودلالاته والسيرورة الحكائية التي انطلقت من الصفر،وبدأت تتعمق في سرد جدلي...ومنها ما تناغم مع الحالة الشعورية فماثل الشعر" كلمات إلى أمي" ص67 ... لقد تعملق الأديب بهذا التنوع الإبداعي،واستطاع أن ينفذ من خلاله إلى عمق تشكيل الوجدان والثقافة والخيارات والاهتمامات في درجات متفاوتة من الشدّ والتوتّر حيناً،والليونة والارتخاء في أحايين أخرى،وذلك تبعاً للموضوع،والمحطة التي انطلق منها النص...

وليس من الصعوبة بمكان أن نتلمس في تطريز هذه النصوص،نوعاً من التمرد في ثنايا لون من ألوان الكتابة المنتمية لحيطان المخيم الثوري،والمدينة المناضلة (جنين) يتبدّى ذلك في معاني الخذلان العربي في الدائرة الأعمق،كما تظهر الغربة والاغتراب... وخيبات الأمل،وفي صراع جدلي لافت تظهر البطولات،وألحان الشهادة،ورايات النصر،وفي المشهدين المتضادين تتجلى البساطة والعمق،والتأمل الذي يحث على قراءة مستمرة للنصوص،واكتشاف مستويات عدة في قراءتها وتلمس مضامينها...

واللافت في تكوين النص هذه الصور المبتكرة التي تثير الدهشة،في بناء المدن الفلسطينية... حيث تذكر المدينة،وكأن الكاتب يبدأ ببنائها وإعادة تشكيلها من جديد... فتبدو نابلس "سيدة كتفاها عيبال وجرزيم،تنقل  عليها جرة الدمع لتسقي أطفالها المقهورين،من المخفيّة لرأس العين،طوّق جيدها سبحة حباتها شُكّت من قرنفل وشقائق وإكليل غار" ص 13.

وعند التمعن في هذه الصورة المركبة،نجد تعالق المادي الجغرافي،بالمعنوي الوجداني،فبينما أظهر النص بعض تضاريس المدينة،أظهر في الوقت ذاته التعلق الوجداني بها، مما شكل صورة هي أقرب لحالة ثورية " شُكّت حبّاتها من قرنفل وشقائق وإكليل غار... لتسقي أطفالها المقهورين...

وجنين " تلك هي المدينة السمراء المكتحلة بالقناطير والسواقي،هي جنين التي أرضعتها الأنفة،ومسح على جبينها الودّ، وجدّل ظفائرها لحن التراويد... فاستقام لها الزمان،ولم يجد التاريخ بُدّا إلا أن يصافحها...جنين قرينة مريم في الإيمان والطهر... " ص7 صورة بكر مازجت التاريخ بالجغرافيا،وأسفرت عن هذه المخرجات التي تشع طهراً وقداسةً... وعلى المنوال نفسه غزل الكاتب مُطرّزة رائعة عن مدينة حيفا " حيفا يا ملح البحر... يا حيفا أما أنت فلنا أيتها الشقراء... لا تنام الجفون إلا على راحتك... " ص12.

وعند مطالعة نصوص المدينة عند الأديب عصري يلفت الانتباه توظيفه لأداة النداء " يا " يا نابلس ص13... يا حيفا ص 12 ... جنين يا بلد الحرائر... يا بلد الرجال ص121، يا غزة قولي لهم ص124، يا عارة ص 96، وبالتأكيد فإن أداة النداء جعلت المكان قريباً منه،إضافةً إلى أنها جسّدت المكان وأنسنته... ويذهب الكاتب إلى أبعد من هذا عندما يجعل الشخصية تتماهى مع المكان..." لقد خلع بموتك قلب المخيم...ودفنت إلى جانبك ذكريات... جوهرها جميل،..." ص47...

وهنا تمكن الأديب من رسم صور شهداء المخيَّم في مراحل مختلفة...فقد ذكر الشهيد،ونضالاته،وتحدث عن زغاريد أمه وقت استشهاده،وحزن المخيَّم على فقده،وصوّر تلك القيم والمبادىء التي صاغها هؤلاء الشهداء للأجيال،من خلال نضالاتهم وممارساتهم... نعم لقد جاء ذكر كثير من هؤلاء الشهداء،مثل: عبد الله الحصري،وداوود الزبيدي،وزياد الزرعيني،ومحمود طوالبة،وعمر النايف،وأبو إسلام السعدي،والشيخ يوسف شريم،ونور جرار... وغيرهم وغيرهم كثير... فكانوا أزاهير فاحت رائحتها الزكية في بستان... هو المخيَّم... وهنا تبدّت الشخصية البطولية في السرد،وهي شخصية واقعية،وتأتت أسطرتها من ممارساتها النضالية،واستعدادها للتضحية،وبذل الروح في سبيل ثرى فلسطين الماجد.

السؤال: ما طبيعة هذه الألفاظ التي وظفها الأديب،كيّ تتحدث عن حياة الرجل الفلسطيني،ومعاناة الفلسطينية،ونضالات الشهيد، وصورة دمه النازف لحظة استشهاده...نعم تآلفت الجمل وحملت هذه المعاني الإنسانية كلها... إنها لغة رائقة شائقة،حملت المعاني المرادة في رحمها،وصاغت النصوص التي سجلت ووثّقت حالة النضال الفلسطينية... صاغتها بلغة سهلة يفهمها القاصي والداني،تقرب من لغة الناس في حاراتهم وأحيائهم،فرسمت صور الكدح والقهر... خصوصاً عندما اقتربت من حالتها الصوفية،باعتمادها على تجربة آل البيت الكربلائية،كما في زينب ص 118 " إنها زينب،وما أدراك ما زينب؟لوحة الحق الباقي،وحنين الغدير والسواقي،الشفق الأحمر الممتد من الزمان إلى الزمان، لحن كربلاء، ومخزون الحب في كل الأكوان"،وبدت هذه الرؤية الفكرية في الكتابة في نص سيدتي فاطمة سلام عليك ص45 " أيتها البتول بعطائها،الزينبية بمصيبتها وصبرها،لقد اصطفاك الله لتكوني شاهدة اللوحة..." وفي نص في عينها حزن كربلائي ص60 " قالت: ماذا تريد؟ قلت: وأنا أبصر بحراً من الحزن الكربلائي،من أغرق هذه العيون ببحر الأحزان؟..." وقد تتعمق الرؤية وتنتقل إلى حالات العارف الصوفي،التي تتخطى معانيها البصر إلى البصيرة،وتتجاوز الجسد الترابي إلى الروح السامية " أكتب عن الروح الشفافة التي تسمو إلى قمة الوجدان... أكتب للروح المجندة بأمر ربها... فالروح نور لا يراها أعمى البصيرة" ص73،نعم تتشكل الألفاظ وتتنوع لتتساوق مع المعاني المختلفة،بالمجمل فإن  لغة النصوص جميلة رغم ما يعتري بعض العبارات من هنات إملائية ونحوية،كان من السهل أن يتخلص منها الأديب،ويقتلع الأشواك الشاذة بين أزهاره المتفتحة. 

ومن الظواهر اللافتة في النصوص ظهور السجع في كثير من عباراتها، " كل واحد منكم فجّر قصّة،وملىء الكون غصّة،في ذكركم وتوسّعت كأنها مليون حصّة" ص52 ، ومنها " نحن سنامة الدين،روح الإيمان واليقين،صولات محمد الأمين،قدر أعداء الله الغاصبين،حمى المخيَّم،والذود عن حياضه المتين" ص179،ولعلَّ بروز السجع في النصوص أتى ليحقق الدهشة عند المتلقي،ويكسر قالب السرد النثري الروتيني،إضافة لنقل المتلقي إلى حالة طربية فيها من اللحن والموسيقا ما فيها،لغاية وجدانية...ولتعزيز الفهم والاستمتاع بالتلقي...في المقابل قد تكون صور السجع متكلفة،ولا تحقق غاياتها،وتقرب صورة النص من جنس المقامات " العين مبتدأ السلام،والابتسامة مفتاح الكلام،والوردة وصل الوئام، واللهفة نغم مرفوع،والغدر من الصرف ممنوع،وسمو المكانة في القلوب تابع متبوع،والإخلاص بدل،وحروف التأفف من العلل،والفراق المر مكسور،والأمل في الحياة السعيدة جار وليس مجرور... " ص11... لاحظ خلو العبارات من المعاني،وكأن وظيفتها كانت في الحفاظ على القافية، تأمل: تابع متبوع، الإخلاص بدل...  الغدر من الصرف ممنوع... وتأمل خبر ليس ( مجرور) الذي سُكّن مراعاة للقافية وكان حقه النصب...

نوّع الكاتب في استخدامه للضمير،فكان ضمير الغائب " هو" ليوسع آفاق القص في النص،ويعطيه المجال في التوسع والتمدد " بعد الفجر،أيقظه " كوع" تلاحقت الصور في وعيه..." ص81 " تذكر طفلتيه،وكأنهما يقولان له..." ص74

وعندما يريد التحدث  عن الذات بصفة العالم كلي المعرفة بحالها فإنه يتوكأ على ضمير المتكلم " الأنا" ويسرد كأنه في سيرة ذاتية" هناك مساحة من الفراغ تقض مضجعي، تمنعني من النوم..." ص35،وقد ينوّع الضمير ويوظف أنت/ أنتِ " عندما كنت طفلاً، كنت تنتظر الشمس،تحاكي العشق في ذاتك..." ص34 وكأنه في حوار فني مبطّن مع الآخر،في لحظات كشف الشخصية والتعمق في ماهيتها... 

وفي ميدان الكشف عن الشخصية والتعمق في ماهيتها،يتكىء الكاتب على الحوار،وعلاوة على الكشف فإنه يوظفه ليكسر به رتابة الشكل النثري التقليدي،كما أنه يبين مجريات الحدث،ويعمق مساره ونتائجه في وعي المتلقي،مما يثير شغفه لمتابعة القراءة،ولتوضيح ما ذكر إليك هذا الحوار بين السارد،وشخصية أنثوية حول رؤية فكرية فلسفية، تحلق في عالم المعاني والروحانيات " قلت لها: هل مرّوا بأمان؟

قالت: أخائف أنت عليهم؟ قلت: وكيف لا أخاف وهم إحساسي ونظري،ونور قلبي،وسهر أجفاني. قالت: أهو العشق إذن؟ قلت: هذا جهلكم،وكأن العشق المجنون يكون بين القلوب فقط،وهذا ليس صحيحاً. فقد يعشق الإنسان العلاقة بين التراب والهواء،بين السحاب والماء...أنتم تعرفون الجمال صورة،أما أنا فأرى في الجمال لوحات منها تدركها الأبصار،وأخرى تدركها البصيرة" ص76

من خلال جزئية الحوار هذه نلحظ رؤيتين مختلفتين للجمال،واحدة عبرت عنها هي،وارتبط مفهومها للجمال بالجسد المادي الذي يدركه البصر،والأخرى تعمّقت في معاني الأرواح،بحيث لا تدركها إلا البصيرة.

وقد ظهر كثير من هذه الحوارات بين السارد،و"هي" الشخصية الأنثوية،كما في " قالت تكلم" ص172،و "قالت وقلت"ص152، و"الاستقلال" ص118، و"قناديل زينب" ص102 وغيرها وغيرها،ولعل في ذلك تعزيز للدور الحيوي الذي تلعبه المرأة الفلسطينية،التي تشارك الرجل في معاناته وتضحياته،وقد تميزت هذه الحوارات بالسرعة،والقصر في جملها، لكنها بالتالي أدت مهمتها في التصريح برسالتها.

تولد التناصّ بمختلف أشكاله من التلاقح الفكري والثقافي للأديب،فالتناصّ دلالة واضحة على مساحة اتساع أفق الأديب، وحجم ثقافته، ومدى فهمه للأشياء، وقد ظهر التناصّ الديني: ليسد الفراغ في معاني الكاتب،ويعمّق الدلالات التي تتضمن الرسالة،ومن هذا التناصّ: عنوان المنجز "جنين مريمنا البتول"... حيث تعلق المعنى بالطهر والقدسية والنقاء.

ومن الديني أيضاً " تلكم المدينة التي انتبذت لنفسها... مكاناً شرقياً" " كذلك قال ربك هو علي هيّن... هزّي إليك بجذع المجد،يتساقط عليك أنوار بهيّة" ص8، وهذه اقتباسات من ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام،وحالة أمه مريم النفسية عند الولادة.

ومنه أيضا" قالت بانبهار: أو حاصل هذا سيدي؟ قلت: أو لم تؤمني بما سمعت؟ قالت: بلى،ولكن ليطمئن قلبي" ص62 وهذا واضح أنه مأخوذ من حوار الله جل وعلا مع سيدنا إبراهيم عليه السلام.

ومن التناصّ الأدبي " جنين،يا مريمنا البتول،قد جاوزت قدري بتوصيفك يا طهر الزمان والمكان... ص9 وهذا يتناصّ مع قول الشاعر أحمد شوقي في مدحه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في قصيدة " سلوا قلبي":

أبا الزهراء قد جاوزت قدري ............ بمدحك بيد أن لي انتسابا

ومن الأدبي تناص عنوان النص " تلك المرأة الحمراء " ص128 من عنوان قصة قصيرة للروائي يحيى يخلف بعنوان " تلك المرأة الوردة".

وقد يستعير الأديب بعض أدوات مادية أو غيرية،وينسبها إلى البطل،وذلك تقديراً لبطولته،واعتزازاً به،وإعجاباً بقوته " نحن سيف علي،وصفحات في كتاب الله الجليّ،وروايات في سنة المصطفى،وهديه القويّ،نحن عصا موسى،وسفينة نوح، وصبر إسماعيل،ولسان عيسى،وطهر مريم، وبشرى زكريا،نحن قدر الله".

وبعد؛فإنه كتاب ثري النصوص،زاخر المعاني،منوّع الأفكار،ويدور كله حول محور واحد فلسطين،فلسطين الشهادة والشهداء،فلسطين التضحية والفداء،فلسطين النور والعطاء...

 أهنيء الأديب عصري فياض لإصداره هذا المنجز،الذي يستحق القراءة...والتأمل والدرس... 


الشاعر الدكتور فهد أبو خضرة: القاموس الوافي للإنجيل المقدس




كتبَ: وهيب نديم وهبة 

أبدعَ الخلق لله. بديع البيان واللغة والبحث للشاعر الدكتور فهد أبو خضرة. أُبصرُك هناك وأنتَ في قمَّة التَّجلي والرِّفعةِ تحضُنُ الأناجيلَ الأربعة بالبحثِ والإعرابِ والإسهابِ لتَجمَعَ للبشريةِ - للعالَمِ أجمع القاموسَ الوافي.


أول مرَّة في تاريخ البشريَّةِ يفتح العالَمُ عينيهِ بكلِّ إيجابيَّة البَصرِ والبَصِيرَة لقاموسٍ يُقدِّم كلَّ كلمةٍ من كلماتِ الإنجيلِ على مائدةِ البحثِ العِلمِيّ..

(بكلِّ مُقتضياتِ البحثِ من الأحكامِ الأكاديميَّةِ البعيدَةِ عن الخصائصِ الشخصِيَّةِ للباحِثِ) مع اعتقادي الرَّاسِخ وبكلِّ التحيَّة والمحبَّة – أقول: هنا - العاطِفَةُ الإلهيَّةُ هي عَاطِفةٌ فِطريَّةٌ في مساماتِ الجِلدِ والعَقلِ والأحاسيسِ.


تأتي هذه الكلمةُ والمُباركةُ، في سياقِ عبقريَّةٍ فذَّةٍ للدكتور فهد أبو خَضرَة، الذي سَبرَ أغوارَ النَّفسِ أولًا بالاطمئنانِ كي يَخوضَ التَّجرِبةَ، وثانيا بالمَعرِفَةِ الموسوعِيَّةِ العميقةِ لفكرٍ أنارَ معاهدَ الأكاديميَّةِ بالعلمِ والثَّقافةِ العربيَّةِ، وثالثًا وهذا بيت القصيد، الدكتور فهد المُمسِكُ بناصِيَةِ اللغةِ العَربِيَّة. بالقواعِدِ والإعرابِ والتَّفسيرِ.


مُباركٌ الإصدارُ الموسُوعيّ الفَريد "القاموس الوافي للإنجيلِ المقدَّس"

هذا القاموسُ الذي يضُمُّ بين الجوانحِ (دفَّيتيهِ) 1,015 صفحة بالتَّقديسِ وعِطرِ المَحبَّةِ والشرحِ الوافي. 

كلُّ الشروحاتِ لمعاني الكلماتِ بالدِّقَةِ وقمَّة البلاغةِ. هذه الموسوعة الأولى من نوعِها وتُشكِّل إضافةً نوعيةً ومهمَّةً للمكتبةِ العربيةِ وللباحِثِ العربيِّ والغربيِّ على حدٍّ سواء. لطالِبِ العِلمِ والمُؤمِنِ بجوهرِ الإنسانِ (خلقَ اللهُ الإنسانَ ليعبُدَهُ). الدينُ عبادةٌ والعلمُ عبادةٌ حين يكونُ لمَنفعةِ الإنسان.   

 


سراب بلون الماء: جديد بن يونس ماجن


 

صدرت حديثا عن منصة كتبنا للنشر الشخصي، القاهرة، مجموعة شعرية جديدة 2024

للشاعر المغربي المغترب بن يونس ماجن، حملت عنوان: سراب بلون الماء                                        

تقع المجموعة  الانيقة في الاخراج والتصميم والطباعة في 85   صفحة من قطع الوسط ، وتضمنت 24 قصيدة نثرية

وفي كتابه الجديد يواصل بن يونس ماجن مشروعه الذي تتجلى في نصوصه جدلية الالم وأوجاع الوطن العربية، وتشغله الارض والانسان, واحداث الساعة وقضايا الهجرة القسرية ومرارة المنفى، فهو ينحاز دوما الى المقهورين والبؤساء والمضطهدين وحقوفهم المهضومة وفضح الظلم وتعرية الدكتاتورية والاستبداد وانتهاك كرامة الشعب العربي.مثل ما يرتكبه حاليا الوحش الصهيوني النازي الفاشي  من مجازر وابادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني الابي وغزة العزة.        

والشاعر بن يونس ماجن غني عن التعريف فقد صدرت له عدة دواوين شعرية باللغات العربية والفرنسية والانجليزية.

       

 والشاعر بن يونس ماجن يكتب بنفس الطريقة التي مارسها منذ عقود، في مسيرة شعرية طويلة الامد، فهو لا يكتب ليناسب موجة أو موضة أو مدرسة شعرية، فكتاباته لا يمكن تجنيسها، يستخدم استعارات شعرية بأسلوب سلس ولغة واضحة بسيطة.


محمد اسعد يفوز بجائزة متحف نوبل بصورة "أضيء الظلام"..





فاز المصور اللبناني محمد أسعد بمسابقة أسبوع أضواء نوبل Nobel week light، بصورته التي تمثل تركيبة فنية صوتية مستوحاة من النشاط داخل أجهزة كمبيوتر العلماء، المسابقة التي ينظمها متحف نوبل تقام للمرة الثالثة، حصد خلالها المصور اللبناني الفوز من بين أكثر من 400 صورة مشاركة، في سابقة مميزة وفريدة عن السنوات الماضية.

تقول إريكا لانر Erika Lanner مديرة متحف جائزة نوبل: "أنا سعيدة حقاً لأن الكثير من الناس اغتنموا الفرصة للخروج في برد ديسمبر لزيارة مهرجان الضوء الخاص بنا، لقد كان من الملهم أيضاً رؤية جميع الصور المذهلة المقدمة إلى مسابقة الصور.

اختار محمد أسعد، الفائز بمسابقة هذا العام، تصوير العمل الضوئي العاكس لجيم ريس Jaime Reyes‏ الذي كان يقع أسفل سنتر البرونCentralbron ، وهو جسر طريق سريع بطول 1.2 كيلو متر فوق بحيرة مالارين Malaren الذي يربط بين المناطق الشمالية والجنوبية وسط ستوكهولم.

يصور العمل ما يحدث داخل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالعلماء عندما يتعاملون مع بيانات معقدة، جاء الإلهام من العالم فيرنر هايزنبرغ Werner Heisenberg الذي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء "لنمذجة ميكانيكيا الكم" عام 1932، والتي كانت آنذاك مجالاً بحثياً ناشئاً. لقد استخدم المصفوفات، وهي أدوات رياضية قوية ولكنها معقدة.

سمى المصور محمد أسعد عمله الفني "أضيء الظالم" Light the darkness، قائلا إن فكرة الصورة أخذت مجهوداً كبيراً. وقفت أمام المشهد الأكثر من مرة ولوقت طويل، حتى قررت كيفية النقاط الصورة و بأي تقنية وعما تعبر. شارحاً: "أن السواد في عمق الصورة يعبر عن المجهول الذي حاوطه الضوء الآتي من أطراف الصورة، ممثلاً بذلك الأمل والتفاؤل.

مضيفاً: "أن المسابقة قدمت لي نجاحاً طويل الأمد كونه من جهة عريقة في متحف نوبل، ورمزية اسم نويل تعني الكثير، لما يجمع من أبرز العلماء والباحثين والأدباء، الذين قدموا للبشرية باكورة أعمالهم وفكرهم.

متابعاً: "أن يفوز عمل فني لي في مسابقة متحف نوبل للتصوير، هو مسؤولية عظيمة جداً تدفعني للتطور والغوص في ما أقوم به أكثر"، متمنياً خوض تجربة مماثلة في المستقبل.

يذكر أن المصور اللبناني درس الإعلام ويعمل كمصور فوتوغرافي وصحافي مستقل للعديد من القنوات التلفزيونية المحلية والعالمية. بدأ اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي في سن مبكر على يد والده، الذي كان يعمل أيضاً كمصور فوتوغرافي وصحافي.

منذ إطلاقه في العام 2020، جذب مهرجان "أسبوع أضواء نوبل" المزيد والمزيد من سكان ستوكهولم وزوارها للخروج في نزهة المشاهدة منشأته العديدة، حيث أظهر الإحصاء الأخير زيادة كبيرة في عدد الزيارات مقارنة بالعام السابق. وفي عام 2023، قدر عدد الزيارات المهرجان بنحو 730 الفاً، مقارنة بـ475 ألفاً في العام السابق. تم خلال مهرجان الضوء تقديم 59 جولة إرشادية مجاناً بست لغات مختلفة، وسرعان ما أصبحت جميعها محجوزة بالكامل.

قامت وسائل الإعلام في 25 دولة محلية بتغطية أخبار المهرمان، وهو منتشر في جذب المشاركة العامة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق مسابقة الصور حول التركيبات الضوئية الفنية بطريقة إبداعية. تم تلقي أكثر من 400 مشاركة، وتم اختيار عشرة متأهلين للتصفيات النهائية. تم اختيار الفائز من خلال التصويت على صفحة الفايسبوك لمتحف نوبل.

قصة النهر لليافعين للاديب وهيب نديم وهبة




النهر؛ كيف يغير مجرى حياة عائلة بكاملها! وكيف تتحول لعبة صغيرة إلى لعبة كبيرة في ملاعب الحياة.

 هل هي المصادفة؟ أم القدر الذي يكتب لنا مصائرنا ونرى واقعنا قد تغير.. تبدل من النقيض إلى النقيض.

 قد أرهقني السؤال؟ عن الإعاقة. هل هي مصدر التحدي والتصدي والقوة.. أم الانطواء والسكينة والهدوء.. أم الإرادة؟ هكذا ورد سؤال البداية لقصتي – النهر.

قصة تدخل في كل التفاصيل الصغيرة، وتكوين النسيج الإنساني العائلي الفريد، الذي يجعل من النقص أو الإعاقة، أو فقدان قدرة ما من الحواس - قوة وعظمة ونجاحات، بفضل التربية الصالحة والعاطفة المتدفقة، المتجلية في قمة الإنسانية.

أورد هذه السطور للتعريف بقصتي الجديدة (النهر) لكي أقول للعالم (ما زال الإنسان - فينا رغم الحرب والقتل والدمار) أننا هنا فوق الأرض، كلنا (أبناء الله) بالشريعة والعقيدة والحياة.


إصدار: دار الهدى - أ. عبد زحالقة – 2024

الرسومات الداخلية: بريشة بثينة حلبي

لوحة الغلاف: بريشة آلاء مرتيني

المراجعة والتدقيق: محمود مرعي


قراءة في كتاب " جنين مريمنا البتول للأديب: عصري فياض

 



بقلم الأديبة: إسراء عبوشي


جنين مريمنا البتول مجموعة خواطر للكاتب الفلسطيني” عصري فياض “ صدرت عن دار الجنان للنشر والتوزيع | الأردن

تقع في 186 صفحة من القطع المتوسط، تصميم الغلاف : يحيى الشيخ إبراهيم، قدم لها الدكتور: شادي الغول، وكان الإهداء إلى روح الشهيد : زياد الزرعيني

في البداية عنون الكاتب الخواطر "جنين مريمنا البتول" واصفا جنين بمريم البتول، جنين لم تسلم نفسها للغزاة على مر التاريخ، هي مريم بالإيمان والطهر، حملت أبناءها كما حملت البتول نبي الله عيسى، اصطفاها الله وأبناؤها لتحافظ على شرف الأمة وتحافظ على رسالة الأنبياء.

تتنوع القصص والخواطر ضمن هذا المعنى،  اصطفى الله مريم وابنها وقدر لها الميلاد والحياة والارتقاء، واصطفى الله الشهداء فعند الحديث عنهم تتسامى الكلمات، وتتهيأ العبارات وتنتشي بدمائهم الزكية الطرقات، ولا يصطفي الله سوى الأنقياء الأتقياء وأصحاب الأخلاق، تميزهم نفحات روحية هي قدر الله فيهم ولأجلهم.

وصف الكاتب جنين قائلا "عجينتها لا تطوع بيد أي أحد كان، ودمها لا يحقن في شرايين أي إنسان"

هي جنين المتمردة الفخورة بأهلها الماضية بكبرياء، لا يحكمها متخاذل، أما دمها فتختار من شبابها لتهبه دمها وتحضنه في أحشائها.

أما المخيم فترابه داسه الشهداء، وفي بيوته أنجبتهم الحرائر، المخيم يحب أهله، ويملك إحساس مشحوذ بالتضحيات، وجذور أصحابه متشبهة ومتعانقة، يرتاح حين يتحلى أصحابه بالسماحة والتسامي على الجراح، له قلب وروح وإحساس.

بتلك الشفافية يتناول الكاتب خواطر وقصص المجموعة، بقلب يفيض محبة، روح تفيض وفاء، أسقط الكاتب انفعالاته وما تحمله شخصيته على نصوصه، واختزل بذلك المعاني الإنسانية والخلجات الروحية، خاطب الأحياء والأموات.

قدم الروح بجمالية خاصة "الأرواح المتألفة تعيش عشقا الهياً في ظل الرحمن قبل الميلاد"

الروح من تعهد الخالق بحفظ سرها، وتجلت قدرته في موعد بثها.

هناك حياة قبل الميلاد كالحياة بعد الموت، وكأن الميلاد تكريس لمهمة تنتهي وتبقى الأرواح أرواحا متعلقة بكنف الرحمن، هو حب إلهي وسمو روحي وجمال خاص.

غلب ذلك المفهوم على الحوار في الخواطر، فكان الحوار مناقشات فلسفية عن ماهية الحياة والموت وأصل الروح، وأنواع العشق التي تلازم الروح.

حواس الكاتب تتضافر لتتعدى البصر إلى البصيرة، تجعل الروح تنمو وتكبر بتواضع لأنها تدرك وظيفتها وهي (لحاق أهل النور أو أهل الله) ومقابل ذلك يكفر الكاتب بالمنافقين والكاذبين.

 الحوار في الخواطر كان رمزياً ،غالبا لم يذكر أسماء يتركها بلا تحديد عامة شمولية، لتقع في نفس كل من عاشها ولمس معانيها.

يصف الكاتب الليل بموسم الارتقاء، ورغم عظمة الشهادة الخواطر تضع اليتم والفقر وأسبابه على المقصلة، بالنتيجة روح الفلسطيني المتعبة تستريح بالرحيل "الموت"

استراحت الروح تلك العبارة يستعير الكاتب معناها لتدل على نهاية الهموم وتطفئ لوعة الأشواق، وتجمع الروح بالأرواح، وفي خاطرة "رثاء سيدة المزار" معنى الشهادة شامل لكل فلسطيني كان نواة المخيم يرحل فيوازي مكانه الشهداء، ويجتمع معهم، يجمعهم العذاب.

هي خواطر تامة الأركان تمكن الكاتب من خلالها في طرح أفكاره بداية ونهاية فقد ختم الكاتب كل خاطرة من الخواطر بعبارة تختصر المعنى وتجعل القارئ يبحر في متنها من جديد.

تناولت الخواطر قصصا لبعض الشهداء سردت العبارات حياتهم القصيرة وخلدت بطولاتهم بأسلوب عاطفي غلبت عليه مشاعر الكاتب وانفعالاته الوجدانية ولغته المتمكنة مما منح تلك الخواطر القوة في الطرح، والجمال في السرد، أبطال تلك القصص أبطال الواقع الذي ما زلنا نلمسه، ابطال الشوارع والأزقة، تزفهم ملائكة السماء وتعلو أسماؤهم في عليين وعلى ألسنة الأوفياء، أقمار خالدين بموسم الارتقاء وجعل له ترانيم تشد الروح.

للأطفال الفقراء هالة مقدسة، وعلى المرء الخشوع أمامها، قساوة الحياة ترهق الطفولة البريئة، سبب ذلك الفقر المخيم واللجوء، فلو عادت الأزهار إلى بستانها لما شاهدنا هذه اللوحات من الحرمان، لكن العودة تحتاج لتضحيات جسام.

يوجه الكاتب رسالته للكتاب لتجنيد أقلامهم للقضية الفلسطينية حيث يقول "لهؤلاء تكتب السطور يا أهل القلم"

نعم واجبنا ككتاب وشعراء أن نوفي دينهم بمداد أقلامنا، لمن قدموا ارواحهم أقل واجب تجاههم وبيدنا القلم وأمامنا حكايتهم أن نكتب عنهم، نحتاج في هذا الوقت الذي تزور به الحقائق، وتروى بطرق مغايرة لمثل هذه الإصدارات وقد صدر سابقا للمؤلف مجوعتان قصصيتان، دخان البنفسج وجداريات في سماء المخيم، في هذا الإصدار "جنين مريمنا البتول" يجمع ما بين الخاطرة والقصة، فقط يا حبذا لو ذكر الكاتب أسماء الشهداء بشكل توثيقي لتكون مرجعا للمرحلة لا يمكن تزويرها.

أسماء الشهداء اللذين ذكرهم الكاتب: حمد ابو جلدة،عبد الله الحصري، حمزة أبو الهيجا، داوود الزبيدي، محمود طوالبة، محمود أبو خليفة، عمر النايف زيد، عرفات البايض، أحمد السعدي ، رعد الخازم، نضال الخازم ،عبد الرحمن الخازم، أحمد خلوف، يوسف شريم، ومجد عرعراوي، ونافع السعدي، شادي نجم ،ومتين صبايا ،ومحمد أبو زينة، وكمال ابو وعر، وادهم جبارين ويزن جبارين، واياد الحردان، .، نور جرار، وزياد الزرعيني ، ونعيم الزبيدي، يوسف الحمدوني، متين ضبايا، ، محمد أبو زينة، ، فاروق سلامة، امجد العزمي، رائد أبو سيف، صالح العمار، طارق ناطور.

مركز فِكر: للحفاظ على البيانات الشخصية للمواطنين وحمايتها من أي تعرض للقرصنة



أشار المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية- فِكر في لقاء له إلى ضرورة الحفاظ على داتا معلومات المواطنين وبياناتهم الشخصية وحمايتها من أي تعرض للقرصنة خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد وعدم القيام بأعمال الصيانة اللازمة لتلك الداتا من قبل أجهزة الدولة كافة مما يعرضّها لمخاطر انتهاك خصوصية المواطنين وكشف بياناتهم، كما وخرق حقوق الملكية الفكرية وهو خطر داهم يتمثل بوضع تلك الداتا تحت يد جهات متعددة داخلية او خارجية من دون وجه حق مما يلحق ضررا بالمواطنين. وأضاف مركز فِكر: رغم الصعوبات التي يعانيها المواطن، سواء مالياً واجتماعياً وصحياً، أصبح هناك قلق اضافي يتعلق بمخالفة احكام حقوق الملكية الفكرية والبيانات الشخصية الموجودة على المنصات الالكترونية المتعددة