الذكرى السنوية على وفاة الشاعر والكاتب الفلسطيني الكبير " هارون هاشم رشيد



  بقلم  : الدكتور حاتم جوعيه  -  المغار -  الجليل  -


  قبل أيام  كانت  الذكرى  السنوية على وفاة الشاعر والكاتب الفلسطيني الكبير المغترب "هارون هاشم  رشيد .. وللأسف لا أحد يتذكرهُ أو يتذكر قصيدته الرائعة " سنرجع  يوما  إلى حيِّنا " التي غنّتها المطربة  اللبنانيَّة الكبيرة  فيروز أو  يتذكر كتابه القيِّم "حيفا والبُحيري "  . لقد مات الشاعر العملاق  في  كندا وكان الوطن  بعيدا  وشعبه كان أبعد . ذكراهُ باقيةٌ في دواوينه الشعريّة  فقط بين الورق  .

........................................................................

( صور من أمسية  شعرية  قبل سنوات في أوتيليه  القاهرة – مصر  -.

يظهر في الصور كلٌّ من :  الشاعر والكاتب الفلسطيني الكبير المرحوم  هارون هاشم  رشيد  والشاعر والناقد والإعلامي  الدكتور حاتم جوعيه  والشاعر الفلسطيني الكبير المرحوم  محمود الدسوقي   والدكتور محمد الجيار)  .


شوقي دلال رئيس “جمعية محترف راشيا” يتسلم إصدارات الأديب والشاعر والممثل القدير الدكتور جان القسيس

 


إلتقى رئيس "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" شوقي دلال نقيب الممثلين السابق الاديب والشاعر الدكتور جان قسّيس حيث قدم قسيس لدلال نتاجه الفكري وإصداراته بعنوان "كلمات للحُبّ"- خواطر غزليّة ،"ما حَدا متلِك"-شعر لبناني، "حِلم الدِني"-شعر لبناني ، "إنتي مَرا"-شعر لبناني، "صلاح تيزاني (أبو سليم) ديلّلارتيه لبنان"

وذلك من خلال حوار جرى مع قسيس بدعوة من الاديب والشاعر الدكتور مروان ابو لطيف في صالونه الثقافي راشيا الوادي.

دلال "أشاد بالاديب والشاعر الدكتور جان قسيس وبمسيرته الثقافية المُشَرّفة حيث رسم لنفسه مساراً هادفاً ورصيناً أثمر العديد من المؤلفات في مجال الشعر والادب والمسرح والفنون ناهيك عن إحترافيته في مجال التمثيل التلفزيوني والمسرحي مما إستحق بجدارة توليه نقابة الممثلين لسنوات ولا يزال النموذج الصالح للإبداع اللبناني على كافة الصعد، كما شكر دلال مبادرة الدكتور مروان ابو لطيف الثقافية الجامعة حيث اتاح لنا فرصة هذا اللقاء "...

وفي الختام قدم قسيس لدلال إصداراته ثم قدم دلال كتابه الاخير"والشيء بالشيء يُذكر" وإصدار الجمعية الذي يضم نشاطاتها منذ العام 1992


في الصورة قسيس يُقدم لدلال إصدارات الجمعية 


للأديبة: إسراء عبوشي "الحبّ ينتصر على كلّ القيود" في رواية هذا أوان الحبّ




بقلم الأديبة : وجدان شتيوي 

_____________________


صدرت رواية هذا أوان الحبّ للأديبة والشاعرة إسراء عبوشي عام 2024 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرّواية في مئة وست وعشرين صفحة ازدخرت بالمشاعر وعذوبة الخواطر الشّعرية التي منعني جمالها أن أترك صفحاتها جانبا قبل إتمامها.

قد يتساءل من تقع عينيه على هذا العنوان: هل للحبّ أوان؟ وما إن يقرأ الرّواية حتى يتّضح له أنّ لا أوان لقرع الحبّ القلوب، ووقتما يأتي يكون أوانه، وبما أنّه قد يأتي في أيّ وقت، فكلّ الأوقات هي أوان للحبّ؛ حتّى تحلو الحياة ويبدّد ظلامها.

تتحدث الرّواية عن قصّة حبّ فتاة مصريّة من مدينة الإسكندريّة اسمها سلمى وشاب فلسطينيّ اسمه كنان يدرس في مصر، بدأت الأحداث باحتفال الزّملاء في النّجاح في نهاية العام الجامعي قبل الأخير، كان كنان الأوّل على الدّفعة وكما وصفته سلمى أسمرا طويلا يتميّز بالأنفة، تشعّ من عينيه الثّقة في النّفس، يخطو بهدوء ومهابة... يصوّب كلامه بدقّة ورغم ذلك لا يعبّر عن مشاعره.

وفي أحد الأيّام حصل والد سلمى على ترقيّة في عمله تستدعي انتقالهم إلى مدينة المنصورة، فيقع الخبر على مسامع روحها كالصّاعقة، تحاول إقناع أبيها أن يتركها لتكمل سنتها الجامعيّة الأخيرة في الإسكندريّة فيرفض، وحين تذيع مي صديقة سلمى خبر انتقالها إلى جامعة الإسكندرية ترى سلمى الدموع في عينيّ كنان فيطمئن قلبها إلى حبّه وتخفّ وطأة حزنها على فراقه وبالنّهاية يتمكّن عمّ سلمى من إقناع والدها ببقائها عندهم لتواسي عدن وتخرجها من حزنها.

عدن ابنة عم سلمى أحبّت يزن وتزوّجته وعاشت معه سنة من النّعيم حتى أتت والدته لتمكث معهم فتعكّر مزاجهم بعصبيّتها وقسوتها وتعاليها واندفاعها بالكلام مما كان يجعل يزن يغيّر من معاملته لسلمى في وجودها كي لا تنعته بالجبن، ممّا جعله يفعل ما فعله والده سابقًا حين تركهم ولم يعلموا عنه شيئًا، إذ طرد عدن ولم يسمح لها بأخذ ابنتها بانا.

علمت عدن أن رواسب قسوة والد يزن لم تزن منه وأن دور الحسناء والوحش الذي لعبته بإتقان كان محض خيال. وما هي إلا ثلاثة أشهر حتى تعلم أنّ مريم -أمّ يزن- تمكث في المستشفى إثر تعرّضها لحادث، كانت ضعيفة مهزومة لا تقوى على الكلام فواظبت على زيارتها حتى تعافت وطلبت منها السّماح واعتذرت منها، ووعدتها أن تعيدها لبيتها معزّزة مكرّمة، فتفهمّتها سلمى وسامحتها.

وبحثت عدن عن والد يزن فاكتشفت أنّه أصيب بجلطة أقعدته وأفقدته النّطق، وتعرّفت على ابنته زينب، وأمّها التي أخبرتهم أنّهم عانوا كثيرا بسببه، وأنّه ترك مريم ليتزوّج حبيبته الأولى -التي فضّلت عليه رجلا غنيّا- بعد طلاقها، لكنّها كانت متطلّبة جدّا، تورّط لأجلها في الدّيون والقروض حتّى سجن فتركته مرّة أخرى، ثمّ بعد فترة تزوّجته أمّ زينب هربًا من شبح العنوسة.

رتّبت عدن لقاء لزينب بأخيها وأمّه تكلّل بأن نعمُت الأسرة المتضعضعة بجوّ من الألفة والفرح، وعادت عدن ليزن، ووعدها أنّه لن يحزنها مرّة أخرى. 

افترق كنان وسلمى بعد تخرّجه، بعودته إلى فلسطين، وظلّت سلمى تعتصر ألما على فراقه، وبعد فترة تزوّجت من المهندس كريم، وسافرت معه إلى كندا، عاشت معه خمس سنوات، حصلت بها على الجنسيّة الكنديّة، لكنّها لم تجد سعادتها معه، فطلبت الطّلاق، ولبّى كريم رغبتها دون أيّ اعتراض.

بحثت سلمى عن كنان على وسائل التّواصل الاجتماعيّ دون جدوى، فسافرت إلى فلسطين بدعم وتشجيع من أهلها لتبحث عن كنان، فتبيّن فور وصولها أنّه مسافر مع أمّه إلى دبي لزيارة خاله، وعرفت أنّه تزوّج بعد ثلاث سنوات من فراقهما من فتاة اختارتها له أمّه، لكن توفّاها الله أثناء ولادتها طفلها، فسافرت سلمى إلى دبّي وبحثت عن كنان حتّى وجدته أمامها، واجتمعوا على مائدة العشاء في سعادة واطمئنان، وكما قالت أم كنان: الوطن ليس شرطًا أن يكون أرضًا كبيرة فقد يكون مساحة صغيرة حدودها كتفين.

نجحت الرّواية بسلاسة في إيصال العديد من الرّسائل والحِكم، كان من أهمّها:

*من الصّعب نسيان الحبّ الصّادق، ومحاولة الهرب منه بعلاقة أخرى تزيد الامر سوءا، فليس من الصحيّ الدّخول في علاقة جديدة قبل التّشافي من علاقة سابقة.

* الحبّ الحقيقيّ لا يضعفه البعاد ولا المسافات، وكما قال الشّاعر:

وقد يجمع الله الشّتيتين بعدما يظنّان كلّ الظّن أن لا تلاقيا فحين يكتب لنا الله شيئا يسخّر كلّ الأسباب لنناله، ففي بداية الرّواية كان ارتباط سلمى بكنان أشبه بالمستحيل لاختلاف جنسيّاتهما، فلا هي يمكنها دخول فلسطين بسبب قوانين الاحتلال ولا هو يمكنه ترك أمّه -التي نجت من الموت بغارة إسرائيلية بأعجوبة- وحيدة والعيش في مصر فكان في زواج سلمى من كريم سببًا لحصولها على الجنسيّة الكنديّة التي أزالت عائق دخولها فلسطين. 

* لا يمكن أن يقوم الحبّ على المصالح الماديّة أو الكذب، وكلّ علاقة تقوم عليهما لا تدوم كما حصل مع والد يزن الذي كان حبّه لعنة عليه أخسرته أسرته في حين كان عليه أن يعلم أنّ من تركته لأجل من هو أغنى منه لم تحبه أبدا وستتركه عند أول مطبّ آخر،

رغم كلّ ما كان يفعل لأجل إرضائها، وتقبّله أنّها عقيم وليس زوجها السّابق كما أخبرته.

* حين يسعى الإنسان الى أيّ شيء بكلّ قلبه وعقله وروحه يصل إليه حتمًا.

* تتشكّل عقد الإنسان واضطراباته النّفسية من ظروفه السّيئة التي عاشها خاصة في نشأته في أسرته، لكنّه إذا وجد الاحتواء والتّفهّم يمكنه التّشافي منها.

* امتلاك الذّكاء الاجتماعيّ له دور في معالجة الكثير من المشاكل في التّعامل مع النّاس، إذ قد يحوّل العدوّ صديقًا والقاسي منصفًا رحيمًا كما بدا في تعامل عدن مع حماتها.

* على الإنسان أن يسعى لإصلاح أخطائه القديمة، والاعتذار ممّن أساء إليهم بدلا من تكرار نفس الأخطاء مع أناس آخرين، وزيادة عدد ضحاياه ومظلوميه.

* تخطئ الأنثى حين تقبل بأيّ زوج، فقط لتعدّيها سنًّا معيّنًا خوفًا من العنوسة فتجد نفسها في جحيم زواج ضاعف عمر تعاستها وخوفها أضعافًا.

* دور الأسرة المتفهّمة في سعادة أبنائها وراحتهم النّفسيّة.

* عمل الخير والمعروف لابدّ أن يزهر وإن تاخّر.

* عدم أخذ الأبناء بذنب آبائهم، كما فعل يزن إذ لم يتقبّل وجود أخته من أبيه فحسب بل وساعدها في دراسة الطّب وساندها ليعوّضها عن حنان الأب الذي لم يحسّه كلاهما.

* ينال الظّالم عقابه في الدّنيا قبل الآخرة كما حصل مع والد يزن.

ازدانت الرّواية بالصّور الأدبيّة الجميلة مثل: "أطفح من زلال ريق الأيّام الغبراء"، "أعلك بسمتي وأمضي"، "يتضوّع شذاها بدمي"، "تؤرجح مشاعري الأمنيات"، "وما الحبّ إلا قبض ريح".

وكانت انتصارًا جميلًا للحبّ في زمن الاحتلال والحرب.


كتاب جديد بعنوان: مجدي محمود جعفر .. الرؤية والتأويل




 عن دار الربيع للنشر والتوزيع صدر للكاتب والناقد العربي عبدالوهاب كتابه النقدي الجديد ( مجدي محمود جعفر .. الرؤية والتأويل ) وجاء في مقدمته للكتاب : " ولأنني أؤمن دائما بالبدايات، وأقسم على شرف الكلمة، فقد اضطلعت بهذا الدور منذ نعومة أظفاري كما يقولون. وصارت الكتابات النقدية التي أمارسها قادرة على تقديم جانب من مشهد صغير، لكنه في الحقيقة الأمر، مهم في حياتنا الأدبية، لأنه برغم انشغال النقاد الكبار عن شباب المبدعين إما لمصالحهم الخاصة، أو لاكتفائهم بالتدريس في الجامعات، فقد تراجع النقد عن مسايرة ومتابعة المشهد الثقافي، إلا لماما. "

ويضيف : " وهاأنذا الآن أخصص هذا الكتاب لواحد من كُتّاب السرد المتميزين جدا في مصر، وفي العالم العربي، وربما كان هذا التوجه متاخرا قليلا، وهأنذا أخصص كما انتويت من قبل في أعمالي النقدية كتبا متخصصة لكُتّاب السرد الذين يستحقون الوقوف بتأن، والاهتمام الحقيقي بمشاريعهم ..

تحية طيبة للكاتب المبدع ( مجدي محمود جعفر ) الذي ملأتني إبداعاته بالنشوة العارمة، وتعلمت منه الكثير "

وقسم الكاتب كتابه إلى قسمين، القسم الأول : دراسات في الرواية، وتناول بالنقد والدرس والتحليل خمس روايات للكاتب، وجاءت عناوين هذا القسم كالتالي :

1 – عزلة الكاتب الافتراضية في رواية ( ليلة في حياة كاتب )

2 – ( على شفا حفرة ) رواية تستحلب طعم التاريخ.

3 – صراع الأضداد في رواية ( الشتات ).

4 – الوجه والظل في مسرواية ( زمن نجوى وهدان ).

5 – رواية ( أميرة البدو ).

وفي القسم الثاني تناول بالدرس والنقد والتحليل مجموعتين قصصيتين للكاتب وهما (أم دغش ) و ( الزيارة وتحولات الرؤى )

والجدير بالذكر أن هذا هو الاصدار السادس للعربي عبدالوهاب في مجال النقد،  وله أكثر من عشرة كتب إبداعية توزعت بين القصة القصيرة والرواية.

مفاتيح السماء بالسريانية تصدر بالعراق للشاعر الأديب: وهيب نديم وهبة


بجهود قاهرة جبّارة، ومحبّة خالصة توّاقة... وإيمان مطلق بروحانية تعاليم السيد المسيح عليه السلام. اجتمع الإيمان والنبل في الخلق والأخلاق، وتكاتفت كل الجهود الإنسانية، وانصهرت في محراب السيد المسيح لإخراج مفاتيح السماء، درّة من الدرر النفيسة للروح والعقل، مع مجموعة نذرت روحها لخدمة الإنسانية والصلاة للربّ.

اليوم صدرت الطبعة التاسعة لمفاتيح السماء باللغة السريانية، بفضل الله تعالى، ووفاء أخي وصديقي الأستاذ، الأديب باسم روفائيل، والصديق الشماس الشاعر والمترجم فائق بلو.

 دمعة الفرح تفرّ من عيني، ورسالة السيد المسيح تصدر بالسريانية عند أحبّتي ومهجة قلبي في العراق... وبمعونة الأصدقاء والأحبة في هذه الكوكبة التي تمجّد الله على الدوام بصلواتها السماوية العلوية للربّ الإله... أخي وصديقي نايف خوري -كتب المقدمة لمفاتيح السماء، صديقنا الشاعر الدكتور فهد أبو خضرة كتب لي قصيدة... كلمة الصديق الشاعر والأديب ناجي نعمان – الجواهر المنثورة... مدير دار نعمان للثقافة، التي منحت مفاتيح السماء جائزة الفضائل الإنسانية... لوحة الغلاف بريشة: هيام يوسف مصطفى. 

شذرة من "مفاتيح السماء" - 

وَمَلايِينُ المُؤمِنِينَ تَقرَعُ الأجرَاسَ..  

وَالكَنَائِسُ تُوَزِّعُ مَفَاتِيحَ الصَّلاةِ 

وَتَعلُو التَّراتِيلُ وَالتَّرانِيمُ، 

وأَصواتُ الْحَناجِرِ تُعانِقُ السَّمَاءَ 

الْمَسِيحُ قَامَ / حَقًّا قَامَ

كَرَفَّةِ الضَّوْءِ وَبُزُوغِ الْفَجْرِ

وَأنَا المَوجُودُ حَتّى فِي الْغِيابِ

أترُكُ لِلعَالَمِ..

أترُكُ بَينَ يَديْكَ رِسَالَةَ الإنسانِ "المَحَبَّة"


الروابط المباشرة للكتاب: لمركز الخليج

مفاتيح السماء بالسريانية.

https://mrkzgulfup.com/uploads/172119551334351.pdf

غلاف مفاتيح السماء.

https://mrkzgulfup.com/uploads/172119551335522.png


جمعية محترف راشيا” تُرحب بعميد كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية الدكتور هشام زين الدين ورئيس الجمعية شوقي دلال ينوه بزين الدين ومسيرته الثقافية

 


إلتقى رئيس "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" شوقي دلال عميد كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية الدكتور هشام زين الدين من خلال زيارته الى راشيا حيث قدم دلال لزين الدين الإصدار الثقافي للجمعية

دلال "أشاد بالعميد الدكتور هشام زين وبمسيرته الثقافية المُشَرّفة حيث رسم لنفسه مسار هادف ورصين أثمر العديد من المؤلفات في مجال المسرح والفنون مما إستحق بجدارة توليه عمادة كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية وأمين عام جمعية كليات الفنون العربية في إتحاد الجامعات العربية ناهيك عن ريادته في مجال الإخراج والتمثيل والتأليف المسرحي على مدى عقود، لهذا نُرحب به اليوم في قلعة إستقلال لبنان راشيا الوادي وبالوفد المُرافق من كلية الفنون حيث إزدادت قلعة راشيا بحضوركم تألق ووطنية"...

وقدم دلال لزين الدين في ختام اللقاء كتابه الاخير"والشيء بالشيء يُذكر" وإصدار الجمعية الذي يضم نشاطاتها منذ العام 1992

في الصورة دلال يُقدم لزين الدين إصدارات الجمعية 


قصيدة النثر عند خليل الشرقاوي

 




كتب مجدي جعفر


احتشد في قصر ثقافة ديرب نجم بمحافظة الشرقية نخبة كبيرة من المبدعين والنقاد لمناقشة ديوان ( سبعة أقلام ملونة ) لخليل الشرقاوي، والديوان من قصائد النثر، وأدار الندوة الأديب مجدي جعفر، وعرج في تقديمه على حركة ومسار قصيدة النثر التي تأخرت كثيرا عن مثيلاتها في الشام، حيث قامت حركة نشطة في الشام منذ أن أصدر توفيق الصايغ كتابه الذي حمل اسم ( ثلاثون قصيدة ) عام 1954م، ومع نصوص محمد الماغوط ( حزن في ضوء القمر ) في أول ستينيات القرن الماضي فرضت قصيدة النثر نفسها كجنس أدبي جديد تخلق من الشعر والنثر والسرد، وقيض الله لهذا الجنس الأدبي من يعملون على احتضانه والتبشير به، أمثال أدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وتوفيق الصايغ وغيرهم، وقاموا بالتنظير له، وعرفوا بأهم سماته وخصائصه.

ووصلت قصيدة النثر إلى مصر من الشام، وتلقفها الشعراء المصريين الذين سرعان ما اكتشفوا الكثير من القيم الجمالية في لغة السرد، واتسمت قصائدهم بالصور الشعرية الكثيفة والمركبة، وكانت هذه الصور بديلا عن الوزن في القصائد التقليدية.

وأشار جعفر باقتضاب إلى حلمي سالم، وحسن طلب، ورفعت سلام، وجمال القصاص، وفريد أبو سعدة، ومحمد سليمان، وعبدالمعم رمضان، وماجد يوسف، وتوالت الأجيال المبدعة لقصيدة النثر، وصولا إلى خليل الشرقاوي الذي يشي ديوانه الأول ( سبعة أقلام ملونة ) بموهبة كبيرة وضخمة وقادر على إثراء قصيدة النثر والإضافة إليها.

وحول نصوص الديوان قدم الكاتب والناقد الدكتور كارم محمود عزيز أستاذ الأدب العبري بجامعة حلوان ورقة بحثية وقال :

 دراستنا الليلة عن شاعر متميز صاحب تجربة ثرية وجادة لا يصح ان تمر مرور الكرام، لأننا سنكون نحن الخاسرين وليس هو، فديوان "سبعة أقلام ملونة"  احد التجليات الرائعة لقصيدة النثر، وفيه تعلن القصيدة عن ثورتها العارمة ضد الشكل الشعري برتابتة ومألوفيته واستاتيكيتة وليس هذا فقط ولكن ضد المضمون، وقصيدة النثر يمكن ان نطلق عليها القصيدة المثقفة فهي تحفل بكل أنواع المعرفة الإنسانية التي يتم توظيفها داخل الشعر. 

ثورة ضد الشكل والمضمون فلم يعد هناك فخر أو حماسة ولا مديح سوى للأسئلة والالم،  ولم يعد هناك وصف للطبيعة في عالم يدمر طبيعتة بدأب شديد، ربما يوجد قصيدة الرثاء، لكنه رثاء الواقع المهترئ بتجليات تحاكي الاغتراب أو فقدان الهوية أو انشطار الذات أو محوها


وتحاور عزيز مع قصائد الديوان من خلال ثلاثة مداخل:

المدخل الأول التفاعلات النصية أوالتناص :

يصدر الشاعر ديوانه بمقولة سقراطية أفلاطونية :

"كثيرون هم من يحملون عصا السحر، أما العالمون بالسحر فقليل" 

  والتفاعلات النصية عند خليل لصيقة بنصه الشعري كما هذه المقولة الفلسفية فقد حصل تلاحم وتضافر بينها وبين مقولاته الشعرية في الديوان ولم يحدث تنافر، ويتضافر شقا التفاعل النصي في إعلان عن رؤية الشاعر لذاته وللعالم حيث أن الشاعر يعلن عن تفرده وانتهاكه لمألوفية العالم وعاديته، وهذا التفرد ليس ميزة ولكن نوع من الجحيم يعانيه شاعر النثر كما قال صلاح والي في ديوان الرؤية والوطن "الرؤيا عذاب الرؤيا" 

فالشاعر هنا يشعر بغربة عن العالم يبحث عن ذاته ويواجه العالم في تصور بينه وبين المطروح وليس يختلف من أجل الاختلاف فقط .

وظاهرة التفاعلات النصية ستكون ظاهرة أسلوبية بارزة في أسلوب الشاعر، لأنه صدّر كل الاقلام بمقولات ولكنه فقط في القسم السادس لم يقل مقولات. 

وفي صفحة 39 على سبيل المثال القلم الثالث (كم آاه تكفيك أيها الالم) نجده تناص مع 

"هل قوتي  قوة الحجارة، هل لحمي نحاس؟

يا أرض لا تغطي دمي ولا يكن مكان لصراخي"

مقتبسة من سفر أيوب في العهد القديم، وهو سفر يناقش مشكلة فلسفية مهمة جدا، وهو عبارة عن شخص اسمه ايوب معه ثلاثة من أصحابه  يناقشون فكرة القدر والقدرية وما يعانيه الانسان من عذاب ، وهنا أجد التجديد عند خليل  حين تناول شخصية أيوب لم يتناول  قصة ناعسة وأيوب  المصرية الشعبية ولم يتناول قصة أيوب في التقاسير القرآنية و لم يتناوله من حيث أنه صابر ولكنه تناوله من حيث هو متبرم ومتضايق وسنصل إلى مرحلة هل هذا اختبار من الله أم لا؟ وهذا طرح جديد  وهذا ما يهم فهكذا تكون قصيدة النثر.


  

المدخل الثاني صراع الذات مع العالم بين الرؤية والتشكيل :

الذي يميز المضمون في قصائد خليل أنه شاعر ممزق يبحث عن ذاته المنشطرة والمتشظية، ويسعى للملمة الذات والتوحد معها ليواجه العالم، ليس بغية أن يصححه ولكن ليتحاور معه وهذه هي الرؤية الحاكمة عند خليل.

قصيدة على الأعتاب قصيدة أحادية مستقلة في أول الديوان وخارج التصنيف، وهذه القصيدة مدخل مهم وممهد للديوان، تصنع نوعا من التوسعة او التأويل للمقولة التي صدّرها في البداية، فهو قد اصطنع شخوص وهميين مسرود عليهم حتي يضعهم بجانبنا نحن المتلقين الفعليين، فهنا متلقي حقيقي وآخر افتراضي وهما الرفاق داخل القصيدة وهو يسعى لاستدراج المتلقين الاثنين لكي يوجه لهم خطابه وكأنه يكسر وحدته وصمته وقد يكون قد رآى أن دراما الصراع بينه وبين العالم لا ينفع لها المنولوج بالحديث مع نفسه، يقول في بداية القصيدة :

( صبرا يا رفاق

وادخلوا أبوابي السبعة 

بابا فبابا 

وارقصوا على العتبات الملونة

كنت حزينا مقتولا ولكني رفضت الموت

ساقني الشوق فامتثلت 

وسبقني نهمي لغابة من دندنات 

وقبلات خفية )

هنا نرى المواجهة والمجابهة بين الشاعر وذاته، بين الفعل ورد الفعل فمثلا نرى الحزن او القتل مقابله رفض الموت و الشوق مقابله الامتثال والنهم مقابله غابة الدندنات والقبلات الخفية، وهذا كله من أجل التصالح والالتئام مع ذاته لكي يتفرغ لمواجهة العالم، ونلاحظ هنا أيضا بعض الدلالات الايحائية لمفهوم الصراع ومحاولة التوحد مثل؛

( كنت على قدم واحدة أقف، وعيناى مغلفة بأحداقها، وأنا أنشودة للظل، إذ أبغي الحياة إذ تبغى عليَّ ) ماهذا الجمال! فهذا المقطع  تجسيد حي ومفتاح رئيسي للديوان وعلاقة معقدة طبعا

وهل لزاما علينا ان نعشق مضطهدينا ونقع في أسر فتنة ظالمينا -وكأنه يقول هذا –وهذا على المستوى السيكولوجي 

أما على المستوى اللغوي فقد صنع مفارقة لغوية جميلة جدا "إذ أبغي الحياة إذ تبغى عليَّ" فقد اشتغل على جذرلغوي واحد وهو "بغى" وصنع منه فعل متعدي بحرف الجر "على" فصار معناه الظلم وهو في الأصل فعل لازم بمعنى "يريد" 

فلعب لعبة لغوية رائعة.

وفي نفس القصيدة الذات الشاعرة تعلن ثورة عارمة على اتجاه العالم فيقول؛

( لن أغادر موقعي هذا إلا بقصيدة ملونة 

تغني حبيبتي القاصدة قتلي 

آه ايتها الحبيبة النبيلة


ولكنه بعد ذلك يلعب لعبة أخرى فيبدأ يستعدي القاتلة مع الرفاق على نفسه –كأنه في مضطرب نفسيه ولكن في الحقيقة يضع مبررا لانتفاضته ليمنح ذاته الثائرة طاقة جديدة للمقاومة فيقول؛

(سُني رماحك وادخلى معهم  

لعلي أحيا بعد موتي إن بقيت في تاريخك مغتالا.)

ثم يشحذ طاقات المقاومة لديه عبر أربعة أساليب انشائية الأمر والنداء الاستفهام والتعجب

يقول؛

(تفجري يا ملكات ذاتي الخلاقة

يا ثورة يدي الملونة

يا انهاري الدافقة الفياضة تفجري

آه يا ذرى الروح العالية الشامخة

كيف لم اصل الي من قبل؟

كيف غبتِ عني كل هذي السنين؟ )

وقد نطرح سؤالا ساذجا لماذا استخدم اساليب انشائية؟

ولكن هذا طبيعي لان الشعر كله ليس له خبر،  وقصيدة النثر بالتحديد ليس فيها يقين وتحفل بالتساؤلات


والقصيدة الثانية وهي ( شروق وغروب ) ومن العنوان نرى أننا أمام جدل النقائض أو صراع الأضداد، هناك ذات تقف وحدها أمام بحر شاسع مصطخب لتبدأ فعاليات دراما الصراع بين كتلتين؛ الذات المتفردة  والعالم المحيط فيقول فيها؛

( الافق بحر شاسع  وهي وحدها تقاوم مد الأعالي-الأصفر نجمتي المؤتلقة في ليل التيه-

قلبي خشب عتيق-وروحي مياه أزلية ممتدة- موزعة بين شروق برتقالة العمر وغروبها في مستقبل مغرور 

وحيدة تمخر عباب المجهول )

هنا نرى تجليات الذات فتصبح القلب أو الروح فهو قد جسدها في القلب الذي كخشب عتيق والروح التي تشبه مياها أزلية، والكل القلب والروح والنفس يعانون من الغربة والوحدة وألم المقاومة

فهذه القصيدة تبني جمالها على جدل النقائض من ناحية ومن ناحية أخرى تطرح سؤال الهوية أو الكينونة ليصنع لنا صورة شعرية نابضة بهموم الشاعرالمعاصر.

وفي قصيدة "اشجان نرسيس" يوجد تراتبية في الأفكار وانضباط بنائي، فالذات الشعرية تبحث عن توافق  مع العالم ولكن بشروطها وليس بشروط الواقع الفعلي الذي أدى بها إلى أن تثور وتنفر 

بداية الأزمة شتات الذات وغربتها الدائمة فيقول؛

( قادم من بلاد بعيدة -لأدخل بلادا جديدة )

ثم يبدي حسن النوايا ويمد يده بالسلام للعالم ؛

( أجلس أمام بحارها الرحيبة-أناجي موجها العاتي والزبد الامبالي 

وأحلم في كل رفة بوجه أجمل )

لكن الأمر بدا عبثيا فالذات الشعرية ترتد للداخل وتنشطر وتنعكس على نفسها مرة أخرى في سعيها نحو التوافق والتوائم وتطرح سؤال الكينونة :

( واسئل حلمي عني-عن حبيبي الشارد مني )

وعندما يتحقق توحد الذات وتشعر بالاكتمال تتحول للنقيض ومن الانشطار إلى الكمال، من الانشطار وسعيه للتوحد إلى عشق ذاته والتي تسمى النرجسية فيقول؛

( كم أنت بديع يا أنا –يا اولي البعيد-يا اسطورتي الغائبة )

وهنا لعبة جناس جميلة في البديع والبعيد فصنع بنية مزدوجة لفظية معنوية  في  "كم انت بديع-يا اولي البعيد"

المدخل الثالث التمثلات الأسطورية والتصوف وسيكولوجيا العقل الباطن :


من أبرز الأمور التي لفتت نظري في الديوان تقنية فنية مهمة جدا تسمى التمثلات الأسطورية وهي شاعت في قصائد التفعيلة من أول حركة التجديد مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور 

والأسطرة هي اضفاء الصبغة الأسطورية على النص الأدبي بأشكاله الشعرية المختلفة، والشعر مع الأسطورة يشتركان معا في التعامل مع الحقيقة بمنطق الخيال


وسنختار أربع نماذج هنا لتوضيع كيف تعامل خليل الشرقاوي مع الأسطرة

النموذج الاول في صفحة 10 في قصيدة "على الاعتاب" يقول؛ 

( الظل أنشودة الضوء يا أصدقائي وأنا انشودة الظل )

فهذا فيه استلهام لأسطورة شهيرة مصرية قديمة من أساطير الخليقة  وهي أسطورة تاسوع هيليوبولس أو عين شمس

وهي فكرة أن الإله خبري"  توحد بظله واستمنى فانجب زوجا من الآلهة شو وتفنوت ثم تزوجا وأنجبا نوت للسماء و جب للأرض 

فخليل هنا يصنع تداخل بين شيئين الوعي الأسطوري وإحساس الذات الشاعرة بتفردها ووحدتها في هذا "الهيولى" أي فوضى ما قبل الخليقة- اي في عالم غير منتظم، فنحن نتحدث عن عالم مناوئ لخليل الشرقاوي وهو كذات شاعرة الدنيا امامه منضبطة ولكنه غير راض عنها، 

فهو استلهم الوعي الأسطوري في أسطورة عين شمس بجانب أيضا نظرية الفيض الصوفية لتصبح الذات الشاعرة هي المبدأ، ولكنها قبل أن تنتج الضوء المعادل للمعرفة والإبداع جمعت شطريها في ذات واحدة في عملية متمثلة في توحد الذات بالأسطورة أو في مفهوم وحدة الوجود.

النموذج الثاني وهو شبيه جدا أيضا بفكرة الخلق 

ففي صفحة 14 في قصيدة "شروق وغروب"

يقول؛

"روحي مياه أزلية ممتدة" 

فنجد الرواية الأولى للخلق في سفر التكوين في التوراة

"في البدء خلق الله السماوات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية 

وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" 

فنجد إشارة أخرى للهيولى" فوضى ما قبل الخليقة أي العناصر التي تحتوي فراغ السكون أو فراغ الماء، والذات الشاعرة روح ترف على وجه المياه أيضا وسط هذه الفوضي، هذه الروح أو الذات الشاعرة كانت هي المبدأ الفاعل في عملية الخلق في وسط عناصر الفوضى التي تحيل دلاليا إلى العالم المقيت الذي تتصارع معه الذات الشاعرة في الزمن المعاصر.

النموذج الثالث في قصيدة "أشجان نرسيس" 

والتي تحيلنا إلى الاسطورة اليونانية نرسيس أو نركسوس أو نرجس الذي تاه في الغابة وكان له حبيبة تتبعه وتردد كلامه وهي "ايكو" لكنه مل منها ووقع في حب صورته المنعكسة على النهر حتى وقع فيه ومات  ثم نبتت زهر النرجس على الضفة بعد موت ايكو حزنا عليه وصارت صوتا بلاجسد

وهذه الأسطورة تعليلية تشرح حالة معينة في العالم وهذا تعليل ايتومولوجي يفسر أصل الأسماء كزهرة النرجس وايكو التي تعني الصدى 

ونجد بجوار الأسطورة التعليلية هذه فكرة الحلول والاتحاد الصوفية وهي فكرة أن الإله يحل في مخلوقاته، وهناك أيضا ملمح سيكولوجي بارز جدا وقد صنعه الشاعر بمعالجة شعرية رائعة وهو فكرة انشطار الذات مع تغير الجنس، فالعالِم النفسي كارل يونج عندما تحدث عن العقل الباطن عند الانسان قال ان الذكر داخل ذاته شِق انثوي يسمى"أنيما" وداخل الأنثى شِق ذكوري يسمى"أنيموس" إذن نرى أن الانسان هنا كائن مكتمل، ونرى هنا توحد الذات الشاعرة بنقيضيها لتواجه العالم. 

والنموذج الرابع في قصيدة"نجمة لا تغيب" 

نرى الذات الشاعرة في أزمتها تختصم نفسها وتتشكك في ما هو واقع بينهما فيقول؛ 

ألقاؤنا كان وهما ام حقيقة؟

فنرى ثانية لعبة الظل والعقل الباطن كما تكلم عنها "يونج"، ولعبة ظل الشخصية  أو المرآة تستخدم في الرواية أيضا والقصيدة فيها من السرد الروائي وكأنه هو وذاته خصمين  لدودين فيعدد لذاته ما صنعه لها كأنها ظله الشرير ومع ذلك لا غنى عنها فهي ذاته فيقول؛

تصاحب حية حية طوال العمر   

فيلعب بالجناس التام ويلقي بظلال أسطورية ثقيلة تتمثل في عدد من الأشباه والنظائر التي وقعت ضحية للخديعة، وهذا التمثل يعمل مع غلغامش الذي خدعته الالهة عشتار وانكيدو الذي خاصمها فقتلته وشمشون الشخصية الشهيرة في سفر القضاة في العهد القديم والذي خدعته "دليله"، والتمثل الأسطوري يتضح في الشخصيات الثلاثة هذه، إلا أن الرمز الأساسي في القصيدة هي الحية التي جاءت في قصة الغواية التوراتية وتحولت إلى الشيطان، أما عند غلغامش فصارت بمعنى التجدد والخلود  

وبجانب هذ التمثل الأسطوري نرى أيضا في القصيدة انشطار الذات كما اوضحنا ولعبة "الأنيما والانيموس" فنرى الشاعر قد حدث نفسه بصيغة المؤنث وهذا التجلى معروف في الخطاب الصوفي عندما يصل الصوفي إلى مقام المشاهدة يتحول إلى مخاطبة الذات الالهية بصيغة المؤنث كما عند ابن عربي وغيره، وفي التصوف اليهودي نجد التجلى العاشرالذي يسمى "الشخينا" وهو تجلٍ  انثوي.

......................................

وفي دراسته النقدية قال الكاتب والناقد بهاء الدين الصالحي :


 يأتي خليل الشرقاوي مكملا لسلسة من الشعراء العظام في مصر يبدأهم محمد عفيفي مطر و حسن طلب ورفعت سلام وحلمي سالم والسيد فتحي وكل هؤلاء قامات في قصيدة النثر

وأشار إلى الدكتورة هدى فخر الدين أستاذة الأدب العربي في جامعة اكسفورد والتي ترى ان قصيدة النثر لها جذور في التراث العربي وأصدرت كتاب عام 2020 ترى أن النفري هو مؤسس لقصيدة النثر العربية وكذلك أبو حيان التوحيدي   

وأوضح أن قصيدة النثر تأخذ فلسفة الصورة التشكيلية فهي ليست قصيدة مناسبات ولا قصيدة وجدانية ولكنها افتراض لحالة هكذا أنا فعليك أن تتخيلني كما أنا وبالتالي قدرة الشاعر على توظيف تلك المفردات الخاصة بالصورة هنا مهارة اللغة في قصيدة النثر فلا يُأتى قصيدة النثر إلا رجل متمكن في لغته  فهي قصيدة قائمة على مهارة الشاعر في استلاب  وعي المتلقي فلا بد أن تشعر بالاشتياق أو أن يأسرك عالم الشاعر فأنت أمام لوحة وضع فيها الرسام مشاعره من خلال فلسفة الألوان التي انتزعها من روحه قبل أن ينتزعها من الباليتة الخاصة به هنا يلتقي صدق الشاعر مع صدق المتلقي وهنا تكمن صعوبتها فلايُأتى قصيد النثر شكلاني شخص يسيطر عليه الشكل أو تاريخ الأدب ولكن أمامك ذات كما هي فعليك أن تتعامل معها وبالتالي المهارة في تتبع تفاصيل المشهد لأن اللفظة يعاد انتاجها بأكثر من معنى داخل القصيدة هنا مسألة السياق وبناء الجملة النحوية داخل القصيدة وهي مهارة رائعة تأثر بها خليل، فالمتعة القائمة على مهارة احترام المتلقي بدلا من الترويح فهو لا يخاطب حبيبته فلتذهب حبيبته إلى الجحيم مثلا يقول في قصيدة أرض الهذيان؛ 

امتزج الألم بالملل باللذة بالتكرار وعندما تفسر مهارته في كلمة امتزج أي أصبح كيانا واحدا فنجد مهارة النثر عندما يأتي في قصيدة الشعر ولمن يريد المقارنة لمن قرأ نجيب محفوظ في القاهرة 30 يقارن تجربة نفيسة عندما شعرت باللذة في أول خطيئة لها ثم اعتادت ثم تحسرت ثم كرهت جسدها  فنجد تكثيف اللغة عند خليل الشرقاوي، ويقول في نفس القصيدة؛

أي خلطة سحرية تلك لانسان العهد الردئ في الوطن الجديد

فعليك أن تأول إذا اردت أن تنزل الشاعر من علياءه إلى أرض الواقع ولكن هو يكتب ليمارس دورا اجتماعيا ولا يكتب رفاهية و المقياس الذي نقرر عليه جودة القصيدة درجة التعبيرية ولأي قدر تلاقى تعبير الشاعر مع المعنى المتوقع لدى المتلقي من القصيدة إذن هنا نجد توافق وتعشق وانتماء للعقل الجمعي المشترك لذلك فهذه القصيدة قصيدة سياسية من الطراز الأول وهذه قيمة الشعر عند خليل، ونتأمل قوله؛

والشاشات تهرول من خلفي(عد من حيث أتيت..))

عد من حيث أتيت

تكررت " عد من حيث أتيت مرتين في الأولى وضعها بين هلاليتين فهنا ذاكرة الاحتباس والتنميط لازلت قائمة ويأتي في آخر مقطع عد من حيث أتيت بدون أقواس وكأن الشاشات تقول قد اخرجناك من دائرة رؤيتنا وهنا فكرة التنميط وفكرة التهميش التي تدار بها الحياة الاجتماعية في مصر، هنا الطريقة الرئيسية لفهم اسهامات هذا الجيل فهذا شاعر ليفرح بفخر هذا شاعر ابن ثورة شارك في ثورة 25يناير 2011 إذن هذا جيل لازال في وعيه تلك التجربة الجماعية ولذلك لابد أن يحاسب على هذا الأساس بقايا هذا الوجد الجمعي في لحظة التحقق التاريخية يمارسها خليل هنا في هذه القصيدة.

وهو يتمرد على نمط المراد ترويجه لقضية المواطن الملتزم الذي يخاف من رؤية البندقية وذلك نراه في قصيدة "الفوضوي المبجل" تأتي من خلال ثنائية النظرة فالمجتمع ينظر لهذا الجيل على أنه جيل غير ملتزم بينما هذا الجيل هو أكثر قدرة على طرح الأسئلة من خلال المفارقة عن النمط السائد لاني خارج نمطك فأنا فوضوي ولكني مبجل ويقول في بيت شعر قوي؛ متى يتهاوى النُصب المقام ضرارا في ميادين الوطن؟

والضرارا هذا مسجد أقيم ضرارا وأمر النبي بهدمه، إذن فهل يجوز احترام المقدس على اطلاقه ام على وظيفته؟

وفي قصيدة "شريعة الوقت"  فنرى أنه في 14 بيت  كرر أنا وتصاريفه 12 مرة  معنى ذلك أننا أمام شاعر يدرك جيدا كيف تكون لغته ولكن فلنتوقف أمام العنوان فهذا عنوان ألغى الماضي وألغى المستقبل إذن فهي شريعة مقطوعة الأوصال والجذور ،اللغة هي البطل عند خليل الشرقاوي

البعد التشكيلي عند خليل تحمل فلسفة اللوحة التشكيلية كمثال أو رسام يضع العالم الذي اكتمل داخله في معادل لوني، هنا قد اكتمل العالم عند خليل واكتمال العالم ليس مقطعا من جزء متكامل ولكنها مقاطع جاءت كزفرات ولذلك معظم القصائد تقع في صفحة أو صفحتين لأنها إن زادت عن ذلك كانت كالنثر الصراح

لماذا قدت من ذهب قصيدة النثر؟ 

لأن هذا الجيل لديه من المعاناة ما يعجز البناء الشعر الماضي عن معالجته وقصيدة النثر تحتوي كم القلق الوجودي الخاص بهذا الجيل، أما أن نتحدث عن مملكة الشعر فلها اساطينها الذين يتحدثون عنها والشعر أولا والابداع أولا ثم يأتي التنظير ثانيا فاذا كانت موجة الإبداع هادرة سيضطر التنظير إلى ملاحاة الإبداع وسيبحث عن محاولة للحاق به، هذا الجيل تيار جارف وخليل الشرقاوي جزء من جيل في الحركة الشعرية المصرية لم يعد يعترف بالآباء لأنهم عجزوا عن انتاج معاناتهم اليومية شعرا 

ثم نأتي للأسئلة المفاتيح حيث يأتي خليل في نهاية قصيدة "موعد مع الريح"  ويقول؛

أنا ايدولوجيتي الأرض 

حيث أنه بدأها بتشتت هوياتي بتمزق الذات والبحث عن صيغة معينة للتواصل مع العالم ثم ينهي هذا الشكل ويقول؛

أنا فلاح

جُل ما يعنيني أن أزرع وأروي وأحصد بسلام

ليس لدي بال صاف لئؤدلج 

لا تشغلني الحروب إلا في رزقي 

ولا تدخل علي السياسة إلا من خبزي

فكأنه يقول أنتم تتنافسون على شيء ليس لي فيه سهم أو بند أنا قضيتي هذه الارض، هذه الأرض لي وأنتم راحلون

هذا ما أراد أن يقوله هذا الجيل الجديد في هذه القصيدة لأننا بصدد تطبيع الشعر تطبيعا اجتماعيا ولا نطرح في الهواء ويخرج من هذا التنميط

اما العنوان "سبعة اقلام ملونة"

سبعة أيام- الله قد خلق الكون في ستة أيام واستوى في اليوم السابع فهو يصنع أسطورة الخلق ويأتي في النهاية بعد القلم السابع يضع "قلم يبحث عن لون" ليفلت من سيف الجلادين فنحن بصدد شاعر واع  وهذه القصائد أثمرت في مجال قصيدة النثر تيارا جديدا وعبرت عن جيلها ولم يمارس فيها الهروب والمأزق عند خليل أنه مثقف من طراز رفيع يحتاج لدرجة من درجات التأويل 

فنراه في قصيدة "مطهر"يقول؛ 

أتوضئ بماء النار وأتضع أمام جلالة القسوة

فاتضع هنا لغة (أ ت ضع )فهي لعبة اللغة  فهي تعني التقزم

ثم أنه يعيد انتاج الأساطير فيقول في قصيدة "الصاعد من البئر"

ودلته على جدائل شعرها 

ثم همست

اسقط حجرك

حرر صوتك

وهذا كبئر يوسف ولكن الحبيبة تدليه في البئر على جدائلها ليرمي حجره ويحرر صوته اذن البئر هنا لم يعد نقيصة ولكنه تطهير للذات من كل ادرانها مع الام الرؤوم 

فهذا شاعر تأخذ الكلمة عندة مسارات ومحاسبات قبل ان تخرج الي الوجود وهنا قيمة خليل الشرقاوي.

.................................................

وفي ورقته النقدية قال الكاتب والناقد محمد الديب أن قصيدة النثر قد فرضت نفسها وانتهى الأمر، وجاءت ورقته تحت عنوان "ديوان سبعة اقلام ملونة للشاعر خليل الشرقاوي بين الرسم والشعر"

وقال أن الألوان تعتبر واحدة من التعبيرات المجازية التي يوظف الشاعر قديما وحديثا ويستعين بها في شعره وهي دال عملي وحيوي ومثير للمتلقي تعمل علي تقريب النص إليه وهكذا تشكل الألوان كنزا لا يستهان به فهي في الديوان سمة أسلوبية بارزة استخدمها الشاعر في تلوين صوره الشعرية ببراعة، يقول "سيمونيس سركيوسي" وهو واحد من أهم الشعراء الالاهيين في اليونان قديما قال "ان الشعرصورة ناطقة او رسم ناطق وان الرسم او التصوير شعر صامت"

وبهذا يصيغ للفنون المكانية بعدا رابع هو البعد الزمني ولحق ذلك الإرث بالشعر ايضا 

العلاقة بين الشعر والفنون التشكيلية قوية وعميقة جعل خليل الشرقاوي شعره لوحات فنية تعبر عن الحالة التي تسيطر عليه في هذه النصوص، وهكذا يكون الفيلسوف والناقد "افرايم ليسنغ" محقا في وصف العلاقة بين الشعر والرسم، فالشاعر والرسام يتعاملان مع بعضهما كاثنين جيران ولكن كل واحد منهما يعطي لنفسه الحق بالانتفاع بما يملكه الجار وامتيازاته ويستمد كل طرف ما يحتاجه من الطرف الآخر.

أثرى الشاعر خليل الشرقاوي معجمه الشعري بالكثير من الأدوات الفنية التي تقربه من فن الرسم كعنصر اللون الأساسي كما في العنوان ثم أدخل اللون في تشكيل بعض النصوص التي كلوحات فنية كقوله في بعض النصوص؛

من أول ميلادي لي في كوكبي الرمادي- 

ارقصوا على العتبات الملونة-

قلبي بنفسجي ويدي خضراء فأي لون سيكتب صفحة تاريخي؟-

ألون صورا وأحدثها-

اتقمص لون الغيم-

وفي قصيدة شروق وغروب يقول؛

 شراع عظيم كالظلة خفاق بالأزرق والأخضر 

والأبيض والأصفر نجمتي المؤتلقة في ليل التيه 

فيبدو أن الشاعريعلم جيدا وظيفة اللون وأثرها المهم في الخطاب الشعري فهو لم يأت بألوان محددة الا وهو على وعي تام باللوحة التي يرغب في تشكيلها في ذهن القارئ أربعة ألوان في مقطع واحد الأزرق والأخضر والأبيض وهي ألوان طبيعية باردة وتستخدم عادة لإظهار الهدوء لكن الشاعر ليس هادئا بل مشتت شارد في ليل التيه فاختار اللون الأصفر ليكون نجمته المؤتلقة لماذا؟ لأن الاصفر مرتبط بالنبات الجاف والمرض الذي يعتري الإنسان وما يصحبه من شحوب وهو يوحي بالضعف والانكسار والحزن وله أيضا دلالات أخرى ولكن اظن أن هذه الدلالات مناسبة لحالة الانكسار والحيرة والحزن التي يمر بها الشاعر في معظم نصوصه.

ذكر الشاعر في الديوان كل الألوان تقريبا وتأتي الألوان بدلالاتها أحيانا وعكس دلالاتها في معظم الأحيان وسأخذ الأبيض هنا كمثال فقد جاء خمس مرات في الديوان منها

أسوار بيضاء-حلكة بيضاء-رماح سلامكم بيضاء

وهنا أقول أن خرق قوانين السمات الدلالية للألوان يخرج استخدام اللون من معناه المعجمي أو المجازي إلى معنى مضاد تماما فالمعتاد أن اللون الأبيض يدل على النقاء الشرف الأصالة، لكن الشاعر استخدمه عكس ذلك تماما.

وقد أثرت مداخلات الحضور الندوة، الشاعر الدكتور صلاح الطاهر، الشاعر والكاتب محمود الديداموني، الأديب والناقد ياسر عبدالعليم، الشاعر والناقد حسام الكرار، الأديب والناقد أحمد عثمان الشاعر والمترجم /السيد النماس، الشاعر والناقد عصام الدين صقر، الشاعر هشام الصفتي، الشاعر أبانوب لويس، الكاتبة زهرة عاطف، الشاعر الدكتور علاء الدماصي، الكاتبة زينب عامر، القاص إبراهيم فريد، الشاعر عبدالمنعم محمد، الأستاذة نهلة، الأستاذة سمر، الأستاذة علا السعودي.


وفي ختام اللقاء قال الشاعر خليل الشرقاوي المحتفى به : أشكر كل  الحضور الأصدقاء والأساتذة والأدباء، وأوضح أنه أهدى هذا الديوان لروح الشاعر الراحل أحمد السلاموني لأنه أول من وجهه إلى قصيدة النثر ووضعه على طريق الشعر وكان مهتما بما يكتب رحمه الله رحمة واسعة، قكان انسانا خلوقا وشاعرا كبيرا،  

واشار خليل الشرقاوي إلى أن الشعر بالنسبة له لم يعد مشروع كتابة أو مشروعا شعريا فحسب بل أصبح مشروعا وجوديا له، لأنه قدم الكثير من التضحيات الاجتماعية والنفسية والعملية والعاطفية ولازال يقدم من أجل فقط أن يكتب وتمنى أن ما يكتب وما سيكتب يكون معادلا لهذا وقال "أنا ليس لدي شيء حي لأتركه سوى هذه الكلمة" 

عقل وقلب ومشاعر أنثى في ربع قرن




بقلم: زياد جيوسي


   جنان رزمك شابة ذات روح ألقة ومحلقة، احتفت ببلوغها ربع قرن من العمر بكتاب جميل وحروف محلقة في أعماق الروح فكان مولودها الأول "ربع قرن" والذي عرفت عليه أنه "نصوص نثرية"، والكتاب من القطع المتوسط بعدد صفحات بلغت 108 صفحة، ومجموعة نصوص بعناوين مختلفة بدون ترقيم ولا فهرسة، وقد احصيتها فوجدتها 41 نصا بدون المقدمة والخاتمة، ولو وضعت العنوان لكل نص في أعلاه وليس في صفحة منفردة لكانت صفحات الكتاب انخفضت الى أكثر من النصف بقليل، وآخر خمسة نصوص كانت تحت بند "قصص قصيرة"، والكتاب الذي صدر عن جفرا ناشرون وموزعون في عمَّان ودار الدندشي في كندا عام 2023 م تألق بغلاف أسود وأبيض لفتاة تمد يدها لتلتقط صورة من خمسة صور معلقة على حبل غسيل، والغلاف الأخير عبارات من الكاتبة تعرف بها على الكتاب وتؤكد فيها أنها تكتب مشاعر أنثى وربع قرن، واهداء فيه تحدٍ لكل من راهن عليها بالفشل ومقدمة تفتخر فيها بنفسها وقلمها وطريقة كتابتها.

دوما في النصوص العابرة للتجنيس والتي تأخذ التعريف العام مثل النصوص النثرية والترنيمات والخواطر، نجد نصوص تركز كثيرا على جمال الحرف والعبارات المنمقة ولكنها تبعد النصوص عن النقد الذي له قواعده في الشعر وأساليب السرد كما الرواية والقصة، وهذا يدفعني للسؤال: ماذا أرادت جنان رزمك أن توصله إلى روح القارئ؟ وهذا ما سأحاول الولوج إليه في هذه العجالة، حيث سأحاول التقاط ما وراء السطور للوصول إلى "الكثير الذي قد لا يترجمه القلم" كما تقول على صفحة الغلاف الأخير، ومحاولا أن أتجاوز ما قالته في المقدمة: "ربما لا أكتب بتلك الطريقة.. الطريقة التي تجعل الأدباء والعلماء يتدبرون شيفرة أحرفي"، مع تحفظي على استخدام كلمة "علماء" الذين دورهم في العلوم وليس في الأدب.

ومن خلال التنقل بين نصوص الكتاب نجد أن الكاتبة قد ركزت ما تكتبه في محورين هما العقل والقلب وهذا ما سنراه بجولة في الكتاب:

العقل: حيث تؤكد الكاتبة على التفكير العقلي والابتعاد عن الانجرار العاطفي، كما في نصها الأول "يقظة" حيث تقول: "العقل يحرك ميزان الشرائع"، وتؤكد على استخدام العقل في القرار في نص "لهيب الصيف" بقولها: "ماذا وإن ودعنا مع بداية هذه الصيف كل ذكرى يتخللها الشكوك؟"، وفي نصها "سر جمالها" وهو على لسان ذكر تقول: "لقد خسرتها، لأنكَ لم تفهم بعد سر جمالها"، فهذا الفهم يحتاج العقل وليس العواطف كما تقول في نفس النص: "تركتَ قلبكَ يسكن بجوارها ومن ثم ذهبت"، ونرى نص "لأنها هي" أيضا على لسان ذكر يؤكد ضمن تفكير عقلي: "لأنها هي تستحق كل ذلك، للوصول إليها.."،  وفي نص "اشتقت اليكَ" تؤكد على العقل بقولها: "لو كنت فطن البديهة لرأيت اسمكَ بين حروفي"، وفي نص "مع سبق الاصرار" نجد دور العقل في النص حيث تتسائل: "ما هذا الزمن الأغبر الذي قد وصلنا اليه؟".

وتستمر في التفكير العقلي ونراها في نص "لو أن للعمر وطنا" تطرح مجموعة من الخيارات العقلية كانت ستختارها لو كان للعمر وطنا، ونفس التفكير في نص "مقصلة الوقت"، وكذلك التفكير العقلي في نص "في محطة الانتظار"، وفي نص "يا ليل" الذي تنهيه بعبارة: "تأملت الماضي فوجدت بأن للنسيان نعمة"، وتواصل العقلانية في نصوص أخرى منها "فاتورة مدفوعة مقدما" وفي نص "طفلة متمردة" ونص "نسائم يناير" ونص "تأتي الحياة بما لا نشتهيه" ، وأيضا نص"لماذا" ونص "لم أدّعِ المثالية" ونص "أقنعة مزيفة" ونص "لا ذنب لهم" وهو نص يتحدث عن الفقراء تحت الخيام فتقول فيه: "تتكرر المأساة مع كل ولادة.. وكل ذنبهم أنهم ولدوا في هذه البقعة من العالم"، وفي نص "لاجئ على حدود الوطن" كانت أقرب للوطن السليب، وكذلك في نص "حق العودة".

القلب: والكاتبة تحلق في فضاء الحب بمفهومه الواعي وليس الذي يغلف الشهوانية بالحب أو المحدد بين ذكر وأنثى، وفي نصها "انبلاج الحب" تقول: "الحب الذي يجعلنا خلاقين للكثير من الجماليات" وتقول في نفس النص أيضا: "دائما ما كان لإنبلاج الحب أثر يمنحنا النور"، وتقول أيضا في نفس النص: "مفهومنا له ليس فقط بانحصار علاقة بين ذكر وأنثى، بل هو ما يجعل بصيرتنا أكثر نضجا لقبول الحياة"، وهكذا كان محور الحب لدى الكاتبة جنان رزمك في النصوص قائما على الأفق الواسع والانساني والروحاني، حيث نجدها تقول في نصها "نظير الروح": أنا لا أخشى من يعشق بالروح، لأن هذا السر السماوي مقدس، لا يدركه إلا كل متيم"، والآخر الذي يسكن القلب هو: "الحقيقة الثابتة في قلبي" كما تقول الكاتبة في نصها "الحقيقة الثابتة" وتنهي النص بالقول: "هذا الشتاء بارد جدا.. لأنه يفتقدك".

القلب يتنقل في أرجاء الكتاب، والحب يواصل الإنثيال،  حيث نرى في نص "قِبلةُ قلمي" قولها مخاطبة الآخر: "أنتَ من رويت ظمأ قلمي ومددته بالأمان المطلق"، وإن كنت أرى أن استخدام كلمة "المطلق" في هذا الموضوع خطأ، فلا يوجد مطلق بالسلوك الانساني، ولو قالت "الكبير" لكان المعنى أصوب وأصح، وفي نصها "طفلة بداخلي" تؤكد على الحب المتسع الأفاق بقولها: "إن الحياة ستفتح ذراعيها لي بقدر الحب الذي أحمله"، ويتكرر الحب في نص "مطر وحرب" ، فتقول في نصها وهي تخاطب الآخر وهو بين مدافع الحرب: "لكل الناس أوطان، لكن وطني الحقيقي يكمن بين ضلعيك"، وفي نص "تحت سماء واحدة" تقول: "بإسم الحب نكتب.. يا حبيبي، يكفينا أماناً أننا تحت سماء واحدة"، وفي نص "كفاك يا قلب" تقول: "كفاك يا قلب.. كفاك من التعب"، بينما في نص "المعزوفة الكاذبة" تخاطب الآخر بالقول: "لست آسفة عليك" فهي ترفض أن تغفر، وكذلك تواصل همسات القلب في نص "تنهيدة" وفي نص "جحافل الأيام" ونص "لن أعود" ونص "ما أحمقني على هذا التمسك"، بينما في نصها "إلى معلمتي الاولى" تحاول أن تعطي الأم بعض من حقها، وفي نص "الحضن الدافئ" تشير للأمان في حضن الأب.

وهكذا في تجوالي مع مؤلفة الكتاب وجدت نفسي في نصوص جميلة تتراوح بين جمال العبارات والكلمات، وإن كانت الكاتبة تركز على الشكل الجمالي باختيار الكلمات أكثر من التركيز على المحتوى للنصوص بحيث تحول بعضها وأجزاء من غيرها إلى زخرف من القول، والتركيز في الحديث عن الحب بمفهومه الشامل، والاشارة مباشرة أو بشكل غير مباشر للعقل ودوره في الحياة، وإن كان مفهوم الحب يأخذ منها مساحات أكبر والقلب تعتمد عليه كثيرا فيتكرر الحب في النصوص المختلفة، لكن أجد من الضرورة الاشارة إلى نص "ربع قرن" والذي منح الكتاب اسمه، وهذا النص كان يصلح أن يكون تقديم للكتاب من الكاتبة، مع ملاحظة أن الكاتبة تشير أنها تكتب من ربع قرن كما في عبارات وردت بالنص: "ربع قرن أناجي فيها وجع أمة تبكي بلا صدى"، "ربع قرن أرفع معها صوت الحق ولا أخشى"، "ربع قرن أشرح فيها معنى الحب والهوى"، وهنا نجد مسألة لغوية تقول: "يقول الكل ويقصد الجزء" وهي قد بلغت من العمر ربع قرن وبالتأكيد أنها تقصد آخر سنوات من عمرها الذي عاشته قبل صدور الكتاب، مع ملاحظة أن الكتاب أقرب للوجدانيات العاطفية منه إلى مخاطبة "وجع أمة تبكي بلا صدى"، ورفع "صوت الحق"، فالوطن حظي على نصوص ثلاثة في الكتاب فقط..

أما آخر خمسة نصوص والتي صنفتها الكاتبة بأنها قصص قصيرة، فهي أقرب للخاطرة الجميلة المطولة من القصة، فالقصة القصيرة لها مواصفات وقواعد خاصة افتقدتها هذه النصوص، ومن أهم القواعد أن القصة القصيرة هي سرد نثري قصير يقدم بالعادة حدث محدد بشخصية واحدة في الغالب أو عدة شخصيات تلتقي في الزمان والمكان لتقدم حدث معين وتتحدث عنه، وهذا ما افتقده النص الأول "صدى الحكاية" وكذلك النص الثاني "ملحمة الحب" والتي استخدمت الكاتبة فيه كلمة "برواز" وهي كلمة فارسية والأجدر كان أن تستخدم كلمة "إطار" العربية، ونجد أن نص "حتى الأبد" كان حوارية بين هو وهي وليس قصة، ونص "رسالة بدون عنوان" لو اشتغلت عليه الكاتبة أكثر لكان قصة قصيرة، بينما النص الأخير "قلبي الذي ما عاد معي" حمل الكثير من سمات القصة القصيرة.

وفي النهاية لا أخفي تمتعي بقراءة الكتاب، وبغض النظر عن بعض الهنات التي أشرت لها، يبقى مستوى الكتاب جيد وخاصة أنه المولود الأول للكاتبة التي ما زالت في بداية شبابها ومسيرتها في الكتابة، وأهمس للكاتبة بعبارتها الأخيرة التي كانت خاتمة الكتاب: "رحلة الحياة ما هي الا وجه آخر للكتابة".

بطولة المكان في على شرفة حيفا



الناقد: أ. عمر عبد الرحمن نمر

على شرفة حيفا، للكاتب المحامي حسن عبادي، مجموعة قصصية من 38 نصاً في 106 صفحات من القطع المتوسط، تضمنت الإهداء، والشكر والتقدير، والفهرس... صدرت الطبعة الأولى عن جسور ثقافية للنشر والتوزيع، الأردن، عمان، 2023م. كأنها مقدمة...

في التحليل الروائي، جرت العادة النقدية اعتبار المكان أحد الركائز الأساسية التي يتكئ عليها العمل الحكائي... فلا يقوم العمل ولا يكتمل إلا بزمكانية تفرضها الأحداث والشخوص، فالمكان هو البوتقة، التي تتفاعل فيها الأحداث والشخوص والرؤى في الزمان، وينتج عن هذه المعطيات النواتج الحكائية التي تنساب بتلقائية لتخاطب الرأي والوعي...

اللافت للنظر، أن المكان يأخذ أبعاداً أخرى في المجموعة القصصية " على شرفة حيفا " ويتوسع ويتمرد على بعده الفيزيائي، ويتعملق لأخذ دور بطولي في النصوص... وذلك من خلال علاقته الجدلية بالشخوص، وما يتركه من أثر في ممارساتها وتفاعلاتها، بما يمتلكه من طاقة للتحوير والتعديل والتغيير، فالمتأمل في الشرفة، يرى هذه العلاقة جلية، فالمكان يعكس أحوال الشخصيات، وكذلك فإن منظور الشخصية ترسم الفضاء المكاني الملائم، فهما  متلازمتان يؤسسان الحدث السردي، ويرسمان الرسالة التي يهدف إليها. 

وعند النظر إلى المكان، نأخذ أبعاده الجغرافية، والاجتماعية والاقتصادية، والنفسية، وهذه هي المؤثرات  التي تولد الشخصية الحكائية، وتفاعلها، وتطورها، وتجعلنا نجيب عن أسئلة الحكاية: لماذا؟ وكيف؟ حيث إن المكان يصور حالة ساكنيه بملاءمتهم له، كما يدلل على أوضاعهم الاجتماعية، وبالتالي يقرر الأدوار التي يلعبونها في المسرح الحكائي.

ومن السهل بمكان، تلمس بطولة المكان في المجموعة القصصية، ورؤية مشهد الأحداث في أمكنتها ودلالاتها الأيديولوجية، وهذه الرؤية انبثقت من مركزية الحنين للأرض، والنزعة النوستالوجية للحياة فيها، ومما وثق هذه الرؤية وعززها واقع هذه الأرض المحتلة، المهجر أهلها وطيرها وحكاياتها... 

كأنها البداية...

في القصة الأولى في المجموعة " ربيان ع البز الرفيع " في عتبتها نرى البطل قد انتسب إلى المكان " خضر الجليليّ " ابن الجليل، والجليل حصنه الحامي، وحارسه الأمين، وتدور القصة في حلقتين متضادتين وكأنهما تخلقان صراعاً متوازناً يخلخل قيم الشخصية، ولكل حلقة مكانها، فخضر في بلاد التشيك يعتمد على ذاته ويقوم بعمل ما يلزمه، وهذه إفرازات المكان وثقافته، بينما يتنصل من هذه العادة، ويعود إلى اتكاليته عندما يعود إلى الجليل... حيث يعتبر العمل البيتي للرجل منقصة في حقه، والرجولة هي العنوان... ببساطة يمكننا رؤية الطاقة التي يشعها المكان في الحالتين... ويمكننا كذلك ملاحظة مدى التغيير أو التحوير أو التعديل في ممارسة الشخصية تبعاً لذلك... 

وفي السياق نفسه، يتزوج ماجد في قصة " من دار مين العروس " يتزوج أثناء دراسته فتاة أجنبية، بتلقائية ودون السؤال عنها، أو عن أصلها... ولو فعل العكس لنبذه المكان، لأنه يخالف ثقافته وإفرازاته، وعند عودة ماجد إلى بلده، يعود للتقوى والإيمان، ويعيد زواجه على سنة الله ورسوله، ويسأل المدعوون " من دار مين العروس وهنا نلاحظ بسهولة" عندما يتغير المكان، تتغير السلوكات... وتتغير الثقافة والعادات... وكأن لكل مكان لباسه يفرضه على ساكنيه.

وفي زواج راضي أثناء دراسته، في "زوج الست " وجدنا زوجته تخرج من المكان القروي المحافظ، إلى آخر يلائمها في المدينة القريبة، لتمارس سهراتها ودعارتها فيها... ونجد كيف أن الطمبورية (الطمبورية) غيرت شكلها عندما سافرت إلى بلاد 

بعيدة... فتغير المكان تبعه تغير في الشكل، ويلازم تغير الشكل تغير في الممارسات والعادات واختلاف في القيم...

هذه مجموعة متشابهة من قصص المجموعة، يظهر فيها أثر المكان بشكل واضح، كما يظهر فيها السفر والهجرة إلى مكان آخر، وغالبا من أجل الدراسة، ونجد التغيير، في حين لا نرى أي أثر إيجابي أو سلبي تركته الدراسة.

المكان يوثق...

لا يخفى على أحد سيرورة العلاقة بين الفلسطيني وأرضه، وما تعالق في تلك السيرورة من عذابات، فمنذ أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، والشعب الفلسطيني يحارب المستعمرين الإنجليز، ومن ثم المستوطنين الصهاينة، وقد عانى شعبنا في نضالاته – وما زال - قسوة القتل والنفي والتشريد، ولعل نكبة ال 48 وقتل الفلسطيني واقتلاعه من أرضه، وتشريده في المنافي... وما تلا ذلك من نكبات ونكسات هي عناوين لا تخطئها عين، ولا ينساها عقل، وتظل صور المعاناة التي خلفتها في الوعي والوجدان، ومكتوبة بأحرف واضحة في التاريخ... 

وما زال الفلسطيني يحمل مفتاح العودة، ويحدث أبناءه وأحفاده عن الأرض المسروقة... وما زال يتشبث بحكايات الوطن المنهوب، وبحلم بالعودة إليه... 

من هنا كان بروز الأرض – المكان – في هذه المجموعة القصصية، شاهداً على الأحداث، مصوّراً غول نهب الأرض ومصادرتها، وفي الوقت ذاته، موثّقاً لنضالات الفلسطيني وتمسكه بأرضه، والشهادة في سبيلها... فيطل المكان علينا ليس لتجسيد الفضاء الروائي، بقدر ما هو قوامة الحكاية وأساسها الأصيل، وكاتباً تاريخياً يوثق الحدث وممارسة الشخصية للحدث، ومدّه بالطاقة اللازمة لمكونات الحكاية الأخرى... 

عنوان العتبة الأولى للمجموعة " على شرفة حيفا " والعنوان تصويري، وكأن السارد كلي المعرفة، يرى من شرفة حيفا المرتفعة ( من الهدار) مثلاً، يرى أمكنة تمسرح ممارسات الشخوص وأفعالهم، يراهم ويقص لنا ما يشاهده، وحيفا تستحق أن يكون لها مركزية في النصوص، فهي من عرائس البحر، وفيها قوى الإنتاج، وقوى الجمال التاريخية والفنية، فيها تجمّع العمال والفنانون والسائحون من أنحاء العالم، وفرقت جمعهم النكبة، شردتهم وشردت حتى أهل البلاد الأصليين، ليحل الغرباء وشذاذ الآفاق محلهم... " يجلس السارد مساء على شرفة بيته المطل على خليج حيفا وبحرها، في ليلة مقمرة، يستمع لفيروز، ويبحر مع النجوم سارحاً... " العتبة مكانية، منها بدت البيئة السردية، لها إطلالة على البحر، وخليج حيفا، في ليلة بدرية، وصوت فيروز الشاعري يشنف الآذان، ومجمل الصورة تداعب الأحلام وتسرح معها... السؤال: ماذا يرى السارد؟ وعمن يقص؟ وكيف يبدو المسرح/ المكان أمام ناظريه؟ 

يقول السارد، ويطل المكان " كان حسين مزارعاً ميسور الحال في قرية الدامون، يتجول على حنطوره في عكا ويافا، يبيع بضائعه البسيطة، ويوم طلبة العروس حصلت النكبة، وهُجّر إلى سوريا... وعانى ما عانى من التشريد والنفي والقهر والحرمان... أخذ القرار، وعاد سراُ إلى الدامون في عشرة أيام مرعبة... وجدها مدمرة، غادر إلى شفا عمرو، وعاش بين المقابر، سمعه تاجر متجوّل من كفر يا سيف، ينادي: بهجة... بهجة... وبهجة هي شقة بطنه من كفر ياسيف... " الوطن غالي يا بهجة" ... الدامون هي المعادل الموضوعي المكاني لحسين... كانت في أحسن حال، عندما كان ميسور الحال... وبدت النكبة الشرارة التي شوهت الشخصية جسدياً ونفسياً... وفي الخط الموازي لاءمت تدمير البلدة... وكأن الشخصية تدربت على هجرة المكان، فهجرت داخلياً إلى شفا عمرو... تبحث عن بهجة، المخلّص في كفر ياسيف... وهنا تنشد الشخصية الثبات في المكان... وتطل كفر ياسيف وبهجة كأنهما الخلاص من المعاناة... ويحفل الفضاء الحكائي بالمدن المسروقة، فيرسم خارطة للمكان، خارطة تتمرد على النسيان، وتظهر فيها عكا، ويافا، وشفا عمرو، وكفر ياسيف، والدامون التي هي أصل الحكاية...

والهجرة من الأرض، أو قل التهجير والتشريد منها هي بمثابة فصل الذات عن الذات، وهي محاولة لعملية نسيان إجباري للمكان، وتزخر القصص بأشكال من التهجير المختلفة إلى منافي مختلفة، وعندما يتغير المكان، يصارع المنفي لبقائه في وعيه ووجدانه، فترى القصة تركز على ذكره وتحديده للمكان، حتى لا يمحى من الذاكرة، كان ذلك في قصة "مش رايحة أوصيكم" حيث هُجّرت الحجة عفيفة من قريتها البروة، وقتلت أسرتها في ترشيحا، وساعدها أهل مجد الكروم في الإقامة في بلدتهم... وفي السياق نفسه تهجرت إيمان إلى أن وصلت صقيع السويد في قصة " وصل وإلا بعده" ... وارتبطت روحياً ببلدها من خلال خبزها لمناقيش الزعتر... 

وهناك صورة أخرى من صور التهجير، وهي النفي الداخلي – إن دقّ التعبير- حيث يجبر الفلسطيني على ترك أرضه، وتصادر هذه الأرض، وتتحول إلى أصحاب لصوص غرباء، ويضطر الفلسطيني بالعمل فيها لسد قوته وقوت عياله، في " ريحة الجوز ولا عدمه " عريفة تعمل في الكبّانية والمستوطنات لتعيل صغارها، تعمل في كروم، كانت ذات يوم لعائلتها..." إنه الاغتراب الحقيقي، والذي يعمل على تشويه روح الإنسان، حيث يعمل الفرد في أرض كانت له يوماً... وها هي اليوم يمتلكها عدو غاصب... ويجد الفلسطيني نفسه غريباً في أرضه، لأن المجتمع حوله قد تغير، في "البحث عن فاطمة" يلتحق حسين بالجامعة العبرية في القدس، ويعمل غوي شبات" في شارع" راحيل أمينو" وهنا يتذكر حسين ما ألم به وبقومه وبالمكان الذي ألفه، فيزيح هذا  البديل المسخ ويذكر المباني والأشجار في القطمون... 

وفي " هايْ عليْ" " كان الحج علي من كبار تجار العنب في قرى الروحة، كان تاجراً معروفاً للعنب، في أم الشوف، وقنّير وخبيزة، وصبارين، يشتري العنب ويبيعه في سوق حيفا... طرد الحج علي من أرضه، وصودرت أرضه، واضطر أن يستأجر سرباً من العنب من المستولي الجديد عليها... لاحظ أن القصة رسمت المكان، في خريطة تفاعل فيها الحج علي " الروحة، أم الشوف، قنير، خبيزة، صبارين، حيفا... 

وعندما وصلت سمية قريتها إجزم، في "ريحة الحبايب" وجدت محاولة محو المعالم، خراب القلعة، والمسجد وقد هدم، وخراب معاصر الزيتون، ومكتب البريد... لقد تحول المكان من العمار إلى الخراب... تذكرت سمية البساتين والينابيع الحيّة والتي كانت تطل على أم الزينات، ودالية الكرمل، وعين حوض، والمزار، وجبع، وعين غزال... خارطة رسمتها سمية في وعيها ترسخ المكان...  وفي قصة "عبد تلتليم" يضطر عبد للهجرة من قريته الجليلية الوادعة، ليسكن في حيفا، بعد مصادرة أراضي العائلة، وموت الوالد حسرة على ما فقد، يزور عبد بلدته التي هجر منها بين الحين والآخر، وفي كل مرة يحزن وهو يتذكر طفولته ومعاهد صباه، وكثيرون هم من اضطر للعمل في الكبّانيات والمستوطنات التي أقيمت على أراضيهم، " فأبو جمال يعمل في البيارات التي زرعها أجداده  في الكبّانية المجاورة في قصة " ايدو واصلة" وأبو وديع يحضر فرسه ويعمل في الكبانية في " هواة الغشيم بتقتل" 

ثنائية... لا بد منها:

تتحدث القصص عن واقع معاش، بلغة سهلة واضحة، تصور سلب الأرض وخيراتها، والتحسر على خسارة المكان، ويشتق السارد كلي المعرفة، من هذا الواقع لوحتان متضادتان:

الأولى حركة الأرض: باعتبارها حركة ناضلت لاسترداد الحق المسلوب، ودفع شبابها  الغالي والنفيس، من استشهاد وسجن ونفي... في قصة " صبار في اللجون" نقرأ " كان مجد في طريقه من حيفا إلى الروحة، للمشاركة في جنازة رفيق دربه المحامي محمد، والذي توفي في جلطة خلال حرثه لأرضه التي ورثها عن أجداده، كان المرحوم ناشطاً في حركة الأرض، ثم حركة أبناء البلد..." قدمت هذه اللوحة، خريطة مكانية لسير مجد، كما قدمت سبب رحلة مجد من حيفا إلى الروحة، وتعلن بكل صراحة" محمد المحامي يعمل في فلاحة أرضه، التي ورثها عن أجداده، وينافح في الدفاع عنها ويعض عليها بالنواجذ من خلال حركة الأرض، والتي أصبحت حركة أبناء البلد فيما بعد... يا لها من ميزة تظهرها هذه القصص، تلك المتمثلة في تجسيدها لمعاناة أهلنا في المنطقة المحتلة سنة 1948، وفي نضالاتهم من أجل استرداد حقوقهم... ويظهر هذا التمسك بالأرض في قصة " هذي الأرض إلها اصحابها" حيث يرفض والد سامي رفضاً قاطعاً بيع أرضه والتنازل عنها مقابل حفنة من المال، كي يتمكن الدكتور سامي من شراء سيارة... وفي قصة " مش رايحة أوصيكم" رمزية لهذا التمسك حيث وجد الأطباء في معدة الأم المهاجرة الحجة عفيفة مفتاح العودة ... على ذمة ابنها آدم الذي شهد الحدث... 

أما اللوحة الثانية: فهي لوحة تلوث تاريخ أصحابها بسبب عمالتهم للمحتل، وتواطئهم معه، ومساعدته في تسريب الأرض له، ومن بدهيات الطبيعة ظهور هذه الشخوص الملوثة، وتعاظم نشاطها في عالم يحتله الأشرار وأعداء الشعوب. في قصة " ردّني إلى بلادي " يهاجر العميل يونس العسقلاني إلى الخليل وينضم إلى روابط القرى هناك برئاسة العميل مصطفى دودين... وفي قصة "بدي أقدر عصاتي " يطلع علينا العميل مصلح، الذي يعمل في الكبّانية، ويعمل على تسريب الأراضي وبيعها للمغتصبين. 

وترفض هدى الارتباط بالشاب الذي أحبته في جامعة حيفا، عندما رأت بالصدفة أنه يحمل مسدس خيانة، قبل أن يوقع عقد قرانه، في قصة " حط من طينة بلادك". 

سالم... دوف...

استوقفتني طويلاً قصة" أريد منك ولداً" وملخص الحكاية، يدخل الشاب الوسيم طارق السجن، تحبه السجّانة العانس تاليا، وترتب له الليالي الملاح في السجن، وتصارحه بأنها تريد أن تنجب منه... ودارت الأيام وأنجبت تاليا من طارق طفلاً يشبه والده شكلاً، وغابت تاليا... عندما أنجبت سالماً الذي ورث المهنة عن أمه وصار سجّاناً... سجاناً يكره العرب كرهاً شديداً، ويلتذ بتعذيبهم... هذه الحكاية تذكرنا ب(دوف) في رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا" دوف الصبي الفلسطيني الذي نسيته عائلته في البيت، وهاجرت... وعادت بعد سنين لتراه جندياً يقاتل مع المحتلين سارقي الأرض.

من قرأ رواية "عائد إلى حيفا" ومر على قضية " دوف" تخيل ذلك من ضرب الخيال الروائي، ولكن قصة العبادي في شرفة حيفا، تثبت واقعية دوف، وتحول الخيال في المكان الفلسطيني إلى واقع...

كأنها الخاتمة...

قصص رغم صور البؤس التي تنمّ عنه، وحالات الشقاء التي توثقها، رغم كل هذا إلا أنها شيقة جذابة، تسد فراغاً في المكتبة العربية، لأنها نبعت من بيئة الفلسطيني البائسة، وأرضه المسروقة، فشكلت هذه القصص قاموساً يحفل بمصطلحات الكدّ والشقاء والنفي والتشريد... قصص تحدثت عن أناس بسطاء مقهورين، يعيشون في بيئة فلاحية على الأغلب، يرحلون باحثين عن لقمة العيش بعد مصادرة أراضيهم، وسرقة خيراتها، يعملون بالأجرة في بياراتهم المسروقة وأراضيهم... في الكبّانيات، يعملون خدماً في الجامعة العبرية وجامعة حيفا، و(غوي شبات) في القدس... وتركز هذه الحكايات على المكان أيّما تركيز، لتسند إليه دور البطولة في رأيي المتواضع... فترسم الخرائط وتعين الأمكنة، وتحدد مسار السفر... حتى أنها تبرز أحيانا المنافي، وتذكرها بالاسم، ففي "أم فراس" تهاجر العائلة إلى فرنسا، وإلى أمريكا في" من دار مين العروس" وإلى السويد تهاجر إيمان... أما في "جوز الست"، فالهجرة إلى خارج البلاد، وفي الطمبورية إلى بلاد بعيدة، وتحفل القصص بالعلم والتعليم، وكأنه سلاح تعويضي عن خسارة الأرض، فماجد يسافر إلى أمريكا للدراسة، وراضي درس خارج البلاد، وسامي في ألمانيا، بينما درس خضر الجليليّ في بلاد التشيك...

بلغة بسيطة أقرب إلى لغة الشارع، لكنها ليست عامية، وبأسلوب سهل يسرد الواقع كما هو، دون بهارات لغوية أو أسلوبية، جاء السارد ليحكي لنا قصصهم وقصصهن... وحفلت القصص بالأمثال الشعبية، مثل" من ايدو لثمو... ع المسبحة... الخالق الناطق... حط من طينة بلادة ع خدادك... ريحة الحبايب... ريحة الجوز ولا عدمه... ايدو واصلة، هواة الغشيم بتقتل... هذي الأرض إلها اصحابها... ربيان ع البز الرفيع... 

وبعد، أقدم التهاني والتبريكات للأستاذ حسن على هذا الإنجاز الرائع... وألف مبارك...



قراءة نقدية ل: جورج عازار بعنوان: لون اليأس وطعم الخيبة والخذلان في ديوان "ويقول لها" للدكتور عاطف الدرابسة


في عنوان المجموعة الشعرية "ويقول لها" بوح وإقرار، وفيما يشبه الاعترافات تتوالى قصائد الشَّاعر الدكتور عاطف الدرابسة، وفي أولى القصائد "كرسي برجل واحدة" والتي تُذكرُنا بقصيدةِ الشَّاعر الكبير الرَّاحل "نزار قباني" وهي "السيرة الذاتية لسيافٍ عربي" تناصٌ واضحٌ، حيث يعلن فيها الشَّاعر الدَّرابسة:

أنا الملكُ الحاكم بأمر الشيطانِ

أُعلنُ الحربَ متى أشاء

أُعلنُ الحب متى أشاء

كذلك انا 

أفعلُ بالرَّعيةِ ما أشاء

وفي موضعٍ أخر نجدُ بأنَّ هذا الحاكم مراوغ مُحتالٌ يقول عن نفسه:

هكذا أنا كرسيٌ برجلٍ واحدةٍ

لا أجيد إلا لغة الَّلفِ

 والدَّوران

- ونكتشف بأنَّ كُلَّ أفعاله العظيمة التي فعلها، ماهي سوى سرابٌ، فلا هو من يكتب على الماء، ولا هو من يطفئُ البرقَ، ويُخرسُ الرَّعدَ، ويروضُ السَّحابَ، أو يَسجنُ الهواءَ، فما هو سوى مريضٌ بجنونِ العظمة يسعى وراء السَّرابِ. هذه هي الشخصية التي يرسمُها الشَّاعر لذلك الحاكم، وإذا ما أردنا أن نفكرَ فيما بين السُّطور لنصلَ إلى المُضمرِ من مقاصده، نكتشفُ ذلك في تَوالي المعاني:

فهذا الكرسي من حجرٍ

وأنا يا ألهة العربِ ملكٌ

يحكمُ منذ الأزلِ

دولةَ المقابرِ

الرعيةُ أمواتٌ

والأمواتُ هم يا سيدتي سكانُ القصورِ

والقصورُ مقابرٌ

وهكذا تصبحُ الاسقاطات السياسية في قصيدته أمراً لا مفر منه، ويصبحُ موضوعُ التَّناصِ مع قصيدةِ نزار قباني في قصيدتِه "السيرة الذاتية لسيافٍ عربي" أمراً واضحاً وجلياً لا مفرَ منه.

وفي قصيدته الثَّانية "الهدنة" تناصٌ من لونٍ آخر، ومع أيةٍ قرآنيةٍ هذه المرَّة، حيث يرتلُ لنا سورةَ الفاجعةِ:

هل تسمحون أن أرتل عليكم سورة الفاجعة؟

الهاوية

وما أدراكم ما الهاوية؟

كُلُّ المنازلِ خاوية

لا عروشٌ فيها ولا خابية

 والقصيدة في المضمون تدور حول الحرب الهمجية في غزة، والتي تأتي على الأخضر واليابس، فيتحدث عن المجازر التي لا تنتهي إلا بهدنةٍ صُوريةٍ، لا تكفي سوى لالتقاط الأنفاسِ ولسماعِ حشرجاتِ من يحتضر بلا شفقةٍ:

غزَّة 

كُلّ الأماكن حزينةٌ 

كلُّ الأماكن موحشةٌ

أسمعُ صوتَ الجوعِ

أرى الجثثَ تسلكُ الطريقَ الممنوعِ

وأرى المساجد والكنائس بلا صلواتٍ

ولا دعاء 

تُصيبه غزَّة بالحزن وهي تحترقُ والبطلُ متوارٍ خلف السِّتار، تُبكيه رائِحةُ شِواء الُّلحوم الطَّرية، وما في الطريق سوى نائحات وشهقات، وقصفٌ لا يتقن الصَّمت أبداً، وكلّ العيونِ تحدِّق في الجانب الآخرالبعيد، والأذان صَمَّاء، في زمنٍ لا يُشبه كل الأزمان. 

ويستمر طعمُ الحنظلِ في كأسه، يتجرعُ مرارتَه، يعرضُ علينا تفاصيلَ الكابوسِ الَّذي ألَّم به فما عاد يعلمُ إن كان حياً او ميتاً مسلوب الذَّاكرة أم مازال يتذكر:

كنت قد فقدت ذاكرتي

أحاول أن أسترجع صوراً من اليوم

فلم أجد صورة واحدة 

تذكرني أنني كنت على قيدِ الحياة

هذا اليوم..

 ولا يلبثُ أن ينتهي الكابوسُ بتساؤلِ الحِيرة: إن كان العظماء والأساطير في العالم، ما استطاعوا تغيير شروط الُّلعبة، فكيف سيكون بمقدوره وهو البائس المسكين أن يغيِّرَ معالمَ هذا الزَّمن الرديء:

فكلُّ هذا وكلُّ هؤلاء

لم يُخلِّصوا العالم الموبوء من كلِّ هذا الوباءِ

فكيف لي أن أنجو من موائد الوحوشِ

هو اليأسُ يرتِّب له أفكارَه، ويجعلُه يرفضُ كل شيءٍ، حتَّى نِعمةَ النَّارِ الَّتي جاء بها "بروموثيوس" ومَنحها للإنسانِ كي يتدفَّأ بها، ويطردُ الحيواناتِ المُفترسة عن مسكنه، وقبل هذا وذاك كي يطهو بها طعامَه، ولكن أيّ طعامٍ لفقيرٍ؟، وأي مذاقٍ لمسكينٍ؟، والنَّارُ ما عادت كما أرادها "بروموثيوس" نعمةً للإنسان الّذي صيَّرها بشروره أداةَ قتلٍ وفناءٍ ودمارٍ، ولذا يعاتب الشَّاعر بروموثيوس قائلاً:

بروموثيوس: ليتك ما سرقت النَّار..

أرجوك أخرج من الموقد

لقد هيأتُ لك سريراً لتقيمَ في الفُرنِ

فقد حكمتْ عليك الآلهة أن تبقى سجيناً إلى الأبدِ

وأن يبقى فرنَ الشِّواءِ مُغلقاً

الفقيرُ يموتُ إذا استنشقَ رائحةَ اللحم المشوي

الفقيرُ يموتُ إذا استنشقَ رائحةَ الرَّغيفِ

- يَتسلَّلُ اليأسُ رويداً رويداً إلى كلِّ ما يراه ويحسُّ به، وكأنَّه عدوى وباءٍ ينتشرُ من غير رحمةٍ، إلى كلِّ مناحي الحياة، و حتّى المرأة التي من المُفترض أن يراها عوناً له على نكبات الزَّمان، ما عاد يطمئِنُ إليها، فقد صار عسيراً عليه فهمها، فيجدها متقلبةَ الأطوارِ مثل الطَّبيعة، حزنٌ وفرحٌ، قُربٌ وبُعادٌ، ثورةٌ و نسيمٌ ضَّحِكٌ وبكاءٌ، فيحتارُ في أمرها:

قلتُ لكِ إنني لا أجيدُ قراءةَ النِّساء

أنتِ والطبيعةُ وجهان لأحلامي:

متقلبةٌ، متحولةٌ، متناقضةٌ

كريمةٌ حيناً وبخيلةٌ أحياناً

أنتِ والطبيعةُ 

وجهانٌ متناقضانِ للُغتي

أنت كالطبيعة امرأةٌ متناقضةٌ

مرةً تهبيني طينَ الجداول فأختنقُ

ومرةُ تهبيني ماءَ الأنهارِ فأرتوي

وعندما يستعصي عليه لونَ الحبورِ، يُحاولُ الُّلجوءَ إلى الحُلمِ كي يكون مُنقذاً له في طَوفان الكونِ المُمتَدِّ إلى أعماقه، فيرى فيه حبلَ الخلاصِ وبوَّابته إلى عالم آخر، فيخذله حتى الحُلمُ، ويتفاجأ بأنَّه هو الأخر متهالكٌ وعاجزٌ:

أحلامي كأنها جموعٌ من القصائد التي لا تجيدُ الإبحارَ

تسألُ عن موجٍ يحملُها

عن ريحٍ تحركُها

عن أشرعةٍ، فإذا كُلُّ الأشرعةِ مُمزقةٌ

وهكذا نجد أن حتَّى أحلامه لا تملكُ مجاديفَ في مركبه، ولا تقوى على الإبحار، يائس يتسرَّبُ الشَكُّ إلى حناياه كأنَّه يستبقُ الحدثَ قبل حدوثِه، فلا يأمنُ جانبَ العشقِ مخافةَ الخيانة:

لا تُلقِ نفسكَ

في نارِ الحبِّ

لا أريد أن أشُمَّ رائحةَ الخيانة

 وهي تحترقُ

وليس هذا فحسب، بل يمضي إلى أبعد من ذلك فهو لا ينتظرُ خيراً مطلقاً من علاقةِ عشقٍ، إنه شكٌ إلى حدودٍ لا يحدُّها حَد ٌ، فهو على ثقةٍ بأنَّ الخيانةَ أمرٌ مَحتمٌ وهي قادمةٌ لا محالة:

إياكَ أن تأمنَ إلى اِمرأةٍ شرقيةٍ

قلبُها مع واحدٍ

وعقلُها مهووسٌ بواحدٍ

ويدها في جيب واحدٍ

وعينُها على واحدٍ

ورغم كلّ هذا لا يجدُ مفراً من الُّلجوءِ إليها، مثلَ طِفلٍ تقسو عليه أمه، فيرتمي في حِجرها ويذرفُ الدُّموع َ لها ومنها.

وحينما يحاصرُه اليأسُ وتتكاثفُ غربانُ الشُّؤمِ حولَه، لا يجدُ مَفراً من الارتماءِ بين أحضانِ المرأة فهي رغم كُل شيءٍ تبقى الملاذَ له:

كم قلتُ لكِ يا حبيبة 

أنتِ العطر العابق في جسدي وأنفاسي

لا تَروي لهم

كيف تدقُ ساعةُ الحُبِّ في قلبي وفي روحي 

تاركةً على الشفتين قبلةَ الوداعِ

يضيءُ من زيتِها كل الوجودِ

وعندما يستكين إلى لمساتِها وقبلاتِها يصيرُ الكونُ بالنِّسبةِ له أشهى:

تعالي يا حبيبة

نرسمُ الكونَ في هذه الليلة بلونين: لونِ القمحِ ولونِ الَّليمونِ لنستعيدَ ذواكِرنا

ونسألُ الحقولَ عن الجذورِ

ولكنَّه حالما يستفيقُ من النَّشوةِ يراودُه الشكُّ مجدداً، فيطلبُ منها أن تتلفَ كلًّ وثائقِ الِّلقاء:

أشعلي النار في كأسِك وأحرقي أخر قبلةٍ وأخر حوارٍ

فأنا يا سيدتي بقايا رجلٍ في روايةٍ اسطوريةٍ 

وبقايا عاشقٍ في قصيدةٍ مكسورةَ الوزنِ والإيقاعِ

ورغم هذا تبقى المرأةُ بالنسبة له خشبةَ الخلاصِ التي يَنشدها في زَّمنِ العَتمةِ، رغم كُلّ تحفُّظاته وشَكوكه:

كأنَّك يدُ السَّماء على صدري 

ترسمُ لوحةَ الحياةِ على الضِّفافِ

من أين جاء كل هذا الحبّ

من أين خرج كل هذا الوجع 

وتصيرُ المرأةُ عنوانَ الحياة، بل عنوان كلّ ما في الكونِ ولون كُلّ الأشياء من الولادةِ وحتى المماتِ، والمماتُ ربَّما هو هجرٌ ورحيلٌ، ورُبَّما هو الرَّحيلُ الأكبر وهو ديمومةُ الغيابِ:

تأمَّل أيها النازِفُ صَمتَها

بيدٍ تحملُ فأساً وبيدٍ تحملُ كفناً

أطِل النظرَ اِصغِ إلى ندائِه سيأخذُك إلى هناك

حيث روحها والقبر

وبعد هذا هو عاطف الدَّرابسة، ناقدٌ صارمٌ، ورياحٌ عاصفةٌ عندما يقتضي الأمرُ، ولكنَّه شَاعرٌ رقيقٌ في الغزل، تصيرُ عواصِفُه نَسائمَ ربيعيةٍ مُنعشةٍ.

في داخله قلبُ طفلٍ في جسدِ شاعرٍ، يُخفي بين ظلالِ الصَّرامةِ عذوبةَ العاشقِ وهيامَ المُحبِ، يظنُّ من لا يفقهُ بمكنوناتِ النفسِ بأنَّه كارهٌ للمرأةِ، غير مدركٍ بأنَّ خيطاً رفيعاً، يفصل بين الحبِّ والكُرهِ، ربَّما المرءُ حينها يكرهُ المحبوبَ لكونه يعشقُه الى درجةٍ يصيرُ فيها البعادُ عنه عذاباً وعقاباً، لكونه صورة حقيقة لوجهي الحقيقة الحبّ والكُره.

عاطف الدَّرابسة الَّذي يجانِبهُ السُّرور، وتقلبُ له الدُّنيا ظهرَ المِجنِ، رغم تَوقِه إلى فُسحةِ فرحٍ، لكنَّ الحرائقَ تحجبُ أمامه فضاءات الضَّياء، ففي جحيمِ السَّوادِ لا طعم للحبورِ، حيث الصقيعُ يخمدُ الشَّمسَ هناك وتُفترسُ الذئابُ كلَّ القطيعِ بلا رحمةٍ، وتبكي الزُّهورُ في كل ليلةٍ براعمَها التي حصدتَها براثنُ الأعاصير بلا شفقةٍ.

هو اليأسُ يأكلُ بنهمٍ من أفكاره، وحتى من بصيصِ الأملِ في أخرِ النفقِ يقول:

لا تنتظري الأملَ إنه يحترقُ

يصير رماداً لا يشبهُ رمادَ الفينيق

وبالطبع فالأملُ حين يذوي لا يمكنه أن يحيا مُجدداً وسط الرمادِ، كما في أسطورة طائر الفينيق، إنَّه طعمُ الوجعِ، ولون اليأسِ، ومرارة الخذلانِ، وجراح الخيبةِ، في ترانيمٍ باح بها شاعرنا عاطف الدَّرابسة، في ديوانه “يقول لها" فأضحت كلُّ بحارِه مُصطبغَةً  بلونِ الحُزنِ، وفي لُججها يتمايلُ مَركبُه التَّائِه من غيرِ مجاديفٍ ولا أشرعةٍ، يبحث بلا جدوى عن بصيصِ ضَوءٍ قد ينبعثُ من المَنارةِ البعيدةِ ذات مرةٍ.


إحتفالٌ تكريمي للشاعر والناقد والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه ولنخبة من المبدعين العرب في قاعة بارادايس في مدينة المغار - الجليل

 





          أقامت جمعيةُ زهور ونبض الخير وموقع  لوسيل سبورت  وجمعية قشقوش للخدمات الإجتماعيّة  بإدرارة السيد  بهاء قشقوش مساء  يوم الاحد  ( 30 / 6 / 2024 ) في قاعة برادايس في مدينة المغار حفلا تكريميًّا كبيرا  حضره عددٌ كبير من الناس  من مختلف قرى  ومدن البلاد ، وتولى عرافته السيد  بهاء قشقوش ،  وفيه  تمَّ  تكريمُ نحبةٍ  من خيرة المبدعين العرب  في الداخل في شتى المجالات :  الأدبية ، الثقافية ، الفنية ، الإجتماعية ، الطبيّة  والعلمية  والسياسية .   وقد  تخلل الحفل فقرات غنائيَّة .   

   ومن الشخصيات الهامَّة في المجتمع التي تمَّ  تكريمُها :

*- الشاعر والكاتب والإعلامي الدكتور حاتم  جوعيه ( مدينة  المغار ) .

* - الناشط السياسي ورئيس الحزب القومي العربي وعضو البرلمان السابق السيد محمد حسن كنعان ( مدينة طمرة ) .

*- الشاعر والكاتب  والإعلامي  الأستاذ علي تيتي ( من قرية  البعنة ).

*- الكاتب والإعلامي والباحث  والمؤرخ  والمختص في التاريخ  والتراث الفلسطيني الأستاذ  سمير أبو الهيجا  -  ( قرية عين حوض)  

* - الدكتورة  ميسون أحمد (مدينة عرابة البطوف ) المختصة  في مجال الطب الصيني وطب الأعشاب الطبيعي .

* -  الشاعر والكاتب والموسيقار الأستاذ يوسف أبو خيط ( مدينة الطيرة  - المثلث -  )

* -  الأحصائية في الطب الصيني ومجال التجميل حنان علي صالح (يافة الناصرة ).

*-  الشاعرة الكاتبة والمحامية سيما صيرفي ( مدينة الناصرة ) .

* - الكاتبة والشاعرة  سامية شاهين ياسين   (مدينة  عرابة البطوف )

* - المحاضرة في مجال التنمية البشرية نبال زعبي ( مدينة الناصرة ) .

*- الشاعر حسين حمود  (  قرية دير الاسد ) .

*- الفنانة هيفاء فاعور  - مخرجة وممثلة ومدربة  لموضوع  التمثيل (من قرية شعب ) .

* - الكاتب الدكتور مروان مصالحة ( من  قرية دبورية )

* - الشاعر خالد إغبارية   ( قرية المشيرفة  - المثلث ) 

*-    الفنانة ريم  بدارنة – ( مدينة سخنين )

*  -  الرياضي والملاكم    حمادة توبا ( من مدينة  الناصرة  )

          وتمَّ  أيضا تكريم  بعض الأساتذة المُدرِّسين  ومجموعة من الطلاب  المتفوقين في مجال الطب البديل والطب العام  .