قصص نجاح... فاشلة



بقلم: م. نايف زويد

نملك العديد من القصص التي تبدأ بمشاريع أو مبادرات تبدو واعدة ومبشرة بالنجاح، لكنها تنتهي بالفشل رغم الجهود المبذولة والتوقعات العالية. في هذه الحالات، يمكن أن تكون الأسباب متعلقة بسوء التخطيط، أو ضعف الإدارة، أو عوامل خارجية غير متوقعة، أو أخطاء في التقدير.

هذه القصص تُعد مصدرًا هامًا للتعلم، حيث يمكن من خلالها تحليل الأخطاء والعثرات التي أدت إلى الفشل، مما يساعد الآخرين على تجنب تكرارها في مشاريعهم الخاصة. يُقال إن الفشل جزء أساسي من عملية التعلم والتطور، وغالبًا ما تكون القصص التي تتحدث عن الفشل هي الأكثر إلهامًا لأنها تقدم دروسًا قيمة.

ومن المهم استدراك أن قصص النجاح الفاشلة ذات هدف نبيل ولكن ربما كانوا أصحاب المصلحة أو مجتمع العينة من دون التوقعات في فهم مستوى المشروع أو المبادرة.

عليه، ومن خلال ما تم ذكره أعلاه أرى أن قصص النجاح الفاشلة ممكن أن نشبهها بالرقم صفر، والذي يقع حائراً بين القيمة السالبة والموجبة… واترك هنا فجوة بحثية للمتطلعين والمهتمين…

مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار رفعت الصلاة على نيّة لبنان


رفعت مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة الصلاة على نيّة لبنان وشعبه، على أمل أن ينعم بالخير والبركة والسلام في زمن الاعتداءات والصدامات، وفي المناسبة، أشار رئيس المؤسسة المحامي شادي خليل أبو عيسى إلى التنبه من بعض المباني المتصدعة نتيجة العدوان المتواصل، مع وجود العديد منها بحاجة إلى كشف وصيانة. وأضاف: لبنان سيظل منبعاً للحرية والحوار مهما تكاثر الإرهاب والتدمير والتخريب. حفظ الله لبنان من كل سوء.


رئيس مركز فِكر: للتنبه من المناشير التي تحمل باركود خطر



أشار رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية (فِكر) المحامي شادي خليل أبو عيسى في لقاء معه إلى وجوب التنبه من وجود مناشير مُعادية تحمل باركود يتم إلقاءها في عدّة مناطق وعند فتحها يتم سحب المعلومات المتواجدة لدى المواطنين…لذلك، يقتضي تجاهلها وعدم فتحها أو تداولها، وهي مؤذية ومن شأنها خرق داتا المعلومات.


المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية - فِكر للحفاظ على الحق في الصورة والحق الانساني



دعا المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية - فِكر  مختلف وسائل الاعلام وكل من يدير أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ضرورة احترام المعايير المهنيّة في تغطية الأحداث ونشر الأخبار.

وأكّد على وجوب احترام الحق الانسانيّ وخصوصيّة كلّ متضرّر، مشدّدًا على ضرورة تجنّب بثّ أيّ صور أو فيديو للشّهداء والجرحى من اعتداءات معادية سيبرانية، لما لذلك من انعكاس سلبيّ على المتضرّرين وعائلاتهم. 

ويأمل المركز أن يتم تخطّي للمرحلة ، سائلًا الله أن يرحمهم ويحفظ لبنان وشعبه من كلّ من يضمر له الأذى.


عرب ال48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة.. جديد الكاتب سعيد نفّاع



صدر عن دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع (الأردن)، المؤلّف ال24 للكاتب سعيد نفّاع - الأمين العام للاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين- الكرمل 48، وقد جاء في تظهير الكتاب: 

هذه الأطروحات هي مجموعة اجتهادات "تلبّكت" كيف أسمّيها، فهي ليست مقالات وفقط، وليست دراسات وفقط، وليست سياسيّة وفقط، وليست اجتماعيّة وفقط، وليست فكريّة وفقط، فيها من كلّ ذلك بعضٌ، وتغرف من هويّتنا شعارًا وممارسة ومن ذهنيّتنا قناعة ومسلكًا.

صغتُ غالبيّتها، أسلوبًا، على شكل "وقفات على المفارق" وقفات مع قضايانا المختلفة الخاصّة، الخاصّة ليس لخاصيّة فينا تختلف إنسانيّا عن بقيّة البشر وإنّما خاصيّة نبعَتْ من خاصيّة تواجدنا في دولة قامت على أنقاضنا حجرًا وشجرًا وبشرًا. 

كنت أطلقت على أطروحات صدرت سنة 2012م في كتاب، حمل الاسم: "بين يهوديّتهم وطوائفيّتنا وتحدّيات البقاء"، اسمًا منحوتًا: "درامقاليّات – مقالات دراسيّة". هذا النحت يصحّ في هذه المجموعة، ولكن يصحّ فيها إضافة النحت: "سيافكريّات"، ففيها كذلك إضافة للدراسة خلط أو مزيج من السياسة والفكر. في إحدى أطروحات المجموعة هذه وفي السياق، كتبت:

"يميّز الدراسة عن المقالة الكثير، وفي الصُّلب رحابة الهوامش التي يستطيع أن يسرح ويمرح فيها الكاتب. الدراسة وخصوصًا في علوم الاجتماع ترتكز عادة على وقائع "مموثقة" ومرجعيّات بحثيّة يعتمدها الكاتب دعمًا لأطروحاته، وأمّا في المقالة فهامش الاجتهاد الشخصيّ واسع وليس بالضرورة اعتمادًا على مرجعيّات. وبما أنّي اعتمدت قبلاً والآن أن أخلط في طرحي بين الدراسة والمقالة، وأخذت لنفسي حقّا، لا أعرف إن كان من حقّي، أن أنحت لمثل هكذا "أدبيّة" الاسمَ: "درامقاليّة- مقالة دراسيّة"، وبالتالي حرّرت نفسي من قيود الدراسات لأحفظ لها الحقّ: "أن تشرّق وتغرّب" في الاجتهادات طارحة القيود الأكاديميّة جانبًا حين يلزم الأمر..."

17 أيلول 2024

للتواصل – 7208450-050


مقاربة نقدية في رواية ( مشاعر تائهة ) للكاتب شحتة سليم




بقلم / مجدي جعفر 


استفاد شحتة سليم من دربته وخبرته في كتابة القصة القصيرة، ووظف تقنياتها في كتابة روايته ( مشاعر تائهة )، وأهم هذه التقنيات في رأيي هي الاختزال والتكثيف، فخلت روايته تماما من الثرثرة واللغو والترهل، فنجد الاقتصاد في كل شيء، وعلى قدر الحاجة، وصف المكان : المنزل، الشارع، الكلية، القرية، مقامات الأولياء، ... إلخ.

انظر إليه وهو يصف بيت عائلة بطل نصه ( رابح عبدالرحمن ):

( بيت كبير، طرازه المعماري قديم، تزين واجهته الرسومات والأشكال الجميلة، يطل على ميدان واسع بوسط البلد )

هذا الوصف الخارجي للمنزل، أما الوصف الداخلي له :

( كان البيت متعدد الطوابق، كثير الحجرات، كثير الأفراد، يموج بالحركة، تختلط فيه الأصوات، أسفله مقهى " مرجانة " الذي يستأجره عم صالح، وبجانبه يفترش "عم أبو الحسن " الرصيف لبيع الجرائد )

انظر كيف استطاع في جمل قليلة أن" يأنسن " المنزل، ويجعله يضج بالحركة والحياة، ويمكن للقارئ أن يطالع بالنص أيضا اللوحات الفنية البديعة التي رسمها الكاتب بالكلمات مثل مقامات الأولياء وزيارتها والتبرك بها.

والاقتصاد أيضا في رسم أبعاد شخصياته وخاصة البُعد الخارجي الذي يقدمه بنسب قليلة جدا بالنسبة للبُعد الداخلي: الجد، الأب، الأم، و ( رابح جاسر أحمد عبدالرحمن ) بطل النص وحبيباته : ريهام، وسلمى، وهبة، وقد استفاد أيضا من القصة القرآنية التي لا تركز على رسم الشخصية من الخارج قدر الاهتمام برسمها من الداخل، وصراعاتها، وأفعالها وردود أفعالها، وممارستها الحياة في محيطها الاجتماعي، فانصب اهتمام الكاتب على رسم الشخصية من الداخل، كما فعل مع شخصية ( رابح ) كاشفا عن الصراعات الموّارة داخل نفسه، واشتجار الأفكار وتصارعها بعقله، فيقدم لنا بطلا يعاني من أزمات نفسية خانقة، وهذا يتطلب منا في مقارتنا الإشارة ولو باقتضاب إلى المنهج النفسي، أو بالأدق مدرسة التحليل النفسي التي تأسست على يد ( سيجموند فرويد ) وتألقت على يدي تلميذيه ( يانج ) و ( أدلر )، فظواهر الإبداع في الأدب والفن عند ( فرويد ) كما يذهب الدكتور صلاح فضل ماهي إلا تجليات لظواهر نفسية، وكشف ( فرويد ) عن منطقة اللاوعي أو اللاشعور، وألقى الضوء عليها، واعتبرها المسئولة عن السلوك، كما اهتم بدراسة الأحلام التي هي تنفيس للاشعور، وتعبرعن المكبوتات في اللاوعي، وأوجزها بتعبير الدكتور صلاح فضل ( في التكثيف والازاحة والرمز ) وهذه الخصائص هي التي رصدها أيضا في الأعمال الفنية والأدبية التي قام بقراءتها ودراستها دراسات وافية وعميقة، سواء كانت لوحة تشكيلية أو قصيدة شعر أو رواية أو مسرحية، وقد أطلق أسماء بعض مصطلحاته على شخصيات من الأدب تم دراستها مثل ( عقدة أوديب ) أو عقدة ( الكترا )، وما يعنينا من مدرسة التحليل النفسي لفرويد هو الوصول إلى نتيجة مهمة، فحواها أن مرحلة الطفولة هي أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان، فهي التي تحدد مساره في المستقبل، وتتحكم في سلوكياته، ففي السنوات الأولى تتشكل شخصيته، والطفولة هي التي تتحكم في تصرفات الإنسان طوال حياته، فالحرمان مثلا أو التجارب القاسية والمؤلمة في الطفولة تلقي بظلالها السيئة على الشخصية، وتؤرقه في حياته، ويصبح غير سوي النفس، وأزمة ( رابح جاسر أحمد عبدالرحمن ) تعود إلى سنوات طفولته، وسنرصد في عجالة بعض المواقف المؤلمة التي أثرت في شخصيته في طفولته :

1 – السخرية :

أ – السخرية من اسمه :

قبل سن المدرسة وفي الكُتّاب :

( في أول يوم وضع الشيخ حاجزا بيني وبينه، عندما سألني عن اسمي، قلت :

-رابح. اسمي رابح.

بتعجب واستنكار

-رابح؟! لماذا رابحا؟! وماذا ربحت؟!.

سكت ببراءة طفل ولم أرد، ونطق العريف :

-رابح يعني فائز يا شيخنا، اسمه فائز.

-أعلم يا متخلف رابح يعني فائزا، ولكن اسمه رابح وليس فائزا .. على أيه حال رابح. خاسر، كلها أسماء ربنا.

بسرعة البرق أذاع العريف اسمي بين صبية الكُتّاب الذين وجدوا في السخرية مني ومن اسمي تخفيفا من حدة الشيخ وقسوته أثناء مراجعة الماضي ) ص 38

وتتواصل السخرية من اسمه في المدرسة أيضا، ففي أول يوم دراسة، يسأل مدرس الرياضيات كل تلميذ عن اسمه :

( -رابح. اسمي رابح.

-رابح؟! نحن لم نبع ولم نشتر .. لازلنا في اليوم الأول .. ماذا ربحت؟!

علا ضحك التلاميذ )

( -قل الاسم بالكامل؟

-رابح جاسر

-رابح خاسر .. كيف؟

علا ضحك التلاميذ أكثر، واخذوا يتبادلون القفشات مع المعلم )

ب – السخرية من جسده الضعيف

ظل جسده الناحل وبنيته الضعيفة محل سخرية وتهكم ومصمصة الشفاه، كيف لطالب بهذه المواصفات الجسدية الضعيفة أن يلتحق بالثانوي العام؟!

( كنت صغيرا سنا وجسما، حتى إن جارنا قال ساخرا مني :

-ستكون صغيرا جدا في الثانوي )

وعندما رق مشرف النشاط لحاله وهو بالصف السادس بالمدرسة الإبتدائية، وأراد أن يدمجه مع التلاميذ، ويُكسبه الثقة بنفسه، اختاره ضمن فريق الشرطة المدرسية، واختار له أحد فصول الصف الرابع بدلا من السادس :

( وخصني بأحد فصول الصف الرابع، قائلا وهو يربت على كتفي 

-حتى تستطيع السيطرة عليهم

للأسف لم أستطع حتى السيطرة على نفسي )

2 – العقاب البدني :

الشيخ في الكُتّاب لا يكف عن عقابه بلا شفقة أو رحمة، وعصا الشيخ تترك آثارها المبرحة على جسده الناحل الضعيف، وتترك أيضا كسورا في النفس وشروخا في الروح، وضرب الشيخ المبرح جعله يهرب من الكُتّاب، ويلوذ بالسيدة ليشكو لها :

( أجلس جوار المقام ساعات طوال، أفعل كما يفعل المريدون من التعلق بشباك المقام، ولا أنسى أن أشكو لها الشيخ الذي يضربني كثيرا ويضحك مني التلاميذ )

وباكتشاف جده لهروبه وغيابه عن الكُتّاب :

( وجدت عصا جدي في انتظاري، .. )

3 – اليتم :

عرف رابح اليتم مبكرا، فمات والده ( جاسر أحمد عبدالرحمن ) وابنه الأكبر ( رابح ) دون الرابعة من العمر، وترك خلفه أيضا شقيقه الأصغر رمضان، وزوجته ( زينب ) التي عاشت معه ست سنوات فقط، هي أجمل سنوات عمرها، وعاشوا جميعا في كنف الجد وتحت رعايته.

4 – أوامر الأم وعزله عن محيطه الاجتماعي :

من الآثار السيئة لتربية الأم :

( إياك أن تكلم أحدا، إياك أن تلعب مع أحد )

( وجدت نفسي آخر الأمر أعيش في الفصل بمفردي، وحيدا، لا أصدقاء لي، الريبة والتوجس متبادلة بيني وبين الجميع ) ص 45

5 – الآباء يرسمون مستقبل أولادهم والأموات يتحكمون في الأحياء :

كان حلم جاسر أحمد عبدالرحمن لولديه أن يكون ولده الأكبر طبيبا والأصغر مهندسا، وبعد انتقاله إلى جوار ربه، أرادت زوجته زينب أن تحقق له هذا الحلم، وتمكن منها، ولن ترضى بغيره بديلا، فيوم التحاقه بالثانوي العام، تقول :

( هذه هي الخطوة الأولى في تحقيق حلم والدك، الطبيب، لن أرضى بغير الطبيب.

ثم تلتفت إلى رمضان :

-وأنت شد حيلك .. مهندس إن شاء الله، إن أردتما اسعاد والدكما في قبره واسعادي اجتهدا لتحققا أملنا فيكما )

وتلاقت رغبتها مع رغبة الجد، وفعلت كل ما بوسعها لتحقيق هذه الأمنية :

أ – إبعاده عن السياسة :

فهي تريد له أن يتفرغ للمذاكرة فقط، والابتعاد عن أي شيء من شأنه أن يبعده عن تحقيق حلمها وحلم والده، فعندما غزا صدام العراق دولة الكويت، وكان قد التحق بالثانوي، وحاول أن يبدي رأيا في هذا الغزو، صرخت في وجهه، فلم يبق على تحقيق الحلم غير خطوة، ونصحته بالابتعاد عن مثل هذا الكلام الفارغ، وعليه التفرغ فقط للمذاكرة وتحصيل الدروس، وجده هو الآخر رغم ولعه بالسياسة، يوصيه بالاجتهاد فقط في تحصيل دروسه لتحقيق رغبة والده رحمة الله عليه، وحاول اقناعها بأنه لا يريد أن يكون طبيبا، ولكن كان اصرارها شديدا على تحقيق رغبة الوالد، وعندما شكا لشقيقه الأصغر رمضان، قال ساخرا بأنه هو الآخر سيكون مهندسا طالما هذه كانت رغبة الوالد رحمة الله عليه، كما ستكون أنت طبيبا لأن هذه رغبته، فالأموات يتحكمون فينا، ويختارون لنا مستقبلنا، وعلينا أن نحقق رغباتهم!!.

ب – ابعاده عن البنات :

اكتشاف امه حبه الصبياني لريهام وهو بالمرحلة الابتدائية، وتدبيجه لها عبارات الغزل وجُمل الهيام، فثارت ثائرتها، وعنفته، وهددته بجده، إذا لم يبتعد عن هذه البنت، ويكف عن هذه الأفعال التي تعوقه عن المذاكرة، وتبعده عن تحقيق الحلم، وتتقصى بحيل المرأة أحواله مع البنات حتى بعد التحاقه بكلية الطب، وبمجرد أن عرفت بأنه يتعاون مع زميلته ( سلمى ) أثناء الامتحانات :

( زميلتك يارابح؟! أتكلم البنات وتصاحب البنات يا رابح؟! أهذه آخر التربية؟! ... ) ص 87

ج – تقليص الزملاء والأصدقاء إلى اثنين فقط :

ترفض أمه أن ينضم إلى شلة بالجامعة، وتلاحقه بالأسئلة من كلمت اليوم؟، ومن التقيت به؟، وتسأله عن كل صغيرة وكبيرة، وتحاصره بعشرات الأسئلة، ويخبرها بعلاقته بزميليه أشرف وعبدالعليم، فتقول بعد أن اطمأنت لهما :

( يكفيك الاثنان، لا تصاحب أحدا غيرهما )

6- عشرات اللاءات :

عشرات اللاءات من الأوامر والنواهي هي التي عمقت الأزمة النفسية بداخل ( رابح ) وجعلته منطويا على نفسه، ومنغلقا على ذاته، خائفا دائما ومترددا أبدا، يقول عن نفسه :

( مشاعر الخوف والقلق ، الارتياب في الجميع ومن الجميع دائما هي المسيطرة، الشعور بانك أقل من الآخرين، عبارة أنت أصغر سنا أو شكلك صغير ترن في أذني عند كل تجمع، أصبحت عائقا في الكثير من المواقف، ثقتي بنفسي ضعيفة بل تكاد تكون منعدمة، صوت أمي دائما يرن في الأذن الأخرى : لا تحدّث .. لا تلعب .. لا تذهب .. لا تصاحب .. لا .. لا .. لا .. ) ص 62

ولعل القارئ يكون قد توقف على بعض أسباب أزمة ( رابح )، ويبقى السؤال هل المنهج النفسي كان كافيا للتعامل مع هذه الرواية؟

يقول الدكتور صلاح فضل : ( قصارى ما يبلغه المنهج النفسي لتحليل الأعمال الأدبية إنما هو اضاءة بعض المناطق الخاصة في العمل الأدبي تاركا بعض المناطق – وهي الغالبية – في الظل، لأن فهمها وتفسيرها لا ينتمي إلى هذا المجال، ولا تفلح معها أدواته )

ولعلنا نكون قد نثرنا بعض قطرات الضوء من خلال هذا المنهج على بعض المناطق، ورواية شحتة سليم على قصرها واكتنازها، ولكنها في غاية الثراء، وفيها من رواية ( تيار الوعي ) التي بدأها عربيا كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ في روايتيه اللص والكلاب، وثرثرة فوق النيل، وهي المرحلة التالية له بعد مرحلة الواقعية النقدية في الثلاثية وما قبلها، وشاعت رواية (تيار الوعي ) بعد ذلك بين الكُتّاب المصريين والعرب، وهي أصلا امتدادا للرواية النفسية، ولكنها لا تهتم بمنطقة الوعي أو الشعور، واستفادت هي الأخرى من منطقة اللاوعي أو اللاشعور التي كشف عنها ( فرويد )، وشخصيات هذا التيار عموما على وعي بأزماتهم، ويتمتعون إلى حد كبير بالذكاء، وهذا ما ينسحب على ( رابح عبدالرحمن )، فهو يعي أزمته، وهو ذكي ومتفوق دراسيا، والتحق بكلية الطب التي لا يهواها ولا يحبها، ومع ذلك كان من أوائل الكلية، ويرى الدكتور عبدالبديع عبدالله أن الهدف من كتابة رواية تيار الوعي ( الكشف عن الكيان النفسي للشخصيات. وهي لا تستقل بفنية خاصة. بل تعتمد على عدة أساليب تتباين تباينا كبيرا عن الأساليب التقليدية، وإن لم تختف تماما )

ويستخدم الكاتب فيها الوسائل التي يستخدمها الموسيقي أو الشاعر أو المصور، كالرمز والصور المتكررة أو المتصلة، ويستفيد من الفنون الأخرى، ومن أهم الأساليب المستخدمة ( المنولوج الداخلي ) وهدفه تقديم المحتوى الداخلي أو النفسي للشخصية، والاستفادة من الفن التشكيلي والسينما وغيرها.

وخلاصة القول بأن الكاتب توسل في كتابة روايته بمعظم هذه الأساليب، وسنشير إلى بعضها في عجالة في السطور المقبلة.

البطل مثقفا :

إذا كان الجد قريب الشبه من السيد أحمد عبدالجواد بطل ثلاثية نجيب محفوظ، من حيث ولعه بالسياسة والنساء، فإن رابح عبدالرحمن قريب الشبه هو الآخر من كمال أحمد عبدالجواد، المثقف الحائر في الثلاثية، وإذا كانت أسئلة كمال عبدالجواد أسئلة وجودية مثل : الله، الحياة، الموت، الإنسان، فإن أسئلة ( رابح ) تعبر عن ذات منشطرة، ونفس متشظية، وهما نموذجان لعصرين مختلفين، ونحن لا نسعى إلى المقاربة بينهما في هذه العجالة، رغم أن المقاربة مغرية، ولكن المؤكد أن ثقافة رابح هي التي جعلته على وعي بأزمته، وهذا الوعي كان أحد العوامل المساعده في انفراج الأزمة، حتى لو تأخر هذا الانفراج كثيرا، وبتتبع روافد ثقافته :

أ – مكتبة والده العامرة بنفائس الكتب.

ب – الجرائد والمجلات

( كان جدي – رحمه الله – يحب قراءة الجرائد، ومتابعة الأحداث، هذه الهواية التي سرت منه إلى والدي ثم إلىّ ) ص 41

ج – مكتبة المدرسة

د – مكتبة الكلية

( معظم الوقت أقضيه في مكتبة الكلية، قراءة دواوين الشعر في عصوره المختلفة، روايات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس، بدأ الأدب وقراءة الأدب تأخذني من الطب ودراسة الطب ) ص 109


التطهر بالكتابة :

لماذا نكتب؟

هل نكتب لأننا نملك شهوة الاصلاح كما يقول صلاح عبدالصبور، ونريد أن نغير العالم.

لا يدعي رابح عبدالرحمن الذي ضبطته أمه متلبسا بفعل الكتابة، فعنفته لأن هذا يشغله عن الدراسة، وعن تحقيق حلم والده بأن يكون طبيبا، لا يدعي بأنه يريد تغيير العالم، ولكنه يكتب لأنه مأزوما نفسيا، وهو على وعي بأزمته ويريد لها أن تنفرج، فهو يريد من خلال الكتابة أن يقوم بتشريح نفسه التي بين جنبيه، مثل الطبيب الذي يقوم بتشريح الجثة ليجتث الألم، فهل يمكن من خلال الكتابة أن يجتث ذلك الألم النفسي؟ فهو ينقب داخل نفسه مثل عالم الآثار كما يقول للبحث عن أشياء مفقودة، وهو يقاوم بالكتابة :

( وللكتابة نداء خفي كأنه وساوس الشياطين، تأخذك إلى عوالم أخرى كثيرة ) ص 19

ويشبهها بالنداهة :

( تأخذك إلى عوالم بعيدة ) ص 19

فهو يكتب ربما ليجعل الحياة ممكنة وأكثر احتمالا، فهو يكتب الخواطر والشعر، وهي دالة على مواقف عاشها، وتعبيرا عن مشاعر حب في مراحل عمره المختلفة، يكتب ليفضفض :

( الكتابة هي الفضفضة مع النفس لاسترجاع الماضي بذكرياته، تلك التي تطاردني في اليقظة والمنام ) ص 21

ويضيف :( هي نوع من محاسبة الذات )

وهي :( كشف المستور، والتقليب في الدفاتر القديمة )

وهي أيضا :( التنقيب كما يقول علماء الآثار، ربما أجد شيئا ذا قيمة )

( هي رفع النقاب عن هذه النفس وكشفها )

كان الكاتب موفقا غاية التوفيق، عندما وضع بطل نصه ( رابح عبدالرحمن ) في مقطعه السردي الأول في مواجهة مع ماضيه، ويتعرف القارئ عليه مثقفا واعيا لأزمته، ولم يلجأ إلى الطبيب النفسي لمساعدته، ولكنه بممارسة فعل الكتابة بدأ يتطهر ويبرأ من علله النفسية حتى لو استمرت بعضها معه حتى منتصف العقد الخامس.


سيرة ومسيرة عائلة ( رابح عبدالرحمن ) وسيرة ومسيرة الوطن :

الفن اختيار من الواقع، واختار كاتبنا من واقعنا المعاصر أحداثا مرت بالوطن وكان لها الأثر الكبير في تحولات الوطن، وكان لها تأثيرها على الشخصية المصرية، وعكس هذه التحولات من خلال عائلة تمثلت في ثلاثة أجيال، جيل الجد، وجيل الأب، وجيل الحفيد ( رابح عبدالرحمن )، وأهم هذه الأحداث التي أوردها الكاتب في إيجاز غير مُخل، هي :

1 – ثورة 1919م

2 – حرب فلسطين 1948م

3 – ثورة يوليو 1952م

4 – هزيمة يونيو 1967م

5 – موت الزعيم جمال عبدالناصر

6 – تولي السادات الحكم.

7 – حرب أكتوبر

8 – حادث المنصة الشهير


9 – اتفاقية السلام في ( كامب ديفيد )

10 – غزو صدام العراق للكويت.

وعائلة ( رابح عبدالرحمن ) عائلة وطنية بامتياز، فالجد من عشاق ومريدي عبدالناصر، وشارك كمقاول أنفار في بناء السد العالي، وشارك في حرب فلسطين، وكان له بطولات خارقة، وباع ميراثه كاملا بقريته، واشترى بيتا بوسط البلد بالقاهرة، لعله يشهد قيام الثورات، فلم يكن قد ولد حين قامت ثورة 1919م، وحين اشتعلت ثورة 1952م كان يعيش بعيدا بالقرية، ولم يشارك فيها، ويتمنى أن ينال شرف المشاركة في ثورة قادمة بعد أن استقر وعائلته بالقاهرة في بيت من البيوت الكبيرة، متعدد الطوابق، وابنه جاسر كان له شرف المشاركة في حرب أكتوبر، وساهم مع ابطال أكتوبر البواسل، في دحر العدو، وهزيمته هزيمة ساحقة، فالعائلة هي ثمرة من ثمرات ثورة يوليو، التي أفرزت الطبقة المتوسطة، وارتبطت مع الحالة الوطنية في علاقة حميمة، وتكاد تكون هذه العائلة التي تمثل الطبقة المتوسطة هي والوطن لحمة واحدة.


شخصية الجد :

قدم لنا الكاتب شخصية الجد ببراعة، فهي شخصية ثرية موضوعيا وفنيا، فالجد : ( رجل طويل القامة، واسع الصدر، عالي الصوت، خشن الملامح، مفتول الشارب، العصا لا تفارق يده، يشبه شخصية السيد أحمد عبدالجواد في ثلاثية نجيب محفوظ، له هيبة، عندما تتأمله تشعر أن الأيام منحته قساوتها، قلبه معلق باثنتين : الصلاة والنساء ) ص27

وشخصية الجد تمثل شخصية ابن البلد في ذلك العصر خير تمثيل، فهو يقرأ الجرائد والمجلات، ويتابع الأخبار في الإذاعة والتلقاذ، ويتحلق حوله أصحابه بالمقهى ليحدثهم عن أحوال وأخبار الوطن، وعن بطولاته في حرب فلسطين، وعن عشقه لفلسطين، والغصة والمرارة التي بحلقة فلا يدري السبب الذي جعلهم ينهزمون في فلسطين رغم أنه وحده قتل مائة من الصهاينة، وكانوا يفرون أمامهم كالجرذان، ولا يدري أيضا السبب لهزيمتنا في 1967م، وكأن الأسباب التي تُساق لتبرير الهزيمتين غير مقنعة له، ولم تزل الأسباب الحقيقية مسكوت عنها، ولم يتم إماطة اللثام عنها حتى اليوم، ومات الجد دون أن يعرف الأسباب الحقيقية.

وعشقه للنساء لا يقل عن عشقه للوطن، فهو خبر المرأة :

( خبير بألوانهن، ومزاياهن، وعيوبهن، يعرف مواطن الجمال في كل واحدة، وكأنه نقّاد في سوق الجواري، يتباهى بمغامراته مع النساء وفحولته معهن )

وشخصيات الرواية قليلة، وتأتي شخصية الأم من الشخصيات المهمة والفاعلة في الرواية، وساهمت بنصيب وافر في تعميق الأزمة داخل ( رابح )، وجاءت شخصية الأب من الشخصيات المثالية، وهو من أبطال أكتوبر الذين تم تهميشهم بعد قرار السلام! وتم تهميش الطبقة المتوسطة كلها، وتقليصها، ومسخها وهي عماد أي مجتمع، فالمسكوت عنه في الرواية كثير، ولا شك أن القارئ قادر على قراءة المسكوت عنه في هذه الرواية.

المزج بين المتناقضات :

المزج بين المتناقضات كما يقول الشاعر والناقد الدكتور حسين علي محمد : ( هي خاصية من من خاصيات الشاعر المعاصر الذي لم يقف عبثه بالعلاقات المألوفة بين عناصر الصور عند حدود الجمع بين عناصر الأشياء المتباعدة عن طريق تراسل الحواس وغير ذلك من الوسائل الفنية وإنما يتجاوز ذلك الأمر إلى مزج المتناقضات في كيان واحد يعانق في إطاره الشيء ونقيضه، ويمتزج به متخذا منه بعض خصائصه ومضيفا عليه بعض سماته تعبيرا عن الحالات النفسية والأحاسيس المبهمة التي تتعانق فيها المشاعر المتضادة وتتفاعل )

وهذا ما يتضح في رواية شحته سليم، وخاصة في المشاهد التي تتناول الجد وولعه بالنساء ومغامراته وفحولته معهن، وخشوعه وتبتله وتضرعه في الصلاة ودموعه التي تنهمر حتى تخاله وليا من أولياء الله الصالحين.

وحيرة بطل النص ( رابح عبدالرحمن ) في محاولته الجمع بين شيئين متباعدين، ويقف بينهما حائرا خائفا مترددا، يتعلثم لسانه وترتعد أوصاله، فهو لم يزل بعد يعاني من أزماته النفسية، ففي أول يوم له بالكلية ينصحه محمود ابن شارعهم الذي سبقه إلى الكلية بعام :

( تعرف على كل الناس ثم تخير أصدقاءك، لا تكره أحدا، صاحب وتحدّث، حاور وتعلم واستفد من الجميع ) وترن في أذنه في نفس اللحظة لاءات أمه وأوامرها ونواهيها لا تصاحب، لا تصادق، لا تحدث، لا .. لا .. لا ..

والمشاهد التي يحاول ( رابح ) أن يجمع فيها بين الأشياء المتباعدة، ويفشل كثيرة، ومن هذه المشاهد مشهد الأستاذ الذي ذهب إليه والد ريهام الذي ضبط خطابا منه يعبر لها فيه عن لواعج قلبه وهمسات نفسه وفيوضات روحه وهيامه وحبه لها الذي بلغ حد الوله والعشق، ويقول له الأستاذ بعد أن طيب خاطر الرجل وأقنعه بانها تصرفات صبيانية، يقول له :

( لا تتوقف عن الحب والكتابة ) ويمنحه كراسة أخرى بدلا من الكراسة التي كان يدبج فيها خواطره لحبيبته وأخذتها أمه، وأخفتها، وعنفته، لأنه خالف تعليماتها، فلاءات أمه هي التي تكبله، وترن في أذنه باستمرار.

فالكاتب يقابل بين المشاهد المتباعدة بمهارة.

وشحته سليم اهتم بالتحليل النفسي لشخصية ( رابح )، ولهذا جاءت أفعاله أو تصرفاته لها ما يبررها، وعناية الكاتب برسم شخصية ( رابح ) عناية كاملة أفادتنا نحن كقراء في تبين سلوكه وأفعاله، وأفادتنا أيضا في تفسير سلوكياته التي قد تبدو غريبة أحيانا، واهتم الكاتب أيضا بالحوار الذي يكشف خلجات نفس بطله ( رابح )، وجاء حواره معبرا عن طبيعة شخصيته ومصورا لملامحها النفسية.


القص واللصق :

يثري شحتة سليم نصه الروائي باستخدام هذه التقنية، فهو قد يأتي بخبر أو صورة من مجلة أو جريدة، وتنتظم النص، فأنظر إاليه وهو يصف صورا لحادث المنصة من مجلة المصور :

( هذه صورة القاتل وهو يصوب بندقيته نحو الرئيس، ثم وهو يندفع نحو المنصة، صورة للمنصة وقد سادها الهرج، صورة للكراسي وقد تجمعت فوق جسد الرئيس، صورة للنائب وهو في سيارته التي كانت تجري به مسرعة )


نصوص داخل النص :

ينشر الكاتب نصوصا كاملة لمحاولات ( رابح عبدالرحمن ) في الكتابة، وهي تتراوح بين الخاطرة وقصيدة النثر، وهذه النصوص ليست مقحمة على النص الروائي، ولكنها بدت وكأنها من نسيجه المحكم، وهي مبثوثة في صفحات كثيرة في الرواية، وأشير إلى بعضها: ص 99 ( بدون عنوان )، ص 107 تحت عنوان ( طلل القلم )، ص 140 ( بدون عنوان ) وهي نص شعري عميق، هذه النصوص بحاجة إلى قراءة جادة وربطها بالمسار العام للرواية، وربطها بالحالة النفسية للبطل ( رابح )، وقد ألقت هذه النصوص على الرواية ظلالا من الرومانسية الجميلة، التي افتقدناها، وانحسرت منذ صعود تيار الواقعية النقدية على يد كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ، وانزوت للظل تاركة للمدارس الأخرى التي تلتها سرعة الانطلاق.


الزمن :

الكاتب على وعي بالزمن، سواء الزمن الخارجي أو الزمن الداخلي، والاشارات الزمنية كثيرة تشير إليها الثورات والأحداث الكبرى والقرارات المصيرية، والتي أشرنا إليها من قبل، والاشارة الزمنية الصريحة للبطل أنه كان بالصف الأول الثانوي عندما ابتلع صدام العراق دولة الكويت، وتأجلت الدراسة أسبوعين، وكان عمره في ذلك الوقت ( 15 ) سنة، ويعود للكتابة والبحث في ماضيه وقد بلغ ( 47 ) سنة :

( منتصف العقد الخامس، كهلا أصبحت، الشيب المشتعل يملأ الرأس، التجاعيد الكثيرة تملأ الوجه، الصوت بات وهنا، منكسرا، ليس لشيءإلا تواضعا أمام سطوة الزمن )

( عندما أنظر للخلف يبدو لي الطريق طويلا مشيته في سبع وأربعين سنة )

ويستخدم تقنية ( الفلاش باك ) وهي تقنية سينمائية بالأساس، ويعود إلى مرحلة الطفولة ( وفيها تشكلت أزمته ) ويسير بالزمن تصاعديا ليس بترتيب علم نفس النمو ( طفولة، مراهقة، شباب، .... إلخ، ولكن يأتي الزمن تصاعديا وفقا لتصاعد المراحل التعليمية، الكُتّاب فالابتدائي فالإعدادي فالثانوي فالجامعة فالعمل بوحدة صحية بإحدى القرى، ثم الاستقرار بالقرية والزواج بهبة إحدى بنات القرية، والرواية لا تسير في كل مساراتها وفقا للزمن الطبيعي، ففي الأحداث الكبرى يتم اختزاله وتكثيفه، ففي سطور قليلة يختزل على سبيل المثال لا الحصر، الحقبة الناصرية :

( اتفاقية الجلاء والتأميم والصمود أمام العدوان الثلاثي، مصانع الغزل والنسيج في المحلة، مصنع الحديد والصلب في حلوان، مجمع الألومنيوم في نجع حمادي، قانون الاصلاح الزراعي وانتصاره للفلاحين الذين أصبحوا ملاكا للأراضي والبيوت، بعد أن كانوا أُجراء في أراضي الإقطاعيين، الكهرباء، والجمعية الزراعية، وبطاقة التموين، السد العالي، ...، .. )

وفي علاقاته العاطفية، قد يتوقف الزمن، وقد يمر بطيئا، وقد يمر بسرعة البرق، فهو الزمن النفسي الذي لا يُقاس بمقاييس الزمن الطبيعي.


ونشيد بلغة الكاتب وبشعريتها، وبفنيته الواثبة التي قدم من خللها للمكتبة العربية نصا بديعا وماتعا، والكاتب قادر على التجاوز والإضافة وإثراء فن السرد العربي.


المراجع :

1 – مناهج النقد المعاصر – د . صلاح فضل - مكتبة الأسرة

2 – الرواية الآن ( دراسة في الرواية العربية المعاصرة ) – د . عبدالبديع عبدالله – مكتبة الآداب 1990م

3 – جماليات القصة القصيرة ( دراسات نصية ) – د . حسين علي محمد – الشركة العربية للنشر والتوزيع 1996م.


ورقة نقدية لمناقشة الرواية مساء الأربعاء المصادف 6 / 9 / 2023م بالنادي الرياضي بمدينة كفر صقر – محافظة الشرقية

بحث إبداعي يعيد تاريخ أليسار بحكايات تصاميم هنادي عبود التراثية




غالباً ما يشدّها الحنين الى جذورها الجنوبية، فتغوص في أعماق الحضارة الفينيقية لتستنبط منها افكاراً متميزة تتجسّد رسوماً وتصاميم تأخد الناظر إلى عوالم  الجمال والروعة...

هي مصممة الأزياء اللبنانية هنادي عبود التي كان لها مشاركة متميزة في احتفال أقامته الأميرة حياة أرسلان لجمعيتها الخيرية، تخلله فقرة فنية تحت عنوان "قصة ثوب".

ولقصّة الثوب في قاموس عبود حكاية نسجتها بخيوط التاريخ، وانطلقت منها إلى فضاءات رحبة أطلقت فيها العنان لمخيلتها  فأعادت ملك صور حيرام الى الحياة، كما ملكة قرطاج اليسار التي اختالت بين الحضور بثوبها الملكي الذي احتاج تنفيذه ثلاثة أشهر من الدراسة والبحث، للإلمام بأدق التفاصيل، بدءاً من اللون الأرجواني بمفهومه الطبيعي والأساسي المستخرج من أصداف الموركس بعيدا عن الأصباغ الكيميائية الذي تميز به زي الملك حيرام، مروراً بالأكسسوارات المعدنية الفينيقية التي عملت على تصميمها والتنسيق مع هنادي باحترافية رانيا عمرو، فجاء التاج الذي وضعه الملك حيرام على رأسه في العرض تحفة فنية هاربة من كتب التاريخ.

وقبل خروجها من مزاجية التراث والحضارة، ألحقت عبود أزياءها الملكية بعباءات من وحي التاريخ حملت رموزاً فينيقية رسمتها الفنانة التشكيلية حلا حلواني ليكتمل عقد أزياء حقبة زمنية غنية بثقافتها وازدهارها، فجاء دمجها مع خامات وأقمشة عصرية ليشكّل خطوة فريدة في عالم الأزياء والجمال.

والصور بتفاصيل التصميم وخياطة الخطوط والاكسسوارت المرافقة تحكي مع كل قطبة حكاية تراث.

مقاربة نقدية في ديوان ( سفر الخروج ) لمحمد فكري




بقلم / مجدي جعفر


عرفت الحياة الثقافية والأدبية محمد فكري شاعرا مجيدا، وقاصا مقتدرا، وناشطا ثقافيا، وعن الهيئة العامة لقصور الثقافة صدر له من شعر العامية المصرية الديوان / القصيدة الواحدة ( سفر الخروج )، والقصيدة الديوان تتكون من ( 132 ) رباعية، منفصلة .. متصلة، وهذا نهج جديد للشاعر الذي أراد أن يخلص القصيدة من اللغو والثرثرة والحشو والزوائد والفضول، ووجد ضالته في الرباعيات التي تتسم بالاختزال والتكثيف الشديدين،وتأخذ رباعياته شكلا وقالبا يختلف عن الشكل والقالب الذي صب فيه صلاح جاهين رباعياته الشهيرة، واختلف أيضا عن رباعيات الخيام الأكثر شهرة، ولا مجال في هذه القراءة العجلى والمتقضبة للمقاربة والمقارتة بين رباعيات فكري ورباعيات الرائدين الكبيرين، يقول الشاعر في إحدى رباعياته في صدارة الديوان يوضح فيها الشكل والقالب الذي اختاره:

(مِن بين فنون الشِّعر والأوْزان

اختَرت شَكل الأربعة في اتنين

واحــِد يـواسـي تـالِــت الأحــزان

والرَّابِـع المَخـتـوم يـروح لِاتنين )

 وقد ألزم الشاعر نفسه ببحر واحد في كل الرباعيات وهو بحر ( السريع ) وهو البحر الذي ينظم عليه الشعراء الموضوعات المتعلقة بالعاطفة، يقول مستعرضا تفعيلات البحر السريع وإيثاره النظم عليه، وهو يجري على لسانه، وثمة ( سرعة في النطق به ) كما يقول الخليل بن احمد، وتعود سرعته كما يقول نقادنا إلى تفعيلاته، ففي كل ثلاثة منها ( سبعة أسباب بموجب الدائرة، والأسباب كما هو معلوم أسرع من الأوتاد في النطق بها ) :

(مستفعلــــــن مستفعلــــــن فــاعِــــل

تَفعيلَـــــــة حِلْــــوة ورِزقهــــا عالي

فيه ناس تشوفها تُنْصُب الفاعِل

ونــــاس كـــلامـهـا ومَـهْــرَها غالي )


محاولة قراءة العنوان وفقا للمنهج السيميولوجي :

 ( سفر الخروج ) من العناوين المراوغة، وقد يحيل القارئ إلى واحد من أشهر الكتب المقدسة عند اليهود، والذي يسرد حياة النبي موسى عليه السلام، منذ طفولته حتى هروبه من مصر، وعودته إليها مرة أخرى لينقذ أبناء إسرائيل من جبروت وبطش فرعون واستعباده لهم، وخروج بنو إسرائيل يشكل الحدث الرئيس في هذا الكتاب، وأخذ اسمه من هذا الحدث المهم، فهل ثمة علاقة بين سفر خروج محمد فكري الشاعر والأديب وبين سفر خروج النبي موسى عليه السلام؟ وهل هناك روابط بين الأحداث في السفرين؟ قد تتقاطع الأحداث وتلتقي، وقد تتماس، وقد تتوازى، وقد .. وقد ..، وكل الأسئلة مشروعة للقارئ الذي يُعمل عقله، ويسعى لإيجاد علاقة ما حتى لو كانت خفية وغير ظاهرة بين السفرين، وربما بعد قراءة الديوان يحاول من جديد أن يُقابل بين السفرين، أو ينصرف تماما عن هذه الفكرة التي أرقته، ويقنع نفسه بأن العناوين قد تتشابه  أحيانا.


الراوي الشعبي :

ويعيد لنا الشاعر، الراوي الشعبي أو القوّال، فيستهل قصيدته كما يفعل المداح أو القوّال أو الراوي الشعبي بذكر الله والصلاة على المصطفى، فيقول :

(أبـــدأ  كــلامــي  بَـعــــد  ذِكـــر الله

ألْفين صلاة عَ المُصطفى الهادي

الآتـــي  ذِكْـــرُه  فيـــه كتيـــر مِ الآه

شـاهِــــد عَلـيـه البحــــــر والـــوادي ) " رباعية رقم ( 1 ) ص 9 "

هل الشاعر يخاطب جمهور افتراضي مُتخيل، وهو الجمهور الذي يتحلق حول رواة السير؟!

الشاعر يضع نفسه موضع المدّاح أو الراوي الشعبي، ويخاطب جمهوره الافتراضي المتخيل، فيقول لهم بذوق عال وأدب جم " لو تسمحوا "، ومحاولة اجتذابهم ولفت انتباههم والإصغاء لما يقوله :

(يـا حـاضِـريـن لــو تِسْمـحـوا سـاعــة

هانْزِل في بَحر الضَّاد لِحَدّ السِّين

مِسْـتَـكـتـريــن  تِـسْتَحمـلـوا  ســاعـــة

طَب يعمل ايه اللي غَرَز في السِّين ) " رباعية رقم ( 4 ) ص 10 "

ولكن القُراء / الجماهير سرعان ما تكتشف أنها أمام راو وقوّال مختلف، شاعر مُعاصر لا يقدم سيرة بطل شعبي خارق، ولكنه يقدم سيرة إنسان / أسرة / قرية / وطن، ويرصد في رباعياته التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والنفسية.


البطل شاعرا : 

اختار فكري قوّالا وشاعرا بطلا لنصه، ويتوقف في أكثر من رباعية له على رحلة بطله مع الأدب والفن، وكيف وجد الاحتضان الحنون من الأدباء والشعراء الكبار الذين آمنوا بموهبته :

(سِمعُوني مَرَّة قالوا ليه مَخْزُون

حابِس هَوَاك والحَرف فيك وافِر

على فِطرِتَك كاتِب كلام مَوْزُون

ولا تِعرَف الكامِل مِن الوافِر!! ) " رباعية رقم ( 115 ) ص 75 "

إذن هو شاعر مطبوع وموهوب، ولأن الموهبة وحدها لا تكفي، فنصحوه بضرورة صقلها بالقراءة والدراسة :

(فَتَحوا لي باب المَعنى والقَواميس

والــتَّـــفْــعـيـلات والــبَــحــر والأَوْزان

نارت شَوَارعي، لمعت الفَوانيس

وبَــقـيـت احُـط الـكِـلْـمة عَ الميزان ) " رباعية رقم ( 116 ) ص 75 "

والشاعر البطل مُمتن لكل من وقف بجانبه، وساهم في إنضاج تجربته الشعرية، ويهدي ديوانه إلى :

 ( أول من ابتسم في وجهي ودعاني إلى منصة الإلقاء، محمود سلام أبو مالك، شكرا جزيلا ) ص 7. 

ويسلط محمد فكري كاميراته على طفولة شاعره البطل، ومولده بإحدى قرى مصر ونشأته، وأسرته : الأب والأخوة ( بنت وولدان ) والجد، ويمكن للقارئ أن يراجع الرباعيات رقم ( 7 ) ص 12، ورقم ( 9 ) ص 13، وغيرها من الرباعيات التي قدم فيها أسرة بطله الشاعر، وقد اهتم بتلك الفترة المهمة في حياته، فترة البواكير وتفتح الوعي لديه، والبطل الذي وصل إلى سن الأربعين في الرباعية رقم ( 11 ) ص 14، يستعيد لنا الآثار الطيبة التي تركتها تلك الفترة في نفسه، فيصف لنا أخلاق الأب الحميدة في الرباعية رقم ( 20 ) ص 19، وحب المكان / القرية وعشقه للأب في الرباعية رقم ( 21 ) ص 20، والكرم : رقم ( 22 ) ص 21، والسعي على الرزق في البكور : رقم (24 )  ص23، والمصطبة والحوش والقسم بهما : رقم ( 78 ) ص 55، قدم لنا في رباعيات سريعة وخاطفة، وبإيجاز غير مُخل الحياة كاملة في القرية المصرية، ومضات تكشف عن الجوانب المضيئة والمشرقة والقيم والعادات والأخلاق المتوارثة من جيل إلى جيل، ويوازن الشاعر بين القرية والمدينة، ويتمنى أن تأخذ المدينة طباع وأخلاق القرية : رقم ( 89 ) ص 61، وأخذ يشعر بالغربة : رقم ( 13 ) ص15، ويستعيد دائما الأب والجد والمصطبة والحوش والحقل والمزروعات والحصاد وجلسات السمر والسهر حتى السحر، واحترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، ومراعاة حق الجار، والإحسان إلى الفقير والمسكين وابن السبيل واليتيم والأرملة، و .. و ..وهو في حنين دائم إلى القرية كما في الرباعية رقم ( 130 ) ص 78.


الحس الديني :

= ويبدو الحس الديني جليا وعاليا لدي الشاعر، فيستهل أول رباعياته بذكر الله والصلاة على المصطفى : رقم ( 1 ) ص 5، وسورة " يس " حاضرة في الرباعية رقم ( 6 ) ص 11:

(«يَــس» يــا رُبْـع الذِّكْر فـي التَّرتيب

يـا نُصـرِة المَغلـوب فـي سـاعِـة هَـمْ

هـاقـراكِ مـش عَلَشان يموت الدِّيب

هــاقـرا بِنيِّة الهُـدَى واللَّم ) " رباعية رقم ( 6 ) ص 11 "

والشاعر لا يقرأ سورة ( يس ) كما هو في المعتقد الديني الشعبي بالدعاء على الظالم، ولكنه يقرأها راجيا من المولى عز وجل هدايته، ويعود عن ظلمه وجبروته.

، ورقم ( 31 ) ص 29، ورقم ( 32 ) ص 29، وحمد الله وشكره : رقم ( 37 ) ص 32، ورقم ( 50 ) ص 41، والتسليم بقضاء الله وقدره : رقم ( 44 ) ص 36، وعطاءات الله وهباته : رقم ( 46 ) ص 37، والدعاء إلى الله بالصبر على المكروب : رقم ( 55 ) ص 44، وذكر الله والتسليم بقضائه : رقم ( 69 ) ص 51، والرضا بحكم الله : رقم ( 77 ) ص55، وأسماء الله الحسنى وآداب النبوة : رقم ( 92 ) ص 63، والتبتل والدعاء إلى الله : رقم ( 96 ) ص 65، التسمية باسم الله الأعظم : رقم ( 101 ) ص 67، وآذان الفجر : رقم ( 122 ) ص 79.


مسار حركة البطل في محيطه الاجتماعي :

= يتحرك البطل في مجتمعه في تعاملاته وتصرفاته وسلوكياته وفقا لما استقر في وجدانه ورسخ في قلبه من قيم وأخلاق القرية والتي تتفق في معظمها مع المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، فيتذكر تجمع الأسرة : رقم ( 16 ) ص 16

(كـــانـــوا  وكُــنَّــا  وكـانِـت  اللـمَّـة

مَنْصُوبَة طول العام بِدون فاصِل

الــخــــالَـــة جَنْـب الـجِــدّ والعَــمَّـة

الـنُّـوم يـاخُـدنا الفَـجـر نِتْواصِل )" رقم ( 16 ) ص 16 "

، ولائحة العيب والأصول : رقم ( 17 ) ص 17،

 ووضع الطفل في الأسرة : رقم ( 18 ) ص17: 

(عُـمْـر  الصَّغِيـر  بيننـا  كـبـيـر فـي الكُــلّ

مَفتـوح لُـه  دَفْـتَـر  هيبــة  ألْــف حـسـاب

يـــا مِنْـحَـة  مِــن  رَبِّ  الـعِــبـاد  بـِتّـــطُـــلّ

مِن غير حِساب على فيس ولا واتْساب )

والجيران والأخ : رقم ( 28 ) ص 27،

 واكرام الضيف والزائر :

(مَـطْـرَحْـنـا يِـفْـرِح كُــــلّ مَــنْ  زارنـا

وانّ زارنا مين.. لا بُدّ يوم هَيْعُود

إن عَــدَّا صُـدْفَـة مِـــن أمـام دارنا

يِسْمَع في قلبُه لَحن نبض العود )

والنهي عن الكلام في السر : رقم ( 29 ) ص 28، والعطاء للقفراء والمساكين: رقم ( 32 ) ص29، السيرة العطرة للإنسان في حياته وبعد مماته : رقم ( 33 ) ص 30.

وينتقد الشاعر البطل الذي انتقل إلى المدينة في تسعينيات القرن الماضي التحولات والتغيرات التي طرأت على البشر والناس، فينتقد طباع البشر التي انحرفت عن فطرتها السوية : رقم ( 52 ) ص 42، ودخول الشيطان ووسوته للناس وبث الفرقة بينهم : رقم ( 53 ) ص 43، وحضور الشيطان وتربصه الدائم للإنسان : رقم ( 80 ) ص 56، والإيمان الذي وهن في قلوب الناس، وعدم صبرهم على الابتلاء والمكتوب : رقم ( 54 ) ص 43، وينتقد ناكري الجميل : رقم ( 59 ) ص45، واسناد المنصب لغير أهله : رقم ( 61 ) ص 47، وأصحاب الكروش والقروش، والذي أصبح الجنيه لديهم في السيد : رقم ( 62 ) ص 47، وخائن الأمانة والعهد : رقم ( 64 ) ص 48، ورقم ( 86 ) ص 59، والمغالاة في الزواج : رقم ( 93 ) ص 63، وعدم رد السلام : رقم ( 106 ) ص 70، وينتقد لبس شباب اليوم : رقم ( 107 ) ص 70، وبنات اليوم : رقم ( 108 ) ص 71، ورقم ( 109 ) ص : 71، ويرصد الشاعر التحولات الكبرى التي حدثت في تسعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي عني الشاعر بالتوقف عندها ورصدها رصدا دقيقا وأمينا، ويمكن للقارئ أن يطالع الرباعية رقم ( 110 ) ص 72 وغيرها.


الحس الموسيقي :

العلاقة بين الموسيقى والشعر علاقة وثيقة، ولا يمكن فصم عراها، فكلاهما فن سمعي، يعتمدان على الأداء الصوتي، وإذا كان الشاعر ينظم فالموسيقار يلحن، إذن الموسيقى والشعر يكمل كل منهما ألاخر، كما الشاعر والموسيقار، والموسيقى كما يعتبرها السواد الأعظم من الشعراء والنقاد من أساسيات الشعر، بل بدونها يطرد الشاعر من جنة الشعر، ويذهب إلى حديقة النثر، والجرس الموسيقي من ضروريات الشعر، والالتزام به في حكم الفرض، وجاءت رباعيات الشاعر ملتحمة بأنفاس الناس، لم يكن شاعرا وحسب، ولكنه كان موسيقيا أيضا، يعي التراث الموسيقي، وخاصة التراث الموسيقي الشرقي والعربي، ففي العديد من الرباعيات نطالع غرام الشاعر بالموسيقى وبآلاتها ومقاماتها ومذاهبها ومدارسها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يذكر لنا من المقامات ( السيكاه والبيات ) في الرباعية رقم ( 9 ) ص13، وهي من المقامات الشرقية الشهيرة، وإذا كان مقام ( البيات ) هو الأكثر ذيوعا وانتشارا فإن مقام ( السيكاه ) هو الأكثر تعبيرا عن لوعة الحب وعذاب الفراق، هو المعبر خير تعبير عن المكتوين بنار العشق، ونصغي إلى الغناء على التصفيق في الرباعية رقم ( 10 ) ص 13، ويخطف لحن العود الجميل آذاننا في الرباعية رقم ( 14 ) ص 15، ويعرفنا أيضاعلى أوتار العود الخمسة في الرباعية ( 15 ) ص 16، وصولو الكمنجة أيضا رقم ( 35 ) ص 31، ومقام ( النهاوند ) المعبر عن الشجن والحزن : رقم ( 36 ) ص 32. والعود والكمنجة من الآلات الوترية، وكان رائعا في استعادة ( الكمنجة )، والمعروف أن ( الصولو) من أجمل الجُمل الموسيقة، وهو العزف المنفرد التي تفردت به موسيقانا، وكأنه يستعيد لنا سيدة الغناء العربي ( أم كلثوم ) والموسيقار النابغة ( بليغ حمدي ) وهما يقدمان ( الصولو الطربي ) 


الأمثال والحكم والمعتقدات الشعبية :

= في الرباعية رقم ( 15 ) ص : 16، طرد الحسد في المعتقد الشعبي بالرقم ( 5 ) و ( خمسة وخميسة ) في عين العدو.

= وللبومة رمز التشاءم في المعتقد الشعبي حضورها، ( بوم المصاطب زعقت ... ) : رقم : ( 39 ) ص 33، و ( إناث البوم .. ) : رقم ( 43 ) ص 36.

= والسمكة التي ترمز في المعتقد إلى الرزق : رقم ( 48 ) ص 39.

= توظيف المثل الشعبي ( هذا الشبل من ذاك الأسد ) : رقم ( 47 ) ص 38

= توظيف المثل الشعبي ( الزن على الودان أمر من السحر ) : رقم ( 57 ) ص 45.

= إعادة توظيف المثل الشعبي ( ضرب الحبيب زي أكل الزبيب ) : رقم ( 70 ) ص 51.

= توظيف المثل الشعبي ( ما يملا عين ابن آدم غير التراب ) : رقم ( 74 ) ص 53.

= توظيف المثل الشعبي ( اللي فات مات ) : رقم ( 124 ) ص 80.

= توظيف بيت الشعر ( ضاقت ثم ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تفرج ) : رقم ( 71 ) ص 52.

= وهناك رباعيات تسري مسرى الحكم : رقم ( 51 ) ص 42، وغيرها.


الصراع :

الصراع هو جوهر الدراما،وتوافر في نص ( سفر الخروج ) كل أنواع الصراع. 

أ - الصراع الداخلي الموّار ( نفسي أو عقلي  / ذهني ) :

محاسبة النفس وتأنيب الضمير : رقم ( 84 ) ص 58 ،

  وجلد الذات : رقم ( 90 ) ص 62.

والصراع مع الحزن والنكد : رقم ( 103 ) ص 68.

ب - الصراع الخارجي غير المتكافئ :

 رقم ( 38 ) ص 33.

ج - الصراع العنيف : 

رقم ( 40 ) ص 34، ورقم ( 41 ) ص 34.

د - الصراع المتكافئ :

 رقم ( 42 ) ص35.


الحب والحس الصوفي:

يذوب الشاعر رقة وعذوبة، ويقطر قلبه بالحب الصافي الخالص، والحب عنده يصل حد العبادة، فهو من الفروض مثل الصوم :

(كُلِّ الكَواكِب في المَدار سايرَة

والكون نِظام مَحكُوم لِآخِر يُوم

الــوِرْث دار بِتْدُور كَما الدَّايرَة

والحُبّ فيها فَرض زَيّ الصُّوم ) " رقم ( 26 ) ص 25 "

والحياة على كوكب الأرض لا تكون جنة إلا بالحب، ويمتد الحب لكل الناس :

(النَّاس في جَنَّة لو تِعِيش لِلنَّاس

والـجَـنَّـة مَـثْـوَى يــا أُولي الألْباب

دَوَّر في رُوحَك عن حبيب وَنَّاس

إن هَــبّ ريـح يِـجْــرِي يِـسِـد الباب ) " رقم ( 30 ) ص 28 "

وأنظر الرباعيات : رقم ( 25 ) ص 24، رقم ( 27 ) ص26، ورقم ( 58 ) ص 45 وغيرها.

وحب الشاعر يمتد لكل الكائنات والموجودات، والشاعر أقرب إلى الصوفي الذي تصالح مع الله والكون والإنسان، وتماهي مع هذا الكون وأصبح مفردة من مفرداته، يُسمعنا في رباعيات كثيرة همسات الورد والزرع ويُنطق الجمادات، وسنشير في عجالة كيف أنسن الجدران على سبيل المثال.


أنسنة الأشياء :

البطل الشاعر الذي عاد من سفره وترحاله إلى الحي والقرية والبيت القديم، يتعامل برهافة شديدة مع أبواب وجدران وأسقف البيت الذي شهد أخصب وأزهي فترات حياته، وسأترك للقارئ بدون تعليق الرباعيات أرقام : 125، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132 ص ص : 80 - 84

( جــاي لَــك رســالــة حُــــــــب مِ الأحــبــاب

فـيـهـا أمــارة انِّـي ابـن صـاحـب الـبـيـت

مكتوب أسامي النَّاس في ضهر الباب

فــوق بــعــضـهــا بِـعَــدَد شــروخ الـبـيـت )

( صَرَخِت حيطان البيت على اللي راح

فَـانْـشَـق سـقـف الـبـيـت بـقـى نُـصّـيـن

مـا فـضِـلْـش غــر برواز من اللي راح

وعــنــيــهــم الاتــنــيــن لِــنــا بــاصّــيـن )

( فـي كُـلّ حـيـطـة شَـق شَـق الـرُّوح

مكتوب عليه ذكرى وفاة صاحبُه

ماشي معانا منين ما رُوحنا تروح

حــالِـف يـرافِـق قـلـبـي ويـصـاحـبُه )

( فـي كُـلّ حـيـطـة شَـرخ بـايِـن لـي

جُوّاه دموع وأهات وشوق وحَنين

قَــرَّبْــت، دَمْـعُـه سـال وبَـيِّـن لـي

حـجـم الألَم عـدَّى السِّنين بِسنين )

( طبطبت بِايدي عَ الشّقوق حَنِّت

بـعــد امَّـا كـانـت مِـنِّـي زعـلانـة

فِـرْحِـت كـإِنَّـهـا بِـكْــر وِاتْـحَـنِّـت

والـعَـصـر بُـكْـــرة يـتِـم مَــوْلانــا)

( يـا دار صـحـابـك فـاتـوا مغـصُـوبين

الـمـوت مِـقَـدَّر والــفُـــراق مَـكـتــوب

هَتْلُومي عَ اللي مات سَنَة تِسعين

وَلَّا اللــي سـافـر يِـشـتـرِيلِك طـوب )

( يا قلبي داري الدَّمع، شـد الحيل

وبــلاش تِـسَـلِّم لِلـخـيـال والـزِّيـف

انفُض هُمُومَك واجري زَي الخيل

ما تصيبش رُكن الذِّكريات بِنَزيف )

( يا ذِكريات مدفونة في الأركان

قُــــومي اسنِديه ورَجَّعـيه يِـلْمَع

مَـدفـون معــاكِ إذاعـة الـقُـرآن

لكن صداها لم يزل يُسمع )


التضخيم والتكبير:

 أنظر على سبيل المثال لا الحصر الرباعية رقم ( 76 ) ص 54، بينما يودع البيت وجدرانه وبابه وأحبابه قبل سفره، كان أخوف ما يخافه أن دموعه تغرق الكوكب! وفي الرباعية رقم ( 60 ) ص 46، يصف أحماله التي تنوء من حملها الجمال، بأنها أثقل من جبال " الألب "!! 

وفي الرباعية رقم ( 20 ) ص 19 : يصف قلب الأب الطيب المُحب بأنه يسع " ألفين " رغم أنه ليس بعمدة!!

وانظر رقم ( 70 ) ص 51، رقم ( 81 ) ص 57، رقم ( 84 ) ص 59.

 فالشاعر عموما يقوم بتكبير المشهد وتضخيمه حتى يكون أكثر دلالة وأبعد تأثيرا في النفس وفي التعبير عن الواقع.


وبعد

أرجو أن أكون قد نثرت ولو القليل من قطرات الضوء على الديوان / القصيدة المطولة، التي كتبها شاعرنا في رباعيات منفصلة .. متصلة، كما أرجو أن أعود إليها لاحقا في قراءة أخرى أكثر عمقا واكثر تفصيلا، فالرباعيات لم تبح بعد بكل أسرارها، فضغط الوقت، والمساحة المحددة لهذه المقالة، لا تسمح لنا بالإحاطة بها من كل الجوانب، والنظر إليها من كل الزوايا، فالشكر كل الشكر لشاعرنا الجميل الموهوب، الذي حقق لي في رباعياته البديعة والماتعة والمائزة الإقناع والإمتاع.


( ورقة نقدية لمؤتمر الزقازيق الأدبي لليوم الواحد – العاشر من رمضان في مساء الجمعة المصادف 9 / 8 / 2024م )


قراءة في كتاب ( د . عبالرحمن بدوي – السيرة في التاريخ ) للشاعر والمترجم السيد النمّاس


بقلم / مجدي جعفر

الشاعر والمترجم السيد النمّاس مُعد ومؤلف هذا الكتاب من تلاميذ الدكتور عبدالرحمن بدوي ومريديه، ودمياطي المولد والنشأة الأولى مثله، ويقدم لنا في هذا الكتاب عالم الدكتور عبدالرحمن بدوي معتمدا التوثيق والتسجيل، وسعى أيضا ما وسعه المقام ( للتحليل والتركيب في أضيق الحدود وبخاصة في إضاءة السيرة بالتاريخ العام ) ويعزز الكاتب منهجه الذي اختاره في هذا الكتاب باجتزائه لبعض مقولات الدكتور مصطفى سويف من كتابه القيم ( نحن والمستقبل ) " إن السيرة الذاتية المكتوبة من خلال إطار ذهني يحدده وعي رفيع المستوى بأمور الهم العام ( إلى جانب الهموم الخاصة ) كفيلة بأن تقدم المادة الخام التي يلزم المؤرخ المجتهد أن يحصل عليها لكي يكتب التاريخ بصورة تبرز بشرية الأحداث من خلال إلقاء الأضواء الواقعية على بشرية مقدماتها ونتائجها " وهي إذن بمثابة ( الأضواء الكاشفة ) والتي تسد بعض ثغرات التاريخ التقليدي، وهذه المنهج يراه المؤلف في غاية الأهمية بالنسبة لعلماء التاريخ والاجتماع والفلاسفة على حد سواء وهو ( دور الفرد في التاريخ ).


لوحة حياته .. السيرة في التاريخ.

وقد استخدم أيضا تقنيات السينما في إعداد وتأليف هذا الكتاب، وخاصة تقنية ( المونتاج ) فيسلط كاميراته على الطفل عبدالرحمن بدوي ومولده وقريته وأسرته .. إلخ، ثم يقطع المشهد ويسلط كاميراته على مشهد آخر وهو المشهد العام لمصر والوطن العربي والعالم، ثم ينتقل إلى مشهد حياتي آخر لعبدالرحمن بدوي ويتبعه بمشهد عام آخر أيضا ساردا لأهم الأحداث والوقائع التاريخية في مصر والعالم، وهكذا دواليك، فيقول في المشهد الأول :

( عبدالرحمن بدوي بدوي محمود

ولد في الساعة الثانية من صباح اليوم الرابع من فبراير عام 1917م بقرية شرباص – مركز فارسكور – دمياط. وتبعد هذه القرية عن دمياط قرابة العشرين كيلومترا إلى الجنوب الشرقي – عائلته أكبر عائلات القرية وأغناها وكان ترتيبه الثامن بين أخوته لأمه والخامس عشر بين أبناء والده، تركزت في العائلة القيادة الإدارية والاجتماعية والسياسية للقرية وتجاوز تأثيرهم إلى ما حولها )

ثم ينتقل مباشرة إلى المشهد العام :

( الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها – الدول الاستعمارية الكبرى تعيد اقتسام التركة الاستعمارية – الثورة البلشفية الروسية 1917م وقيام الاتحاد السوفيتي أول دولة اشتراكية في التاريخ – مصر في معمعان الانتفاض ضد الاحتلال الانجليزي ونظام الحكم – ثورة 1919م على الأبواب )

( حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة فارسكور الابتدائية بتفوق ملحوظ وعلى شهادتي الكفاءة 1932م والبكالوريا 1934من المدرسة السعيدية بالقاهرة وبتفوق ظاهر أيضا )

( تولى هتلر حكم ألمانيا 1933م واعتماد النازية منهجا للدولة الألمانية – كتابات نيتشة في فلسفة القوة والإنسان الأسمى  جذور الشجرة النازية وجذعها كتابات الفرد روزنبرج عن أسطورة الدم الآري – استمرار الكساد العالمي وزيادة معدل البطالة – تكاثف سحب الحرب العالمية الثانية – دوران عجلة التصنيع الحربي توطئة للحرب ) 

( حصل على ليسانسيه الآداب في الفلسفة في مايو 1938م وكان الأول على دفعته، تتلمذ على أساتذة ومفكرين غربيين أمثال : أندريه لالاند وهو أستاذ فلسفة فرنسي وصاحب معجم فلسفي شهير، ماول كراوس وهو مستشرق ألماني معروف في ميدان الدراسات الإسلامية، وكوايريه، وكان أستاذه المصري الأكبر د . مصطفى عبدالرازق صاحب كتاب " أصول الحكم في الإسلام " )

( تعاظم وتيرة التفاعلات الاقتصادية الاجتماعية، الفكرية والروحية في مصر وبروز تيارات فكرية واجتماعية وسياسية تمثل كل أطياف التوجه الأساس في التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي والثورة الروحية والأخلاقية، متوزعة في تداخل ديناميكي على كافة البُنى المادية والثقافية التي أنجزتها مصر خلال نهوضها الأعظم مع بواكير القرن التاسع عشر، فهناك التيار السلفي المحافظ بنزعاته والتيار الليبرالي الاصلاحي  بتنويعاته والتيار الاشتراكي بظلاله. وكل هذه الاتجاهات إنما خرجت من جلباب المدرسة المصرية الجديدة ومعطف الجامعة الوليدة وعباءة حركة الترجمة والتأليف وإهاب التلاقح بين معطيات واقع متخلف وتابع ومحتل وبين روافع فكرية وسياسية تراوحت بين الإمعان في الماضي وإعادة انتاجه وبين الإيغال في الحاضر تثويرا وإعادة تشكيل  .. في خضم هذا كله يولد عبدالرحمن بدوي – الولادة الثانية – المفكر والمبدع والفيلسوف )

ويتنقل الشاعر والمترجم السيد النمّاس بكاميراته بين المشاهد بسلاسة ويسر، ففي الولادة الثانية عُين معيدا وأصدر كتابه الأول ( نيتشه ) وهو في الحادية والعشرين وعلى التوازي يتم توقيع معاهدة 1936م وحصول مصر على استقلال مبتسر وتحرر شكلي وسيادة منقوصة، وتولي فاروق حكم مصرونشوب الحرب العالمية الثانية واجتياح النازي أوربا ومذبحة القرن على مذبح سيادة الجنس الآري وسيادة الإنسان الأسمى، على إيقاع عبارات نيتشه وأصداء موسيقى فاجنر ورفيف روح هيجل المطلق ونداءات فيخته المهيبة للأمة الألمانية.

ودخل بدوي معترك السياسة العملية كعضو في حزب مصر الفتاة وعمل رئيسا للجنة العلاقات السياسية الخارجية بالحزب وحصل على الماجستير في ( 1941م ) عن رسالته " مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية " وذلك وسط دوران عجلة الحرب وتعاظم وتأثر الكفاح المصري والعالمي ضد الاستعمار وبروز التيارين الإخواني الإسلامي واليساري الشيوعي في ساحة العمل الفكري والثقافي والسياسي العملي واشتداد ساعد الحركة العمالية والطلابية في المصانع والمدارس والجامعات، وحصل بدوي على الدكتوراه عن رسالته وكتابه الشهر ( الزمان الوجودي ) 1944م وهو في السابعة والعشرين، وأصبح عضوا باللجنة العليا للحزب الوطني الجديد ( وهو امتزاج بين مصر الفتاة والحزب الوطني القديم )، وكان عضوا في لجنة أعداد الدستور الجديد لمصر بعد ثورة يوليو 1952م، وأسهم في صياغة المواد الخاصة بالحريات والواجبات، وأتمت اللجنة وضع الدستور في أغسطس 1954م، ولم يُؤخذ به إذ أن نار أحداث مارس 1954م قد أتت على كل أخضر ويابس في العلاقة بين مجلس قيادة الثورة واللواء محمد نجيب والموالين له وللديمقراطية الليبرالية بشكل عام.


بدوي والثورة :

ومن شهادة بالكتاب للدكتور حلمي عبدالرازق الحديدي وهو أحد أقارب الدكتور يقول فيها عن بدوي وثورة يوليو 1952م :

" أزعم أن الدكتور بدوي – قد سعد بقيام الثورة في أول الأمر وشارك في أعمالها خاصة في لجنة الدستور ولكنه لم يستمر على ذلك فترة طويلة، ولم يكن ذلك لما أصابه من حراسة على أملاكه وأملاك أشقائه على يد لجنة القضاء على جيوب الاقطاع.

-وأزعم أن سبب تحوله عن الثورة ليس فرض الحراسة عليه وعلى أشقائه وأتصور أن تكون الأسباب أعمق وأخطر من ذلك بكثير.

-فعبدالرحمن بدوي .. مفكر متعمق ومحلل مدقق وفيلسوف نابه وكاتب له باع كبير- وصاحب هذه الصفات في أمس الحاجة إلى الحرية والتحرر .. إلى الانطلاق بلا قيد أو شرط .. إلى التحليق في آفاق الزمان والمكان.

-والفيلسوف القروي النشأة المحتفظ بقيم الريف – الكريم النفس والميسور الحال .. يخشى أن يوجد ما يحد من حريته وما قد يكون قيدا على فكره أو حائلا دون وصوله إلى منابع المعرفة وهو كذلك لا يمكن أن يقبل ذلا أو يستسيغ ضيما.

-والثورة عامة في مسارها وخاصة تلك التي توجهت وجهة اجتماعية واقتصادية لابد أن تضع الكثير من القيود ولا يعنيها رغبات فرد أو احتياجات مفكر.

- وخاف عبدالرحمن بدوي واستشعر بحاسة مرهفة ما قد يصيبه من قيود الثورة وأحكامها القاسية ولم يكن هناك أحزاب في ذلك الوقت .. فآثر أن يغترب، ففي الاغتراب لمثله نجاة، وفي الهجرة من وطنه منجاة. )

ويسرد الكاتب الكثير عن الدكتور بدوي، الذي ظل رئيسا لقسم الفلسفة جامعة إبراهيم باشا الكبير ( عين شمس حاليا ) من سبتمبر 1950 إلى 1971م. وقد عُين أستاذا بها عام 1959م.

-أصبح أستاذا بجامعة السوربون بباريس فبراير – مايو 1967م.

-عمل أستاذا بليبيا 1967 – 1973م.

-عمل بالتدريس في جامعات إيران 1973 – 1974م.

-عمل بالتدريس في دولة الكويت لمدة تناهز العقدين من الزمن.

-حصل على جائزة مبارك حين قررت لأول مرة عام 1992م.


ثبت كتب د . عبدالرحمن بدوي :

لم يقم الشاعر والمترجم السيد النمّاس بثبت الكتب رأسيا أو أفقيا، مرتبة زمنيا او تصنيفيا، ولكنه قدم ثبتا كيفيا، تعرض فيه لأهم الكتب ويعرض خصوصية اسهام فيلسوفنا فيها وآية إبداعه وإضافته للفكر الفلسفي مصريا وعربيا وعالميا.

وكُتب عبدالرحمن بدوي من حيث الكم كما أحصاها النمّاس تربو على المائة والخمسين كتابا عدا المقالات، وهي كما يقول : من حيث التصنيف والتبويب تملأ فضاءا نوعيا شاسعا وتحتل أرضا متنوعة التضاريس والمناخات بين إبداع فلسفي غير مسبوق وتحقيق تراث مسكوت عنه وترجمة آثارا أدبية ذات قيمة خالدة وإنجاز موسوعات تمس الحاجة إليها وإبداعات أدبية ذاتية ذات مذاق خاص وفريد.

ويعرض للقارئ أهم كتب الدكتور بدوي ويبين خصوصيته وإسهامه وإضافته ليخلص في النهاية أن  عبدالرحمن بدوي جدير بالمكانة الرفيعة التي يشغلها في الفكر العربي والإنساني وقبل ذلك في الفكر المصري كما أن هذا الثبت بهذا المنهج الذي اختاره يرسم  منحنى تطوره الفكري والروحي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي الذي دام لأكثر من ستين عاما من عمر عبدالرحمن بدوي وعمر أمته والعالم.

وقدم في هذا الثبت الكثير من كتب الدكتور بدوي التي أثرت المكتبة العربية والعالمية، ومنها كتابه نيتشه ( القاهرة 1939م )، مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية – رسالة الماجستير 1941م، الزمان الوجودي .. القاهرة 1949م، من تاريخ الإلحاد في الإسلام .. القاهرة 1945م، الإنسانية والوجودية في الفكر العربي 1947م، دراسات في الفلسفة الوجودية 1961م، دور العرب في تكوين الفكر الأوربي 1965م، مذاهب الإسلاميين ج1، ج2.. 1971- 1973م، موسوعة المستشرقين 1984م، وغيرها من الكتب، وسأكتفي هنا بعرض كتابين فقط

1-دفاع عن القرآن ضد منتقديه ( بالفرنسية ) باريس 1989م : وقد تصدى فيه لتصحيح المغالطات السائدة لدي كُتّاب الغرب من المستشرقين وغيرهم اعتبارا من بواكير النصف الثاني للقرن الأول الهجري وحتى وقتنا هذا، وأرجع د . بدوي جرأتهم الجهولة على القرآن ومن ثم على الإسلام إلى جهلهم باللغة العربية وضحالة ونقص معلوماتهم عن المصادر العربية، وسيطرة الحقد الموروث جيلا بعد جيل على عقولهم وتسببه في عماء بصيرتهم، تناقل سلسلة المستشرقين الأكاذيب حول القرآن بعضهم من بعض وتأكيدهم لها وأن الهدف من الكتاب هو كشف القناع عن العلماء الكاذبين الذين قدموا الضلال والتزوير لشعب أوربا ولغيره من الشعوب، وبإبراز الحقيقة الواضحة سيحرز القرآن النصر على منتقديه.

2- دفاع عن حياة النبي محمد ضد منتقصيه ( بالفرنسية ) 1990م : كتب د . بدوي هذا الكتاب بالفرنسية وأصدره من باريس ليصحح الأغاليط والمفتريات والأكاذيب حول حياة الرسول، والتي وقع فيها الكُتّاب البيزنطيون والأوربيون زهاء اثني عشر قرنا إما نتيجة الجهل المطبق عن النبي محمد وعن التاريخ الإسلامي عموما  وإما للتعصب والتحامل وإما لأسباب أخرى خارجة عن نطاق العلم والموضوعية  والحيدة العلمية كما بين أن أي منهم لم يرجع إلى مصادر صحيحة موثقة عن حياة النبي، وينتقد د . بدوي خلال الكتاب موقف مفكري وفلاسفة العصور الوسطى وكذلك فلاسفة عصر التنوير لإعراضهم العمدي عن دراسة الإسلام وتوخي الحقيقة فيما يختص بالإسلام والمسلمين ونبي المسلمين، ثم يتطرق د . بدوي للأساطير والأوهام والأضاليل التي شاعت عن الإسلام ونبيه بداية من القرن الرابع عشر الذي تأسس عليها الوعي الأوربي السائد حول نبوة الرسول.

ويحوي الكتاب الأول ردودا على ثلاثة عشر مغالطة حول القرآن الكريم أما الكتاب الثاني فيرد على ستة أباطيل سيقت في حق النبي محمد. ويتخلل الكتابين إشارات إلى بعض الكُتّاب الأوربيين المنصفين كأدنست رينان الفرنسي وأدريان ريلان الهولندي.


وهكذا تحدثوا عنه :

أورد الكاتب والشاعر والمترجم السيد النمّاس شهادات متنوعة لكُتاب وأدباء ومفكرين وفلاسفة، نذكر عناوين بعضها :

1 – شهادة الدكتور حلمي عبدالرازق الحديدي.

2 – ( بدوي وتأسيس الوعي والروح ) – أحمد عبدالحليم عطية.

3 – ( الفيلسوف الشامل ) – دكتور حسن حنفي.

4 – ( الفيلسوف المتوحد ) – دكتور أحمد صبحي.

5 – ( كيف تكون الفلسفة ) – دكتور أنور عبدالملك.

6 – ( من تاريخ الإلحاد إلى تاريخ التصوف ) – دكتور يوسف زيدان.

7 – ( بدوي مؤرخا للفلسفة اليونانية ) – دكتور مصطفى النشار.

8 – ( المثالية الألمانية كما يراها بدوي ) – دكنور سعد عبدالعزيز.

9 – ( عبدالرحمن بدوي " دراسات في الآداب الغربية " ) – دكتور ماهر شفيق فريد.

10 – ( هذا المفكر المؤسسة ) – حلمي سالم.

11 – ( عبدالرحمن بدوي رائد الفلسفة العربية الحديثة رحل " غريبا " ) – عبده وازن.

12 – ( دعوة إلى مؤتمر عنوانه : من بدوي إلى هنتغلون .. ماذا يمكن أن نرث من فكر أول فيلسوف مصري؟ ) – دكتور مراد وهبة.

13 – صاحب فتوح مرموقة ) – دكتور عبدالمنعم تليمة.


اختار الكاتب والشاعر والمترجم السيد النمّاس بعض كتب أستاذه عبدالرحمن بدوي، وقدم للقارئ خلاصتها، قام بتقطيرها وتصفيتها، قدمها بإيجاز وتكثيف شديدين.

-من كتاب الإنسانية والوجودية في الفكر العربي استقى عنوانين ( الإنسان والوجودية )، و ( الشعر والوجودية )

-من كتاب رسائل ابن سبعين اختار عنوان ( ابن سبعين والفلاسفة المسلمين )

- من كتاب دراسات في الفلسفة الوجودية اختار عنوانين ( خلاصة الوجودية ) و ( الشعور بالوجودية ).

- من كتاب مذاهب الإسلاميين الجزء الأول : المعتزلة والأشاعرة .. اختار عنوان ( القدر وحرية الإرادة ).

- من كتاب الديوان الشرقي للمؤلف الغربي اختار عنوان ( جيته والإسلام )

..................

الهوامش :

اهتم الكاتب والشاعر والمترجم السيد النمّاس بالهوامش اهتماما بالغا، حيث يعرف بالأعلام الذين ورد ذكرهم بالكتاب وبأهم مؤلفاتهم، ومنهم : د . مصطفى سويف، فردريك نيتشه، الفرد رودنبرج، رتشارد فاجنر، جورج فيلهلم، يوهان جوتلوب فيخته، الفاشستية، النازية، دوايت أيزنهاور، فورد، روكفلر، جون ديوي، فوكاياما، سورين كيركيجارد، ميجيل دي ثربانتس، مارتن هيدجر، آرثر شوبنهور، أفلاطون، أرسطو، هنري برجون، جابر بن حيان، ابن سينا، أبو بكر الرازي، المسعودي، أبو الحسن، الرواندي، أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج، ابن سبعين، رابعة العدوية أم الخيرات بنت إسماعيل، أبو علي بن مسكوبة، أفلوطينن ابن رشد، البير كامي، جان بول سارتر، عبدالرحمن بن خلدون، محمد بن موسى الخوارزمي، برتولد بريخت، أبو حيان التوحيدي، أبو حامد الغزالي، أبو نصر الفارابي، إخوان الصفا، ابن حزم، ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.


وتوفي عبدالرحمن بدوي يوم الخميس 25 / 7 / 2002م عن عمر يناهز ( 85 ) سنة على إثر مرض عضال ودفن بالقاهرة.

رحم الله الدكتور عبدالرحمن بدوي الذي قال عنه الكاتب في صدارة الكتاب :

( لقد كان عبدالرحمن بدوي نسيج وحده .. ظاهرة مصرية وإنسانية خاصة وفريدة في النشأة والتطور والنضج والتحول والخواتيم فهو في – آن معا – الدمياطي المولد والنشأة الأولى والمصري الطبعة والصبغة والعربي النزعة والهوى والعالمي الفكر والفلسفة والإبداع ).

والشكر كل الشكر للكاتب والشاعر والمترجم الكبير السيد النمّاس الذي أتاح لي الولوج إلى عالم الدكتور عبدالرحمن بدوي، والشكر موصول لعبدالعظيم وزير محاقظ دمياط الأسبق وللسيد أنس الفقي رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق والفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق والسيد محمد عبدالمنعم إبراهيم رئيس إقليم شرق الدلتا الثقافي الأسبق، وكل من ساهم في إصدار هذا الكتاب الذي صدر في العام 2003م بمناسبة الاحتفال بالفيلسوف الراحل، ونتمنى إعادة اصدار هذا الكتاب مرة أخرى وتوزيعه على نطاق واسع، وأرجو أن أكون في هذه القراءة السريعة والمقتضبة قد نثرت بعض قطرات الضوء حول هذا الكتاب القيم.

...........

العاشر من رمضان .. الآربعاء 4 / 9 / 2024م.


إطلاق كتاب الثقافة الاستعمارية والألم البشري




عقد في مدينة رام الله السبت 31/8/2024 لقاء أدبي تم فيه مناقشة وإطلاق كتاب "الثقافة الاستعمارية والألم البشري" لصاحبه الدكتور نبهان عثمان غانم. وتم اللقاء الذي أداره الكاتب فراس حج محمد في مقهى حنظلة، وشارك فيه بصحبة المؤلف، المحامي الحيفاوي حسن عبادي، وحضره نخبة من الكتاب والمثقفين.

استهل الكاتب حج محمد اللقاء بالتعريف بالكتاب وارتباطه بالخبرة الشخصية للمؤلف حيث عمل في مؤسسات منظمة التحرير في الشتات، ثم في المؤسسات الاقتصادية التي أنشئت بعد قيام السلطة الفلسطينية، كما تحدث عن أهميته التي تجيء ضمن الحديث عن الفظائع الاستعمارية في فلسطين، وفي غزة تحديدا. تلك الفظائع التي لم تسلم منها الشعوب الضعيفة في العالم أجمع.

وفي وقفة تعريفية، أضاء المحامي عبادي على فصول الكتاب الستة، وأبرز ما تناوله الكتاب من مظاهر الثقافة الاستعمارية وتجلياتها بالإضافة إلى ما ورد في الكتاب من نقد ذاتي للعمل الإداري الفلسطيني، في المؤسسات الحكومية، وإدارة الشأن العام في القطاع الاقتصادي الذي كان د. نبهان عاملا فيه لفترة طويلة.

وفي كلمة المؤلف أشار إلى الظروف التي عايشها في فترة تأليف الكتاب، وكيف ولدت الفكرة، حتى استقامت كتابا مطبوعا، سيترجم إلى ثلاث لغات: الإنجليزية والفرنسية والعبرية.

وفي جلسة نقاش مفتوحة مع المؤلف، قدم الكتاب والمثقفون الحاضرون وجهات نظرهم في الكتاب وفي مقولاته الأساسية والهدف من التأليف والسياق الذي جاء فيه، فتحدث كل من الكاتب عدنان داغر، والدكتور محمد أبو كوش، والدكتور المتوكل طه، والدكتور موسى أبو غربية، والكاتب وليد الهودلي.

وفي نهاية اللقاء، وقّع المؤلف على نسخ من الكتاب للحضور. ومن الجدير بالذكر أن الكتاب من تحرير فراس حج محمد، وصدر مطلع هذا العام (2024) عن دار جفرا ناشرون وموزعون في الأردن، ويقع في (270) صفحة من القطع الكبير.