السرد الحاوي لفرج مجاهد على طاولة النقد بالمركز الدولي للكتاب بالقاهرة

 




كتب / مجدي جعفر


تحلق عدد من الكُتّاب والنقاد حول كتاب ( السرد الحاوي ) للكاتب والناقد فرج مجاهد عبدالوهاب، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب في أواخر العام2024م، وقارب فيه نقديا ما يقرب من الخمسين رواية مصرية وعربية لعدد من الكُتّاب من أجيال مختلفة، وأدار الندوة بدربة وحنكة واقتدار الشاعر والكاتب حسين عبدالعزيز، الذي عرّف بالكاتب :   فرج مجاهد عبدالوهاب – أديب وناقد،                                                                                                                              

عضو اتحاد كتاب مصر . ونائب الرئيس بالنقابة الفرعية بالمنصورة ودمياط (سابقا)-  عضو مجلس ادارة نادي القصة.

-  عضو جمعية الأدباء.- عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

-عضو رابطة الأدب الحديث.– عضو أتيليه القاهرة

– عضو أتيليه المنصورة – نائب رئيس تحرير مجلة (القصة) التي تصدر عن نادي القصة.

  نشر أعماله في العديد من الدوريات المصرية والعربية 

المؤلفات والاصدارات:

  1 – هذا العبث (مجموعة قصصية) اقليم شرق الدلتا - هيئة قصور الثقافة 1998

 2- رحيق الكلمة (مقالات نقدية) فرع ثقافة الدقهلية - هيئة قصور الثقافة 2001

 3-  أحلام عاجزة (مجموعة قصصية) هيئة قصور الثقافة- سلسلة إبداعات شرق الدلتا سنة 2012م

 4- محـمد جبريل.. ألق الوجدان المصري (محاورات في الأدب والفن) سلسلة أصوات معاصرة (رقم 242)  عام  2012م

 5- محـمد يوسف  .. الفقراء أخواتي (إعداد) سلسلة الآباء-هيئة قصور الثقافة" اقليم شرق الدلتا 2014 م

 6 – السرد في جزيرة الورد(قراءة في نماذج من القصة والرواية) هيئة قصور الثقافة-فرع ثقافة الدقهلية 2015 م.

  7- غواية شهر زاد (قراءات في السرد النسوي) مطبوعات اتحاد كتاب مصر-دار ميتا بوك2021م

  8 – السرد والمدى الممتد (قراءات في القصة والرواية) دار الأديب للطبع والنشر والتوزيع 2021م

  9 – ذكاء ابن الملك (قصص للأطفال) المجلس الأعلى للثقافة، المركز القومي لثقافة الطفل 2021م

 10 – تباريح بين الفصحى والعامية (قراءة في دواوين مصرية) دار ميتا بوك 2022م

 11 – قيثارة الرواية (تقنيات السرد في أعمال حلمي القاعود) دار النابغة 2022م

 12 – ألوان الوجع (مجموعة قصصية) الهيئة المصرية العامة للكتاب (إبداعات قصصية رقم 64) سنة 2022م

 13 – مسافة للممكن ..  مساحة للإبداع (دراسات في المنتج الإبداعي للرائدة الكويتية د. فاطمة يوسف العلي- دار الشروق الأردن 2021م

 14- تشكيلات ورؤى.. قراءة في سرد الدكتور عمر عبد العزيز –  نشر الكتروني -  دائرة الثقافة الشارقة (الامارات العربية المتحدة2021).

 15 - قراءات ورؤى في السرد التونسي المعاصر - سلسلة (كتابات نقدية) هيئة قصور الثقافة 2024

 16-  السرد الحاوي (دراسات في النقد التطبيقي للرواية المصرية)- الهيئة المصرية العامة الكتاب 2024

17 - صناعة الدهشة – تأملات في سرد عمار علي حسن – دار نفرتيتي للدراسات والترجمة  2025 

.........................................................................

وتحدث الكاتب والناقد والمفكر صبري قنديل، وجاء في مداخلته النقدية :

( ما معني أن يعكف الكاتب علي خمسين نصا روائيا و قصصيا كي يعيد مقاربتهم لمتلقيهم ، معناه أن هذا الكاتب صاحب رسالة ، مؤمن بدوره و ما يجب أن يؤديه عبر هذه  الكتابة للارتقاء بالوعي و إثراء الحياة الأدبية بتلك الإضاءات النقدية . 

فمن الأدباء من يحمله دأبه و صدقه علي مواصلة الكدح و المثابرة في تحقيق ذاته بدرجة أو بأخرى ، و لا يكف عن متابعة كل ما حوله وهو يقطع خطواته الإبداعية نحو التحقق و تأكيد الحضور الجاد، سواء في كتابة نصه الإبداعي أو التواصل مع كتابات الآخرين .

فرج مجاهد القاص و الناقد محب لكل مبدع حقيقي ، مقدر كبير لتراتب الأجيال و أهميته في تحقيق تراكم الخبرات و انعكاسها في تواصل الإبداع ، فالي جانب ما قدم لنا من مجموعات قصصية متتالية ابتداء من مجموعته الأولي ( هذا العبث الصادرة عام 1998، مرورا بالمجموعة الثانية ( أحلام عاجزة ) الصادرة عن هيئة قصور الثقافة عام 2012 و حتي مجموعته الأخيرة  .، ( ألوان الوجع ) الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2022 ، ذهب مجاهدا في تواصله مع  فضاءات أدبية محلية و عربية ، ثم عاد ليقدم لنا ثمرة قراءاته و تأملاته النقدية علي نحو جمع بين صدق المتابعة و جدية التقديم النقدي ، فكانت أولي إصداراته كتاب ( رحيق الكلمة)عام 2001 اعتمد فيه علي حماسة المتابعات الأولي ، ثم كتابه ( محمد جبريل ألق الوجدان المصري) عام 2013  وهو كتاب تغطية محبة و عرفان لكاتب و صحفي كبير فتح الطريق عبر دوره الصحفي أمام عشرات المبدعين شعراء و ساردين و نقاد ، ثم جاء كتابه (السرد في جزيرة الورد)عام 2016 ليقدم فيه مقاربة لأعمال عدد غير قليل من المبدعين في محافظته الدقهلية ، بعده صدر له كتاب نقدى في الكويت عن الكاتبة فاطمة يوسف العلي ، ثم  كتاب في السعودية قارب فيه السرد السعودي ، أيضا كتابه عن الأدب التونسي الصادر هنا في مصر عن سلسلة كتابات نقدية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة ، قبل أن يصدر الكتاب الذى بين أيدينا ( السرد الحاوي) عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2024.

وقد كان واضحا من البداية مع نفسه و مع متلقيه في عدم التزامه بمنهج نقدي في تناوله للأعمال التي تناولها كتابه هذا ، و ربما مرجع ذلك بالأساس إلي تباين التوجهات الإبداعية و تفاوت القيم الفنية للنصوص التي توقف معها، إلي جانب اختلاف الانتماءات عند كتابها . 

هذا الكتاب يكمل به فرج مجاهد جهده الذى لا يتوقف ، حيث تواصل عبره مع مدارس و اتجاهات في الكتابة الروائية و القصصية لأجيال متعددة منذ الخمسينيات و الستينيات مرورا بالسبعينيات و الثمانينيات و التسعينيات ، الأمر الذى يؤكد علي  ما ذهبت إليه هذه السطور ، و التي مرت علي ما تضمنه الكتاب من دراسات و مقالات بلغت الخمسين قراءة .

اعتمد فرج مجاهد في كتابه هذا علي ذاءقته و انطباعاته المدعمة بخبراته عبر أكثر من عقدين ، فحرص حرصا شديدا عبر منهج النقد الثقافي مضفرا بحس إعلامي أن يقارب هذه النصوص التي تضمنها الكتاب في أسلوب سهل و رؤية عميقة و محبة .

في البداية يهدى كتابه لزمن السرد العربي و لشباب المبدعين في ميادين السرد الروائي و القصصي علي مختلف الاتجاهات ، ما يعني أنه يعكس دلالة أهمية تواصل الأجيال ، ثم يصدر قراءاته النقدية بدراسة حول رواية (هنا القاهرة) للكاتب الكبير ابراهيم عبد المجيد فيصدرها بعبارة من الرواية (يا للقاهرة التي تحتاج إلي سنوات و سنوات من الفرجة) ص 165 انطلاقا مع تفاصيل توثيقية صاغتها وفقا لايديولوجية و رؤية الكاتب لتلك المرحلة ، هذه العبارة تعكس حالة الاغتراب التي انتهت بالمثقف إلي وضع مزرى ، خاصة وهو يرى كل شيء يتدهور اجتماعيا و سياسيا ، فازدادت آنئذن حدة السخط و الغضب .

لكن فيما يتعلق بقاهرة نجيب محفوظ في الثلاثينيات فهي ليست قاهرة إبراهيم عبد المجيد في السبعينيات، في الثلاثينيات كان المجتمع المصرى يعاني كما نعلم من ظلم و طغيان النظام الملكي وتواطؤه مع المحتل ، و تغول فساده و عربدته في كل مفاصل البلد ، فكان المردود هو  حصار التخلف و المزيد من الإفقار لحياة الناس .

  أما قاهرة السبعينيات فكانت تعاني من الوصاية السياسية للنظام من بني جلدتنا بصرف النظر عن الاتفاق او الاختلاف معه ، في الوقت الذى كان الفساد قد استفحل عبر مجموعة من فلول الحكم ، أطلق عليها في ذلك الوقت مصطلح ( مراكز القوى ) و ما نتج عن كل ذلك  بعد حرب أكتوبر خاصة فيما يخص ما سمي بالسلام مع الصهاينة ، إلي جانب الانفتاح الاقتصادى الذى راهن علي تحقيق حراك إجتماعي و اقتصادى و تنموى ، لكنه لم يتحقق وفقا لطموح الرئيس السادات، و كان لتوغل هذا  الفساد الدور الفاصل في تمرير مخطط اغتياله ، تلك إشارة لتحديد التصورات و المفاهيم .  

ثم توالت قراءات الكتاب لحوالي أربعين رواية أبرزهم رواية التأسيس (الشمندورة ) لمحمد خليل قاسم و (ست الحسن) لفتحي غانم و (البيضاء) ليوسف ادريس و ( السكة الحديد ) لإدوار الخراط و ( قهوة سادة ) للسيد حافظ ، ( شرق النخيل ) لبهاء طاهر و (حكاية المؤسسة ) لجمال الغيطاني و ( وكالة عطية ) لخيري شلبي و (السائرون نياما ) لسعد مكاوي و (السيد في حقل السبانخ ) لصبري موسى و (طرف من خبر الآخرة ) لعبد الحكيم قاسم و ( العنف السرى ) لعبد الفتاح الجمل و ( النمل الأبيض ) لعبد الوهاب الأسواني و (حلق وحيدا) لمحمد جبريل و (أجنحة الفراشة ) لمحـمد سلماوي و (باب الليل ) لوحيد الطويلة و ( قطار الصعيد) ليوسف القعيد و غيرها من الروايات المهمة، إلي جانب عدد محدود من المجموعات القصصية، و التي منها علي سبيل الاشارة مجموعة (شارع بسادة) لسيد الوكيل و مجموعة ( عطشى لماء البحر) لمحمد ابراهيم مبروك ، فقد بدا من مقدمة الكتاب التي أشارت لتزايد أعداد كتاب الرواية بعد نوبل محفوظ ، لذا غلبت الدراسات و المقاربات الروائية علي بنية الكتاب.

في كل المقاربات يدخل فرج مجاهد إلي النص من عبارة أو إشارة أو تعليق من داخله ، قبل أن يستعرض بعض المشاهد و المواقف المفصلية التي تستند عليها رؤيته النقدية كما لاحظنا في مقاربته لرواية ( هنا القاهرة ) و غيرها .

عندي بعض الملاحظات ..

أولها: تبين لي عدم ترتيب القراءات النقدية  في الكتاب وفقا لتاريخ إصدار النصوص و انتماء جيل كتابها.

ثانيها: أن بعض القراءات تفاعلت مع بعض النصوص بعمق فني مثلما حدث مع رواية (هنا القاهرة ) و رواية ( قهوة سادة )، بينما لم يحدث ذلك مع نصوص أخرى مثل نص (التاريخ السرى لنعمان عبد الحافظ) و (سيرة الشيخ نور الدين)، و قد يرجع ذلك لاختلاف التوقيت و الظروف و المزاج القرائي عند الناقد أضف الي أن نصوص السيرة تختلف في تلقيها و مقاربتها.

ثالثها: لم يتضمن الكتاب مقاربة عن كاتبة واحدة في حين أن لدينا عشرات الكاتبات المرموقات في مجال السرد القصصي و الروائي أمثال سكينة فؤاد و سلوى بكر و سناء فرج و حورية البدرى و مني عارف و مني سالم و غيرهن الكثيرات .  

لا أظن أن فرج مجاهد تعمد ذلك ، و هو إذن بهذا الكتاب يقف صادقا و محبا للكتاب ونصوصهم الأدبية ، كما كان الناقد الكبير رجاء النقاش رحمه الله في محبته للمبدعين و إيمانه بحق كل مبدع حقيقي أن يأخذ مكانه اللائق .

الكتابة إذن تعلي من نعم الله في الأرض باعتبارها فعل مقاومة لكل ما يعوق سير الحياة و ضوء يكشف تجلياتها ، هذا ما فعله و يفعله الكاتب و الناقد فرج مجاهد فله مني التهنئة بصدور هذا الكتاب وكل التحايا )

..........................................................................

وفي مداخلة نقدبة أخرى للكاتب أحمد عبده، جاء فيها :

جاء في عنوان الكتاب : (السرد الحاوي - قراءات في الرواية والقصة المصرية ) ويكتشف القارئ أن مقاربات الكاتب كلها في الرواية فقط، والكاتب وضع البيض كله في سلة واحدة، (خمسون ) رواية كانت بحاجة إلى تبويب، الروايات التاريخية في فصل، والروايات التي تناولت القرية في فصل آخر، والروايات ذات الصبغة الجنسية في فصل ثالث، والروايات السياسية في فصل رابع .. وهكذا.

أما الخطوط العامة التي اتبعها المؤلف:- يقول في المقدمة تعددية الأساليب الروائية في هذه الأعمال، أبعدتني عن التمسك بمنهج نقدي واحد، لأن ما ينطبق على هذا لا ينطبق على غيره، فالمنهج النقدي الواحد يتعامل مع الظاهرة، وليس مع عدد من الأعمال المختلفة.- لذلك - وعلى حد قوله - اعتمدت المنهج المتكامل أو التكاملي، جاهدتُ أن أفكك مسروده ، وأحلل شخصياتهم، وأرسم مساراته الزمكانية ثم أعيدها في فضاء المنهج النقدي المتكامل لأنه الأرحب والأوسع .

المنهج المتكامل أو التكاملي في حد ذاته يتناول العمل الأدبي من جميع زواياه ومنها البيئة والتاريخ والعامل النفسي لصاحب العمل، غير أنه ربما يجمع المناهج الأخرى، فهل هذه الدراسات تناولت هذه العناصر ؟؟ 

طريقة المؤلف / الناقد تركزت في العرض والتقديم والتعليق والحلول، تخلل ذلك خيوط رفيعة من التحليلات النقدية، وللحقيقة كان المؤلف دقيقا للغاية في عرض وتقديم الروايات، مما يسهل للقارئ خوض غمارها، وهي طريقة مارسها أيضا في كتابه غواية شهر زاد قراءات في السرد النسوي) لذلك لا توجد هنا كتابة واحدة، هذه الطريقة يتبعها بعض من يمارسون النقد من الروائيين من غير الأكاديميين.تركزت رؤية المؤلف النقدية بشكل ملحوظ في بدايات ونهايات الدراسات حيث تظهر ثقافته ورؤيته للإبداع الروائي والأدبي بشكل عام.في الافتتاحيات نهج منهجا واحدا، تركز في تقديم الكاتب وروايته وفي النهايات يفلسف الرواية بشكل عام، وطريقة الروائي فيما كتب.يتتبع مسيرة السرد في كل رواية، ويقوم بتقطيع الأحداث، وربطها في بعضها، يمشي في خط مستقيم مع سطح الرواية، دون الدخول أو التعمق في التشابكات النقدية الشائكة. إلا في القليل. ولذلك كان العنوان قراءة - فالرواية لها قراءات كثيرة، ونستطيع القول بأنه فكك ألغاز الروايات لتكون جاهزة لمن يقرأها.

وسوف تظل الدلالات مخفية إلى أن يتوصل إليها كل قارئ للجمل التي صاحبت عنوان كل دراسة، فصاغها الكاتب صياغة أدبية دقيقة := عند على عطا : سرد روائي ساخن لمعاناة المبدع = عند صبحي موسى : تاريخ السرد الوثائقي في تماهي التاريخي والفني والواقعي= عند يوسف أبو رية : حيث الموت هو المقابل الحي للحياة = عند نشأت المصري: ميثاق سردي قائم على تجاوز إبداعي دون حواجز، نماذج من المعالجات النقديةعند سعد مكاوي السائرون نياما يقول: نموذج للرواية التقليدية المكتوبة بمفهوم الوعي التقني والموضوعي، تعرض الكاتب لتقنيات الكتابة التاريخية التي قامت عليها الرواية، ثم روايته الثانية الرجل والطريق التي تخطى فيها كثيرا من قيود الرواية الكلاسيكية إلى فضاء الواقعية المجتمعية تقدم شكلا تعبيريا يجسد حساسية فنية جديدة.عند صبحي موسى يقول : تاريخ السرد الوثائقي في تماهي التاريخ الفني والواقعي، وعن المفارقات عند نبيل عبد الحميد يقول : جمع الكاتب قضيتان متناقضتان في فضاء رواية واحدة.ويتساءل هل هي رواية تراسلية أو وصفية أو اجتماعية نقدية؟ويقول ( هي رواية ذات أدراج)

عند حامد أبو أحمد صفوان الأكاديمي: جنوح السرد بين السيرة الذاتية وانتقال ضمير السرد بين الشخصيات بدون ترتيب فلا تعرف من يتكلم إلا متأخرا، وبعثرة السرد ووفرة الأشعار والاستشهادات بالأسماء الحقيقية الأوربية والعربية ورصد عشرات الصفحات بالأرقام.عند نشأت المصري: ذلك الميثاق السردي النابه الذي عمل عليه بتقانة إبداعية وحرفية تاريخية قدمها المبدع على شكل حكاية سردية كسرت رتابة السرد التاريخي.حيث يتألق السرد الحكائي في نص طويل بأحداث متشظية في حكاياته متفرع في أهدافها ومضامينهاعند سيد الوكيل في شارع بسادة: انتقد المؤلف عناوين الفصول الطويلة، وعلى طول الدراسة نقل فقرات كثيرة مطولة من الرواية، نهاية الدراسة نهاية نقدية جيدةعند رضا سليمان (ما قبل اليوم الأخير) ص ٩٣ ، دراسة نقدية متكاملة.

وفي نهاية مداخلته طالب الكاتب أحمد عبده بضرورة مراجعة الكتاب قبل الطبع، والتأكد من التدقيق اللغوي والنحوي والتأكد من خلوه من الأخطاء المطبعية.

.........................................................................

وفي مداخلة ثالثة للكاتب مجدي جعفر، جاء فيها :

(استخدم فرج مجاهد في كتابه ( السرد الحاوي ) المنهج التكاملي، الذي غرس بذرته الأولى طه حسين، وتعهدتها بالرعاية تلميذته سهير القلماوي، وسار على نفس النهج أنور المعداوي وأيضا محمد مندور وشوقي ضيف وعبدالقادر القط ولويس عوض وغيرهم.

وفرج مجاهد عمل بمقولة الدكتور عبدالقادر القط : ( الباحث الأدبي الحديث ينبغي أن يستضئ في عمله بكل المناهج والدراسات السابقة، إذ لا يكفي منهج واحد، ولا دراسة واحدة، لكي ينهض عمله على الوجه الأكمل، بل لابد أن يستعين بها جميعا، حتى يمكن أن يضطلع ببحث أدبي قيم )

وكأن فرج مجاهد قد أنصت أيضا إلى الدكتور شوقي ضيف ووعى ما قاله تماما في كتابه ( البحث الأدبي ) ودعوته إلى ضرورة استثمار هذا المنهج التكاملي وحدد عناصره، كإسناد النص إلى الواقع الذاتي والاجتماعي والطبيعي – وانفتاحه على أشياء أخرى، ومن ثم إعادة تشكيله فنيا، لأنه قابل للإجراء الفني والنقدي، وغير قائم على التناقض مع المناهج النقدية القديمة والحديثة، إنما يتعاون معها بشكل شمولي.

ويدعو د . علي جواد طاهر في كتابه ( مقدمة في النقد الأدبي ) الى ضرورة ( الانتقاء، والاستعانة بالمناهج المتعددة ضرورة على استجلاء النص، وقد سُمي هذا المنهج الانتقائي " التكاملي ", والانتقاء لا يعني الأخذ بكل هذه المناهج مجتمعة، ولكن انتقاء ما يراه الناقد صالحا لاستجلاء خبايا النص، فقد يستعين الناقد بمنهجين معا أو عدة مناهج )

والكتاب بالفعل كان يحتاج إلى تبويب لضخامته، ولتنوع الروايات التي تناولها الكاتب، روايات مثلت كل الأجيال، خمسون رواية تباينت في موضوعاتها وفي أساليبها السردية، تباينت في رؤاها وفي تشكيلاتها، ولذلك كان الكاتب والناقد فرج مجاهد عبدالوهاب، موفقا غاية التوفيق في اختياره للمنهج الشمولي التكاملي، وجعل المنهج الفني والمنهج التاريخي والمنهج النفسي والمناهج الحديثة أيضا عناصر، يأخذ منها ما يكشف عن خبايا النص ويستجلي جمالياته.

= من روايات السير .. سواء ذاتية أو غيرية، وعلى سبيل المثال :

– سيرة الشيخ نور الدين لأحمد شمس الدين الحجاجي، يقول عنها الكاتب الناقد في عنوان دال ( سيرة رجل وشعب وقضية )، وبين كيف قدم الدكتور أحمد شمس الدين شخصية نور الدين كمثال ونموذج، هذا الفارس النبيل والشجاع والملتزم بمبادئه وأخلاقه، فنور الدين يمثل القيم الصوفية بعيدا عن الشطحات المعروفة عن الصوفيين، فالرواية تحكي عن الأيام الأخيرة في حياة ( نور الدين ) وهو شيخ من الأقصر، اكتسب المشيخة بالوراثة وبالدراسة، وهو يمثل التقاليد العربية والإسلامية للصعيد، ونجح بما يملكه من ملكات وقدرات وخصال أهمها العفة والزهد في المال، كل هذا جعله يُظهر الجوانب الجميلة للإسلام، بالإضافة إلى عدم انغلاقه وانفتاحه على الأخر، وحركته التي لا تهدأ في محيطه الاجتماعي.

-وتناول أيضا روايات : ( صفوان الأكاديمي ) للدكتور حامد ابو أحمد، و ( إيثاكا ) لرؤوف مسعد، و ( التاريخ السري لنعمان عبدالحافظ ) للكاتب محمد مستجاب، و ( وكالة عطية ) لخيري شلبي وبين كيف اقتربت من السيرة الشعبية، وثلاثية ( سبيل الشخص ) لعبده جبير، وبين الكاتب والناقد كيف راوح جبير فيها بين الحكاية الشعبية ورواية المغامرات، وبعد أن قدم لنا نبذة عن الحكاية الشعبية ورواية المغامرات، ولج إلى عالم الرواية من خلال أربع عناوين دالة وكانت بمثابة المفاتيح التي بها كشف عن جماليات الرواية، واستكن جوهرها.

= ومن الروايات التي عبرت عن الواقع المصري وتحولاته وعلى سبيل المثال لا الحصر :

1 – رواية ( هنا القاهرة ) للكاتب إبراهيم عبدالمجيد.

وفيها يستخدم الكاتب القفزات الزمنية، ويعود إلى فترة الثلاثينات، والتشابك اليومي ، ويرصد الواقع المعيش، والواقع الاجتماعي والسياسي، والتنقل بين الأزمنة والأمكنة، وغرام الكاتب بوصف المكان بكل دقة، وصف القاهرة بحواريها وأزقتها، بمقاهيها، وحاناتها وباراتها، بمقاهيها، وخاصة القاهرة القديمة، والقاهرة الشعبية، وفترة السبعينات، وهي فترة التحولات الكبرى : واخطر قراريين اتخذهما السادات وهما قراري السلام والانفتاح، ويرصد الآثار التي ترتبت عليهما، وكيف عادت الرأسمالية بوجه أكثر بشاعة مما كانت عليه قبل ثورة يوليو 1952م، وكيف تم الدفع بالجماعات الدينية إلى الواجهة وتصدرها للمشهد!.

 ورغم الانكسارات والاحباطات والعتمة التي تغلف الواقع، يظل أجمل ما في هذه الرواية هو بصيص النور الذي يجاهد على استحياء في آخر النفق، وتلك الروح المفعمة بالأمل والبهجة والتي تلبست أبطال الرواية.

2 – رواية ( النمل الأبيض ) للكاتب عبدالوهاب الأسواني :

ترصد هي الأخرى، التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حدثت لأهلنا في الصعيد بعد أكتوبر الذي أُجهض بعد اتفاقية السلام، وقرار الانفتاح أيضا الذي تم اتخاذه ولم تكن البلاد مهيئة ومستعدة له.

فانتهى ور العمة راضية برمزيتها الشفيفة والجميلة التي كانت تكشف الأخبار، وحل محلها الراديو ثم التلفزيون الأبيض والأسود فالتلفزيون الملون، وظهرت طبقات جديدة، طبقات طفيلية أفرزها عصر الانفتاح، فبقالة ( الأمانة ) صارت ( سوبر ماركت ) و الفتيات والنساء أصبحن يسرن سافرات، ويرصد الكاتب تأثير القرارات السياسية الخاطئة على الشخصية المصرية والصعيدية.

= حضور الموت في عدد من الروايات، منها على سبيل المثال لا الحصر : ( هدوء القتلة ) لطارق إمام، ( هاجس الموت ) لعادل عصمت، ( طرف من خبر الآخرة ) لعبدالحكيم قاسم، و ( دماء جائعة ) لنشأت المصري.

= روايات تتكأ على التاريخ وتسترفد التراث، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :

1 – ( السائرون نياما ) لسعد مكاوي وتسليط الضوء على حكم المماليك.

2 – ( صلاة خاصة ) لصبحي موسى، ويتماهى فيها السرد الوثائقي مع السرد التاريخي.

3 – ( دماء جائعة ) لنشأت المصري، حيث الهروب إلى العصر العباسي في زمن المهدي والاسقاط على الواقع، التاريخ هنا قناع، الدماء التي تُسفك والدسائس والمؤامرات.

4 – ( قهوة سادة ) للسيد حافظ، حكاية سهر وتدور الأحداث في سوريا ( أحداث معاصرة )، وأخناتون في مصر ( من العصور القديمة ) وحكايات شهرزاد.

= روايات دارت أحداثها في الغرب، والعلاقة بين الشرق والغرب، منها : ( البيضاء ) ليوسف إدريس، و ( بيت النخيل ) لطارق الطيب، و ( عناق عند جسر بروكلين ) لعز الدين شكري، والروايتين الآخرتين قدمتا صورة واقعية وبعيدة كل البعد عن الصورة النمطية التي قدمها الكتاب العرب سابقا، وهي الاحساس بالدونية أمام الغرب فلايجد البطل أمامه غير ممارسة الجنس مع الشقراوات الأوربيات!

= ومن الروايات التي تناولت ثورة يناير 2011، رواية ( أشياء عادية في الميدان )، ( سري ) بطل أكتوبريرفض اتفاقية السلام، ويعاني من آثار الانفتاح، ومن رئيس المصلحة التي يعمل بها، ومحاربته للوصول إلى رئاستها، ويتردد في الذهاب إلى الميدان، ويغريه بضرورة الذهاب الشاب الثائر مهدي الذي يعمل جرسونا بالمقهى المفضل لسري، يتردد سري في البداية، ولكنه سرعان ما يغالب تردده ويحسم أمره ويذهب إلى الميدان، ويقيم فيه، ولم يغادره إلا بعد تأكده بأن الثورة سوف تنجح.

ماهر سر التناول غير العادي للكاتب السيد نجم في هذه الرواية؟

أ-الرمزية : مشهد الجرادة التي اكتشفها سري في مخبأها، ودلالة الانسلاخ، وحديثه مع الدكتورة عن هذه المسألة، فتخبره : ( الانسلاخ عملية أساسية للنمو في شعب مفصليات الأرجل في الحشرات )

ب – التماهي مع أسطورة ( هرقل ) اليونانية، هذا الهرقل نصف الإله، والربط بين مهدي / الثوار وهرقل وهامه الاثني عشر وحروبه.

= ومن الروايات النفسية، رواية ( حافة الكوثر ) لعلي عطا، والكوثر هي المصحة النفسية التي يكشفها لنا الشاعر والمثقف والفنان المرهف الحس ( حسين )، وحسين الذي ذهب إليها بعد أن أُصيب باكتئاب بسبب بعض المشاكل العائلية، فدعاء الزوجة غيورة جدا ولا تقبل بضرة، وسلمى تلح في طلب الزواج، وخلافات حادة بين ابنته وخطيبها و .. و .. ولم يكن أمامه بُد من الذهاب إلى المصحة ليستعيد توازنه النفسي، ولكنه يكتشف أنها أصبحت وطنا بديلا لنزلائها!.

الرواية تسير في عدة مسارات، مسار سياسي، ومسار اجتماعي، ومسار ثقافي، ومسار اقتصادي، ومسار نفسي، ويكشف لنا حسين عن الأزمات النفسية الخانقة ومنها الاكنئاب، ومن أهم أسبابها المسارات السابقة، ويسلط كاميراته بمهارة ووعي على المصحة والنزلاء بها، وينتقل بكاميراته إلى ما يجري خارجها، لعل القارئ الأسباب التي تؤدي إلى الاكتئاب ومن ثم إلى الانتحار.

في الخارج : يعود إلى نكسة 1967م، نصر أكتوبر ( استشهاد خاله الذي يحبه )، الارهاب، القرية التي أصبحت مسخا مشوها، مدينة المنصورة التي كانت عروس الدلتا فزحفت إليها الأحياء العشوائية، الفساد الذي ينخر كالسوس في كل ركن من أركان المجتمع، أصحاب النفوذ، ثورة 25 يناير والاحتشاد في ميدان التحرير وجمعة الغضب و وموقعة الجمل ومفاوضات المجلس العسكري مع الإخوان.

وداخل المصحة :شاب ( 27 ) سنة يحب عمته!، أكثر من ضابط شرطة نزلاء بالمصحة!، عميد إحدى كليات الهندسة يقيم بالمصحة بأمر من فخامة الرئيس لأنه فكر في الترشح في الانتخابات ضده!، أب يضع ابنه بالمصحة حتى يمنعه من فضح أمر عائلي ، فمقطع فيديو متداول بين الناس لزوجته وهي في أحضان رجل لا يعرف أنه أبوه! و .. و ....!!!

= ومن الروايات الحداثية التي استفاد كُتّابها من تجارب العبث والفنتازيا وأثروا ابداعاتهم برؤى من الواقعية السحرية، رواية ( قارئة القطار ) لإبراهيم فرغلي، ورواية ( محطة السكة الحديد ) لإداور الخراط، وغير هذه الروايات الكثير. )

......................................................................

وفي مداخلة رابعة للكاتب محمود الديداموني، جاء فيها :

(تقترب علاقتى بالصديق فرج مجاهد منذ ثلاثين عاما تقريبا ، حيث عرفنى عليه أستاذى الدكتور حسين على محمد ، فكانت ثمة تواصل بينهما فى أصوات معاصرة وفى غيرها من أمور الشأن الثقافي، ومنذ ذلك الحين لم تنقطع تلك العلاقة ، فقرأت له وعرفته ناشطا فى الحركة الأدبية والثقافية محبا ومحبوبا ، فقدم عدة مجموعات قصصية قرأتها جميعا ، منها أحلام عاجزة والتى كتبت عنها من قبل ، مجموعته الأولى ( هذا العبث ) ، ثم ما يلبث أن يخرج علينا بقراءة منشورة فى مجلة أو صفحة متخصصة بأحد الصحف ، يقدم فيها رؤيته وقراءته لأحد الإصدارات الأدبية السردية على وجه الخصوص، أو مشاركة بورقة بحثية فى مؤتمر من المؤتمرات أو فعالية من الفعاليات التى تلقى الضوء على أحد التجارب الأدبية ، لا يبخل بجهد ويسعى دائما للحضور الفاعل ، فاجأنا بهذا الكتاب ( السرد الحاوى ) الذي يحمل بين دفتيه العديد والعديد من القراءات المحبة لعوالم نخبة كبيرة من كتاب السرد العربي وساهموا فى تشكيله.

ولنا أن ندرك منذ البداية اختلاف العوالم الروائية من كاتب لآخر واختلاف الطاقات الإبداعية من كاتب لآخر أيضا، فلكل كاتب رؤيته وأدواته، النصوص التي قدمها مستويات، فهناك النص الواضح الصريح البيّن، وهناك النص الغامض، المكتسي بغلالة شفافة، تحجبه بقدر ماتظهره؛ وهناك النص الأصم الأعمى الأبكم، الذي لايكاد يفصح عن شيء إطلاقاً. ويمكن التعامل مع مجمل النصوص إلى نوعين : نص واضح، ونص غامض. الأول يقول بصراحة ودقة وموضوعية مايريد أن يقوله، بحيث لايفهم منه إلا معنى واحد محدد بعينه؛ والثاني أنتج من قبل ذات تحرص على ترك بصماتها واضحة وماثلة دائماً، وكتب بطريقة تتيح لكل قارئ، أو بالأحرى، لكل متلق استنباط معنى، أو مستويات من المعنى، قد تختلف عما يستنبطه الآخرون.... وتتيح للقارئ (المتلقي) الواحد أن يحصّل معاني مختلفة، ومستويات مختلفة للمعنى الواحد عند كل تعامل جديد مع النص. 

إن هذه (القراءة /الكتابة) لا تتخلى عن إرادتها الخاصة، ولا تتنازل عنها تحت أية ظروف.. فيقدم الكاتب فرج مجاهد عبر قراءاته قراءة خاصة جدا يمنح فيها المتلقى زاوية للرؤية وقراءة عالم الكاتب الروائي، ولا يفرض عليه أن يتبنى القارئ رؤيته بل يقدم عرضا شفافا ، يحمله القارئ فى ذاكرته وربما يحفزه للذهاب إلى هذا العالم الروائي محل القراءة ، وبذلك تغدو (القراءة/ الكتابة) ليست قراءة سلطوية تفرض نفسها على المتلقي ، بل قراءة  تعين على مواصلة القراءة والذهاب لى تلك الأزمنة والشخصيات والأماكن والتحاور معها نقضا أو اتفاقا . 

ويبدو لى أن الكاتب يفسر أفعال الشخصيات الروائية من خلال فهم النص وفهم مفرداته وجمله .

والعودة إلى العلاقات الاجتماعية السائدة في عصر إنتاج النص، وإلى علاقات الإنتاج التي كانت سائدة، ومعرفة مكانة منتج النص وموقعه (الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي) ومعرفة المكان الذي عاش فيه. ولم يشأ الكاتب فى كثير من القراءات التى قدمها أن يدخل إلى عالم التأويل ، تاركا ذلك للمتلقى أو مكتفيا بعرض عوالمه التى انفعل بها وقدمها عبر متن هذا الكتاب الماتع ( السرد الحاوى ).

وما كان للروائي أن ينتج نصوصاً مهمة، فنياً وفكرياً، قبل أن يستعيد ذاته، التي كانت مرهونة لدى نظام سياسي ما، أو مأخوذة به.

هذا ما لمحناه بطريقة أو بأخرى فى استعراض هذا العالم الروائي الممتد لعدد كبير من الروائيين محل الدراسة ومحل اهتمام الكتاب عند فرج مجاهد، يقول فى مقدمة الكتاب : تداخلت معهم ودخلت عوالمهم ، عشت معهم بأحوالهم العامة والخاصة ، السلبية والإيجابية .

هذه دلالة واضحة على أن فعل الكتابة لا يكون ناتجا إلا عن معايشة وانفعال . من ابراهيم عبدالمجيد وهنا القاهرة مرورا بقارئة القطار لابراهيم فرغلى ، ومحطة السكة الحديد لإدوار الخراط ،  وتذكرة وحيدة للقاهرة لأشرف العشماوى والسيد نجم فى أشياء عادية فى الميدان ، وشرق النخيل لبهاء طاهر، وحكايات المؤسسة لجمال الغيطانى ، وخيرى شلبى فى وكالة عطية وسعد مكاوى فى السائرون نياما والنمل الأبيض للأسواني ، والبجعة البيضاء لمحمد ابراهيم طه ، ومحمد جبريل فى حلِّق وحيدا انتهاء بـ نشأت المصرى فى دماء جائعة ، وباب الليل لوحيد الطويلة، ويوسف القعيد فى قطار الصعيد

يقدم الكاتب فرج مجاهد خمسين عالما سرديا لأجيال مختلفة وأزمنة متفاوتة ، يرصد فيها حركة السرد خلال نصف قرن تقريبا ، كما يرصد تفاوت النسج والرؤى تاريخيا واجتماعيا وسياسيا، وفى السياق ذاته يقدم عبر قراءاته دلالات للتطور فى حركة السرد، ومغايرة الأفكار والأحداث محل التناول من كاتب لآخر ، بما يفتح الشهية لمعرفة الأسباب الحقيقية لتمايز الكتاب والكتابة من زمن لآخر وبما يمنح أسرار التأثير السياسي والاجتماعى والتاريخي بانقضاء الزمن.

ومن الملاحظ أن الكاتب لم يرتب قراءاته حسب منهج ما ، بل دفعها بشكل تلقائي ، وكان من الأولى أن يكون هناك رؤية لهذا الطرح الكبير ، تتعلق مثلا بزمان النشر أو توالى الأجيال من الأقدم إلى الأحدث ، بحيث يسهل الخروج بنتائج معينة عند التلقي.

كذلك لم يقدم الناقد السمات المشتركة لحركة السرد الروائي أو يقدم توصيفا لمجمل ما قدمه .. مكتفيا بما ألمح إليه داخل الورقة المقدمة عن العالم الخاص لكل رواية .

كل التهنئة للكاتب الصديق فرج مجاهد على هذا الجمال فى تقديم عوالم سردية ماتعة لكتاب ساهموا فى تشكيل حركة السرد الروائي والقصصى المصرى والعربي على حد سواء.

يذكر أن كتاب السرد الحاوى صادر عن الهيئة العامة للكتاب 2024 . 

ويضم الكتاب خمسين قراءة تقع فى ما يزيد عن اربعمائة صفحة من القطع الكبير .)

.................................................................

وعقب الكاتب صبحي موسى كأحد المبحوثين في الكتاب عن روايته ( صلاة خاصة ) وقد أثنى على الكتاب وعلى الكاتب، والعنوان البسيط والمراوغ، كما أثنى على المجهود الكبير الذي بذله الكاتب في التعامل النقدي المتنوع، منوعا في أساليبه النقدية، ومستخدما العديد من المناهج ، وغير مقيد بمنهج محدد، واثنى على لغته وقدرته على تناول الروايات وكيفية الدخول إليها والكشف عن جمالياتها وأسرارها، ومنها روايتي ( صلاة خاصة ) التي امتدت فيها المساحة الزمنية إلى ألفي عام، وتعج بالشخصيات، والأساطير، وطالب المسئولين عن معرض القاهرة الدولي للكتاب، بضرورة المحافظة على هذا العنوان، ويصدر سنويا ويحوي قراءات في الروايات التي تصدر كل عام، وهي لا تقل عن ثلاثمائة رواية سنويا، لماذا لا يتم تشكيل لجنة متخصصة، وتنتخب وتنتقي الجيد من هذا الكم الهائل من الروايات التي تصدر سنويا، ويلقى الضوء عليها، وقراءتها ودراستها، ويكون هذا الكتاب كشافا، ينثر قطرات الضوء على الروايات المتميزة والمائزة والتي قد تضيع وسط الروايات الضعيفة التي يكتبها أنصاف الموهوبين، وتجد من يحتفي بها، وهم للأسف أصحاب الصوت الأعلى!.


رسالة من الدكتور سرمد التايه حول كتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"

 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الحبيب، الأستاذ فراس حج محمد

بعد التحية؛

أنا لستُ ناقداً ولا كاتباً يُشار له بالبنان، لكني مُجرَّد كاتبٍ هاوٍ سطرتُ بعضاً من الكتب قد تكون لا شيء أمام كتبكم ومؤلفاتكم ومجهودكم الكبير في هذا المضمار، إلا أنني أود أن أشارككم بعضاً من ملاحظاتي- إن جاز لي ذلك - حول كتابكم المعنون بـ "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور":

أولاً: بالرغم من أن عنوان الكتاب كان غريباً عليَّ، وكنتُ أعتقد أنه غير جاذب، إلا أن محتواه كان مُذهلاً، وجذاباً، كون الأفكار التي تم التطرق لها من قِبَلكم جديدة في الطرح، وأجزم أنه لم يتطرق إليها أحد قبلكم.

ثانياً: مع أهمية المعاني اللغوية والصورة الأدبية في التشبيه في مقدمة كتابكم إلا أنها للأسف لم تجذبني، وأعتقد جازما أن الخلل كان فيَّ أنا شخصياً كوني غير مُتخصص في اللغة العربية.

ثالثاً: استفزتني طريقتكم وأسلوبكم في الغوص في المراجع المتباينة والنهل من المصادر المتعددة؛ فمرة أراك تلجأ للقرآن الكريم، ومرة للحديث الشريف، ومرة ثالثة للأمثال الشعبية، وأخرى لمواقع التواصل الاجتماعي؛ وهذا فيه غرابة واقتدار وإبداع في آن واحد.

رابعاً: قد يكون وصفكم الصريح لبعض القضايا المطروحة غريبة ومُستهجنة بالنسبة لي، وذلك عند الحديث عن الجنس أو الأعضاء الجنسية بطريقة خادشة للحياء، إلا أنني- وفي نفس الوقت- أحترم جرأتكم منقطعة النظير، والتي لا أستطيع الاقتراب منها أو أحوم حول حماها.

خامساً: يبدو أنك عانيتَ كما عانيتُ أنا أيضاً عندما دخلت معترك الكتابة والأدب، فأعيد كلامك عندما قلت في كتابك هذا أنك عندما أهديت بعض كتبك إلى أناس لا يستحقونها فدحشوها في أدراجهم، وبين أوراقهم المهملة (ص  50)، وأنا أيضا تم دحش كتبي المهداة لهم بين أكوام أوراقهم وأغراضهم المهملة.

وبنفس الوقت، فقد واجهتُ أنا كما واجهتَ أنت المنتقدين والباحثين عن الأخطاء بين ثنايا مؤلفاتي لمجرد البحث عن الأخطاء ولتقزيم العمل المنجز. وكل هذا يهون عن معضلة النشر وتكاليفه واستغلال دور النشر ومطامعهم والتي أجزم أنك عانيتَ في هذا المجال أكثر بكثير مما عانيتُ أنا واكتويتَ اكثر مما اكتويتُ. ولكن ومع كل هذا، فقد عشتُ تجربتك حينما كتبتَ بصفحة (120) أنه كلما كتبتَ صفحة في كتاب جديد، شعرتَ بدماء الشباب تنطلق حرة في شرايينك، وكذا أنا.

سادساً: أعجبني جدا تنبؤاتك عندما تحدثتَ عن (رؤوس الشياطين) (ص 120) ، فقد كتبتُ على هامش تلك الفقرة: (تنبؤات فراس حج محمد أصبحت واقعاً)، وذلك في سياق الحديث عن الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي الذي بدأ يتجسد بالفعل وبوتيرة عالية متصاعدة.

سابعاً: حديثك عن غزة كان صادقاً، صافياً، مخلصاً، يفوح منه عبق الروح الوطنية، وذلك في حديثك الخارج من القلب في الفقرات من (45) إلى (50).

ثامناُ: أعجبني جداً حديثكم عن الأسلاف الموتى وتكريمهم والاعلاء من ذكراهم، وبنفس الوقت إهمالهم وهم أحياء. وهذا ما كتبتُ فيه مقالتي بعنوان ـ"تكريم الورى قبل مواراة الثرى" والتي قمتُ بنشرها على موقع (دنيا الوطن) الاخباري بتاريخ 7/5/2017. وهذا رابط المقال:

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/05/07/435813.html

تاسعاً: عندما كان يُبهرني ويستهويني بعض السطور والكلمات، أقوم باقتناصها وتسجيلها على مفكراتي على جهاز التلفون الخاص بي أو بين دفات دفاتري لأعود وأستعين بها عندما أتعرض لمواقف قريبة من هذه المواقف فأعود واستخدمها على نحو مماثل، وهنا اسمح لي أن أقتبس بعضاً من سطورك الرائعة كالآتي:

1. ما لا يُدرك كله، لا يُترك بعض بعضه. (ص 158)

2. في كل مرة يكون الرسم علامة على الوجود وإن غاب الاسم. (ص 185)

3. هذا ما تفعله صور الراحلين؛ حنين لا يهدأ. (ص 186)

4. الصور صارت هي "المحل الأرفع" الذي يجعل الروح في مناجاة دائمة. (ص 188)

في النهاية، فقد أثارني واستهواني وأعجبني الحوار المغني عن الخاتمة (ص 199)، إذ كانت أسئلتك ذكية بما يكفي، صريحة وجريئة زيادة عن الحد المطلوب، وهذا طبعاً لما كان فيه من ثقةٍ بالنفس وشفافيةٍ عاليةٍ أغبطك عليها.

وأخيراً، فقد كانت الخاتمة التي قد وضعتها في نهاية كتابكم (ص 206) شاملة كاملة مكتملة حتى أبهرتني لدرجة أنني أؤكد أنني لو قرأتها من البداية لكنت اكتفيت بها وحسب، ولما كنتُ قد أمعنتُ واستفضتُ بقراءة جميع صفحات الكتاب؛ وذلك لما كان لها من الأثر الجميل الموجز في إجمال وإيجاز كل ما جاء في هذا العمل العظيم.

أخي الحبيب.... 

أعتذر إن كنتُ قد تطاولتُ عليكم، وعلى أدبكم وثقافتكم، لكني أردت أن أضع بين أيديكم ما أثارني واستهواني وجذبني واستفزني بهذه السطور التي أعود وأكرر أنه لم يتم التطرق لها ولمثلها ومثيلها أبداً حسب علمي وخبرتي البسيطة المتواضعة.

ودمتم...

أخوك: د. سرمد فوزي التايه

السبت: 26/4/2025

بيتا- نابلس


توصيات مركز فِكر في اليوم العالمي للملكية الفكرية

 


أصدر المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية – فِكر في اليوم العالمي للملكية الفكرية عبر ورشة عمل حقوقية ثقافية سلسلة من التوصيات تتمثل بالآتي:

1- نشر الوعي بجوانب الملكية الفكرية ودورها في دفع عجلة التقدم الاقتصادي وتشجيع كافة المهتمين بأهمية التقدم الصناعي المبني على الإبداع والفكر وتنمية إبداعاتهم وابتكاراتهم ونشر الثقافة الحقوقية في المدارس والكليات والمعاهد والإدارات والمؤسسات وعبر كافة وسائل الاعلام وتكثيف الدورات والندوات في مجال نشر المعرفة في نطاق حماية الملكية الفكرية.

2- التوجيه والنصح بغرض حماية الابتكارات بالشكل المطلوب حفاظًا على الحقوق.

تعزيز التعاون والتواصل مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص خاصة مع رواد الأعمال والمهتمين لتمكين وتطوير منظومة الملكية الفكرية.

3- تعاون وتكاتف الدول ومشاركتها ودعمها في إرساء منظومة حقوق الملكية الفكرية عن طريق دعم جهود مكاتب وجمعيات الملكية الفكرية في مختلف أنحاء العالم ودعم القدرات الذاتية

4- توحيد الجهود وتكاملها وتناغمها في اتجاه هدف التنمية الاقتصادية في مجالات الإبداع والابتكار نحو مستقبل أخضر.

5- دعم ذوي المهارات الخاصة في المجالات الإبداعية والابتكارية والاستفادة من قدراتهم

6- توفير المنشورات المجانية متوسطة التكلفة للبلدان النامية أو الأقل نمواً.

7- تشجيع البحث العلمي في مجال الملكية الفكرية وإيجاد شبكة من الكفاءات العلمية الوطنية في مجال الملكية الفكرية وتبادل الخبرات والمعارف حول مواضيع الملكية الفكرية في مختلف المجالات مما ينعكس ايجاباً على الحركة الاقتصادية.

8- حث المبتكرين على تسجيل ابتكاراتهم بما يضمن الحماية لهم وبالتالي زيادة ابتكاراتهم مما يعكس زيادة وتطور في الإنتاج وقوة في الاقتصاد.

ختاماً، اعتر مركز فِكر، أنه، بالرغم من النمو والتطور الصناعي الذي شهدته مختلف الدول وشهده العالم بالإجمال، إلاّ أن هذا التطور الصناعي والتكنولوجي كان له تداعيات سلبية على البيئة، لذلك كان لابد من التوجه وتسليط الضوء كما والعمل على تشجيع الابتكارات الصديقة للبيئة للحد من التلوث البيئي. إذ، بالرغم من الحاجة الى تنمية الابتكارات وبالتالي تطوير الصناعة وغيرها من القطاعات وما تحتاجه من حماية قانونية وهو ما يعطي تطوراً في اقتصاديات الدول في مختلف قطاعاتها، كان لا بد من العمل بالموازاة لإيلاء الأولوية الى تطوير المشاريع المبتكرة الخضراء والصديقة للبيئة، فمثلاً ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية (IEA)  فانه من المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2040، ولا يمكن إنشاء أنظمة للطاقة النظيفة اللازمة لتلبية ذلك الطلب، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتعزيز النمو الاقتصادي، إلاّ من خلال تشجيع الابتكار ودعم تطوير أنظمة متينة للملكية الفكرية تحفزه وتدعمه. وتلك هي المعادلة المعقّدة التي تواجه راسمي سياسات الطاقة.

إذ إن نظام الملكية الفكرية المتوازن والقوي يدعم ظهور اقتصاد أخضر يحافظ على الأرض ويخفف من الأضرار التي قد تلحق بها. فنظام البراءات والابتكار يعزز تطوير تكنولوجيات صديقة للبيئة التي بدورها تساعد في معالجة أزمة المناخ وبناء مستقبل أخضر، كما أن العلامات التجارية لها دور كبير في تقديم مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات الصديقة للبيئة.

مهرجان شعري كبير في مدينةِ الطيبة يشاركُ فيه الشاعرالفلسطيني الكبير الدكتور حاتم جوعيه ونخبةٌ من الشعراء المحليين

 



بمبادرةٍ وتنظيم من الإتحادِ القطري للأدباء والكتاب الفلسطينيين في الداخل  ومؤسسةِ محمود درويش للثقافة والأدب أقيمَ في قاعةِ بلديةِ مدينة الطيبة – المثلث –  مساء يوم السبت  ( 26 / 4 / 2025 ) مهرجانٌ شعريٌّ  كبير  شاركَ فيه نخبة من الشعراء المحليين، وحضرهُ  جمهورٌ غفيرٌ من مختلف أنحاء البلاد .

  إفتتح المهرجان الشاعرُ والأديب الدكتور أسامة  مصاروة – نائب رئيس الإتحاد القطري للكتاب والأدباء الفسطينيين ..حيث ألقى كلمة الإتحاد.

  وتولى عرافة القسم الأول من المهرجان الدكتور مروان مصالحة، وكان فيه كلمات  ترحيبيَّة  ومداخلات عن دور الأدب والشعر. وشارك في إلقاء الكلماتِ والمداخلات كلٌّ من : الكاتب الدكتور محمد هيبي الأمين العام للإتحاد القطري  والأستاذ عصام خوري مدير مؤسسة محمود درويش للثقافة  ورئيس بلدية الطيبة الأستاذ يحبى حاج يحيى . وألقى الأسير المحرر الشاعر المناضل صالح قويقس عدة قصائد وطنيّة من شعره.  

  وكان من المفروض أن يأتي ويتحدث في هذا المهرجان الشاعر والكاتب الفلسطيني الكبيرالأستاذ المتوكل طه، ولكن لأسباب وظروف قاهرة لم يتمكن من المجيىء.

  وأما القسم الثاني من المهرجان فكان للقراءاتِ الشعرية، وتولى عرافته الدكتورة فاطمة ملحم  والشاعرةُ والكاتبةُ ليلى عبد الله .

  والشعراء الذين شاركوا في القراءات الشعريَّة هم : 

الشاعر والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه  والشاعرة عناق مواسي والشاعر الأستاذ محمد أبو صالح  والشاعر يحيى عطا الله  والشاعرة عايدة هنداوي مغربي  والشاعر وسيم أسدي  والشاعر مصطفى أمارة  والشاعرة هدى عثمان أبو غوش والشاعر حسين حمود  والشاعر علي هيبي  والشاعر كمال علوش والشاعرة أسماء نعامنة والشاعر خالد خليل. 

   وقد تخلل المهرجان فقرات فنية قدمها كل من:عازفة القانون الفنانة  دانا عناد طيبي من مدينة الطيبي وعازف اللعود الفنان  يزن قاسم من مدينة الطيرة .

       وأختُتمَ المهرجان بكلمةٍ مُؤثرةٍ للدكتور محمد هيبي حيث حيَّا وشكر فيها المشاركين والحضور في هذا المهرجان التاريخي الكبير.

    وقام بتغطية هذا المهرجان إعلاميًّا وببثٍّ حيِّ ومباشرمن قبل تلفزيون العين الساهرة الإعلامي القدير والمخضرم الأستاذ حسام إدريس - مدير تلفزيون العين الساهرة .

ديوان "النزيل بمعماره في التيه" للشاعر الكوردي لخضر سلفيج: رحلة في عوالم المنفى والذات المتشظية



ناشرون فلسطينيون

صدر حديثاً عن دار لاماسو للنشر في السويد ديوان "النزيل بمعماره في التيه" للشاعر والمترجم السوري الكوردي، عضو رابطة الكتّاب السوريين، خضر سلفيج. يضم الديوان بين دفتيه ثمانين قصيدة في مائة وخمس وعشرين صفحة. يأخذ الديوان القارئ في رحلة شعرية عميقة إلى عوالم المنفى الداخلي، حيث تتقاطع الذات مع الغياب، واللغة مع الصمت.

تتميز قصائد المجموعة بأجوائها الشذرية المشبعة بالحزن، والتي يسيطر عليها الإحساس بالتيه، والعزلة، والانفصال عن الزمن والمكان. تتجلى الذات المتشظية في الديوان عبر صور شعرية كثيفة ومرمّزة، تتوسل الذاكرة كملاذ، وتستدعي تفاصيل الطفولة والأب والأم والحب المبتور كأصداء لفقد أكبر.

ولا يقتصر المنفى في الديوان على كونه مكاناً جغرافياً، بل يتجاوز ذلك ليصبح حالة وجودية، تحاورها القصائد بحس صوفي ولغة ممعنة في التأمل. فالشاعر في هذه المجموعة لا يسرد تجربة عابرة، بل يعيشها كتابةً، ويحوّل الهشاشة والحنين إلى معمار شعري فريد يراوح بين الحلم والانكسار، ليظهر ككيان له جسد يدفن ويكلّم ويحنّط، ويتحول من حالة إلى كائن حي يلازم الشاعر كرفيق مظلم. وفي الوقت نفسه، يمثل المنفى مساحة للصمت والتأمل والخسارات المتراكمة، وتبرز جغرافيا الذاكرة من خلال رموز مثل الشام والمقاهي القديمة وسوق الزهور، التي تظهر كمرايا مكسورة لحيوات ماضية.

يتنقل الشاعر في هذا الديوان بين أطياف الذات المنفية، وأمكنة شبه متلاشية، وشخصيات رمزية مثل الغريب والعرّاف والنزيل، جميعها تسبح في فضاء التيه والاغتراب. وينسج عوالم قصائده من تفاصيل حسية دقيقة كالقهوة والركوة وناي الموتى وعطر الأب وساعة الجد، ليصنع منها ذاكرة مشققة تطاردها أشباح الفقد وتوق الروح للحضور، فتتجلى تبعا لذلك ثيمة أخرى، ألا وهي العزلة من خلال هذه الشخصيات، المفصولة عن الجماعة والواقفة على هامش العالم، حيث العزلة ليست اختياراً، بل نتيجة الانسحاب من زمن لم يعد يشبه الذات.

ويوظف الشاعر في الديوان لغة صوفية ورموزًا مثل "ترجمان الأشواق" والبخور والعراف الأعمى وصرخة في أغنية إغريقية، ليفتح النص على بعد ميتافيزيقي وصوفي، حيث الذات تبحث عن تطهير أو فناء رمزي في "التعبد" الشعري المستمر.

أما الذات الشاعرة في الديوان، فهي ذات متشظية موزعة بين مجموعة من الثنائيات الضدية: الذاكرة والحاضر، الحب والفقد، الوطن والمنفى، الذات والآخر أو العالم، وتشتغل كل قصيدة كمقطع نفسي يكشف جزءاً جديداً من هذه الذات التي لا تكتمل ولا تصالح بينها وبين العالم، بل تعيش في التيه كمكان رمزي لوجودها.

ويتميز أسلوب الشاعر في الديوان باللغة السلسة ذات الإيقاع الشجيّ، حيث تسيطر عليها الوجدانيات المغمسة بالحزن،  والمكثفة القائمة على الإيحاء، والميل إلى التدوير داخل الجملة الشعرية الذي يجعل القراءة تجربة تأملية، والإكثار من استعمال الرموز المفتوحة التي تحمل شحنات عاطفية وثقافية عميقة. 

يمثل ديوان "النزيل بمعماره في التيه" مجموعة شعرية لا تقرأ بتأويل واحدٍ، بل تعاد قراءتها في ضوء تغير الذات نفسها، حيث تفتح كل قصيدة باباً نحو هشاشة الإنسان أمام الغياب والزمن والحنين، وبذلك يمكن أن يكون هذا الديوان مثالا جيدا على شعر الاغتراب، ونموذجاً حياً، ليس لاغتراب الشاعر عن بلده سوريا فقط، أو ليثمل الإنسان السوري المنفي وحسب، بل إنه لطبيعة الطرح المطلق، فإن هذا الإحساس العام بالاغتراب والتشظي يحسّها كل إنسان واقع في مثل هذه الظروف، ليتحول الديوان من الخصوصية الفردية ليصبح من الشعر الإنساني العامّ.

ومن بين قصائد الديوان التي يمكن أن تمثّل بعض ثيماته الأساسية قصيدة "المَنْفِيُّونَ إِلى كَاهِلِ التِّيهِ":

المَنْفِيُّونَ إِلى كَاهِلِ التِّيهِ

أَرَقٌ يَوْمِيٌّ،

صَوْتٌ أَعْزِفُ عَنْهُ

وَلَكِنَّهُ يَدْخُلُنِي،

يَتَسَرَّبُ فِيَّ

ويَحُثُّنِي عَلى الحَدِيثِ إِلَيْهِمْ

قَبْلَ أَنْ يَتَسَاقَطَ الصَّدَأُ

مِنْ حَنْجَرَتِي المُعَطَّلَةِ عَنِ العِتَابِ.

***

المَنْفِيُّونَ إِلى كَاهِلِ التِّيهِ

بِلَعْنَةِ الصَّبْرِ،

كَي تَقُولَ الرُّمُوزُ أَغَانِيهِمْ فِي مِهْنَةِ المَغْفِرَةِ.

أَدْمَنُوا خَدْشِي بِالمَجَازِ الطَّيِّبِ

وغَادَرُونِي.

أَخَذُوا قِطْعَةً مِنْ جَسَدِي مَعَهُمْ

لِأَتَذَكَّرَهُمْ بِهَا.


مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار: البابا فرنسيس باق في ضمير لبنان


قدّمت مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة العزاء لرحيل قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، بالجسد.

وأشار رئيس المؤسسة شادي خليل أبو عيسى إلى أن للحبر الأعظم معزة للبنان، وهو الذي ذكره دوماً في لقاءاته وصلواته، مؤكداً أنه رسالة، سائلاً الله أن يحفظه كنزاً للحضارة والحياة الروحية وشاهداً لقيم الحوار والمصالحة والتضامن الأخوي. 

وأضاف أبو عيسى: لروحه السلام، وسيظل في ضمير لبنان.


عناق روحي جامح: قصّة قصيرة للأديب التَّشكيلي صبري يوسف إلى الشَّاشة الكبيرة


انتهى المخرج السّينمائي السُّويدي كميل عيسى، من أصول سوريّة، منذ أيَّام قليلة من تصوير فيلم سينمائي قصير بحدود ثلاثين دقيقة باللُّغة السُّويديّة، تأليف وسيناريو صبري يوسف باللُّغة العربيّة، وترجم السِّيناريو إلى اللُّغة السُّويديّة، وتبنّى إنتاج الفيلم فريق صغير يتألّف من كاتب القصّة والمخرج السِّينمائي ومدير التّصوير شكري لازار. وأوّل لقاء لفريق العمل كان في الصَّيف الماضي، وتوالت اللِّقاءات مع الممثِّلين والممثّلات، وتمَّ التّصوير على عدَّةِ مراحل، وانتهينا من تصوير آخر مشهد الأحد الماضي، وتمَّ إنتاج هذا الفيلم للمشاركة في مهرجانات دوليّة داخل وخارج السُّويد.

طاقم فريق العمل: 

تأليف وسيناريو وحوار صبري يوسف

إخراج  كميل عيسى

مدير التصوير شكري لازار 

تمثيل، الأدوار الرئيسيّة: 

نيكول ميليفويفيتش دور ماريا 

Nicole Milivojevic

مازن كبرو مراد دور يوسف

إيفان عبّود دور ويليام

إزابيل بوريلوند دور مسؤولة البار 

Isabel Borglund

غريغور لوندغرين

 Gregor Lundgren 

دور منظّم أدوار الزّوار للدخول إلى البار 

مهندس الصوت هامبوس هالبيك

Hampus Hallbäck

مهندسة البدء بالتَّصوير 

مساعدة المخرج إيلين تيربيري

  Eilen Tyrberg

 سامويس قام بدور فرعي عازف غيتار في شارع الملكة: دروتنينغ غاتان في ستوكهولم.

وقام بأدوار كومبارس كل من الممثِّلين والممثِّلات التّالية:

وفاء زهر الدِّين (من المهتمَّات بالمسرح والغناء في فرقة كورال).

مارسيلين إيليا (فنان تشكيلي سوري)

بان ملك (معلّمة مدرسة ومهتمة بالثقافة والفنون)

سعيد أصفر (مهتم بالثقافة والفنون). 

كابي سارة (فنان تشكيلي سوري).

جاك جوخدار (نحّات وفنان تشكيلي سوري). 

لبنى العاني (فنّانة ومطربة عراقيّة). 

صبري يوسف ( أديب وفنّان تشكيلي سوري).

سيقوم المخرج كميل عيسى بإخراج الفيلم عبر مراحل متعدِّدة من المونتاج، وحالما يتمُّ إخراج الفيلم بصيغته النّهائيّة سيتمُ عرضه ضمن مهرجان مصغّر في ستوكهولم، ندعو فيه مجموعة من الأصدقاء والصَّديقات والمهتمِّين بالفن والسِّينما والمسرح قبل تقديمه للمشاركة في مهرجانات خاصّة بالأفلام القصيرة في السُّويد.


صبري يوسف 

أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم


التجربة الإبداعية للكاتبة الدكتورة منى العساسي بمنتدى السرد باتحاد الكتاب – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء

 







كتب / مجدي جعفر

..........................................................................

حول التجربة الإبداعية للكاتبة الدكتورة منى العساسي تحلق أدباء منتدى السرد، لمناقشة تجربتها السردية ومحاولة الوقوف على معالم هذه التجربة.

واستهل اللقاء بكلمة للشاعر السيد داود سكرتير الاتحاد رحب فيها بالكاتبة وبالسادة الحضور وبمنتدى السرد الذي يحتفي بالأدباء الحقيقيين، ومنى العساسي كاتبة موهوبة وحققت حضورها الأدبي الكبير على الساحة منذ صدور روايتها الأولى ( نقش على خاصرة الياسمين ) التي لاقت حفاوة طيبة من القراء والنقاد على السواء.

أدار اللقاء والحوار الذي امتد لعدة ساعات الشاعر والكاتب والناقد الكبير الدكتور كارم عزيز أستاذ الأدب العبري بجامعة حلوان، وعرّف بالكاتبة :

منى العساسي، الحاصلة على ليسانس الأداب – علم النفس – جامعة الزقازيق، وولدت بإحدى قرى مركز أبوحماد بمحافظة الشرقية، نشرت أعمالها بالصحف والدوريات المصرية والعربية، وصدر لها من الروايات: نقش على خاصرة الياسمين، جبل التيه، ليالي الهدنة، طيف أروى.

وصدر لها المجموعة القصصية : وز عراقي.

..........................................................

وحول رواية  ( جبل التيه ) وتحت عنوان (فانتازيا الرؤى وتبدلات الواقع فى رواية جبل التيه لمنى العساسي ) كتب الأديب والناقد العربي عبدالوهاب دراسة معمقة جاء فيها :

(تقدم الرواية قراءة أسطورية، للواقع والتاريخ معا، فى ثيمة فنية روائية لا شك أنها مبهرة للقارئ، وداعمة لمخيلته الوثابة التى تبحث عن ملامحها  فى واقع يسحقها، تخرج الكاتبة من مواضعات واقع خانق لبراح أسطوري يجسد من (جبل التيه) وأهله حكاية رمزية تعكس ظلالها على واقع يتذبذب بين التاريخي وبين المعاصر من أحداث.  

 للكتابة دورها الرئيس فى الغوص فيما هو تحت العادي، و يجري مستترا تحت سطحه.

 الكتابة عندئذ تصبح بديلا عن الانهيار، وحافزا للقارئ كي يركب حصان خياله ويلحق بالغوص فى تيه الجبل، وأهله المسحورين.

يقول الدكتور كارم عزيز "ترتبط الأسطورة فى أذهان الكثيرين ـ ارتباطا خاطئا ـ بالخرافة، حيث يتعامل هؤلاء مع كلتيهما باعتبارهما شيئا واحداً. والحقيقة أن الأسطورة تختلف تماما عن الخرافة. فلئن كانت الخرافة نتاجا للخيال الصرف الذى لا يتكئ على أية مرجعية واقعية، فان الأسطورة تفقد مصداقيتها ومجالها إذا هى لم تتكئ فى الأصل على ذلك الواقع الموجود بالفعل" (1) 

ورواية جبل التيه (2) تلعب فى منطقة انتاج صورة سردية روائية أسطورية لواقع تاريخي، ومعاصر فى يتنفس الآن.

ولكن كيف تم ذلك؟

قامت الكاتبة ببناء حبكة  روايتها على الصراع بين زمنين:ـ 

الأول ـ هو الزمن المعاصر متمثلا فى (خالد) الذى يعيش أوقاته وملابسات وتفاصيل حياته المُنْهِكة لقواه، ولعائلته، عندما يكون دخله المادي لا يوفر حياة كريمة، بل لا يلبي الأساسيات الضرورية.. ولكن ما الحكمة فى أخذ خالد لهذه الرحلة عبر الزمن كي يرتد لأزمنة تاريخية، بدأت مع تاريخ قرية (الغريق).. والغرق يغطي معظم سكانها، ولأن الكاتبة تصنع من أسطورتها الخاصة عالما موازيا، للدمار الحادث، فان استدعاء أسطورة (ليليث) شيطانة العواصف، ورمز الدمار الذي يتولد فى جبل التيه .. كي تكتمل بها الحكاية/حكاية جبل التيه وناسه. 

والثاني ـ هو الزمن التاريخي لسكان القرية ويحضر عنهم لساحة السرد الشخصية الأيقونية (أمينة) تلك الشخصية الأم / الوطن/ ويمكننا أن نجعل منها معادلا رمزيا لمعان أخرى موازية.

وعندما تلجأ (أمينة) بسبب خشيتها على ولدها اسماعيل من السقوط فى بئر الموت الذى يقضي على معظم أطفال قرية الغريق، فى اشارة رمزية، لمصادرة مستقبل أهل الغريق.

ومن ثم فاحتمالية سقوطهم مسألة وقت.

ولأن الرواية تلعب على خلق حالة من الجدل والصراع الدرامي والفني بين زمنين، فقد لجأت إلى جمعهما فى البداية فى حكاية ـ لا تعد أبدا ـ خرافية، وان بدت فى البداية هكذا.. 

ورواية (جبل التيه) تعتمد على الزمن الأسطوري الذى ينضم تحت لوائه الزمنين السابقين (المعاصر ـ خالد) والتاريخي/ السيد/ اسماعيل وشقيقه ربيع. وأمه أمينة ، والأب.

وخالد رمز الزمن المعاصر يقول لحبيبته: "إن الحب من خلف الهاتف صعب للغاية يا مريم، فدبيب الرغبة الذى يصنعه بي صوتك قاس جداً، والامتناع عنه أشد قسوة، فماذا أفعل؟ كيف لشاب بعمري وفتاة جميلة بعمرك أن ينحرا داخلهما الشوق واللهفة لأن الظروف القاتلة بهذا البلد تحملهما من سيئ إلى أسوأ" ص89

الحرمان هو العلامة البارزة فى علاقات تمت تحت خط الفقر، والتكنولوجيا لن تتمكن من تعويض هذا الحرمان .

الكاتبة تؤكد باستعراضها لتفاصيل واقع وزمن خالد ومريم حبيبته، حياة معاصرة تشكل الصورة المعاصرة لوقائع من شأنها بلورة العديد من الرؤى للأسف غالبيتها رؤى سلبية، منغصة، تدعوا للهروب إما بالسفر، أو الهروب من الزمن، بانشاء زمن آخر متخيل.. قد يتشكل عبر التكنولوجيا، وقد يتشكل عبر الأسطورة.   

ثمة رحلة كبيرة لمقاومة سحر (ليليث).. إن استدعاء الكاتبة لسحر هاروت وماروت، وللقدرات الخارقة لـها والتى يتضاءل بجوارها أي سحر، والرواية تطرح عدة متكآت تستمدها من المعتقدات الشعبية، مثل المسحور نفسه لمن سحره، وتوقيع عقد اتباع  الشيطان ومن ثمَّ عصيان الله، وخروجه عن الملة، يتبع ذلك طقوسا أخرى لفك لفك السحرـ ويبقى الغموض مكتنفاً كل ما يحيط بالأمر.

فخالد كأنه المهدي المنتظر، هوالمسافر عبر الزمن، وعبوره من الزمن المعاصر، لأقرية عمها الخراب والدمار بفعل السحر.

انعكاسات الزمن 

تستخدم الكاتبة الزمن بحرفية داعمة للبناء، ومبينة لطرائقها فى خلق تنويعات سردية، مرجعيتها اللعب بالأزمنة عبير المزواجة بين زمن متواتر وزمن أسطوري؛  زمن محدد وآخر مفتوح، زمن مادي، متجسد فى التفاصيل، وآخر أسطوري تخييلي  يؤثر ويتأثر بمعطيات الحدث (الحدوتة) الأسطورية التى تعمل بشكل رمزي يعكس قراءات متعددة لحدث  دلالي واحد يمكن يؤكده جيرار جينيت فى أنه  تتبين هيئته بسرد متكرر لوقائع متكررة .. ويستخدم الروائي هذا الضرب إذا رأى أن الحدث ضروري الذكر حتى يقوم بـ (ترابط الأحداث) .

والزمن الواقعي يتمثل فى حكاية الشاب خالد، وأسرته وضنك العيش فى واقع المعاصر، واستحالة إتمام علاقته بحبيبته مريم بالزواج، لأن الحرمان يتولد من تفاوت الدخل المحلي أمام المعروض السلعي بالسعر العالمي، فى سخرية لاذعة وبتفاصيل دقيقة واقعية، ولأنه ثمة لا معقول يطرحه هذا التفاوت، فان هذا اللامعقول يتناسب تماما مع تعويض هذا الحرمان بوسائل أخرى كالتكنولوجيا، وطالما أن الواقع يحرم خالد من حبيبته، فمن الطبيعي أن يتم تعويضه بوسائل أخرى، وهو استعاضته بهاتفه المحمول فى تعويض حرمانه، ومن ثم فتكشف الكاتبة تدخل التكنولوجيا فى إنحسار المساحة الانسانية، لصالح علاقات أغلبها زائف، حيث يرتدي الأغلبية الأقنهة، فى بناءات افتراضية لا حصر لها.."أجابها خالد مهزوماً: إلى متى يا مريم؟! هل سنوقف العمر افتراضياً لنبقى عند عمر الواحد والعشرين منذ بدأنا؟ هل سأنجب منك افتراضيا؟ هل سأشعر بدفئك افتراضياً؟! إلى متى  سأبقى أشاهدك عبر الهاتف؟! إن العمر يضيع سدى، وأنا جالس هنا وحيداً وأنت هناك وحيدة .. إلى متى؟!" (ص95ـ 96)

ثمة جدل خفي بين زمن التكنولوجيا، وأزمنة أخرى تنعم بالانسانيات، أيضا هذه التصورات تعمل كمبرر فني فى لقائه بالست أمينة القادمة من زمن آخر، زمن أسطوري يتم الربط بين الزمنين بحادث اصطدام وحريق القطار عام 2019، والغريب فى الأمر أنه تقريبا يمثل زمن كتابة الرواية الصادرة عام 2020م

هذا الحادث هو بمثابة الفجوة التى يلج من خلالها خالد برفقة أمينة إلى العالم الأسطوري فى جبل التيه..وكأنه قنطرة العبور بين زمنين يعكسان دمارا واقعا، الأول (احتراق ركاب القطار) والثاني ما تحدثه (ليليث) الأسطورية من دمار للبشر فى جبل التيه.. تشابه الدمار، بين زمنين، يهشم زمنا (واقعيا) تراتبيا، لصالح زمن أسطوري دائري مفتوح.

ومن خلال البنيتين (الواقعي) و (الأسطوري) يتولد جدل يتصاعد مع تصاعد أحداث كل كل عالم على حدة، والرابط بينهما دائما هو التذكر/ الرؤى التى يراها خالد وتنقل الأحداث من الثبات للحركة مثل اعتماد اسماعيل/ السيد فى جبل التيه على استخدام خليطا عشبيا، ليمرق ليقرأ ما يجول فى ذاكرة (علم) ومن ثم تجري عمليات تخاطر يتكمن بها السيد (فى إشارة رمزية) لسيطرة السيد على بعض الشخصيات وبالتالي يتمكن من المتابعة، والرصد، والاستباق فى اتخذا القرار.

  الحبكة الفنية

 ظننتُ فى البدء وهيأ لى غلاف الرواية، أنه ـ ربما ـ تنتمي لنمط الروايات الشبابية المنتشرة فى دور نشر متعددة، وهى روايات (الرعب) تعتمد على بث حكايات ومعالجات لحكايات عن عوالم الجن والعفاريت، دون مبرر سوى استهداف فئات من الشباب، وكأنه هؤلاء بغيتهم تلك الكتابات التى تعتد على التجسيد البصري، وتستخدم تقنيات التشويق، وغايتها التسلية، ووترويج تلك الكتابات (المسلية) والملاحظ عن قرب فى الآونة الأخيرة أن هذا النمط سيطر بشكل لافت على الدراما المصرية، وكأنها كتابات (الموضة/الرعب/التشويق) وإذا كانت الدراما تجد لنفسها مسوغا لذلك، وهى عوامل أخرى خاصة بالانتاج والتسويق وخلافه.

بينما فى الرواية التي يتحكم فيها الفكر فى الانتاج، فماذا يعني انتشار هذا النمط من الكتابات غير، شغل مساحات من الوعي السطحي بدلا من طرح الوعي العميق الذى من شأنه انتاج كتابة ذات دلالات عميقة تحفر فى فلسفة وجود الانسان، ورؤيته للعالم.

ووجدتني مع جبل التيه أنزلق إلى تيه يرمي بأجنحته على عالم واقعي، يتجادل مع عوالم أسطورية، ومن ثم تتجلى البنية الكلية للرواية التى وجدتها عالجت العديد من القضايا، بمهارة وحرفية عالية على توظيف الأسطورة ..وبث الدلالات الرمزية المتعالقة مع تفاصيل ومعطيات تاريخية.."فقد تصور المصري القديم أنه كان فى البدء محيط أزلي أطلق عليه ـ نون ـ وأن تلاً أزليا كان أول ما ظهر على سطح ذلك المحيط، وهو التل الذي صار فى التصورالأسطوري المصري أول موقع لأول أشكال الحياة، تلك الأشكال التى تمثلت فى كائنات معينة (الثعابين والضفادع)، والتى رمزت أسماؤها إلى (الظلام والختفاء والذبذبة)" (3)

بالطبع معالجة الزمن فى رواية التيه، كان أحد، بل أهم العناصر التي ساعدت على انتاج حبكة فنية تستعين بمخيلة القارئ فى السعي بين عالمين، يتجادلان، ويشتركان فى انتاج الدلالة الكلية، ويساعد فى تشكيل الحبكة أيضا (الأحداث والشخصيات).. وطريقة سردها عبر عمليات التقديم والتأخير. بل والاستباق، عن طريق الرؤى والكوابيس التى تحاصر (خالد) الشخصية المركزية فى الرواية وحبيبته مريم، وعبر تحولات الأسطورة تقوم الكاتبة بانشاء لعبة تبادل الأقنعة، فـ مريم تأتي بملامح (سيدة المفتاح) وخالد فى نهاية الرواية، هو هو الدكتور خالد، وحبيبته مريم وقد صارت دكتورة أيضا.

أما أمينة الممرضة وهى (الشخصية المحورية الثانية) وهي الأم التى فقدت أسرتها بالقرب من قرية الغريق، أمينةا نتيجة فقدانها لزوجها وولديها، وـ لأن وعيها لا يستوعب ما جرى فانها تلجأ لمسحوق الموت الأسود المعبر عن ثقافة الغرب فى وقائع الطاعون الذى اجتاح الغرب فى القرن الرابع عشر.

أمينة تعيش على هيئتين يتم تبديل الأقنعة بينهما .. فى المستويين الواقعي/  هى الممرضة،  وفى البناء الأسطوري  هى أمينة الأم والرمز.." فقد ضبطت أمينة التى كانت تعمل ممرضة فى أحد المستشفيات الكبرى إثر قيامها بعدد كبير من الجرائم المتسلسة، مستعملة تركيبة كميائية شديدة الندرة، تحتوي نسبة عالية جدا من عنصر الرادون وعناصر أخرى مجهولة المصدر" (ص2010)

نلاحظ فى الصفحات الأولى من الرواية  أمينة عند تسوقها لاحظت عند العطار كيسا معلقا يحمل اسم (مسحوق الموت الأسود) .. وبين انشغالها بالمدلول التاريخي لهذا المسحوق وبين تحولها فى النهاية لقاتلة بسبب استخدامها له.. تتشكل دائرة منتجة للحبكة بينهما فجوة ـ كما أسلفت ـ زمنية أسطورية فى حكاية (جبل التيه) حيث التيه والضياع متجسدا فى الشخصية الأسطورية (ليليث) فمن هي ليليث؟

(شيطانة العواصف من بلاد الرافدين ترافق الريح، ويعتقد أنها تحمل المرض والموت، وقد ظهرت شخصية ليليث للمرة الأولى كشيطان أو روح مرتبطة بالرياح والعواصف، عُرفت باسم ليليتو في سومر، حوالى 3000 قبل الميلاد، وهى أيضا شخصية معروفة في كتب التراث اليهودى حيث تقول الاسطورة أنها كانت الزوجة الأولى لآدم قبل حواء وتختلف ...) (4)

  الهدم والبناء

تنهض جبل التيه على هدم ثوابت ومعطيات واقع يضن على شخصياته بحياة كريمة، لبناء عالم فانتازي بديل، غايته خلخلة صلابة وجهامة واقع، يسحق بكل صلف أحلام وطموحات شخصياته

والهدم هنا بمعنى تجاوز معطيات واقع الشخصيات وخاصة (خالد ومريم) ومن قبلهم (امينة)، بغية جذب القارئ لاعادة بناء تصورات ورؤى تخييلية جديدة، تزيح الثابت لصالح المتحول.

لم يحقق خالد غايته بالاجتماع بحبيبته، بيد أنه يسعى داخل جبل التيه لانقاذ (سيدة المفتاح) التى تحمل روح مريم، وكأن انتخاب أمينة له، لم يكن مجانيا، فمواصفاته والخريطة التى على ظهره، وجرحه العميق يدفعونه لهدم الصورة فى حكاية أهل جبل التيه، بعدما سحقتهم (ليليث) الأسطورية الشريرة واحجزت واختطفت وعذبت (ربيع) شقيق (السيد)، وربيع الذى لم يحظ بقدر مناسب من السحر الذى يمكنه من الدفاع عن يسقط فى بئر ليليث

كما سقط من قبل خالد تحت وطأة ظروفه الاجتماعية، ولم يكن له من منقذ غير ـ الانتقال رغما عنه ـ القيام بدورالبطولة/ دورالمنتقذ فى عالم (التيه). 

وبين العالمين (الفانتازي والواقعي) تتولد مسارات جديدة، لأحداث تستمد وجودها من دماء ولحم الحدوتة الأسطورية لأهل جبل التيه، ومسألة الانتصار من عدمه متعلقة باكتمال (الصورة) الرمزية لجبل التيه ولرصد عذابات ربيع وسربونة.

وفى الواقع يسقط خالد، لأنه لا يمتلك مؤهلات القفز فى الواقع، لكنه ينهض وينتصر فى الحكاية الفانتازية، لماذاا ؟

باختصار لأنه يمتلك وشما/ خريطة  على ظهره، مثل آخرين فى الرواية  

نجده ينتصر فى الفصل الأخير من الرواية وقد أصبح طيبا، وبرفقته مريم، لاحظ أن قوى الخير تنتصرفى النهاية على قوى الشر المتجمع والمتجسد بقوة فى شخصيات مثل: (ليليث، وتيامات، والشيططان ذو الرؤس الثلاثة).  

وأعني هنا أن سقوط خالد وتجربته فى جبل التيه كان محتملا، بينما الانتصار فى العالم الأسطوري كان حتميا، وعند العودة لعالم الواقع، يستمر منتصرا، ويشتغل  ومع مريم التى صارت طبيبة أحياة

كن بالنسبة لأمينة فالأمر مختلف ...

فانها تبدأ فى وضع جيد وسعيد برفقة زوجها وولديها. بالاضافة لـ (حملها) فى مولودها الثالث،  لتزداد رحلة سقوطها بموتهم فى حادث تصادم، هذا الهدم المستمر فى شخصية (أمينة) هو المبرر الرئيس لوصولها فى نهاية الرواية كمحكومة بالسجن، بسبب تحولها إلى قاتل متسلسل، تقتل المرضى أصحاب الحالات المستعصية .

هل لتقديمهم قربانا للساحرة ليليث؟ كي تستبدلهم بأولادها المفقودين .. فـ أمينة من سقوط إلى فقدان، إلى انتظار مرير، حتى يتحقق لها لم الشمل مع ولديها على مستوي الحكاية الفنتازيا بينما فى الواقع أصبحت قاتلة.. أمينة شخصية مركبة وأيضا خالد.

معظم شخصيات رواية  يتأرجحون بين السقوط والنهوض، ويعيشون بين الواقعي والفانتازي والمروق السلس بينهما، يؤكد هذه البنية الجدلية المرموقة. 

 رواية (جبل التيه) غنية بشخصياتها، وبأحداثها، وبعلاقتها وظلالها العميقة مع أحداث تاريخية سابقة.. تنتخب قارئها العادي والمثقف معا. )

............................................................

وحول نفس الرواية ( جبل التيه ) كتب أيضا الكاتب والناقد أحمد عثمان دراسة ماتعة ومدهشة تحت عنوان (انطباعات قارئ حول رواية (جبل التيه) للكاتبة الأستاذة منى العساسي ) وجاء فيها :

(قــــــــــــــبل الولـــــــــــــوج:

اشتملت البداية على المفتتحين التاليين:

1 ـ مفتتح مبدئي: يشمل فقرتي الإهداء الموجهتين ليس فقط لصغيري الكاتبة؛ بل لكل من يبدأ خطواته الأولى في الحياة، ليقول للقارئ المقبل على تناول الرواية: إنك مقبل على صراعات ومحاولات تتناوب بين الفشل والنجاح، بين السقوط والتحليق، ولا سبيل إلى الفوز والانطلاق إلا بالمعرفة والدُربة والمثابرة والاصرار على التغلب على المُعيقات .. ولا أدري هل سأجد هذا في متن العمل الروائي ـ الذي بين أيدينا ـ أم لا، فأنا لم ألج إليه بعد، وإنما هذا الإهداء هو ما أوحى لي بذلك

2 ـ أما المفتتح الأساسي، أو التأسيسي ـ على وجه الدِّقة ـ والذي تبدأ من عنده، أو به الرواية؛ فأتوقعه تمهيداً يُرسي الأساس لما سيقام عليه من قواعد هذا العمل الروائي، فهو يحمل تعريفاً مبدئياً بشخصيات أساسية ناقلة ومشاركة في الأحداث:

 كشخصية "أمينة" الممرضة الحسناء، مدمنة قراءة التاريخ والأساطير(وفق توصيف الكاتبة)

الشخصية الثانية: الزوج "حسن" الذي لم نعثر على أي معلومات عنه في هذا المفتتح سوي أنه الزوج ... ثم الولدان (غير محدد عمريهما)، وإن كنت أعتقد أنهما طفلان ( وفق ما انطبع في مخيلتي)

ــ ثم مرَّرت الكاتبة إشارة في هذا المفتتح ـ تشي بسيطرتها على أدواتها في حذق ـ حين ألمحت إلى أسطورة ( ليليث سيدة الغواية) والدور الذي لعبته في غواية الملكين هاروت وماروت عبر ما تحترفه من وسائل الغواية والسحر الأسود التي تنفرد بها وتجيدها، ولتكون هذه الإشارة تكأة لما سيأتي من صراع تلعب فيه الغواية والسحر دورهما بين الشخصيات

ــ ثم إشارة ثانوية ـ وأكيد لها أهميتها ودورها الذي لم نعلمه بعد ـ لما وقعت عين "أمينة" عليه عند العطار مِن عبوة مدون عليها اسم " مسحوق الموت الأسود"، وما توارد على ذهنها من أن "الموت الأسود" كان تعبيراً يطلق على " الطاعون" ... فهل سنجد  لتلك الإشارات صدىً في المتن السردي عبر أحداث الرواية؟ لا أدري، فكل ما سبق كان قبل الولوج إلى المتن

ــ أما عن المكان؛ فقد أُشير إلى أنه قرية تسمى "الغريق" وهي مسقط رأس أمينة وزوجها

ــ وأما عن المدى الزمني فقد حددته " بقضاء عطلتهم"، وإن لم تحدد مدة هذه العُطلة، هل هي يوم، أسبوع، أكثر، أقل ..لا ندري حتى نخوض في الرواية وأحداثها التي ستفسر كل ما سبق

..... وقبل ألابحار في خضم الرواية؛ أجد لزاماً الوقوف عند الغلاف ـ وأحيي مصممه عليه ـ فقد هيئني لما أنا مقبل عليه في المتن من أجواء تتسم بالسحر والغموض يتبدى في هذا الأسْوَد الذي يعم الغلاف، وتلك العيون الحمراء التي توحي بالسحر والشيطنة، وما يؤازرها من تيمات أخرى تتميز بعدم الوضوح، لك أن تحسبها كهوف، أو أماكن ضبابية تحصر بينها هذه العيون التي تنفث إشعاعاً كالجمر من رأس كائن غير محدد إمعاناً في التخفي، وفي نفس المسار تتبدى أربعة رؤوس مخاتلة، فقد تراها كأظافر طائر ( وهي من موحيات تتعلق بالسحر والأعمال في المعتقد)، ولك أن تراها كرؤوس أفاعي تبرق عيونها بإشعاع مخيف .. فإذا ماأضفنا عنوان الرواية الذي يبدو وكأنه كُتب بالدم الساخن الذي مازال يقطر منه؛ لتأكد لنا أننا مقبلون على عمل غرائبي يتسم بأجواء يتآزر فيها الموت مع السحر الأسود، والغموض مع الخرافة، والأسطورية مع العبثية

ــ تحمل الرواية عنوان " جبل التيه"، فماذا عن جبل التيه؟

 جبل التيه هو هضبة تتوسط شبه جزيرة سيناء، وسميت أيضاً أرض التيه، وبرية التيه.. وجبال التيه [نقلاً عن كتاب " تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها" للكاتب والمؤرخ اللبناني نعوم شقير] هي سلسلة جبلية ممتدة تفصل بين بلاد التيه وبلاد الطور، ومن أشهر جبال التيه جبل الحلال، وهو جبل عظيم يمتد لنحو أربعين ميلاً إلى الشمال الشرقي من مدينة "نِخِل"، هذا عن الجبل ( وبالأحرى الهضبة) فماذا عن التيه؟ .. التيه أو الخروج هو ما وقع على بني اسرائيل ورحيلهم عن مصر وعقابهم بالتيه أربعين سنة في وسط سيناء جزاء نكوصهم ومخالفتهم أمر الله لهم بالجهاد ودخول الأرض المقدسة

ــ فإذا انتقلنا إلى المتن السردي، ومن خلال الفصل المعنون "عام الموت الأول" نجد أن الراوي العليم يقدم لنا ذلك الكائن الموسوم بالأسطورية والمتعارف عليه بين أهل القرية باسم "الغريق" والذي سميت القرية به، ومن أين جاءت هذه التسمية، فهو مقتول إثر ثأر، أُلقيت جثته بمصرف القرية، وتركها أهلها للكلاب لتنهشها، ليصبح فيما بعد كائنا أسطورياً مخيفاً، كلما مات طفل بالقرية نسب أهلها موته لهذا الغريق ـ القابع بالمصرف ـ الذي لايشبع، يقول الراوي عنه :" كلما جاع أرسل عزرائيل ليأتيه بطعام" ويتساءل بعد سطور: " وسؤال يطرح ذاته: لماذا يختار الأطفال بالذات؟! .. هل هو شاذ منحرف؟!أم يفتقر لمشاعر الأبوة؟" .. ولم يكن هذا وليد اليوم، ولكن الغريب وخرافته يسكن مصرف القرية من زمن بعيد 

إننا أمام قرية يتمدد بين جنباتها التخلف، فهي لا تحظى بأي من مظاهر الحياة بشئ، فلا طبيب، ولا صيدلية، ولا بقالة، ولا مدرسة، ولا كهرباء، ولا وسيلة مواصلات سوى الحمير ,, اختصاراً معيشة بائسة، وأمام هذه الأجواء من التخلف والتردِّي المعيشي؛ كان لابد للخرافة أن تتمدد بين أهل القرية، وتستقر في نفوسهم كمعتقد راسخ لا يتزحزح .. فالخروج من القرية ممنوع بعد الغروب، والمرور بطريق المصرف ـ بعد هذا التوقيت ـ ممنوع؛ حتى لو كان إلى القرية المجاورة التي لا تبعد عنهم سوى عشر دقائق سيراً على الأقدام .. إنه وقته الذي لا ينازعه فيه أحد؛ وإلا لقي حتفه .. يتشكل في أي صورة شاء، وقتما شاء، يقول الراوي: (فساكن المصرف لايسمح لأحد بالمرور بعد هذا التوقيت، إنه وقته وحده، يخرج من المصرف متجسداً في أي شئ كان: سيدة عجوز، أو ربما اختار الليلة أن يكون رجلاً بوجه مخيف، أو ربما يكون كلباً أسود بعيون حمراء، أو قطة سوداء، أو امرأة جميلة، أو حية ضخمة، أو أي شئ يختار ..) 

وتصاحبنا الغرائبية، والأجواء الأسطورية ممتدة في الفصل التالي المعنون بـ"الوشم" وذلك باستحضار نموذج الساحرة المسماه "تيه" وبرفقتها كل (الاكسسوارات) الموحية بأجواء السحر والسحرة، من غربان غرابيب، وبوم، وأفاعي لا تكف عن الفحيح، وعقارب، وروائح كريهة كرائحة الريش المحترق، وأصوات غريبة تبث الرعب في النفوس .. تلجأ لها نساء القرية الأميات بأولادهن، ومعهم "أمينة" بولديها يلتمسن منها تحصين أولادهم من الموت، وانقاذهم من سطوة غضب الغريق عليهم، وقتل الأطفال .. لتظهر ليليث للمرة الأولى داخل بيت "تيه" تنادي "أمينة" بصوت كالفحيح: (إني أنا ليليث، وإني اصطفيت ولديك لي، وإني أشمهما بوشمي، سيشبان قويان، فتيان، فلا يصيبهما مرض، ولا وهن، ولا موت)

وتلت بصوت مفزع: ((باسم سحر هاروت وماروت، وسحرة موسى، والذي طُرد من الملكوت، أهبكما قوتي وسر الخلود لتعيشا في الأرض جسدان لا يفنيان ولايموتان))

لتحيلنا الأستاذة الكاتبة للإشارة التي ذكرت في المفتتح التأسيسي حول ليليث وأسطورتها .. 

فمن هي "ليليث" التي يمتد الحديث عن شرورها على مدار الرواية ؟

وعبر محرك البحث "جوجل" بصفته الأيسر والمتاح، وموسوعة الويكيبديا على وحه الخصوص؛ كان الآتي:

  "ليليث" هي شيطانة عواصف من بلاد الرافدين، ترافق الريح، أُعْتُقِد أنها تحمل المرض والموت .. عُرفت باسم "ليليتو" في سومر حوالي 3000 قبل الميلاد، ظهرت للمرة الأولى كشيطان،أو روح مرتبطة بالرياح والعواصف، وأما التسمية بـ"ليليث" فيرجع إلى عام 700 ق.م، وتظهر في المعارف اليهودية باعتبارها شيطان الليل، وكبومة نائحة

وللاستزادة يمكن الرجوع إلى الويكيبيديا حول نشأة الأسطورة، لنرى أن هناك وسوماً وردت على مدار الرواية تتعلق بليليث، كارتباطها بشجرة الصفصاف مثلاً، حيث جاء بالأسطورة أن إله السماء أمر بإنبات شجرة الصفصاف على ضفاف دجلة، فلما كبرت الشجرة اتخذ التنين من جذورها بيتاً، واتخذ طائر مخيف (ربما هو البومة) من أغصانها عُشاً له، بينما في جذع الشجرة كانت تعيش المرأة الشيطانة ليليث، فلما اقتلع جلجاميش الشجرة الملعونة وقتل التنين؛ هربت ليليث لتعيس فساداً في الأرض .. من الوسوم أيضاً: ارتباطها بالثعبان الأكبر، أو التنين، أو القوة الكونية للخلود الأنثوي ويدعي ( تيامات) وله دوره أيضاً في الأحداث على مدار الرواية .. وقيل أن اسم ليليث جاء من الاسم السومري "لِيل" الممَثل في اسم إله الهواء "أنليل" الذي يعني الريح والهواء والعاصفة، وهو أيضاً الريح الحارة التي تقتل النساء ومواليدهن أثناء الولادة، وهذا ما كان من شرور ليليث في عامها الذي أسماه أهل القرية ـ من كثرة موتاهم ـ بعام الموت حين توعدتهم بصوتها الآتي من فم الريح بقولها: " إني أنا ليليث، وهذا عامي فيكم"  .. تقول "أمينة " عنه: ( كان الموت يأكل كل حي، يحصد الأرواح بلا رحمة، لم ينج من رحاه سوى القليلين، لقد أُبتُلع اسماعيل بكريَّ معهم" ليرد عليها ولدها ربيع: (ألا تذكرين أنه لم يولد في الغريق كلها في هذا العام سوى اسماعيل أخي، لا إنسيِّ ولا دابة نُفخت فيها الروح سواه) والمقصود هنا هو اسماعيل الوليد الذي ولد عقب موت اسماعيل الابن الأكبر وتسمى باسمه، وشرور ليليث لم تنقطع ولم تهدأ حتى لجأ من تبقى بالقرية إلى جبل التيه بالناحية الشرقية ( ولها دلالتها) بعدما صبت غضبها على القرية وأهلها ( فما من زرع ينبت فيها، ولا ماء يروي، ولا هواء، لم يعد يوجد هنا سوى الموت منذ رمتها ليليث بلعنتها)

وقد تناولت كثير من الأعمال الأدبية ليليث وأسطورتها نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1 ـ ليليث زوجة آدم الثانية: وهي دراسة تحليلية للكاتب عز الدين راشو تتناول الزعم بأن ليليث كانت الزوجة الأولى لآدم ـ حسب الأساطير المأخوذة عن العبرية والنصوص المسمارية ـ حيث خلقها الله من تراب مثل آدم ولم ترض بسيطرته، فتمردت وهربت منه إلى الأرض واقترنت بالشيطان 

2 ـ ليليث : رواية فانتازية للكاتب جورج ماكدونالد

3 ـ ابنة ليليث: رواية للكاتب أحمد السماري (سعودي)

4 ـ ليليث القمر الأسود: رواية للكاتب هشام شفيق  

5 ـ عودة القمر الأسود (ليليث): رواية أخرى لنفس الكاتب

  وكما كان المفتتح واقعياً، تفاجئنا الكاتبة بنهاية واقعية، وما بينهما يمكن حصره بين قوسين كبيرين على امتداد ما يقرب من المئتي صفحة من الفانتازيا والغرائبية، حيث نكتشف قرب النهاية أن كل مادار بين هذين القوسين من أحداث إنما كان يدور في أغوار عقل "أمينة" في مستودعها بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية، بعدما أصابتها لوثة عقلية بسبب فقد ولديها وزوجها في حادث سيارة غرقت بهم في مصرف قريتهم "الغريق" ونجاتها، كونها تعاني من نوع شديد الخطورة من الوسواس القهري جعلها تقتل المرضى التي ترى أنه لا أمل في شفائهم عن طريق حقنهم بتركيبة كيميائية شديدة الندرة تميتهم في الحال لتقدمهم طعاماً لشياطين العالم السفلي كي لا يأخذوا منها ولديها اسماعيل وربيع اللذين لم يكن لهما وجود أصلاً بعد غرقهما


بقي لدي بعض الإشارات التي صادفتني فيما قرأت، وأقول بعض وليس الكل، منها: 

1 ــ نقل واقعة حقيقية مأساوية حدثت بالفعل ونسبتها إلى ليليث على لسان "أمينة" في تحذيرها لخالد ومطالبته بالهروب من المحطة،لِما تراه من شر ليليث القادم مع الشروق، أعني بها واقعة جرار القطار المندفع الذي اقتحم رصيف 6 بمحطة مصر فقتل من قتل، واشتعلت النيران جراء هذا الاقتحام للرصيف وكل ما عليه من منشآت وبشر كان يفر والنار ممسكة به، هذا الحادث المأساوي الأليم وقع في السابع والعشرين من فيراير سنة 2019 والرواية صدرت طبعتها الأولى سنة 2020  ( يمكن الرجوع إلى المسرود عنها من ص 41 حتى ص 47 )ونجد إشارة لسنة الواقعة يأتي على لسان الشاب خالد ص 54 رداً عل سؤال اسماعيل وهو يهمس في أذن أمه: من هذا؟ كيف تبعك إلى هنا؟  .. فنظر (خالد) له وقال: أنا قادم من العام ألفين وتسعة عشر وقد شاهد بعينيه واقعة القطار مع أمينة أم اسماعيل وهما بالمحطة

2 ــ نُثرت شذرات فسيفسائية في مواضع متعددة من الرواية أوحت إلى قناعاتي أنما رمزت الأستاذة الكاتبة بـ" ليليث" إلى الكيان الصهيوني حديثاً ويهود بني إسرائيل قديماً، أذكر منها:

1 ــ ما جاء على لسان أمينة في حديثها لخالد حين سألها عن ليليث، فقالت: (إنها ليليث، قد ىدنست أرض مقدساتكم من قبلكم بحولين إلا ثلاثة أقمار، دخلت من بين الجمع، والقوم كما المغشي عليهم، وأخذت ما استطاعت، وخرجت والقوم سكاري مفتونين) ص 41

2 ــ حين أخبرت الحية "سربونة" إبنة "تيامات" والتي تحرس اسماعيل ولد أمينة لما سألتها عن ابنها؛ فأفهمتها أن ابنها هناك بالناحية الشرقية( وسبق الإشارة لدلالتها) بعد أن خرج عن طاعة ليليث، التي صبَّت غضبها على الأرض وما عليها من حياة بلعنتها، قالت سربونة: 

( قادنا القدر إلى التيه، حيث الناحية الشرقية، وما من سبيل للوصول إليه من الطريق الوحيد حيث ليليث، وعليهم البحث عن سبيل آخر للوصول إلى جبل التيه بالناحية الشرقية) ورغم هذه السيميائية، ما يعنيني هنا هذه الفقرة التالية بلالتها ورمزيتها والتي تقول:( قالت الحية: سأبتلعك أنت وصاحبك، وسأسري بكم في نفق شُقَّ تحت الرمل بعيدا عن أنف ليليث) ص 49

3 ــ بعدما وصلت أمينة وخالد إلى جبل التيه حيث ولدها اسماعيل وقومها، وتم اصطحابهما إلى قاعة العرش، رأيا على جانبي العرش اصطف إثنا عشر كرسياً في قمة كل منها رأس حية، يسمى مجلس الإثنى عشر، ومعروف دلالة الإثنى عشرأسباط بني اسرائيل

4 ـ ذكرت النجمة السداسية في أكثر من موضع بالرواية منها: القول بأن ختم نجمة سداسية غير مكتمل، ولن يكتمل إلا بحرق نسل آدم، فإذا اكتمل الختم؛ وجدوا روح المفتاح وفُتِح الجسر، وملكوا الأرض .. وفي موضع آخر يقول خالد وهو يقص الرؤيا التي رآها، ومنها: (... ورأيت غرفة الخلاص، ورمحاً مغروساً في حثة متحجرة محاطة بنجمة سداسية، فانظروا ماذا ترون) ص 169

5 ـ بقيت إشارة محيرة، في صفحة 76  أنه عندما سأل خالد الصبي عبد الله: هل تحب السيد؟

فقال : ( نعم، فمنذ أتى بنا القدر إلى جبل التيه ونحن ضائعونهنا، ولولا السيد لكنا هلكنا .. فقد أبلغني أبي بأن السيد في سالف العهد بالغريق( قريتهم) لم يكن من أثريائنا، ولا من عبيدنا، ولا من قارئينا،ولا مؤدبينا، لكن القدر اختاره لأن يكون السيد، فمُنِح العلم زالسحر والبصيرة، فسادنا وساوى بيننا، فلا عبيد الغريق ظلوا عبيداً، ولا سادتها سادوا، كلنا نعمل، وكلنا له قدره واحترامه) .. هذه الإجابة بلا شك تشير إلى نبي، فهذه صفات نبي ، ترى من يكون المقصود؟ خاصة بعد إشارة أخرى تفيد أنأثرياء القرية قبل الخروج كانوا يتخدون من المسيحيين عبيدا ومع النزوح إلى جبل التيه صاروا أحراراً فلا عبيد ول ساد الكل يعمل وله قدره، أي أن السيد صاحب هذه الصفات جاء بعد المسيحية ...!

في النهاية أرى أن الرواية تحتشد بالكثير الكثير الذي لايمكن حصره أو تناوله في هذه الانطباعات المتعجلة، التي لم تحط إلا بالقليل منها وفق ماتيسر لي وأفاء الله به علي .. )

......................................................................

وتحت عنوان (مقاربة نقدية في رواية " نقوش على خاصرة الياسمين " لمنى العساسي ) كتب الأديب والناقد مجدي جعفر

(ستظل شخصية ( الياسمين ) التي قدمتها منى العساسي في روايتها الأولى، عالقة بالأذهان، يستعيدها القارئ، ويعاود تأملها، ويستعيد ما مرت به من أحداث، فهي من الشخصيات التي لا تُنسى، الفتاة المأزومة في زمن العولمة، ومعاناتها من الغربة والاغتراب، الغربة المكانية والغربة الزمانية، فبعد ظهور النفط في دول الخليج العربي، برح المصريين الديار بحثا عن لقمة العيش والعمل في تلك الدول، وطاب للكثيرين الإقامة والاستقرار على أراضيها، و " محمد " والد " الياسمين " واحد من هؤلاء، وولدت " الياسمين " لأب مصري وأم شامية على أرض المملكة العربية السعودية، وأخذت " الياسمين " جمال أمها، الابنة الوحيدة للتاجر السوري الثري، فعاشت مرفهة ومدللة، فوالدها جعلها تعيش في مستوى اجتماعي واقتصادي لا يقل عن المستوى الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه صفوة المجتمع السعودي إن لم يفقه، وأحبها محمد المصري، وبعد زواجه منها، واصل ما كان يفعله والدها معها، فلا يرفض لها طلبا أبدا، ولا يضن عليها بشيء مهما ارتفع ثمنه.

وجاءت " الياسمين " بارعة الحُسن، حلوة الملامح، عذبة التقاطيع، يأسر جمالها كل من يراه.

وكما في الحواديت، يسقط من قرص الشمس، فتى جرئ، مغوار، فتمتد يده ليقبض بها على ذراعها، ويمطرها بعبارات الغزل والهيام، ويقبلها، لترتبك، وبسرعة البرق يدون لها رقم جواله، ويقول لها : أنت لي ..

إنه " علاوي " الشاب الإماراتي، البدوي، صاحب الشركات التي تعمل في السعودية والإمارات ومصر واسطنبول والعديد من دول العالم، وهذه من ملامح العصر الجديد، الشركات الإقتصادية العملاقة ذات رؤوس الأموال الضخمة، التي تجاوز تحكمها في الأفراد إلى الدول ذاتها، وهذا " العلاوي " دارت بينه وبين " الياسمين " قصة حب عنيفة، وصار دنياها كما صارت دنياه ..

و " الياسمين " مولعة بقراءة الروايات، وخاصة الروايات العالمية، وتكتب الخاطرة والقصة القصيرة، وحبيبها البدوي مولع بالشعر النبطي، قراءة وكتابة، ويتطارحان الغرام ويتبادلان الرسائل على أحد المنتديات، وما نشرته الياسمين على المنتدى تحت مسمى ( خواطر ) هي قصائد نثر بامتياز، ولم تأت هذه القصائد عبئا على السرد، بل وظفته الكاتبة توظيفا رائعا، جعل السرد أكثر تدفقا وحيوية، لغة وجدانية محلقة، كما وظفت الوسائط الحديثة من الموبايل إلى وسائل التواصل والمنتديات توظيفا جيدا، وكان لهذه الوسائط دورها المهم، وبرهافة شديدة ( آنسنتها ) الكاتبة.

والكاتبة على وعي وإلمام كبيرين بالمفاهيم الفلسفية والنفسية الجديدة، ودراستها في علم النفس ساعدها على فهم شخصياتها، وتحليل نوازعها النفسية، وساعدتها هذه المعرفة أيضا على أن تكون رؤيتها للعالم أكثر نضجا واكتمالا، فالياسمين تعرضت لسلسلة من الحوادث، أودت بها إلى الاكتئاب، والعزلة، فالقشة التي قصمت ظهر البعير كما يقول المثل العربي، هو زواج علاوي من غيرها، فانتصر لتقاليد البادية وتزوج من ابنة العم! والسؤال الذي يلح على ذهن القارئ وهو يقرأ الرواية، هل هذا الحب الكبير يمكن أن ينتهي بهما إلى الزواج؟ .. لقد كانت الصدمة الحضارية للياسمين عندما تحلقت مع علاوي في أحد المطاعم الفاخرة حول الطعام، فنحى الشوك والملاعق والسكاكين جانبا، وراح يلتهم الطعام بيده، فاستاءت الياسمين، ووجلت وجزعت، فحزن وأسرها في نفسه، هل يمكن أن تلتقي حضارة وثقافة الوادي بحضارة وثقافة الصحراء؟ فالياسمين فيها جينات الحضارة المصرية والشامية وهو فيه جينات البادية، فغلبت عليه رغم قشرة الثقافة، هل هي إشارة رمزية من الكاتبة، وكأنها أرادت أن تقول يصعب التلاقي بين الثقافتين.

إن ردة فعل زواج علاوي على الياسمين، كان قاسيا وعنيفا، فاستلت من المطبخ سكينا وراحت تغرسها بعنف في خاصرتها وفي مكامن الشهوة التي تذكرها بعلاوي، فأرادت أن تربط ذكراه بالألم فتنساه، فأحاطت خصرها بعشرات الطعنات، ولزمت مصحة نفسية لأيام وأسابيع حتى برأت، ورغم عمليات التجميل، ظلت آثارها تشكل نقوشا حول خاصرتها!!

والياسمين تعرضت في طفولتها، فيما قبل مرحلة البلوغ بقليل، لإعتداء جنسي بشع من شاب عشريني، كان له هو الآخر أثره البالغ على نفسها، وكانت الكاتبة بارعة وهي تضع دائما بطلة نصها في مواقف جديدة لتفجر الوعي لديها، ولدي القارئ أيضا، فالحوادث التي مرت بها الياسمين وربط الأحداث ببعضها البعض والمسارات التي تتحرك عبرها شخصيات الرواية كلها، كل هذا يحتاج إلى وقفة، لنؤكد فيها على وعي الكاتبة بالأصول الفنية والموضوعية التي يقف عليها العمل الروائي دون عثرات، وهذا ما نرجو أن ننجزه لاحقا، في دراسة تليق بالكاتبة والرواية لا قراءة على عجل محكومة بزمن ومساحة محدودتين، الكاتبة تجعلنا نعيد اكتشاف شخصياتها من خلال بعض المؤثرات الخارجية، مثل إعادة اكتشاف اللوحات من خلال تسليط الأضواء أو الظلال عليها، وشخصية ( فاطمة ) أم الياسمين، وعلاقتها المتوترة بالياسمين، وشخصية الأب ونزوته بالزواج بإمرأة عراقية، وتسميته لإبنته بالياسمين على اسمها، فكانت المرارة والغصة من الإسم الذي يذكرها بها، وعودته إلى القرية حزينا مكتئبا بعد موت زوجته المباغت، وزوجة علاوي وابنتها التي اختار " الياسمين " اسمها في أحلامها مع علاوي، والغيرة التي تنهش قلبها، ولجوئها إلى أقذر الطرق وأخسها، للانتقام من الياسمين، فلم يزل علاوي يحبها، وتريده نسيانها، و.. و ... وكل شخصيات الرواية اهتمت بها الكاتبة، ورسمتها من الخارج، كما اهتمت بأبعادها النفسانية ( الجوانية ) وبمستوى تقكيرها، وحركتها في محيطها الاجتماعي.

جاءت اللغة متوترة توتر شخصية الياسمين، والحوار في أكثر مشاهد الرواية جاء هو الاخر متوترا، واللغة عموما تجنح إلى الشعرية، وتصل أحيانا إلى الشعر إن لم تكنه، وأخذ الوصف الماتع مساحة لا بأس بها، فتصف الشوارع والبيوت والغرف والأشخاص، وقد يمتد الوصف لقاعة ليحتل ثلاث صفحات، تصف لنا أو تكشف لنا عن حال ووضع المرأة السعودية، وحياة الترف والبذخ التي تعيش فيه، وتقارن بينها وبين معاناة المرأة المصرية!.

وأرجو أن أكون قد نثرت ولو القليل من قطرات الضوء حول الرواية، على أمل أن أعود إليها لاحقا في قراءة أكثر عمقا وأكشف فيها عن كل ما تطرحه الرواية من قضايا وأفكار، والحيل الفنية التي استخدمتها ولجأت إليها، وجماليات السرد في روايتها الأولى التي تشي بكاتبة موهوبة، أنجزت بعدها روايتين أخريين هما " الهدنة " و " جبل التيه "، فالكاتبة قادمة بقوة، وقادرة على التجديد والإضافة وإثراء حقل السرد العربي )

....................................................................

وقدم الكاتب والناقد والمفكر بهاء الصالحي دراسة في رواية ( ليالي الهدنة ) جاء فيها :

(ليالي الهدنه ومطارحات الألم : قراءة في رواية ليالي الهدنة لمنى العساسي.

حيث يتم تصنيف الروايه إنها ذات بعد نفسي ولكن من أي زاوية؟ هي من زاوية التحليل النفسي لموقف إنساني وليس من باب المرض النفسي ولذلك تحديدا لأن النفس الإنسانية هي مناط الفعل الدرامي وبالتالي لا فعل درامي سوى مع البشر لأنهم الوحيدون القادرون على إمتلاك البدائل ويتحملون مسؤولية أفعالهم وبالتالي تكون الرواية ذات مدلول نفسي خاصة أن التحليل النفسي هنا مؤشر معرفي يخدم الأدب من خلال إثراء اللغة الفنية وليس شرحا فنيا لحالة نفسية هنا تصبح اللغة لغة  فنية وليس لغة علم بعينه.

حيث تبدا الرواية بتصدير شديد الروعة : في جوفي طائر محلق يضرب بجناحيه يبغي الحرية يرجو الخلاص.

الزمن المخادع في رواية ليالي الهدنه حيث تضيع الأزمنة داخل تلك الذات المزمنة بالفراق ولكنها تقع في حاله مهادنة مع أحزان الفراق تلك ولكن لماذا المهادنة هي الباب الملكي لقراءة ذلك النص؟ العساسي كصوت قادم من بيئة ريفية مع إمتلاكها للرؤية والقدرة علي تحليل واقعها يكسب أعمالها نوعا من النكهة  من خلال تلك العبارة الحاكمة (إن الموت هو الخلاص الشهي) وهي اخر عباره في الليلة الرابعة عشر بعد الهدنة.

كيف نقرأ رواية ليالي الهدنه؟ يمكن قراءتها على أنها رواية الشخصية بكل ثقلها النفسي وروايتها المركبة للعالم ليصبح العمل الروائي مرتبا بطريقة الإختزال لعنصر من عناصر العمل الروائي ليصبح هو المنظار والباب الملكي لرؤية الواقع على أن يتم تضمين العناصر الأخرى في السياق السردي بمعنى أن يكون الأخر حاضرا عبر عذابات الماضي وبالتالي يستوعب الأمر رؤية أخرى للحدث من وجهة نظر الأخر ولكن المقولة الوجودية بالأصل أن الأخر هو الجحيم وذلك على مستوى ألام الذات ليصبح تاريخ الحزن كملهم رئيسي لفكرة الإبداع ، ومن هنا يتمحور المكان داخل ذات المبدع ولكننا هنا بصدد مكان افتراضي يعكس درجة قهر الأخر وكذلك يعكس جدلية  العلاقة وليست ثنائيتها لأن الثنائية تفترض التأثير المتبادل عبر العلاقة الظاهرية ليصبح الجدل درجة من درجات الوعي المتنامي كقراءة للواقع وبالتالي يصبح الصراع والعقدة الدرامية كأحد أبعاد الفعل الدرامي داخل مساحة الوعي الذاتي هنا تصبح الفردية ذات البعد الإنعزالي القادر على إستجلاء أبعاد الرؤية من خلال اللغة وبالتالي يصبح التحدي في قراءة ذلك العمل تحديد المصطلح السائد عبر الرواية ومدي تعبيره عن فلسفة العنوان حيث ليالي الهدنه ولما كانت الهدنة هي إستراحة المحارب وعدم قدرة الطرفين المتحاربين على إستكمال الجولات  القتال من ثقل الجراح الناجمة عن حركة المواجهة ،ليستبين أثار المواجهة على الذات وخسائرها والرؤية تجاه الواقع لإعادة والقدرة علي بناء المواقف من جديد ،وإذا سلمنا جدلا بمفهوم العتبات لقراءة النص وكذلك فكرة العنوان كبنية جنينيه تتفرع من خلالها النصوص الإبداعية وهي رؤيه استباقية لدى القارئ الأول للنص وكذلك شارحه وبذلك يصبح العنوان إما دليلا على جودة البعد المعرفي للمؤلف و قدرته على توظيف مفردات اللغة الفنية للعمل السردي لإبراز ذلك البعد المعرفي من عدمه وهنا المهارة الإبداعية للكاتب دون غيره.

لتصبح قراءه النص من خلال عده أسئلة :

١- ليلة الهدنة الأخيرة وليلة الهدنة الاولى ما هي ملامح قراءه الذات للواقع الذي فرضه الاخر وقدرته على التحرر منه وبالتالي تحليل الليلة الأخيرة والأولى وفقا لطبيعة البداية في الليلة الأولى ومشاهدات ذلك عبر الليلات البينية. 

٢-العلاقة بين الذات والموضوع فبأي قدر تحولت البطلة من ذات قابلة للتاثر من خلال تعديل الموضوعات القابلة للإعتبار كمؤشر وطريقة رؤية العالم ليكون السؤال من يحدد أولويات الذات وبالتالي قدرة الذات على التحرر من الرؤى الموضوعية الواردة من الأخر، هنا فكرة الحرية حيث  القدرة والكفاءة  ما بين الذات الفاعلة والذات التابعة  . 

في الليلة الرابعة والثلاثين تبدأ بفعل يفيد التطهر والرؤية والقدرة على الفعل : سأهجرك. ليصبح هنا ذلك الإستعراض لمساحة الألآم المتواترة عبر الليالي الثلاثة والثلاثين وهي عدد مرات التسبيح عقب الصلوات وكأن لذلك الرقم جزءا هاما في الوعي الجمعي. 

اللغة ذات أفعال متعدية:  تتأمل- جمح – مبتسمه. هنا تصبح الهدنة قرار ولكن بغرض الرحيل وإستعادة الذات لأنها إستطاعت أن تجمع عبيرها المتناثر عبر زمان المحبة ولكن مع درجة من درجات الرقي الإنساني والقدرة على الغفران ومن هنا كانت اللغة المغرقة في الألام مع كثافتها مبررة فنيا ليخلق حالة الصفح.

وإلى تلك الليلة من المفترض أن تكون نهاية الرواية ولكنها اتبعت تقنية رواية في بيتنا رجل لإحسان عبدالقدوس  حيث  جمعت قصتان في قصة واحدة الأولى قصه إبراهيم حمدي والتي إنتهت بتفجير المعسكر الإنجليزي واستشهاد إبراهيم والإفراج عن المحتجزين وذلك ليلة عيد الفطر ، ثم الفصل الختامي الذي رصد التغيرات المجتمعية على تلك الأسرة الممثلة  للطبقة الوسطى ليكون إبراهيم حمدي هوالمثير لما كان من تغيرات نوعية لتلك الأسرة كنوع من الاستجابة للفعل الوطني المجتمعي وقتذاك. ولكن ذلك المعنى لا يكتمل إلا بتحليل الليلة الأولى حيث بداية الإنهيار لأن محددات الذات مشتقة من الأخر حيث أعتبرت نفسها  من خلال تلك العبارة : كيف تصل إلى  بهذا العمق.. وتهجرني بكل تلك القسوة؟ أنا الجميلة لحد الإبهار ألست أنت من قال هذا؟

هنا المرأة /الموضوع/ الجسد. بدلا من المرأة /العقل/الرؤية. وتلك أزمة الرجل الشرقي الذي يعاني من بقايا الإقطاع الفكري القائم على فكرة تسويق المرأة كرؤية الدين الشعبي أنها مرتع محايد من خلال ترسيخ الجمال الجسدي لا فكرة العقل المشارك وتلك الفكرة المحورية متعلقة بنمط الإنتاج الزراعي المتغلغل عبر الريف المصري وقد إنتقل بفعل سلفنة الواقع المصري بعد حاله التحقير التي مارستها الاستراتيجية المصرية بعد 74 وزرع فكرة التابع المميز بدلا من الرائد المتحقق، فإنتشرت تلك الفكرة في المدينة خاصه مع غزو الريف للمدينة وهو أمر تفسره طبيعة النظرة للنساء في مدينة الإسكندرية ما قبل 56 وبعد 56 حيث سيطرت فكرة النمط الواحد في التفكير بدلا من التعددية وهو ما يفسر لنا سيطرة الحركة السلفية بالإسكندرية والإسماعيلية والشرقية وذلك لأن رواد تلك الحركة اصطدموا بالتيارات الفكرية  التي تبناها هؤلاء الاجانب فكان طرحهم الاجتماعي  ردة فعل مدعومة بالتفسير الموافق للنص الديني والذي يحتمل عدة أوجه ولعل الدليل الأبرز على ذلك أن البيان الأول لجماعة الإسلام السياسي الرئيسية في العالم العربي إنها تقاوم التغريب ثانيا تطالب بإعادة الخلافة.

اذا هنا بصدد الليلة الأولى التي فقدت الذات ما يراها حيث الانسحاق في منظار الاخر لتكون النهاية في ذلك القرار الرشيد بالهجران.

لتكون الليلة الهاربة من التصنيف مقدمة لسفر الخروج وبالتالي يسهل تصنيف الرواية في موجة تيار الوعي حيث القدرة على التعايش مع المؤثرات الخارجية ولكن الطرح من خلال الإغراق في الذاتية يتم تسويقه فنيا لأن قضيه المرأة من الأمور المسكوت عنها عبر تاريخ المجتمعات الإنسانية وإلا لما حدث ما حدث لجان دارك وهي المرأة التي تمردت على دورها لتمارس فكرة العقل/ النبوءة ، لتنافس الفرسان في تقسيم العمل المتعارف عليه، ومن هنا نتفق على ان القاموس اللغوي عبر الروايه ينحصر في الأنا والذات والأخرون مع إستدعاء التصنيفات المرتبطة بفعل تلك المراكز المتحكمة في مسيرة الوعي عبر الرواية ولعل كثافة الضمائر الثلاثة تبدو في المقطع الأول من الليلة الثانية  بعد الهدنه فقد جاء ضمير المتحدث أربع مرات مقابل هو مرة واحدة ونحن مرة واحدة وكذلك في الليلة الرابعة والثلاثين حيث وردت بمعنى هي مع أفعال متعدية في ثمانية مرات في ستة أسطر مع بداية الليلة بالضمير أنا وينتهي به، دلالة الضمائر هنا  تدرجها من أنا والإنتهاء به ولكن عبر هي لتتسع  المساحة وتتنامي قدرة الذات على تجاوز أزمتها والقدرة على تحليلها ،فعل الابتسامة الذي يحمل نوعا من السخرية حيث تلك السعادة بعد إكتشاف حمق الألم .

تقنيه الفانتازيا كتطور طبيعي لعمق الألم الذاتي حيث تتلاشى نقطة الضوء في مجالات العتمة ليكون الحلم كتقنيه تعبير يمكن من خلالها طرح عدد من المكاسب التي تحققت بالهجران حيث تحولت لذات جديده قابلة للتجسد حيث القدرة على مهادنة الألم ذاته بعيدا عن مسببه حيث إحترام الألم الخالق للمتعة حيث تعبير الصلابة المجروحة كما ورد في صفحة 144 السطر الخامس من أسفل الصفحة.

من خلال تقنية المسرح كمشهد ونوع من الإعلان عن  التعالي على الألم تمهيدا لفكرة الخروج من معبد الرجل حيث  قدرتها على تجسيد الألم وقدرة الروح على الصعود فوق فكرة الجسد لتصبح هنا الجسدنة نوعا من إدانة الواقع القائم على تقسيم العمل الظالم للمرأة وذلك التناقض القيمي حيث فكرة المتعة، والتمرد عليها غير إعادة النظر للمرأة وفق المنظور الحضاري للنص المقدس من خلال مفهوم المودة والرحمة والرقي  بالجسد ، الصياغة هنا في أدب منى العساسي يقوم على الرقي خاصة أن مني العساسي قد إستفادت من دراستها النفسية في صياغة لغة راقية لتطابق التحليل العلمي لمفهوم اللاشعور وقدرته على صياغه المردود النفسي للتوافقات الجمعية فلم تسقط لغتها في فكرة ردة الفعل المبالغ فيه لتصبح مفردات الحالة النفسية المتعارف عليها مترجمة لغويا من أجل خلق حالة من التعافي وفق قانون الصحة النفسية وهنا يحضرنا تعريف جارودي للأدب على أنه نوع من ردة الفعل والإجابة عن أسئلة الوجود لدى المبدع وهي مرتبطة بوعيه ومهنته ومعرفته ولغته. 

شكرا لمني العساسي جهدها في صياغة معجم لغوي ومعاركة اللغة حتي إنها لم تشعرنا بوطأة تكرار الاطراف الدرامية لتخلق مساحة من الزمن الداخلي وقدرتها علي إمتلاك ناصية اللغة ونمذجة راقية للفعل الإنساني )

.......................................................

وتوالت الدراسات والرؤى والمداخلات من الأدباء والشعراء : محمد عبدالله الهادي، محمد الديب، السيد النماس، السيد داود، محمود رمضان، هاله فوزي وغيرهم، ونرجو أن يتاح لنا نشر دراساتهم المعمقة في متابعة أخرى، وكل الشكر لاتحاد كتاب مصر – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء وعلى رأسهم الشاعر الكبير إبراهيم حامد رئيس مجلس الإدارة وللسادة أعضاء المجلس الموقر.