جمعية محترف راشيا تُطلق أعمال الفنانة الحرفية نسرين أبو حجيلي

 


     في إطار رسالتها الداعمة للمبدعين والحرفيين الشباب في مختلف مناطق لبنان، أطلقت جمعية محترف راشيا أعمال الفنانة الحرفية إبنة راشيا الوادي نسرين أبو حجيلي، التي تخوض تجربة فنية جديدة ومميّزة تحت عنوان “صائدة الأحلام” (Dreamcatcher)، لتقدّم من خلالها مشروعاً فريداً في عالم الحِرف والفنون اليدوية.

     رئيس الجمعية شوقي دلال قال في المناسبة: اليوم يسرنا في جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" راشيا إطلاق اعمال الفنانة الحرفية المختلفة نسرين ابو حجيلي حيث تستلهم الفنانة  فكرتها من رمزٍ ثقافي عريق هو “صائدة الأحلام” التي تعود أصولها إلى تقاليد السكان الأصليين في أميركا الشمالية، حيث كانت تُعلَّق فوق الأسرّة لحماية النائم من الأحلام السيئة والكوابيس، فيما تمرّ الأحلام الجميلة عبر شبكتها لتلامس النائم بهدوء وسلام. ومن هذا المعنى الرمزي والإنساني، انطلقت نسرين لتمنح الفكرة روحًا جديدة بلغة الحرفة اللبنانية، مستخدمة الصنارة والخيط والكروشيه لتبدع قطعاً فنية تجمع بين الرهافة والرمزية، بين التراث العالمي واللمسة المحلية.......        وأضاف دلال: يتميّز مشروع “صائدة الأحلام”  (Dreamcatcher) بأصالته وفرادته، إذ لا يشبه أيّ مشروعٍ حرفي آخر، بل يقدّم رؤية فنية تحمل بعدًا روحانيًا وجمالياً في آنٍ واحد، تُعيد إلى الحِرفة اللبنانية بريقها، وتفتح آفاقاً جديدة أمام الدمج بين الحرف التقليدية والفنون المعاصرة. إنّ أعمال نسرين لا تكتفي بجمال الشكل، بل تحمل في طيّاتها رسالة رمزية عن تحقيق الأحلام وتجاوز الخوف عبر الفن، لتغدو كل قطعة منها بمثابة رسالة أمل وتفاؤل. وتؤكد "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" راشيا أنّ دعم هذه التجارب المبدعة يشكّل جزءاً أساسياً من رسالتها في رعاية الطاقات اللبنانية الشابة، وتمكين المرأة الحرفية في المناطق الريفية من تحويل موهبتها إلى مشروع فني يحمل هوية راشيا الوادي، ويُعبّر عن روحها الجميلة.

          الفنانة نسرين أبو حجيلي في حديثها عن مشروعها قالت: "لأنّي أحبّ شغل السنّارة والكروشيه، أحببت أن أمزج الكروشيه مع الريش مع بعد يتخطى السنارة والخيط لأنتج قطعًا فنية لها بعد روحي وفني عميق تُعلّق في الصالونات والأماكن الجميلة ، لتكون مصدر راحة وجمال لكل من يراها"...

في الصورة دلال وابو حجيلي مع احد اعمالها الفنية


منـاقشـة رسـالـة دكـتوراه




بمشيئة الله تعالى سيتم مناقشة رسالة العالمية (الدكتوراه) في الأدب والنقد المقدَّمة من الباحثة

إيناس أحمد عبدالسلام السيد

وذلك بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر الشريف.


📝 عنوان الرسالة:

الإبداع الشعري للشاعر حسين علي محمد (ت 2010م) في ضوء الفكر المقاصدي – دراسة تحليلية نقدية.


👩‍🏫 تتكون لجنة المناقشة والحكم من السادة الأساتذة:


1. الأستاذ الدكتور محمد عبد الحميد السيد غنيم

   أستاذ الأدب والنقد المتفرغ  والعميد الأسبق بكلية اللغة العربية بالزقازيق، وعضو لجنة المحكّمين لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين – (مشرفًا.)


2. الأستاذ الدكتور محمد محمد محمود الغرباوي

   أستاذ الأدب والنقد المتفرغ، والعميد الأسبق لكلية اللغة العربية بالزقازيق، وعضو لجنة المحكّمين لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين – (مناقشًا.)


3. الأستاذ الدكتور جمال محمود سيد أحمد جنيدي

   أستاذ الأدب والنقد المتفرغ، ورئيس القسم الأسبق، وعضو لجنة المحكّمين لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين – (مناقشًا.)


4. الأستاذة الدكتورة عزة محمود عبد الرحيم الشاعر

   أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة – (مشرفًا.)


📅 موعد المناقشة:

يوم الاثنين الموافق 12 جمادى الأولى 1442هـ / 3 نوفمبر 2025م

🕚 الساعة الحادية عشرة صباحًا

📍 المكان: قاعة المناقشات بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة.


نسأل الله التوفيق والسداد للباحثة الكريمة 🌿


رئيس جمعية محترف راشيا شوقي دلال يدعو إلى تكريم الشاعر الزجلي الكبير طليع حمدان في الذكرى الاربعين على وفاته


“إذا كان الشعر العربي هو ديوان العرب، فإن الشعر الزجلي هو ديوان لبنان.”

— الشاعر سعيد عقل


في مبادرة تعبّر عن الوفاء لقامةٍ شعرية لبنانية رفيعة، تمنى رئيس جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون راشيا شوقي دلال على فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون ووزارة الثقافة اللبنانية، إلى العمل على تكريم الشاعر الزجلي الراحل طليع حمدان في ذكرى الأربعين بعد وفاته، عرفاناً لعطائه الكبير ومسيرته التي امتدت لأكثر من ستة عقود أغنت التراث الشعري اللبناني والعربي.

وطالب دلال بأن يُصار إلى إطلاق اسم طليع حمدان على أحد شوارع بلدته عين عنوب، بموجب مرسوم يصدر عن وزارة الداخلية والبلديات، تقديراً لما مثّله من هويةٍ فنية وثقافية مميزة في الشعر الزجلي اللبناني.


كما ناشد دلال فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الحريص على الثقافة والمبدعين في لبنان إلى منح الراحل وساماً جمهورياً يوضع على ضريحه في مناسبة الاربعين على وفاته، بعد أن غابت الدولة عن مراسم تشييعه، مؤكداً أن في هذه الخطوة ردّ اعتبارٍ معنويٍّ لرجلٍ حمل لواء الكلمة الصادقة، وصان القيم التراثية والشعبية، وكان صوته صوت الوطن في أفراحه وأحزانه".

وختم دلال قائلاً: “بهذا التكريم، نستطيع أن نُوفي هذا الراحل الكبير جزءاً من حقه علينا وعلى الشعر الزجلي الذي شكّل وجهاً مضيئاً من وجوه لبنان الثقافية"...


"الأسوار والكلمات": كتاب نقدي يحتفي بأدب باسم خندقجي الخارج من عتمة السجن


في إطار الاحتفاء الأدبي والإنساني بالكاتب الفلسطيني باسم خندقجي، بعد تحرره من سنوات الأسر الطويلة التي قضاها خلف القضبان، صدر كتاب نقدي جديد بعنوان "الأسوار والكلمات: عن أدب باسم خندقجي" للناقد فراس حج محمد.

يأتي هذا الإصدار (الإلكتروني الصادر عن ناشرون فلسطينيون عام 2025) ليُلقي الضوء على تجربة خندقجي الاستثنائية كأحد أبرز كتّاب الحركة الأسيرة، الذي لم تُعقه مؤبدات السجن عن تحويل زنزانته إلى ورشة إبداعية، منتجاً مجموعة من الأعمال الروائية والشعرية التي أثرت المشهد الثقافي العربي. 

لا يقتصر الكتاب على كونه احتفالاً بالحرية، بل هو مساهمة نقدية جادة تسعى لتفكيك وتحليل النصوص التي وُلدت من رحم القيد، ما يجعله إضافة مهمة للمكتبة النقدية الفلسطينية والعربية.

يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام، يتناول القسم الأول المعنون بعتبات تمهيدية علاقة المؤلف حج محمد بأربعة من الكتاب الأسرى المحررين بصفقات الطوفان وهم: باسم خندقجي، وكميل أبو حنيش، وسامر المحروم، وهيثم جابر، واشتمل هذا القسم على رسالة سبق لباسم خندقجي أن كتبها من سجنه عام 2019، وسيرة ذاتية مختصرة له.

أما القسم النقدي الأساسي من الكتاب فهو العمود الفقري لـ"الأسوار والكلمات"، حيث يغوص فراس حج محمد في أعماق أعمال خندقجي الروائية والشعرية، مُطبقاً أدواته النقدية على نصوص أُبدعت في أصعب الظروف الإنسانية، فيقدم الكتاب دراسات مفصلة لعدد من أعمال خندقجي، محاولاً الكشف عن ملامح الأسلوبية والموضوعية التي تميز هذا الأدب. ومن أبرز هذه الدراسات:

قراءة في الشعر: تحليل لديوان "طقوس المرّة الأولى"، حيث يتوقف الناقد عند جماليات اللغة وقضايا الوجود التي يطرحها الأسير الشاعر من وراء القضبان، وكيف تتشابك التجربة الذاتية مع القضايا الوطنية والإنسانية الكبرى.

دراسات في الرواية: يتناول الكتاب بالشرح والتحليل أعمال روائية مهمة مثل "مسك الكفاية- سيرة سيدة الظلال الحرة"، فيُسلط الضوء على بناء الشخصيات والمعمار السردي للرواية التي تتقاطع فيها الذات مع الذاكرة والتاريخ. كما يخصص دراسة لرواية "نرجس العزلة" مركّزاً على مساءلة الذات ومواجهتها كإحدى الثيمات الرئيسية في أدب السجن، في حين يقدم دراسة تتناول المعمار الفني لرواية "أنفاس امرأة مخذولة"، محللاً المعمار الفني والتقنيات السردية التي اعتمدها خندقجي، وكيف أمكنه التعبير عن قضايا المجتمع وشخوصه رغم العزلة القسرية. وتُناقش الوقفة الرابعة رواية "محنة المهبولين"، إذ تتناول سؤال العقلانية والعبثية في ظل واقع الاحتلال والقيد. وتشكل هذه الدراسات النقدية دليلاً على أن أدب باسم خندقجي أدب أصيل ومكتمل الأركان الفنية يستحق الدراسة المعمقة والمقارنة بأعمال الأدب العالمي.

يخرج الكتاب في "القسم الثالث: آراء وقضايا" من نطاق النص الأدبي المباشر ليناقش قضايا ثقافية وفكرية أكثر عمومية، لكنها تظل مرتبطة بسياق تجربة خندقجي وتأثيره الثقافي، ومن أهم المواضيع التي يتطرق إليها هذا القسم: جائزة البوكر 2024، فيقدم الكاتب ملاحظات أولية وتحليلاً لخطاب فوز باسم خندقجي بجائزة البوكر للرواية العربية عن روايته "قناع بلون السماء"، وهو الفوز الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الجائزة وشهادة عالمية لأدب السجون، وفي القضايا المحلية يتطرق الكاتب إلى مقالات تتناول صورة مدينة رام الله وبعض الأنشطة الثقافية التي تخص أدب الأسرى (أدب الحرية).

يُعد كتاب "الأسوار والكلمات" وثيقة نقدية تسجل محاولة جادة لفك شيفرات أدب المقاومة، ويثبت أن القلم أقوى من أسوار السجن وظلامه، وينجح فراس حج محمد في تقديم كتاب شامل يجمع بين النقد الأكاديمي والروح الصحفية، مؤكداً أن مكانة باسم خندقجي كقوة إبداعية لا يمكن تجاهلها في المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي.

وتم نشر الكتاب في موقع المؤلف الإلكتروني، وفي موقع مكتبة كتوباتي الإلكترونية، وفي موقع مكتبة نور الإلكترونية، ومتاح للتحميل المجاني.


صدورُ ديوان شعر جديد للشاعر الدكتور أسامة مصاروة بعنوان: "رهين النكبات " كتب مقدمته الدكتور حاتم جوعيه




  عن دار بن خلدون للطباعة والنشر– طولكرم – صدر ديوان شعر جديد للشاعر والكاتب والروائي الكبير الدكتور اسامة مصاروة –  نائب رئيس الإتحاد القطري للكتاب والادباء الفلسطينيين في الداخل بعنوان : " رهين النكبات "، وهو عبارة عن ملحمة شعرية مطولة على نمط وأسلوب الرباعيات  تتحدثُ بتوسع عن القضيَّةِ الفلسطينيّة. كتبَ لهُ مقدمةً وَمُدَاخلةً نقديّةً مطولة الشاعرُ والناقدُ الكبير الدكتور حاتم جوعيه .

  ويحوي هذا الديوانُ أيضا عدة مقدمات قصيرة لكتاب محليين .


جمعية محترف راشيا تُطلق كتاب "بطمة في عيوني" للكاتب خالد زين الدين ورئيس الجمعية شوقي دلال أشاد بهذا الكتاب التاريخي المهم.


اطلقت "جمعية محترف راشيا" اليوم كتاب "بطمة في عيوني" للكاتب والشاعر ورئيس بلدية بطمة السابق خالد زين الدين والصادر عن الدار التقدمية وذلك في مقر المحترف راشيا الوادي 

رئيس الجمعية شوقي دلال وجه تحية تقدير ومحبة للكاتب والشاعر الاستاذ خالد زين الدين على هذا الكتاب المرجعي في التاريخ الهام جداً والصادر عن الدار التقدمية والذي يسلط الضوء على تاريخ بطمة المهم، فهناك اربعة مشايخ عقل قدمتهم بلدة بطمة ومنهم الشيخ علي الحريري احد طلاب السيد عبدالله التنوخي (ر) والشيخ شرف الدين صفي الدين والشيخ شرف الدين العضيمي ناهيك عن الآثار الرومانية والبيزنطية وعن تاريخ الحملات التي شُنت على بطمة والشوف عبر التاريخ كما أشار الكتاب الى العادات والتقاليد التي كانت سائدة ولغاية اليوم كما يتضمن تاريخ العائلات المسيحية والدرزية في بطمة والدوائر العقارية وكيف كان يتم بيع الأراضي فيها ناهيك عن تعزيز الكتاب بعشرات الوثائق التاريخية والصكوك  لهذا هو كتاب مهم ليس فقط لبلدة بطمة بل يطال قرى الجوار في الشوف ويُعد مرجع لكل باحث في التاريخ خاصة منطقة الشوف ولبنان، لهذا انصح الجميع بإقتناء هذا الكنز التاريخي المهم"... 

من جهته شكر الكاتب زين الدين "جمعية محترف راشيا" ورئيسا الفنان شوقي دلال على إحتضانهم للكتاب وهذا ليس بجديد على جمعية نذرت نفسها منذ اكثر من ثلاثة عقود لتكون الى جانب الكُتّاب والشعراء والمبدعين والمؤلفين من كافة المناطق اللبنانية وبالطبع فهذا الكتاب الذي نطلقه اليوم أتى ثمرة جهد سنوات في البحث وجمع المعلومات والوثائق التي تُعزّز ما جاء فيه من معلومات اضعها بتصرف القراء"...

وفي الختام قدم زين الدين لدلال الكتاب وتم إطلاقه 


عرض لكتاب فؤاد الحاج: الضاد الصحافة وأدباء المهجر

 


كتب عباس علي مراد

في الوقت الذي تتوافر فيه المعلومة على مواقع محركات البحث على الإنترنت، إلا ان فؤاد الحاج يبذل جهداً كبيراً من أجل وضع كتابه الصادر حديثاً، الضاد الصحافة وأدباء المهجر، والكاتب هو ابن مهنة المتاعب ومن هنا جاء اهتمامه في توثيق أعمال الشعراء والأدباء والصحافيين في المهجر، حتى انه جمع معلوماته من خلال مقابلات شخصية مع أبناء وأحفاد الأدباء المهاجرين او من زال منهم على قيد الحياة، بالإضافة إلى اطلاعه على ستة وعشرون مصدراً ومرجعاً، ليخرج الكتاب في مئتين وسبع وعشرون صفحة، وفي ص (29) يقول الحاج إنه عمد الى عدم توثيق جميع المراجع التي اطلع عليها.


لا يدعي الكاتب انه اكاديمياً متخصصاً في تدوين البحوث والدراسات... بل انه باحث عن حقائق تاريخية موثقة لأنه يعتقد ان الصحافي هو مؤرخ مرحليّ، يدوّن الأحداث والوقائع كما شاهدها حسب ما قال في تقديمه للكتاب.

في ص (15) يعرض الكاتب لكيفية صياغة الخبر والقواعد المتّبعة ليطلع القارئ على أن هذه القواعد موظفة لغرض نقل واقع الحدث حيث الصياغة تختلف بين كاتب وآخر، ويلفت الكاتب النظر إلى ان الإعلاميّ مرتهن لسياسة الوسيلة الإعلامية في البلد الذي تبث منه ويمولها... ص (16)

في ص (22) يقول: أن الشاعر الحر لا علاقة له بتلك القيود، فهو حر في تغريده وتعبيره متى شاء وفي الصحافة الحرة يتنفس... 

يقدم الكاتب عرضاً تاريخياً للظروف التي أجبرت الشعراء والأدباء والصحافيين على الهجرة خصوصاً من بلاد الشام (سوريا، لبنان وفلسطين) وبشكل خاص إلى مصر لأن هذه البلدان كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية، ويركز على الجوانب السياسية والإقتصادية لهذه الهجرة، مشدداً على كيفة مساهمتهم في تأسيس الصحف والمجلات ونشر انتاجهم الثقافي والأدبي، ويذكر أسماء الصحف والذين قاموا بنشرها.

ص (31) يعنون من هم العرب وبسرد تاريخي شيق يلقي الضوء على تاريخهم ويقول: أن العرب أمة أقدم من اسمها الذي تعرف به اليوم، ثم ينتقل بعد ذلك إلى عرض علاقة العرب بالعلوم ص (35)

قبل ان ينتقل الكاتب إلى عرض أسماء ونشاطات المؤسسات والمنتديات الثقافية والصالونات الأدبية التي اقيمت في المغتربات سواء في الأميركيتين الشمالية والجنوبية واوروبا أو في لبنان والعالم العربي ويعنون في ص (37) بالتعريف بما هو الفن.

يعطي الكاتب كل مؤسسة حقها من حيث الأهداف التي أسست من أجلها ونشاطاتها ومن قام بتأسيسها، يحتوي الكتاب على العناوين الكثيرة عن المدارس الشعرية وألوانها، الأدب العربي الحديث، الآداب والعلوم العربية من الذروة إلى الحضيض، واثر الأدب العربي في اوروبا، عوامل تطور الشعر العربي، ويخصص عنوان لمفهوم الشعر ومقوماته الفنية وأنواعه ويعدد أسماء بعض رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر.

يعطي الكاتب الزجل مساحة مهمة من الكتاب قبل أن ينتقل إلى تاريخ القصة عند العرب ومراحل كتابتها.

في أستراليا حيث يعيش الكاتب فؤاد الحاج، يأخذ الفصل المخصص للأدب العربي في استراليا حصة الأسد في الكتاب، ويلقي الكاتب الضوء في هذا الفصل على جميع النشاطات الثقافية والأدبية والمسرحية وتعليم اللغة العربية ومدارسها ونشأة الصحافة العربية في أستراليا ودورها والروابط والمنتديات والجمعيات الأدبية مع أهدافها ونشاطاتها وأسماء مؤسسيها.

يشيد الكاتب بالمهاجرين اللبنانيين الذين اتوا إلى أستراليا حاملين معاول البناء وأقلام الكتابة لتكريس امتدادهم الحضاري... من أجل تواصل العلاقات الإنسانية وبناء المجتمع الجديد، ونقل الأمانة إلى الأجيال القادمة... ص(158)

يشدد الكاتب على ان تركيزه على دور الجالية اللبنانية ونشاطاتها لا ينقص من دور وأهمية المهاجرين العرب ص(166).

وإلى جانب إشادة الكاتب بالناجحين إلا انه يلفت النظر ص (193) لفشل بعض المنتديات الأدبية في أستراليا الإستمرار في نشاطاتها، بسبب آفة الخلافات الشخصية بين الأعضاء والتكبّر، التي ترتبط إلى حد بعيد بالذهنية الفردية والأنانية...

لا يسع المرء إلا ان يشكر الكاتب على هذه الوثيقة التاريخية عن دور المهاجرين العرب في التعريف بالثقافة العربية وتحويل مرارة البعد إلى إبداع خالد... كما يقول المؤلف فؤاد الحاج.

أخيراً، الكتاب قيمة مضافة الى المكتب العربية خاصة للمهتمين من أهل الإختصاص أو من القراء العاديين، لانه يجمع الكثير من المعلومات في مكان واحد.


بيتُ العصفُورِ بالعربيَّةِ والعِبريَّةِ للشَّاعِرِ الأديبِ: وَهيب نَديم وَهبة



تَعلو في بيتِ العُصفُورِ، الجُدرانُ والسَّقفُ مِنَ الأَرضِ للسَّمَاءِ... وَتتَجَلّى الإِنسانِيَّةُ البَشريَّةُ مَعَ كُلِّ مُكَوِّناتِ الحَياةِ.

 تَسمُو بِنا إلى عَلياءِ الإِيمانِ للسَّماءِ... القَضَاءُ والقَدَرُ والبِرُّ وَالإحسانُ وَقِيمَةُ العَلِيِّ القَديرِ لِلوُجُودِ – الحَيَاةِ والمَوتِ والانبِعَاثِ.

تُتوِّجُ قِصَّةُ بَيتِ العُصفُورِ (مَحَاكِمُ الغِربانِ والخَطفُ، وبِناءُ البَيتِ، بِمعنى الوَطَنِ... كَقِيمَةٍ إِنسانِيَّةٍ وُجودِيَّةٍ للبَشَريَّةِ. 

قِصَّةُ بَيتِ العُصفُورِ صَدَرت بِأَقوالِ وَحِكمَةِ وَحِكَمِ سَيِّدنا سًلَيمانَ عَليهِ السَّلام.

هذهِ الرَّائِعَةُ الأَدَبِيَّةُ رَافَقَتها كَوكَبَةٌ مِن المُبدِعِين الكِبَار. دارُ النَّشرِ في الصَّدارَةِ (دارُ الهُدى- أ- عَبد زَحَالقَة - 2025) الرَّسّامَةُ المُتَألِّقَةُ: شِيرين الخاني - المُنَسِّقَةُ المُبدِعَةُ: آلاء مَرتيني. المُتَرجِمَةُ لِلعِبرِيَّةِ وَالمُدَقِّقَةُ: بروريا هورفيتس. 

هذه الكَوكَبَةُ التي جَعَلَت مِن بِناءِ البَيتِ للمَوسِمِ القَادِمِ – التَّكوينُ بِكامِلِ الإِتقَانِ وَالجَمَالِ وَالصُّمُودِ بِوَجهِ الرِّياحِ والعَوَاصِفِ وَالمَطَرِ.

شُكْرٌ خَاصٌّ لِلْمُبْدِعِ عَمِير بَاشَا عَلى اللَّمْسَاتِ الْأَخِيرَةِ لِلتَّنْسِيقِ      وَالْإِعْدَادِ لِلطِّبَاعَةِ.


ديوان جنون الحب للشاعر الفلسطيني الكبير الدكتور حاتم جوعيه

انقروا على الغلاف لقراءة ديوان جنون الحب

-  بقلم: الكاتبة والناقدة رانية مرجية

 

    يأتي ديوانُ جنون الحُب للشاعر الدكتور حاتم جوعيه بوصفهِ احتفاءً بالحُبِّ لا كحالة عاطفية عابرة، بل كـكشْفٍ وجوديٍّ ومعرفيٍّ يعيدُ تعريفَ الإنسان والعالم. في نصوص هذا الديوان لا نقرأ غزلاً ولا حنينًا فحسب، بل نعاينُ نشوءَ القصيدةِ من رحم الروح، حيث يتقاطعُ الوجدُ بالعقل، ويتحوّلُ العشق إلى فعل تأمّل، وإلى طقسٍ يُطهّرُ الذات من عتمتها.

🔹 الحُبُّ بوصفهِ فلسفة حياة

 ينطلقُ حاتم جوعيه من فكرة أنَّ الحبَّ ليس نزوة ولا تجربة عاطفية محدودة، بل هو أصل الأشياء، وهو القوَّةُ التي تحفظُ للوجودَ توازنه.

إنه حبٌّ كونيّ يرى في الآخر مرآة للذات، وفي المرأة تجلّيًا للصفاءِ الإنساني، وفي القصيدة طريقًا إلى الخلاص.

الحبُّ عنده وَعيٌ يتجاوُز الجسدَ إلى المعنى، لذلك يتماهَى الحبيب بالحياة ذاتها، ويتحوّل الوجدُ إلى معرفة.

في إحدى قصائده يقول:

“كلُّ الدروب إلى عينيكِ أسلكُها،

إليكِ امضي وَمهْمَا صَعَّبُوا طُرُقِي

قد كُنتِ بصيصَ الحُلمِ في شَجَنِي

وَكُنتِ أنتِ خيُوطَ النورِ في الشَّفقِ

فكيف أضيعُ، والدنيا بعينيكِ تُرى…”

هذا المقطع يُجسّدُ رؤيته الشعرية في أن الحبَّ ليس طريقًا نحو الآخر، بل طريق نحو الذات النقية التي تنكشف في العيون التي تحب.

🔹 اللغةُ: رهافة تُجيد الإصغاءَ للقلب

لغة الشاعر حاتم جوعيه لغة منصتة أكثر مما هي متكلّمة.

 يكتبُ كمن يقطّر الشعور قطرة قطرة، فلا إسراف في المفردات ولا صخب في الإيقاع.

كلماته تمضي كنسمةٍ هادئةٍ، لكنها تتركُ في النفس أثر العاصفة.

إنه شاعر يعرف أنَّ الجمالَ يسكن في الاقتصاد، وأن الشفافية لا تُنال إلا بالصدق.

اللغةُ هنا ليست زينة، بل وسيط بين الحواس والروح.

يستخدمُ الصور لا ليدهشنا بل ليُعيدَ إلينا دهشتنا الأولى: المطر ليس مطرًا فحسب، بل حنين يغسل الذاكرة؛ والعينُ ليست عضوًا بصريًّا، بل نافذة على اللانهاية.

🔹 البنيةُ الشعرية: بين الومضةِ والمشهد

في جنون الحب تتوزَّعُ القصائدُ بين نصوص قصيرة وومضات مكثّفة تشبه البوح، ونصوص أطول تحمل سردًا داخليًا خفيًا.

يُجيد الشاعرُ توزيع الإيقاع بين الهدوءِ والاندفاع، وبين الحلم والاعتراف، ممَّا يمنحُ القارئ تجربة متدرجة تُشبه التنفّس.

تبدأ القصيدةُ كهمسة وتنتهي كصلاة.

هذا التنويع البنائي يخلقُ ديناميكية تجعلُ الديوان كلاً متماسكًا رغم تنوّع نبراته.

🔹 المعجمُ الشعري: الضوء والعين والمطر

يتكرّر في الديوان معجم رمزيّ متماسك:

الضوء: دلالة على الكشف، الحقيقة، البصيرة.

العين: مجاز الحضور والحب والمعرفة.

المطر: رمز التطهّر والتجدد، كأن الحب مطرٌ يهطل على القلب ليغسله من أدران الخوف والوحدة.

هذه المفردات لا تتكرَّرُ اعتباطًا، بل تبني شبكة دلاليّة متصاعدة تجعلُ القصائدَ تتكلمُ لغةً واحدة: لغة الارتقاء من الحسّ إلى الروح.

🔹 الأنثى: القصيدة والكون معًا

الأنثى في شعر حاتم جوعيه ليست موضوعًا غزليًا، بل كائنة كونية، هي القصيدة والملهمة والأمّ والوطن.

تأتي ماثلةً كرمزٍ للحياة نفسها، حضورها ليس جسديًا بل روحيّ، تُنير القصيدة مثل شمسٍ داخليةٍ.

يكتبها الشاعرُ لا كآخر، بل كـ نصف الوجود المُكمّل، فيتحوَّلُ النصّ إلى مساحة التقاء بين الذات والعالم.

“هيَ، حين تغيب، تصمت اللغة،

وحين تحضر، تتكلّم النجوم.”

بهذا المعنى، يتجاوزُ الدكتور حاتم جوعيه الصورة التقليدية للمرأة في الشعر العربي، ليقدّمَ أنثاه بوصفها جوهر الخلق، وصوت النور الذي لا ينطفئ.

🔹 البُعدُ الصُّوفي الإنساني

تتسرّبُ إلى نصوص الديوان نفحاتٌ صوفيَّةٌ ناعمة، دون أن تتحوّلَ القصيدة إلى خطابٍ ديني أو وعظي.

هي صوفيةُ الإنسانِ العاشق الذي يرى في الحبِّ وجهَ الله، وفي الحبيبة مَمرًّا إلى الجمالِ المطلق.


هنا يصبحُ الشعرُ وسيلة تطهير، لا ترفًا لغويًا؛ والعشق معرفة، لا غريزة.

إنهُ التصوّف الذي يصدر عن فيضٍ إنسانيٍّ صادق، عن روحٍ تؤمن أن الجمال طريق الخلاص، وأن الكلمة صلاة لا تُؤدّى بالأصواتِ بل بالوجدان.

🔹 قراءةٌ جماليةٌ في الوجعِ النبيل

في جنون الحب، لا يصرخ الشاعر بألمهِ، بل يبتسم بهدوءٍ في وجهه.

وجعه شفيف، راقٍ، خالٍ من المرارة.

يتعاملُ مع الفقد كمعلم، ومع الغياب كمساحة للكتابة.

هكذا يتحول الوجع إلى طاقة إبداعية، تخلق جمالًا لا يُستدرّ بالعاطفة بل يُكتشف بالبصيرة.

🔹 تقييمٌ نقدي

يُثبتُ الدكتور حاتم جوعيه في هذا الديوان أنهُّ شاعرٌ يُراهنُ على الصدق أكثر من الدهشة، وعلى الصفاءِ أكثر من التعقيد.

يجمعُ بين النَفَسِ الرُّومانسي والميلِ التأمُّلي، ويُعيدُ إلى الشعرِ العربي الحديث بعضًا من وَهجهِ الإنساني الذي كاد يضيع في متاهةِ التجريب اللفظي. 

نعم، يمكنُ القول إن جنون الحب هو ديوان الحب الناضج — لا حب البدايات، بل حب الحكمة بعد التجربة، حيث تصير المشاعر رؤيا، ويصبح الجنون طريقًا للوعي.

🔹 في الختام

إنَّ ديوان جنون الحب عملٌ يكرّسُ الشاعرُ حاتم جوعيه كأحد الأصوات التي تؤمنُ بأن الشعر ما زال قادرًا على الإنقاذ، على تهذيب الإنسان وإضاءة روحه.

قصائده تشبه صلاة الجمال في زمنٍ فقد صوته الداخلي.

إنه ديوانٌ يذكّرنا بأن الكتابة ليست ترفًا، بل نجاة، وأن الحب — مهما تبدّل العالم — يظلّ المعنى الأعمق لوجودنا.

“إن لم نُجنّ بالحب، فلن نُشفى بالحياة.”

الدكتور حاتم جوعيه، ديوان جنون الحب –



مناقشة "أدب الأسرى" و"التقمص الإبداعي" في الكتابة بمدرسة تلفيت الثانوية


استضافت مدرسة تلفيت الثانوية المختلطة/ مديرية التربية والتعليم في جنوب نابلس الكاتب والمشرف التربوي فراس حج محمد للحديث حول "أدب الأسرى، والكتابة الإبداعية"، ولمناقشة الطلاب حول اشتراكهم في مسابقة كتابة إبداعية، قصة قصيرة أو خاطرة تتناول مشاعر أمّ فلسطينية لها ابن في مقابر الأرقام، واستهدفت المحاضرة مجموعة من الطلاب المشاركين في المسابقة والمتوقع منهم الكتابة.

رحب مدير المدرسة حامد عبد الله حج محمد بالكاتب، وبين الهدف من اللقاء، وبدأت الفعاليات بعرض فيلم قصر بعنوان "استرداد مؤجل" من إعداد "قامات لتوثيق النضال الفلسطيني"، يتحدث عن مقابر الأرقام واحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، وتضمن الفيديو لقاءات مع ذوي هؤلاء الشهداء، وخاصة الأمهات.

استهل الكاتب محاضرته بمناقشة الطلاب بموضوع الفيديو، وأبرز المسائل الإنسانية التي وردت فيه، وربطها الكاتب بموضوع "التقمص الإبداعي"، "تقمص شخصية أم الشهيد"، موضحا مفهومه بضرب الأمثلة مما يكتب كتاب الروايات والقصص، وكيف يبني هذا المفهوم في عقل الكاتب وأهميته التي تتبلور في أمرين: الأول الإلمام بالمعرفة التي تولد الانفعال العاطفي للعيش مع الحالة المراد الكتابة عنها، والآخر استحضار ملكات الخيال والتخيّل من أجل اقتناص لحظة كتابة خاصة ومشوّقة، لكي تكون الكتابة ناجحة ومؤثرة في القارئ أو المتلقي، مشددا على أن تكون الكتابات متنوعة، ليكتب كل طالب أو طالبة عن لحظة يختارها تنطلق من قناعاته وتحمل أسلوبه ووجهة نظره.

كما استمع الكاتب حج محمد إلى استفسارات الطلاب حول الموضوع نفسه، وحول آليات الكتابة وظروفها، وكيفية الكتابة، وشدد على أهمية القراءة النافعة الموجهة التي تخدم أهداف الكتابة ليكون بمقدور الطالب أن يكتب، فلا بد له من أن يتشبّع بالمعلومات، ليفيض العقل بكتابة لها دلالتها المؤثرة، مرشدا إياهم بالابتعاد عن تجريب المهمة بالذكاء الاصطناعي، لأن المقصود الناحية الإنسانية المشاعرية وليس المعلومات والناحية المعرفية، فالذكاء الاصطناعي تطبيق ذو مشاعر محايدة لا يفيد في هذه المهمة، فيصبح المنتج باردا مشاعريا وعديم القيمة.

وجدير بالذكر حضور اللقاء معلم اللغة العربية مصباح عماد حج محمد والمرشد التربوي علي فرج والمعلمة فاطمة دويكات، وشاركوا في المناقشة وتوجيه الأسئلة، وتوضيح بعض القضايا ذات العلاقة بالموضوع نفسه، وبالقراءة التي تعزز الفهم والقدرة على إنجاز مهمة الكتابة ذاتها.


ليلة استثنائية في محبة أحمد فضل شبلول باتحاد الكُتّاب – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء بالزقازيق




كتب / مجدي جعفر

.................................................................

احتشد أدباء الشرقية ومحافظات القناة وسيناء باتحاد الكُتّاب – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء، للاحتفاء بتجربة الشاعر والكاتب السكندري الكبير أحمد فضل شبلول، وأدار الندوة الأديب مجدي جعفر، وأشار إلى قبسات من سيرته الحياتية والأدبية، جاء فيها :

( أحمد فضل شبلول

- مواليد الإسكندرية.

- حصل على جائزة الدولة التشجعية في الآداب عام 2007م.

- تخرج في كلية التجارة – جامعة الإسكندرية.

- عمل محررا أدبيا في مجلة ( العربي ) بالكويت ومسئولا ثقافيا بقناة البوادي الفضائية، والمسئول الثقافي لشيكة ميدل إيست أونلاين.

- له أكثر من ثلاثة عشر ديوانا شعريا مطبوعا، آخرها : " اختبئي في صدري ".

- يكتب للأطغال وأصدر ثمانية كتب في هذا المجال، آخرها ديوان " أحب الحياة " عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017م.

- يكتب الدراسات الأدبية والنقدية وله ( 18 ) كتابا مطبوعة في هذا المجال آخرها : آفاق وأعماق – عشرون رواية مصرية.

- حصل على جائزة المجلس الأعلى للثقافة – شعبة الدراسات النقدية عام 1999م عن بحثه ( تكنولوجيا أدب الأطفال )

- أصدر بعض المعاجم العربية، منها : معجم الدهر، ومعجم أول الأشياء المبسطة، ومعجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين.

- عضو مجلس إدارة اتحاد كُتّاب مصر ونائب رئيس اتحاد كُتّاب الانترنت العرب ( 2005 – 2009م )، والاتحاد العربي للإعلام الالكتروني 2010م، وملتقى الشارقة للشعر العربي الثامن 2010م، وهيئة قصور الثقافة 2016م، وملتقى السرد العربي الخامس بالأردن 2016م.

- أُعدت عن أعماله عدة رسائل أكاديمية منها : رسالة ماجستير بعنوان ( بنية العلاقات في أدب الأطفال عند أحمد فضل شبلول ) للطالبة السعودية فاطمة القرني بجامعة الطائف بالمملكة العربية السعودية، وآخر هذه الدراسات تناقش الأحد 12 / 10 / 2025م لباحثة صينية بآداب الإسكندرية بعنوان ( تيمة الموت في روايتي " الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوط " و " الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد )

- تُرجمت بعض أعماله الشعرية ومقالاته للعديد من اللغات الحية.

.......

ورحب رئيس مجلس إدارة الفرع، الشاعر إبراهيم حامد بالمحتفى به الشاعر والكاتب الكبير أحمد فضل شبلول، وشكر منتدى السرديات على الاحتفاء بتجربة الشاعر والكاتب الثرية والمتنوعة في الشعر والرواية والنقد وأدب الطفل، فأحمد شبلول من كاتب موسوعي، وأجاد في كل فرع كتب وأبدع فيه، ونحن نفتقد في عصرنا إلى الكاتب الموسوعي، وشكر أيضا كل الذين حضروا متكبدين مشقة وعناء السفر إلى مدينة الزقازيق.

......

أصوات معاصرة :

وتحدث الشاعر والكاتب أحمد فضل شبلول عن علاقته بالشرقية، وارتباطه الحميم بالدكتور حسين علي محمد والدكتور صابر عبدالدايم والدكتور أحمد زلط وغيرهم، رحمهم الله جميعا، وعن تجربة أصوات معاصرة التي كانت تصدر من ديرب نجم بالشرقية، التي أسسها الدكتور حسين علي محمد عام 1980م، وكانت تضم في هيئة تحريرها من الشرقية : الدكتور صابر عبدالدايم والدكتور أحمد زلط، ومن الغربية الشاعر عبدالله السيد شرف، ومن بور سعيد محمد سعد بيومي، ومن الإسكندرية أحمد فضل شبلول، وفتحت صفحاتها لكل الأدباء والشعراء الذين يعيشون في أقاليم مصر، من أسوان إلى الإسكندرية، ومن دمياط وبور سعيد إلى مرسى مطروح، وساهمت " أصوات " و " كتاب أصوات " مع مجلة " رواد " من دمياط، وأدب الجماهير لفؤاد حجازي من المنصورة، والرافعي من طنطا، استطاعت مطبوعات " الماستر " التي كلنت تصدر من أقاليم مصر، من جيوب الأدباء، استطاعت أن تكسر الحصار المفروض على أدباء الأقاليم، وأن تضرب الشللية وغطرسة الاحتكار في القاهرة، كنا نتواصل عبر هذه المطبوعات الفقيرة في الطباعة والإخراج، فبعضها كان يصدر توفيرا لهدر النفقات بخط اليد، ولكنها كانت تحمل إبداعا جديدا، ومتجاوزا، واستطاع جيلنا أن يفرز نقاده أيضا، فكل جيل يجب أن يفرز نقاده، ومطبوعات " الماستر " في تلك الفترة كانت متنفسنا، وتمثل مرحلة مهمة في حياتنا الأدبية والثقافية.

..........................

وتحدث عن بدايته التي انطلقت من قصر ثقافة الحرية، وتعرف على محمد حافظ رجب، محمد السيد عيد، إبراهيم عبدالمجيد، مصطفى نصر، أحمد حميدة، سعيد سالم، والقائمة قد تطول، وكانت كل أيام الأسبوع موزعة لكل صنوف الأدب والفن، فكان يوما للشعر، يتجمع فيه الشعراء، ويعرف بنادي الشعر، ويوما للقاصين والروائيين يلتقون فيه ويُعرف بنادي القصة، ويوما ثالثا للمسرح ( نادي المسرح ) ويوما رابعا للموسيقى، وخامسا للفن التشكيلي، وسادسا للموسيقى، وكنت أحضر كل الندوات، وشغفت بها جميعا، وتعلقت بها، أحببت كل الفنون، وكان محمود سعيد هدفي، فكتبت عنه ثلاثة روايات، الرواية الأولى تتحدث عن بنات بحري، إحدى لوحاته التي أبدعها عام 1935م، والرواية الثانية ( الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد ) واستخدمت فيها تقنية الفلاش باك، مستعيدا فيها حياته، والكتالوج الذي يضم أعمال محمود سعيد الفنية بأقلام مصريين، وتُرجم إلى الإنجليزية، وقالوا بأن هذا الكتاوج يضم بين دفتيه كل أعمال محمود سعيد، وأي لوحة أخرى تظهر وليست مثبتة بهذا الكتالوج، ليست من أعماله، فتخيلت محمود سعيد يعترض على هذه المقولة، فمن المؤكد أنه رسم لوحات أخرى، ربما لصديق، أو رسم لوحة في مناسبة خاصة.

ونجيب محفوظ شغلني جدا، فكنت أقابله في الإسكندرية في ثمانينيات القرن الماضي، في الشانزلزيه أو في مقهى بترو، كان يلتقي فيها مع توفيق الحكيم، ولما مات الخواجة بترو انتقلنا إلى الشانزلزيه، وتحولت الجلسة إلى ندوة محفوظ بالإسكندرية، هذه القاءات أثرت في، وكتبت رواية عنه بعنوان ( الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ )، فحياته ثرية جدا، وبها نقاط درامية ساخنة جدا، شأنه شأن فناننا محمود سعيد، الذي رفض الوزارة، واستقال ليتفرغ للفن، وكانت الشخصية الثالثة أحمد شوقي، فكتبت عنه روايتان، رواية ( ليالي الكرمة )، كرمة ابن هانئ، ولما عاد من أسبانيا أسماها ( ليالي الكرمة )، والثانية ( أن أكون أميرا للشعراء )، في الأولى ( 28 ) شخصية يتحدثون عن شوقي، مثل : محمد عبدالوهاب، فتحي رضوان، العقاد، ...، وغيرهم، وفي فرنسا كان تعرف على شاب اسمه محمد علي العابد وأصبح فيما بعد رئيسا لسوريا، ويتحدث هو الاخر عن شوقي.

أما ( الشوقيون ) ففيه ( 120 9 شخصية تتحدث عن شوقي، مثل : يوسف خليف، طه حسين، العقاد، شوقي ضيف، ... وغيرهم، سواء كان هذا الحديث بالسلب أو الإيجاب.

أضع يدي على الجوانب الإنسانية في حياة الشخصية، بعيدا عن الدراسات الأكاديمية، فالاهتمام بالجوانب الشخصية مهم جدا، ومحاولة كشف أبعادها، والنظر إليهم من كل الزوايا ومن كل الجوانب.

وفي رواية ( رئيس التحرير ) كانت التجربة الصحفية خارج مصر، ورواية ( الماء العاشق )، ( ثعلب ثعلب )، ( الرحيمة ) وهي ثلاثية روائية، فيها من الفنتازي والعبث والواقعية السحرية.

...............

وعن الشعر، قال :

صدر لي ( 14 ) ديوانا شعرية، وصدر ديواني الأول عام 1980م بعنوان ( مسافر إلى الله )، وألقى بعض قصائده، وخاصة القصائد التي كتبها في معشوقته الإسكندرية.

وعن أدب الطفل، قال :

كتبت شعرا للأطفال، بعد أن رزقني الله محمد وولاء، وأول ديوان لي فاز بجائزة الدولة التقديرية، ولاقى حفاوة طيبة، وكتب عنه بالأهرام فاروق شوشة وغيره.

وتحدث حديثا مطولا عن المعاجم التي أصدرها، وعن دخوله للتقنيات الجديدة عبر شبكة الانترنت، وكيف أصبحت الكلمة جزء من العملية الإبداعية، وكنا نبشر بعصر جديد، فالأجيال الجديدة لا تقرأ الكتاب الورقي، فكيف نوصل إبداعنا لهؤلاء؟

...................................................................

وقدم الكاتب والناقد العربي عبدالوهاب ورقة نقدية، جاء فيها :

(فى رواية (رئيس التحرير) يؤكد أحمد فضل شبلول على أن روايته.. عن سيرة الكتابة فى حياة روائى وناقد أدبي وشاعر كبير قبل كل هذا.

"أحمد فضل شبلول" يخط تحت عنوان روايته جملة (أهواء السيرة الذاتية)

لتعمل هذه الجملة على مخايلة القارئ بأنه إزاء رواية من نمط الروايات التى تعتمد فى كتابتها على محطات من السيرة الذتية .. ولكن مفردة (أهواء) هى التى تفتح الدلالة على مخايلة القارئ بأنه لن يقرأ سيرة ذاتية أو رواية توظف السيرة الذاتية بالمعنى المتعارف عليه، ولكن هذه هى أهواء ومكنونات الكاتب صاحب هذه الرواية التى سيفصح فيها عن تصوراته الخاصة نحو ما كان، وما كان يتمناه أن يكون.

ولايضاح الأمر سوف نتذوق الرواية على المستوى النقدي باحثين عن تلك الأهواء والخيالات الطافية فوق الأحداث.

ثمة كتابة فى هذه الرواية تمزج التخييلي بالذاتي، والواقعي بالتهويمات ومقاطع الشعر، تعجن اللغة فى بوتقة الشاعر، وتستخرج ملامح الشاعرمن بين التفاصيل اليومية للحياة المملة، تستخرجه من حيز التكرار ليخلق بخياله وأهوائه رواية بديعة .. اتخذ الشاعر ما يخص سيرته الذاتية مع الكتابة والصحافة فقط، مازجا هذه الرؤية مع تفاصيل حياته منذ كان طالبا جامعيا عاشقا للشعر وللصحافة، يشرف على مجلات الحائط، ويتعرض لاغراءات اليساريين والإخوان، ، ويؤكد لنا بأن الكتابة لا تنتمي أبدا إلى حزب أو تيار سياسي؛ يحضر فى الفضاء الروائي باسم (يوسف عبالعزيز) الذى يخلط بشاعرية رائعة بين الاسمين، (النبي يوسف، والشاعر يوسف) .. يخلط بين الرؤيوى الحالم، وبين الصحفي المقموع المقموع بتنفيذ سياسة المجلة الخليجية التى يعمل بها، بل محكوم بروتين عمله الصحفي تحت قناعات وأهواء رئيس التحرير.

تماثل الشخصيات

كانت الشخصيات النسائية فى الرواية تحضر عبر محطات توقف عندها فى مسيرته الذاتية مثل (درية إبراهيم اليسارية وخشبة عمود عبدالواقف (اليمينة) ـ ولم نتعرف عليها بغير هذا الاسم الذى يعكس سخرية الطلاب من نحافتها الشديدة ).. ولكن شخصيتي "منى فارس / والجوهرة ابراهيم" هما الحاضرتين بفعالية كبيرة، كنقاط مضيئة ومؤثرة فى حياة البطل..

الأولى المصرية رفيقة الحلم والمعاناة، والتى أحبت البطل يوسف عبدالعزيز وأخلصت له، وبقيت متذكرة لأيامهم الخضراء (أيام الحماس الجامعي) ولقاءاتهما فى كازينو الشاطبي، وكأنها وجه الاسكندرية الحالم التى اقتسمت مع حبيبها كيزان الذرة وكتب فى عينيها أجمل قصائده.

فهل أحبت منى فارس فى يوسف شاعريته كما أحبت (الجوهرة إبراهيم) قريبة الشبه من منى فارس، شاعريته أيضا .. بيد أن (الجوهرة إبراهيم) تمكنت من خوض تجربة العشق والغرام، وتبادلت مع أفراح الجسد.. كما ساعدته على إيصال صوته الصحفي المتمرد بعلاقاتها لأكثر من صحيفة ومجلة خليجية وأجنبية.

وإذا كان الكاتب يقر بنفسه بمقدار هذا التشابه الذى يجمع بين الشخصيتين إلا أنه شكلهما من منطقة الحلم والاستثناء.

شخصية رئيس التحرير التى تجسدت فى الرواية جمعت بين الحلم العربي الكبير المتمثل فى عشقه لعبدالناصر، والمخلص أيضا لمصالحه، لذلك فهو يتخلى بسهولة عن نفسه ليكون ترسا فى منظومة صحفية تمثل صوت بلده وتستقي وجودها من انتمائها الأيديولوجي لمصالح المؤسسة الحكومية الكبيرى، وضرورة الالتزام بفلسفتها وتنفيذ أوامرها.. ولاقتراب رئيس التحرير من صناع القرار، فقد تحدث مع البطل عن (الفوضى الخلاقة)، وثورات الربيع العربي قبل إندلاعها.. وحينما اشتعلت المظاهرات طالب يوسف بالالتزام بسياسة الصحفية وحذره فى النشر فيما يخص الملف بأكمله..

ـ ومن ثم كانت الاجازة المؤقتة ليعود إلى مصر ويعيش أحداث الثورة مع البسطاء وحزب الكنبة، حلاً مناسبا للطرفين.

ثمة شخصيات انتهازية مثل الصحفي المصري الذى يحارب فى الخفاء البطل خشية على وجوده فى الصحيفة.. وصفة الانتهازية لا يفلت من إسارها أيضا رئيس التحرير نفسه الذى يجند المحررين للتجسس على رفاقهم.. لكنه لا يتمكن من تجنيد البطل .. وذلك كي تظل قبضته الحديدية متحكمة فى محرري الصحفية مخافة فقدان مركزه المرموق.

ناقش الكاتب فى روايته أحداث (18و19 يناير) فى أوائل السبعينات عندما كان طالبا.. وأسبابها وتعامل الأمن معها.. وكان وقتها يراسل المجلات العربية بأشعاره، وفى الفصول الأخيرة للرواية ناقش الأحداث المعاصرة من خلال الثورات قارئا وموضحا التآمر الدولي على دول الشرق الأوسطط.. وكيف سيعيدون رسم الحدود حسب أهوائهم، ومن خلال ما أسموه بالفوضى الخلاقة والثورات العربية .. حيث ناقش أيضا معانٍ مهمة ومؤثرة مثل ( معنى الانتماء، والانفلات، وغياب الأمن، ودور الشباب فى دفع فاتورة هذا السعي نحو التغيير)

ولذلك فالزمن فى الرواية يترواح بين هذين الحدثين المؤثرين (وكلاهما متشابهان) فى شرارة مظاهرات السبعينيات كان بطلها شباب الجامعة وثورة 2011 كان أيضا بطلها الشباب.

كيف يتحول السرد السير ذاتي، إلى سرد لسيرة الوطن؟

يتحول كلما خرجت الفصول وحكايات الراوي عنها بشخصيات تمثل التيارات والأحزاب السياسية، وكلما تناول البعد الاجتماعي وجعله محركا ومؤثرا فى البعد الذاتي.. فليس ثمة كائن من كان سيعيش منعزلا عن ظروف وأحداث مجتمعه، كلاهما يتشكلان عبر تفاعل ثقافي واجتماعي، وفلسفي وأيديولوجي أيضا.. تفاعل نشعر فيه بحركة الفرد فى محيطه كفاعل ومفعول به.

كيف يتبادل الشاعر مع الصحفي مقاعدهما ؟.

بمعنى آخر ما دور الشعر فى الرواية .. يتجسد ذلك فى البداية عندما يتابع الراوي بضمير المتكلم (يوسف عبدالعزيز) المحطات المضيئة التى تبين قدر شغفه واهتمامه بالصحافة منذ مجلات الحائط فى الجامعة، هنا يحضر الشاعر وهو يخبرنا عن نفسه ومحبته للكلمة وللعمل الصحفي.. ويستمر فى كشف أعماق ذاته بايضاح كيف يكتب هذا الصحفي.


ـ يكتب أحيانا مستعينا بالأسطورة والشعر وبدا هذا واضحاً عندما قدم تغطية لمكان أثيري وأثري هو (البتراء) فى الأردن الشقيق، وعبر هذه المعالجة الأسطورية يمتزج الشاعر بالأسطورة، و بالمكان، فى عملية تخييلية تكشف تأثير الأماكن السياحية، كأماكن شكلت الوعي الانساني، وكأنها بذرة الخلق الأولى التى يؤصل من خلالها ما ذكرته الأبحاث التى تحدثت عن ذلك المكان، وأيضا تتلبسه روح المكان وشخصياته ويرتقي بشاعرية مائزة مازجا بين الأسطوري وبين مفردات المكان فى سردية متميزة، نلاحظها أيضا فى ثلاثيته البديعة (الماء العاشق).

فى النهاية لابد أن نقر بأن الشاعر والكاتب أحمد فضل شبلول تمكن فى روايته رئيس التحرير من أن يجعل من الكتابة السردية فى روايته، كتابة خارجة عن المألوف تارة لتوكيد أعماق شخصية البطل / الوجه الحقيقي للشاعر والروائي الذى استعان بتفاصيل من سيرته الذاتية، ويؤكد على المستوى الدلالي والسردي لـ (صفة الشاعر) فى منعطفات ومنحنيات متعددة فى الرواية .

نشعر ونحن نقرأ مقاطعه الشعرية التى ضمنتها الرواية داخل البنية السردية للرواية أنها جاءت ملتحمة مع بينة المشهد المسرود، ومساعدة بشكل فني متميز على تشكيله بعمق؛ حيث نلاحظ ـ على الدوام ـ حلول الشاعر فى صفة الصحفي.. وخروج الصحفي عن روتينية وأحداث عمله لعوالمه الشعرية، وتهويماته التى تستقي رافدا هاما من تجربته الشعرية.

رئيس التحرير رواية تمكنت من الاضافة لمفهوم الروايات التى اعتمدت على السيرة الذاتية.)

....................................................................

وقدم الكاتب مجدي جعفر ورقة نقدية، جاء فيها :

(عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة صدرت رواية (الماء العاشق) للشاعر والكاتب المعروف أحمد فضل شبلول. 

والرواية موزعة على ثنتا وأربعون فصلا أو مقطعا سرديا في (١٤٠) صفحة من القطع المتوسط. 

والرواية تمتح من واقعنا المعاصر، وهناك وقائع وأحداث تشير إلي الزمن الداخلى للرواية مثل الإشارة إلى اتفاقية السلام مع العدو الإسرائيلى 1979م ص91 وإلى حدث افتتاح مكتبة الإسكندرية في العام 2002م ص102، وغيرها الكثير من الحوادث التي تشير إلى ماقبل العام2020م بقليل. ص122

أما الزمن الداخلي للرواية فهو مُمتد إلى الأزمنة السحيقة-لايعود إلى زمن كليوباترا وأنطونيو وحسب، بل يمتد إلى زمن الربة إيزيس وماقبلها .. إلى زمن الخلق الأول قبل آدم عليه السلام. 

اما الفضاء المكانى الرئيس الذى تدور فيه الأحداث: الإسكندرية- بيروت- تل أبيب-فرنسا- مكة- وغيرها.

ولأن الرواية تتكأ أيضا على التاريخ- فكما يمتد الزمن الداخلي فيها إلى الأزمنة السيحقة-تمتد أيضا الأماكن- لتشمل معظم أنحاء العالم القديم الذى دارت فيه حروب وصراعات ومعارك كثيرة ورد ذكرها بالرواية. 

وجاء البحر كفضاء مكاني أيضا، ففيه وحوله وفي أعماقه دارات حوادث غريبة وعجيبة، وإذا كانت لليابسة شخصياتها فإن للبحر شخصياته، ولكل خصائصه الجسدية والنفسية والعقلية. 

ومن الشخصيات الترابية الطينية: هدى إسماعيل، عمرياسين، عبدالصمد المكي، عاتيد بن يامين، والفنانة ليلى علوي، وغيرهم. 

ومن الشخصيات المائية: أم الماء وبناتها (جنية البحار)، وجني البحار، والماء العاشق وغيرهم. 

ومن الشخصيات التي جمعت بين الاثنين(بين التراب والماء): كليوباترا ومسعود. 

واهتم الكاتب اهتماما بالغا بالماء وبقصة خلقه وعلاقته بالنار والتراب (إبليس وآدم) ص ص: 8-10

........

الماء العاشق.

الماء العاشق هو ماء حر- يختلف عن الماء الذى يتم ضخه فى مواسير حديدية أو بلاستيكية، يرفض العبودية، ولايصعد إلى الأدوار العليا، وقد اختار شقة بالدور الأ رضي في سيدي بشر لمهمة مقدسة، فالذى أرسله هو مسعود الذي يحمل البئر المقابل للشقة اسمه، ليعاون عمر ويساعده في تحرير قنيئات عطر الملكة كليوباترا التى خبأتها في أماكن عدة، ليستفيد منها الناس. 

والماء العاشق بدأت رحلته، من بئر زمزم وجاء مع كليوباترا الذي ذهبت إلى مكة قبل 2050 سنة، أي قبل الإسلام بكثير، ودفنت هناك قنينة عطرها على بعد مترين من البئر، كما دفنت قنينة أخرى بحمامات كليوباترا بمرسى مطروح، وغيرها من بقاع العالم القديم، واختار الماء العاشق شقة عمر بسيدى بشر المقابلة لبئر مسعود، فعمر فيه المواصفات المطلوبة للقيام بهذه المهمه.

الماء العاشق لعب دورا محوريا في تحريك الأحداث والدفع بها إلى الأمام،وبدونه ما كان عمر تحرك قيد أنملة، فيقول عنه:

(هل هذا الماء مجرد ماء أم هو عرّاف، نبي، ملاك، وحي من السماء؟) ص30

إذن نحن أمام شخصية مائية مثالية. 

فالماء العاشق كان قطرة نزل مع جبريل وهو يفجر بئر زمزم لهاجر المصرية ورضيعها إسماعيل عليه السلام 

.......

يهتم الكاتب برسم شخصياته بكل أبعادها، البُعد الخارجي والبُعد الداخلى /النفسي، والبُعد العقلي ومستوى تفكير الشخصية، فكان دقيقا في وصف ملامح هدى إسماعيل وتكوينها الجسدى، ونقل للقارئ مايدور في نفسها الباطنة، وما يعتمل ويموج في عقلها من رؤى وأفكار، مركزا على أزمتها الخانقة، وتتلخص أزمتها في رائحتها المنتنة الكريهة، والتي جعلت الزملاء والزميلات في العمل ينفرون منها، وكل من يقترب منها يتأفف من تلك الرائحة ويولي هاربا.  

ولا تعود تلك الرأئحة إلى سبب بيولوجى أو وراثي، ولم تظهر تلك الرائحة إلا في حفل زفاف  ابنة خالتها، عندما أردات أن تكون أشيك وأجمل من العروس ومن كل المدعوين، فكانت تحمل للعروس كرها وبغضا لأنها سبقتها إلى الزواج، فاشترت فستانا في غاية الأناقة والشياكة والجمال، لفت انتباه كل المدعوين، وانشغلوا فى بادئ الأمر بها وبفستانها عن العروس، ولكنهم سرعان ماكانوا يفرون منها بتقزز وقرف، بعد أن تكتم كل واحدة منهن طاقتيّ أنفها بمنديل، فينبعث من الفستان رائحة كريهة، وهي عندما اشترت الفستان كان به تلك الرائحة، وظنت أن رش بعض العطور عليه سيزيل تلك الرائحة، لكن تلك الرائحة الكريهة تمكنت منها، وتخللت مسام جلدها، وهذا ماكدر صفوها وعكر مزاجها. 

ولم يتعاطف مع أزمتها  سوى عمر ياسين، زميلها في العمل، الشاعر الجميل والمثقف النبيل، فاقترح عليها الذهاب إلى حمام كليوباترا والاستحمام به، لعل تلك الرائحة تزول، وهي كانت على استعداد أن تذهب إلى آخر الدنيا وتفعل أى شئ في سبيل زوال تلك الرائحة.

وعمر ياسين لا يُقدم على شيء ولا يتحرك إلا بإيعاز وبإيحاء من الماء العاشق، وبالفعل كانت هذه الرحلة إلى مرسى مطروح  هي البداية لانفراج الأزمة، فعثر عمر هناك في أحد كهوف الحمام علي زجاجة عطر معتقة، كانت الملكة كليوباتراقد دفنتها هناك. 

..........

من هو عمر ياسين؟ 

يقدم الكاتب معلومات متتابعة ودفعة واحدة عنه، وتأني على لسان هدى إسماعيل وهي تسأل نفسها : هل انا أحببته حقا؟ ص ص31-35

وسنكتفي بنقل هذا المقطع الذي يقدم لنا صورة عامة عن عمر:

(إنه شاب مهذب رقيق، أسمر يميل إلى الطول، مثقف تقافة عالية، شاعر تخرج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، لم يشتغل بالتدريس بعد أن أمضى فترة تجنيده بالقوات المسلحة، تم تعيينه بعقد مؤقت إخصائي علاقات عامة بالشركة التي كان يعمل بها والده. 

تم تثبيته بعد سنتين، أصبح رئيسا لقسم العلاقات العامة، الجميع يحترمونه ويقدرونه، ينظم ويشرف على رحلات العاملين التي تقررها الشركة إلى المصايف المصرية) 

وعمر هو الوحيد من كان يدافع عنها، ويرد على اتهامات الزملاء الكريهة التي تنتشر أبعد مما تنتشر الرائحة. 

..........

رغم أن الحاسة الشمية من الحواس الثانوية ولكن الكاتب استطاع بمهارة فائقة، أن يجعلها في صدارة قائمة الحواس، متفوقة على الحواس الرئيسية كالحاسة السمعية والحاسة البصرية. 

انظر إلى الكاتب وهو يستخدم المبالغة أو التكبير أو التضخيم للحدث. 

(انتشرت رائحتي الكريهة، عبقت البيت كله، أغلق الجيران نوافذهم، وشرفاتهم، وضع سكان منطقة "كليوباترا حمامات" كممات على أنوفهم. هجر الناس مقاهي المنطقة، أغلقت المحلات قبل مواعيدها المعتادة. أصحاب السيارات يلجأون إلى شوارع جانبية هروبا من الرائحة المنبعثة من شارعنا. 

سائقو ترام الرمل لا يتوقفون عند محطة " كليوباترا حمامات " يعبرونها سريعا، إشفاقا على الركاب من نفاذ الرائحة. 

وصلت الرائحة إلى نادي اسبورتنج الرياضي الذي يقع على مسافة محطة ترام واحدة من منزلنا. رأيت رواد النادي يخرجون سريعا بسيارتهم قبل أن تشتد الرائحة التي بدأوا يشمونها في الحي.) ص34

والتكبير سمة عند الكاتب : 

( شعرت أن الكون كله يتشمم تلك الرائحة ) ص41

وفي موضع أخر يقول :

 ( تحول جسدي كله إلى عيون وآذان ) ص41

وهكذا تشيع تقنية تكبير وتضخيم الحدث في جنبات الرواية.

أنظر إلى التحول في شخصية هدى إسماعيل، بعد أن دلك شيخ مغارة جعيتا بلبنان جسدها بعطر الملكة كليوباترا :

( ماذا تسمي رائحتها الجديدة؟

ليست مسكا ولا رحيقا ولا أريجا ولا طيبا ولا بخورا ولا نسيما ولا عبيرا ولا عنبرا.... إنها فتاة بهتانة : والبهتانة تُطلق على المرأة إذا كانت طيبة النفس والريح، إنها خليط من الخزّام والفل والياسمين والورد والزينب والكركب والزعفران والقرطنيثا " أصل شجرة بخور مريم " والبهرامج والدّاح " الخلوق من الطيب " والرّند والنّد والقنديد والكاذي والخطّار والخُمرة والصّمر والكافور والمردقوش " طيب تجعله المرأة في مشطها يضرب إلى الحُمرة والسواد " )

( إنها ضمّخت جسدها ولطخته ومضخته وحمرته وصمرته بالطيب حتى كأنه يقطر مسكا وبعضا من هذا الخليط، ففاحت رائحتها الذكية الحادة على هذا النحو الذي نشمه الآن )

هذا حال هدى عبدالسلام التي أطلقوا عليها من قبل الكثير من الألقاب والمسميات والصفات، مثل :

( الوزرة " المرأة الكريهة الرائحة "، والصّمكمك " الخبيث الريح "، والزّخماء " المنتنة الريح " ) ص48

..........

إذا كانا قد تمكنا من الحصول على زجاجة عطر الملكة كليوباترا المدفونة في حمامها بمرسى مطروح, فإن الصعوبة كانت تكمن في فتح الزجاجة, فسيبطل مفعولها إذا انسكبت قطرة عطر منها على الأرض,أو سقط بداخلها فتيت من الغطاء الفلين أثناء فتحها, فأشار عاشق الماء على عمر – بأنه لا يمكن فتحها إلا عن طريق شيخ مغارة جعيتا التي تبعد عن بيروت نحو عشرين كيلومتر، ولم يترددا في الذهاب إلى بيروت ومقابلة الشيخ, الخبير في فتح مثل هذه الزجاجات، ودلك جسد هدى من هذا العطر,الذي اخترق كل جسدها, ومسامها, وأخذ مقابل عمله قطرات قليلة من الزجاجة وأعاد غلقها بإحكام-وأخبرهما بأنها لا تُفتح أبدا إلا عن طريقه وتحولت هدى إسماعيل مائة وثمانين درجة,هل تتحقق نبوءة الماء العاشق عندما أخبر عمر بأن هدى ستصبح نجمة عالمية وبأنه سيصبح من الأثرياء, ونصحه بخطبتها والزواج منها؟ إن قطرة صغيرة من زجاجة عطر الملكة كليوباتراـ تكفى لتشغيل مصنع عملاق لسنوات وسنوات.

وأصبحت هدى إسماعيل محط أنظار الجميع- فرائحتها الذكية تسبقها, ويتهافت الكل حولها, يسألونها عن سرهذا العطر وتلك الرائحة الذكية التي تسكر من يشمها, وعرضت شركة عطور فرنسية مليون دولار مقابل تلك القنينة. 

وتضخمت أحلام عمر وهدى في الثراء والنجومية، وراحا يخططان لمستقبلهما.

وبدأت ملامح هدى إسماعيل إلى كليوباترا :

( بدأت ملامح وجه هدى إسماعيل  تتحول إلى ملامح وجه كليوباترا، خاصة بعد أن أسدلت قُصة على جبهتها، وأصبحت تسريحتها مثل تسريحة كليوبترا تماما، وكحل عينيها مثل كحل عيني كليوباترا، وزجّجت حاجبيها كما كانت تفعل النساء في مصر القديمة ) ص 49

( هل روح كليوباتر السابعة البطلمية ابنة بطليموس الثاني عشر، حلت في روح هدى إسماعيل الإسكندرانية  بعد أن تعطرت بعطرها؟ ) 

إن عطر كليوباترا الذي تعطرت به هدى إسماعيل جذب الفنانة المحبوبة ليلى علوي، وكم أُفتتنت بعطرها وبشكلها الذي يطابق شكل الملكة كليوباترا تماما، ووعدت عمر وهدى بأن تقدم إعلانا عن عطرهم الجديد، وأن تشارك أيضا في تمثل فيلم الملكة كليوباترا، الذي ينتجه ويكتب قصته عمر، فعمر يرى بأن كليوباترا قد ظُلمت كثيرا، وحاق بها وبسيرتها ظلم بين، وافتراءات لا حصر لها، ورأت الفنانة الجميلة أن تُمثل هدى دور كليوباترا، لأنها تشبهها تماما، وارتضت هي أن تمثل دور أم الماء ( جنية البحار )

.....

بئر مسعود :

الشقة التي يعيش فيها عمر آلت إليه ميراثا عن أبيه، تقع أمام بئر مسعود مباشرة، والكاتب يُعرف ببئر مسعود :

( البئر عبارة عن فجوة داخل كتلة من الصخر، عمقها نحو خمسة أمتار، وعرضها نحو المتر، تربط قناة " مجراة " بين سطحها وبين ماء البحر )

وحول البئر انطلقت الحكايات، فمن هو مسعود الذي أخذ البئر اسمه؟

حكايات غريبة وعجيبة نسجها الخيال الشعبي حول مسعود والبئر، استخدم الكاتب في سردها الفنتازيا، ولم يستخدم الفنتازيا لذاتها، ولكنه استخدمها كأداة، كما استفاد من تجارب العبث، وقدم أيضا واقعية سحرية مستوحاة ومُستقاه من البيئة المصرية الخالصة، ومن بين الحكايات التي سردها، تظل الحكاية الأبرز هي أن مسعودا :

( هو العبد الإفريقي الأسود الذي هرب من نخّاسه، وظهر زمن خلافة الحاكم بأمر الله " 985 – 1021م " وكان يمتلك جسدا فارعا وآلة جنسية ضخمة، استطاع الحاكم بأمر الله أن يوظفها ضد التجار الجشعين وأصحاب المحلات الذين يغشون، ويرفعون الأسعار، أو يخبئون البضائع ليفتعلوا الأزمات، فيسلط الحاكم بأمر الله مسعودا عليهم، ليأتيهم من الخلف أمام أعين الناس والتجار الذين يشاهدون وينظرون حتى يفرغ مسعود بعد وقت قد يقصر أو يطول، مما قلل من جشع التجار، خوفا من الفضيحة والعار، فاعتدلت الأسعار، وتوافرت البضائع في الأسواق ) ص58

وأشار الكاتب إلى ما قاله ابن كثير في مسعود في كتابه ( البداية والنهاية ) كما أشار أيضا إلى ما قاله ابن إياس عن مسعود في كتابه ( بدائع الزهور في وقائع الدهور )

المهم أنه ذات مرة وقع تاجر ضعيف البنية في قبضته، فمات التاجر من فوره خوفا وفزعا ورعبا قبل أن يفعل به الفاحشة، فأطلق مسعود ساقيه للريح، هربا، وحط في هذا المكان واختبأ في البئر، فكان أخشى ما يخشاه أن يقبض عليه الحاكم بأمر الله ويأمر بخصيه. 

وقد يكون هذا الجزء من قصة مسعود هو الجزء الواقعي، ويأخذنا الكاتب في الجزء الثاني من قصة مسعود إلى السحر والخيال والفنتازيا والعبث، فترى إحدى حوريات البحر آلته الجنسية الضخمة، فتظهر له في صورة إمرأة في غاية الحُسن والجمال، وأطعمته من طعام البحر، وأسقته الخمر المعتقة، وضاجعها، فهامت به، واتفقت معه أن تأتيه أول كل شهر قمري، وإذا أنجبت منه سيصبح سيدا على البحار، ويعيش معها في قصرها الذي شيدته تحت الماء ويمتد من البئر إلى صخرة ميامي، وتبدأ رحلة مسعود تحت الماء، وهي رحلة غرائبية عجائبية.

وليس مسعود وحده هو الذي عاش في البئر، فأم الماء ( جنية البحار ) عاشت فيه أيضا هي وبناتها، وكليوباترا جاءت إلى البئر هي االأخرى لتعمدها أم الماء لتكون ملكة على مصر قبل أن ينصبها قيصر الروم ملكة.

وربط الكاتب ربطا عبقريا ودالا بين البئر الذي يحاول أن يأسطره، وعدة أماكن أخرى.

( وأن لهذا البئر ممرا سريا في اتجاهين الاتجاه الأول، بري يقود إلى واحة سيوة، وبالتحديد معبد " آمون " و " عين كليوباترا "، والممر الثاني بحري يقود إلى بيروت ثم إلى مغارة جعيتا )

وسيتم الربط لاحقا بيافا التي تُسمى الآن ( تل أبيب )!.

وهذه الأماكن كانت تُمثل لمصر أهمية خاصة، فقد كانت مستعمرات للدولة المصرية القديمة، عندما زحف تحتمس الثالث بجيوشه ليغزوها، ويقيم أول أمبراطورية في التاريخ، ونشر إخناتون ديانته التوحيدية الجديدة، وسرعان ما انتشرت في تلك البلاد، كأول ديانة عالمية.

وسيتم الربط لاحقا ببئر زمزم.

إذن مسارات الأماكن والربط الذكي والعبقري بينها، أصبحت ذات دلالة، وتحمل رمزية لا يمكن تجاهلها، وهذا ما سيتضح جليا عندما نتحدث عن مسارات الرواية، المسار السياسي والمسار التاريخي والمسار الثقافي والاقتصادي وغيرها من المسارات، والعلاقات غير المرئية التي تربط بين هذه الأماكن والشخصيات سواء كانت ترابية أو مائية، أو أخذت من الاثنين.

وبئر مسعود، الناس تتبرك به، ويلقون فيه بالعملات المعدنية، ويوشون تلك العملات بأمانيهم لكي تتحقق، فالعانس تتمنى الزواج، والعاقر تتمنى الحمل والإنجاب، والمريض يتمنى الشفاء، والمتعطل يتمنى العمل .... إلخ.

إن هذا البئر الذي أسطره الكاتب، يتم الاحتفاء به سنويا، احتفال مهيب، وأسطوري، ويقدم لنا الكاتب هذا الاحتفال في لوحة فنية يتعالق ويتعانق فيها الفنتازي بالعبثي بالواقعية السحرية :

( أجساد نورانية تصعد نحو السماء، وأجساد مائية منيرة تهبط من السماء، وعزف موسيقي  يخلب الألباب، هل هي موسيقى حوريات الجنة؟ وفتيات من النور والبلور يرقصن في الهواء، كأنهن راقصات باليه في عرض ملكي خاص، يرتفعن، ويدرن،  ... ) ص60

ويمكن تتبع الواقعية السحرية المدهشة ص82، ص98، وحفل الزفاف تحت الماء ص110، وروح أنطونيو التي تحلق ص138 وغيرها من الصفحات.

.....

المسار الثقافي :

1 – توظيف الشعر والأغاني توظيفا رائعا، فقد يأتي أحيانا بقصيدة طويلة تتجاوز الصفحتين، وتنساب بنعومة وعذوبة في ثنايا السرد، ولا تعوق مجراه، ولا تبتر الحكاية، ويأتي الشعر في الرواية إثراء للسرد، ويضيف إليه، وخاصة أن الكاتب يعرف كيف يوظفه التوظيف الأمثل، وكثرة الأشعار في هذه الرواية، جعلت الرواية أكثر اقتصادا واكتنازا وتكثيفا، فقد يأتي ببيت أو بيتين من الشعر يغنيه عن سرد صفحات، ولذلك خلت الرواية من الحشو والزوائد واللغو والثرثرة.

أنظر إليه وهو يوظف مقطع من أغنية لمحمد عبدالوهاب :

المية تروي العطشان / وتطفي نار الحيران / يا سلام على الميه ) ص6

ومقطع آخر من أغنية لعبدالحليم حافظ :

( يا أحلى بحر وأحلى رمل وأحلى ميه / وشبابنا وحبنا يا اسكندرية ) 

ويوظف مقطعا من أغنية لليلى مراد :

يا ساكني مطروح جنية في بحركم / الناس تيجي وتروح وأنا عاشقة حيكم ) ص27

ويردد الماء العاشق مقطع من أغنية :

( باحب اتنين سوا / يا هنايا في حبهم

الميه والهوا / طول عمري جنبهم ) ص51

وهذه الأغاني تأتي في سياق مديح الماء.

ولأحمد فضل شبلول حضوره كشاعر، فله قصائد كثيرة مبثوثة في الرواية وفي ثنايا السرد، وصارت مع السرد لحمة واحدة، وهذه القصائد موظفة توظيفا جميلا في السير بالحدث، والدفع به قدما نحو الأمام، وفي تطويره، وساعدت في تماسك الحبكة، والكشف عن خبايا الشخصيات، وفي مديح الماء أيضا له قصيدة جميلة ( الماء خليلي ) ص7، وقصيدة ( انثري العطر ) ص19، وقصيدة ( كل صباح ) ص ص : 31- 32، وقصيدة ص ص : 61- 62، وأغنية ص111 وما بعدها، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

2 – حضور المسرح في النص الروائي والإشارة إلى المسرحيات التي تناولت كليوباترا في الأدب العربي والعالمي ص ص : 25 – 26

3 – الاستشهاد من شعر أحمد شوقي في مسرحيته ( مصرع كليوباترا ) ص53، ص ص : 138 – 139 وغير هذه الصفحات.

4 – تبدو في مقاطع كثيرة ولع الكاتب وخبرته بفني الرقص والموسيقى، انظر على سبيل المثال لا الحصر ص ص : 80 – 81

5 – اللغة القاموسية أو المعجمية : أنظر ما قاله في المرأة المنتنة الريح، وما قاله أيضا في المرأة طيبة الريح. ويمكن الرجوع إلى ص 49 وغيرها من الصفحات.

6 – أورد في الرواية ذكر الكثير من الأفلام والممثلين وقادة وأدباء ... إلخ

7 – الاهتمام بالجانب المعلوماتي سواء كانت معلومات علمية أو تاريخية أو سياسية أو ثقافية، أنظر إليه مثلا وهو يقدم لقارئه معلومات عن العطر عند العرب وعلاقتهم بالعطور ومعرفتهم بها منذ الأزمنة السحيقة ص 74

ومعلوماته الوفيرة عن الماء، فهو يعرف كيف يقدم المعلومات بكثافة، وبالقدر الذي يخدم الموضوع الذي يتناوله، وأحيانا تأتي كأنها أبحاث قصيرة، أنظر إليه مثلا وهو يتحدث عن الغدد العرقية، وكأنه يقدم لقارئه مبحثا في الطب، ومبحثا في العطور، وأجمل ما في هذه المباحث أنها تقدم المعلومة والمعرفة دون أن تكون عبئا على الرواية، فالكاتب يقدم كل شيء بمقدار وبنسب متكافئة ومتوازنة، لا تقتير ولا إفراط، وكما قدم معلومات عن بئر مسعود، وتل أبيب وبيروت ومرسى مطروح والإسكندرية وبئر زمزم وغيرها، قدم أيضا ما هو أقرب إلى التراجم مثل ما قدمه عن بشر الجوهري على سبيل المثال.

...

 المسار التاريخي.

استخدم الكاتب المادة التاريخية في نصه الروائي، وأعاد إحياء شخصيات تراثية وتاريخية، مثل : الإسكندر المقدوني، ويوليوس قيصر، ومارك أنطونيو، والحضور الأبرز لكليوباترا، الشخصية التاريخية المختلف عليها، والتي أثارت جدلا كبيرا في حياتها وبعد مماتها، يستعيد تلك الملكة التي جاءت ( من نسل البطالمة أو البطالسة الذين حكموا مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر، ولكنهم تمصروا، وكان يُطلق عليها كليوباترا السابعة )

ويستعيد معركة أكتيوم الشهيرة ورفض كليوباترا الخضوع إلى إرادة المنتصر ص67، وما جرى في تلك الموقعة واحتلال الرومان لمصر، وصراع الفرس والروم على الحدود المصرية ص ص : 99 – 100

جمع الكاتب مادة وفيرة عن كليوباترا، ونثرها في الرواية، ويحاول القارئ أن يلملم نثار هذه المادة المبعثرة، لتتشكل في النهاية صورتها أمام عينيه، وبدت هذه المادة المبعثرة كالصلصال في يد الكاتب، ليصنع منها تمثالا لهذه الملكة المثيرة للجدل، فما زالت شخصية كليلوباترا، مانحة، وقادرة على الإشعاع، ولم يقدمها الكاتب بأسلوب أو طريقة نمطية، ولكنه استخدم حيل وأساليب فنية جديدة أخرجتها من المعتاد والنمطي والتقليدي، ويستطيع القارئ أن يتصور شكل الفيلم، الذي كتب له السيناريو والحوار، عمر ياسين، وساهم عبدالصمد المكي معه في إنتاجه، وقام بدور كليوباترا هدى إسماعيل والفنانة ليلى علوي، وأخرجه المخرج المعروف خالد يوسف، ونال الفيلم الحفاوة الطيبة في مهرجان ( كان ) السينمائي، وكان قاب قوسين أو أدنى من الحصول على السعفة الذهبية، لولا تدخل بعض الدول، لمنع الفيلم المصري من الفوز!

من حوار لعمر مع كليوباترا تحت الماء :

( أنا لم أمت في العام 30 قبل الميلاد يا عمر، كما تقول الكتب ويذكر بعض المؤرخين، لكن نجحت في الهروب من الغرفة التي حاول أن يأسرني فيها أكتافيوس أغسطس – الذي للأسف سموا شهر أغسطس باسمه، ولم يسموا يوما بإسمي أو اسم أنطونيو أو حتى قيصر اتجهت للشاطئ وسبحت فيه طويلا إلى أن التقيت أم الماء التي فحصت جسدي، أنبأتني أن سمّ ثعبان الكوبرا الذي وضعته على رقيتي  ما هو إلا ماء الخلود الذي سرى في جسدي، اقنرحت أن أعيش معها هنا وأنسى كل ما حدث لي، وافقتها على الرغم من ذلك هناك من جُنّ بي ووصل جنونهم إلى الإدعاء بأنني اتخذت كيان مريم العذراء وانجبت المسيح عليه السلام ) ص 101

والماء العاشق هو أول من ذهب من مكة مع كليوباترا إلى الإسكندرية في قصرها على البحر المتوسط، وكليوباترا هي من ألقت بالأسرار في بئر مسعود، قبل أن تطأه أقدم بشر الجوهري الشيخ المبروك، والذي عُرفّ فيما بعد بسيدي بشر.

والكاتب عموما اهتم بالمادة التاريخية في روايته، فيذكر تاريخ بئر زمزم، وقصة هاجر المصرية ورضيعها إسماعيل، وترك إبراهيم عليه السلام لهما، في هذا المكان القحط الذي لا زرع فيه ولا ماء، إلى آخر هذه القصة المعروفة.

ويذكر بعضا من تاريخ الإسكندرية، التي ظلت مقرا للحكم تسعة قرون، ونتفا من تاريخ القاهرة، وتاريخ الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص في عهد عمر بن الخطاب، ورفض العرب الإقامة بالإسكندرية، لأنهم لا يجدون الحرب في الماء، فاختاروا الأماكن المناسبة لهم، القطائع، فالفسطاط، وأخيرا القاهرة، وسرد الكاتب تاريخا موجزا للجكام المسلمين الذين حكموا القاهرة، وصولا إلى حكم الدولة الفاطمية، ويعرف بها كإحدى فرق الشيعة، التي تشيعت للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويضيق المقام هنا عن ذكر الوقائع والأحداث التاريخية، ونحن نشير فقط إلى هذا المسار والملمح المهم في الرواية.

..........

المسار السياسي والاقتصادي

وسنقتصر في هذا المسار على العدو الإسرائيلي، الذي أبرزه الكاتب في أكثر من ثلاثة فصول، تحت العناوين الاتية : سفينة إسرائيلية، عاتيد بن يامين، جولة في تل أبيب.

في رحلة عمر وهدى الثانية سباحة تحت الماء من بئر مسعود إلى بيروت، وبرفقتهما مسعود، وبمباركة أم الماء، تصطاد سفينة إسرائيلية عمر وهدى، ويفر مسعود، فمسعود كائن ترابي مائي، له قدراته الخاصة والخارقة، ويستجوبهما قائد السفينة، ولا يقتنع بحديثهما عن زجاجة عطر كليوباترا، رغم أن عطر هدى يعبق في المكان، ويرسلهما إلى تل أبيب، ويلتقيان بعاتيد بن يامين، وهو يهودي من أصل مصري، وُلد جده لأبيه بحارة اليهود بالإسكندرية، وعمل بتجارة الذهب، وكان يعشق الإسكندرية، ويعشق مصر، ويحكي لهما عاتيد عن جده، وعن ندمه لتركه الإسكندرية والقدوم إلى تل أبيب، وعمل في تل أبيب في تجارة العطور بدلا من الذهب، فتجارة الذهب ليست رائجة كما هي الحال في الإسكندرية، وحببه جده في مصر، وعلمه العربية، ويجيدها بطلاقة، وعرّفه كل شيء عن مصر، أهلها، وناسها، حواريها وشوارعها، مقاهيها وأزقتها، يعشق أم كلثوم وأغانيها، وهي مطربته المفضلة، ومتيم بنجيب محفوظ ورواياته، قرأها كاملة، ويحفظ مقاطع كثيرة من رواياته، وخاصة روايتي الحرافيش وأولاد حارتنا، وهو يحلم بالعودة إلى مصر، ونكتشف في النهاية أنه يحلم بالعودة ليستعيد أملاك جده، وليشتري ويتاجر في مصر، ودار بينه وبين عمر وهدى حوارات مطولة، استنكر فيها عمر وعد بلفور، واغتصابهم لأرض فلسطين، والتوسع والاستيطان منذ 1948م، و1967م، ومازل حتى اليوم يتم قضم الأراضي وطرد السكان الفلسطينيين، وتطرق الحديث إلى معاهدة السلام، وفي النهاية نجح عاتيد بن يامين في الحصول على زجاجة عطر الملكة كليوباترا مقابل مبلغ عشرة ملايين دولار، وهذا المبلغ أضعاف أضعاف ما عرضته الشركة الفرنسية عليهما، وقد قبلا بيع قنينة العطر له تحت تهديد تهمة الإرهاب وبأنهما قادمان لتنفيذ عمليات إرهابية، وقد أرسلت لهما أم الماء ( جنية البحار ) رسالة تطلب فيها منهما قبول العرض حرصا على حياتهما، كما نصحهما بعض أصدقائهما بأن سلامتهما أهم من قنينة العطر، وأعد لهما عاتيد سفينة، بها الحقائب التي بها العشرة ملايين دولار، وامتعتهما، ووصلت السفينة إلى قرب المياه الإقليمية، لتجد سفينة أخرى في انتظارهما، وكان عليه مسعود، فنقلوا حقائب الأموال والأمتعة، وطار مسعود بالسفينة ووصل في لمح البصر إلى سيدي بشر، حيث يعيش عمر.

يرسل الكاتب إلى قرائه رسالة مبطنة، يشير فيها إلى معاهدة السلام وزمن الانفتاح، ويشير إلى هذين القرارين، اللذين كانا السبب في تغير الشخصية المصرية، وتحولها مائة وثمانين درجة، من نظام اشتراكي إلى نظام رأسمالي، وكان التزاوج بين الاقتصاد والسياسة، وأصبح عمر وهدى من الأثرياء، وانتقلا للعيش بإحدى الفيلات في أرقى الأحياء بالإسكندرية، وترك عمر شقته بسيدي بشر، وتركها أيضا الماء العاشق، وتركت هدى شقتهم في ( كليو باترا حمامات ).

الكاتب يفرق تماما بين اليهودية كديانة التي لا يعترف بكتبها عاتيد والصهيونية، الصهيونية التي أباحت لنفسها سرقة الأرض، وسرقة كل شيء، حتى المتحف في تل أبيب، معظم لوحاته الفنية، والموسيقى، يحاولون نسبتها إليهم، وعاتيد الذي حصل من عمر وهدى على عطر الملكة كليوباترا بطرق ملتوية، وغير مشروعة، نسبه إلى نفسه، وله فروعا في معظم أنحاء العالم، ويريد أن يفتح فرعا له بالقاهرة، هل يمكن أن يدخل إلى القاهرة في زمن العولمة والسموات المفتوحة، والاستثمار ومحاولة جذب المستثمرين، وتشجيعهم وتقديم التسهيلات لهم، هذا العاتيد ذهب إلى الإسكندرية بجواز سفر أمريكي ليشتري شقة عمر بسيدي بشر، وكان على استعداد أن يدفع للسمسار مبالغ خيالية في سبيل تسهيل تمكنه من الشقة، وهل كان عاتيد ومن على شاكلته هم الذين وقفوا حجر عثرة في حصول فيلم كليوباترا على السعفة الذهبية، ليصبح الطريق مسفلتا أمام فيلم إسرائيلي أمريكي  ( انتاج مشترك ) للحصول على السعفة الذهبية؟

إن الاقتصاد أصبح يلعب دورا خطيرا في السيطرة على الدول من خلال الشركات العملاقة والعابرة للقارات، وبعض الدول بدأت تسيطر على دولا أخرى من خلال هذه الشركات، هل هذا ما تحاول أن تفعله دولة الكيان المحتل الغاصب مع مصر وغيرها من الدول المجاورة لها؟ 

ظهور عبدالصمد المكي في مكة، الذي اشتم عطر هدى، وهي تعتمر مع عمر، وقد ذهبا إلى مكة خصيصا من أجل الحصول على قنينة العطر التي دفنتها الملكة كليوباترا منذ أكثر من 2050 سنة – أي قبل الإسلام بزمن طويل، وقبل ميلاد المسيح بقليل، ساعدهما عبدالصمد المكي بكل نفوذه وإمكاناته ومحبته لهما، ورغبته أيضا مشاركتهما في زجاجة العطر التي تساوي ملايين الملايين من الدولارات، وينجحون في النهاية في الحصول على زجاجة العطر، ويبيعونها للشركة الفرنسية، ويذهب ثلاثتهم إلى باريس، ويتفقون مع الشركة الفرنسية، على بيعها لهم مقابل ثمانية ملايين يورو، ويكون عبدالصمد المكي ( أبو فهد ) شريكا للشركة الفرنسية، ويتم فتح فروعا لها بمصر والسعودية، وقد أبان الكاتب عن الصراع والتنافس بين شركة عاتيد والشركة الفرنسية، هل يعود عاتيد بن يامين إلى مصر مرة أخرى، وثالثة ليحقق حلمه، أعتقد أنه لن ييأس، فإذا كان السمسار صاحب المقهى المقابل لشقة عمر بسيدي بشر، فور أن عرف من عمر بأنه إسرائيلي، طرده ورفض التعامل معه، رغم أن هذا السمسار وصاحب المقهى، يستثمر المقهى في أعمال منافية للأداب ومخالفة للقانون، ورغم ذلك رفض التعامل مع هذا الصهيوني، المتخفي والمتنكر في رداء أمريكي، ولكن للأسف هناك من أصدقاء عمر الحميمين، صاحب محل العطور، الذي أبدى استعداده للتعامل مع شركة عاتيد، وفتح فرعا لها بالإسكندرية وآخر بالقاهرة! )

..........................................................................

وكتب الكاتب والناقد أحمد عثمان ورقة نقدية، جاء فيها :

(تُعدُّ رواية "ثعلب .. ثعلب" هي الجزء الأوسط بين ثلاث روايات تكوِّن الثلاثية الروائية المسماة "الماء العاشق" وهي( الماء العاشق – ثعلب .. ثعلب – الرحيمة)، ولما كنت قد اخترت رواية "ثعلب .. ثعلب" للقراءة ويكون لي شرف المشاركة في الاحتفاء بهذه القامة الكبيرة من خلال الأمسية الأدبية التي أقامها مختبر السرديات بفرع النقابة العامة لاتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء .. لم أكن أعلم أن هذه الرواية هي جزء من ثلاثية ، وتمثل وسطها (الجزء الثاني) .. لذلك غُصت في بحرها وأنا أجهل أحداث الجزء الأول، وتعاملت معها كرواية مستقلة، لذا لزم التنويه

   كان أول ما قابلني من شخصيات الرواية - والتي جاءت على لسان الرَاوية الممثلة، التي أحبطها وزوجها (عمر) فشل فيلمهما الثاني الذي أتى على جميع مدخراتهم – هي شخصية (عباس النورس)، والملاحظ  ما تبدَّى  من مقدرة كاتبنا الكبير في أنه لم يقدم لنا أوصافًا ومعلومات جاهزة حول هذه الشخصية، ولكنه ترك لنا أن نكوِّن انطباعاتنا عنها -سلوكًا وأخلاقًا – من خلال ما ينثره عبر السرد عن طبيعة نشاطه المهني، وما ينتهج من تصرفات حياتية في تعامله مع الآخرين .. فهو يمتلك كافتيريا ملاصقة لشقة عمر التي ورثها عن أبيه، ولأن هذا النورس كان دائم الطمع في الحصول على هذه الشقة لتوسعة المكان؛ فقد نجح - من خلال الضغط والإلحاح ووضع نفسه رهن إشارتهما لتقديم الخدمات – في الحصول عليها مستغلا الضائقة المالية التي يمر بها عمر وزوجته، فيضمها لتزداد مساحة كافتيريته التي تحوم حولها الشبهات كونها ملتقى فتيات الليل وتجار الحشيش والمخدرات،  لك أن تستشف من وراء هذا بعضًا من تكوينه الشخصي والأخلاقي .. وفي إطار الادعاء بتقديم خدمات مجانية – وأظنها ليست مجانية، وهو  ما سوف يتبين لنا ربما مع تقدم السرد – فيعرض قرضًا حسنًا على عمر يعينه على ضائقته .. كما يرفض أن يتقاضى منه عمولة – كأي سمسار – بعد ما أوجد لهما مشترٍ خلال يومين للشقة الفاخرة التي كانا يمتلكاها في الفورسيزون، وبالسعر الذي حدداه  باعتبار أن هذه الخدمات يؤسس بها لرغبات وأطماع يدَّخرها للمستقبل الذي يخطط له .. فالكاتب لم يقل لنا أن (عباس النورس) هذا شخصية انتهازية نفعية، تستغل ما يعنُّ لها، ويقع في حِجرها من ضائقات الآخرين لصالحه، ولم يقل لنا أنه أخلاقيًا يحمل لقب (قواد) بامتياز، فهو لا يمانع أن تتخذ فتيات الليل وتجار الحشيش والمخدرات، ومن يتبعهم بالتالي من المدمنين وراغبي المتعة الحرام والبلطجية، لا يمانع أن يتخذ كل هؤلاء من كافتيريته وكرًا لممارسة كل هذه الأعمال المنافية للآداب العامة والقانون والخُلق القويم .. ترك لنا الكاتب أن نقول نحن ذلك من خلال ما بثه لنا في ثنايا الحكي الذي ربما يكشف لنا عن صفات وسلوكيات أخرى لهذه الشخصية مع تقدم السرد ..

  وبدون مقدمات ينقلنا الكاتب من أجواء الواقعية ليخطفنا إلى فضاءات الفانتازيا – كل ذلك ونحن ما زلنا في بدايات السرد، الذي ربما يكون تأسيسًا لما هو قادم – فنرى أن ثعلبًا ذو فراءٍ جميل – وفق وصف الرَاوية – يمرُّ كل صباح أمام العمارة التي تسكن طابقها الثاني، ويرفع رأسه حتى الدور الثاني ليتشمم رائحة ما في الهواء (هل لفت نظركم أن هذا الثعلب القميء، الصغير الحجم – في الطبيعة – يصل طوله إلى ارتفاع طابقين ..! 

تقول الرَاوية: ( .. يمر كل صباح أمام العمارة، رافعًا رأسه حتى مستوى الدور الثاني، ليتشمم رائحة ما في الهواء)

وفي لقطة أخرى، على لسان الرَاوية أيضًا، حول حملات التشهير بها وزوجها ما قيل من أنَّ سبب ثرائهما الحالي – بعد ضياع مدَّخراتهما نتيجة فشل فيلمهما الثاني – كان ناتجًا عن جنيهما الملايين من وراء بيعهما زجاجات العطر التي وجداها في حمام كليوباترا في مرسى مطروح، وأيضًا بالقرب من بئر زمزم بمكة المكرمة، وأماكن أخرى ..! ما يهمني هنا ليس سبب الثراء، ولا حملات التشهير، ولكن هذه الغرائبية المرتبطة بزجاجات العطر التي يبيعونها، والجمع بين مكانين متباعدين، لا علاقة لأحدهما بالآخر، هما حمام كليوباترا بمرسى مطروح، وبئر زمزم بمكة المكرمة .. 

ننتقل إلى ملمح آخر من فصل (الشم المرئي):

  والذي يؤسس لظاهرة تناولتها الرَاوية حول [رؤية الرائحة]، وتستدعي الثعلب في السياق، فتقول: ( هل ارتبطت رؤيتي للرائحة بظهور الثعلب الوزير، هل هو الذي أوحى لي بذلك؟)، ثم تروي قصة ( تتشابه مع حكايات كليلة ودمنة ) لذلك النمر الذي أراد اختيار وزيرًا له، فأجرى اختبارًا بين خنزير وثور وثعلب، متسائلًا: أيهما أحسن رائحة، نفَس النمر، أم نفَس الخنزير؟ ليفوز الثعلب حين ادعى أنه لم يشم أي من رائحتي النمر أو الخنزير، مُتحججًا بأنه مصاب بالبرد .. وفي هذه الفقرة تقول الرَاوية: [ولا يزال الثعلب الوزير يرفع أنفه إلى أعلى ليخبر من يقابله أنه لا يستطيع أن يشُم، ولكنه إذا ذهب عند البحر يرى )جسمًا) بسيطًا ذا رائحة نتنة، يُستخرج من مياه البحى غي شكل (سائل أحمر سام) رمزه العلميBr  ويطلق عليه البروم، فيتجاوزه إلى أماكن أخرى ليشم روائح زكية]

وهنا اعترضني تساؤل: كيف هو (جسما)  بسيطًا ذا رائحة نتنة، وفي نفس الوقت هو(سائل أحمر سام)؟ كيف هو جسم وسائل في نفس الوقت؟ ربما هي ظاهرة بحرية أجهلها بحكم كوني ابن الأرض، ولست ابن البحر كما كاتبنا الكبير الذي من المؤكد لديه تفسير لهذا

فإذا تدنا إلى الفقرة السابقة وما ورد قبلها؛ لتبين لنا صفات ومؤهلات هذا الثعلب (أو المتثعلب) التي أهَّلته ليكون غي هذا المنصب الرفيع (وزير) .. فهو يشُمُّ ويدَّعي أنه لايشم؛ متعللًا - كذبًا – إصابته بالبرد .. قس على ذلك أنه يرى كل ما يجري أمامه، فإذا سألته يقول: أصاب عيني العّشّى فلم أر ..! وكذا أيضًا عن السمع، فهو يسمع ولا يسمع .. أي أنه من الصِنف الذي يحبه ويفضله ويبحث عنه ذوو الشأن والمكانة، ولِما لا؟ وهو الذي لا يشم ولا يسمع ولا يرى، وبالتالي لن يصدر عنه ما يُغضب أسياده، رافعًا شعار (لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم) كل ذلك عكس ما يضمر، إنه رجل كل العصور، وكل القصور، يتنقل بينها بسلام .. يُجيد – في تكوينه الشخصي – المُداهنة، والتملق، والنفاق؛ إيثارًا للسلامة والنفعية، حتى لوكان ذلك على حساب كينونته أو كرامته .. تصفه الرَاوية بأنه: (.. ذكي في تعامله مع الحيوانات والبشر، ولهذا أصبح وزيرًا، وما شُهرته بالتحيُّل والروغان سوى نوع من أنواع الذكاء الاجتماعي الذي نحتاج إليه في بعض الأحيان ..)

ولا ينسى الكاتب أن يزوِّد قارئه من خلال هذا الفصل (الشم الرائي)، والفصلين التاليين (عين الثعلب، أسد بالت على رأسه ثعالبه) ببانوراما وافية عن كل ما يتصل بهذا الحيوان الذي هو عنوان ر ايته، فيذكر شكله -في تشريح ظاهري – وأوجه الاختلاف بينه وبين باقي الفصيلة الكلبية التي ينتمي إليها، ثم يعدد أنواع الثعالب، وأوجه التمايز بينها، ويذكر مواطنها التي تعيش فيها، وطبائعها .. ولا ينسى – وهو الشاعر والروائي – ما قيل فيه شعرًا ، فيثبت منها كثيرًا من المقتطفات على امتداد السرد،  ولا ما روي عنها من حكايات كهذه الحكايات التي يرويها "إيسوب" .. بل لا ينسي تناوله من خلال فن الرسم ، وكيف أنه رُسم على زجاج الكاتدرائيات (كما في كاتدرائية إيلي بكمبردج، وكاتدرائية ويلز) ، كما تناوله  الروسي ميخائيل نيستيروف في لوحته "الثعلب الصغير"، وتناوله أكثر من رسام في لوحات تحت مسمي واحد هو "الثعلب واللقلق" .. بل ولا يفوته التناول اللغوي لمادة "ثعلب"، وأخيرًا، يزودنا بما يمثله الثعلب من خلال تناوله في تفسير الأحلام ..

وفي سؤال يستثير شهية القارئ للإيغال؛ تقول الرَاوية: [ إن الفنان الروسي (صاحب لوحة الثعلب الصغير) يُشعرنا برابطة روحية ما بين الطبيعة وبقية المخلوقات، وهي الرابطة التي أشعر بها نكو ثعلبي الذي اختفي داخل بئر مسعود .. هل هو مسعود بعد أن تحول إلى ثعلب؟]

___  وهنا توقفت، فلم يسعفني ضيق الوقت لاستكمال السباحة في خضم الرواية بغرائبيتها المثيرة للشغف ، فعذرًا .......... )        

......................................................................

ومن ورقة نقدية للكاتب أحمد عبده :

( في رواية " الماء العاشق " تجلى الخيال عند الكاتب أحمد فضل شبلول، خيال الشاعر تجلى في السرد، استطاع الكاتب أن يخلق فضاء روائيا لفكرة الماء وكيف يكون عاشقا؟ وهي الفكرة – مع اختلاف الموضوع  - في روايته الأخرى " الحجر العاشق ".

اللغة في الرواية لغة فنية، شاعرة، وفي سرده مناطق مشعة، جاءت في سياق غرابة الموضوع أو غرائبية السرد، غرائبية الطرح، فكرة الماء العاشق ليست مطروحة على قارعة الطريق، ولكن خيال الشاعر م الروائي أحمد شبلول نفخ في الفكرة، فكوّن منها هذا العالم السردي البديع )

.................................................................

وتوالت المداخلات والقراءات النقدية من الأدباء والشعراء والنقاد :

الدكتور كارم عزيز، الشاعر والمترجم حسن حجازي، الشاعر والكاتب نبيل مصيلحي، الأديب والناقد بهاء الصالحي، الشاعر السيد داود، الأديب صلاح هلال حنفي، الأديب هيثم القليوبي، الشاعر صلاح يوسف، الشاعر خليل الشرقاوي، الشاعرة والكاتبة هالة فوزي، وعقب على المداخلات الشاعر والمترجم السيد النماس.


جمعية محترف راشيا تُطلق كتاب "مرايا الذات" للدكتورة دلال الحلبي ورئيس الجمعية شوقي دلال يشيد بالكتاب والكاتبة

 


اطلق رئيس"جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" راشيا شوقي دلال كتاب الباحثة النفسية الدكتورة دلال الحلبي من بلدة الكفير قضاء حاصبيا في مؤتمر صحافي عقده في مقر الجمعية راشيا الوادي وبحضور الكاتبة.

دلال قال في المناسبة " يشرفني اليوم ان اطلق كتاب مرايا الذات للدكتورة دلال الحلبي وهو كتاب غوص في خبايا الذات بين التحليل النفسي والشعر، حيث تمتزجُ أنفاسُ الشعرِ بعمقِ التحليل النّفسي، وحيث يتحوّلُ النصُّ إلى مسرحٍ تتقاطع فيه الأصوات: صوتُ الطفولة، وصوتُ الذاكرة، وصوتُ الحبّ، وصوتُ القلق، ثمّ صوتُ الخلاص. لهذا ادعو جميع مريدي المعرفة الى إقتناء هذا الكتاب المهم وقراءة مضمونه الشيق الذي ستجدون فيه ما يُفرح النفس والعقل معاً ، كما واننا سنكون في توقيع خاص مع الكاتبة نهار السبت المقبل 18 تشرين الحالي في بلدتها قاعة الكفير الساعة الخامسة عصراً ونأمل من المجميع مشاركتنا"..

من جهتها شكرت الدكتورة الحلبي "جمعية محترف راشيا" ورئيسها شوقي دلال على إحتضانهم ودعمهم لهذا الكتاب إضافة الى لوحة الغلاف التي زينت الكتاب بريشة الرسام شوقي دلال والتي اعطت ابعاداً جمالية مهمة للكتاب الذي هو مرايا ذاتي وإنعكاس ما يعتمل في ذاتي عبر تجربتي الحياتية التي تحمل الكثير من الذاتي والجمعي في آن"...

وفي الختام قدمت الحلبي لدلال كتابها الجديد.


رواية (من جراب الكنغر) للكاتب أحمد عبده على طاولة النقد بقصر ثقافة ديرب نجم بالشرقية

 






كتب مجدي جعفر 

………………………………. 

تحلق أدباء نادي أدب ديرب نجم والشرقية حول رواية (من جراب الكونغر) للكاتب أحمد عبده، وأدار الندوة الاديب مجدي جعفر، وجاء في تقديمه: ولد أحمد عبده في أول حقبة الخمسينات في القرن الماضي، زمن ثورة يوليو 1952م،     زمن المد القومي، والأحلام الكبرى، بناء السد العالي، والنهضة الزراعية والصناعية، وشأنه شأن أبناء جيله كبرت احلامه وتضخمت مع شعارات الثورة البراقة، ولكنها سرعان ما أجهضت مع هزيمة 1967م،التي أفقدت معظم المثقفين توازنهم ومنهم من انسحب من الحياة العامة واعتزل حزينا مكتئبا. 

رائ بعينه حروب الاستنزاف،  وتابع بشغف آثارها المدمر علي العدو، فأعادت إليه كما أعادت للكثيرين الثقة في النصر واسترداد الأرض والكرامة. انض

م إلي المؤسسة العسكرية، وصار واحدا من ابنائها، ولاهم له سوي الله والوطن. ولأنه ابن القرية المصرية، فقد تتمثل قيمها وأخلاقها وموروئاتها، فجمع بين قيم وأصالة أبناء القرى وانضباط المؤسسة العسكرية. 

وتتنازع تجربته محورين مهمين شكلا معظم نتاجه القصصي والروائي الذي وصل إلي العشرين عملا إبداعيا غير مجموعاته القصيصية التي كتبها للأطفال، فضلا عن ثلاثة كتب سياسية. 

المحور الأول: القرية المصرية: وشق لنفسه في تناولها أسلوبا اختلف تماما عن أساليب كل الكتاب الذين تناولوا القرية المصريه. 

المحور الثاني: أدب الحرب والمقاومة، وخرج علينا في السنوات الأخيرة بأعمال قصيصية وروائية لاتعرف الحدود والفواصل، ولا الجغرافية، ولا الجنس ولا اللون ولا الدين-إبدعات إنسانية خالصة 

………………………………

وجاء في ورقة نقدية للكاتب ياسر عبدالعليم: 

(يمتلك الكاتب القدير أحمد محمد عبده القدرة الفارقة علي أن يكون حكاء ماهراً في صبر وأناة ودربة مكنه من ذلك طبيعته الشخصية التي يميل إلي الهدوء والدقة والغرام بالتفاصيل ومكنته من ذلك تجاربه الحياتية وانغماسه بحكم النشأة في طبيعة القرية المصرية بتقاليدها وطقوسها العريقة وشوارعها وبيوتها ومكنته من ان يرتدي عباءة الحكاء الماهر الحذف لغة طيعة يملك السيطرة علي مفرداتها وتطويعها يحيلنا إلي ذلك منذ البداية غلاف الرواية اليت نحن بصددها اليوم والتي حصرنا مؤلفها في إطار المـتوالية الروائية 

فتحت عنوانها ( من جراب الكنغر ) يأتي عنوان فرعي ( متوالية روائية ) أقول اختيار لوحة الغلاف ذلك النوبي أصل الحضارة المصرية من يحمل سمات وجينات الشخصية الأولي التي أسست الوادي قديماً ذلك النوبي وهو يمسك ربابته يحكي لنا ما مرت به الشخصية المصرية عير حقب متنوعة وهو يجلس تحت شحر يابسة عليها عصفور وخلف المشهد قمر ليلي ساهر يشع عليه مزيداً من الأساطير .

عادة ما يهدي الكاتب عمله وهو عصارة روحه وفكره إلي عزيز يقدره أو شخصية أثرت في حياته أو رمز ما فارق دنيانا

أما أن يكون الإهداء إلي أجداد فارقوا الحياة من ألف عام حقرت علي ملامح وتجاعيد وجوهنا أثارهم وسماتهم وحياتهم المتوارثة في دمائنا ولكن هؤلاء الأجداد من ألف عام مضت هم المقهورون بسلطة العنت والعذاب والامبراطوريات الفاسدة سواء من المماليك والعثمانيين انتهاء بأسرة محمد علي الكاتب كان مصراً علي ان يلج الأرض المقهورين تحت هذه الامبراطوريات 

الغاشمة هم أحق بالإهداء من ألف عام لم تحكم مصر نفسها وتلك الاحالة السياسية تأخذنا إلي هذا الانطباع منذ البداية وتؤكدها الكلم الافتتاحية بعد الإهداء للمستشرق الفرنسي بارتلم سانف هيلار الذي عاش في القرن التاسع عشر وشهد بما يعينه كيف دفن المصريون تحت أقدامهم وهم يحفرون قناة السويس وكيف كممت أفواههم وأرواحهم بعد فشل ثورة عرابي وكأنهم عندما أرادوا أن يخرجوا من القبو الذي ظلوا فيه ألف عام ويتنفسوا نسيم الحرية قمعوا مرة أخري تحت التراب لأكثر من اثنين وسبعين عاماً

وربما اتضح ذلك الرمز السياسي منذ الوهلة الأولي في مواويل الكرباج ودوار العمدة والخفراء وشيخ الخفراء و×× السخرة في حفر القناة وطعن الوجع في ليالي الشقاء يحملها الكنغر في جرابة وهو يقفز من مرحلة زمنيه لأخري ومن كل مرحلة يجسد حجم المعاناة عبر السهول والوديان .

وفي تلك الفقرات الكنغرية والمتوالية الروائية التي بين ايدينا بقسم الكاتب قفزاته كنغرة إلي ثلاث كتل روائية واختار لقطة الكتلة الأولي ثم الثانية ثم الثالثة وما تجعله لفظة ومفردة الكتلة من عناء وثقل ومشقة 

ومشحوناً بالمورثات الريفية التي مازالت طازجة في عقل كاتبنا القدير ومستلحاً باللغة ومقررات الشعبية والفلكورية مضي يقفز بنا عبر الزمن مسجلاً جراحات الفلاح المصري مستعيناً بالحكايات الادرسية في أرخص ليالي ليضع أمام أعيننا صورة ناطقة للقرية المصرية كيف كانت في القرنين الماضيين 

والحديدي هو النموذج البشري الذي اختاره الكاتب ليطرح من خلاله سمات الشخصية المصرية ومعاناتها هو الذي حفر علي ظهره سياط الانجليز في دنشواي هو الذي دفن تحت قدميه وهو يحمل فاسه ومقطفه وهو يحفر الكفال هو الذي تلقي صفعات واهانات شيخ الخفراء والعمدة لحفر الترع والمصارف بالشجرة في ظل حكم محمد علي واولاده هو الذي ظل حانياً حتي صورة يوليو هو الذي ظل يقضي حاجته علي تل السامر وأولاده ونسائه وأطفاله ..........

 هو الفلاح المصري المعذب ملح الأرض وثمرتها عبر العصور 

هذا الحديدي الذي يتساءل باكياً متنجياً ×× اذا كنت يارب وضعتنا في حضن النيل فإلي متي يظل النيل يشكو من العطش وخيرنا لغيرنا 


هذا الحديدي في الكتلة الأولي وفي الفاصلة الروائية الأولي علي بركة الرب منحه الكاتب بعض الملامح الأسطورية في رحلته بحثاً عن قرية أخري تأويه بعيداً عن عيون السلطة وقهر العمدة حين يتغني باشعار شوقي عن التمر رغم أن حديدي الكتله الأولي في (هلي بركة الرب) يسبق ميلاد شوقي بعشر سنوات وإلي ذلك أشار الكاتب في الهوامش 

التمر والنخيل غذاء المعذبين المهجرين بل تمتد اللمحات الأسطورية الفلكورية إلي زوجته مبروكة وهي تغني 

يا عزيز عيني ونفسي أروح بلدي

وهي أغنية يا عزيز عيني التي القها ×× يونس القاضي وغناها مطرب الشعب سيد درويش عام 1915 وهي تصور معاناة المصريين أثناء الحرب العالمية الأولي وغربة الجنود المرحلين عن ذويهم وهي من أحداث تالية لزمن الحديدي ومبروكة سنوات حفر القناة 

ومن الطابع الأسطوري في شخصيه الحديدة الأولي علي بركة الرب انه يطلق حكمات تصير مثلاً وعرفاً

وعند موت حماره في رحلة البحث عن قرية أخري تؤويه في حضن النيل يقول الحديدي ( لله ما أعطي ولله ما أخذ) ( ومن يومها والكلمة علي السنه أهالي المنطقة )

( ما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها) سمعها بعض المارين في الطريق من الحديدي ومن يومها والمثل سائر علي السنه الناس صـ 24 الرواية وربما هي أقوال سائرة تتردد منذ قرون بعديه مضت ولكن من المؤكد أن فلاحاً ما علي ضفاف نهر النيل قالها يوماً ما وليكن هذا الفلاح عند الكاتب / احمد عبده هو الحديدي .

ثم يأتي الفلكولور الشعبي ليعمق لنا ملامح وجذور الفرحة المصرية لأن الكاتب لم ينسي العنصر النسائي ودورة واسمهامة في ترشيح فلاح مصر في الكتله الأولي من ( علي بركة الرب) بينما اختفي العنصر النسائي أو كاد في باقي الكتل والفواصل الروائية 

مبروكة زوجة الحديدي وهي تبشر العمدة بمولودة الأول تقول 

تخاويتي يا أمه بولد

يتربي في عباية جده

يدبح أبوي الخروف

ياخذ نصيب الأســــد

واخـد انا جلــــــــــده

والفارقة الأسطورية بين التوأم الولد والبنت وكيف شعرت البنت بالظلم الواقع عليها حين ولدت مع أخيها الولد الذي سيأخذ نصيب الأسد في الاهتمام وكل شئ ويكون نصيبها الجلد والجلد فقط . 

وتحملق البنت المولودة في عيني مبروكة وتقول

( علي دا العونا وعلي دا العونا

راحوا الحبايب وما ودعونا

لو كان نرجع للبطن تــــاني

كان ابنك يرجع يا أم الجدعاني )

وربما اختار الكاتب هذا الفلكلور الشعبي الكائف والصادم والأكثر تعبيراً عن تاريخ طويل من التقاليد البالية يختم به حكاية الحديدة الأول علي بركة الرب .

آثر الكاتب في الفاصلة الرواتية الثانية ( حمار أوجيني )

الأسلوب الساخر فمن السخرة ( سخرة الكنــال ) إلي السخرية والاذلال والمسخرة وكلها مفردات تدور في فلك واحد 

الحكاء الساخر والكوميديا السوداء جعلت من حمار الحديدي الذي كان من لحظات يحمل أكوام السياخ من الزريبة الي الغيط 

يحمل شقوق ظهرة جميلة الشرق والغرب جميلة الجميلات "أوجيني" 

امبراطورة فرنسا التي رصف لها الخديو اسماعيل أثناء احتفالات افتتاح قناة السويس الطريق من السويس إلي القاهرة بميل خفيف حتي تميل عليه طوال الطريق 

كتب لحمار الحديدي أن تعتلي ظهره فقد كان موصوفاً لها أ، تركب حمار حصاوي قبل أن تغادر أرض المحروسة .

الحديدي وأوجيني والحمار والخديو صنعت نسيجاً محكماً من الفانتازيا الساخرة المؤلمة صاغها لنا حكاء ساخر ما هو استطاع ان يخفي دوع المفارقة اللاذعة وراء عينيه وهو يحكي لكنه لم يستطيع أن يخفيها عن عيون مصر فسقطت علي خديها وهي تبكي .................

وتتواصل الكوميديا السوداء المطعمة بالسخرية ولذعات الآلم ليتفاجأ القارئ في المقطع الثالث بـ  افيون الملوك 

لكن هذه المرة بطعم أكثر مرارة أكثر مرارة من الحديدي الرحالة من قرية إلي عزبة بحثاُ عن الامان واكثر مرارة حمار أوجيني لتأخذ طعماً سياسياً صادقاً 

لفم يعد أحد يحتمل السلطان ورائحة الفئران المتحللة المتعفنة تفوح من فمه لم يعد أحد يحتمل عفونته ونزقه وعبثه بمقدارت الشعب الكل يفر منه زوجته جواريه رجال القصر الوزراء والحاشية بسطاء المحكومين من المقهورين ما عاد أحد يقبله علي عفونته وقد فاحت ريحته وطالت نتانها كل رجل من رعيته 

ولا شك أن المعادل الموضوعي وإن كان مكشوفاً إلا أنه صادم وجرئ الي حد كبير وربما يجد هوي في صدر كل منا 

لابد للسلطان أن يترط أفيونه حتي يفيق ويتراجع عن تلك السياسة / العادة اليت دمرت كل شئ من حوله أو قل دمرت وعيه ورعيته الحكـاء الماهر استطاع أن يقوم لك السخرية ممزوجة بالدموع استطاع أن ينسج عالماً يمكن فيه التمرد 

التمرد فيه مباح وجاء التمرد من داخل المؤسسة من قلب النظام من القصر من قلعة السلطان من جيجك كبيرة الجواري الاشارة واضحة والمعالجة رائعة 

واذا كان الزمن في المتوالية الروائية يمتد منذ الحملة الفرنسية وبدايات عهد محمد علي في بعض المتواليات انتهاء بثورة يوليو 1952 وبرغم أن كل منها له عنوانه الخاص وفكرته المستقلة في عشر روايات قصيرة جداً إلا أنها مترابطة من حيث البيئة وهي الريف المصري ومن حيث الزمن والمعالجة والشخصية المحورية .

وإذا كانت هذه هي الرؤية المسلم بها في التعامل مع الرواية فمن عساه أن يكون السلطان وفي أي حقبة ترك لنا الكاتب كابع التجريد فليكن أي ملك وليكن أي عصر ولكن لابد في النهائية ان يغير الملوك سياستهم 

الملوك والسلاطين مخدرون مغيبون يعيشون في عالم والناس في عالم آخر يتلذذون بالحـاق الضرر بهم 

السلطان لا يقترب أو يجرب قدرة احتمال العفن علي رجال البرط أو حاشيته أو إنما يختار الشعب المقهور 

حقل تجارب الأنظمة والديكتاتوريات المتواليه 

الواقعية السحرية ترمي بظلالها هذه المرة فهذا النوع القريب من البصل لم يعد يزرع الا في أرض الحديدي ولم يعد متاحاً إلا بضع بصلات منه في حوزة الملك السلطان من محصول العام الماضي ولكن الحديدي دعوه ان يزرع منه كمية في حديقة القصر ليكون قريباً من الملك ولكن تتدخل ( جيجك ) 

وتخفي الحديدي وتعيده إلي قريته إلي غير رجعة لتجهيز السلطان علي تغيير عادته 

تتميز أفيون الشعوب عن غيرها من التواليات أننا لو انتزعناها من سياتها في روايد ( من جراب الكنغر) لصارت رواية قصيرة أو قصه طويلة منفردة عن أخوتها في الرواية 

بعيدة الفرح ومعاناته والشعب المقهور لتتخذ من الحاكم او الفانتزيا شريحة تسقط الظلال من خلالها علي واقع مؤلم فحضور شخصيته الحديدي هو الأقل علي طول فترات الرواية ليحل محله السلطان هذه المرة فرايتا المعاناة أشد ايلاماً . 


أمكتوب علينا أن تقر ×× جيلا بعد جيل علي تل السامر 

              الرواية صـ 73

كيف كانت القرية المصرية تفعلها قلب دخول الكتيــف / الكابينيه 

الحمام / السيارات إلي تلك البيوت البينة ال××

الجميع إلي الكـــل يتوجهون ويرفعون ملابسهم حتي الوسط ويقرفصون رجالاً ونساء أطفالاً وشيوخاً .

أنهم ان التل في الريف من السياخ والجلوس عليه للسمر ليس لقضاء الحاجة وهي شئ عادي يجري في حياة كل مغامرات كل يوم ولكن جعلها المؤلف قضية مصيرية

يبدد أن العنوان للوصلة الأولي غير قصصي أو جذاب 

وكأنه تغطيـة اخبارية أو تعال اجتماعي ولكن ما تقفر سطوراً حتي تعثر علي حكاء ماهر يجذبك بغرامة بالتفاصيل والأجزاء وأسماء الاشياء والمسميات الريفية علي حقيقتها ليتماهى مع ادريس قليي او كثيرا في رائعته ارخص ليالي التي قدم لها الدكتور طه حسين 1954

د/ عبدالكريم في أرخص ليالي بعد أن خطف ركعان الفساد الأربعة تسلل من الجامع إلي الزقازق القديم النتن 

وهو يتعثر في القبية ×× الذين قذفتهم أرحام امهاتهم بلا حساب لا يختلف عبدالكريم عن شهوان كثيراً في تل السامر

ولكن دواية التفاؤل والمعالجة تأخذك إلي أبعد من يوسف إدريس تفصيله بعد أخري ترسم لك قرية مصرية ما قبل التنوير 

مرحلة تسجيلية لحقبة ريفية ما قبل بدايات القرن العشر ين يكاد يجهلها الكثيرون من الأحياء الآن 

قوبلت فكرة انشاء الكثيف في البيت بمعارضة قوية من الحديدي الشريحة البشرية التي اختارها المؤلف لتكون العباءة التي يخرج منها كل الفلاحين المصريين عبر الرواية . 

ملامح الانسان المصري في مواقف مختلفة فاصلة

الواعظ يوكد أن الشياطين تسكن الكثيف فيقول الحديدي كيف يجلب الشياطين إلي بيته بيديه وهل يعقل أن يترك الشياطين بينون معقلاً وحصنا في بيته 

يعود الفعــل المصري مئـات السنين إلي الوراء بفعل فتوي رجل الدين الذي قاد العقل الجمعي مئات السنين في عماية الجهل والظلام ومازالت له آثاره حتي الآن .

ولكن شهوان الجيل الجديد يحاول التمرد هذه المرة ولكنه تمرد اجتماعي وليس تمرداً سياسياً كما كان في افيون الملوك فيترك والده الحديدي يذهب إلي الحج ويبني الكثيف داخل البيت لأنه يرفض ان يتزوج ويترك زوجته تقرفص علي تل السامر 

الفلاح المصري مازال يعاني في كتل الرواية لم تلحظ في كتلة واحدة أنه يشعر بالراحة وطاة  القهر والفقر تعلو وتيرتها التنكيل بالطبقة الشعبية من أيدي العمدة والسلطان فرض السخرة والجموع والأمراض والهجرة والتهجير الداخلي والتحولات التي طرأت علي القرية المصرية قبل وبعد الثورة العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية 

الموروث الريفي 

استراتجية المقاومة سواء أكانت إيجابية أو سلبية عبر شخصيه الحديدي .

تأتي رواية من جراب الكنغـر

كواحدة من التجارب السردية المتميزة في الرواية العربية المعاصرة ليسعي فيها الكاتب أحمد محمد عبده إلي تقديم نص يمازج بين الواقعية والواقعية السحرية والرمز يعكس فيه قضايا الانسان العربي في علاقته بالذات والعالم في مراحل تكوين القرية المصرية وعنوان الرواية يحمل جرأة ولألية واستدعاء رمزية الكنغــر وما يحمله من غرباه عن البيئة المصرية وما يوحي بع الجراب من احتواء وتخفي ودلولالات رمزية في عنوان كان لافتاً ولالاً لا تسير الرواية في خط مستو ولكن في خط متعرج يناسب قفزات الكنغـــر 

إنها رواية تضع القارئ العربي أمام مرايا متعددة وزوايا مختلفة عن الذات والآخر والقرية 

ندعو إلي إعادة التفكير في الذات والانتماء والحرية والاغتراب والوطن.) 

……………………………….

وجاء في ورقة نقدية  للكاتب احمد عثمان:  

                                               

بداية وبعد أن تنتهي من قراءة المتوالية؛( يسكنك انطباع راسخ متين أن كاتبنا الكبير ـ عراب القرية المصرية ـ يمتلك ويختزن معرفة عميقة ولصيقة بأدق عوالم القرية من قعرها إلى قمتها، وأصولها المتجذرة على مدي التاريخ، كيف كانت، وكيف أصبحت،عليم بأهلها النابتين من حلفائها، وأصحاب جذور الخروع الوافدين عليها، جراح ماهر في تشريح التركيبة السكانية انثروبولوجيًا وسيكلوجيًا، خبير بطينها طميه وسبخه، وزرعها ومواسم بذره والحصاد،عارف مكين بمفردات لغتها ومأثوراتها أقوالاً وأفعالًا وعادات و ... نستطيع أن نلمس ذلك وأكثر فيما ينثره كاتبنا القدير على مدار السرد .. وفي أحيان كثيرة يتطوع فيشرح مفردة معينة من بيئة القرية لمن هم ليسوا من قاع القرية أو غير العالمين بحياتها، قد تكون هذه المفردة الواردة بالسياق ظاهرة ما، أو أداة ما من أدوات سواء الزراعة أو مما يستعمل في البيوت، وقد تكون جُرمًا يجهله الكثير منا ( كما في ذكره لجريمة تشبيب الزروع بين الفرقاء) ,, وقريبًا من ذلك تستطيع أن تلمس تلك المعرفة الواسعة لكاتبنا بالتاريخ قديمه وحديثه، ووقائعه من خلال استعراض سيرة (الحديدي) وعائلته الممتدة، وما عايشه من أحداث عبر العصور المتتالية حتى عصرنا الحاضر، ومعرفتة الواسعة بجغرافيا البلدان قراها ومدنها من خلال رحله هذه العائلة  .. هي سردية غنية بالمعارف يقدمها للقارئ بكل يسر وبلا تقعر أو استعلاء وهو أمر يُحمد لأستاذنا الكبير

  وأود من البداية أن أشير إلى أمرين استوقفاني لا أتوافق معهما ـ بصفة شخصية ـ الأمر الأول وهو العنوان " من جراب الكُنغر"، فأرى أن استدعاء الكنغر هنا لا يتواءم مع بيئة النص التي تجري أحداثه جميعها في القرية المصرية ، فلماذا استدعاء حيوان ليس من هذه البيئة أو قريب منها وبينها وبين بيئته التي مازال يسكنها في استراليا ألاف الأميال .. ماذا لو سألت فلاحًا من أهلنا عن الكنغر، هل يعرفه؟ .. فإذا كانت الفكرة من استدعائه هو أنه ينتقل بالقفزمن مكان إلى مكان، واستدعاء فكرة القفز هذه للانتقال من زمن إلى زمن ومن موضع إلى موضع آخر فإنه كان يمكن الاستعانة بأداة أو فكرة أو غير ذلك للتعبير عن مضمون الانتقال الزماني والمكاني يناسب بيئة النص والثقافة السائدة 

أما الأمر الثاني فهو استعمال تعبير " الكتلة" الكتلة الأولى .. الكتلة الثانية .. بغرض ضم المتشابهات من القصص معًا وهذا يتناقض مع فكرة القفزات، فكان من باب أولى استعمال تعبير " قفزة" بدلا من " كتلة" فتكون قفزة أولى .. قفزة ثانية أكثر ملائمة من وجهة نظري    


 فإذا عدنا إلى السردية ـ محل احتفاءنا ـ فنجد أن الكاتب تماهيًا مع مسرودته قد جعل الإهداء موجهًا إلى أجداده في الألف عام الأخيرة على الأقل باعتباره امتدادًا لهم فيقول: " .. وكنت أنا إصرار بذوركم على الإنبات ـ رغم الجفاف ـ فهل أنا خلاصتكم؟" ليجيب بنفسه على سؤاله لتأكيد هذا الانتماء والامتداد بتوقيعه في آخر الإهداء قائلًا: " واحد من أحفادكم"، ثم يصف نفسه: حفار قبور، ومستكشف حفريات .. وهو ما يمارسه على مدار المتتالية من حفر واستكشاف من خلال شخصية ( الحديدي)

فمن هو هذا ( الحديدي)، وما هي إيحاءات الاسم؟ .. فالحديدي منسوبة إلى الحديد، وخصائص الحديد ليست بخافية على أحد، وليس أدل على ما للحديد من قيمة ومكانة من أن يأتي ذكره على لسان ذي القرنين في سورة الكهف (آية 96) في قوله تعالى: " آتوني زُبَرَ الحدِيد .." ليصنع للقوم سدًا حاجزًا اتقاء لشر قوم يأجوج ومأجوج، وكذلك قول الحق في سورة الحديد (آية25) : " وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ، ومنافعُ للناس" .. فالحديد معدن ذو قوة، وذو صلابة، وغير قابل للتشكيل بسهولة، ويعمر لأزمان طويلة، وله القدرة على التمغنط فيتجاذب ويتنافرحسب المقابل له .. فإذا انتقلنا إلى (الحديدي) الإنسان عمود هذه المتتالية سوف نكتشف كثيرًا من صفات الحديد تنطبق عليه مهما توالت عليه الأزمان والعصور .. فالحديدي ـ من خلال هذه السردية ـ  هو تلخيص للشخصية القروية المصرية على امتداد التاريخ، بصلابته ومثابرته وصبره، وقوته ودأبه والتماهي مع التقلبات والظروف التي قد تصهره فتزيده بأسًا، وهو مصدر الحكمة والنظرة الثاقبة التي يمكنها الفرز بين الغث والثمين، تجري على لسانه تحمل خبرات وتجارب الزمن، والتي مازالت ترددها الألسنة حتى يومنا هذا، هو يقول والناس تحفظ عنه، ويتوارثون أقواله، بل ويترحمون عليه قبل أن يرددون مقالته، فيقولون: " الله يرحم اللي قال  ... ثم يذكرون قوله الذي جرى بينهم مجرى المثل أو الحكمة أو القول المأثور، نذكر منه بعض مما جاء على مدار المتتالية مثل:

ـ ما ياخد الروح إلا خالقها

ـ لله ما أعطى ولله ما أخذ

ـ الحي أقى من الميت

ـ اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش

ـ العرق دساس، والعرق يمد لسابع جد

ـ جدور البرسيم تنبت برسيم وآخرها تقاوي برسيم

ـ من خرج من داره قل مقداره

والحديدي ( ممثلاً لشخصية المصري بكل أطيافه) هو ذاك العارف العالم بأسرار الزرع والقلع، والحجر والبشر، وما صغر وما كبر مما يجري في عالم القرية، بل والمحيط ـ كما ذكرت في البداية ـ بأحوال التاريخ ومسالك وأمصار الجغرافيا في بر مصر، فهو من عاصر المماليك والملتزم، وعاصر العثمانلي، وعاصر بشوات وبهوات عصر محمد علي وأولاده وأحفاده، وحفر القناة وشق الترع وبناء القناطر، وجبروت الإقطاعيات، وعاصر التحول من الملكية للجمهورية، بل ويعيش ألى اليوم عصر السوشيال ميديا والترند ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولنبدأ الرحلة مع (الحديدي) عبر قصص المتوالية:


**** في القصة الأولى ( على بركة الرب) 

 تلك الجملة التي أطلقها ديليسبس بعدما ذبح عيد ابن الحديدي على رأس خليج السويس ليكون قربانًا لبداية حفر القناة فتسيل دماؤه في البحر( بحر القلزم وقتها) ليسمى بعد ذلك بالبحر الأحمر جراء سيلان دماء عيد به لتلونه باللون الأحمر، يقول الراوي: " ظلت جثة عيد تنتح ما فيها من دم في الخليج حتى اليوم الثاني!

 فكان أن طغى الدم على ماء الخليج الواصل بالبحر الأسفل، حتى سرى في كل جيوبه وجنباته، كما يسري الماء في نسيج القطن، ومن يومها صار الناس يعرفونه بالبحر الأحمر!

 ثم قال الخواجة الفرنسي يخاطب الجموع: (الآن .. وعلى بركة الرب؛ نبدأ توصيل الروح بالجسد) 

 ولتبدأ بعد ذلك رحلات الحديدي وعائلته من بلد إلى آخر فرارُا بولديه من السُخرة مخافة فقدهما كما ولده (عيد)

 

**** في قصة (حمار أوجيني)

يكون ( الحديدي) حاضرًا بحماره الذي انطبقت عليه الأوصاف التي حددها معاونو الخديوي اسماعيل لتمطيه الملكة أوجيني ـ حسب رغبتها ـ وتسير به إلى جوار حصان الخديوي في شوارع القاهرة، ويحظى الحديدي بمهمة سحب الحمار، ويكون في حضرة الخديوي المتيم بالملكة .. فكان التركيز السردي ـ عبر الرحلة في شوارع المحروسة ـ على المظاهر الشعبية المصرية الخالصة، والتي لا مثيل لها في فرنسا .. كهذا المنظر الذي أُعجبت به الملكة وهي تري فتاة هيفاء تحمل على رأسها جرة ماء ـ بعد ملئها من النيل ـ وتتمايل بها في مشيتها ( وهو بالمناسبة منظر اجتذب من قبلها ومن بعدها فنانين تشكيليين كثيرين رسامين ونحاتين، أجانب ومصريين  ليسجلونه في لوحات وتماثيل شهيرة) .. وكذا مشاهداتها التي مرت بها كالقرداتي، والحاوي، والساحر، والدراويش، ومحاسيب المقامات، والشحاذين .. وكأنما أرد السارد أن يقدم للقارئ بانوراما سريعة لأحوال القاهرة، الزاهرة، ومظاهر الحياة فيها في تلك الفترة .. وهو دائمًا ما يزوِّدنا بمعلومات ربما غابت عن الكثيرين منا بين ثنايا الحكاية ..


**** في قصة ( أفيون الملوك) 

استدرجنا الكاتب/السارد ـ بحرفية ـ كي لا يفتر شغفنا حتى يصل بنا للنهاية التي نود الوقوف عليها، لتجيب عما شغلنا من أمر ذلك السلطان "عثملِّي" ، وممارساته الغريبة التي خرجت عن الإتيكيت والبروتوكولات المعروفة عن السلاطين والملوك .. من إدمانه للبصل، إلى ضم الناس ـ من يعرف ومن لا يعرف ـ إلى حضنه بدون مناسبة ولا سابق معرفة، لا يرد منهم أحدًا، وتلك المتعة في تمريغ خديه وفمه وما ينضح به من رائحة عفنة في وجوه الناس .. كل ذلك دون أن يجيب الكاتب عن السؤال الذي يلازم القارئ: لماذا؟ .. لماذا هذه الممارسات الشاذة في طبيعتها، والتي قد يكون شطح خيال القارئ ‘لى ما هو أبعد؟ .. ما هي الدوافع النفسية في المقام الأول لهذا السلوك؟ إلى جانب الدوافع البيولوجية والفسيولوجية؟ .. ثم ماهي الدلالة الرمزية لهذا السلوك، وهذا الإدمان لهذا الشئ ( البصل) بالذات؟ وهل في التاريخ ما يعضد ذلك؟  .. من أسف لم أعثر بين ثنايا السردية على إجابة أو إشارة تفك ما أحسبه طلاسم.. ومع ذلك أعتذر إن كنت لم أستطع التوصل لإجابات، لربما لقصور أو عطب في مستقبلاتي الذهنية؛ إن كانت وردت بالنص ولم أستطع التوصل إليها .. ويبقى (الحديدي) حاضرًا أيضًا في هذه السردية من خلال قيراطيه اللذان يزرعهما بهذا النوع من البصل الذي يتعاطاه السلطان في كل بر مصر


****  وبعد القفز وعبورقصص (حالات وأحوال تل السامر) و(عُطر العروسة)

نقف عند قصة ( عباءة أم شناف): 

ومن خلال استعراضها؛ تراءى لي أن الراوي/ السارد إنما يحدث نفسه على مدار هذه المسرودة، ومن خلاله يقوم بعرض تاريخي لعائلته (عائلة الحديدي) وعوائل القرية، مع تشريح سيكلوجي موسع ومُقارن بين عائلته والعائلات الأخرى التي تقطن القرية، الرجال والنساء، بل ومقارنة زمن مضى أمام الزمن الحاضر،كل بمواصفاته ومتغيراته، وأجه التشابه والاختلاف، حتى في السلوكيات والمواصفات الخُلقية والخِلقية، وأطماع ورغبات النفس من خلال هذا الانجذاب لنموذجي أم شناف، وأم خلخال .. وتلك المفارقة بين من تضع الذهب شنافًا في أنفها، وما للأنف من سيميائية دالة على الشموخ والأنفة والكبرياء، فترفع هذا الأنف لأعلى، وبين من تضع الذهب في أسفل رجلها خلخالاً، في أدنى مكان من جسمها قرب الأرض؛ استعلاءً عليه وترفعًا، وحطًا من قدره بالنسبة لها ولعائلتها .. كلتاهما تدلل على الترفع والكبرياء والمكانة ولكن كلاً على طريقته وأسلوبه ..

وكأن الراوي/السارد يقول لنفسه: يا نفس اخضعي وارجعي، علام تتكبرين  وتاريخ عائلتك معروف، مستعرضًا ترحال عائلته من بلد إلى بلد بدوافع مختلفة من الخوف، يقول لنفسه: [استفق، وقف على حقيقتك، إياك أن تغتر بعائلتك وتاريخها، فلم يفلحوا أن يُثبِّتوا جذورهم في أي من الأراضي التي وطئوها، ويصير لهم فرع منطلق إلى السماء، فلم يكونوا يومًا "ناس كُبَّارة"، ولم تكن لهم عصبية تمكنهم من رد العدوان، حتى إذا ما عض أحدهم حمارًا لهم؛ عضوا له حصانا، ومن شبب لهم قيراط ملوخية شببوا له فدان قطن، إلى غير ذلك من أسباب القوة والكبرياء التي يعددها الكاتب على مدار السرد، فيقول بعد هذا الاستعراض: (تظل سادرًا في أوهامك من دون أن تبالي بنظرات الناس المستهجنة لك، والمتعجبة منك، منهم من يجهل أصولكم، ومنهم من يقف على حقيقتها، والويل لمن وقف الناس على حقيقة جوهره، واكتشفوا فيه نقائص ... إلى أن يقول: ولا تهتم بما طال عائلتك من غمز ولمز وتجريح، لم يسلم منه الأموات المدفونون هنا، والمدفونون هناك في سنباط، أو في الدلنجات أو مطوبس ...) ويستمر يستطرد في هذا الطريق، ولا ينسى في معرض استعراضه هذا أن يُذكِّر نفسه بالأمثال الشعبية التي تناسب المقام؛ فيقول في مقام المقارنة بين الأجداد الراحلين وبين الجيل الحالي الذي هو منه: ( العرق دساس)، و(العرق يمد لسابع جد)، و(جذور البرسيم تنبت برسيم وآخرها تقاوي برسيم) .                          

 

  **ثم تأتي قصة (جذور الخروع):

والتي جاءت في تداعيها امتدادًا للتداعي في القصة السابقة عليها (عباءة أم شناف) في الكتلة الثانية من المتوالية ( ولذا أري أنه كان لابد لهذه القصة أن تكون ضمن الكتلة الثانية لا الثالثة ـ مجرد ملاحظة) .. حيث تترسخ في هذه القصة ضعف جذور عائلة الحديدي في القرية ـ كما جذور الخروع وجذور القطن وجذور الفول ـ كونهم ليسوا من أصولها الراسخة بها من زمن عميق، وهو ما نراه من ندم (الحديدي) على ترك موطنه الأصلي، مستدعيًا أمثاله الشعبية، فيقول ( من خرج من داره قل مقداره) فجذوره هناك كانت مثل جذور الكافور والكازورين والجميز .. والملاحظ هنا أن الكاتب يقدم من خلال هذه القصة دراسة أنثروبولوجية وسيكلوجية في كيفية تكوين القري وتنظيمها، وتأصيل جذور ساكنيها بحرفية دارس متعمق، وشاهد متأمل، لا يهمل موروثهم من الأقوال التي تصل إلى حد الحكمة والمثل، والأفعال التي تصل في أحد فروعها إلى الاعتقاد الراسخ في التفاؤل بأشياء وأفعال، والتشاؤم من أشياء وأفعال، ( على سبيل المثال فإن الناس تتشاءم ممن يطئون أراضيهم حاسري الرؤوس، فيرونه فأل شؤم على بوار أراضيهم وضعف محاصيلهم) وهو ما كان يراعيه (الحديدي) عند قيامه بأعمال القياس في الأراضي، فلا تبرح البرنيطة الخوص رأسه 


** وفي قصة ( حفرية الحديدي): 

تستعرض في مجملها التأريخ والتأسيس لاسم الحديدي، والبحث عن الأصول،وكيف ضاعت مع توالي الأجيال التي لم تعد تهتم بالأرض والزرع وسكنت بيوت الحجر، واختفت الدُّور الطينية، وارتفعت العمائر المجهزة بالتكنولوجيات الحديثة، بل وفيلات أيضًا على أطراف البلد  إن نموذج الحديدي هو في حقيقته اختصار لنموذج الانسان المصري عبر العصور، وهو ما سجله السارد في نهاية القصة ـ بعد لقطة غرائبية ـ لترجمة بالحروف العربية لنقش هيروغليفي لعبارة تقول: ( الحديدي .. مواليد كل العصور)

                                                                                                           **** ثم تأتي قصة (الطوطم): 

وهي من أروع قصص المتوالية نظمًا ونسجًا ونزوعًا إلى الواقعية السحرية في غالب بنائها ما زادها جمالا، خاصة وأنها تستدعي بداية الخلق على أرض مصر من طين وديانها ومن مكونات جبالها، لتصل إلى عصرنا الحالي، مرورًا بتكوين الأسرة والمسكن والعمل بالفلاحة واحتراف البناء الذي اشتهر به المصري من قديم، كان يبني للناس حتي بعد أن صارعمدة البلد .. كان خلق  (الحديدي) الأول ـ الذي تولته الملائكة بأمر من الله ـ من طين وتراب وديان أرض مصرمعجونًا بالماء المالح ليكون عمود خيمة البلد، وخلقوا بنفس الكيفية (أنيسة) من مكونات جبال بر مصر وعجنوها بماء النيل لتكون سياج الخيمة .. وكأننا أمام خلق ايزيس وأوزوريس، فكان كل خطوهما خير للبلاد والعباد .. وتوالى نسلهما متواترًا بلا انقطاع حتى الساعة، وظل ( الحديدي ) ممتدًا إلى اليوم يغالب الدهر ويأبى الموت ، ليجعل منه كاتبنا من طبيعة تكوينه هو والأرض شئ واحد، فيقول على لسان الراوي: " أما شاهين فكان يبحث في كتب الأحياء التي يدرسها عن تفسير لما ينبت على جسد جده، ففي شهر مسرى يمسح التصحر جسده، وفي كيهك تنبت الحلفاء على أكتافه، وفي برمودة تفرش النجيلة صفحة ظهره، وفي هاتور تكسو الحشيشة قفاه وفروة رأسه، وحواليه على حواف طين المصطبة طلع ذيل القط وبعض عيدان الحلفاء" .. لكن ماكان يؤرق (الحديدي)ويقض مضجعه ما كان كثيرًا يُذكِّر به " عبد الراضي" وهو يقول له: "سوف تنتهي عندك أمور ومعاني كثيرة، عاشت بها الأجيال من عهد إيزيس حتى عهد أنيسة"

وكما بدأت القصة بالغرائبية تنتهي بها، في مشهد يلخص الكثير من الحقب، يقول الراوي العليم: " .. راحو يولون جسده بالماء والسماد بانتظام، بعد اسابيع عدة؛ كبرت الحشائش على أنحاء جسده، صار محاطًا بدغل من الحلفاء وذيل القط والنجيل، راح يمارس هوايته في الزحف بين الغرف والممرات، وقع على درجات سلم العمارة، تدحرج، تهادى حتى خرج إلى الشارع، ومنه إلى المزارع والحقول، وشواطئ الترع والقنوات، دخل إلى العريش الذي بدأ فيه حياته مع أنيسة"

.. كنت أرى أن تكون هذه القصة هي قصة الختام لأنها تلخص كل ما سبقها من قصص المتوالية ـ من وجهة نظري ـ والتي هي في النهاية هي قصة المصري من بدء التاريخ حتى عصرنا الحاضر في صورة هذا ( الحديدي) الصلب القوي الذي يزداد مع الانصهار صلابة بعدما يذهب عنه الخبث أو ما يعلق به من صدأ فيعود مجلوّا براقًا كما كان في مجده القديم


  *** ملمح استوقفني في التناول السردي: 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استرعى انتباهي ـ عبر معظم إن لم يكن كل المتوالية ـ  نزوع كاتبنا إلى دمج ما يطلق عليه الغرائبية أواللامعقول أو الواقعية السحرية أيًا ما كانت التسمية في نسيج السرد الواقعي ، وقد بدا هذا ظاهرَا في معظم نهايات قصص المتوالية، ماعدا قصة واحدة وهي قصة (على بركة الرب) فقد استخدم هذه التقنية في متنها لا في نهايتها كما أخواتها .. ولنا ان تستعرض أمثلة منها:

() في قصة "على بركة الرب" ... كان استخدام الغرائبية في متن القصة، حين أراد ( الحديدي) أن يعبر النهر بزوجته وولديه وحماره ومواشيه لينتقل من ضفة إلى الضفة المقابلة ليواصل الفرار من سطوة السلطة وكرابيج السخرة، فماذا حدث .. كان هذا المشهد الغرائبي، على شاطئ ( البحر الصغير) .. وكان هذا المقطع: "ولما كانت الصنادل والمعديات لا تتردد بين الشاطئين  ليلًا، انتظر على جرف النهر بأهله ومواشيه حتى يطلع الصباح، لكن النخلتين المتقابلتين الطويلتين الواقفتين على جانبي النهر .. واحدة ببلحها الأحمر، والثانية ببلحها الأصفر، أشفقتا على الأطفال والعجوز والشيخ من رطوبة الليل وضباب النهر، فمالت التي هناك، وجاءت لتحط رأسها تحت أرجلهم، ثم مالت التي هي بجوارهم لتلتصق بأختها، وتحط رأسها هناك على البر الآخر .. صنعتا قنطرة خِلف خلاف فوق سطح النهر، فعبرت العائلة المهاجرة ..."


() مشهد النهاية في قصة "حالات وأحوال تل السامر":

 حيث شهوان يحاول عبور الشارع الضيق جدًا إلى التل لقضاء حاجته، في الوقت نفسه كانت النسوة آتيات من الطرف الآخر ذاهبات لنفس الغرض ، فكان أن سددن الشارع، وفشل شهوان في عبورهن، فكان هذا المشهد" "تلوَّى شهوان باحثًا عن ثغرة في هنومة ينفذ منها، لم يجد بين ساقيها ولا حولها، تسلق جسدها مثل البُرص ليصعد إلى كتفها، حاول القفز منه مثل فأر على أكتاف الأخريات، لكنه سقط على الأرض، تمدد بجوار الحائط مثل ثعبان يهرب من خبطات فأس، داست هنومة على ذراعه من دون قصد؛ فانسرب متوجعًا، صعد متشبثًا بالزغب المنتشر على ساقيها مثل دودة، واصل صعوده بمساعدة الزغب المنتشر على الفخذ، ثم ... ثم ... وحتى الآن مازالوا يبحثون عن شهوان في تجاويف هنومة وأخواتها"


() مشهد النهاية أيضًا في قصة "عُطر العروسة":

وهو مشهد (الحديدي) وهو يصنع من طين الزريبة ـ وعلى مراحل ـ تمثالين لزوجتي ولديه البدري وحسين، ثم بعد أن حسَّن وجوَّد في صقل التمثالين من الساق حتى الوجه، يقول الراوي: "بعد ذلك انتقل لمرحلة أخرى، راح يقطع فلقة من كل ردفين، وثدي من كل ثديين، لتصير لكل امرأة منهما ردف واحد وثدي واحد!

 غطى التمثالين، دعا أهل البلد للاحتفال برفع الستار عن كل ثمتال، شهق الناس حينما شاهدوا وتبينوا وجهي امرأة البدري وامرأة حسين"

..........

  ــ وقل مثل هذا في نهاية قصة " حفرية الحديدي" التي استعرضناها من قبل   

  ــ وكذا الأمر في نهاية قصة "الطوطم" وسبق لنا تناول المشهد

والسؤال هنا .. لماذا؟ لماذا اللجوء لهذه التقنية الغرائبية لتختتم بها هذه القصص واقعيتها التي تصل حد التسجيلية؟                                                                                   هل هو النزوع إلى ترك الباب مفتوحًا للقارئ للتأمل وإدراك المغزى من ورائها؟

أم طلبًا لاختلاف الرؤى وتعدد التأويل؟ فيزيد من ثراء القصة؟

أم هي الرغبة في التجديد ومسايرة مناهج الحداثة؟ 

أم هو توجه آخر لم نقف على كنهه،أو نتبين دلالاته؟

قد يكون كل ذلك، وهو مما يحسب للكاتب أن يشرك قارئه ليعمل فكره فيتأمل ويستنتج وفق قناعاته، ومخزونه المعرفي، ودرايته بدروب السرد وهي متعة أخرى تضاف إلى متعة السباحة في نهر هذه المتوالية الفياضة 

ولا شك أن المتوالية تكتنز بالكثير الكثيرالذي يحتاج إلى جهد أكاديمي كبير يستجلي خباياها ويوثق ويغطي ما تزخر به من كم هائل من المعلومات التي لم يبخل كاتبنا بطرحها لقارئه، وكما يقول المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ .. وتأتي على قدر الكرام المكارم

 فمعذرة إن أتى عزمي على هذا القدر الزهيد  .. دام الألق ودام القلم أستاذنا القدير

……………………………….

وفي ورقة نقدية للشاعر رضا عطية جاء فيها: 

منذ البداية وعلى لسان بطل المتوالية الروائّية( من جراب الكنغر)- للأديب الكبير الأستاذ/ أحمد عبده-يقول الحديدي: ياربّ وضعتنا في حضن النيل؛ حتى لا نظمأ، فإلى متى يشكو النيل من الظمأ؟؛ ليؤكد مأساة المصري أن خير مصر ليس لأبنائها بل للغرباء الذين ينهبون خيراتها، كما يقول شوقي:-أحرامٌ على بلابله الدو.. ح حلالٌ للطير حلالٌ للطير من كلّ جنسِ

-هذه المتوالية من خلال أحداثها للوهلة الأولى يظنّ  القارئ أن لغة السرد المناسبة لها هي(اللهجة العامية) لكنه استطاع بإجادة أن بستخدم الفصحى معبرة عن أحداثها دون أن نشعر بثقلها، فلغته قادرة على استنطاق الواقع، بارعةفي تصويره لبيئة الريف المصري في الدلتا من كفر الشيخ إلى الشرقية ممتدة بأحداثها في بعض الأحيان إلى القاهرة-حيث الخديوِ والسلطان-كما تتميز لغة السرد بأنها لغة ناطقة شديدة الغوص في أعماق الريف المصري تصفه بدقة وكأنها ورق شفاف يشفّ ما تحته وينقله كما هو دون تجميل أو مبالغة. 

فالحديدي هذا هو رمز للمصري المكافح عبر العصور وليس في الفترة التي تدور أحداث المتوالية الروائّية حولها، ولذا فالكاتب يقتحم الزمن ولا يتقيد كما في ذكر بعض الاستشهادات. 

فجراب الكنغر يحوي داخله كل عادات المجتمع الريفي وتقاليده، وقت أحداث القصة، والتزام الكثير منهم-مثل الحديدي-بعاداتهم كما في عُقدة الكنيف الذي لا يرضى الحديدي ببنائه؛ عملا بكلام الشيخ الواعظ؛ حتى لا يكون مكانا للجنّ والشيطان بالبيت. 

ونلحظ فيها مدى ثقافة الكاتب الجغرافية لخريطة الوجه البحري ولا سيما شرق الدلتا بذكر أسماء القرى التى مر بها الحديدي وأقام فيها هاربا هو وأسرته من بطش العمد وقهر السخرة في القناة،وهذا يتجلى واضحا فيما تحمله المتوالية الروائّية في ثناياها من معجم لمصطلحات الريف المصري ما اندثر منها وما في طريقها للاندثار مثل:(الكنيف)، وإتقانه التعبير عن بيئة الريف والفلاحين، ففي بيوتهم القديمة كانوا يجعلون الكنيف مرتبطا بالحظيرة، حتى إذا ما تسربت منه مخلفات اختلطت بمخلفات البهائم وصارت سباخا يُحمل على الحمير في الغبيط؛ لزيادة خصوبة الأرض، كما نجد مصطلحات مثل: زنخ، أدبخانة، هارِش، جاهل، مرابع، كلاف،، المنخوع، يقمط)، وكما يقولون: كثرة الأسماء تدل على عظمة المسمّى؛ لذلك أطلقوا علي الكنيف(التواليت، الحمّام، بيت الراحة، الكبنيه، دورة المياه) ونجد مصطلحات بدأت ننقرض مثل: عُطر العروسة

الشاعر رضا عطية: ،الحِرام، حِمل(وهو غطاء من الصوف الخشن تشمُ فيه رائحة مرابط الغنم ينزّ العرق منك وأنت تحته في  ليالي شهر طوبة)، السيمافور، القُمع، الأنجر،  منقد صنع الشاي، المواعين، وكذلك أحيا فيها منتشرة في البيئة الريفية مثل: المهووس، المنجوس، الفشار، النعار، المقنعر، الأليط، الزفلوط والفزلوك.

 كمانجد فيها الجرأة في تناول الأحداث وسردها بلغة قد يظنها البعض خارجة على المألوف والذوق العامّ، لكنها تسمى في القصة لغة فنية لا يصح وضع كلمات أخرى موضعها، فحسين قبل زواجه كان دائم النظر والتمعن في مؤخرتها المكوّرة وهيتنتقل بين غرف الدار، وكان يهمس باسمها وهو يمارس العادة السرية يستحضر زوجة شقيقه في  خياله. 

كما نجده يسلط الضوء على المفارقة في المفارقة في البيئة الريفية بين الحرج في الحديث عن الجنس بين الزوجين مع أنه علني أمام الجميع في حيواناتهم. 

كما نجد بعض التصويرات الدقيقة كتصويره مشهد الحياة الزوجية في الريف وتعامل العروس مع أهل بيت زوجها سواء كانت منصاعة لتنفيذ العادات أو متمردة عليها. 

كما نجد روح السخرية والفكاهة أحيانا كقوله:(انطلقت من الحديدي ضحكة التفتت في إثرها البهائم بالزريبة.

 فتلّ السامر ملتقى مخلفات بطون البهائم وبطون البشر. 

والرواية تعكس أسرار

 الأطفال والصبيان في الريف وتتناولها بجرأة كما في ص٧٩.

فالمتوالية منفصلة متصلة يربطها الحديدي؛ فهو عامل مشترك تدور حوله الأحداث.ونجد التناص مع القرآن الكريم:(فتتفكك مفاصلها وتنفك من تلقاء نفسها كما فوجئت نسوة زليخا في لحظة يوسف فقطّعن أيديهن ص٥٨.

 ومن المشاهد الإنسانية فيها نجد مشهدا إنسانيا للإمبراطورة أوجيني وكأن الذي يشعر بنا الغريب لا القريب:(حديدي تعبان أكيد تعبان.. حديدي بطل حديدي يمشي حافي، حديدي إنسان، اركب حديدي قدامي على حمار اركب حديدي لازم تركب من قلعة حتى قصر جزيرة. 

ويظهر التأثر بالأمثال الشعبية في بعض المواطن:-تصنعت أذنا من طين وأذنا من عجين ص٩٣

-مثل العُقلة في الزور ولن يبلعوا لها الزلط أبدا

-اللي نفسه في الأح ما يقولش وح. 

وهناك بعض الجمل السردية التي ترتقي إلى الحكمة مثل:-الدار إذا خلا سطحها خلا بطنها

:-هل يكمن في  شخصية المرأة ماهو أشدّ جاذبية من الخيال؟!. 


كما يحسب لدار ليفانت للنشر اهتمامها بالتدقيق اللغوي؛ فالأخطاء اللغوية لا تكاد تذكر مثل: لم تأتي والأدق (تأتِ)، ثلاث مواضع والأدق(ثلاثة)، ييأس والأدق(ييئس). 

وفي النهاية سعدت كثيرا بقراءمة هذه المتوالية الروائّية( من جراب الكنغر) للأديب الكبير الأستاذ( أحمد عبده)، صاحب اللغة الخاصة في سرده، وأرجو له مزيدا من الإبداع والتوفيق.

…………………………. 

وفي ورقة نقدية للشاعر خليل الشرقاوي جاء فيها:   

يقول أحد النقاد عليك أَن تقرأ عدة آلاف من الصفحات حتي تستطيع أَن تكتب سطرًا واحدًا عن شكسبير، وهذا ما ينطبق على الروائي الكبير الأستاذ أحمد عبدة ومتواليتة الروائية "من جراب الكنغر"، فحين انتهيت من قرائتها بدا لي أنه يلزمني الكثير للكتابة عنها، ولكني سأحاول فتشابك الشخصية المحورية وتنوعها عبر قصص المتوالية لمحفز للفكر ومغوٍ للنقاش، وذلك السيل السردي الممتلئ بثقل التاريخ المصري والذي يلقي بظلال ممتدة حتى واقعنا الحديث والمعاصر، قصصه عامرة بالحقائق وبالفانتازيا، بلغة فصيحة وبليغة ريفية وبسيطة تنهال وتمتزج تتناثر مترادفاتها وتتجمع في نثرية شعرية حكائية تنسج ملحمة ريفية فريدة في حبكتها ذات  بناء مغاير عما عُرف من ملاحم ذات شخصيات مختلفة عبر نسل مقدس أو بطولي كما في الشاهنامة الفارسية أو أنساب الآلهة اليونانية لهزيود أو قصص نسل ابراهيم في العهد القديم أو حتى ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ. 


فالحديدي" له عشرة أرواح يظهر في كل قصة وكأنه شخصًا جديدًا لكن يظل محتفظًا باسمه الحديدي الذي لا يغيره الزمن ومحافظًا على هويته كفلاح مصري بسيط لكن بعدة ظهورات وتجسدات، يتقافز مثل كنغر أسطوري تقافزًا حرًا عبر الزمن والقرى معايشًا وشاهدًا على الاستعباد والتسخير والاستعمار والاضطهاد والكرابيج التي لا تنتهي. 

ولعل قول المستشرقُ الفرنسي هيلار الذي اقتبسه الكاتب في المقدمة، أن العبودية السياسية والطغيان كُتبت على مصر بالضرورة وكانت حجةً وذريعةً خاصَّةً لأسباب أهمها نهر النيل ونظامه الطبيعي الذي كان المصدر الوحيد للحياة والوجود؛ لعل هذا القول فيه الكثير من الصواب، فمن يسيطر على أرزاق الشعب يسيطر على الشعب، و الحديدي يشكو من عطش النيل نفسه فيقول في قصة "على بركة الرب" ((ياربُّ:وضعتَنَا في حِضنِ النِّيلِ حتَّىَ لا نَظمَأ، فإلِىَ مَتَىَ يشْكوُ النِّيلُ مِنَ العَطَشِ؟!)) فهو قد أصاب جوهر المشكلة فالنيل الذي هو مصدر الحياة والرزق هو من يعاني من السطوة والطغيان وعلى إِثره  يعاني الشعب فيقول مخاطبًا النيل؛

 ((تجري مياهك فوق بصمات أقدامنا، دمغناها في قاعك حين كنا نقوم بتطهيرك، فلماذا حياتنا لا تُشبهك في هدوئك ووداعتك أيها النهر؟ لكنك أورثتنا شيئًا يُميزنا، ونعتز به.. تجاعيد صفحة وجهك التي ارتسمت في وجوهنا)) 

والحديدي في قصة "على بركة الرب" أقرب لوليٍ أو نبيٍ تمتلئ كلماته بالحكمة وضرب الأمثال بل إن له كرامات ايضًا فنرى نخلتين تميلان له وتصنعان قنطرة فوق سطح النهر ليعبر هو وعائلته المهاجرة، وهم الهاربون من اضطهاد العمدة ومن الاستعباد في السخرة وفقد الاولاد ، فها هو "عيد" ولد الحديدي قد قُدِّم قربانا، فذبح على يد "دليسيبس" وانساب دمه الذي لا يتجلط حتى لَضَمَ الخليج بالبحر وصار البحر من يومها بحرًا أحمرًا في مشهد رائع نسجته لغة الكاتب بأسلوب فانتازي ورمزي معبر، فالرجال تُسلب من بيوتها وعائلتها لترسَل في تراحيل الحفر وغالبهم يموت ويدفن في مكانه.. يقول الراوي؛ ((والعشرة آلاف رجل "صفصفوا" على ستة آلاف فقط، هم منْ لم يقترب منهم السُل والأنيميا وكسرة الظهر وضربات الشمس ومناشير البرد)).. ولكن إلى أين يا حديدي فالكرابيج لا تنتهي ألستَ أنتَ القائل ((كلما لَسَعَنَا كرباج سرنا لكرباج آخر ..ومن منهم بلا كرباج)) 

هو قد لخص حال المصري حتى يومنا هذا.. 

ومن اجل هذا كان مضطرا للترحال والقفز عبر الأزمنة والمواضع. 

 

وفي قصة "حمار أوجيني" يقفز بنا  إلى القاهرة الخديوية حيث يمتلك الحديدي حمارًا أصيلًا قويًا وجميلًا ذا اذنين طويلين وذيل كذيل الفرس، يُطلب من السَرايَا لتركبه امبراطورة فرنسا الجميلة "أوجيني" في جولتها مع الخديوي، ويخضع لذلك مستسلمًا وممتعضًا وهو الذي يفضل أن ينقِل عليه السِّباخ ولا يُعامل هو وحماره كمادةٍ للتسلية والاستهزاء، ولكن ما باليد حيلة فهي وَلِيَّة نعمة وعشيقة الخديوي اسماعيل الذي يعكس صورة خنوع الحكام لأوامر الأجنبي ومدى استفحال تحكم الغرب المستعمر في القرار المصري، فبهزة استنكار من رأس أوجيني يرجع الخديوي عن قراره و بابتسامة يلبي أوامرها،  


يتجول بنا الكاتب في تحولات الحديدي ما بين العهد الايوبي والعثماني إلى العهد الحديث، فمرة نراه رب منزل متصلب الذهن مستمسكًا بالجهل على أنه دين والعرف على أنه شريعة وذلك في قصة "حالات وأحوال تل السامر" أو متساهلًا وسلبيًا يكاد يكون غائبًا في "عُطر العروسة"، ومرة نراه صوفيًا ورعًا يُضطهد من سلطة أخيه العمدة في "عباءة أم شناف"، وفي قصة "عظم في قفة" هو العاشق لـ"شجرة الدر" عشقًا مستحيلًا وهو الوطني المناضل ضد الفرنجة أثناء حرب المنصورة، وفي قصة "الطوطم" يصبح حاكمًا يقيم القسط بين الناس ويُعظم من قيمة الكدح والعمل، ونشاهده في "حفرية الحديدي" يحفر في القنوات ويكسر في الصخر؛ وهذا يقودنا الى التساؤل .. ما هذه الشخصية؟! 

إنه عدة نماذج للإنسان المصري بتفاعله وانصهاره في مختلف الظروف والعصور. فيثير فضولنا لنبحث عن أصله ولنحفر حفرًا اركولوجيًا عن جذوره، ليس في ثنايا الأرض فحسب، بل في ذاكرة الكائنات  كما أسهب الراوي في مقدمة العمل؛

((من ذاكرة ابن آوى والجعران وأبومنجل وتماسيح النيل، ونقيق الضفادع في حقول الأرز، وموسيقى الضفادع في الترع والقنوات قبل تطهيرها، والبوص والهيش والحلفاء وذيل القط، والسبخ والسنط والجميز والصفصاف، وحجارة  تل بسطة، وتماثيل صان الحجر، وحكايات تل يوسف، وأساطير الجبانات، وأوراق البردي، ومواويل الكرباج، ودوار العمدة، والخفراء وشيخ الخفراء، ومواويل السلطة، وحكايات السُخرة، في حفر القناة، وفي البحر الصغير والرياح التوفيقيّ وبحر مويس والقناطر التسعة وترعة البوهيّة وترعة الحلوة، وحكايات الكنغر التي يحملها في جرابه، ويظل يقفز بها عبر السهول والوديان)) 


إنه كائن لا ينقرض، كلما هطل المطر ينبت من جديد كما ورد في قصة "جذور الخروع"، جذوره ليست من الخروع أو القطن ولكنها من الكافور والجميز والصفصاف، ومهما يُشطب من سجلات الحكومة فهذا لا يعني شيئَا- أو يُنفي من أرض يَخرج من أرض أخرى في زمن آخر، أصله متجذر وخراعيبه لا تجف، متمددة في الطين وفي الصخر، وهذا ما كشفت عنه الحفرية التي عُثر عليها في بلبيس وكان مدونًا عليها اسمه بالهيروغليفية ومترجما للعربية في قصة "حفرية الحديدي".

وفي قصة "الطوطم" يوضح لنا الراوي أن "الحديدي" هو إنسان مفارق غير عادي ،هو الإنسان المصري الفريد، خلقه الرب بيديه ثم وُضَعهُ وسط القرى ليعلم الناس الضمير، وليدشن بيده التاريخ، وَلينشر في العالم الخرب الدين والثقافة والحضارة.

وإنه الأرض الطيبة نفسها، على جسده ينبت العشب وتتبرعم البذور، 

وهذه الأرض التي أكل وشرب وترعرع عليها الزمان لازلت تؤتي أُكلها حتى اليوم، وهذا الكنغر الشقي بينما يحاصرونه ويسَيجون حوله الخوف والجهل والمرض ويحاولون حبسه في عهد أو حكم أو عقيدة، اذ به يقفز قفزةً عظيمةً حاملًا بيدِهِ شعلةً وهاجةً وباليدِ الأخرى قلمٌ مُسَنَّمٌ يقطرُ حبرًا وَجرابه زاخرٌ بالأوراق.

……………………………….

وتوالت المداخلات من د. نادرعبدالخالق، والكاتب محمود الديداموني، والشاعر حسام الكرار، والشاعر ابانوب لويس، الكاتبة زينب عامر، والعميد محمود عبده، إسماعيل يسري المحامي،  والسيد رزق المحامي، المهندس عرفات عبدالحكم، الرائد السيد عبد الحكم، الدكتور علي عبدالحكم،  أ. د/رمضان عبدالسلام، أ. جابر سليمان،  المبدعة زهرة عاطف،  المبدعة حبيبة ياسر. 

وعقب في نهاية الندوة على المداخلات الشاعر والمترجم الكبير السيد النماس. 

كل الشكر للأستاذة نجوي مكاوي مديرة القصر على الحفاوة وحسن الاستقبال والشكر موصول للاستاذة علا السعودي مشرفة النادي