كلمة المحرّر: مقدِّمة العدد الثاّلث عشر لمجلّة السَّلام الدَّوليّة/ صبري يوسف


هَلْ أُصيبَ هذا الزّمانُ بديمومةِ الدَّوخةٍ ولوثةِ الزَّهايمرِ، 

وبداياتِ أو نهاياتِ التَّخريفِ؟!



أنظر بإمعانٍ إلى الزَّمنِ، إلى الحياةِ، ووقائع الأحداثِ، فيبدو لي وكأنَّ الزَّمنَ قد شاخَ أكثر من اللّازم، هل وصلَ إلى مرحلةِ الشَّيخوخةِ المُريعة، وإلى حدِّ التّيهِ والانهيارِ والانحدارِ نحوَ مُنعرجاتِ الضّياعِ، رغمَ كلّ ما يتوفَّر للزمنِ مِنْ تقنياتٍ وتطوُّراتٍ في سائرِ مجالاتِ الحياةِ، معَ هذا أراهُ في حالةِ توهانٍ وضياعٍ لا يخطرانِ على بالٍ، أراهُ بعيداً كلَّ البُعدِ عَنِ الأهدافِ الإنسانيَّةِ الخلَّاقةِ. هَلْ أُصيبَ هذا الزّمانُ بديمومةِ الدَّوخةٍ ولوثةِ الزَّهايمرِ، وبداياتِ أو نهاياتِ التَّخريفِ؟! أكادُ لا أصدِّقُ أنَّهُ مَعَ كلِّ هذهِ العلومِ الّتي وصلَ إليها الإنسانَ مِنْ تقنياتِ وتكنولوجيا العصرِ، وهو ما يزالُ يتخبّطُ بكلِّ قباحةٍ في تُرَّهاتِ الحياةِ، ويتشبّثُ بكلِّ ما هو دموي وغرائزي وغير إنساني، تاركاً جواهرَ الحياةِ وأرقى الأهدافِ تتلظّى في جُعبةِ النِّسيانِ. أليسَ كما يُقالُ بالاصطلاحِ الشَّعبيِّ الدَّارجِ: "المالُ وسخُ اليدينِ"، هو وسيلةٌ مِنْ وسائلِ العيشِ، لكنّي أرى إنسانَ هذا الزّمان، يلهثُ ليلَ نهارٍ خلفَ جَمْعِ المالِ بُطرقٍ لا تمتُّ نهائيّاً بإنسانيّةِ الإنسانِ، بقدرِ ما تجنحُ رؤاهُ نحوَ بوهيميّةِ الإنسانِ، وكأنَّ المالَ هو الهدفُ الأقصى لوجودِهِ على وجه الدّنيا، وكأنَّهُ جاءَ إلى الحياةِ مِنْ أجلِ المالِ فقط، ونسي أنَّ وجودَهُ أسمى بكثير مِمَّا يلهثُ خلفَهُ، فقد نسي إنسانيّتَهُ ككائنٍ سامٍ، ونسيَ جوهرَ وجودِهِ على وجهِ الدُّنيا وتشبّثَ بالقشورِ وغاصَ عميقاً في غبارِ الحياةِ، إلى أنْ أصبحَ ملطّخاً بسماكاتِ الغبارِ. وهذا الكلام ينسحبُ على سياساتِ كبارِ الدُّولِ وأصحابِ رؤوسِ الأموالِ العملاقةِ وأصحابِ القرار، وكأنَّ هدفَ الإنسانِ الأقصى هو هذا اللِّهاثُ خلفَ المالِ، ونسي هؤلاءُ أنَّ الإنسانَ هو أسمى المخلوقاتِ، فلماذا لا يُمارسُ بدورهِ أسمى المُمارساتِ على وجهِ الدُّنيا.   

***

أرى إنسانَ هذا الزَّمان في أوجِ ما يشهدُهُ عصرُنا من تقدُّمٍ كبيرٍ وحضارةٍ متراميةِ الأبعادِ، ينحرفُ نحوَ مفارقاتٍ مؤلمةٍ، وبعيدةٍ عن جادةِ الصَّوابِ والخيرِ والسَّلامِ. كأنَّهُ نسي جوهرَ إنسانيَّتِهِ ووئامِهِ، وانجرفَ بكلِّ وحشيّةٍ نحو عوالمِ الحربِ والدَّمارِ، يستنطقُ عبرَ هذهِ الحروبِ أشنعَ أنواعِ العنفِ بدلاً عَن استنطاقِ العقلِ، ويُشيِّدُ فيها الخرابَ بدلاً عَنِ العمرانِ. غائصاً في ترّهاتِ الحياةِ وزخارفها الزّائلةِ، إلى أنَ غدا بعيداً عَنْ دائرةِ النُّورِ، متنكِّرًا لما وصلَتْ إليهِ البشريّةُ مِنْ رقيٍّ ومعرفةٍ، ومُحمِّلًا العالمَ أوزارَ صراعاتٍ تَطمسُ البصيرةَ قبل أن تَرى هلالاتِ النّورِ. 

لقد أصبحَ انحرافُ الإنسانِ عَنْ جادةِ الصَّوابِ ومعالمِ الخيرِ والسَّلامِ، مشهدًا متشابكاً في تعقيداتِهِ، تتداخلُ خيوطُهُ السِّياسيّةُ والاقتصاديّةُ والاجتماعيّةُ والنَّفسيّةُ، حتَّى تكادُ لا تميَّزُ بدايتَهُ عن نهايتِهِ. فمنذُ أنْ انفتحَ العالمُ على عصرٍ تُسخَّرُ فيه المعرفةُ لخدمة الرَّفاهِ وتُسابقُ فيه التكنولوجيا حدودَ الخيالِ، توقَّع المرءُ أنْ تزدادَ مساحاتُ الوئامِ والتّفاهمِ والتَّناغمِ بينَ البشرِ، إلَّا أنَّ الواقعَ يكشفُ يوماً بعدَ يومٍ عكسُ ما كنّا نتوقَّعُهُ، إذْ تزدادُ الصِّراعاتُ انشراخاً، وتتنوَّعُ أشكالُ الانحرافاتِ، وكأنَّ الإنسانيّةَ تخوضُ حربًا خفيَّةً مَعَ ذاتِها قبلَ أنْ تساهمَ في بناءِ كينونتِها الخلّاقةِ. 

ويتجلّى هذا الانحرافُ من خلالِ تعطُّشِ بعضِ الدُّولِ والجماعاتِ إلى فضاءِ القوَّةِ والنُّفوذِ، حيثُ يتمُّ استغلالُ التقدُّمِ العلمي لتطويرِ أدواتِ الدَّمارِ بدلاً عن أدواتِ البناءِ، فيتحوّلُ العقلُ البشريُّ إلى مهندسٍ لحروبٍ تلتهمُ البشرَ والشَّجرَ وكلَّ أنواعِ الاخضرارِ. وتُصبحُ المصالحُ الضيّقةُ، السَّياسيّةُ والاقتصاديّةُ، وقودًا لهذه الصِّراعاتِ الَّتي تكتسحُ الحدودَ والجغرافيا، ولا تُصغي لصرخاتِ الأبرياءِ والَّذينَ يجنحونَ نحوَ السَّلامِ، ولا تعبأْ بمنجزاتِ الحضارةِ البشريّةِ الَّتي وصلَتْ إليها على مدى قرونٍ مِنَ الزِّمانِ، وكانَ يُفترضُ أنْ تُطفئَ جذوةَ العنفِ لا أنْ تُؤجِّجَها.

ويزدادُ الإنسانُ انحرافاً، على المستوى الاجتماعي، حينَ تُستبدَل قيمُ الرَّحمةِ والمسامحةِ والعدلِ بروحِ التَّنافسِ المَحمومةِ، وحينَ يفقدُ الفردُ بوصلةَ العبورِ في فضاءِ القيمِ الأخلاقيّةِ وسطَ شراهةِ الاستهلاكِ والبحثِ المحمومِ عن الامتيازِ والمكانةِ، نرى كيفَ تتفكَّكُ الرَّوابطُ الإنسانيّةُ تفكُّكاً مُشيناً، وإزاءَ هذا التفكُّكِ والانهيارِ في القيمِ، ينشأُ العداءُ المميتُ بينَ فئاتِ المجتمعِ بدلاً عن التَّعاونِ، وتتحوّلُ علاقةُ الإنسانِ بالإنسانِ إلى علاقةِ صراعٍ دفينٍ، قائمةٍ على العنفِ والعنفِ المضادِّ بطريقةٍ مأساويةٍ موغلةٍ في أشنعِ الممارساتِ. وتنعكسُ هذهِ الحالاتُ الانشراخيّةُ على المستوى النّفسي انعكاساً ساحقاً، لأنَّ ضغوطَ الحياةِ الحديثةِ رغمَ رخائِها الظَّاهري، تدفعُ الكثيرينَ إلى الاغترابِ الدَّاخلي، حيثُ يتقاطعُ الشُّعورُ بالفراغِ مَعَ البحثِ المتعثّرِ عن ماهيّةِ وجوهرِ الوجودِ، فتتولدُ حالاتٌ مِنَ التَّوتَّرِ والكراهيّةِ. وفي غيابِ المصارحةِ الذَّاتيّةِ والوعي العميقِ، تتحوّلُ هذهِ الاضطراباتُ إلى سلوكيَّاتٍ مُنحرفةٍ، تُفاقِمُ مِنْ ضراوةِ الصَّراعاتِ بين الأفرادِ والمجتمعاتِ، وتُعزِّزُ إنشراخَ الإنسانِ مَعَ ذاتِهِ قبلَ إنشراخِهِ مَعَ الآخرينَ.

وأرى إزاءَ هذا التَّوهانِ عَنِ الذَّاتِ، أنَّ أكبرَ تحدٍّ يواجهُهُ إنسانُ اليومِ هو أنْ يُعيدَ اكتشافَ إنسانيَّتِهِ، وأنْ يترفّعَ عن تلكَ النّزعاتِ الّتي تدفعُهُ نحوَ الخرابِ، وأنْ يُرمِّمَ الجسورَ المتصدِّعةَ بينَهُ وبينَ أخيهِ الإنسان، ويجاهدَ في معالجةِ ذاتِهِ المعطوبةِ، قبلَ أنْ ينهارَ ما تبقّى مِنْ صرحِ الحضارةِ الَّتي شُيّدَتْ بعرقِ الأجيالِ وروحِ السّلامِ. وأرى أيضاً أنَّ ما وصلَ إليهِ الإنسانُ اليومَ مِنْ تشابكاتٍ وتناحراتٍ مع بني جنسِهِ، يُجسِّدُ مفارقةً كبرى في مسيرةِ الحضارةِ البشريّةِ، فكلَّما اتَّسعَتْ رؤاهُ وقدراتُهُ على الفهمِ والتّواصلِ والتّطويرِ، ضاقَ صدرُهُ في فضاءِ التَّعايشِ والاختلافِ.

لقد أصبحَ الإنسانُ يعيشُ في زمنٍ تتقاطعُ فيهِ الثَّقافاتُ والأفكارُ والاعتقاداتُ على نحوٍ لم تعرفْهُ البشريَّةُ من قبل، ومَعَ كلِّ هذهِ التَّقاطعاتِ بينَ الثَّقافاتِ، تتَّسعُ الهوّةُ بينَ البشرِ بدلاً مِنْ أنْ تضيقَ. وكأنَّ العالمَ، على رحابتِهِ، ضاقَ بما في النُّفوسِ مِنْ خوفٍ، وبما في العقولِ مِنْ تعنُّتٍ، وبما في السِّياساتِ مِنْ جشعٍ وأطماعٍ. وإنّ ما يدعو للأسفِ أنّ كثيرًا مِنْ هذهِ الصِّراعاتِ لم ينجمْ عَنِ العجزِ أو الحاجةِ، بل نجمَ عن سوءِ الإدارةِ، والجشاعةِ، وغيابِ العدالةِ، واحتكارِ الحقيقةِ من قبِل فئاتٍ مُعيّنةٍ، ترى في اختلافِ الآخرِ تهديدًا، لا إثراءً وتطويراً وتحديثاً.

ومع هذا، فإنَّ الصُّورةَ الّتي تلوحُ في الأفقِ، ليسَت قاتمةً بالكاملِ؛ فهناك في المقابلِ ملايينُ البشرِ يعملونَ ليلَ نهارٍ، من أجلِ توطيدِ دعائمِ السّلامِ والعدالةِ والحرّيّةِ والمساواةِ، ويؤمنونَ بأنَّ الإنسانَ وُجِدَ ليعمِّرَ، لا ليُدمِّرَ؛ ليبني، لا ليهدِّمَ. وما وصلَ إليهِ الإنسانُ اليومَ ليسَ قدَرًا حتميًّا على البشرِ، بَلْ جاءَ نتيجةَ خياراتٍ تراكمَتْ على أيدي المستغلِّينَ، والمناهضينَ للحياةِ الكريمةِ، ويمكنُ استبدالُها بخياراتٍ أخرى، إذا امتلكَ الإنسانُ شجاعةً لمواجهةِ الذّاتِ أولاً، والاعترافِ بأخطائِهِ، وإعادةِ ترتيبِ أولوياتِهِ، بناءً على قيمٍ أعمقَ مِنَ المصالحِ الآنيّةِ الجشعةِ والصِّراعاتِ العقيمةِ. ويمكنُ أنْ يحقِّقَ الإنسانُ أرقى الأهدافِ، شريطةَ أنْ يسعى إليها بصدقٍ وإخلاصٍ، ويَعدَّ الآخرينَ امتدادًا لذاتِهِ لا أنْ يعدَّهم أعداءً لهُ. ولكي يحقِّقَ هذهِ الطُّموحاتِ والأهدافَ، عليهِ أنْ يخرجَ مِنْ دائرةِ الاعوجاجاتِ والانحرافاتِ الَّتي يتخبّطُ فيها، ويبذلُ قصارى جهدِهِ، جنباً إلى جنبٍ مَعَ مَنْ يرفعونَ لواءَ السَّلامِ والوئامِ والتَّعاونِ بينَ البشرِ. ولكي يتمكَّنَ الإنسانُ من قيادةِ الفكرِ الخلّاقِ نحوَ بوَّاباتِ السَّلامِ والوئامِ، لا بدَّ مِنْ مقاربةٍ شاملةٍ بكلِّ الاعوجاجات لمعالجةِ جذورِ الخللِ والانحرافاتِ، ويمكنُ تحقيقُ هذهِ الأهدافِ من خلالِ إعادةِ بناءِ الوعي الإنساني عبرَ التّربيةِ السَّليمةِ على كافّةِ المساراتِ، ولا يمكنُ تحقيقُ سلامٍ دائمٍ بعقلٍ لم يتربَّ على احترامِ الإنسانِ لأخيهِ الإنسانِ، ولهذا ينبغي أنْ تقومَ التّربيةُ منذُ الطُّفولةِ وتستمرَّ حتّى مراحلِ التّعليمِ العليا على أنْ تنمِّي قيمَ التَّعاونِ بدلاً عن إثارةِ التَّنافساتِ والصِّراعاتٍ العمياءِ بينَ البشرِ، والترِّكيزِ على زرعِ التَّعاليمِ التَّربويّةِ المفيدةِ للجميعِ كي يتمكّنَ المرءُ مِنْ حلِّ النّزاعاتِ بطرقٍ حضاريّةٍ وإنسانيّةٍ راقيةٍ. وكلُّ هذا يساهمُ في ترسيخِ ثقافةِ الاختلافِ بينَ الشُّعوبِ، وأنَّ الحقيقةَ ليسَتْ مُلكًا لطرفٍ واحدٍ دونَ غيرِهِ. وهذا يؤدّي إلى تعزيزِ التَّفكيرِ النَّقدي الّذي يؤدِّي إلى التَّطويرِ نحوَ الأفضلِ، ويتحرّرُ الإنسانُ مِنَ التَّعصُّبِ والانغلاقِ على الذّاتِ. فالعقلُ الواعي هو الحصنُ الأوّلُ ضدَّ العنفِ والانحرافِ. وهو الَّذي يقودُنا إلى تحقيقِ العدالةِ الاجتماعيّةِ وإلغاءِ الفوارقِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، لأنَّ أغلبَ الصِّراعاتِ المنتشرةِ في العالمِ، ليسَتْ وليدةَ الشَّرِّ، بَلْ هي وليدةُ الظُّلمِ والحرمانِ واللّا مساواةِ بينَ البشرَ. وعندما يشعرُ الإنسانُ أنّهُ مهمَّشٌ، تنبثقُ النِّزاعاتُ وتُصبحُ هي لغتُهُ الأخيرةُ. ولهذا يجبُ توفيرُ الفرصِ الاقتصاديّةِ والتَّعليميّةِ بالتَّساوي لجميع أفرادِ المجتمعِ مِنْ دونِ أيِّ تمييزٍ، وبناءِ أنظمةٍ قانونيّةٍ تُحاسِبُ القويَّ قبلَ الضَّعيفِ. وتوزِّعُ الثَّرواتِ بما تحفظُ كرامةَ الإنسانِ. لأنَّ العدالةَ ليسَتْ فضيلةً فحسب؛ إنّها شرطٌ من شروطِ تحقيقِ السَّلامِ. ولا بدَّ مِنْ تعزيزِ الحوارِ بينَ الثَّقافاتِ والأديانِ، لأنَّ الخوفَ مِنَ الآخرِ غالبًا ما يكونُ مُنبعثاً مِنَ الجهلِ بِهِ، ولذلكَ فإنَّ الحوارَ الحقيقيَّ الصَّافيَ الخلّاقَ، يزيلُ الخلافاتِ، ويُعيدُ الإنسانَ إلى إنسانيتِهِ، ويفتحُ الحوارُ لنا الأبوابَ المغلقةَ بكلِّ سلاسةٍ، ويؤكّدُ لنا أنَّ الاختلافَ ليسَ تهديدًا، بَلْ مصدرَ تنوّعٍ وثراءٍ. ولا بدَّ مِنَ التَّأكيدِ على بناءِ أنظمةٍ سياسيَّةٍ رشيدةٍ ومسؤولةٍ، لأنَّ الصِّراعاتِ الكُبرى بينَ الدُّولِ تُصنعُ في غرفِ السِّياسةِ المعتمةِ، بعيداً عنِ الأضواءِ. ولهذا لا بدَّ مِنْ إيجادِ قياداتٍ سياسيّةٍ شفافةٍ، بعيدةٍ عَنْ لُغةِ الاستبدادِ، تعملُ على خدمةِ الإنسانِ لا خدمةِ المَصالحِ، على أنْ تعطيَ هذهِ السِّياساتُ الأولويّةَ للسلامِ والتّنميةِ والحفاظِ على كرامةِ الإنسانِ أينما كانِ! 

وعندما تُصبحُ السُّلطةُ خادمةً للمجتمعِ، لا سيّدةً عليهِ، تنتفي الحروبُ وتتلاشى الصِّراعاتُ بينَ البشرِ. وعلى سياساتِ الدُّولِ أنْ تركّزَ على استثمارِ فضاءِ الإبداعِ وآفاقِ التَّنويرِ الثَّقافي للارتقاءِ بالحياةِ نحوَ أرقى بهاءِ العمرانِ، لا نحوَ شراهاتِ التَّدميرِ، لأنَّ استثمارَ الفكرِ الخلّاقِ هو الَّذي يقودُنا إلى أرقى مستوياتِ الحياةِ والعيشِ الكريمِ. ولهذا ينبغي أنْ ندعمَ كلَّ أنواعِ الفنونِ والآدابِ الَّتي تُجسّدُ تنويرَ حياةِ الإنسانِ وتُحقِّقُ مآربَ الإنسانِ في جميعِ أصقاعِ الدُّنيا، ونبثُّ هذهِ الطُّموحاتِ عبرَ الإعلامِ المسؤولِ الَّذي يُضيء العقولَ بدلاً مِنْ أنْ يؤجِّجَ النِّزاعاتٍ. وكلُّ هذهِ الآفاقِ تقودُنا إلى تحقيقِ وتعزيزِ الصّحةِ النَّفسيّةِ والاتزانِ الدَّاخليِّ والتَّأمُّلِ العميقِ معَ الذَّاتِ، فلا سلامَ خارجي دونَ سلامٍ داخلي.

وكلُّ هذا يقودُنا إلى التَّركيزِ على تجديدِ مفهومِ الإنسانيّةِ المشتركةِ، لأنَّ التَّرابطَ الإنسانيَّ هو حجرُ الزَّاويةِ في ترسيخِ فضاءَاتِ السَّلامِ. وإنَّ الخروجَ مِنَ الفوضى والانحرافاتِ والصِّراعاتِ والحروبِ، ينطلقُ مِنْ عدَّةِ مساراتٍ ورؤى وتوجُّهاتٍ كما أشرنا آنفاً، وهكذا فإنَّ التَّحوّلَ الحضاريَّ يبدأ مِنْ داخلِ الفردِ ويتمدّدُ إلى المجتمعِ والدَّولةِ والقارّاتِ والعالم. والإنسانُ قادرُ على تجديدِ وعيهِ وفكرِهِ ورؤاه، واستعادةِ أخلاقِهِ، وتفعيلِ طاقاتِهِ الإبداعيّةِ، ويستطيعُ أنْ يحوّلَ هذا العالمَ مِنْ مسرحِ صراعاتٍ إلى فضاءِ تعاونٍ وتآخٍ وتضامنٍ. فالسَّلامُ ليسَ هديَّةً، بلْ اختيارٌ يوميٌّ ورسالةٌ متكاملةٌ، تُبنى على أسُسٍ متينةٍ خطوةً خطوةً وجيلًا بعدَ جيلٍ.


ستوكهولم: 4. 12. 2025

صبري يوسف

أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم

رئيس تحرير مجلّة السَّلام الدولية


قصّة للأطفال: روضة وزهرة والخيال


هو ليس خبرًا – هي بُشرى – لروضاتِ بلادنا لبساتين الطّفولةِ.. للأوائلِ؛ لمشاهدةِ تقنيّاتِ الّلغةِ بالحرفِ المشكولِ والصّيغةِ السّهلةِ - لحواراتِ الأطفالِ المسكوبةِ من شفاهِ الأحلامِ، القادمةِ بالشّخوصِ الحقيقيّةِ، "الأطفالُ" بلغتِهم وأحلامِهم نُسجَت القصّة.

هذه القصّةُ المسكونةُ بالتّساؤلاتِ وإجاباتِ الأطفال في أهمِّ جوهرِ قضايانا الحياتيّةِ اليوميّة. 

بعدَ الحمدِ والشّكرِ لربِّ العالمين، أقول: نالَت هذه القصّةُ الجائزةَ َالعالميّةَ لأدبِ الأطفالِ لعام 2025 من الدّارِ العامرةِ بالمحبّةِ والمؤسّسةِ العاليةِ بالثّقافةِ – مؤسّسةِ ودارِ نعمان للثّقافةِ بالمجان - لبنان.

كما نُشرَت في أنطولوجيا الجائزةِ بالعربيّةِ مصحوبةٌ بترجمةٍ للّغَةِ الإنجليزيّةِ مع رسوماتٍ توضيحيّةٍ جميلةٍ.

 وهنا؛ نزفُّ إليكم البُشرى - إصدار القصّةِ بالعربيّةِ في وطنِنِا الجميل.. لتكُن الجسرً الثّقافيّ الذي يجمع ما بين الأطفالِ وبعضِهم، في حواراتٍ حولَ أهمِّ قضايا الحياةِ - مثلًا: ما العدلُ، ما المحبّةُ وما السّلامُ.

وأختتمُ القول:

هنا في قصّةِ "روضة وزهرة والخَيَال" مخاطبةُ أطفالِنا بلغتِهِم مع الرّفاقِ الحقيقيّين ومع أحلامِ المُستقبلِ.

المؤلّف: وهيب نديم وهبة

الرّسّومات: أماني البابا

التّنسيق: آلاء مرتيني

النّاشر: دار الهدى، عبد زحالقة.


كتاب صوتي – "بيتُ العصفورِ" وهيب نديم وهبة


يطيرُ العصفورُ- يغادرُ البيتَ الخشبيَّ... ويُحلّقُ في الفضاءِ. يُبصرُ شجرةً وارفةَ الظّلالِ، يختارُها لبناءِ العشِّ للموسمِ القادمِ.

الآن؛ ستعودُ أسرابُ العصافيرِ لحياتِها الطّبيعيّةِ... والملكُ سليمانُ الحكيمُ إلى مملكتِهِ - والأميرةُ تعودُ لأرضِ الحكاياتِ... وأنا إلى وطني... حاملًا للعالمِ قصّتي "بيتُ العصفورِ". 

حين اكتسى العصفورُ بالرّيشِ، حاولَ أن يطيرَ، فسقطَ بيدِ القارئِ (محمد السّعدني) مكتسيًا كاملًا بشتّى ألوانِ الزّينةِ... مُموسقًا بالحسِّ الإنسانيِّ المرهفِ البديعِ... سابحًا بين عوالمَ إنسانيّةٍ شفّافةٍ وقصصٍ وحكمٍ ومقولاتٍ لسيّدِنا سليمانَ الحكيمِ- وزقزقةُ السّردِ تجمعُ كلَّ الألوانِ في جماليّةِ التّعبيرِ بالصّوتِ والنّغمةِ والكلمةِ الرّاقيةِ.

هذه هي مملكةُ القصصِ.. مكتبةُ عرب كاست.. التي أضاءت العالمَ بصوتِها وجعلَت عالمنا أكثرَ جمالًا... وهنا نقدّمُ لطاقمِ عرب كاست كلَّ التّقديرِ والشّكرِ والمحبّةِ لهذا الإنجازِ النّبيلِ- قصةُ "بيتُ العصفورِ" بصوتِ محمّد السّعدني، الغايةِ في الرّوعةِ والاتقانِ في الإلقاءِ.

الرّابطُ للقصّةِ:

https://arabcast.org/books/5806-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D9%81%D9%88%D8%B1

المعلوماتُ:

"بيتُ العصفورِ" بالعربيّةِ / بصوتِ: محمدِ السَّعدني - مكتبةُ عرب كاست – 2025.

صدرَ بالعربيّةِ والانجليزيّةِ - دارُ الرّبيعِ القاهرة - 2024. رسوماتُ هيام يوسف مصطفى - التّرجمةُ: حسن حجازي حسن - مصر. 

الطّبعةُ الثّانيةُ: بالعربيّةِ والعبريّةِ- دار الهدى – عبد زحالقة - 2025. الرّسوماتُ: شبرين الخاني- التّرجمةُ - بروريا هورفيتس.


الشاعر والناقد والإعلامي الفلسطيني الكبير الدكتور حاتم جوعيه يحصلُ على جائزة مُؤسَّسة شربل بعيني الدوليَّة للأدب والثقافة





    حصلَ الشاعرُ والكاتبُ الفلسطيني الكبير الدكتور حاتم جوعيه من مدينة المغار - الجليل - فلسطين - على جائزة مُؤسَّسة شربل بعيني الدوليَّة لهذا العام، ومركزُ ومقرُّ هذه المُؤَسَّسة في مدينة سدني بأستراليا.

         والجديرُ بالذكر أنَّ هذه الجائزةُ تُمنحُ كلَّ سنة لأفضلِ كاتب وشاعر في العالم العربي يتمُّ اختيارُهُ وترشيحُهُ.  ومنذ عام  1992 (تاريخ إقامة المُؤسَّسة ومنح هذه الجائزة) وحتى الآن هنالك القلائل فقط من الشعراء والكتاب المبدعين العرب، من مختلفِ الدول والبلدان العربيَّة، الذين حصلوا على هذه الجائزة. والجائزةُ عبارة عن شهادة تقديريَّة تكريميَّة وميدالية فخريَّة ونشر كتاب الكتروني من تأليف الشَّخص المُحتفى به على نفقة المُؤسَّسة .


مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة: دعت إلى المشاركة في فعاليات استقبال قداسة البابا


دعت مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة إلى المشاركة الكثيفة في فعاليات استقبال قداسة البابا لاوون الرابع عشر، وفي لقاء، أشار رئيس المؤسسة المحامي شادي خليل أبو عيسى إلى أن وطن الأرز موجود في وجدان حاضرة الفاتيكان، ولتكن فترة وجود قداسته في لبنان منبعاً للصلاة والتأمل والأمل بالتضامن والتقدم والاستقرار.


لمناسبة زيارة قداسة البابا الى لبنان الرسام شوقي دلال يهديه لوحة تجلي السيد المسيح على جبل حرمون ويتمنى زيارته للجبل


         لمناسبة الزيارة التاريخية لقداسة البابا لاون الرابع عشر الى لبنان اهدى رئيس "جمعية محترف راشيا" الرسام شوقي دلال لوحة انجزها تُحاكي حادثة تجلي السيد المسيح على جبل حرمون وتمنى دلال زيارة قداسته الى راشيا وجبل حرمون مكان ظهر النور على السيد المسيح وشَعّ على البشرية .. 

واظاف دلال: نحن اليوم نتطلع الى هذه الزيارة التاريخية للبنان خاصة بظل ما يعيشه لبنان من واقع أليم وأزمات متتالية لتكون نسمة رجاء وقيامة وخير تعم جميع اللبنانيين كما نتمنى على قداسته تخصيص راشيا الوادي وجبل حرمون بزيارته وان نمشي مع قداسته على الدرب الذي مشاه السيد المسيح مع تلامذته بطرس ويعقوب ويوحنا ومن هناك صعد الى قمة الجبل وشهدت البشرية واقعة التجلي حيث شع النور او ان ينتدب قداسته عدد من الاساقفة المعاونين له القيام بهذه الزيارة وإقامة قداس في الجبل اذا كان برنامج قداسته في لبنان محدد مسبقاً، فلا حرمون إلا واحد في التاريخ موجود في راشيا الوادي ووادي التيم"...   


قراءة نقدية في رواية "المعلم الجوال" للأديب /مجدي جعفر


معايشة بقلم : حامد حبيب _مصر 🇪🇬

                «««•»»» 

              {المُعلِّم الجوّال} 

              (الجزء الأول) 

  رواية: واقعية كاشفة، لم يلجأ فيها الكاتب لسردٍ موازٍ يتوارى خلفه،كما يفعل البعض تجنّباً لعقاب أو خوفاً من عواقب المكاشفة. 

رواية:  يمتد زمنها من حرب ١٩٤٨م كنقطة للبداية،  وحدّد المكان ب"ديرب نجم"إحدى مدن محافظة الشرقية، وهو إيحاء بالمعايشة والواقعية المحلية الحقيقية، باعتبار أنه بالفعل من سكان تلك المدينة. رواية: لم يستخدم فيها الكاتب ضمير المتكلم/المُخاطِب (المنفصل/المتصل)، وإنما استخدم فيها ضمير المخاطَب (بفتح الطاء)، ويسند إلي المخاطَب(صاحبه) كل قول وفعل مع إضافة خلفية للأحداث المتزامنة خلف أقواله وأفعالِه. 

       وكأنه يوجه الخطاب للجميع، من خلال (انت/كاف الخطاب)، وهي تقع على مستوى(انتم/..كُم)، وبالتالي اختار المواراة خلف الضمير، وهو مايشعرك بأنك مهما كانت لديك من جرأة وشجاعة، فلا يمكن للأديب في بلاد القهر والاستبداد أن يكون له جموحه، وبالتالي بحتال الأديب باستخدام الألفاظ، بالضبط كمن يريد أن يصرّح بشيء من رأيه، فبدلاً من أن يقول: قلت، يستبدلها ب(قالوا). 

رواية  : طاف فيها الكاتب بجُلّ المشكلات والقضايا والآفات التي مرّت بها البلاد ،والتأثر بالتحوّلات العربية والعالمية حتى في أدق الجزئيات، التي رآها ورأيتها معه، ولم أجد في إسهابه عالة على الرواية، بل إسهاباً ضروريًًا بلا شك، لأن في هذه التفاصيل الدقيقة يكمن الوجع الحقيقي.. فهو لم يلجأ لنقاط عريضة فحسب، ولم يترك نقاطاً فارغة تشير  اليها، بل ملأها بتلك التفاصيل التي كانت ضرورية، لتجسيد المعنى والمعاناة من ناحية، وتجنّب الرتابة، وإضفاء روح من الواقعية المحلية التي صعَّدت من متعة الرواية. 

رواية  : تتّسم ببساطة الأسلوب رغم حجم القضايا واتساع مدى ما فيها من موضوعات شتّى (سياسية/اقتصادية/ اجتماعية/…. "، إلا أنه وكأنه تعمّد اختيار هذا الأسلوب ليس عجزاً عما يليق بالنخبة الثقافية_ بل للتبسُّط في مخاطبة كل المستويات الثقافية، خاصة الجمهور العريض من الجمهور الذي يئن مما سردَه من موضوعات لصيقة بحياته وذكرياته، والتي بالفعل يعيشها في الوقت الحاضر والآني، فتلمس شغافَ قلبه ومجريات واقعِه فينفعل بها كما انفعل بها الكاتب. 

رواية  : تؤدي رسالة عظيمة ، تؤكد أن الأديبَ لاينفصل عن واقعه، ولا يغفل عن قضاياه، وأنه يشارك الجمهور معاناته، كما يكشف ويفضح مساوئ هذا الواقع، من أجل مطاردة مافيه من قوى الشرّ المتوارية خلف الحجُب  ،والتي  تسبّبت في مرارة هذا الواقع، والحدّ من هذا الجموح نحو التيه الذي نعيشه. فهي رواية تكشف أن الأديب صاحب رسالة عظيمة، يجب أن يُقدّر في مجتمعه ويُعظَّم دوره، وعلى الجماهير أن تتابع أعماله الأدبية، ليستنيروا بكتاباته، فالأدباء هم نقطة بداية كل تغيير. 


            " رواية لم أقرأها.. أدعوكم لقراءتها"   

 [ربما هو غريبٌ هذا العنوان، لكنه عنوان أريد به ما فوق القراءة وتجاوزاً لحدودها، وأعنى بها أنها لم تكن مجرد قراءة فحسب، بل "معايشة" حقيقية للرواية، وكأني كنت ذلك المُتحدَّث عنه في الرواية.. في المرور بتلك الحقَبِ الزمنية، وأحداثها، والتأثر بها، وأنني تحمّلت كل مافيها من آلام، وشاهدت كل مافيها من مآسي الآخرين.] "أدعوكم لقراءتِها" 

               _________

               (الجزء الثاني) 

 بعد أن تحدثنا عن الملامح العامة للرواية في (الجزء الأول) سنتحدث عن الموضوعات الرئيسية بها في هذا الجزء، وذلك لأنه يعنينا تماماً ماتدور حوله الرواية. 

الرواية حُبلى بكثرة الموضوعات المتنوعة، وطوافها المكاني الذي يُعد أبرز عناصرها، فكثرة الترحال يعني عدم الاستقرار، وهو ما تشير إليه الرواية بقوة، والتيه الذي ابتلع الباحثين عن مستقبل، والمُمثّلين في شخصية المُعلّم، والذي اتخذت الرواية عنوانها منه (المعلم الجوال) ويقصد به "المعلم التائه في دروب المستقبل، الذي يذهب ويعود خالي الوفاض من رحلته.. ثم لماذا المعلّم، لأن المعلّم أساس مستقبل البلاد وأمل الأمة في النهوض، وعندما يستهان به ويوضع في فيافي التيه، فقل على المستقبل والبناء والنهوض السلام.. هذا ما نضحت به الرواية، او ماحملته في احشائها، فهي حُبلى بمعلّم معاق. 

إذن أمامنا عناصر ثلاثة تقوم على اساسها الرواية، ودلالة هذه العناصر: 

*الموضوعات ودلالاتها. 

*دلالة المكان 

*دلالة الزمان 

وخلاصة ذلك مما طرحته الرواية في تلك العناصر. 

_______

   (أولاً) 

الموضوعات 

" "" "" "" "

*العدوان الإسرائيلي وماخلفه من معانٍ قاسية (لاجئ/مهجَّر) ف"كلمة(لاجئ) مرتبطة بالفلسطيني"، وكلمة(مُهجّر) مرتبطة بأبناء مدن القناة الذين هجروا الديار إثر الاجتياح الإسرائيلي الغاشم"، "وكلا الكلمتين السبب المباشر في رواجهما هي إسرائيل"." ونحسب ان الكلمتين من الآثارِ السيئةِ والمقيتة والمميتة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين والأردن وسوريا ومصر ولبنان.. "[ص 15]. 

وهذه الجُمل تختزل مقدمات تاريخية من هشاشة الأمة العربية، فلولا تلك الهشاشة ماكانت تلك النتائج المأساوية. 

هشاشة صنعناها بأنفسنا من مؤامرات وخيانات واستلقاء في حجر الغرب لتمكين بعض الملوك والأمراء من عرش السلطة، فنتج عنه تقسيم صنعناه بأنفسنا وتفتيت من أجل أن يحصل كل منهم على بقعة يحكمها، وتكون له دولة وعرش، وأسرار أخرى فجّرها التاريخ، وألقاها بين أيدينا فيما بعد، ومازالت هناك أسرار تحيط بأسباب تلك الهشاشة، لم تبدُ لنا بعد، إلى جانب ماخلفه الاستعمار بعد سلب ونهب، فترك أمةً طريحةَ الفراشِ عاجزةًّ عن الزَّود عن نفسها، ثم ألقى في حجر الأمة فأراً يتغذّى على مابقي منها، او يقرقض بصفةٍ دائمة كل محاولة لرتق ثيابها الممزق، ترك لها هذا الكيان الصهيوني ليواصل تمزيق ثيابها. لذا وضع الكاتب هذا الكيان كبداية حقيقية للمأساة التي تغُذُّ السيرَ في ثقةٍ ليتشكَّلَ الكِيان في صورٍ شتى بين فأرٍ وثعلب وذئب، ولاحول ولاقوة بالوطن الخانع، الذي لم يقبل بالصراع العربي الإسرائيلي، فأضاف من عنده صراعاً عربياً عربياً ليضيف إلى هشاشته وَهْناً على وَهْن وعجزاً ومرضاً، فلا يقوى على ان يهشَّ ذبابةً تمُرُّ بوجهه. 

الكاتبُ  بدأ اولى خطواته وتجواله من حيث بدأت المأساة وبرزت أظافرها لتنهش في جسد الأمة.. فأظهر معنيين (لاجئ ومُهجّر) لتجسيد تلك المأساة على حقيقتها،وكأنه يقول: وهل هما إلاّ من هشاشة وتخاذل وتخلّي!

*يدخل بنا الكاتب إلى موضوع آخر، ومعنى إخر مغاير تماماً .. إلى معنى كلمة "كوسة".. كلمة الِفناها ونعلم دلالتها، وهو يقول:" وتعني الوساطة والمحسوبية ".." فكانت الوساطة والمحسوبية قد بدأت تتفشّى في المجتمع المصري".[ص17[

والحقيقة انه ينبغي لنا أن ندرك في قراءتنا معنى الارتباط وكُنهَ العلاقةِ بين جُمل أو كلمات قد لاتبدو متشابهة تماماً، بينما علينا أن نستعيرٕ من التفكير الفلسفي بعض وسائل التأمل والفهم، فالتفكير الفلسفي دائماً ما يبحث عن العلل البعيدة،والغير مباشرة. فلنجرّب ذلك… هل هشاشة المجتمعات تحدث من علة قريبة أو غير مباشرة فحسب؟ 

 كلاّ.. فهناك مقدمات قد تكون قريبة أوبعيدة تساهم إلى حدّ كبيرٍ في صُنعها، وهناك ماقد يعتبره البعض عنصر، او عامل ثانوي لايضرُّ كثيراً، بينما الكاتب يؤمن أن"معظم النار من مستصغر الشرر" فلا تستهين بعود ثقاب، فلربما أحرق قريةً بكاملها.. هذا ما يشير إليه الكاتب، بل ويؤكده في أكثر من موضع في روايته، لدرجة إنه يتخطاه، ثم يعود إليه مرة أخرى (وسنؤكد على ذلك فيما بعد).. ف"الكوسة"التي هي تعني المحسوبية والواسطة، ربما في عينك عود ثقاب، لكنها إحدى العوامل التي تفشَّت في المجتمع المصري، بل العالم العربي كله (وهو ما يذكره الكاتب أكثر من مرة في جولته)، وذلك يشير إلى فقدان العدالة، فإذا كانت المحسوبية والوساطة في القاع، والعدالة في القمّة، فأي هزّة في القاع تعمل على اختلال القمة، والعدل/العدالة هي الضمان الوحيد لمجتمع مستقر، وعندما تختل العدالة، فلا استقرار ولا ثقة، وعندما تنعدم الثقة تأتي النتائج أسوأ ماتكون، فتضعف بنية المجتمع وتختل القيم الإنسانية ويخبو الانتماء، فهل في فقد ذلك نبحث عن بنيان مرصوص قوي يدافع عن أمة؟ 

*الإشاعة، ومصادرها: حيث يوضح الكاتب الأرض الخصبة لنموّ الإشاعات، وأن مصدرها الأساسي هو الجهل، وكأنه يعود بنا _بذكرها_إلى أن قتل هذه الإفة، إنما يكون بالتعليم، الذي يرقى بنا لمستويات تتجاوز هذا المرض المتفشّي، وتفشّيه، وأرضه الخصبة في القرى/العشوائيات/المناطق التي لاتلقى اهتماماً بالتعليم، وخاصة في الوسط النسائي. فالتعليم هو الحل الأمثل لبناء مجتمعٍ راقٍ يدرك خطورة هذه الآفة ويتغلّب عليها، لأنها عنصر هدام في أي مجتمع يطمح في البناء والرقيّ.. وقد ساق مثالاً لتلك الأرملة التي تركت القرية  وحملت أولادها إلى المدينة. "حين حسمت أمرها وتركت القرية بقرارٍ جرئ..".." كيف لأرملةٍ شابّة أن تعيش بمفردها في المدينة…. اكيد تدبّر وتخطّط لتتزوج هناك، او لتعيش على هواها بعيداً عن عيون الأهل".. " وكانت النساء أكثر مضغاً لسيرتها.. ".[24/23[


*أثر حرب أكتوبر في الإقبال على الكليات العسكرية: 

فيعدّد مزايا الالتحاق بتلك الكليات، مقارنة بما عداها، في تبرُّم غير واضح  مكتوم بداخله.." بعد انتصار حرب أكتوبر

أخذت أسهم الكليات العسكرية في الارتفاع. ".." أخذت…  تجتذب الشباب، وارتداء الزي العسكري أصبح حلماً يراود الكثيرَ منهم". ويُرجع أسباب ذلك لأسبابٍ مادية,،وليس رغبة داخلية موّارة في وضع حدّ لما يتربّص بنا من أخطار خارجية : ".. زيادة رواتب ضباط الجيش… المواصلات للضباط بالمجان، والعلاج بالمجان، ولديهم أفضل النوادي، افضل المستشفيات، البلاچات، شقق تمليك، سيارات بالتقسيط… والاستثناءات للضباط كثيرة.."، وكأنه يقصد بذلك التأكيد على مولد طبقة جديدة، لها ماليس للمجتمع كافّة، لدرجة أنه مباحٌ لها كسر أشارة المرور" ويتم التغاضي عن كسر أشارة المرور"، وهو نوع من التغاضي المتعمّد، ولكنه جاء بذكر تلك النِّعَم التي صاروا إليها تعويضاً عن التبرُّم الصريح. [28/27/62]

*أثر حرب أكتوبر على ثراء دول الخليج والنتائج المترتبة على ذلك:" تكدّست الأموال في دول الخليج، وليبيا، والعراق وغيرها من الدول التي تعوم على بحارٍ من النفط، وهذه الدول تشهد اليوم نهضةً كبرى، وتنميةً عظمى في شتّى المجالات، وتنفق ببذخ  على التعليم الذي حُرمَت منه طويلاً.." [ 30]وكانت النتائج: الإقبال على المعلّم المصري.. لماذا؟ لأنهم بعد حرب أكتوبر وما سقط عليهم من ثراء، دخلوا مرحلة البناء والتعمير والنهضة، والوسيلة ألى ذلك: التعليم، فكان المعلم المصري هو الساعد الرئيسي فيما يطمحون إليه،وبالفعل:"عادوا ليبنوا العمارات الشاهقة،ويركبوا السيارات الفارهة،…،.."، لكنهم بعد أن وصلت تلك البلاد للمرحلة التي يتمنونها، ومع طموح المعلمين ذوي المرتبات الهزيلة في مصر في السفر إلى دول الخليج التي فتحت أبوابها للمعلم المصري، زاد عددهم واضمحلّت الرغبة في تواجدهم، تخلّت عن التعاقد معهم وتركتهم للوكلاء والسماسرة والنصّابين حتى تجرّعوا مرارة السفر إلى هذه البلاد، وراحوا يبحثون عن بديل آخر ينتشلهم من اوضاعهم الرديئة في بلادهم.. أيّ طوق نجاة يعبر بهم إلى برّ الأمان وتحقيق بعض الطموحات. 

ويذكّرنا بسنوات السفر للعراق، كبديل لدول الخليج، والتي بدات في وضع شروط قاسية لدخول المصريين إليها. ثم وصف بعض التفاصيل الدقيقة حول العراق، ووضع المصريين بها في عهد صدام حسين. 

*التحوّل من الأشتراكية للرأسمالية والانفتاح:"بدأنا نعارض السادات الذي تخلّى عن الإشتراكية…، وبدأ في فتح الأبواب للرأسمالية "..  "عرفت ياصاحبي الرأسمالية المستغلة"، ويعرّفها من خلال قوله: " رجلٌ اكرش نصف متعلّم، له ربع عقل، يستغل حاجتنا، وتحت ضغط الفقر والعوز يمصّ دماءنا

ويسرق جهدنا ووقتنا.. ". 

فظهر المستورد، وتراجعت الصناعات المحلية، وظهرت الرشوة، وظهر التهريب، والفهلوة، ووُجِدَت البضاعة المغشوشة في بئر السلم، ونهم الأستهلاك، وظهور الأنصاف في كل شئ. حتى أساتذة الجامعات استفادوا، وظهر من بينهم طبقة من الأثرياء الجدد، فقد كان" انفتاح السداح مداح "بتعبير الكاتب الصحفي احمد بهاء الدين. 

فقد بدا اساتذة الجامعات ببيع المذكرات للطلبة، وهي التي يأتي منها الامتحان، وتنافس الأساتذة على طبع تلك المذكرات، وأقبل الطلاب على شرائها، وانتفع الأساتذة من دخلها، حتى كانت بداية ثرائهم. إشارة من الكاتب إلى  بدء مرحلة الخلل في العملية التعليمية، أذ أصبح التعليم مجالاً

للتجارة والكسب، وانتفت عنه صفة الفرض والالتزام بأداء الرسالة. ناهيك _مع الانفتاح_على فتح باب الرشاوي، والفساد الذي زحف بقوة إلى القرية والمدينة.." وبدأنا نرى فساداً أوسع بكثير.. "[48]..." الفساد ينخر في البلد ياصاحبي، في ك ركن، وفي كل مصلحة، وفي كل وزارة، لاتوجد قطعة في مصر ألا والفساد  يشغي فيها، ويتغلغل في كلّ ذرّاتِها.. "[ص144]. 

و" لم يعد التعليم هو المعيار، أصبح المال هو المعيار، وقيمة الإنسان انحصرت فيما يملك من اموال وعقارات وأطيان… 

تراجع العلماء والأدباء والمفكّرون أمام لاعبي الكرة والراقصين والراقصات والممثلين والممثلات.. "[ص158]


*استفحال الفساد مع ظهور الحزب الوطني: وهو حزب الرئيس السادات، وتمثيلية تكوين الأحزاب الكارتونية، والاتفاق على دور كل حزب:" وهي لعبة في يد الرئيس، وشكلاً وديكوراً يباهي به العالم ويغازل الدول الغربية وخاصةً امريكا،… اختار الرئيس الحزب الوطني ليكون رئيساً له، ولأنه حزب الرئيس فهو لابد ان يكون حزب الأغلبية، وهو الذي يشكّل الحكومة، وسيطر الحزب الوطني على المجالس النيابية والمحلية، وتمكّن من كل مفاصل الدولة".[49] رصد الكاتب للمشهد السياسي كان دقيقاً بلاشك، وقد اختزله في تلك السطور، ليطلعنا على ما وراء المظهر البرّاق للشكل السياسي الذي يعمل على خداع الجماهير. 

*إنهيار التعليم  : تحدثنا من قبل عن المرحلة التي بدأ فيها انهيار التعليم، عقب مرحلة الانفتاح، وكانت البداية من الجامعات بطباعة المذكرات للطلاب وبيعها، وأغرى ذلك بقية اساتذة الجامعات بأن يجعلوها"سبّوبة"يجنون من ورائها الأموال، ومادخلت نيّة الثراء والكسب في ساحة التعليم إلا ونقضت بنيانه. وتفشّي الدروس الخصوصية الناتج عن قصور في الدور التعليمي للمدرسة، فأصبحت كما ذكر الكاتب: "والدروس الخصوصية كانت هي الباب الخلفي الوحيد للمدرّس ليُحسّن دخلَه، والدولة تغُضُّ الطرف…" [ص 144]. وأرجع أسباب غضّ طرف الدولة عن الدروس الخصوصية، حتى لا تشغل نفسها برواتب المدرسين الهزيلة ومطالبتهم بأي زيادة، طالما وجد لنفسه بديلاً آخر يتلهّى به بعيداً عنها، ليس ذلك فحسب، وإنما هناك سبب آخر هو كما يقول: "وبعض السّذّج يظنون أن الدولة تغض الطرف عن الدروس الخصوصية لأن راتب المعلّم هزيل.. ولكن الدولة أمكر وأخبث من هذا، فهي تريد إفشال التعليم برُمّته، كما أفشلت القطاع العام" [ص  146]. وفي ذات الوقت: "يتم التوسّع في فتح المعاهد والمدارس الخاصة، والجامعات الخاصة".." إذن كان لابد من إفشال التعليم تمهيداً لخصخصته، شأنه شأن القطاع العام"[ص  148]. ناهيك عن تفشّي الغش بصورة فجّة، وهو ما يساعد على ظهور جيل يحمل شهادات ولا يعلم شيئاً، ولاقيمة له. 

ارتباط نقابة المعلمين بالسلطة والنظام، وبالتالي تتبنى سياساته، ولا تبالي بحقوق المعلمين. المحسوبية والوساطة، وتجاوز المتفوقين في الجامعات لصالح أبناء أساتذة الجامعات وذوي السلطة. 

*البطالة، وماترتّب عليه وآثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية. 

* لعبة الانتخابات. 

*أثر الغربة على المغتربين وزوجاتهم وذويهم. "فكانت حاجة كل منهم إلى زوجته حاجةً مُلِحّة، وضرورية.." [ص  237]

*اثر محاولة اغتيال مبارك على فك الأرتباط بأفريقيا، وانتهاز القذافي الفرصة لتوطيد علاقاته معهم. 

*حرب المياه التي كانت أحد أسباب اتجاه إسرائيل لإفريقيا.. 

*اسباب نزوح الأفارقة لليبيا. 

*الغزو العراقي للكويت، وأثره في الانقسام العربي، وآثاره

الاقتصادية على العاملين بالكويت. 

*الغزو الأمريكي للعراق. 

*عجز مجلس الأمن والأمم المتحدة عن القيام بأي دور إيجابي بخصوص مشكلات الوطن العربي، كما حدث في الغزو الأمريكي للعراق، وقضية فلسطين. .. وموضوعات أخرى كثيرة متفرقة ومتنوعة داخل الرواية. 


*المكان والزمان في الرواية 

____________

عنوان الرواية  : "المُعلّم الجوّال".. وهو معنى يرتبط بالحركة دائماً والتنقل المستمر، والحركة مرتبطة بالمكان والزمان ارتباطاً لصيقاً. 

أولاً  : عنصر الزمان ودلالته: 

الزمان، وإن كان يعود لسنة 1948 في ذكر ميلاد المأساة العربية، بالتمكين الصهيوني من أرض فلسطين، وإن كان يعود به إلى أبعد من ذلك بكثير عند المصريين القدماء مروراً بمحمد علي لتعرّف على  منابع مياه نهر النيل وحراستها، فقد كان زماناً يُحكى قبل أن يتعرّف على صاحبه في السبعينيات. وهذا الزمان القديم لم يكن حشواً في الرواية، بل كانت له دلالاته التي تنعكس على التفريط الحالي فيما حرص عليه القدماء لحراسة مستقبل أبنائهم. 

إذ يقف الكاتب عند محطات زمنية هامة، مرتبطة بأحداث عالقة في الأذهان، مطويّة في كتب التاريخ تفيض بالمأساة التي تعيشها الأمة الأسلامية وتلعق مرارتها الأمة العربية على وجه الخصوص، ف(1948)مرتبط ببدء الحسرة العربية، ثم (1952) للتحرر من الاستعمار والقصر والإقطاع ومساندة الدول العربية لنيل استقلالها والبدء في بناء دولة مصرية ناهضة، وعالم عربي جديد، ثم(1967) المرتبط بالهزيمة وآثارها من احتلال إسرائيل لسيناء والضفة والجولان، في دول ثلاث هي مصر وفلسطين وسوريا، وحرب أكتوبر (1973)لاسترداد جزء من الأراضي المحتلة، والكرامة العربية. والفترة التي تلت ذلك من معاهدات واتفاقيات سلام، ثم كارثة الانفتاح في عهد السادات وما جلبته من مفاسد شتّى. 

مرحلة جديدة بعد ذلك، تلك التي يبدأها "المعلّم الجوال" الذي هو ناصر البحراوي، الذي هو الكاتب نفسه،والبدء في رحلة شاقة، متأثراً بما خلفته أزمنة مأساوية متلاحقة عليه حتي عاد إلى بلاده، لم يبق منه إلّا هيكل إنسان يحكي ذكرياته الأليمة. عام 2003 المرتبط بالغزو الأمريكي للعراق. 

يركز الكاتب، مازال، على الزمن، فيعدّد القوانين المؤثرة سلباً على قطاعات شتى في المجتمع، فيذكر القانون رقم  82 لسنة 2006 المعروف ب(إنشاء هيئة ضمان الجودة والاعتماد).. لاتضم في تشكيلها أي خبير تعليمي أو أي أستاذ في كلية التربية أو ممثّل عن نقابة المعلمين، وبإنشاء هذه الهيئة تفقد النقابة دورها. 

تلك أهم المحطات الزمنية، على سبيل المثال لا الحصر، التي أوردها الكاتب في روايته، والتي كان لها عظيم الأثر على المستوى المحلي والعربي. 


ثانيا  : دلالة الأماكن 

تعدُّد ذكر الأماكن المختلفة والمتفرقة، والتي تنتمي إلى مصر والعالم العربي، وهو ما يدل على كثرة الترحال، وكثرة الترحال ترتبط بكل تأكيد بعنوان الرواية، كما تشير بقوة إلى تنوّع المآسي وتراكمها، فنجد من امثلة ذلك داخلياً: 

(مصر) في إحدى قرى ديرب نجم، والمدينة/منيا القمح /الزقازيق/الرطبة على الحدود الأردنية العراقية /الكويت/العراق/طبرق على الحدودالليبية/بنغازي/ طرابلس/

سرت/مصراته/غريان/العزيزية/ (مصر). 

فنجد ان الرحلة ابتدأت من مصر وانتهت بمصر. ومابين الرحيل والعودة عبث، ومأساة، وأحلام موءودة.. لاشئ. 

خلاصة ماقيل أن الكاتب يتحدث عن ذاته من خلال صاحبه (ناصر البحراوي) ليتحرر من بعض القيود التي تفرضها ضمائر المتكلم، وليجد متّسعاً وحرية أكبر من خلال الآخر المخاطَب، او الغائب. 

الرواية قريبة جداّ من السيرة الذاتية، ولكن بمعالجة فنية ممتعة، ودليل ذلك أنها تضمّنت تواريخ حقيقية، ووقائع تنتمي للحقيقة أكثر منها في الخيال.. فالخيال فيها لامساحة له، ولكن الواقع بحذافيره، لكن الرواية رغماً عن ذلك حملت تأثيراً واقعياً قويًّا إلى المتلقّى المتأثر بهذا الواقع، فكان لمصداقيتها تأثير واضح، وهي _أيضاً _إضافة تاريخية في شكل سردي

حلّقت مع حقب زمنية متتالية، إلى جانب ماقدمته من إضافة 

معرفية. 

تجربة جديدة ومغايرة لما سبق من كتابات الأديب / مجدي جعفر، كنت قارئاً لها، معايشاً لما فيها، بحكم معايشتي الحقيقية لفترة زمنية طويلة لما كان في الرواية، وكانت لي تجارب عشتها مما كان في الرواية، فلم تكن قراءة لها بقدر ما كانت معايشة حقيقية. 

…….. 

تحياتي وتقديري للأديب المبدع/مجدي جعفر

متمنياً له دوام التوفيق. 


                  (•)(•)(•)(•)(•) 

               ملاحظات على الرواية 


•مما كان لايجب أن يقع فيه الكاتب، وهو ممن صدر له العديد من الروايات ويعلم مايجب ومالايجب فيها، إلى جانب كونه أحد النقاد البارعين، هو ذلك الإسهاب التجاوزي  الفائق عن الحد، عندما ينقل أغنية مثل"اللهم لا اعتراض"كاملةً للأبنودي بكامل التكرار الذي جاء به مغنّيها، المطرب  الكويتي(عبد الله الرويشد) ونحن نعلم ان المطرب يكرر الأبيات كثيراً: "اللهم لا اعتراض..، ياألله……" واغنية اخرى أعقبتها، وقعتا في(    7صفحات كاملة)،من ص  180_186". وأنه كان يكفيه التذكِرة بسطر أو فقرة غنائية واحدة على الأكثر، أو اختصار لها، وليس نقلها جميعها. 

•ما أسنده لنقابة المعلمين، والملامح الجديدة لها في(23 صفحة) كاملة من خُطَب ومواد دستورية، من ص208_ص  230. والكاتب يعلم أن مثل توثيق مثل هذه النصوص الدستورية ليس محلها الإبداع الأدبي في أي صورة من صوره، وأنه كان يكفيه إشاريات من تلك القوانين من خلال نص دستوري أ وثلاثة على الأقل يدلّل به على موضوعه. 

•تكرار الموضوع الواحد أكثر من مرة خلال صفحات الرواية، وفي فترات زمنية مختلفة، كالفساد، وانهيار التعليم، وأثرحرب الكويت، وغيره(وإن كنا قد نجد لذلك من مخرج تأويلي يشير إلى أن الآفات التي نعانيها آفات قائمة وداءات مزمنة في مجتمعاتنا لم تعفُ بمرور الزمن، ولاتنمحي آثارها فينا). 

فكان من الممكن حذف الكثير من الصفحات بشأن الملاحظتين السابقتين، بما لايخلّ في أحداث الرواية على الإطلاق. 

شوقي دلال يشكر وزير الثقافة غسان سلامة على إستجابته لنداء جمعية محترف راشيا بتكريم الشاعر الراحل طليع حمدان


اصدر رئيس جمعية محترف راشيا شوقي دلال بيان اليوم شكر فيه وزير الثقافة غسان سلامة على إستجابته لتكريم الشاعر الراحل طليع حمدان وجاء في البيان:

         "يتقدّم رئيس جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون – راشيا، شوقي دلال، بأصدق آيات الشكر والامتنان إلى معالي وزير الثقافة الدكتورغسان سلامة على استجابته الكريمة للنداء الذي أطلقناه في الجمعية تاريخ  28 تشرين الأول الماضي مع كافة الخيرين ، والداعي إلى تكريم شاعر لبنان الكبير الراحل طليع حمدان.

لقد أثبت معالي الوزير مرة جديدة أنّ وزارة الثقافة ليست مجرّد إدارة رسمية، بل هي قلب نابض برسالة هذا الوطن وروحه. فالمبادرة التي أعلن عنها بإقامة تكريم وطني كبير في ذكرى الأربعين للراحل طليع حمدان في قصر الأونيسكو بيروت ليست مجرد فعل احتفاء بل فعل وفاء يعيد الاعتبار لرموز الإبداع الذين حملوا لبنان في أصواتهم وذاكرتهم وقصائدهم.

إنّ طليع حمدان لم يكن شاعراً عابراً في تاريخ الزجل اللبناني، بل كان صوتاً وطنياً عميقاً طاف باسم لبنان وحمله معه إلى كل البلدان التي زارها فكان سفير الكلمة الصادقة والموقف الأصيل والعنفوان الجبلي الذي يشبه تراب وطنه وأرزاته بصوته ووزنه وقوافيه حيث حفظ للزجل مكانته في وجدان الناس، ونقله إلى منصّات العالم فصار رمزاً من رموز الهوية الشعبية اللبنانية ومعلماً من معالم تراثها الحي.

وليس غريباً على معالي الوزير الدكتور غسان سلامة أن يبادر إلى هذا التكريم. فهو المثقف العميق وصاحب الرؤية المنفتحة على قيمة الإبداع وأهمية حمايته وهو الوزير الذي يعي أن الثقافة ليست زينة للمناسبات، بل قوة وطنية تُصان بها الذاكرة ويُبنى بها المستقبل وإنّ التزامه الدائم بالدفاع عن الفن اللبناني وعن رموزه وشعرائه ومبدعيه إنما يعكس محبّته الأصيلة لهذا الوطن وإيمانه الراسخ بأن الثقافة هي الطريق الأمتن لعبور الأزمات.

إنّ "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" – راشيا، إذ تتقدّم بالشكر لمعالي وزير الثقافة على هذه المبادرة المشكورة ترى في هذا التكريم خطوة في الاتجاه الصحيح لإعادة الاعتبار للرموز الثقافية التي صنعت وجه لبنان الحقيقي، ولإحياء التقليد الوطني في الاحتفاء بمبدعيه.

رحم الله الشاعر الكبير طليع حمدان، وكل التقدير لوزير الثقافة على وفائه للثقافة وللبنان".....


صدور كتاب لم نحتاج الفلسفة في زمن الذكاء الاصطناعي؟ للفيلسوف التونسي د زهير الخويلدي



صدر عن دار اكتب بلندن في نوفمبر 2025 كتابا جديدا للأستاذ زهير الخويلدي بعنوان "لم نحتاج الفلسفة في زمن الذكاء الاصطناعي؟" وهو أول كتاب عربي في الموضوع الرقمي الصعب والذي تطرق فيه الفيلسوف الى العلاقة الشائكة والمعقدة بين التفكير الفلسفي والتفكير الآلي وبعد أن حاول البحث في فلسفة الذكاء الاصطناعي لسنوات البحث عن فلسفة الذكاء الاصطناعي دون جدوى قرر تغيير المنظور الاشكالي والفصل بينهما منهجيا والنظر الي كليهما من منظور الآخر المنافس للأول والمزاحم له وتساءل عن مصير العقل البشري في ظل الروبوت الذكي ومستقبل الفلسفة في عصر ثورة الرقميات.

لقد كانت النتيجة كالآتي:" كتاب: "لم نحتاج الفلسفة في زمن الذكاء الاصطناعي؟"

" تكمن أهمية الفلسفة في قدرتها على تقديم إطار نقدي لتحليل التحولات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على المستويات المعرفية، الأخلاقية، والاجتماعية."

الاشكالية المركزية تتمحور حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي، بقدراته التحليلية والتنبؤية، يجعل الفلسفة مجالا زائًد عن الحاجة، أم أن الفلسفة تحتفظ بدورھا كأداة نقدية وتوجيهية.

الاهداء: الى جيل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي عسى أن يبدعوا مستقبلا مشرقا للإنسانية

بنية الكتاب: لقد جاء الكتاب في 140 صفحة وتضمن المادة المعرفية التالية:

مقدمة عامة

العنوان: الفلسفة في مواجهة الذكاء الاصطناعي: إعادة تعريف الدور والأهمية

الباب الأول: الذكاء الاصطناعي كتحدٍ للفلسفة

مقدمة الباب

العنوان: الذكاء الاصطناعي: تهديد أم فرصة للفكر الفلسفي؟

الفصل الأول: الذكاء الاصطناعي والمعرفة - هل يتجاوز الفلسفة؟

الفصل الثاني: الأخلاق في عصر الذكاء الاصطناعي

الفصل الثالث: الذكاء الاصطناعي ومفهوم الذات

الفصل الرابع: الذكاء الاصطناعي والسلطة

الفصل الخامس: حدود الذكاء الاصطناعي الفلسفية

خاتمة الباب الأول

الباب الثاني: الفلسفة كشريك للذكاء الاصطناعي

مقدمة الباب العنوان: الفلسفة كمرشد للذكاء الاصطناعي

الفصل الأول: الفلسفة والأخلاقيات التطبيقية للذكاء الاصطناعي

الفصل الثاني: الفلسفة في حوكمة الذكاء الاصطناعي

الفصل الثالث: الفلسفة والتعليم في عصر الذكاء الاصطناعي

الفصل الرابع: الفلسفة والإبداع في الذكاء الاصطناعي

الفصل الخامس: الفلسفة والمستقبل الوجودي للذكاء الاصطناعي

خاتمة الباب الثاني

خاتمة عامة

التقديم المعنوي

يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي أحيانًا على أنه أداة "محايدة" تقدم حلولاً موضوعية للمشكلات، مما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأنه يمكن أن يحل محل التفكير الفلسفي التقليدي، خاصة في مجالات مثل اتخاذ القرار، التحليل الأخلاقي، وحتى تفسير الظواهر الاجتماعية. لكن هذا التصور يتجاهل حدود الذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد على البيانات والخوارزميات، ويفتقر إلى القدرة على معالجة الأسئلة الوجودية والأخلاقية العميقة التي تتطلب تأملًا فلسفيًا. ان الفلسفة، بطبيعتها التأملية والنقدية، تقدم أدوات لا غنى عنها لفهم التحولات التكنولوجية وتأثيراتها. على سبيل المثال، تتيح الفلسفة الأخلاقية تحليل التحيزات في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، بينما توفر فلسفة العلوم إطارًا لفهم حدود المعرفة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي. كما تساعد الفلسفة الوجودية في استكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي على مفهوم الذات والوعي البشري. بعبارة أخرى، بينما يقدم الذكاء الاصطناعي أدوات للحلول التقنية، فإن الفلسفة تظل ضرورية لفهم "لماذا" و"كيف" يجب استخدام هذه الأدوات، ولتحديد الغايات الإنسانية التي توجهها.

الأطروحة التي قام الفيلسوف بالبرهنة على وجاهتها هي أننا نعيش في زمن الذكاء الاصطناعي ويجدر الاستفادة من هذا التطور على الصعيد الانساني التقدمي والفكري وأن الفلسفة ليست مهددة بذلك وانما يمكنها أن تنطلق نحو عوالم مجهولة وتنجز ثورات معرفية وكشوفات فكرية غير معهودة. " كجسر بين التكنولوجيا والإنسانية، تضمن الفلسفة أن يظل الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان، مُعززًا للعدالة، الحرية، والإبداع، بدلاً من أن يصبح قوة تهدد الوجود البشري." فكيف يمكن الثقافة العربية الاسلامية أن تستثمر هذه الريادة الفلسفية لتحقيق اليقظة المعرفية؟

المصدر:

د زهير الخويلدي ، "لم نحتاج الفلسفة في زمن الذكاء الاصطناعي؟"، دار اكتب، لندن، 2025.

الرابط:

https://payhip.com/eKutubBookExhibition

 

كاتب فلسفي


 


مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار: للحفاظ على الاستقلال والسيادة ووقف الاعتداء على لبنان


 استغربت مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة، الصمت الدولي حيال ما يتعرض له لبنان من تدمير متواصل وتزايد الشهداء والمتضررين، وفي هذا السياق، أشار رئيس المؤسسة المحامي شادي خليل أبو عيسى إلى الضرر الحاصل من انبعاث غازات مؤذية في الأجواء سببها القذائف والحرائق التي تؤثر على السلامة العامة. وقد رفعت المؤسسة الصلاة على نية السلام وحماية لبنان واستقلاله، على أمل أن ينعم وطن الأرز وشعبه بالخير والبركة في زمن الصراعات والصدامات، وإلى ضرورة دعم المواطنين وتأمين الحماية الاجتماعية الاقتصادية لهم والعمل على العودة الآمنة إلى القرى وإعادة إعمارها بجهود الخيرين وتثبيت الاستقرار والاستقلال والسيادة الراسخة.

حفظ الله لبنان

 


جمعية محترف راشيا تطلق كتاب الباحث الدكتور كميل أنطوان مرعب بعنوان "التاريخ والتأريخ العربي تحت مجهر النقد" ورئيس الجمعية شوقي دلال ينوه بهذا الإصدار المميز


اطلقت "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون اليوم كتاب إبن بلدة كفرشيما العزيزة الباحث الدكتور كميل أنطوان مرعب بعنوان "التاريخ والتأريخ العربي تحت مجهر النقد" وبحضور رئيس الجمعية شوقي دلال.


دلال قال في كلمته عن المناسبة: إنّ كتاب “التاريخ والتأريخ العربي تحت مجهر النقد” للدكتور كميل انطوان مرعب يأتي ليقدّم رؤية منهجيّة جديدة تُعيد فتح ملف السرديات العربية الإسلامية من جذورها عبر مقاربة نقدية تتجاوز الرواية التقليدية إلى تحليل البُنى العميقة التي صنعت التاريخ، فما نراه في هذا العمل محاولة جادّة لإضاءة المرحلة العباسية بوصفها نقطة تحول مفصلية واختباراً علمياً لأدوات المؤرّخين الثلاثة الكبار: فيليب حتّي، حسن إبراهيم حسن، وألبرت حوراني، من حيث المنهج والمصادر والرؤية بحيث يتميز الكتاب بأنه لا يكتفي بالوصف، بل يعمد إلى التفكيك والمقارنة وإظهار الثغرات المنهجية التي رافقت كتابة تاريخ تلك الحقب مستعيناً بعلوم موازية كالآثار والفيلولوجيا والنقود كما يسعى إلى إعادة بناء مفهوم السلطة والهوية في الدولة الإسلامية الأولى ورصد تحوّلات المجتمع والاقتصاد والثقافة في ضوء منهج بنيوي تحليلي معاصر،،، وأضاف دلال:  إنّ هذا الكتاب هو ثمرة عمل يهدف إلى ردم فجوات معرفية طال إهمالها وإلى إعادة قراءة التراث التاريخي بنظرة عقلانية نقدية علّه يقدم إضافة نوعية للمكتبة الأكاديمية العربية ويفتح باب حوار جديد حول منهجيات كتابة تاريخنا، من هذا المُنطلق يشرفنا في "جمعية محترف راشيا" إطلاق هذا الكتاب المهم لباحث نعتز به الاخ الدكتور كميل انطوان مرعب وأدعوا جميع محبي المعرفة إقتناء هذا الكتاب لأنه يستحق ان يكون في مكتباتنا جميعاً....


من جهته قال الدكتور مرعب: اليوم يشرفني زيارة "جمعية محترف راشيا" ورئيسها الاخ الاستاذ شوقي دلال وهي الجمعية العريقة في العمل الثقافي والتي ما بخلت طيلة ثلاثة عقود ونيف بالوقوف الى جانب الكُتّاب والمبدعين على طول مساحة الوطن وأن أُطلق من منبرها كتابي الجديد "التاريخ  والتأريخ العربي تحت مجهر النقد "،

  مع شكري العميق على احتضان كتابي وتبني إطلاقه الذي أهديه لجميع محبي المعرفة"....


اتحاد الصحافيين والكتاب الدولي يهنئ د. أحمد البوقري بتوليه رئاسة اتحاد المنظمات الدولية


  

بكل فخر واعتزاز، يتقدم اتحاد الصحافيين والكتاب الدولي بخالص التهاني والتبريكات إلى سعادة الدكتور أحمد البوقري، مستشار العلاقات الدولية للاتحاد،

بمناسبة تسلمه رسميًا مهام رئيس اتحاد المنظمات الدولية (IUO)، متمنين له دوام التوفيق والسداد في قيادة هذا الصرح الدولي نحو مزيد من الإنجازات والنجاحات العالمية.

إن اتحاد المنظمات الدولية (IUO)، الذي يتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا رئيسيًا له، يعد منظمة دولية غير حكومية مستقلة تعنى بحقوق الإنسان والتنمية والدبلوماسية متعددة الأطراف. ويعتبر الاتحاد منصةً عالميةً تجمع تحت مظلتها أكثر من مئة منظمة من مختلف دول العالم، ما يمنحه ثقلًا تمثيليًا واسعًا ومكانة مرموقة في المشهد الدولي للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والإنسانية.

ويهدف الاتحاد إلى توحيد الجهود الدولية وتعزيز التعاون المشترك بين المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات الأكاديمية والإنسانية حول العالم، سعيًا لتحقيق التنمية المستدامة، ونشر ثقافة السلام، وترسيخ قيم التسامح والعدالة وحقوق الإنسان.

وفي إطار رؤيته الشاملة، يسعى اتحاد المنظمات الدولية (IUO) بقيادة الدكتور أحمد البوقري إلى تمكين المنظمات والمؤسسات الأعضاء من أداء أدوارها الإنسانية والاجتماعية والدبلوماسية بفعالية، من خلال تعزيز القدرات المؤسسية، وبناء الشراكات، وإنشاء الأكاديمية الدولية للتدريب والبحث كمنصة للتأهيل المهني والمعرفي.

ويؤكد اتحاد الصحافيين والكتاب الدولي أن هذا التعيين يعكس ما يتمتّع به الدكتور أحمد البوقري من خبرة واسعة وكفاءة عالية ورؤية استراتيجية في مجال العلاقات الدولية، والعمل الدبلوماسي والإنساني، وهو ما يؤهله لقيادة الاتحاد نحو مرحلة جديدة من التفاعل الدولي والتأثير الإيجابي في القضايا العالمية.

و يجدد اتحاد الصحافيين والكتّاب الدولي تهانيه للدكتور البوقري، متمنيًا له التوفيق في أداء مهامه الرائدة في خدمة الإنسانية وتعزيز الحوار والتعاون بين الشعوب، لما فيه خير العالم وسلامه واستقراره.


جمعية محترف راشيا تطلق رواية "الورّاق" للكاتب مروان يوسف عوّاد وشوقي دلال يشيد بهذا العمل الغير مسبوق

 


من خلال نشاطاتها في دعم الكُتّاب والشعراء والمُبدعين في لبنان أطلقت "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" راشيا الرواية القصيرة جداً بعنوان "الورّاق" للشاعر والروائي مروان يوسف عواد وبحضور رئيس الجمعية شوقي دلال في مقر الجمعية راشيا الوادي.

دلال قال في كلمته "اليوم يشرفنا في "جمعية محترف راشيا" ان نُطلق إصدار نوعي على مستوى غير مسبوق في الرواية القصيرة جداً بعنوان "الورّاق" للكاتب والشاعر اللبناني إبن بلدة الكفير قضاء حاصبيا مروان يوسف عوّاد الصادرة عن دار رؤى في العراق، وهي عمل رمزي قصير جداً يفتح أبواب التأمل في علاقة الإنسان بالمعرفة وبالذات العميقة التي تسكنه. من خلال شخصية الورّاق، الذي لا يبيع الكتب بل يعيدها إلى أصحابها، يقدّم الكاتب رحلة فلسفية وشاعرية في جوهر الكلمة والوعي الإنساني، حيث يتحوّل الورق إلى مرآة تكشف ما خفي من أرواحنا".....

وقد رأى رئيس رابطة كُتّاب الرواية القصيرة جداً الأديب العراقي حميد الحرزي في كلمته المرافقة للرواية أن هذا النص هو «تجربة وجودية عميقة تتجاوز الحكاية لتلامس البُعد الصوفي في فعل القراءة والكتابة»، معتبراً أن الورّاق «ليس بائع كتب، بل كاتب تُعيده الحروف إلى أصل النور ، وبهذا العمل يرسّخ مروان عوّاد مكانته ضمن كتّاب الرواية القصيرة جداً الذين يمنحون الكلمة بعداً تأملياً وجمالياً يتجاوز حدود السرد إلى رحابة الفلسفة والروح"....

من جهته شكر الكاتب عواد "جمعية محترف راشيا" ورئيسا الفنان شوقي دلال على إحتضانهم للرواية وهي الجمعية العريقة التي ما بخلت يوماً في الوقوف الى جانب اصحاب الفكر والإبداع طيلة ثلاثة عقود ونيف كما شكرعواد الروائي والاديب العراقي حميد الحريزي على ثقته الكريمة والشكر لدار رؤى العراقية للنشر على طباعتها للرواية"....

في الصورة شوقي دلال يتسلم رواية الكاتب مروان عواد


منتدى السرديات ينثر قطرات الضوء علي تجربة الكاتب محمود أحمد علي القصصية





متابعة / مجدي جعفر

…………………………….....

حول تجربة الكاتب محمود احمد علي القصصية تحلق أدباء ونقاد وشعراء منتدى السرديات باتحاد الكُتّاب فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء، وأدار الندوة الأديب مجدي جعفر، وتحدث بإيجاز عن سيرة ومسيرة الكاتب الحياتية والإبداعية، وقال:

 الاسم بالكامل / محمود أحمد على إبراهيم

اسم الشهرة / محمود أحمد على 

 -تدُرس قصصه القصيرة في كلية آداب جامعة المنصورة 

 -(المقموع في روايات الربيع العربي)  رسالة ماجستير للأستاذ/ علاء كاظم ربع ..نوقشت في جامعة بغداد- كلية الآداب عدد (20) رواية لكُتّاب من جميع الدول العربية.ومن بينها رواية ( ثورة العرايا) للكاتب محمود أحمد علي الحاصل على جائزة (إحسان عبد القدوس)

-( البنية السردية فى القصة القصيرة عند محمود احمد على .. رسالة ماجستير للباحثة فوزيه مدحت العراقى..جامعة المنصورة.. كلية الآداب. 

 -ترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية، والفرنسية، والأسبانية، والكرواتية..

-لقبه النقاد بـ( بصائد الجوائز ) لحصوله على العديد من الجوائز الأدبية في القصة القصيرة من مصر وخارجها

-لقبه النقاد بـ ( عاشق مخلص للقصة القصيرة ) بسبب عشقه وإخلاصه لفن القصة القصيرة 

 -يقيم صالون أدبي في منزله، يطلق عليه الأصدقاء : (الصالون الأدبي للأديب محمود أحمد على)

العضويات الأدبية :

★ عضو عامل باتحاد كتاب مصر

★عضو اتحاد المبدعين العرب

★ عضو نادي القصة

★عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

★عضو المنظمة العالمية للكتاب الأفريقيين والأسيويين

★عضو "دار نعمان للثقافة الدولية " الفخريَّة

★   عضو حركة السلام الأهلية لإحياء القيم العربية                                                                

★  عضو دار الأدباء

★   عضو جماعة الأدب العربي 

★   عضو جماعة علي أحمد باكثير 

★ جمعية دار القلم الحر للإبداع

★ عضو عامل بنادي أدب قصر ثقافة فاقوس بمحافظة الشرقية

صدر له حتى الآن:

1- الحقيقة المرة– قصص قصيرة. طبعة أولى عام (1997م) عن دار الإسلام للطبع والنشر

2 -من يحمل الراية– قصص قصيرة طبعة أولى عام (2000م) عن دار إشراقة للطبع والنشر

3- الحقيقة المرة– قصص قصيرة طبعة ثانية عام (2002 م )عن دار الرسالة للطبع والنشر.

4- رائحة القدس – قصص قصيرة طبعة أولى عام (2004م)عن دار إشراقة للطبع والنشر

5- صور باهتة قصص قصيرة-طبعة أولى عام ( 2006م )عن الهيئة العامة للكتاب

6- تواصل العطش–قصص قصيرة–طبعة أولى عام( 2009م)عن الهيئة العامة لقصور الثقافة

7- رؤوس تحترق–قصص قصيرة–طبعة أولى عام( 2010م) عن نادي القصة بالقاهرة

8- سمع هس - قصص قصيرة – طبعة أولى عام (2011م)عن الهيئة العامة لقصور الثقافة

 9- أحلام مبتورة-قصص قصيرة - طبعة أولى عام( 2011)عن الهيئة العامة للكتاب

10- ذلك الصوت-قصص قصيرة– طبعة أولى عام( 2012م)عن جمعية أصدقاء على أحمد باكثير بالقاهرة

11- زهرة فى الميدان – قصص قصيرة- طبعة أولى عام (2013م)عن دار هيباتيا للنشر والتوزيع

12- ثورة العرايا – رواية قصيرة – طبعة أولى عام (2013م)عن مجموعة النيل العربية للطبع والنشر

13- يوسف إدريس أمير القصة العربية – عام (2013م) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة

14- أجازت له لجنة الدراما بإذاعة القاهرة الكبرى قصة(عازف العود)لتصبح تمثيلية إذاعية من إخراج/أمجد أبو طالب عام (1997م)

15- غزة تكتب شعرًا -أعداد وتقديم/ محمود أحمد على – عام (2014) عن دار الإسلام للطبع والنشر

16- سداسية الوصول- قصص قصيرة- طبعة أولى عام (2014) م عن الهيئة العامة لقصور الثقافة

17- أبحثوا معى عنى -  قصص قصيرة – طبعة أولى (2014) عن الهيئة العامة للكتاب

18- مصر فى عيون شعراء الشرقية– عام (2015) م عن دار الكنج للطبع والنشر

19- عفوًا – قصص قصيرة – طبعة أولى – طبعة أولى (2016) م عن الهيئة العامة للكتاب

20 – عضة كلب – قصص قصيرة – طبعة أولى – عام (2016) م عن اتحاد كتاب مصر

21- إليكم القاتل والمقتول- قصص قصيرة – عام2016عن إقليم شرق الدلتا الثقافى

22- الأحرف الممصوصة – قصص قصيرة-طبعة أولى  2017 عن دار ماهى للنشر والتوزيع

23- التورتة – قصص قصيرة- طبعة أولى عام 2017 عن الهيئة العامة للكتاب

24- شموع تحترق من أجلنا-خاصة بالأطفال- 2018 عن الهيئة العامة للكتاب

25- دقيقة حداد – قصص قصيرة –طبعة أولى عام 2018 عن مؤسسة دار النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع

26- الجرح النازف-قصص قصيرة-طبعة أولى 2019 عن مؤسسة دار النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع

27 الموت عشق حليمة-قصص قصيرة-طبعة اولى 2019 عن دار أطلس للنشر والتوزيع

28- أوجاع قصيرة جدًا-قصص قصيرة-طبعة أولى 2019 عن مؤسسة دار النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع

29- واحة الغرباء – قصص قصيرة – طبعة أولى عام 2019 عن الهيئة العامة للكتاب

30- ( تناغم موسيقى)-قصص قصيرة طبعة أولى عام 2020 عن مؤسسة دار النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع

31- ( أنت وهم والكلب  )-قصص قصيرة طبعة أولى عام 2020 عن دار واو للطبع والنشر والتوزيع

32- بالأمر ممنوع من النشر-قصص قصيرة-طبعة أولى عام 2021 عن دار أطلس للنشر والتوزيع

33- كورونا ماركت-قصص قصيرة-طبعة اولى عام 2021 عن دار ميتا بوك للطباعة والنشر

34- صورة من أبيه – رواية لليافعين - عن المجلس القومي لثقافة الطفل – طبعة أولى عام 2022م

35- إذاعة صوت العرب- قصص قصيرة- طبعة اولى عام 2022 عن دار ميتا بوك للطباعة والنشر

36- ( تحت الأرض .. فوق الأرض قصص قصيرة- طبعة اولى عام 2023 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة

37- - هُنا غزة -  قصص قصيرة – طبعة أولى (2023) عن دار ميتا بوك للطبع والنشر والتوزيع.

ونال العديد من الجوائز على مستوى القطر المصري والوطن العربي، وتم تكريمه مصريا وعربيا أيضا.

...................................................................

وفي البداية تحدث عن تجربته، وقال :

( دومًا تختلف تجربة كل أديب عن الآخر، ومعظم الأدباء يتحدثون عن تجاربهم الأدبية من باب الغرور والتفاخر، والقليل من الأدباء من يتحدثون عن تجاربهم بكل صدق وإخلاص، يتحدثون دون تزوير الحقائق، وربما أكون أحد هؤلاء، فمن يعرف محمود أحمد على يعرف أنه صادق مع الناس وصادق أثناء الكتابة.

لقد عشقتنى القصة القصيرة بجنون، فكان لزامًا عليا أن أبادلها نفس هذا العشق، الذى لم أجده مع كثيرً من الأدباء، عشقتها بجنون فأعطتنى أفكارًا مُختلفة ومغايرة عن غيرى من الأدباء، عشقتها بصدق وأمانة فأعطتنى الكثير والكثير من الجوائز داخل مصر وخارجها.

البعض من الأدباء _ وخاصة من ليس لديهم ما لدي-  يقولون أن القصة القصيرة سهلة الكتابة، وأرد عليهم بقول خالد الذكر الأديب القدير " يحيى حقي" عندما سأله احد الصحفيين ما الفرق بين القصة القصيرة والرواية، فكان رده غاية فى الإبداع وغاية فى الصدق، فيقول:

( القصة القصيرة أن تنظر من ثقب الباب لترى ما بداخل الغرفة، أما الرواية أن تفتح الباب على مصراعيه)

وأنا ضد من يقول أن هذا زمن الرواية، فلو أن أستاذنا " نجيب محفوظ" أخذ جائزة نوبل فى القصة القصيرة لقال النقاد أن هذا زمن القصة القصيرة.

أقول بكل غرور وكبرياء إن شمس القصة القصيرة لن تغرب.. لن تغرب ما دام هناك من يعشقها بجنون ويكتبها بإخلاص.

ولمن لا يعرف عنى أنني كتبت الرواية، وغير مقتنع بما كتبته رغم أنها حصدت جوائز، ولمن لا يعرف أننى أكتب المسرح، كتبت كل هذا ولكن عشقى الأول والأخير دومًا للقصة القصيرة.

ذات يوم حدثتنى زوجتى وقالت:

( لماذا لا تقول  ليَّ كلمات حب، فأنتم أيها الكتاب تملكون أجمل الكلمات)

فما كان منى أن رحت أقول:

( الحب ليس كلامًا يُقال، بل هو فعل يترجم إلى مواقف وأحاسيس)

قلتُ هذه الكلمات وكنتُ بصدد صدور مجموعتى القصصية الثانية وكانت تحت عنوان:

( من يحمل الراية) فوجدتنى أكتب بصدق وإخلاص هذا الإهداء:

( إلى حبيبة الأمس واليوم وغدًا.. "قصتى القصيرة" أسف زوجتى فلم أعد أستطيع كتمان هذا السر).

هذه كلمات قليلة .. قليلة جدًا تقال عن معشوقتى القصة القصيرة، فما زال لدى الكثير والكثير من الكلمات التى يجب أن تقال عن تجربتى مع معشوقتى، ولكن هذه الكلمات سوف تأخذ صفحات أكثر وأكثر.

وفى النهاية يسعدنى ويشرفنى ان أقول عنها أنها أجمل من رأيت، وأجمل من تحدثت معها، بل وأعشقها بجنون قبل حبي لزوجتى وأولادى. 

وكان هذا بإيجاز حديث عاشق القصة القصيرة المخلص، والمحتفى به

…………………………..................................

وقدم الكاتب والناقد العربي عبدالوهاب دراسة  عن المجموعة القصصية ( إليكم القاتل والمقتول )، جاء فيها : 

( يكتب محمود أحمد على من جغرافيا الوجع الانساني بكل تنويعاته، بأكثر من زاوية للرؤية، ولكانك بعد قراءاتك له فى معرض للمرايا، حيث تنظر للصور والمشاهد السردية، وهى تطفو على سطح وقبيل الاختباء وراء تلال من الرموز والدلالات أحيانا، وقد تبدو فى نصوص أخرى سافرة، ملتهبة كالشمس الحارقة، ونحن كقراء نصطلي دائما باللهيب، سواء كان لافحا، أو باردا، مرناً، بلا صوت فى حركته كأفعى يمكنها أن ترميك بسُمِها القاتل، دون أن تقتلك، فقط تترك لك مساحات جديدة لانتاج الرؤى والدلالات.. ومعايشة جروح وآلام أخرى ، ربما مررت عليها ولم تنتبه لها .. وقد التقتطها عدسة فنان مبدع يحول كل جزيئات حياته إلى نصوص بديعة  فى فن القصة القصيرة.

ومحمود أحمد على هو العاشق الأول لفن القصة القصيرة، وقد ما يربو عن (36) مجموعة قصصية، تضرب بجذورها فى ربوع البيئة المصرية.

ونراه فى مجموعته القصصية (إليكم القاتل والمقتول) يقدم كتابة أقل ما نصفها بأنها: ـ 

هذه القصص (1) طلقة رصاص فى رأس الفساد ، وللفساد أوجه متعددة ، ترمى بظلالها الكابية على أرضية القصص ، وتفرض ثقافتها على وعى الشخصيات ، تارة بالبطش الشديد بتلك الشخصيات وتارة أخرى ببث خطاب يتحذ من الارهاب قناعا له ، فارضا حضوره الطاغى رغم أنف الشخصيات فى قصص محمود أحمد على ، شخصيات تسعى وراء لقمة العيش ، والأمن ، والأمل ، شخصيات مدفوعة بحب الحياة الغريزى ، ذلك الحب وتلك البكارة البادية فى جوهر كل الأشياء ، سرعان ما تتحول عن وظيفتها وتبدل من حضورها رهبة وخوفا من آلة الفساد القابضة والمقبضة فى آن واحد .

الكتابة فى حالة كهذه ضد كل ألوان الفساد ، وعدم الانصياع لبطشه ، وتهديداته ، الوقوف أمام تلك الآلة الجهنمية ، الأقرب فى الشبه للمشنقة التى يعاد تركيب وصلاتها بهدوء شديد فى قصة (فى مستوطنة العقاب ) لفرانز كافكا . واستسلام انسان القصة عند كافكا  للمصير المحتوم ، يؤكد عبثية الحياة ولا جدواها .. بينما "محمود أحمد على" لم يقف موقفا عبثيا من الحياة كما قدم كافكا رؤيته للعالم فى القصة . انما اتخذ من الرمز أداة له ، حيث جعل من الرمز وأبعاده الدلالية قناعا له ، ثم وقف صامدا ، حتى النهاية . ذلك الموقف من الكاتب هو البطولة بذاتها . وبالرغم من ضعف ووهن الشخصيات أمام آلة الفساد التى تعمل فى كل فضاءات القصص ، إلا أن الكاتب يقوم بتعريتها باستمرار ، مؤكدا من قصة لأخرى على قيمة وأهمية المواجهة ، والمثابرة ، وعدم السقوط بين براثن الترهيب والتخويف والتجويع المستمرة .

تتنوع أشكال المواجهات بين شخصيات متعبة ، هدَّها انتظار  الأحلام ، وآلمتها جروح الواقع الاجتماعى والسياسى ، والشخصيات تتخذ وسائل متعددة للمواجهة ، لكننا نشعر بها فى النهاية مقهورة ، مرغمة على ابتلاع خوفها ، ومرارة واقعها ، أملا فى غد أفضل ، ربما يأتى .

ويمكننا أن نلمس كل ما سبق فى :

ألوان وصور القهر المقبضة

أقنعة الرمز

المستويات الدلالية للرمز

يقول جورج لوكاتش: ( إن هدف القص اكتشاف وبناء صورة للواقع تعمد إلى حل التناقض بين الظاهر والماهية ، وبين الجزئي والكلي وبين المباشر والمفهومي ، حلا من شأنه دفع طرفي التناقض إلى الالتقاء في تكامل تلقائي داخل الانطباع المباشر للعمل الفني . فالكلي يظهر باعتباره صفة للفرد والجزئي يصبح الجوهر متجليا باديا . ويترتب على ذلك أن النص الأدبي يقدم سياقاً متكاملاً محدد النطاق قائماً بذاته .

أولا ـ ألوان وصور القهر المقبضة

بطل القصة يمثل الكيان الكلى لجميع الشخصيات  يحمل سمات الكاتب ، فنراه تارة القارئ النهم للكتب ، المؤمن بالمثاليات ، والعدل والحرية والمساواة ، وهو الثورى  المطعون بسهام لا حصر لها من واقع لا يعترف به ، هو (البطل فى أغلب القصص يدور فى دوائر مفرغة لا مرسى لدورانه ولا معنى للحياة ، وان بدت فى بدايات القصص .. عادية ، واقعية ، رتيبة لحد أننا نستشعر تفاصيلها فى كل مفردة من مفردات حياتنا ، سرعان ما نجد أننا منساقين الى هوة لا قرار لها من الظلم غير المبرر ، والعنف المفرط اللاموضوعى ، افرازات تعبر عن واقع لا تحكمه القوانين الوضعية ، فى قصة  حاجز الصمت ، نراه مسحوبا بلا مبرر من بين ركاب العربة ، لأنه كان يشرح لهم جملة هامة قرأها فى كتاب (الحرية المطلقة ) جملة تحفز وعى ركاب الميكروباص حتى التفوا حوله ولعلع صوته ونطق شارحا معنى (المصارحة والمعارضة أول طريق الحرية) ولأنه نفذ بند المصارحة مع الركاب رغبة فى افاقتهم .وهذا فى عرف الأمن يعتبر معارضة صارخة .

نلحظ حوار فرد الأمن معه الذى ينم عن استخفاف واضح يتحرك فى البنية التحية للقصص .. ( ـ أنا سعيد ومعجب بك ولذا أرجوك أن تنزل معى ..

              ـ أشكرك .. مرة ثانية إن شاء الله .. اللهم  يجمعنا على محبته ، 

              والعدل والحرية ، و........

           يقاطعه الرجل ذاته بقوله :

          ـ  لقد جمعنا الله بالفعل .) (ص 95)

(المصارحة والمعارضة أول طريق الحرية ) وها هو يدقع ثمن الحرية عند أول محاولة بدرت منه لتثوير وافاقة الوعى الغافل للركاب.. وفى نهاية القصة يتلهى عنه الركاب ، ويتركوه يلاقى مصيرا محتوما ، لقد تجاهلوه خوفا ، بل قل رعبا من السقوط فى قبضة الآلة .. نعم هذه الآلة التى تبطش بعنف ، نراها أيضا فى قصة الطريق ، وهى من أفضل قصص المجموعة فى توظيف الرمز الكلى ، استحال بطل القصة (القناع الرامز للمجتمع الكلى) من حالة الخجل كبنت بكر من التفوق ، ومن طالب يسعى للالتحاق بالأكاديمية البحرية ، الى مجرم .. الضابط الذى يعمل على تسديد فاتورته اليومية بتوريد عدد معين لا يقل عنه ، يدور ويلم الأبرياء، ثم يزج بهم الى الحجز وفى الصباح يكون كل هؤلاء قد ذاقوا من صنفوف التعذيب ما ذاقوا مثيلا له ، حتى صاروا عجينة طرية يسهل عليهم (رجال الآلة) تشكيل وتحفيظ هؤلاء الأبرياء .. كل واحد منهم يتحمل التهمة التى يجب أن يلتزم بها ويعترف بها أمام النيابة ، وكان من نصيب الشاب الخجول قضية (تحرش جنسى) .. فى لمحة انسانية خاطفة لا تفوت كاتب مخضرم كمحمود أحمد على الذى صدر له أكثر من 13 مجموعة قصصية أن يلمح كيف رق قلب (الرجل صاحب الموسى المكلف بترويع الشاب فى الحجز وبتحويل وجهه الى لوحة سريالية بفعل الموسى .. وحين رق لبكاء الشاب، جاء وجلس بجواره على أرضية الحجز واعترف له أن هذه أوامر .

وهل هذا هو الطريق الذى سميت به القصة (تحرش جنسى) وهو عنوان دال جدا ومعبر عما وصل اليه الشاب فى النهاية، حين يحمل الموسى ويتحرش بالمارة وفى صيغة مبالغة من (الكاتب ) يدور حول عربة البوكس فى اشارة ما الى أنه صار متحرشا حقيقيا وناجحا لدرجة أن يتحرش بالأمن ذاته .. وهم يتغافلون عنه ..

تغافل متعمد ، ونص اتخذ من القصة بكل تفاصيلها قناعا رمزيا دالا على فساد الأجهزة ، وبدلا من القيام بمهامها ، تحولت لأداة قمع ، وترهيب وتنكيل .  

نفس المصير لبطل القصص الخائف بشكل غرزيزى ، الشاهد على عدم تساوى كفتى ميزان العدالة . ذلك القاطن فى شقة أمام المحكمة فى قصة  (الميزان) والذى يلاحظ منذ بداية القصة ورود المقبض عليهم المقيدين بالسلاسل ، وسؤاله الدائم عن سبب القبض عليهم ، يسألون بلا مجيب .. يجد نفسه فى المقطع الرابع والأخير من القصة مقبوضا عليه ، لأنه كما ذكرنا هو الجزء المعبر عن الكل وهو الصورة / المرآة .. العاكسة لقضايا الواقع ، والجيد للغاية أن الكاتب لم يبد أى سبب للقبض على بطل قصته ، لأن التمهيد الطويل من الأحداث السابقة فى القصة ، أوضح عبثية الواقع والتهم والدوائر المفرغة .. ووضع الكاتب أيضا ـ كعادته ـ لمسة فنية معبرة جدا حين رصد تحول أصحاب عن مهم لحام الكراسى المكسورة .. وهى وظيفة ورش اللحام تعدل الكراسى المكسورة ، كى تصلح للعودة مرة أخرى للعمل .. يرصد الكاتب كيف تشاغلوا عامدين عن أداء مهامهم ، فى المقابل صاروا يصنعون عددا كبيرا جدا ..جدا .. جدا .. من (الكلبشات) بأمر من الحكومة .. (ص15) 

ثانيا : أقنعة الرمز 

الرمز أداة بنيوية ، تنهض متكئة على البناء الفنى للغة الاشارية للنص الفنى ، حيث يصير الشئ أو المادة أو الصورة المعبرة عن هذا الواقع هى المرموز والمقصود بالاشارة أو الدلالة هو المرموز اليه .. وبينهما يعمل (الرمز) كخيط مشدود بين طرفين هما على مستوى البلاغة العربية القديمة (المشبه و المشبه به) وبينهما أداة التشبيه هذا اذا حاولنا تبسيط المسألة النقدية .

وأى عمل فنى لا يخلو من الرمز حتى لولم يعمد مباشرة  بشكل الى شد الحبل بين شيئين بينهما يقف الرمز كأداة دالة على شئ آخر هو المقصود دلاليا . أما لماذ يلجأ الكاتب الى القناع الرمزى ، فالاجابة بسيطة وواضحة وجلية ، هو الخوف من المساءلة فى حال تصريحه بالمقصود أو المعنى الدال الذى يرمى اليه ويرغب فى توصيله للقارئ . . نرى الرمز فى كل قصص محمود أحمد على ولكن بمستويات مختلفة . ولأننا هنا سوف نتحدث عن الرمز كقناع ، سوف نتوقف أمام قصة (المقابلة) التى أبدع فيها الكاتب أيما ابداع فى صناعة الرمز القناع ، استعان بالأسد المسجون فى قفص داخل حديقة الحيوان ، وقام باسقاط البعد الدلالى للقصة عليه . الولد يسأل عن الأسد الذى يدعى أبوه أنه ملك الغابة ، مستنكرا أن يتحول الملك الى حبيس القفص ، والأب احتار فى افهام ابنه أن الأسد أسد حتى عندما يكون سجينا ، الا أن الواقع ينقى مزاعم الأب وبالتالى ينفى بطولة الأب المزعومة عند ابنه ، 

لماذا ؟

لأن الأب هو الآخر حبيس قفص مماثل ، والسبب فى ذلك أنه كشف واحدا من كبار المفسدين ، وعضو مجلس شعب وفوق كل هذا (ايده طايلة)  هل يعتذر البطل الأب / الصحفى .. يعتذر للمفسد فقط لأن الجريدة تعيش على الاعلانات الممولة من مشاريع هذا الفاسد .. الوارد نصيا أن البطل منذ بدء القصة يبدو حبيس غربتين ، غربة داخل مجتمع لا يؤمن بالوقوف فى وجه الظلم حتى صارت وقفة الصحفى هذا نشازا داخل قاعدة عريضة تم الترسيخ لها ، والجميع بات مستسلما لوطئة القدم الثقيلة واليد الطائلة ، الذمم الفاسدة ، أخذ البطل يقارن بين لحمه الملتصق بعظامه الوهنة ، وبين البودى جارد العاملين لدى هذا المفسد ، ويرتفع الكاتب رويدا رويدا بالتصوير الفنى للشخصية وينتقل من الحديث عن الأسد للحديث عن البطل ، وتنتقل الكاميرا من تصوير لقطة هنا الى لقطة هناك هذا المزج بين الصورتين القصصيتين ، والانتقال بينهما حتى نصل الى الذروة وهى تصوير الكاميرات الذى يقوم به رجال الفاسد الكبير ، ويتذكر الصحفى الحبيس ضيق الأسد من فلاشات الكاميرات وهى تلتقط له ومعه الصور ، وعندما يصيب الأسد هياجا حادا ، يكون الكاتب قد أحكم القناع الرمزى الدال على حال الأب الصحفى ، ويكون ـ بقصته ـ قدم لابنه أيقونة فنية رمزية معبرة جدا ودالة على حال كل الشرفاء المحبوسين وهى هى الصورة الرمزية أو القناع الرمزى للأب الملك أيضا .. صاحب الكلمة وسجين الرأى ، الشجاع البطل الذى لم يستسلم أو يعتذر ، لم يتراجع  وفضل أن يدخل القفص كأسد للغابة فى هذا الواقع ، وافق أن تنهش سيرته الكاميرات على أن يشارك فى صناعة الفساد والترويج له .

قصة المقابلة هى بالفعل مقابلة وتقابل بين نقيضين لا يتصالحان .. الشرف واللاشرف .. الحق والباطل .. الحقيقة والزيف المسيطر على وعى متراخٍ. )

……………………….. ....................................

وحول المتوالية القصصية "أنت وهُم والكلب" للأديب/ محمود أحمد علي، قدم الكاتب والناقد أحمد عثمان دراسة نقدية، جاء فيها :

1 /3   

(أنت وهُم والكلب) .. اجتذبني العنوان من البداية، وجعلني أتأمل وأتساءل: من المقصود ب"أنت"، ومن المعنيين ب"هُم"؟ كأنما الكاتب يوجه أنظارنا إلى اننا أمام فريقين سنلتقي بهما عبر نصوص المتوالية، لنقف على حقيقة كل فريق وما يمثله سواء على المستوى الاجتماعي وفئاته التي تتباين بين القاع والقمة، بين الترف والتسول، بين تعملُق بريق المظهر الزائف وانزواء الجوهر الأصيل، وحظوظ كل منهما وفق تصنيف البشر من منظور مادي بحت .. أو على المستوى الثقافي والمعرفي، وأين تقع ال"أنت"، وأين يقف ال"هُم"؟ .. أي أننا أمام فريقين في ميزان المقارنة والقياس: من يتصدر الصورة عنوةً وسطوةً ونفوذًا، ومن يعاني ويكابد ليظل في زاوية من هذه الصورة .. أيهما على حق، وأيهما يدَّعي المظلومية؟ .. هذا هو ما يدفعنا إليه الكاتب للغوص في نصوص المتوالية؛ لنستجلي الحقائق، ونعقد الأحكام بأنفسنا؛ وفق ما استقر بقناعة كل منا كقرَّاء ... هذا عن ال"أنت" وال"هُم" عبر استقراء ظاهري يحتاج إلى الغوص أكثر واستكناه المدلولات المتوارية في أعماق كليهما

** أما عن المحدد الثالث؛ وأعني به "الكلب" فأعتقد أنه (دالة)  لها أهميتها وحيثيتها التي تستدعي التساؤل: هل المقصود ب"الكلب" هو كل جنس الكلب؟ أم تسليط الضوء على فئة معينة منه؟ وللتوضيح نتساءل: هل المعنِي – مثلًا – كلاب الشوارع، هذي الهوام التي تبحث عن قوتها في مكبات القمامة، وتبيت ليلها على تراب الطرقات وأكوام السباخ تعاقر الحر والبرد والمطر، وتتناسل بلا عناء، بلا أطباء ولا دواء؟ .. أم أن المعنِي فئة بعينها من الكلاب، من أمثال تلك النوعيات المرفهة في مأكلها ومشربها، والعناية بها بما لا يحظى به كثير من البشر – والتي تمنَّى الكاتب في إهدائه أن يكون منهم – ولم لا؟ وهذه الفئة من الكلاب – بالنسبة لمن يقتنيها – هي عنوان الثراء والتفاخر والمكانة بين علية القوم، ولهذا - وفق قناعتي – أعتقد أن هذه الفئة من الكلاب هي ما قصده الكاتب في إهدائه؛ حين يقول: ( إلى نفسي التي قالت لي يومًا ما: ليتك كنت كلبًا مثل كلاب الهوانم؛ لتنعم بما تبقَّى لك من العمر .. فماذا قدم لك القلم غير المرض والهم والاكتئاب المستمر)

** واتكاءً على هذا الملمح الساخر الذي يشي به الإهداء؛ واتصالًا به يمكن لنا بكل أريحية أن نعتمد مصطلح (السُخْرية) ملمحًا أساسيًا في صياغة نصوص هذه المتوالية من بدايتها وحتى النهاية، فنرصد هذا الحس الساخر المتمدد في كل نصوص المتوالية، والذي يقطر همومًا وآلامًا يفوح منها الحزن والأسى في ابتسامات ممرورة، وكأننا أمام (كوميديا سوداء) والتي هي في حقيقتها تراجيديا بحس نقدي ساخر ومؤلم في آن واحد .. وقد تميز في هذه المنطقة كُتَّاب وأدباء عالميون كبارًا من خلال كتاباتهم القصصية والروائية والشعرية والمسرحية أمثال: وليم فوكنر، ومارك توين، وجورج برنارد شو ... وغيرهم، وقد استخدم الحداثيون هذه التقنية في أعمالهم؛ لتصبح -فيما بعد – من السمات المحورية في أعمال الكثير من كُتَّاب ما بعد الحداثة، أمثال: جون سيمونز بارث، جوزيف هيلر، بروس جاي فريدمان .. فإذا عدنا إلى المتوالية؛ فنجدها تنطلق - من خلال السخرية أو الكوميديا السوداء – من استلهام الواقع الآني، وهي منطقة تميز كاتبنا الكبير في تعاطيها؛ ما دعا بعضًا من النقاد والباحثين لإلقاء الضوء عليها عبر دراسات وقراءات مطولة في أدب الأستاذ محمود أحمد علي، نذكر منها – اعتمادًا على ما أورده الكاتب بالسيرة الذاتية له في نهاية هذه المتوالية – الدراسات التالية:

- (نقد الواقع عبر الزمن ودقة التفاصيل) للدكتور محمد عبد الحليم غنيم

- (قراءة السرد .. قراءة الواقع) للباحث أحمد رشاد حسانين

- (واقعية النص القصصي عند محمود أحمد علي) للمتولي حمزة

وبشكل تطبيقي سأتناول بعضًا من نصوص المتوالية من خلال ملمح (السرد النقدي الساخر) المرتكز على الواقع، أو ما نسميه بالكوميديا السوداء للواقع المعاش .. حيث تسري هذه الروح الساخرة – كما قلنا من قبل – في كل نصوص المتوالية، وقد اشتطُّ -في قناعتي – لأقول أن هذه الروح تمثل السمة الغالبة في معظم إنتاج الكاتب – بدرجات متفاوتة – عبر اطلاعي على ما تيسر من أعماله ..

** فإذا ذهبنا إلى النصوص؛ فإننا نجد أن الكاتب قد فسَّم المتوالية إلى قسمين كبيرين:

2 / 3

- الأول: تحت عنوان (أنت وهُم والكلب ) والذي هو عنوان المتوالية أيضًا، وكذلك عنوان أحد النصوص السبعة لهذا القسم، حيث يلعب (الكلب) أدوارًا مختلفة - بصفة بارزة – داخل هذه النصوص

- الثاني: تحت عنوان (حجرة دفن الأحياء) وهو عنوان -عكس القسم الأول – ليس لأحد نصوصه الستة، ولكنه عنوان شامل يمثلها جميعًا

●● من القسم الأول أتناول نص:

××× ( كلب وفي للبيع)  .. في هذا النص نجدنا أمام مأساة تنضح ألمًا بحس ساخر ممرور .. ترصد آثار حالة الركود الاقتصادي الذي كان من توابعه إغلاق الكثير من المصانع، ومصادر أخرى للرزق، أدَّت إلى تشريد العاملين بها، وضيق الحال أمام هذه الفئة  ..  فلا يجد هذا العامل – بطل النص – أمام عجزه عن تدبير نفقات أسرته، واحتياجات أطفاله؛ حين علِم بأسعار الكلاب في السوق التي تعقد كل أسبوع، والتي تصل إلى عشرة وعشرين ألف جنيه ثمنًا للكلب الواحد من الجنسيات ( الخواجاتي) كالألماني، والفرنسي، والروسي، والأمريكاني، والروماني؛ لم يجد أمامه - وفي فعل من أفعال اللامعقول – إلا أن يتمثل في هيئة كلب ليباع في سوق الكلاب لتغطية نفقات أسرته  .. في السوق تُمسك زوجته بسلسلته، ويأمرها هو – زاجرًا- أن تنادي كما باقي البائعين بجملة ساخرة، شديدة المرارة – ظنًا منه أنها ستجتذب إليه رواد السوق، فتنادي: ( كلب مصري وفي جدًا .. جدًا للبيع) .. لاحظ هنا ومن باب السخرية هذه المقابلة الفاقعة بين (.. مصري وفي ..) وبين الجنسيات الأخرى التي يتهافت عليها رواد السوق وفق الميل لكل ما هو أجنبي .. ينفضُّ السوق ، وتبقى الزوجة تواصل النداء بذات الجملة بلا أمل  .. فها هو الرجل – مكتوف اليدين – قد ارتضى أن يُباع كلبًا ..! في سوق الكلاب لينقذ حياة أولاده وزوجته، ولكن آليات السوق وقناعات رواده تأبى ..! يا لها من كوميديا سوداء بامتياز

●● ومن القسم الثاني أتناول نصوص:

××× نص (مناقشة كتاب) : وامتدادًا لروح السخرية وظلال الكوميديا السوداء في استثمار الواقع ؛ يقودنا النص إلى مفارقة مؤلمة بطلها كاتب ستعقد له ندوة يناقش فيها الناقد أحد كتب المؤلف، تخصص لهما قاعة قصر الثقافة لمدة ساعة، استبشر خيرًا بأعداد الجمهور أمام القاعة، ولكن تنقضي المدة ولا يجد الكاتب والناقد من يتابع ندوتهما؛ فيضطرا للمغادرة، عند ذاك يندفع الشباب الواقف بالخارج إلى القاعة ويتفاعلون بحماس مع موسيقى وأغاني المهرجانات الهابطة، بينما آخرون ما زالوا يتوافدون صاعدين السلم إلى القاعة .. لتأتي في النهاية هذه اللقطة ذات الدلالة العبقرية – التي أبدعها الكاتب – حين يصور لنا حال هذا الكاتب وناقده وهما يجاهدان  في انصرافهما ليشُقَّا لنفسهما فُسحة لهبوط السلم بمشقة وسط الجموع الصاعدة من الشباب المتعجل الوصول إلى القاعة .. في هبوطهما تتساقط من الكاتب كُتبه التي كان أعدها ليهديها لمتابعيه؛ لتدوسها أقدام الفوضى الصاعدة .. ولا تخفى هنا دلالات اللقطة  .. دالة السُلَّم وما يمثله كمعبر - في الاتجاهين للصعود والهبوط، أو كوعاء مجتمعي ذو سطح وقاع .. فمن الهابطون، ومن الصاعدون؟! وهنا المفارقة

الدالة الأخرى : الكتاب والموسيقى الهابطة .. يُداس الكتاب – حصيلة الفكر والسهر والمعاناة والبحث والاستلهام الذي أفنى الكاتب حياته في محرابه – بأقدام شباب غض مغيب الوعي،  سطحي الاهتمامات .. بل انظر إلى تلك المفارقة المُخزية : دُعاة التنوير وبناء الوعي يهبطون السلم إلى قاع الوعاء المجتمعي ، بينما يصعد ذوو الخواء والظلام، المسطَّحون عبر نفس السلم إلى الأعلى ..! إنها أقسى الأزمات التي يمر بها المجتمع، والتي تٌنيئ عن مستقبل بلا عقل ينحو نحو الانحدار الفكري، وتدهور الوعي ومنظومة القيم على مختلف الأصعدة ..  

××× نص (الشيك المنتظر): وامتدادًا لما يتبنَّاه الكاتب من إيمان ومُجالدة شُجاعة في طرح هموم وقضايا ومعاناة كُتَّاب هذا العصر التي تتباين بين المادي والمعنوي، ومتلازمات التهميش والإهمال واللا مبالاة؛ يُفرد  الكاتب أكثر من نص من نصوص هذه المتوالية والتي يضمها جميعًا القسم الثاني منها المعنون ب(حجرة دفن الأحياء) والذي منه هذا النص (الشيك المنتظر) .. وسأبدأ  بهذه الفقرة التي انتهى إليها النص، والتي تقول:[ نظر المؤلف إلى المتسول الواقف أمام البنك.، وراح يحدق فيه طويلًا، طويلًا، طويلًا، تعجب المؤلف عندما رأى وجه التشابه بينه وبين هذا المتسول .. الاختلاف الوحيد فقط هو ما يرتديه كل منهما  

3 / 3

- لله يا ابني .. ربنا يقويك على ما أنت فيه

مدَّ المؤلف أصابعه المرتعشة نحو يد المتسول الممتدة أمامه طول ذراع، ليضع في كفه الخمسة وسبعين قرشًا هي باقي قيمة الشيك المنتظر]

هذه الفقرة تلخص ما انتهت إليه مأساة كاتب مفكر قضى الشطر الأكبر من عمره  راهبًا في محراب الكتابة؛ حتى تكالبت عليه العلل والأسقام، ورغم ذلك لا يجد العون المنصف من نقابته المتمثلة في (اتحاد كتاب مصر) لتقيه العوز وضيق ذات اليد أمام حاجته للعلاج والدواء؛ بعدما تنازل عن كبرياء الكاتب، والاعتداد بالنفس، وطلب – مقهورًا – من نقابته العون .. استجابت النقابة، وطلبته لصرف شيك الإعانة الذي انتظره طويلًا، فيسافر إليها منتفشًا .. وهنا تكمن المأساة، وتتورم الكوميديا السوداء التي صاغها الكاتب بحرفية؛ حين عَششتْ عينا الكاتب (بطل النص) عن التحقق  من أرقام المبلغ المدوَّن بالشيك، والتي تعملقت أمام عينيه بحجم ما تعملقت آماله  في التخلص من معاناته، لتفجعه الضربة القاسية عندما تسلم من صرَّاف البنك قيمة الشيك  البالغة ( تسعون جنيها، وخمسة وسبعون قرشًا (خانته العلامة العشرية التي لم يتحقق منها لتزوي الآلاف وتتقزم إلى العشرات، حتى هذه العشرات طارت هباءً بين مواصلات وإكراميات، ولم يبق في يده إلا هذه الخمسة وسبعون قرشًا.، فما كان منه إلا أن أعطاها لهذا (الشبيه/المستنسخ)  الذي مدَّ إليه اليد يستجديه .. كوميديا سوداء أخرى فاقع لونها حسرة وألمًا، أزعم أن الكاتب لامسها عن قرب ودراية، ولا أدعي معرفتي بواقعيتها؛ فأنا لست بعضو باتحاد الكتاب ..

 وعلى نفس الامتداد تتراقص جنِّيات السخرية والكوميديا السوداء التي أطلقها الكاتب عبر نصوص أخرى، تتناول من زوايا أخرى هموم ومعاناة الكُتَّاب تتمثل في نصوص (تكريم – تشييع جنازة – الفاتورة – تقدير وتكدير) ......

أرجو أن أكون قد وفقت في استعراض بعض نصوص هذه المتوالية الغنية  كدوال على ما ذهبت إليه – في زعمي – فيما يخص اعتماد مصطلح (السخرية النقدية) كملمح أساس في صياغة نصوص هذه المتوالية القصصية.

…………………………………. .......................... 

وكتب الكاتب والناقد عبدالمنعم شرف الدين ورقة نقدية بعنوان التصوير الابداعي والمرئي في المجموعة القصصية اليكم القاتل والمقتول، جاء فيها : ( اذا كان هناك من قاتل فمن البديهي أن يكون هنا قتيل لكن الكاتب هنا كان اكثر حنكة ولم يقع في فخ المباشرة اذ انه طوال الوقت يؤكد علي فاعلية القتل ويحاول بكل الطرق اثبات نية الاصرار والترصد ويقدم لنا ايضا كل اوراق القضية مستوفاه علي ١ التصوير الابداعي صوت وصورة ٢ الاشارة الي كل السلبيات والمعوقات التي من شأنها ومن اجلها تتفاقم الامور وتزداد سوء ٣ التحريض علي التغيير وخلق عوالم مغايرة تماما للواقع المؤسف المزري نعم يا سادة ان الابداع في حد ذاته يفوق طلقات الرصاص ونحن نكتب كي نفجر طاقات الامل وكما قال نزار قباني اكتب كي افجر الاشياء فالكتابة انفجار كي ينتصر الضوء علي العتمة فالكتابة انتصار حتي انقذ العالم من اضراس هولاكو ومن حكم المليشيات ومن جنون قائد العصابة حتي انقذ الكلمة من محاكم التفتيش ومن شمشمة الكلاب من مشانق الرقابة وايضا يقول اورهان باموق اكتب لأنني لا استطيع ان اتحمل الحقيقة وحدي ولأنني عزمت علي مقاومة هذه الحقيقة وانا اقول اكتب حتي لا اموت متجمدا ان محمود احمد علي طاقة من الاحساس والشعور انه يصور قصصه صوت وصورة ولحم ودم فها هي نسمة الهواء يصفها باللص الذي يدخل ويخرج خلسة وها هو السحين الذي ينتزع سنه من اسنانه ويبريها علي البلاط حتي يكتب بها علي صفحة جسده صورة من لحم ودم تتحرك امام القارئ ولا تتركه مطلقا )

……………………………........................... 


وعن معاناة الكاتب وهمومه في المجموعة القصصية " رؤوس تحترق " كتب الأديب مجدي جعفر ورقة نقدية، جاء فيها :

( محمود أحمد علي واحد من الكُتّاب القلائل الذين أخلصوا لفن القصة القصيرة، واستطاع بفضل موهبته وإخلاصه لهذا الفن المخاتل والمراوغ الجميل أن يكون عازفا مبهرا ومتفردا، وكثيرا ما كان يعزف منفردا، بعد أن ترك الكثير من الأدباء كتابة القصة القصيرة، وذهبوا إلى كتابة الرواية، وخاصة بعد حصول كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ على جائزة " نوبل "، فراح الكثير من النقاد يروجوا بأن الزمن هو زمن الرواية، وبأنها أصبحت ديوان العصر، وصاحب هذه المقولات، ضخ الأموال الخليجية الطائلة التي تم رصدها في مسابقات خاصة بالرواية، فانصرف المبدعين الحقيقيين عن القصة القصيرة وعن الشعر أيضا، وتوجهوا نحو الرواية، ولا ننكر أن هذا التوجه قد ساهم في إثراء الرواية العربية، وتنوعت في موضوعاتها وفي تشكيلاتها الفنية، وقفزت قفزات سريعة، وتوارت القصة القصيرة إلى الظل، ولولا القلة القليلة من الموهوبين وعشاق هذا الفن، ومنهم محمود أحمد علي، لتم تشييع القصة القصيرة إلى مثواها الأخير، فاخترق محرابها أرباع وأنصاف الموهوبين، ظنا منهم أنه فن سهل التناول، ومحمود أحمد علي العاشق لهذا الفن والمتيم به، استطاع أن يشق لنفسه طريقا، فمن خلال القصة القصيرة، استطاع أن يعبر عن همومه وأفراحه، يعبر عن أبناء جيله، وعن وطنه وتطلعاته وانكساراته، وعن الأمة بأسرها، وسأشير في هذه العجالة إلى موضوع واحد فقط، (معاناة الكاتب وهمومه ) وسوف نتناول الموضوعات البارزة الأخرى في مقالات مقبلة، ومن أهم الأفكار والرؤى البارزة التي طرحها الكاتب في قصصه، هي :

1 – هموم المثقف أديبا كان أو شاعرا أو مفكرا وعلاقته بالسلطة.

2 – الكاتب المثقف وهموم الوطن. 

3 – الكاتب المثقف وهموم الأمة.

وسنتناول في هذه المقالة المحور الأول، وهو :

هموم الكاتب المثقف ومعاناته :

وسنكتفي في هذا المحور بمقاربة خمس قصص من المجموعة القصصية ( رؤوس تحترق ) وعناوينها : مسد كول لإمرأة مشعة، اغتراب، فشلت أن أصبح كاتبا، القصيدة والكراسي الخاوية، مشاوير.

والمجموعة صدرت عن نادي القصة في العام 2010م، وبالنظر إلى لوحة الغلاف، ووفقا للمنهج السيميولوجي نرى كاتبا يجلس في ظلام دامس، مُمتشقا قلمه، ومُمتطيا صهوة أوراقه، ومصباح كهربائي متدلي من سقف الغرفة، ينبعث منه ضوء خافت جدا، بالكاد يكشف عن الكاتب الذي يعصر ذهنه، وكأنه يجاهد ليزيح هذا الظلام الكثيف بالغرفة ( الوطن )، فهو يعي دوره في بيئته، ويعي حركته داخل محيطه الاجتماعي، فحسبه أن يشير إلى مواطن الداء ومكامن الخلل في المجتمع، وقبل أن نُفصل في هذه المسألة، نتوقف عند معاناة ومأساة الكاتب والمبدع والمثقف.

في قصة ( مشاوير ) نرى ذلك الشاب الموهوب والذي يكتب القصة القصيرة، ويحلم بمداعبة ماكينات الطباعة لحروف وكلمات قصة من قصصه المكدسة في درج مكتبه، وتٌنشر بإحدى الصحف السيارة، ويقرأ أهله وأهل قريته قصته ممهورة بإسمه، ويؤمنون بموهبته، ويكفون عن السخرية منه، والتهكم عليه، فهو ينفق أمواله في شراء الكتب والجرائد والمجلات، ويتهمونه بالسفه، لأنه يضيع أمواله فيما لا طائل من وراءه ولا نفع منه، ولم يكن أمامه غير طابع البريد، فهو يعيش بقرية نائية بالشرقية، فركب القطار المار بقريته، والمتجه إلى الزقازيق، لينزل بمحطة فاقوس، ويذهب إلى مكتب البريد، ويودع بداخله المظروف الذي ينام بداخله قصته، متمتما ببعض الأدعية الموروثة والمحفوظة، وصباح كل يوم سبت، موعد إصدار الصفحة الأدبية بالجريدة، يركب القطار، وينزل محطة فاقوس، وعند بائع الصحف، يمد يده بلهفة إلى الجريدة، ويفر في صفحاتها، وقلبه يعلو ويهبط، وعند وصوله إلى الصفحة الثقافية والأدبية، يبتئس، فلا يجد قصته منشورة، وتكررت المشاوير، وأخيرا يجد اسمه في باب بريد القراء، نشر المحرر اسمه الثلاثي، قائلا له انتظر نشر قصتك في الأعداد القادمة، رغم أنه كان يتمنى أن يقول له المحرر انتظر نشر قصتك العدد القادم، ولكنه فرح أيضا بنشر اسمه الثلاثي، وبالوعد بنشر قصته، فهي ستنشر حتى ولو بعد عام، وبنشرها يصبح كاتبا معترفا به، اشترى ثلاثة أعداد من البائع، فلأول مرة ينشر اسمه الثلاثي بصحيفة سيارة كبرى، ومشوار تلو مشوار، حتى تفاجأ بقصته منشورة، يذكر أنه قفز عاليا في السماء، ويذكر أنه سمع البائع يقول ( ربنا يشفي )، كل هذا لا يهم، المهم عنده ان قصته نُشرت، اشترى كل النسخ، وحملها تحت إبطه، وسار إلى محطة القطار يكلم نفسه في الشارع، وما أن استقر في القطار، ووضع على رجليه النسخ الكثيرة التي اشتراها، وأمسك بنسخة، وراح يقرأ قصته بصوت عال، ولكنه يكتشف أن قصته منشورة دون أن تحمل اسمه، فتساقط الدمع مدرارا على خديه، وتأتي المفارقة، فيتفاجأ بأحد الركاب، واقفا أمامه ويطلب منه جريدة، ويمد له يده بجنيه!

ومحمود أحمد علي استخدم المفارقة التصويرية في جُل قصصه، ولعبت دورا بنائيا هاما، وسنتحدث عنها في مقالات لاحقة عندما نتحدث عن الجوانب الفنية عند الكاتب.

تكشف القصة عن معاناة الأدباء في ثمانينات القرن الماضي، وخاصة الذين يعيشون في أقاليم مصر، فكانت الوسيلة الوحيدة بينهم وبين القاهرة هي طابع البريد، ولن نتحدث عن شللية النشر وغطرسة الاحتكار في ذلك التوقيت.

والمعاناة أيضا في قصة ( القصيدة والكراسي الخاوية !! ): وأبطالها ثلاثة شبان، جمعهم حب الأدب والشعر، ومنهم من يقرض الشعر، ومن يكتب القصة، يتبادلون قراءة الكتب، ويلتقون يوميا في منزل أحدهم، ليسمع بعضهم بعضا، وكونوا فيما بينهم جماعة أدبية، أطلقوا عليها اسم ( إشراقة )، ويريدون أن تخرج إبداعاتهم من الغُرف المغلقة إلى فضاء الشارع الواسع، ويتمنون أن يتعرف عليهم أهل القرية كشعراء وكُتّاب، المهم أن يعلنوا عن أنفسهم، ويستقطبوا كل من لديه موهبة من أهل القرية، وسرعان ما تنامى الحلم بداخلهم بعد أن علموا أن وزارة الثقافة، قررت بناء قصرا للثقافة بالقرية، فتضخمت الأحلام أكثر وأكثر، وراحوا يحومون حول الأرض الفضاء التي قررت الوزارة البناء عليها، ويشيرون إلى الأرض الفضاء، هنا يتحقق الحلم، ولم يصدقوا أنفسهم وهم يروا العمال والمهندسين ومواد البناء، وأحلامهم ترتفع رويدا رويدا مع المبنى، وتعرفوا على مدير القصر الذي تم تعينه من الوزارة لمتابعة تجهيزات المبنى قبل افتتاحه، أعربوا له عن أحلامهم وأمنياتهم، احتفى بهم وبأفكارهم، ووعدهم بان أول شيء سيتم تجهيزه غرفة لنادي الأدب، وستكون أكثر الحجرات اتساعا، وأفضلها تجهيزا، فهو – أي المدير – يعشق الثقافة، ويحب الأدباء، ويجب رعايتهم، وهذا من أهم أدوار الوزارة، ويكتشف هؤلاء الشبان عند الانتهاء من بناء وتجهيزات القصر، لم يتم تخصيص غرفة لنادي الأدب، وذهبت الغرف لفرقة الموسيقى، ولفريق التمثيل، ولفريق الغناء، وللمكتبة، ولهواة الرسم، وغرف لتعليم التفصيل والحياكة، و .. و ..، وبعد شد وجذب مع المدير، اقترح عليهم أن يخصص مخزن القصر " بالبدروم " للنادي الأدبي، ووافقوا على مضض، بعد أن وعدهم المدير بأنه سيخاطب الوزارة في شأن النادي الأدبي، فهو في النهاية العبد المأمور، وقاموا بكنس " البدروم " وغسله بالماء، وراحوا يعلنون في القرية عن كل من لديه موهبة في الشعر أو القصة فليتوجه إلى قصر الثقافة يوم كذا الساعة كذا، وفي نفس الموعد رأوا الناس تتدافع على باب القصر، فابتهجوا، وسرعان ما زالت البهجة، فالناس تتجه إلى غرف الموسيقى والتمثيل والغناء، ولم يطرق باب ناديهم الأدبي الذي بالبدروم أحد!

والشباب لم يستسلموا، فالشعر عندهم هوية الأمة، ويجب أن يظل، فعكفوا في البدروم، كل يحاول أن يلقي نص من نصوصه، ولكن صوت الموسيقى يأتي أكثر صخبا، فخطر ببال أحدهم بأن يذهبوا إلى غرفة الموسيقى في فترة الراحة، فتكون الفرصة سانحة لهم ليلقوا بأشعارهم أمام الجماهير الغفيرة، التي تنتظرهم حتى يفرغوا من وقت الراحة، واستحسنوا الفكرة، وصعد أحدهم ليلقي بقصيدته، هاجت الناس وماجت، وراحوا يسخرون من الشاعر، ويهتفون : " انزل مش عاوزينك "

الكاتب يشير إلى تهميش الثقافة المتعمد، وتقديم الراقصة والمغني والموسيقي ولاعب الكرة على الأديب والشاعر والعالم والمفكر، وينهي قصته بمقطع من قصيدة للشاعر الكبير فاروق جويدة :

( مُت فوق هذه الأرض ولا ترحل

وإن صلبوك فيها كالمسيح

فغدا سينبت ألفُ صبح

في ثرى الوطن الذبيح

وغدا يطل الفجر نورا

من مآذننا يصيح

وغدا يكون الثأر

من كهان هذا العصر

والزمن القبيح

فانثر رفاتك فوق هذي الأرض تنفضُ حزنها

ويطل من أشلائها الحلم الجريح

أطلق نشيدك في الدروب لعله

يوما يُعيد النبض للجسد الكسيح )

وجاء توظيف النص الشعري توظيفا رائعا، وخاصة أنه جاء في نهاية القصة، فلم يبتر حركة السرد أو يوقف نموه، وهذا المقطع الشعري، جعل النهاية حاسمة وقوية، وتشع بالدلالات وتحمل رموزا شتى.

ويستمر الكاتب في رصد معاناة الأدباء والشعراء، ففي قصة ( فشلت أن أصبح كاتبا ) المحاسب الموهوب وعضو اتحاد كُتّاب مصر، وكاتب القصة والرواية والمقالة النقدية، يفشل في تغيير المهنة في البطاقة من محاسب إلى كاتب! ويرصد ما لاقاه هذا الكاتب من تهكم وسخرية الموظفين بالسجل المدني، ووصموه بالجنون، ورغم أنه أتى بورقة مختومة من اتحادد الكتاب تبين أنه كاتب، ولكنهم رفضوا رفضا قاطعا لأن هذه المهنة غير معترف بها، رغم أن اتحاد الكُتّاب المصري ووفقا للدستور المصري، نقابة للكُتّاب شأنه شأن نقابة الأطباء والمهندسين والصحفيين والمحامين والمُعلمين وغيرها من النقابات، ولا يتوقف الأمر عند عدم الاعتراف بالكُتّاب على المستوى الرسمي وتهميشهم، بل تبلغ المأساة ذروتها بعزل الكاتب والمفكر والأديب والشاعر عزلة إجبارية، كما في قصة ( اغتراب ) وبطلها الكاتب والمفكر الذي جاوزت إصداراته التسعين كتابا، وتجاوزته الدولة وكرمت من هم دونه من أرباع وأنصاف الموهوبين، وليت الأمر توقف عند إهمال الدولة له، بل امتد إلى أهله وعشيرته وكل أهل قريته، التي أطلق عليها الكاتب قرية ( الجحش )، وهذا المُسمى للقرية يحمل رمزية ذات دلالة وتعبر عن واقع مأساوي يعيشه المثقف والشاعر والأديب، هذا الواقع المهترأ هو ما أدى بمحمد محمود الكاتب والمفكر إلى العزلة، داخل منزلة بتلك القرية، والإحساس المهين بالغربة داخل القرية وداخل الوطن الأكبر، وما أقسى الإحساس بالغربة داخل الوطن، وفي رحلة أحد الصحفيين إلى قرية ( الجحش ) لمقابلة الكاتب والمفكر الكبير محمد محمود، وإجراء حوار معه، ومحاولة إخراجه من عزلته، يصدم هذا الصحفي، فكل من يسأله عن الكاتب محمد محمود، يجيبه بأنه لم يسمع بهذا الإسم من قبل، ولا يعرفه، ويُدهش الصحفي وهو يرى الأطفال يحملون كتبا كثيرة، بل رأى الكتب تملأ الشارع أكواما أكواما، فالتقط كتابا، وقرأ عنوانه ( اغتراب ) للكاتب محمد محمود، وحزن حزنا شديدا عندما علم أن النعش الذي قابله في مدخل القرية، ويحمله أربعة رجال فقط، ويدخنون السجائر، ويتبارون في إلقاء النكات البذيئة، وعلى غير عادة أهل القرى، لم يسر أحد في الجنازة، جنازة بلا مشيعين! ويكتشف الصحفي بأن شقيقه الأكبر أجر الأربعة رجال لحمل نعشه إلى المقابر خارج القرية، وبقى هو وأخوته يتقاسمون تركته، بعد أن تخلصوا من كتبه بإلقائها في الشارع!

وتأتي قصة ( " مسد كول " لإمرأة مشعة ) من أجمل القصص، والقصة مُهداه إلى الكاتبة ( نعمات البحيري ) رحمها الله رحمة واسعة، وجاء في إهدائه لها :

( إلى " نغمات " نعمات البحيري  في مرضها .. وما أجمل أن تختلط الكلمات وتتوحد )

تماهى الكاتب تماما مع نعمات البحيري، وقدم لنا بنبل وشفافية معاناة الكاتبة، من خلال مجموعة من الصور، الكاتب يدخل في الحدث مباشرة، وهي سمة في معظم قصصه، فالقصة الجيدة هي القصة المنزوعة المقدمة، كما يقول ( أنطون تيشكوف )، والقصة تبدأ بضمير المتكلم، وتاتي على لسان ( زهرة عبدالرحمن )، و ( زهرة عبدالرحمن ) تشابه من قريب أو من بعيد الكاتبة المعروفة ( نعمات البحيري )

( ها أنذا أدخل المستشفى لأخذ الجرعة .. )

يدخلنا الكاتب من أول جملة في الحدث مباشرة، ونتعرف من خللها على أزمة البطلة ومعاناتها، ويسرد الكاتب مأساتها منذ دخولها حجرة الاستقبال وقيد اسمها في القائمة الطويلة أمام الموظفة، وانتهاء بنزع ملابسها ووضع صدرها في فتحة الجهاز، مرورا بالأداءات الروتينية للعامل والموظف والتومرجي والممرضة .. إلخ، ومحاولة البعض استنزاف المرضى في المستشفى، وكيف فقدت من تعرفت زهرة عبدالرحمن عليهن وهن ينتظرن أدوارهن.

( - أمال فين عزيزة .. ودوسة .. وتحية .. ما عدتش با شوفهم .. همه غيروا مواعيد الجرعة؟

-تعيشي انتي )

وكأن سهم الموت مسلط على عنق كل من يدخل هذا المستشفى، مصابا بهذا المرض اللعين، وكأن الداخل مفقود والخارج مولود!

هل هو صراع مع المرض أم مع الموت؟

كيف تقاوم زهرة عبدالرحمن ألم الجرعة؟

( وكعادتي مثل المرات السابقات .. كان لزاما علىّ أن افتح البوم الذكريات اللامرئي، أتصفح صوره حتى أتناسى من خلاله ألم الإشعاع )

وألبوم الذكريات اللامرئي – حيلة فنية بديعة لجأ إليها الكاتب، ليستطيع من خلال انتقاء عددا من صور الألبوم اللامرئي، أو الصور المدفونة في قاع نفس بطلته، فمن خلال هذه الصور  يسرد على لسانها الكثير عن حياتها، وهذه الحيلة الفنية أنقذت القصة من الوقوع في المباشرة والسرد التقليدي، وجعلت زمن القصة قصيرا جدا، فزمن القصة الخارجي هو زمن أخذ زهرة عبدالرحمن لجرعة الإشعاع، أما زمن القصة الداخلي فيمثل حياة البطلة كاملة أو على الأقل المحطات المهمة والمؤثرة في مسيرتها الأسرية والتعليمية والوظيفية والأدبية والنفسية، فصور الألبوم اللامرئي تعكس كل هذا وأكثر، ولا يقف الكاتب بهذه الصور عند السطح، ولكنه يبلغ طوايا وأعماق بطلته، مظهرا للآثار النفسية وللأبعاد الإنسانية.

أول صور الألبوم : 

خطاب مرسل لها من أحد الشباب، دبجه بعبارات الغزل وجُمل الهيام، تستعيد هذا الموقف وتقول :

( لقد عرفني الكثير، القريب والبعيد عزوفي التام عن الزواج، فمن هو ذلك الرجل المجنون الذي يتزوج بإمرأة وهبت حياتها كلها للقراءة، وكتابة القصص .. إمرأة تنام وفي حضنها القلم والورق .. )

-صورتها مع بعض النقاد بأحد المؤتمرات، وتعريتها لهم :

( فقد كتب عني أغلبهم، إن لم يكونوا كلهم .. كل هذا طمعا في بعض اللمسات من يدي، والتخبط بجسدي، ومطاردتي ليل نهار من خلال تليفون المنزل )

-صورتها مع والديها :

ونعرف من خلالها أنها بكر والديها، وورثت عن أمها الطيبة، والحنان، والجمال الاخاذ، وما أن ماتت الأم حتى راح الأب يبحث عن أية إمرأة لتشبع رغباته، فهو محب للنساء، وتحكي عن ضبطها في طفولتها لوالدها في موقف شائن ومشين مع ابنة خالتها المطلقة!

-صورة : تمتد فيها يد الأب على خدها لتحفر فيه إخدودا، لأنها رفضت أن تاخذ معه هو وزوجته الجديدة صورة في ليلة زفافهما، ظلت هذه الزوجة تكرهها دون أخواتها، وظلت هي الأخرى تبادلها الكره والبغض بكره وبغض أشد.

-صورة وهي بين الأصدقاء والصديقات بالشركة التي تعمل بها، وهي تتسلم كأس التفوق كأفضل موظفة، وعندما داهمها المرض اللعين تناسى المدير كلماته لها بأنها أقضل موظفة في قسم التسويق، فالمكاسب زادت على يديها خمسة أضعاف.

( أنا آسف يا أستاذة، أنا مضطر أحولك ع التأمينات الاجتماعية .. )

-صورة مع الأدباء والأديبات بنادي القصة، وقد هيأوا أنفسهم تماما واستعدوا بالمقالات، وقصائد المدح والرثاء، إنهم منتظرون لحظة موتها لينشروا المقالات في رثائها ويجنوا مكافآت النشر!

( علىّ أن أطوي هذه الصورة بسرعة )

-صورة بين أصدقائها وأحبابها الحقيقيين، داخل حجرتها، مكتبتها، الأقلام التي فرغت من أحبارها، مسودات لقصص قصيرة، كمبيوتر، تسجيل صغير، شرائط كاسيت لمطربين ومطربات قدامى ... إلخ.

-صورة مع أخواتها البنات في حفلة عيد ميلاد إحداهن، وكيف كن يرتمين في أحضانها، ويقلن والدموع ملء أعينهم : أنت أمنا

وبمرور الأيام، وتعاقب السنوات، انشغلن بأولادهن وأزواجهن، ومكالمتهن عبر الهاتف صباحا ومساء تحولت إلى ( مزد كول )، الكل أصبح ينتظر موتي، حتى صاحب العمارة، يحاول أن يغريني بقرشين ليأخذ الشقة، ....

( إنهم ينتظرون إجراء الغسل والدفن وإعلان الوراثة حتى ينقضوا على ما شقيت وادخرته طيلة عمري ..

سيارتي البيضاء الصغيرة " فلة بنت خوخة اللي جت بعد دوخة " بيعها لمن يدفع أكثر ..

سوف يلعب أولادهم " جيمز " وأتاري على الكمبيوتر الذي كان ذاكرتي وعقلي وخزانة أفكاري .. )

( سوف يبيعون مكتبتي إلى أقرب تاجر روبابيكيا، وسوف يتخلصون من شقتي  ببيعها بأي ثمن إلى صاحب العمارة الذي يطاردني ليل نهار منذ أن علم بمرضي اللعين الذي ليس له من شفاء .. )

( توقفت مكالمتهم التليفونية، وتبدلت إلى " مزد كول "، والمطلوب أن أرد عليهم بالمثل حتى يعرفوا أنني مازلت على قيد الحياة )

( علىّ أن أشعرهم بأن جرعة الإشعاع لم تنل مني بل تزيدني قوة فوق قوتي، وان الموت لم يهزمني بعد .. صفر الجهاز إيذانا بانتهاء الجلسة، طويت الألبوم اللامرئي .. فتحت عيني .. سحبت صدري من قم الجهاز .. )

والعنوان الذي اختاره الكاتب ( رؤوس تحترق ) هو دال على حال الكُتّاب، وجاءت لوحة الغلاف معبرة تماما عن العنوان والذي دارت في فلكه القصص الخمس التي تم تناولها، وكل قصة أخذت من العنوان نصيب، ويأتي المفتتح، وهو مقطع شعري للشاعر الكبير ( محمد الماغوط ) ليكون عتبة مهمة للقارئ للولوج إلى قصص المجموعة، وفيه يزداد تكشف القارئ لهموم الكاتب ومعاناته، وعلاقته بالسلطة، وعلاقة المثقف بالسلطة في قصص محمود أحمد علي تحتاج إلى مبحث خاص، يقول الماغوط :

( عندي كل شيء أيها السادة

نور، أعقاب سجائر، نشارة خشب

صفائح فارغة ...

وعندي شعوب، شعوب هادئة وساكنة

كالأدغال، يمكن استخداها، في 

المقاهي والحروب وأزمات البشر )

وسنحاول في مقالات قادمة، الوقوف على الملامح الأبرز في مشروع محمود أحمد علي القصصي، وكل الود والإعزاز والتقدير لكاتبنا الحبيب الذي أثرى فن القصة العربية، اطال الله لنا في عمره ومتعه بالصحة والعافية. )

.......................................................................

وفي نهاية اللقاء قدم الشاعر إبراهيم حامد رئيس مجلس إدارة الفرع، قراءة في محمود أحمد علي المبدع الجميل والعاشق والمخلص لفن القصة القصيرة، وقدم لمحات إنسانية توفرت في شخصية المبدع محمود أحمد علي.

وتوالت القراءات والرؤى النقدية من الشاعر والكاتب نبيل مصيلحي، والأديب والناقد عبدالعزيز دياب، والكاتب والناقد والمترجم حامد حبيب، والشاعر السيد داود، والشاعر سامح شعير، والشاعر محمود رمضان،  الشاعر محمد حسن النجار، أ . رمضان صلاح،  ... وغيرهم.