الحادثة الأليمة التي تعرّض لها الشاعر اللبناني شوقي مسلماني والتي أدّت إلى ثلاثة كسور في عموده الفقري لم تمنعه من مواصلة إصداراته، فها هو ديوانه "محور مائل" يصدر لدى دار الغاوون في بيروت متابعاً فيه صنيعه الخاصّ في بناء القصيدة الطويلة الغنيّة بالتأويل والتي لا تعود كائناً واحداً ذا ملمح واحد ولا إملاءً من الشاعر على قارئه كما يقول الشاعر وديع سعادة عن تجربة مسلماني.
من الكتاب نقرأ: "كان يكرِّر \ أنّه أكثر ما يكون مطمئنّاً \ عندما يكون وحده، \ المفارقة أنّ الحدود ليس لها حدود، \ يخرج فيدخل ويدخل فيخرج، \ الجَمال أن يُفسح قلبٌ أمام قلب، \ القلب شساعة فيها زهور، \ فيها أشواك، فيها شجر جوز \ وبندق وسرو ونخيل وأكاسيا، \ الجَمال روح تمسّها روح نبيل، \ كلامٌ هذا الصمت، \ أكثر العيون لا تسمع، \ أكثر الآذان لا ترى، \ أكثر المسير لا يصل \ وأكثر النقل بلا عقل".
وشوقي مسلماني هو من مواليد 1957 ـ كونين جنوبيّ لبنان. صدر له في الشعر:"أوراق العزلة" (1995) ، "حيث الذئب" (2002)، "مَن نزعَ وجه الوردة"؟ (2007)، "لكلّ مسافة سكّان أصليّون" (2009)، وغيرها.
أدناه من المجموعة:
"كان يقول: إنّها تجارة، \ كان يقول: سطْوٌ مسلّح تمارسه أمم، \ كان يقول: يوجد أناس أدمغتهم عَلَق، \ كان يقول: أكره ما يكره المفاجأة السيّئة، \ المفاجأة بقلّةِ الأمانة، \ بقلّةِ الشهامة، بكثرة الإرتداد، \ المفاجأة أن تنظر إلى النسر فإذا هو دجاجة، \ المفاجأة أن تنظر إلى الحمل فإذا هو ذئب، \ المفجأة أن تنظر إلى الأسد فإذا هو فأر، \ المفاجأة أن تنظر إلى وجهٍ شفّافٍ فإذا هو وجه غليظ، \ والمفاجأة أنّه لا يزال يتفاجأ".
..
"مقارنة بينه وبين القمر، كلاهما منير، لطيف وحالِم، \ مقارنة بينه وبين النجمة، هي بعيدة وهو بعيد، \ مقارنة بينه وبين البرق والرعد، مثلهما هو يشرقط ويهدر، \ مقارنة بينه وبين التمساح، معاً يشقِّفان الضحيّة، \ مقارنة بينه وبين العقرب، العقرب يلدغ مثله، \ أذهله الشبه في التقاسيم الداخليّة".
..
"الساكن يبدو ثابتاً \ لكن في الواقع هو متحرّك بأسلوبه، \ بعقليّته، بغريزته، هذه بديهة، \ وفي الوقت ذاته ليست بديهة، \ قيل: "حتى الكلاب إذا رأته عابراً، \ نبحت عليه وكشّرت أنيابها"، \ قيل: بعضه أقبل مشرِقاً وبعضه آفلاً معتماً، \ قيل: بعضه اختنق صوته، امّحى أثرُه، وبعدُ منه حجر، \ قيل: بعضه وحده على مسافة مئات ملايين الأميال مِن كوكبنا \ يصطاد بقصبةٍ مِنْ ضوء تنهيدةً في نهرِ يابس، \ قيل: بعضه عند قمّة جبل شاهق، \ ولكي يطلعَ الفجرُ مطمئنّاً، يقف شامخاً كتمثال، \ وقيل: شجرةَ تفّاح سرقتْ تفّاحته الوحيدة".
..
"رأيتُه يرى المساحة الخضراء، \ رأيتُه يرى المساحة الرماديّة، \ رأيته لا يرى المساحة، رأيته تحت المساحة، \ رأيته يحرث ويبذر في المساحة، \ رأيته يحبّ ويرى الزهور والورود \ ويصغي لشدوِ الطيور عندَ المساحة، \ رأيتُه هو الكلّ".
..
" ولكلِّ مقامٍ مقال أم لكلِّ مقالٍ مقام؟، \ ولكلّ زمان عقل أم لكلِّ عقلٍ زمان؟، \ وكلُّ حيّز له حركة أم كلّ حركة لها حيِّز؟، \ وحياةٌ لكلِّ مسافة أم مسافة لكلِّ حياة؟، \ ودمعة في كلّ عين أم عين في كلّ دمعة؟، \ وكلّ جسم في رحيل أم رحيل في كلّ جسم"؟.
..
"ليس أن تصعد إنّما كيف؟، \ وعلى سلّم عظام وجماجم \ أم على سلّم موسيقى الحب"؟.
..
"والمحوَرُ مائل، \ والأرضُ تدور".
ـ نقلاً عن مجلّة إيلاف الباريسيّة




0 comments:
إرسال تعليق