اضاءات على كتاب أحلام فوق الغيم



بقلم: د. مرام فؤاد أبو النادي* 


   النقد لغةً يعني تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها؛ وقد كان ذلك يتم عن طريق تحسس أطراف القطع المعدنية لمعرفة درجة استوائها. 

إذاً نقوم بذلك لفحص الشيء وكشف عيوبه. 

   فالنقد تمحيص العمل الأدبي بشكل متكامل حال الانتهاء من كتابته؛ فيتم تقدير النص الأدبي تقديرا صحيحا يكشف عن مواطن الجودة والرداءة فيه، ويبيّن درجته وقيمته ومن ثمّ الحكم عليه بمعايير معينة، وتصنيفه مع ما يشابهه. 

    زياد جيوسي في كتابه النقدي الجديد "أحلام فوق الغيم" والذي بدأ أول عبارة في الإهداء (لشجرة اللوز) ومن المؤكد أنها إشارة وطنية، فمن منا لم يسمع كلمات أغنية والله لأزرعك بالدار ياعود اللوز الأخضر.. وأروي الأرض بدمي تتنوّر فيها وتكبر.  

   فشجر اللوز له دلالة وطنية واضحة فيها أسمى معاني الارتباط بالأرض عدا عن إزهاره وتنويره لا سيما في  الربيع إشارة إلى الأمل غير المنقطع وتسلسل بالإهداء لعائلته وصحبه.عدا عن الإهداء الأكبر الذي خصصه للمرحوم الشاعر عاطف القيسي. 

   زياد جيوسي يعتبر ناقدا أمينا فلم يدّعِ شيئا لم يقرأه، ولم يختزل شيئا مما قرأه.. وقد أسقط الجيوسي في كتابه النقدي ثقافته الواسعة وقد قسم الكتاب إلى مرافئ، كنوع من التخصيص للجنس الأدبي فكان مرفأ الرواية والسرد والشعر...  

   ومن باب النقد فإن للناقد سمات وخصائص استطاع الجيوسي أن يتمثلّها فعكسها في إنتاجه النقدي ومن هذه الخصائص التي وجدتها في الجيوسي: 


أولا: 

 فالناقد لديه الموهبة النقدية: والتي يستطيع الناقد من خلالها أن يقدّر الأشياء تقديرا صحيحا فيميّز العمل الجيد من العمل الرديء. 


ثانيا: 

 الأهلية العلمية والفكرية: بأن يتخصص الناقد بنقد الأعمال في مجال تخصصه عدا عن امتلاكه للثقافة الواسعة في مختلف الميادين ليعطي رأيه بكلّ ثقة. 


ثالثا: 

 العدالة والإنصاف: بأن يصدر أحكامه بكل شفافية نزاهة بعيدا عن الهوى والتعصب وذلك بأن يعلل أحكامه ويفسر رأيه بناء على أسس علمية غير خاضعة لعاطفته أو ميوله الشخصية فلا يصدر حكمه لكي يحابي أحدا أو من أجل أن يقلل من قيمة أحد. 


رابعا:  

التزام الأدب: حيث يجب أن يكون النقد بعيدا عن الإساءة للآخرين بالألفاظ الخارجة عن الأدب، فيوجه النقد للفكرة دون إيذاء المخالفين في الرأي حتى وإن كانوا مخطئين. 

نجح الجيوسي في دمج المناهج الثلاثة التي تشكل المنظومة الحداثية في النقد المعاصر وهي: 

أ-المنهج البنيوي: له أثره في النصف الأول من القرن العشرين ومن أشهر رواده العالم اللغوي دو سوسور الذي ميّز بين الكلام الذي يعتبره عملا يعتبر عملا فرديا، ودعا المنهج البنيوي إلى الاهتمام بالتصميم الداخلي للنص الأدبي. 

ب-المنهج الأسلوبي: اعتمده شارل بالي والذي يعد أول مؤسس للأسلوبية، فقد ركز المنهج على المظهر العاطفي وجمالية النص والظواهر اللغوية والبلاغية في النص. 


ج-المنهج السيميولوجي: 

وهو العلامة اللغوية فوضع سوسور الخواص الأساسية للعلامة اللغوية أو الرموز وحصر هذا العلم في دراسة العلامات في دلالاتها الاجتماعية. 

نظرا لضخامة الكتاب فيمكن أن أضع بين أيديكم بعض النماذج المختارة في نقد الجيوسي في كتابه: 


النص الأول: فراشة - أحلام بشارات  

أخذ على الكاتبة التحيّز (كونها خصصت الرواية للفتيان دون الفتيات)، وأشاد بالعامل النفسي للكاتبة (أسئلة بعمر المراهق)  

قدّم الجيوسي نصحا قيما بأن يكون توضيح المفردات في الهامش السفلي للصفحة ليسهل الوصول إليها كي لا ينقطع حبل أفكاره. 


النص الثاني: يافا أم الغريب – أسماء ناصر أبو عياش  

   يشكر الجيوسي الكاتبة؛ لأنها استطاعت من خلال يافا أم الغريب أن تستحثّ الذاكرة فيستحضر هو   شخصيا مشاهد يافا من جديد؛ فيتجدد الحلم. 


النص الثالث: رواية الحب والحرب والرصاصة 666 – تفاحة بطارسة  

   تظهر ثقافته المتنوعة من جديد فيما يتعلق بالدلالات التي استنبطها من العنوان والمتعلقة بالوحش الوارد في كتاب العهد الجديد. 

وركز على الصيغة الخطابية التي كانت تظهر بالسرد موجها نقده وفقا للمنهج الأسلوبي بأنه كان من الأفضل على الكاتبة لو خففت من تلك الصيغة الخطابية. 

وقد حمد الجيوسي للروائية بطارسة خوضها الكتابة في موضوع الحرب كونها تعيش في بلد ينعم بالأمن، شاكرا لها إحساسها العروبي ومشاركة العرب ألمهم. 


النص الرابع: مسرحية قناع السموأل 

وجدتُ في الجيوسي الناقد إنسانا لا يخفي عنا ما يحدث خلف كواليس النقد أو ما قبل النقد فيجعلنا شركاء معه في الحكم. 

نستمتع بالكم الهائل من المعلومات التي أثرانا بها الجيوسي والتي يسردها بشكل ماتع وجاذب. 

وقد لخصّ الجيوسي المسرحية بشكل متقن معلقا أنها كانت قراءة تاريخية ناجحة لتلك الفترة الزمنية فترة الانتداب البريطاني في فلسطين. 


النص الخامس: كلام غير مباح – ميسون الأسدي. 

مجموعة تضم عشرين قصة تبحث في بعض القضايا بجرأة كالحب الكافر وهو زواج بين أديان مختلفة. 

أشاد حينا وعرض رأيه المخالف حينا برصانة و أدب جم، فلم يكن افتتانه بأسلوب الكاتبة سببا في مجاملتها بل قدّم ملاحظاته الفنية و التي كانت من وجهة نظري صحيحة فيها تجويد للعمل و الارتقاء به. 


خاتمة: 

لقد تنوعّت اختيارات الجيوسي من حيث جنس الكاتب فكان موضوعيا .. وكان لبق الحرف فلم يتجاوز في لغته ...في هذا العمل النقدي الضخم الذي يعتبر مشروعا أدبيا رعى فيه الأدب بمجالاته و اهتم بالتفاصيل التي من شأنها أن تقدم قيم مضافة إلى الأعمال موضوع الاختيار .. هنيئا لأديبنا زياد جيوسي و هنيئا لمن كان لهم الحظ في الاختيار النقدي  

على أمل إنتاج مشاريع نقدية في المستقبل القريب لتجويد الأدب و تحسين معايير الكتابة في كافة المجالات  


 *دكتور نقد في جامعة البتراء/ عمَّان 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق