مع رواية "دائرة وثلاث سيقان" لخالد علي

بقلم : شاكر فريد حسن ـ

كان قد وصلني قبل فترة من الزمن من الأخ الكاتب خالد علي، ابن بلدة كفر ياسيف، روايته الأخيرة " دائرة وثلاث سيقان "، الصادرة عن دار الشروق والتوزيع في عمان، ووقعت في 166 صفحة من الحجم المتوسط والورق الأصفر الصقيل، وجاءت بطباعة أنيقة، ويهديها إلى سكان الرواية الأحياء منهم والأموات.

وخالد علي هو من كتابنا المحليين المميزين في عالم القصة القصيرة والطويلة/ الرواية، وما يميزه أنه يمتلك ثقافة إنسانية وفكرًا منفتحًا على الآخر، لكنه من الكتاب المهمشين والمغيبين والمغمورين في المشهد الأدبي الثقافي المحلي، لا يجيد تسويق نفسه، ولم يأخذ حقه من الاهتمام النقدي والاعلامي.

وتأتي هذه الرواية بعد إصداراته القصصية والروائية والأدبية " ذات الانفاس، سبيل الطاسات، مذكرات الأمير، ومدينة الرواية ".

وتمتاز تجربة خالد علي الإبداعية بجمالية السرد، بما فيها من أوصاف وتصوير وتشويق، وشفافية الرمز، وغنى الإيحاءات، وعمق الدلالات والأبعاد الإنسانية.

تكتسب رواية خالد علي الجديدة " دائرة وثلاث سيقان " زخمًا وعفوية بمضمونها وواقعيتها وشخصياتها. فما أن يبدأ القارئ بقراءة صفحاتها الأولى ويتعرف على فكرتها وتفصيلاتها يجد نفسه مشدودًا لمتابعة أحداثها وقراءتها بشغف ومتعة.

وفي الرواية نعيش أحداثًا حقيقية، بوعينا وإحساسنا ومشاعرنا، ونقترب من الواقع المأساوي المر، إذ أن خالد يوفر أحداثًا واقعية ومنطقية.

تحكي الرواية عن النكبة وآثارها السلبية وثقلها على نفسية الطفل موازيًا لثقل صخرة على خوخة، ويتكسر شيء في أعماقه، ويحدث أول تشقق في الأعمدة التي تقوم عليها طفولته، التي كانت تعيش وسط حدائق خضراء، وايامها أيام عيد، وحين كان يلهو في عالم متعدد الألوان تجيء ريح صرصر وتعبث بالوردات. وكلما زاد الثقل على الخوخة، اصلب عودها، ويعرف اكثر السير على الطريق من تحت الثقل.

وتجيء النكبة الأخرى، ويجيء الشلل كعدو إرهابي ليستبدّ، ويغرز مخالبه، وتتم الحلقة من حوله، وتصفعه الحياة، لكنه لم ينكسر، ويبقى واقفًا بكل نبل أمام تيار الزمن. وفي النهاية ونتيجة كثرة التجارب التي مرّ بها، والدروس التي اكتسبها، تصبح الخوخة فوق الشجرة.

ونلاحظ اللغة الروائية تتحرك بتجاه وظيفتها، ونجده ينجح في رسم وتصوير شخصياته، يحاكيها ويحاججها ويتحداها. وأجاد وصف المكان والزمان لشخصياته وأزماتهم داخل الرواية.

ويستخدم خالد علي لغة بسيطة واضحة بعيدة عن التكلف والفذلكة التي تنتشر في الكثير من الاعمال الروائية، ورغم البساطة لم تخلُ الرواية من ومضات وصور شعرية وأدبية بلاغية بديعة.

إنها رواية ممتعة بجمالية السرد، وواقعية الشخوص، والصياغة المتماسكة، وأحسست بتقاطعها مع روايات أخرى تناولت وعالجت النكبة بكل ما تمثله مأساة وتراجيديا متواصلة، ومتسمة بحبكة جيدة، وسرد مشوق واسلوب سردي بالغ الجمال، ومقاربة واقعية لأحداث الرواية وطريقة رسم الشخوص.

وأخيرًا أننا أمام عمل روائي يلتزم الضوابط الفنية الشكلية المعروفة، وأسلوبه السردي الذي يكتب به يدل على مقدرة فنية، وبراعة في التعامل الفني مع الشروط والأساليب التقنية الحديثة للرواية المعاصرة.

فألف تحية للأخ الكاتب خالد علي، وأحيي جهوده ومثابرته في مجال الكتابة القصصية والروائية، متمنيًا له مزيدًا من التقدم والنجاح والعطاء.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق