كتاب الشاعر شوقي مسلماني "لكلّ مسافة سكّان أصليون": نصوص تقبض على المخفي من الذات

 


كتب سامي نيّال ـ

قراءة نصوص الشاعر شوقي مسلماني تفضي إلى قراءة مغايرة وواعية عن دافعها اللغوي، وكأن بالشعر هنا يصبح حالة تماهٍ تتماشى مع ظروف كتابةِ النصّ بأساليب وأدوات وحده الشاعر المتمرّس يدرك دلالة لعبةِ النصّ، فالشعر هنا يتفرّد بأدوات تعبيره الخاصّة التي توسم النصّ بدلالة وحيدة وهي صلة الوصل مع عالم تسكنه مفردات خاصّة ينحى بها الشاعر صوب فضاءاتٍ خاصّة وفريدة تسلّط الضوء على الدفين من المفردات، وبعد ذلك تلعب المفردات ذاتها تقنية تعريةِ النصّ من أدواته وصيغِه الدخيلة، والتي يحاول الشاعر معها حياكة عالمٍ بديل لمسافة تسكن دوماً في متن النصّ.

قصائد الشاعر مسلماني تنتمي إلى قسمين: القسمُ الأول هو الشكل الكتابي الذي يسلك معه سلاسةً في الشكل ليصلَ في مضمون القصيدة إلى لمعات شعرية يفضي الشاعر من مخزونه بمفردات تمت بصلة إلى واقعه المتشظّي فيحاول بالشعر رتق الهوّة من لغة لا تأبى أن تسلطَ الضوء َعلى العامّي من الحياة، يحوك الشاعر قصيدته بدراية تامّة لأدواتٍ خبرَها جيّداً، ولا عجبَ إن وظّفها بخيار تقني يدرك معها دلالة النصّ، وما يمكن معه ان يحرّضَ المتلقي لمتابعة مغزى كتابة تتفرّد من مخزون لغتها الخاصّة. 

القسم الثاني، المعنى ـ المضمون، فقصيدة شوقي مسلماني تحمل الكثير َمن قلق البحث عن الحريّة، وهو لا يوفّر فرصةً لتوكيد شغفه، من خلال نصٍ شعري تصبّ أدواته في دلالة المضمون لما هو حقيقي، ونابع من قلق لإيجاد مضامينَ جديدة يحاول معها أن يوظّفها في خانة المضمون والضمني من النصّ، فالمفردة عند الشاعر هي وليدة وظيفتِها، تتّسع رويداً رويداً، لتغدقَ على النصّ شراكة ً وجودية. وحده الشاعر هنا يزيح العتمة ليأتي النصّ جليّاً بمضمون مفرداتِه، وهو يقول: "يغيب فيحضر \ ويحضر فيغيب \ نتحاور من عالمين \ قريبين وبعيدين \ كلّه كلّي".

ثمة قلق حادّ يعيشه الشاعر من خلال تسليطِ الضوء في مجموعته التي تسائل الأمكنة َوالذات، وهو تصادم كان قد عاشه الشاعر في غربة، كان قد خبر ذلك وحده، ولكن تبقى كتابة الشعري هي حالة روحانية، وكأن بها  يحاول صياغة وحدته بمفرداته الخاصة، فيكون الشعر نافذة مفتوحة على الآتي من معاني كان قد استبدلها بمخزون مسافات المكان وأزمنتِه المتناثرة، وهو يقول: "بلاد \ هنا وليست هنا \ لم يكن من يستدرك \ لا شلالات فضّة \ لا طيور ولو عابرة \ لا شامة على خدّ وردة.. \ الخطأ يتأكد يومياًّ". 

بكلمة موجزة يمكن القول أن ديوان شوقي مسلماني "لكلّ مسافة سكّان أصليون" الصادر عن دار الغاوون في بيروت كتابته شعرية مغايرة حاول الشاعر إيجادَ أمكنة لساكنين أوائل كانوا قد دخلوا عصبَ النصّ بعد أن تمّت إبادتهم، وتأكيد لرحيل جماعة كانت يوماً تسكن هضاباً هي وطن أو ما شابه. نصّ مسلماني اذ يشى إنما يشي برحيل الذات في فضاءاتها المتعاقبة، ووحده الشعر جاء هنا ليؤكد َ بقاءه، ولو بذاكرة مثقوبة حاول كما يقول الشاعر أن يجمع بعض ما تناثر أو بقي منها في نصّ فريد يمتلك أدواته ومفاتيحه وأسراره. 

وهنا أوّل سبع ورقات من المجموعة: 1 ـ "طبعُها سمّ \ عقاربُ الساعة. 2 ـ الوجه \ ملائم جدّاً \ لمشهدِ الجراد. 3 ـ تغطّي وجه الشمس؟ \ لا تريد أن ترى الشمس؟  \ كيف سترى؟ \ إذا لا تريد أن تراها \ أنا أيضاً لا أريد أن أراك \ رأسُك دمّلة؟ \ رأسي أيضاً دمّلة. 4 ـ  معارك دامية \ على طولِ جبهاتِ الخطأ. 5 ـ ما تشاء قلْ \ متى ما تشاء وأين ما تشاء \ هو مجرّد فأر  \ الطريقُ سالكة وآمنة \ قلْ أنّك أخذتَ الله من يدِه نحو زاوية \ أنّك استشرتَه فابتسمَ وباركَ مسعاك \ قلْ هذه الحرائق هي من حفلِ شواء \ هذا الثقب في الصدغ مسرب الأوكسجين \ يدك قويّة، عينك عين نسِر.. \ وتريد أن تكسر كلّ مَنْ لا يريد أن ينكسر. 6 ـ أحمال وعمّال هُنا وهناك \ ارتزاق بمذاق وهمجيّة بعسل.. \ الأكثريّة ما يفضحها \ كأنّ شيئاً لم يكن \ الدليل على جريمةِ الناب أنّه ناب  \ والدليل على براءةِ الناب أنّه أيضاً ناب \ البصر ـ البصيرة. 7 ـ  لحمٌ \ يمزِّق لحماً \ حجرٌ \ يُطارد حجراً.. \ تعوم آمناً \ بين فكّيّ القرش؟. 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق