حين تتعرى جهات عباس علي مراد

 


   من عادتي، حين يصلني كتاب، أن أقرأ ما كتب على الجهة الثانية من الغلاف، وإذا بي أتفاجأ بهذ العبارة اللاهوتية عن الحب: "في البدء كان الحب وسيبقى"، المأخوذة فكرتها من الإنجيل المقدس: "في البدء كان الكلمة"، وهذا ما يدل على ثقافة إنسانية واسعة.

   "حين تتعرى الجهات" هو المولود الأدبي الجديد للشاعر المهجري الصديق عباس علي مراد، مؤلف من 114 صفحة من القطع الوسط، وقد صمم غلافه الفنان علي سهيل مراد.

   الإهداء كان لاهوتياً أيضاً: "العزيز شربل.. صداقتنا راسخة في أرض العطاء"، أي الأرض المقدسة التي تجمع الناس، على اختلاف معتقداتهم، وألوانهم، على بيدر عطائها، لتطعم الجياع الى المحبة.

   يحتوي الكتاب على 50 قصيدة، ودّعها الشاعر بقصيدة "عيترون" البلدة التي أنجبته وأهدته الى الكلمة. فمن هي عيترون بنظر ابنها:

عيترون

الساكنة في تضاريس المجد

   لم يقل في سهول المجد، بل في تضاريسه، لأن من الصعب جداً أن يرتقي المجد من ليس أهلاً له.

   ومخافة ان تضيع خيرات عيترون، نرى عبّاس وقد سيجها بالهضاب، كي لا يصلها إلا من حرثها وسهر عليها:

هضاب سيجت خيراتك

كروم التين، العنب والصبّار

وزيتون يروي تاريخ الأحرار

   لقد أنطق عباس مراد زيتون بلدته، ليخبرنا عن تضحيات شهداء البلدة، الذين سقوا بالدم ترابها، ولهذا بقي:

صامداً شامخاً متجدداً

رفيق الأجيال

مغروس في الأرض كما في البال

 

  قصائد الكتاب كلها من الشعر الحر المنفلت على هواه، إلا هذين البيتين الموزونين تقريباً، واللذين يتمتعان بقافية واحدة "الأجيال والبال" وهذا يثبت لنا أن بمقدور عبّاس لو أراد أن يكتب شعر التفعيلة، ومن يدري فقد يفاجأنا في يوم ما بقصائد موزونة. كيف لا وقد كتب من قبل:

كروم التين، العنب والصبّار

وزيتون يروي تاريخ الأحرار

   وكمهاجر مغلوب على أمره، ينام باكياً، ويستيقظ باكياً لا بالدمع بل بالشعر، إذا أن الحب لمسقط رأسه، قوي وقاتل، تماماً كما الحنين وأكثر:

عيترون..

لك كل الحب

وأكثر بكثير من الحنين 

   ولك يا صديق غربتي عباس علي مراد كل الحب، وألف مبروك كتابك الجديد وعقبى لغيره بإذن الله.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق