قراءة الروائي الأديب والباحث الدكتور عمر سعيد في لوحة الرسّام شوقي دلال لمغارة القديس شربل في بقاعكفرا لبنان


من وحي مغارة القديس الحبيب مار شربل - بقاع كفرا- لبنان بريشة المبدع البقاعي شوقي دلال. 


من قال إن الطين لا يضيء؟

من قال إن الفقر لا ينير؟! 

من قال إن الحب لا يشعل الروح بخورًا، يفتح الدرب على الله؟! 

لا أظن أن شوقي دلال قد رسم. وكلي يقين أن مار شربل قد أضاء الكهف في عيون القادمين وجواهرهم. 

ليست رمزية، ولا روحانيات من أي مبدع. بل إنها منافذ الحب إلى الأحبة. 

كان لا بد لآدم أن يعود من حيث طرد. وكان لا بد لعودته من أن تكون على أيدي مؤمنين تألهوا بأرواحهم وسلامهم وإيمانهم. 

والتألّه ليس كفرًا، بل اتساعًا في الإيمان. فإذا تركنا الماء يروي شجرًا، فلا بد للشجر من أن يتسع طولاً وحياة.  فكيف بالإنسان الذي ظل يتقي ويصلي ويحب ويسلم ويرضى ويرحم ويعطي ويبني إنسانه إلى أن مات؟! 

أفلا يتأله، ويتسع إيمانًا، ليصبح سماء تملأ غارًا؟

كنت قد ذكرت في منشور عن مار شربل بعد أن وضعت أيقونته في الفاتيكان، "بأنه وصل إلى الفاتيكان عن طريق السماء". 

خرج من بيت الأسرة حافيًا، بثوب لا يقيه مداهمات الصيف ولا الشتاء، بلا رغيف، ولا ماء، بلا طريق، ومشى. 

مشى ليس لأجل أن يرجع بحذاء، ولا لأجل أن يعود بملابس. 

خرج لأجل أن يعود إلى الناس بباب إلى السماء. 

باب إذا طرقناه يفتح على الله، فنعطى ونجاب. 

لاشيء في غاره سوى الضوء، واستدارة الصخر الذي لا يحجب الصوت عن الله. 

لا شيء في صدره من شهوات وأماني. فقط أضلع خلفها قلب يضخ الدم لطين يحيا لأجل الله والإنسان. 

أتخيله كم بكى، ليس لأنه لم يعطَ، بل لأنه عجز عن الشكر والامتنان. 

أراه كم أقام الليل صامتًا، ليس لعجز عن الكلام، بل إصغاء لصوت الله فيه. 

وأراه وهو يرتقي، كيف تأدب وكم تأدب ليغدو الطين مزارًا، يُصعِّد حاجاتنا إلى السماء. 

أنا لا أحبه.. بل هو من يحبني، ويزورني، ويناديني من وقت لآخر أن تعال فقد اشتقت إليك. 

وكذا هو الحب، ينادي المقصرين، ويطارد الهاربين لئلا يتيهوا، لئلا يفنوا في العدم. 

لذا أكفّر عن عجزي برسالة من حب واعتذار. 

وأحبّك مار شربل. ليس لأنك أعطيتني، بل لأنك علمتني أن الحب هو الله، هو الإنسان، هو الإيمان، هو الحياة. 

شكرًا شوقي دلال.




CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق