في استقبال العام الجديد 2012 وأعياد الميلاد المجيدة، افتتحَ نادي حاملات الطيب في الناصرة بازارًا خيريًّا، وذلك بتاريخ 24-11-2011 في القاعة المُحاذية لكنيسة البشارة الأرثوذكسيّة في الناصرة، وقد حضر الافتتاح عددٌ كبيرٌ من ممثلي الطائفة الأرثوذكسية وأبنائها، لدعم نشاطات نادي حاملات الطيب النصراويّ، والذي سيستمر حتى آخر شهر نوفمبر.
افتتحت البازار الخيريّ السّيّدة مارتيكا حاج أمّ مازن رئيسة نادي حاملات الطيب في الناصرة وقد جاء في كلمتها:
"المجدُ لله في العُلا وعلى الأرض السّلام وفي الناس المسرّة"/ "اليوم تلد العذراء الفائق الجوهر، فتقدّمُ الأرض المغارة للذي لا يُدنى منه، والملائكة يُمجّدونه مع الرّعاة، والمجوس يسيرون مع النجم"
سيادة المطران كرياكوس كليّ الوقار/ قدس الآباء الأجلاء/
ممثلي مجلس الطائفة الأرثوذكسيّة المحترمين/ وأيّها الحضور الكريم
أرحّبُ بكم باسم جمعيّة حاملات الطيب الأرثوذكسيّة في هذا البازار الخيريّ، الذي نواظبُ على إقامتِهِ كلّ سنةٍ بالتعاون مع مجلس الطائفة الأرثوذكسيّةِ، فجمعيّة حاملات الطيب النصراويّة جمعيّة قامت على أساس تقديم يد العون والمساعدة للمحتاجين من أبناء طائفتنا خاصّة، وأبناء مدينتنا عامّة، علّنا نُساهمُ ولو قليلاً بتطوير مدينتنا ورُقيّها.
مرّة أخرى نرحّب بكم ونشكر حضوركم، آملاتٍ أن يلقى بازارنا استحسانَكم، إذ حاولنا أن نوفّرَ فيهِ مستلزماتٍ تجمعُ بين الجودة العالية والسّعر المقبول، فنرجو أن يحظى بدعمكم وأهلاً وسهلاً بكم.
وفي لقاء مع السّيّدة مارتيكا حاج رئيسة نادي حاملات الطيب في الناصرة، من مواليد الناصرة 1933، والتي واكبت النكبة بكلّ معاناتها، تحدّثت لنا عن طفولتها، وعن عائلتها التي تمتعت بالملاكِ والأراضي في مرج ابن عامر، وكانت الأسرة قد سخّرت كلّ أموالها من أجل تسجيل الأراض باسم العائلة، وحين كانت تحلم بأن تفرجها أراضيها الزراعيّة بالغلال والمحاصيل، كان خنجرُ الكابوس أقرب من الحلم وأسرع وامضى، فقد حطّ الاحتلالُ يدَهُ على كلّ أملاك الأسرة، شانها شأن القرى الفلسطينيّة التي هُجّرت، وشأن أهاليها الذين حُرموا بيوتهم وأراضيهم على مرأى ومسمع منهم باسم الاحتلال والقوّة!
لم يتبقّ للأسرة إلاّ البيت الذي تقطنه، وانقلب عليها الحالُ مِن الثراء إلى الفقر، وكانت حينها الطفلة مارتيكا حينها في الصّفّ التاسع، ولكن المدارس أغلقت عند الاحتلال، وتوقفت عن الدّراسة ومِن ثم تزوّجت، ولكنها لم تنقطع عن الكتاب، بل تابعت تثقّف نفسَها بنفسها من خلال الكتابة والمطالعة، وهذا الجانب ولّد لديها الحسّ بالغيرة على أبناء بلادها مهضومي الحقوق، ولم تتوانَ عن تقديم مساعداتٍ خفيّة وجليّةٍ في مجتمعها القريب منها.
ومن ثمّ أوردت لنا نبذة قصيرة عن حاملات الطيب الأرثوذكسيّة النصراويّة فقالت:
تأسّست الجمعيّة في سنة 1999، حيث أتت مجموعة سيّدات من حاملات الطيب المقدسيّة برئاسة السيدة نورا القرط، وقمن باختيار أربع سيّدات نصراويّات، ومع الوقت وبفضل جهود السيدات ودعم مجلس الطائفة الأرثوذكسيّة كبرت الجمعيّة، لتضمّ أكثر من مائة سيدة.
تتميّز الجمعية بقِيم المحبة والتآخي والتعاون وإغاثة الملهوف، ومن أهدافها القيام بفعاليات اجتماعيّة ثقافيّة دينيّة وخيريّة، بمبادرة وتطوع المنتسبات لمنفعة أبناء الطائفة الأرثوذكسيّة خاصّة، وأبناء الناصرة عامّة.
تجتمع الجمعيُة بشكل أسبوعيّ في مقرّها الذي قدّمه لها مجلس الطائفة الأرثوذكسيّة، وله جزيل الشكر .
تجمع الجمعيّة مبلغًا رسميًّا وقدرُهُ مائة شاقل سنويًّا كرسوم عضويّة، إلاّ أنّ أبواب الجمعيّة مفتوحة لكلّ سيدة من الطائفة الأرثوذكسيّة، ترى في نفسها القدرة على العمل والتطوّع والعطاء، حتى لو حالت ظروفها الماديّة دون إمكانيّة تسديد رسوم الاشتراك.
تُبادر الجمعيّة إلى فعاليّات جماهيريّة عديدة أهمّها البازار الخيريّ السّنويّ، الذي يُقام قبيل حلول عيد الميلاد المجيد، والذي يُرصد ريعُهُ إلى العائلات المحتاجة.
يَعرض البازار أشغال يدويّة، أطباق حلوى ومراييل مطبخ، كلّها من إنتاج سيّدات الجمعيّة، تُباع هذه المنتوجات بأسعار رمزيّة، وهذا كلّه من فضل سيّدات الجمعيّة.
كما أن النشاط والإنتاج المتواصلين لعضوات الجمعيّة قد ساعدنا على فتح حانوت متواضع، يُباع به ثياب ولوازم منزليّة بأسعار رمزيّة، يُرصد ريعُه لنفس الهدف.
من النشاطات الدّوريّة للجمعيّة محاضرات تثقيفيّة، رحلات إلى أنحاء مختلفة في البلاد، زيارات للمرضى وللعجزة، بالإضافة إلى برامج ترفيهيّة.
في شباط من العام 2006 توّجت الجمعيّة فعاليّاتها ونشاطاتها بافتتاح فرع لحاملات الطيب في قرية الرّامة، حيث قامت مجموعة من حاملات الطيب النصراويّة بمشاركة تجربتهنّ وخبرتهنّ مع النساء في الرّامة، وتقديم العون والإرشاد للنهوض بفرع جديد للجمعيّة في القرية، وقد نجح بعون الله، وهو أيضًا يقوم بالنشاطات والأعمال الخيريّة لمساعدة أبناء القرية، ونَصبو إلى افتتاح المزيد من الفروع في أماكن مختلفة بنجاح، وقد صار لنا اتحاد نوادي حاملات الطيب الجليليّ، يضمّ كفرياسيف، أبو سنان، البقيعة، البعنة، الرامة، عكّا، حيفا، عبلين، كفر سميع، البقيعة، الرينة، كفركنا. وهذا كله بفضل من الله تعالى .
في جمعيّتنا عضوات دائمات، ولكن إلى جانب العمل والتضحية الذي تلقاه الجمعيّة من عضواتها، فإنّها تحظى أيضًا بدعم ومؤازرة نساء الطائفة عمومًا، اللواتي يُظهرن روح النخوة ويهرعن إلى المساعدة كلّما طلبنا منهنّ ذلك، فلهنّ جزيل الشكر والعرفان، ولا ننسى مجلسنا الملّي الأرثوذكسيّ الذي يقف إلى جانبنا خيرَ معين، فله أيضًا شكرنا وامتناننا.
وفي جولة في البازار الذي احتلّ مساحة في قاعة كبيرة للطائفة الارثوذكسيّة، كانت عدة زوايا، وكلّ زاوية فيها مجموعة من النساء المسؤولات عن توظيبها وتسويقها، زاوية خاصة بإحياء ذكرى القديسة بربارة، زاوية خاصة بزينة عيد الميلاد، زاوية للمطبخ وادواته، زاوية للمشروبات، زاوية للحلويات، للمأكولات والمعجنات، زاوية للمخللات البيتية، وزوايا أخرى عديدة.
وقد لفت انتباهي زاوية التطريز الفلسطينيّ المعروضة بشكلٍ فنّيّ جميلٍ وجذّاب رائع، والتّطريز هو أحد المشغولات اليدويّة الفلسطينيّة المُحبّبة إلى قلبي ذوقا وهواية أمارسها.
وفي لقاء مع الفنانة سهيلة اسكندر جبور القائمة على هذه الزاوية، أخبرتنا أنّها من مواليد الناصرة 1939، وهي إحدى عضوات النادي الفعّالات، والتي تجد في نادي حاملات الطيب منفسًا لإبداعاتها في التطريز الفلسطيني، إذ تمتعت بهواية التطريز منذ طفولتها، وتخصّصت به مدى حياتها، وقد مارست هذا النوع من التطريز الفلاّحيّ الفلسطينيّ خلالّ ساعات النهار واللّيالي الشتوية، ودمجتها أيضًا في مجال الخياطة، ولا زالت تدأب على العمل به وإنجازه بإتقانٍ فقالت:
التطريز الفلسطينيّ توفرت فيهِ خصائصُ تتلاءمُ مع البيئة الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ في المجتمع الفلسطينيّ بشكل خاصّ، ويُعدُّ فنًّا من الفنون الشعبيّةِ التراثيّةِ الحِرفيّةِ الرّائعة، والتي اهتمّت به المرأة الفلسطينيّة وتباهت بقدراتِها في إنجازه، كي تُزيّن به جنباتِ المنزل، ولتضفي عليه نوعًا من الذوق والجَمال الأخّاذ، وكي تستخدمَهُ في تزيين ثيابها وخاصّة جهاز العروس؛ مِن المنديل إلى غرف الضّيوفِ والنّوم.
لقد تحول التطريز الفلسطينيّ إلى حرفةٍ ومصدر رزق لفئةٍ كبيرة من النساء في فلسطين، إذ لا تتطلّبُ هذه الحرفة مُعدّاتٍ خاصة ومُعقدة، ولا تلتزمُ بمكان أو زمان، بل بإمكان المرأة أن تُنجزه في كلّ حين وكلّ مكان، لذا تعدّدت استخدامات هذه الحرفة في الحياة اليوميّة، وتطوّر هذا التطريز بالابتكار الخلاّق المُتجدّد بنماذج جديدة ذات قِيم جماليّةٍ عالية، لأنّه يُشكّلُ لوطننا ذكرياتٍ قديمة، ويُعيدُنا إلى أصولنا وتراثنا بتفنّن وتجديد وتحديث، فنصنع قطعًا فنّيّة كثيرة: منها صواني، شالات، قُرَن، وسائد، شراشف طاولة وشراشف أسرّة، لوحات وبراويز، فساتين فلسطينيّة مطرزة وجزادين وحقائب.
استخدمت في التطريز الفلسطينيّ الرّسومات والخيطان الملوّنة، إذ يحتاجُ هذا الفن إلى رسومات وجورنالات مرسومة، وقد استطاعت الحصولَ عليها من دول أوروبيّة، حيث تُقدّرُ هذا الفن وتهتمّ به وتتذوّقه، رغمَ أنّه باهظ، ورغمَ التطوّر الحضاريّ والصّناعيّ في حياتنا المعاصرة.
السيّدة سهيلة اكتسبت هذا الفنّ وورثته مِن والدتها كسائر الأمّهات اللّواتي حرصن على توريثه لبناتهن في سنّ مبكرة، ومن أجيال بعد أجيال، عبْرَ غرزات الإبرة والخيطان الحريريّة، وجعلنَ يرسمن القرية وأجواءَها ومناسباتها، فعبقت الأجواءُ التراثيّة والاجتماعيّة بهذا التطريز التقليديّ، الذي كان شغلها الشاغل الحفاظ عليه كفنٍّ تراثيّ.
كان لكلّ منطقة ولكلّ قرية فلسطينيّة مميّزات خاصّة في الرّسومات والوحدات التطريزيّة وطرق تنسيقها، وهذه المميّزات صارت تعتبر الهُويّة لكلّ قرية وأخرى، ولكن مع الوقت خضع هذا الفنّ للابتكار المُتجدّد، في أنماطِ رسوماته وأنواعه التطريزيّة وتغييراته مع مرور الزمن، وبدأت تأخذ الطابع الهندسيّ في المقام الأوّل في القرن التاسع عشر، وفي الرُّبع الأوّل من القرن العشرين، بعدما بدأت تتسرّبُ إلينا من الغرب رسوماتُ أزهار وعصافير وحيوانات، وفي الثلاثينيّات ظهرت مؤثّراتٌ جديدة على التطريز التقليديّ، وكذلك في الأسواق الفلسطينيّة، بعدما صارت تصلنا خيطان مُصنّعة في أوروبا، وكُتيّباتٌ مرسومة وجورنالات تطريز ملوّنة من الغرب، وبانَ هذا جليًّا في الخمسينيّات وصاعدا.
عملت السيدة سهيلة كمُدرّسة لتصميم الأزياء السّتّاتي في مدرسة عَمال النّصراويّة مدّة 33 سنة، أي تصميم أزياء شامل؛ عرائسي، بيتين عملي وللأطفال، وقد استطاعت أن تدمجَ بين تصميم الأزياء والتطريز الفلاحي بلمساتٍ يدويّة جميلة، إذ ظهرت هناك تطريزاتٌ صناعيّة جاهزة، لا تحتاجُ إلى جهدٍ ووقتٍ مثل التطريز اليدويّ.
هذه الإبداعات من التطريز الفلاحيّ للسيّدة سهيلة تُعرض فقط من خلال بازار نادي حاملات الطيب النصراوي، وهي الوحيدة بين أعضاء النادي التي تعمل في هذا المجال، رغم أنّ معظمهنّ يُجايلنها وقد عملن بهِ، ولكن أعمارُهن لا تسمحُ بمزيد من العمل في مجال التطريز، لأنه عملٌ مُضنٍ ويحتاجُ إلى جهد وتعب ونظر جيّد.
واتساءلُ بحرقة: هل هذا الفنّ التراثيّ الذي ظلّ صامدًا في وجه العصرنة يمكن أن ينكسرَ أو يندثر يومًا؟
وكيف لنا أن نحمي موروثاتنا التراثيّة؟
وهل يكون للسّلطة الفلسطينيّة دورٌ فعّال للإخوة الأهل في شقّها الجليليّ الأخضر، بعدما حصلت على كاملِ عضويّتها رسميًّا في اليونيسكو، والتي تتعامل بالتربية والثقافة والعلم، وحماية التراث الثقافي والطبيعي وغير المادّيّ، وتسعى إلى التنوّع الثقافيّ؟
0 comments:
إرسال تعليق