كتب / مجدي جعفر
.................................................................
تحلق أدباء المنتدى حول التجربة الإبداعية للكاتبة القديرة أميمة عز الدين، وقدم الشاعر إبراهيم حامد رئيس مجلس الإدارة اللقاء مرحبا بالكاتبة وأثنى على مؤلفاتها التي لاقت حفاوة طيبة من القراء والنقاد على السواء، وأشاد بروايتها ( الحرير المخملي ) والتي عولجت دراميا، وتم بثها للمشاهدين عبر العديد من قنوات التلفزيون المصري في ( 60 ) حلقة كجزء أول، وهنأها على فوزها بجائزة الطيب صالح في القصة القصيرة، وأدار الندوة الكاتب والناقد العربي عبدالوهاب، وذكر بعض أعمال الكاتبة :
من مؤلفاتها الروائية : الحرير المخملي، نصف ساعة بالممر، الكاتبة.
ومن مؤلفاتها القصصية : ليلة الوداع الأخيرة، طرقات المحبة، يحلم بالموت.
وصدر لها أيضا ديوان شعر بعنوان ( موت هادئ ).
وفي مجال أدب الطفل صدر لها : الأسوار البيضاء، أحلام مريم، سلسلة سارة، أصابع زينب، ظل أخي، الملعقة الطائرة، أنفي كبير، شعر أحمر مجعد ( الفائز بجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2016م )، ألعاب فتونة، الحقيبة العجيبة ( القائمة الطويلة جائزة الشيخ زايد الدولية 2016م ، القائمة القصيرة جائزة اتصالات 2016م )، هل كان حلما ( القائمة الطويلة جائزة الشيخ زايد الدولية 2019م )، سلسلة عبدالله وآيات القرآن.
.........................................................
تجربة أميمة عز الدين فى الكتابة :
وعن تجربتها في الكتابة قالت الكاتبة أميمة عز الدين:
الكتابة أعتبرها فعل مقاومة حتى اتمكن من الحياة والتفاعل مع معطياتها وتقلباتها وقسوتها أحيانا ..ربما ما نتعرض له من صعاب وفخاخ وهزاىم تجعلنا نشعر بالضعف والعجز..لذا اعتبرت أن الكتابة بالنسبة لى حياة أخرى جديرة بالاهتمام والالتفات إليها
بدأت الكتابة بخاطرة بسيطة للغاية وساذجة ؛كنت اعتبرها قصة قصيرة حينها وكنت لم اتجاوز العشرين وألقيتها فى ندوة جريدة المساء التى يقيمها الكاتب الكبير محمد جبريل الذى نبهنى إلى أن تلك الخاطرة لا تصلح لأن تنتمى لفن القصة القصيرة وعلىّ القراءة ثم القراءة حتى يمكننى التعبير جيدا عما يجول بخاطرى.
وبالفعل قرأت كثيرا حتى كتبت أول قصة قصيرة بعنوان ( المطارد ) وأرسلتها على الفور للكاتب الكبير محمد جبريل الذى نشرها بالمساء الأسبوعى وتوالت القصص القصيرة حتى توقفت سنوات وعدت مرة أخرى من خلال رواية ( الحرير المخملى ) ٢٠٠٧ عن دار الحضارة بالقاهرة ثم تبعتها رواية ( نصف ساعة بالممر ) عن نفس الدار وهنا اسجل امتنانى الشديد للكاتب الكبير محمد جبريل الذى قرأ الحرير المخملى وكتب مقدمة عنها وأيضا ممتنة للناشر المصرى إلهامى بولس الذى تبنى نشر روايتى الحرير المخملى بينما كنت أتخبط بالبحث عن دار نشر ..ثم كتبت القصة القصيرة عشقى الأول وكتبت (ليلة الوداع الأخير ) عن دار شمس ثم ( طرقات المحبة )عن نهضة مصر .
فى تلك الاثناء اتجهت للكتابة للطفل والتى كانت مغامرة بالنسبة لى وتجربة مغايرة .فى البداية كانت مجرد وسيلة للحكى لأطفالى حتى يخلدوا للنوم وتطور الأمر إلى بحث واكتشاف حكايات جديدة وبأساليب تناسب أعمارهم وشغفهم وتطلعهم إلى حكايات جديدة غير تقليدية لا ينتصر الخير على الشر دوما أو تنتظر الأميرة الجميلة فارسها المغوار لينقذها .
لا أنكر اننى كنت ارتجل الحكايات حتى أعجبتنى اللعبة رغم مشقتها ووجدت عالم الكتابة للطفل يحتاج إلى خيال طفل وقدرة على جعل الطفل يستمتع بالقراءة حتى كتبت (أصابع زينب والحقيبة العجيبة وسلسلة سارة
وتوالت اصدارات الطفل حتى توقفت قليلا وعدت للقصة القصيرة من خلال قصص ( يحلم بالموت ) عن دار ألف ليلة وليلة.
..
مازلت أرى أن الكتابة تحتاج إلى تفرغ وذهن صاف ورؤية من الكاتب تخصه هو ..ليس بالضرورة أن يكون صوتك عاليا بل أن يكون صادقا وشغوفا.
..............................................................
وقدم الأديب مجدي جعفر ورقة نقدية مطولة في روايتها ( الحرير المخملي ) جاء فيها :
(استفادت الكاتبة من أدب المذكرات في كتابة روايتها، وكان البوح حاضرا بقوة في معظم فصول الرواية، وكل الفصول جاءت على لسان رقية محمود عبدالرحيم فاضل التهامي، وبضمير المتكلم، وهو الضمير الأنسب للبوح والفضفضة، ويناسب أدب المذكرات الذي انتهجته الكاتبة، وصرحت به في نهاية الرواية.
وتوسلت الكاتبة في إثراء روايتها بالفنون الأخرى، وكانت حاضرة بقوة مثل الفن التشكيلي والشعر والغناء والرقص.
وقدمت لنا هذه الحفيدة كاتبة المذكرات ثلاثة أزمنة وثلاثة أجيال، وكانت الكاتبة ذكية وحداثية في آن عندما جعلت الحفيدة رقية تتحدث بصوتين، الصوت الأول هو صوت رقية وهي دون الخامسة عشر، سن البواكير وتفتح الوعي وخبرات الحياة القليلة، والصوت الثاني وهو صوت رقية التي نضجت واستوت، وعركتها الحياة، وأصبح لها رؤاها وقناعتها، وتضع هذا الصوت الناضج بين قوسين ( .... ) والاشارات والتعليقات التي بين القوسين تثير انتباه القارئ، وتوقظه بقطعها لسرد رقية قليلة الخبرة، فتجعل القارئ يعاود التأمل والتفكير.
المكان : القرية المصرية الأشهر بمحافظة الشرقية، وبمصر كلها، قرية ( هرية رزنة ) والتي إذا ذُكرت ذُكر الزعيم أحمد عرابي، والجد الأكبر للحفيدة رقية ( الشيخ التهامي ) من أخلص خلصاء الزعيم، فعمره من عمر الزعيم وداره متاخمه لداره.
والبيت الكبير يضم : عطية / عطيات الزوجة الأولى للجد عبدالرحيم وهو رجل مزواج وزير نساء، وابنها محمود والد رقية وهو ظل لوالدة، ومهرة ابنة زوجته الثانية حبشية وتمثل ( النوبة )، وزينة ابنة زوجته الثالثة حسيبة وتمثل بحري، ورءوف ابن زوجته الرابعة دنيا ويمثل الإسكندرية، وتنوع هذه البيئات الثقافية بدلا من أن يكون إضافة ونعمة ويثري الحياة في البيت الكبير / الوطن، أصبح للأسف نقمة، فكان التنافر، والصراع الخفي والمُعلن بين القديم والجديد، بين التيار المحافظ والتقليدي الذي يمثله محمود وأمه عطيات، والتيار الجديد المعاصر والذي تمثله زينة ورءوف ومعهما رقية.
وقدم تحليلا مطولا لشخصيات الرواية وأزماتها، وأشاد ببراعة الكاتبة في تناول شخصياتها، وعنايتها برسمها، فجاءت شخصيات من لحم ودم وأعصاب تنبض على الورق، ونحتت لكل شخصية تمثالا في قلب المتلقي، كانت قريبة من شخصياتها، عبرت عن أفراحهم القليلة وأحزانهم الكثيرة، عن تطلعاتهم وإنكسارتهم، أصغت إلى أوجاعهم الداخلية كما رسمت ملامحهم الخارجية، غاصت في نفوسهم وأخرجت المطوي والمسكوت عنه، قدمت ما يصطرع وما يشتجر في نفوسهم، وما يدور في عقولهم، وأوضح كيف برعت في رسم شخصية العانس ( مهرة ) والعنين ( مدحت ) والراقصة ( دنيا ) والفنان والمثقف ( إسماعيل جعفر ورءوف ) و ( مروان ) الذي يمثل البشوات الجُدد، حتى الأسماء كان لكل شخصية من اسمها نصيب.
وتحدث جعفر أيضا عن مسارات الرواية، منها :
1 – المسار السياسي :
وزمنيا تبدأ الرواية من جدها الأكبر التهامي صديق عرابي ولا يمل هذا الجد من تكرار حديثه عن ولسلي الجبان الذي اختار الليل ستارا يستتر به، واتخذ الخيانة أيضا طريقا إلى النصر ولا يفتأ يلعن خنفس باشا. وتعثر رقية على خطاب من عرابي إلى جدها الأكبر يتهمه فيه بأنه خادم كسول ولا يستحق الأرض التي أنعم بها عليه وأنه على وشك ترك الجيش كعسكري نظامي كسول بليد لا يهمه سوى التطلع إلى عورات النساء وملء بطنه بفطائرالعسل الأسود!.
وهذه الرسالة تنسف الصورة الذهنية التي تكونت لدي المصريين عن عرابي، كأول زعيم وثائر في العصر الحديث!.
وأيقنت الحفيدة أن جدها خالي الوفاض من حكايات الشهامة والفروسية التي نعت بها جده التهامي وأبناء عائلته المقربين، ولم تعد تصدقه وهو يحكي عن بطولاته في حرب فلسطين، فهم لم يقدموا لفلسطين غير الكلام وإدعاء فروسية وهمية وبطولات زائفة، والقضية الفلسطينية لم تغب عن الكاتبة فتجسدت أيضا من خلال حبيب عمتها زينة وفارسها، وهو الفلسطيني الأب والمصري الأم، الثائر والذي يدعو لقضية بلاده في الجامعة المصرية، وينضم إلى حركة فلسطين الحرة، ويذهب إلى القدس وفي يده حجر، وقبل أن يلقيه في وجوه المحتلين الصهاينة كانت رصاصاتهم الغادرة أسرع، وأردوه قتيلا، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه من بين السطور، ومن خلف المعنى المباشر لألفاظ وكلمات وجُمل الكاتبة،هل قامت السلطات العربية والإسلامية بواجباتها نحو فلسطين أرضا وشعبا؟
= وتشير الكاتبة إلى عملية التهجيرالقسري والجبري لأهل النوبة لبناء السد العالي في ستينات القرن الماضي.
= وتشير أيضا إلى هموم أهلنا في السودان، والحروب الأهلية والنزاعات العرقية والطائفية، من خلال سليل عائلة الأسرة الميرغينية العريقة في ولاية كسلا والمعروف عنها نشر الإسلام والاهتمام بدراسات اللغة العربية والقرآن، وتجسد هذا في شخصية إسماعيل جعفر والذي قتل وهو في مهمة تقديم المساعدات الإنسانية إلى أهل مدينة الفاشر، برعاية الاتحاد الأفريقي وتم الاستيلاء على القافلة وقُتل كل المرافقين لها.
المثقف والسلطة:
وتثيرالرواية أيضا قضية المثقف والسلطة، وهي قضية شائكة ومعقدة، ولعلنا نتذكرمقولة شاوشيسكو :
( كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي!! )
المثقف دائما في طليعة المجتمع، وكل الثورات التي قامت في العالم بشر بها الأدباء والكتاب والشعراء والفنانون، ومن هذه النماذج الشاب الفلسطيني الأب من أم مصرية،
( لا يحب مدح الحكام ويعتبرها رزيلة ومفسدة )
ومن هذه النماذج أيضا إسماعيل جعفر الشاعر والفنان التشكيلي الذي حمل قضية أهله ووطنه ( السودان ) ولم يكتف بالتعبير عنها شعرا ورسما ولكنه ذهب في قافلة كبيرة بطعام ليشبع بطون جائعة، وخيام ليأوي المشردين والمهجرين، وبدواء ليعالج الجرحى والمرضى، إنه الفنان الإنسان الذي يُقتل وهو يؤدي مهمة إنسانية نبيلة.
وأيضا رءوف المثقف والفنان التشكيلي
وتقدم لنا الكاتبة شخصية الحاج الهواري عويس نموذجا لعضو مجلس الشعب المعاصر، الانتهازي ونهاز الفرص، بلا مؤهلات علمية، ولا ثقافية، لا رؤى لديه ولا حلول لأزمات ومشاكل الدائرة التي يمثلها.
= وتقدم لنا شخصية مروان الذي تخلى عن الشعر والرسم وحلمه في تغيير الأمة، فكان يحدثها عن غاندي في أسماله الفقيرة وتغييره لأمة باكملها، ومحمد الفاتح والإسكندر الأكبر، كان لايخجل من فقره، ولكنه تخلى عن كل ذلك، ولاف على واحدة من علية القوم ليواصل رحلة الصعود، ليصبح واحدا من البكوات والبشوات الجُدد!
2 – المسار الثقافي :
تميزت هذه الرواية بحضور كثيف للشعر والفن التشكيلي والرقص، فمن شخصيات الرواية الشاعر والفنان التشكيلي والراقصة.
= مهرة فنانة بالفطرة، وتصنع من الحرير المخملي الستائر ومفارش السرير.
= واسماعيل جعفر شاعر وفنان تشكيلي، وتعي الكاتبة العلاقة الوثيقة بين الفن التشكيلي والشعر، وطبيعة الشاعر والفنان المختلفة.
= ورءوف فنان تشكيلي ومثقف، وفي سبيل حبه للفن، تخلى عن أرضه طواعية لأخيه، وتفرغ للفن، يسافر ويعرض لوحاته.
وتتناثر في جنبات الرواية أسماء بعض الفنانين العالمين أمثال جوبا وسلفادور دالي وغيرهما.
وكان من البدهي أن تقدم الكاتبة الكثير من مشاهد الرواية على شكل لوحات تشكيلية.
= وهناك أيضا شخصية محمود والد رقية الذي يقرض الشعر سرا، فالشعر في البيت الكبير من المحرمات، وقدمت الكاتبة ببراعة معاناة الشاعر أثناء الكتابة، وطرقه أبواب دور النشر، وهي في الواقع تقدم معاناة الأدباء الجُدد في نشر إبداعاتهم، مما يضطرهم إلى نشرها على نفقتهم الخاصة، وهذا ما فعله محمود الذي ظل يكتب سرا الشعر بعيدا عن الأعين، وبموت الأب أراد أن يعلن عن نفسه كشاعر، وأصدر ديوانه الأول على نفقته الخاصة، وكان يظن أنه فارس الشعر القادم بقوة، وصدر ديوانه ولم يُشر إليه بخبر واحد، فمحمود توقف عند كتابة الشعر العمودي، وما كتبه مجرد كلام مرصوص، لا روح فيه.
والكاتبة تورد في ثنايا الرواية الكثير من الأراء النقدية وتذكر أسماء لشعراء عرب وأجانب، فعلى سبيل المثال لا الحصر :
جاء ذكر رامبو والسياب وصلاح عبدالصبور وديوانه الأول " الناس في بلادي " ص 48.
وفي دفاعه عن الشعر التقليدي وإنكاره الشعر الحديث يقول محمود :
( الشعر العمودي الذي أهمله النقاد ...، والتشدق بالحداثة والبنيوية والتفككية ) ص 48.
وكثير عزة، عندما يقول الجد لدنيا الذي هام بها " اصبحت ككثير عزة "
وتوماس ستيرنز إليوت ( ت . س . إليوت ) ص59 الذي تأثر به إسماعيل جعفر في شعره.
والمعري وذكر أحد أبياته الشعرية ( إن حزنا في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد )
وأمل دنقل شاعر رقية المفضل
وتذكر مسرحية ( في انتظار جودو ) لصموييل بيكيت الذي لا يأتي ولن يأتي.
= ومن الثقافة الرياضية تذكر يوريس بيكر لاعب التنس الألماني الذي تزوج من فتاة إفريفية.
= ومن علم النفس تذكر لنا عقدة أوديب، ورقية تحاول أن تحلل أزمة زوجها العنين، فربما يعاني من عقدة أوديب لالتصاقه بأمه، ولا يريد التخلي عن جوارها.
ومن الثقافة السينمائية : تقول رقية عن عمها رءوف في نظر جدتها عطية / عطيات بأنه ابن المرأة المجهولة في فيلم شادية وعماد حمدي، وربما رغب في تقمص شخصية اللقيط الشريف والذي يمثله العندليب عبدالحليم حافظ في فيلم الخطايا.
وأيضا فيلم ( رد قلبي ) : ( وتوقعت أن يأتيني على حصانه ذات يوم ويطلبني من جدي في كبرياء وعزة نفس، أو ربما يورط والده في تلك المغامرة المجنونة " كان خيالا صرفا، وقتها كنت أمني نفسي بأنني لا أقل روعة عن مريم فخر الدين في فيلم رد قلبي وأن مروان يمثل شكري سرحان دون مبالغة.
الراقصة الشريفة :
= = = ومن الشخصيات المضيئة في الرواية شخصية الراقصة، المحبة للحياة، والتي تعشق الرقص، الرقص للرقص فقط، وكأنها تنادي بنظرية الفن للفن.
كانت ترقص على الشاطئ ويلتف حولها الشباب والفتيات، يصفقون لها إعجابا، ويرقصون أيضا، ويزداد جمهورها يوما بعد يوم، يلقبونها في الإسكندرية بالراقصة الشريفة، ولم يصدق أحد في البدء أنها إمرأة للرقص فقط وبمرور الوقت أصبح هناك من يصدق، فهي لا ترافق الرجال ولا تستكين إلى جيوبهم ولا تقرب الخمر، شخصية مبهجة ومشرقة ومضيئة، إيجابية وفاعلة، ومتمردة، وحققت ما تريد، وأعتقد أنها أثرت فن الرقص، وخلصته من الإبتذال، وجعلت من يلتفون حولها يرون الرقص فنا راقيا وساميا.
3 – المسار الديني :
من أخطر ما أثارته الرواية وقدمته الكاتبة بدهاء شديد، وبوعي بصير، هو محاولة البعض تبرير بعض السلوكيات، مستخدمين الدين ولي عنق النصوص القرآنية، مستندين إلى الحاضنة الشعبية التي كونت دينها الخاص والتي تستند إلى عادات وتقاليد متوارثة وأعراف وتم صبغها بالصبغة الدينية، وذكر نموذجين من الرواية على سبيل المثال :
= النموذج الأول : الجد عبدالرحيم المزواج ( زير النساء ) ويبررون هذا السلوك محتمين بالدين الشعبي بعيدا عن الدين الخالص وانحيازا إلى المجتمع الذكوري.
فهناك موبقات تُرتكب باسم الدين، والدين منها براء، فتم تطويع الدين ولي عنق نصوصه لتبرير أفعال الجد عبدالرحيم فاضل التهامي.
= النموذخ الآخر وهو الأخطر، ويتم فيه استخدام وسائل الترغيب قليلا، والترهيب كثيرا وتوظيف الدين أيضا، لتقبل رقية أن تبقى تحت رجل عنين، ولجأت أم مدحت العنين إلى أقذر الحيل وأحط الوسائل مستفيدة أيضا من الحاضنة الشعبية والتي لها دينها وموروثها الخاص، وتعلي من شأن المجتمع الذكوري، فالحماة تحاول بخبث توظيف المودة والسكن والرحمة لرقية في غير موضعها، وحتى لو كان ابنها عنينا.
ومحاولة تمرير كلمة المرأة ستر وغطا على زوجها وإقناع رقية بها ولترضى بالأمر الواقع، وإذا لم تستجب بالحسنى، فلنجرب إرهابها والربط الغريب بين طاعة الزوج حتى لو كان عنينا، هل فعلا إذا لم تقبل بزوجها العنين وترضى به سيغضب الله عليها وسيطردها من رحمته ولن تشم رائحة الجنة!
والكاتبة متاثرة في معجمها اللغوي بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية، فتأتي كثيرا بألفاظ قرآنية مباشرة وأحيانا أخرى بدلالات اللفظ القرآني.
.......................................................
وعن رواية ( نصف ساعة أسفل الممر ) قدم الكاتب والناقد العربي عبدالوهاب دراسته البديعة والماتعة، وجاء فيها :
لعل أهم ما يميز جيل التسعينات فى الكتابة الروائية، هو اتكائهم على التفاصيل الصغيرة ، التى تمثل بؤرا متعددة لشخصيات فقدت إيمانها ـ إلى حد ما ـ بالقضايا الكبرى ، لأنهم فطنوا إلى انقضاء زمن الشعارات ، وتفتح وعيهم على تشظى الخارطة العربية وتبعثرها ، بالإضافة إلى انهيار المثل العليا أو تخلخلها مما دفع هذا الجيل إلى إعادة مناقشة تلك الأفكار ولكن عبر مكنون الذات.
إن مفردة الوطن صارت محفوفة بمخاطر عدة ، لأن المتاح أقل بكثير على أرض الواقع من طموحات جيل وجد نفسه مائع الملامح ، صار القبض على كل ما هو ذاتى ، وتبئيره غاية بعض الكتابات الجديدة ، عندما أصبح الوطن ظلا بعيدا ، يتبدى كثوب مهلهل لا يصلح سوى مادة فنية لرواية ، ورغبة ملحة فى الكتابة ، صار الهامش الانسانى الذى يومض كالبريق فى الروايات السالفة للذات ؛ هنا هو جوهر ومتن الكتابة ، وفى ظل تساقط النظريات الكبرى ، واندحار الإنسان أمام الماكينة ، وأمام أطماع الدول الكبرى فى الشعوب الفقيرة تضاءل ظل الإنسان على الأرض ، وصارت الكتابة عن الظل وهذا التلاشى حتمية لا مفر منها، تحول الهامش إلى متن ، وصارت التفاصيل الصغيرة بدفئها وحيويتها ، وحركة الذات فى محيطها الضيق هو جل ما تطمع إليه الرواية التسعينية إلى تأسيسه ، الجسد بتحققه، وحضوره ، وقدرة الإنسان على ملامسته والشعور ببرودته ، أصبحت غاية واهتمام كتابات أخرى ، فيها يتشكل انكسار الإنسان وتتعرى آلامه، غدت الرواية هدفا ومطمحا ، ومحفزا للكتابة .
و الشعور بالضياع الذى أنتجته الطبقية الجديدة بفجاجتها ورعونة سلوكيات شخصياتها ، وخوائها الفكرى ، حيث كانت الطبقة الوسطى فى الماضى هى القادرة على إنتاج الثقافة والمحافظة على وعى وذاكرة المجتمع من الضياع، وبتلاشى هذه الطبقة ، تبدلت التركبية الاجتماعية للمجتمع ، وتبدت هوة كبيرة بين طبقتين ، غير متكافتئين ، اقتصاديا ، واجتماعيا ، وهذا بالضبط ما جعل الكاتبة تكتب روايتها ( نصف ساعة بالممر) .. هى نصف ساعة فاصلة فى حياة نوعين من الشخصيات
النوع الأول ويمثله " عمر " الشاب الغنى ابن طبقة اجتماعية ، تمتلك السلطة والمال والحظوة ، والنوع الآخر هو الطبقة الدنيا و تمثلها الفتاة / الطفلة / ابنة الخادمة ومصير والديها كممثلين لهذه الطبقة ، وهى الشريحة الأكبر وتضم بداخلها السواد الأعظم من المجتمع .
إن إلتقاء النوعين أو النمطين اللذين يمثلان طبقتين تفصلهما هوة كبيرة ، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، من المؤكد أن يولد صداما كبيرا ، تعقبه تداعيات لا تحصى ، على بطل الرواية ، والفتاة.
وبالرغم من كون النقطة التى يتلاقيا عندها ويتصادما، نقطة كلاسيكية ، وهى الشرف ، ( العرض ) .. اغتصاب عمر للفتاة/ الطفلة ، خلال نصف ساعة قضياها فى الممر الفاصل بين الصالة والحمام ، كانت نتيجته تدمير أسرة صغيرة كادحة تأمل فى العيش بشرف حتى لو كانت مهنتهم خدم، أو جامعو قمامة ، هذه اللحظة الإنسانية الفاصلة فى حياة الطرفين ، كانت كافية لضياع الجميع .
نرصد أولا كيف حدث ذلك ، ثم نقوم بتحليل أبعاده الدلالية فى الرواية.
أولا واقعة الاغتصاب ، تمثل الحدث المركزى الذى سعت باتجاهه أحداث الرواية ـ رضيت بذلك أم أبت ـ سوف يحدث لا محالة ، لأن الاغتصاب فى الرواية ليس فقط بمعناه الحرفى الواقعى ، وإنما بأبعاده الدلالية العميقة ، يؤكد أنه ثمة طبقة منعمة بالثراء يعانى أصحابها من الفراغ ، والغربة ، والوحدة ، وتنعدم أواصر الترابط بين أفرادها، تتربص بطبقة يطحنها الفقر، وترغب فى تزكية فراغها والتنفيس عن أمراضها باللعب بدمى مثل ابنة الخادمة ؛ نرى ذلك جليا فى والدة عمر / بطل الرواية التى لم تهتم بتصريح ابنها بما اقترفه من جريمة اغتصاب ، لم تنشغل إلا بالسجادة العجمية ، وبشلة النادى ، ولم تهتم إلا بفقدان فستانها غالى الثمن حين تظن بأن الخادمة سرقته كما أوهما عمر ابنها بذلك ليستنطقها، محاولا معرفة عنوان الخادمة ، ربما يلحق بالفتاة قبلما يصيبها الهلاك على يدى والديها ، أفاق على كلمات صديقه الوحيد المتبقى من بقايا الطبقة الوسطى.
لقد اغتصبها غير مكترث بمصيرها ، إلا أن منطقها وإيمانها بالله ، وبراءة كلماتها ، تحولت ـ حسب سعى الرواية ـ إلى لعنة ظلت تطارد المغتصب.
وعندما يصل أخيرا ، ـ بعد تلكؤ ـ وصراع مع ضميره ـ المشكوك فيه ـ يجد بأن والد الفتاة ، قد تخلص منها تنفيذا لصرامة بيئته الصعيدية ، وحال عودته لا تجد الأم أمامها إلا قتل زوجها لأنه حرمها من وحيدتها ، انتهت الأم إلى مستشفى المجانين ، أو إلى السجن ـ لا يهم ـ المهم هو رصد كيفية تلاشى أسرة فقيرة ، تمثل طبقة عريضة من المجتمع ، كانت تسعى بشرف فى دروب الحياة ، لكنها سقطت ضحية للهو عمر ابن الأغنياء ، وتحت وطأة العادات ،والانتهاك ، والفقر ، وعدم الاعتراف بوجودها ـ اجتماعيا ـ أو حقها فى الحياة من جانب الطبقة الراقية / الثرية المفرغة من الداخل.
ربما يبدو أن كل ماسبق عاديا لا جديد فيه، نعم ، لكن الرواية اتخذت من تلك الحادثة ( الاغتصاب ) متكأ للولوج منها إلى فاجعة أكبر ، حين قرأت بشكل فنى الخارطة الأكبر والأشمل للطبقية العالمية ، حين دفعت الكاتبة ببطلها عمر للسفر إلى أمريكا، رغما عنه وتحت طلب فورى للأم ، وانشغال فج للأب بالسلطة ، عن ولده عمر أن يقوم والديه بتسفيره بسرعة إلى أمريكا ، لكى تتمكن من تقديم ، وتقييم جيد وحصيف لحجم هذه الطبقة الثرية على مستوى النظام العالمى ، لنكتشف مع الرواية أننا سياسيا واجتماعيا ، فى نظر الغرب مجرد حفنة ضئيلة، واهنة ، يرانا الآخر ارهابيين ، ونظل تحت الاشتباه والتهميش ، ونتعرض كشعوب فقيرة لانتهاك أكبر ، وأقسى.
يدعى عمر أثناء الاشتباه فيه فى مطار لوس أنجلوس ، يدعى إصابته بالزائدة ويتمكن من خلال إجادته للعبة ما كانت الشلة تقتل بها فراغها فى أوقات كثيرة ، أن يكتم أنفاسه ويدعى أنه ميت، أو على حافة الموت ، ولولا لجوئه لتك الحيلة لصار إرهابيا وتحول لسجن جونتانامو ، لا فرق فى نظر الغرب بين فقير وغنى ، جميعنا فى نظرهم خارج التاريخ ، ، كأن شعوبنا وأوطاننا محكوم عليها سلفا بالانقراض.
هل كانت آلام عمر الروحية وتكشف ذاته لتلك الحقائق الصدامية بين غرب وشرق ، بين طبقة وأخرى داخل وطنه ، بينه وبين الفتاة / الطفلة هو سر آلامه وتشظيه أم أن لعنة ما اقترفه من انتهاكات فى بلده ؛ صارت كلعنة الفراعنة تطارده ،
حين كان فى زيارة إلى باريس ، دعى فتاة فرنسية من أصول مختلطة لتناول الغداء ، وظل يمنى نفسه بقضاء وقت جميل معها ، قرأت شبقه ، ورغبته فى احتوائها جسديا ، بعد الغذاء قالت له :
" ـ لستُ ديمونة التى تبحث عنها فى ضواحى باريس، أفق يا شمشون عصرك وأوانك .قالتها بعربية ركيكة للغاية ، وولت الأدبار وهو غارق فى عرقه ، وعاره وعجزه عن غزو تلك البائعة الحقيرة !
شعر بخزى شديد حينذاك ، وتطلع إلى فاتيما ( الفتاة / الطفلة ) لقد ذكرته بهزيمته وعليه أن يكون تلك اللحظة منتصرا " صـ34 .. البائعة الباريسية الفقيرة قهرته ، هو بثرائه خرج من المعركة مهزوما ، مقهورا ، ولم يحقق انتصاره الا على فتاة بريئة فقيرة وابنة خادمتهم ، إن الرواية تتعرض لألوان القهر بصوره المتعددة بين الغرب المتسلط فى كل شيئ وبين الشرق المتداعى بكل طبقاته ، لماذا؟! ، لأن الحسابات العالميه أخرجته مندحرا من حلبة السباق الحضارى .
تعانى شخوص رواية (نصف ساعة بالممر) ، من انهيارات وانكسارات عدة ، فى ظل أطروحات النظام العالمى الجديد الذى ساهمت وضعيتنا الراهنة على حدوثه.
وإذا كنا غير معنيين بإنجاز بحث اقتصادى أو اجتماعى عن صراع الطبقات والشعوب ، إلا أننا سوف نستقرأ أحزانا وآلاما إنسانية نشعت فى تلافيف الروح وسكنت بها وتعمل على تقويضها ، يموت عمر فى إحدى مستشفيات أمريكا ، وهو يهذى بفعلته ، مع الفتاة/ ابنة الخادمة ، ويفقد عم عمر ابنته نتيجة الازدواج الذى تربت عليه ابنته ولم تتمكن من جمع القطبين، الشرق بتعاليمه وتربيته ، وبين حرية الفرد فى المجتمع الغربى ، بما يعنى أن ثمة تشوهات وأمراض لا محالة ساقط فيها الطرف العربى المغترب ، بالرغم من وصوله اقتصاديا ـ إلى درجة محترمة ، هو فى النهاية منتهك ومستلب ، أو يعانى
أجادت الكاتبة فى رسم العوالم النفسية لأبطال روايتها ، ولا يفتنى أن أحييها على قدرتها العالية على ترسم شخصية الخادمة / أم الطفلة بشكل فريد ، وإظهار جوانب نفسية ، وروحية رائعة ، صحيح أن الرواية لم تسع إلى محيط الكتابة النسوية إلا بقدر ضئيل، لكن أيضا نلحظ طرفا منه توسيع دور الأم وتمثل معاناتها وتتبع تفاصيها، بخفة ودربة ، وبمهارة تحسد عليها فى المقابل انتقصت من الأب زوج الخادمة عامل البلدية ، فقد أظهرته كسولا اتكاليا ، معتمدا على زوجته ، لا يشغله إلا مزاجه أو إظهار أبويته بقسوة ، حين سحب ابنته عند الفجر ، وقتلها ،من أجل الشرف ، فى نفس الآن اقتضت الضرورة على الأب التخلص من الجانى الحقيقى عمر لكن وهن وضعيته الاقتصادية حال دون ذلك، الغريب أنه لم يسأل عن الجاني الحقيقي، وباتت شخصيته باهته وغير فاعلة.
للكاتبة رؤيتها الخاصة فى تصويرها للرجل ، لكنى أشعر بأن ذلك كان متعمدا منها ـ ليس لأنها ترى ذلك وتدشن له ـ لكن ربما كان لضرورة فنية تخص الحبكة الروائية حتى تنتقل سريعا بأحداث روايتها من دائرة الصراع الطبقى الداخلى ، إلى أفق أكثر شمولا ، هو الأقرب لصراع الحضارات ، كما أسلفت .
ويضيف عبدالوهاب :
( لغة أميمة الروائية صارت قادرة على تبئير لحظات فارقة فى حياة الشخصيات مما أضفى على الأحداث طابعا حداثيا ، يتميز باستفادة الكاتبة من تجليات الكتابة الجديدة ، وتتبعها لتفاصيل دالة ، وربطها بمدلولات أكثر شمولا ، جعل من روايته عملا متميزا )
..................................................
وتحت عنوان ( المخملية والحياة ) قدم الباحث والناقد بهاء الصالحي دراسته المائزة والمتميزة في رواية ( الحرير المخملي )، وجاء فيها :
(أي معنى للمخملية يكمن في تلك الرواية وما هي دلالة المخملية هنا؟ هل كانت المخملية الإدراك الرومانسي للحياة وعدم قدرة الواقع على احترام هذا التقدير أو هذه الرؤية وبالتالي فكرة الوئد لأحلام الانثى في مهدها الأول، مشهد الافتتاحية قائم على المقابلة ما بين الموت والحياة حيث دلالة الثوب الأسود المصاحب للموت المصاحب لفكرة النضج النابعة من إدراك الجسدنة الجديدة حيث ضرورة الإجابه عن أسئلة التحقق وذلك المشهد يواجهنا في الصفحة الأولى، مهاره السرد تحيلها من فكرة الحدوتة المنمقة من على الوصف ولكن ذلك الفصل الأول تقديم جنيني للنص ويعتبر إشارة توجيهيه لمسار النص عبر فصوله التالية. وبالتالي تصبح عقده الرواية في أولها وذلك على سبيل الابتكار في اللغة الفنية، فطبقا للقواعد الكلاسيكية تتصاعد الأحداث حتى تبلغ العقدة الدرامية قمتها في منتصف العمل ويتم حل رموزها بنهاية القصة ولكن ذلك مرتبط بفكره التطهر القائمة على الفهم الأرسطي السائد بفعل تطور القص العربي وحاجته إلى التنظير لمفهوم القص استجابة لتحدي القران الكريم لأليه المقتضى التاريخي المعبر عن العرب ممثلا في الشعر وبالتالي وجدوا الإجابة عند العقل اليوناني ولكن حالة المعاصرة وتطور العقل البشري أدى لفكرة تكرار الحالة والنموذج المتجدد بفعل فكرة التثاقف مع العالم وبذلك صار النمط الواحد قابل للتفسير من وجهه نظر مختلفة من مبدع لأخر وفقا لمنظوره الاجتماعي طبقيا ووظيفيا )
وأضاف الصالحي :
ويجسد ذلك العمل عدة نقاط رئيسية يمكن قراءتها:
1_ الاتجاه المتصاعد للحدث الروائي بدليل نهايته القطعية بجملة تقريرية للسارد الرئيسي عبر الرواية بأنها لن تغادر القاهرة والدراسة في الجامعة الأمريكية حتى لو دفنت في مقابر الصدقة.
٢_ السياق النفسي السائد عبر الرواية وهو الاتجاه الذكوري في فهم الحياة وسيطرة فهم الدين الشعبي تجاه المرأه وكأنه تجسيد لتطبيقات مفهوم الخروج من الجنة وإدانه الأنثى فيه قائم على أنها مصدر للغواية وذلك في عقل أم الزوج والزوج المغدور نفسه علما بأن طريقة القتل قد جاءت بصيغة درامية غرائبية مرتهنه بفكرة العبث حيث جاء مقتل مدحت على يد الشحات الذي تعرض لتقريع مدحت عندما سأله حاجته فأثر فيه قسوة الاحساس بالتفرقة الطبقية وكان المجتمع في أدنى فئاته ذلك المتسول قادر على معالجة ذلك الفهم الخاطئ للواقع من باب الإدانة والاستبعاد وعدم التعاطف.
٣_ التوازي في بناء الشخصيات اكسب الشخصيات الذكورية نوعا من التسطيح فكان الأب نوعا من الخواء الفكري القائم على أنه ظل لأبيه مما أكسبه نوعا من الإحساس الوهمي بالتفوق فلم تتحرك لديه عطفة ولو لبرهه تجاه مأساة أبنته ولأن موقفه من أخته ذات البشرة النوبية قد يكون مبررا بحكم ولاءه لأمه وكذلك غير مبرر لأبنته إلا بفكرة الطمع في تلك المميزات التي يطمح فيها من إبن عضو مجلس الشعب.
٤_ ادانه فكره التبعية التي تميز أبناء ذلك الواقع وكان قسوة الأب التهامي الكبير كمعادل موضوعي لإدانة سيطرة القديم على الجديد فالإبن صورة من أبيه على الرغم من ثرائه ولكنه يعاني من ازمة عدم التحقق فلم يلاقي ديوانه الشعري ذلك الصدى الذي يجعله قادرا على احتياز لقب شاعر كبير وكأن إدارة الازمه لديه قد انعكس على تعامله مع الآخرين خاصه أبنته.
٥_ الشخصية الرئيسية عبر الرواية هي رقيه وهي الصوت الوحيد عبر الرواية وكانت تلك الرواية قد اكتسبت صفه الخلود لو تعددت أصوات الشخصيات المتاحة عبر البيئة الروائية وبالتالي كان من الممكن عبر رؤية الجد لدى أبنائه وأحفاده مما يجعل الرواية رواية أصوات حيث يعرض الأب رؤيته للحدود ما بين طاعته لأبيه ورؤيته لجيله وواقعه.
٦_ بيئة الحدث الروائي هل هو حدث في المطلق؟ فقد جاء المنظور من عصر واحد هو تجليات لعصر الجد وكأن معظم الشخصيات قد تم رسمها وفقا لمنظور ذلك العصر فلم يطرأ أي تغير مجتمعي ما قادر على تطوير الوعي لدى الشخصيات ولكن سرد الحدث في خط متصاعد من وجهه نظر رقيه أدي إلى وضع الرواية في خانه ضيقه وهي صرخة الأنثى في واقع متخلف وكأن تلك الصرخة والإصرار على الإدانة ذلك النمط الذكوري للأب وكذلك الشقيق الصاعد في اتجاه طموحه الشخصي هو الغرض الرئيسي من الرواية.
٧_ الإدانة لمفهوم تقديس التاريخ من باب اضفاء جو من الغموض حوله ومقاومة كل محاوله لسبر أغواره وكأن تلك المقاومة نوعا من المصلحة لدى الشخصيات التي صاغها ذلك التاريخ بدليل تشويه السارد لمسيرة ذلك الجد الأكبر الذي رافق عرابي وكان رأي عرابي فيه أنه مفتون بفكرة النساء واختلاس النظر اليهن وكانت تلك الفكرة استمرارا للخطاب الدرامي المراد ابرازه وهي مرحلة تجاوزها الادب النسائي في مصر.
٨_ غياب الشخصيات النسوية الفواعل عبر القرية واقتصار ذلك على الغرباء مثل القادمون من الإسكندرية وأمريكا وكأن ذلك الواقع قد عجز عن التطور على رغم انتشار التعليم فيه وعلى الرغم من غياب المردود الاجتماعي لعمليه التعلم تلك سوى الضخ في اتجاه الهروب.
يتبقى في تلك الرواية مهاره الروائية في الوصف وكثافه الجمل في اتجاه الأزمة وكذلك شمول الحدث كله لدلالة العنوان وهو الحرير المخملي. حيث التناقض في عرض الشخصية النوبية كنوع من العنصرية البادية في البيئة الروائية والتاريخية وفهم الدين الشعبي والمجتمع الريفي للأخر. وذلك بحكم غياب تلك المقاييس الجمالية الخاصة في ذلك الواقع المكون من عبر تاريخ من الخصوصية وبذلك تبقى أهميه شخصية إسماعيل جوهر في ذلك العمل حيث فكره التنوع الضروري لتناول مقتضيات الحياه الريفية وكأنه نوعا من الإدانة للواحدية في التفكير وضرورة الانفتاح على الآخر ولعل فلسفه الحلم التي تواترت مرتين عبر الرواية كجزء من اللغة الفنية الخاصة بالعمل واللغة الفنية في العمل تقتضي نوعا من إعادة ترتيب مفردات الجملة الروائية حيث تبادل أولويات الشخصيات وفق المعادل الموضوعي للنسق الفكري الخاص بالرواية وذلك تأسيسا على البعد التنويري الخاص بالرواية كفن تعبيري وكذلك مساهمة الروائي كمثقف عضوي قبل كل شيء. )
............................................................
وتوالت المداخلات من الشاعر الغنائي صلاح محمد علي والكاتب والمبدع محمد عبدالله الهادي والباحث والناقد بهاء الصالحي والشاعر والأديب محمد الديب والأديب محمد الحديدي والشاعر محمود رمضان والكاتب والإعلامي محمد عجم والكاتب محمد نصر الدين هلال وغيرهم.
0 comments:
إرسال تعليق