الشاعر لقمان محمود في (مئة فراشة لا على التعيين)


عن دار (49 بوكس) للنشر والتوزيع في السويد، أصدر الشاعر الكردي السوري لقمان محمود أحدث دواوينه والذي اختار له عنوان "مئة فراشة لا على التعيين". هذا الكتاب الشعري هو الثاني عشر في رصيد الشاعر لقمان، وقد نشر دواوينه السابقة في سوريا والمغرب وكردستان العراق والأردن وبلغاريا والسويد.

وما لاشك فيه أن الشعر قد سجل حضوره، كأحد أهم الفنون الإبداعية، منذ بداية الوعي الإنساني، ليقدم نفسه كفن إنساني راق، لايكتفي بتوثيق اللحظة التي يعيشها الإنسان، بل إنه لا يفتأ يحقق وظائفه المرهونة به، الجمالية منها، والروحية، ليكون بذلك حاجة إنسانية عليا، لاسيما وأن وجود الشعر، في صورته الحقيقية، مؤشر على أن العالم لايزال غير معافى.

فالشعر هنا هو رؤيا الكائن الذي يواجه الهشاشة، ويجعل العالم أكثر جدوى من خلال اللغة، فمنذ كتابه الشعري الأول "أفراح حزينة"، دمشق 1990، وهو يساكن هاجس المغامرة، تجريباً ووعياً وشغفاً بالتمرد على النمط، والاحتفاء بحرارة اللغة التي تدفع شاعرها إلى أفق التجريب.

فالشاعر لقمان محمود يملك تاريخاً طويلاً من التعامل مع الشعر يمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود، لذا فإن إصداره الشعري الجديد، و المعنون ب "مئة فراشة لا على التعيين" يمتلك أساساً جديداً في تأسيس بنية شعرية متماسكة تميل إلى الإنسجام، و تفارق التقاليد الشعرية، من خلال السيطرة على الماضي.. سواء أكان هذا الماضي هو الحب، أو الوطن، أو الثورة، أو الأمل، أو الحلم..إلخ.

هو ديوان يحتفي - أيضاً - بالمنحى الفلسفي الذي تمثله القصائد ، باتكائها على مستويات التكثيف والإيجاز والمفارقة وباعتمادها على البعد الدلالي الحكمي والتقاط الدهشة، لإبراز الفكرة الموحية والتي تبقى هي المؤشر الدلالي على عمق هذه الفلسفة.

إن قصائد "مئة فراشة لا على التعيين" تتقرّى أبجديات الألم الحسية بشفافية معاصرة متخفّفة من كلّ ميل رومنطيقي أو نزعة مباشرة، من خلال الاستناد على الصورة المكتنزة بالشغف، الرافلة بالعاطفة الأليمة عبر استبطان التجربة الحياتية، وجَسْرِ الهوة بين الموضوعي والذّاتي.

يقول لقمان محمود: "الشعر أداة سحرية لتوسيع العالم عبر رفع سقف المخيلة. بهذا المعنى، كلّما رأيتُ صياداً يتربص بالسماء عرفتُ أن هناك أغنية ستسقط. وكلما رأيتُ طائرة تتربص بالأرض أيقنتُ أنّ هناك روحاً ستغيب.

في عالم كهذا كتبتُ ديواني الأول "أفراح حزينة" عام 1990، باللغة العربية. فالكردي المحروم من لغته الأم يجد نفسه في لغة غريبة (فرضت عليه) لا يعرف منها والداه سوى الفاتحة والدعاء، فيصر تحت ضغط التهميش والحرمان والضرورة أن يتعلم هذه اللغة 

الطارئة على تفكيره وأحاسيسه ووعيه بكل السبل. هكذا تطرأ لغة أخرى مسموحة بها إلى جانب لغة الأم الممنوعة.

وبما أنّ الإبداع - على الأغلب - يتعلق بالوعي الجمالي. نادراً ما يبتعد هذا الوعي عن الوعي الإنساني. لم أفكر حتى الآن، باللغتين "الكردية" و"العربية" من ناحية التفضيل؟ أكتب بهما كأي "سبّاح" لا يستطيع الإستغناء عن إحدى يديه.

ما أريده من القصيدة الكردية هو ما أريده من الكتابة بشكل عام.. أي أنْ تكون القصيدة وطناً وبنفس الوقت منفى. أنْ تكون القصيدة سفراً وبنفس الوقت عزلة. أنْ تكون القصيدة كردية وبنفس الوقت عالمية الإبداع".

يُشار إلى أنّ لقمان محمود شاعر وناقد كردي سوري  يحمل الجنسية السويدية. يكتب باللغتين الكردية  والعربية. عضو اتحاد الأدباء والكتاب السويديين، عضو نادي القلم الكردي. صدر له حتى الآن 28 كتاباً في الشعر والنقد. من بين هذه الكتب ثلاث مجموعات شعرية كُتبت باللغة الكردية، وهي: "أتابع حريتي" عام 2013، "من السراب إلى الماء" عام 2013، "أسير وحدي" عام 2023. شارك في عدد من المهرجانات الشعرية والثقافية، ومعارض الكتب، داخل وخارج السويد.

كما تجدر الإشارة إلى أن لقمان ولد في مدينة عامودا، عام 1966، وعمل في مجال الصحافة الثقافية كمحرر في مجلة سردم العربي، ومجلة اشراقات كردية، كما عمل كمحرر في القسم الثقافي لجريدة التآخي.


من أجواء الديوان:

 

تحت جناحيكِ

تهتف النار

أيتها الفراشة العاشقة.

**

الذاكرة تحدثنا عمّا حدث

والنسيان يحدثنا

عمّا يمكن أن يحدث.

**

اِفعل ما يحلو لك

أيها الفرح

فلن يتنازل الحزن 

عن أناقته.

**

في الطريق الطويل

إلى البيت

الصمت، هو أكثر

ما يخيف.

**

جاء الظلام

وجثم على كل شيء

ربّما ينتظر 

من يشكره على ماضيه.

**

تلك الحرب

التي لا تؤذي أحداً

تحتاج فقط

إلى كذبة بيضاء.

**

في الظلام

رأوا كل شيء

ومن يومها

والموتى يتصارعون.

**

داخل الغابة الواسعة

أخاف من الأمل

بقدر ما أخاف من اليأس.

**

هذا الذعر القادم

من الذكريات البعيدة

يتشاجر دائماً

حين لا يجد شيئاً يفعله.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق