قراءةٌ في علبةٌ مِن ذهب تأليف وهيب نديم وهبة

كتب د. فهد أبو خضرة

لم يُحدّدِ المؤلِّفُ النّوعَ الأدبيَّ الّذي ينتمي إليه هذا الكتابُ، بل ترَكَ هذهِ المهمّةَ للمُتلَقّي.

عمليّةُ التّحديدِ العامّةُ ليستْ صعبةً، فالكتابُ ينتمي إلى النّوعِ الأدبيِّ الّذي يُسمّى (الحكاية)،
أمّا عمليّة التّحديدِ الدّقيق فليستْ سهلةً، وهنا يُمكنُ القولُ أنّ هذا الكتابَ يضمُّ حكاية إطار، أو حكايةً خارجيّةً تحوي في داخلِها سبع حكايات داخليّة.
 
الحكايةُ الخارجيّةُ والحكاياتُ الداخليّةُ كلُّها خياليّةٌ، أمّا الخيالُ الّذي تنتمي إليهِ فهو مُنَوّعٌ، منها خيالٌ علميٌّ، وخيالٌ تعليميٌّ، وخيالٌ أسطوريٌّ وخيالٌ خرافيٌّ.

حكايةُ الإطار تنحو نحو حكاياتِ السّحَرة والأميراتِ المسحورات، وتُشكِّلُ نوعًا مِن الخيالِ الخرافيِّ، أمّا الحكايات الدّاخليّة فتدورُ حول رحلاتٍ يقوم بها السّاحرُ والأميرة.

الرّحلةُ الأولى إلى الطّبيعةِ للمشاركةِ في مِهرجان العصافير، وفيها إشارةٌ إلى هجرةِ الطّيورِ!

الرّحلةُ الثّانيةُ إلى مدينةِ النّملِ، والنّملُ في هذهِ الحكايةِ يحملُ معنًى رمزيًّا، فهو ممثّلُ التّخريبِ والإتلافِ، وقد كبُرَ حجمُهُ حتّى صارَ بحجمِ النّسرِ، ويُلاحَظُ أنَّ رحيلَ النّملِ لم يتمَّ إلاّ بتدخُّلِ السّاحر، الّذي جعلَهُ بلحظةٍ يعلو ويطيرُ، والسّؤالُ الّذي يُوجّهُهُ المُتلقّي لنفسِهِ، ونُوجِّهُهُ نحنُ بدوْرِنا إلى المؤلِّفِ، ترى، أنحتاجُ إلى ساحرٍ في كلِّ مرّةٍ يُهاجمُ فيها النّملُ مدينةً ما؟ 

الرّحلةُ الثّالثةُ في أعماقِ البحرِ، حيثُ يُشاركُ السّاحرُ والأميرةُ في حفلِ تتويجِ ملكةِ البحر، وفي هذه الحكايةِ خيالٌ تعليميٌّ وخيالٌ خرافيٌّ وأسطوريٌّ، حيثُ نقرأ عن حوريّةِ البحرِ والأسماكِ الملوّنةِ وشجرِ البحرِ واللّؤلؤِ والحيتان، ونتعلّمُ أنّ السّمكَ لا ينامُ، ولعلّ الأنبوبَ الشّفّافَ الّذي يصلُ مِن الشّاطئِ إلى أعماقِ البحر، والّذي سارَ فيه السّاحرُ حاملاً الأميرةَ، يمكن أن يُشكِّلَ مثالاً جيّدًا للخيالِ العلميِّ.

الرّحلةُ الرّابعةُ إلى سطحِ كوكبٍ في الفضاءِ الخارجيِّ، حيثُ يُشاركُ السّاحرُ والأميرةُ في حفلِ زواجِ سيّدِ الكوكبِ مِن ابنةِ حكيمِ الكوكب، وحيثُ نقرأ عن قزمٍ يُرافقُ السّاحرَ والأميرةَ،
ونلاحظ أنّ عناصرَ البيوتِ هناكَ يُشبهُ ما هو موجودٌ على سطحِ الأرضِ هنا، في بعضِ المناطق بيوتٌ مبنيّةٌ مِن أحجارِ الجير، والسّقوف عيدانُ قصب، وكذلك معظم عناصر الطّبيعةِ هناكَ يُشبهُ ما هو عندنا، باستثناء الرّيحِ الملوّنةِ، أمّا طريقةُ السّيرِ فمختلفةٌ عمّا هو مألوفٌ في أرضِنا، إذ يسيرُ الشّخصُ هناك وكأنّه لا يسيرُ، وأهمُّ ما يُميّزُ ذلك الكوكبَ عن أرضِنا سكّانُ الكوكبِ، فلا لصوصَ لديهم ولا حربَ ولا دمًا ولا خراب!

الرّحلةُ الخامسةُ إلى الصّحراءِ ومنها إلى باطن الأرض، حيثُ نشاهدُ مدينةً قديمةً تعودُ إلى الحياةِ مِن جديد، وقد أحسنَ المؤلّفُ صُنعًا بعدمِ ذِكرِهِ لاسمِ المدينةِ الموصوفةِ، مع إنّ إشاراتِهِ تدُلُّ على مدينةِ بابل، (نحو باب عشتار)، وهو بابٌ مشهورٌ في بابل القديمةِ، و(الحدائق المعَلّقة) وهي حدائق نبوخذ نصّر، ففي عدم ذِكرِ الاسم يَحُثُّ على البحثِ والتّفكيرِ، ولا أدري لِمَ ذَكَر الصّحراءَ في هذهِ الرّحلة، ولِمَ اختارَ بابلَ مع الصّحراء، مع إنّ اختيارَ إرم ذات العماد أكثرُ ملاءمةً للصّحراء!

الرّحلةُ السّادسةُ إلى القطبِ المتجمِّدِ، يسيطرُ عليها الخيالُ التّعليميُّ والخيالُ الأسطوريُّ، فمِن الخيالِ التّعليميِّ: هذهِ البلادُ لا تعرفُ الصّيفَ إلاّ نادرًا/ يتساقطُ الثّلجُ هنا طوالَ العام/ والثّلج هنا يتحوّلُ إلى جليد/ والجليد درجة تجمد الماء/ كذلكَ ما كُتبَ عنِ المباني والحياةِ الاجتماعيّةِ.
مِن الخيالِ الأسطوريِّ: يَظهرُ أمامَهم شبحُ الثّلج أو ناطورُ الثّلج، الّذي يحرسُ المكانَ/ وحكايتُهُ حكايةٌ أسطوريّةٌ دخلتْها عناصرٌ خرافيّة!

الرّحلةُ السّابعةُ إلى مدينةِ السِّحرِ، وفيها توجُّهٌ رمزيٌّ يَقومُ على توظيفِ بعضِ العناصرِ الموجودةِ في المدينةِ، الثّعلب/ عقاربُ السّاعةِ الّتي حرّكَها إلى الوراءِ/ شلاّلُ الطّيب، السّاعةُ المُعلّقةُ في وسطِ السّاحةِ وعمليّة إعادةِ الزّمن/ ....
وتنتهي الحكايةُ بتحرّرِ الأميرةِ مِن السِّحر!

لغةُ الحكاياتِ أدبيّةٌ فصيحةٌ وجميلةٌ، بينما لغة الأغنياتِ عامّيّةٌ، أمّا مستوى اللّغةِ الفصيحةِ فيتراوحُ بينَ السّهولةِ والجزالةِ، وهو مُلائِمٌ للصّفوفِ العُليا في المرحلةِ الابتدائيّة.

العناصرُ الأسلوبيّةُ الّتي وظّفَها المؤلِّفُ عديدةٌ وتستحقُّ وقفةً متأنّيةً، ومِن أهمِّها:
الاستغناءُ عن حروفِ العطفِ في كثيرٍ جدًّا مِنَ المواضِعِ، ممّا شكّلَ سِمةً بارزةً، نحوَ قولِهِ:
يقفُ على الشّطّ/ يفتحُ العباءةُ/ تخرجُ الأميرةُ/ تشعرُ بفرحةٍ غامرةٍ/ تحتَها الورودُ/ أمامَها الأشجارُ/ وراءَها الحوريّاتُ/ الأميرةُ تُقبِّلُ العروسَ/ تُودِّعُ السّيّدَ/ تتبسمُ للسّاحر!
ولا شكَّ أنّ هذا الاستغناءَ يُؤدّي أكثرَ مِن وظيفةٍ، وذلكَ مُرتبطٌ بالسِّياقِ.

التّرادفُ/ نحوَ قولِهِ: تودُّ أن تطلعَ أن تخرجَ/ تعبيرًا عن الفرحِ والسّرور/ أدخلَ السّرورَ والبهجةَ إلى قلبِ السّاحر/ ترتعدُ الأميرةُ مِن الخوفِ والرّعبِ/ أخذتم البكاءَ والعويلَ سلاحكَم/ خلّصَ المدينةَ مِن الدّمارِ والخراب!
ولعلَّ الوظيفةَ الأساسيّةَ لهذا التّرادفِ هو التّأكيدُ ولفْتُ النّظرِ، التّأكيدُ للمعنى المُرادِ مِن خلالِ إيرادِ كلمةٍ أخرى تدعمُهُ، ولفْتُ النّظرِ إليهِ مِن خلالِ ذلكَ، باعتبارِهِ أمرًا مُهِمًّا!

التّكرارُ بأنواعِهِ المختلفةِ وبِضَمِّهِ التّرديدِ والاشتقاقِ وهو كثيرٌ جدًّا، نحوَ قوْلِهِ: مِن سِجنِ الحكاياتِ وسِجنِ العلبة/ أنت تستحقّينَ الحياةَ/ تستحقّينَ الحرّيّةَ/ تستحقّينَ أن تكوني مع أطفالِ الدّنيا/ أدخلَها داخلَ علبةٍ مِن الذّهبِ الخالص/ فكّر وفكّرَ وأخيرًا عرَفَ الهديّة/ .... ومَن يُحبُّ الطّبيعةَ والنّاسَ يُحبُّ الحياةَ/ يكرهُ الظّلمُ ويُحبُّ العدلَ/ يكرهُ السّجنَ ويُحبُّ الحرّيّةَ/ يكرهُ الحربَ ويُحبُّ السّلام.
الوظيفةُ الأساسيّةُ للتّكرارِ هي التّأكيدُ مِن خلالِ التّوافقِ اللّفظيِّ والتّأثيرِ على المتلقّي، عن طريقِ الأصواتِ المُعادة!

التّشبيهُ والاستعارةُ والمجاز، نحو قولِهِ: جعلَها قطعةً صغيرةً بحجمِ عروسةِ ألعاب/ وجهٌ كطلعةِ البدرِ ومَبسَمٌ كقطعةِ السّكّر/ كانتِ الغابةُ تحتفلُ بعيد العصافير (مجاز)/ كانتِ العصافيرُ ترقصُ فوقَ الأغصانِ ( تأنيس)/ كادتِ الأميرة تطيرُ مِنَ الفرحِ كما تطيرُ العصافيرُ (تشبيه)/ بأغنية جميلةٍ رائعةٍ ناعمةٍ مثل نعومةِ صوتِكِ، وجميلة مثل جَمال وجهِكِ/ وأغلقَ أبوابَ السّعادةِ والفرحِ بوجهِ المدينةِ (استعارة مكنيّة)/ النّملُ يرحلُ كالعصافيرِ المهاجرة!

هذهِ العناصرُ الأسلوبيّةُ الثّلاثةُ هي العناصرُ المتعلِّقةُ بالصّورة، وهي مُوجَّهةٌ في معظمِ الحالاتِ إلى العينِ، لنَقُلْ صوَر محسوسة، وبالطّبع فإنّ التّشبيهَ هو الأسهلُ والأقربُ إلى المحسوسِ، وإلى ما يناسبُ طلاّبَ المرحلةِ الابتدائيّةِ!

قلتُ أنّ لغةَ هذهِ الحكاياتِ لغةٌ أدبيّةٌ جميلةٌ، وأستطيعُ أن أضيفَ الكثيرَ مِن الكلامِ في مدحِها.. 

 في الختام أعبِّرُ عن تقديري للأديبِ وهيب وهبة، وأقولُ أنّنا بحاجة إلى هذا النّوعِ مِن الكتاباتِ الأدبيّةِ الرّاقيةِ والأصيلةِ خيالًا وتعبيرًا، فإلى الأمام وإلى مزيدٍ من هذا الإبداع الّذي يُثري مكتباتِنا.
إشارات:
علبة من ذهب: قصة للشبيبة- ضمن مشروع "أدب الشباب" للشاعر الأديب – وهيب نديم وهبة. 
الرسومات: للرسامة الإيرانية "المبدعة القديرة" فاطمة بور حاتمي.
صدرت الطبعة الأولى عام 2009 عن دار النشر آسيا – والطبعة الثانية- 2012- عن دار الهدى- كريم.
الترجمة إلى لغة أجنبية عام- 2012.
المقال: عن الطبعة الثانية الصادرة عام- 2012.
علبة من ذهب- ضمن مشروع مسيرة الكتاب في المدارس. 
تم مسرحه "علبة من ذهب" على خشبة المسرح عام- 2013. 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق