ذاكرة بجروح مفتوحة: الحزن ثيمة ساطعة في جميع قصص صبحة بغورة وقد أعلنتها بكآبة لا تخلو أبداً من الرقي

ميدل ايست أونلاين
بقلم: رضاب فيصل

عندما يصبح العذاب بلا حدود

في عدده (١٠٨ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٥) يستحضر كتاب مجلة الرافد الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة، مجموعة قصص للكاتبة والشاعرة الجزائرية صبحة بغورة تحت عنوان "وخزات على جراح مفتوحة" تختصر الألم وتقدمه في صيغة سردية تشبه إلى حد بعيد آلام الحاضر وأمال الماضي والمستقبل لأي إنسان عربي يعيش على هذه الأرض.

بدأت بغورة مجموعتها بكلمة وجهتها إلى القارئ العربي، فخاطبته لعلّه يسمع أو يرى، حيث قالت: "عندما يصبح العذاب بلا حدود، يتحدى بألمه الوجود، وما أكثر من ركبوا صهوة الألم، وأوقدوا شموع الدمع، وما أكثرهم الصاعدون إلى شرفات الحزن ينظرون الدروب المجروحة، حيث الأصوات المبحوحة والأماني المكسورة أمام الأبواب الموصودة، فمن ينبش في الذاكرة قبل أن يطعمها التاريخ للنسيان؟ ومن يروي الحكايات حتى ولو كانت وخزات عميقة على جراح مفتوحة، وعلى أخرى لم تندمل بعد، قبل أن تتحول إلى قصص للريح في ذاكرة الحجر؟ ومن يقرأ؟".

٢٠ مجموعة قصصية توزّعت على ١٥٣ صفحة من القطع الصغير. وجاءت عناوينها من وحي الذاكرة القريبة والبعيدة، تتألم مثلها وتنتصر للجراح لكن دون فائدة تُحصد. وربما يعي القارئ أن هزيمة روحية تختبئ بين السطور وتتجلى في كلمات العناوين، ونذكر على سبيل المثال: “اغتيال حلم"، "سجينة الذكريات"، "عندما يبكي الوطن"، "وانتقم القدر" و"آمال من رمال".

الحزن ثيمة ساطعة في جميع القصص المكتوبة وقد أعلنتها بدءاً من العنوان الرئيسي. لكنه حزن راقٍ يبلغه الرفيعون فقط. وما أجمل الحزن في عيون هؤلاء!

وقد استطاعت بغورة أن تنسج حزنها برقي مطلق، عبّرت عن صفائه وجماليته من خلال السرد المشحون بذكريات تنشج عبق الماضي.

ويحضرنا هنا ما كتبته في بداية قصة "سجينة الذاكرة" إذ قالت: "غنّى وبكى، فأبكى عصفورة حطت على سور الذكريات، وعلت السماء مسحة من الحزن والكآبة، فبكت وبكى الحجر، وتوسّدت الرياح صفصافة عليها عصافير تنشد لجرحها أغنية الرحيل، كان الليل كئيبا بارداً، والقمر يطلّ ويغيب عندما لم يعد بقربها، تهاطلت عبراتها كالمدار شقت خطوطا على وجنتيها، فتوسّدت باردة كالعدم، وبكت في صمت، موت الفرح في ربوع مملكتها حقيقة جرفتها إلى عالم الأحزان".

الأحلام المسروقة في قصتها "من سرق أحلامي؟" ليست مجرد فكرة عابرة. وتكاد تكون الأرضية الأساسية والثابتة لجميع ما كتبته: "أحقاً لا نحس بقيمة الأشياء بعد فقدها؟ بقي هذا التساؤل بخاطري طويلاً، تردد في وجداني آلاف المرات. لم تسعفني أبداً حياتي في أن أصرخ في وجه الزمن الذي أطاح بأحلامي".

ومن خلال ما سبق، وغيره مما لم نذكره، تظهر إشكالية في الوطن، مأساة تكللها أزمة حنين. هكذا يمكننا تلخيص بعضاً مما كتبته بغورة في هذا الكتاب. ونقصد بالإشكالية تلك الصراعات التي فُرضت على الإنسان العربي اليوم بحكم أحداث بعينها، وبحكم تراكمات من السنين والأحداث أدّت إلى اغتراب المثقف فيه وحتى غير المثقف.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق