زياد جيوسي يكتب عن آفاق وألوان في عمان

  



   ما أن وصلت إلى عمَّان عاصمة الاردن الجميل حتى كانت الدعوات لمعارض الفن التشكيلي تهل في فضائي، ومنها كانت دعوة لحضور معرض آفاق لمؤسسي جمعية ابداع، هذه الجمعية التي واكبت كل نشاطاتها ومعارضها منذ كانت فكرة تحمل اسم "كونتراست"، حتى بدأت تتحول إلى واقع تحت مسمى "سنابل"، ثم تحولت إلى واقع وجمعية مرخصة رسميا تحت إسم "ألوان" للإبداع الفني، والتي أعلنت عن تأسيسها من خلال هذا المعرض للأعضاء المؤسسين، على أن يليه معرض قريب لمن يرغب بالمشاركة من أعضاء الجمعية التي بدأت تشق طريقها، وزاد عدد الأعضاء المنتسبين لها منذ لحظة تأسيسها بشكل ملفت للنظر وخاصة من جيل الفنانين الشباب.
   أمطار الخير هطلت في فضاء عمَّان بقوة يوم افتتاح المعرض، وتحولت شوارعها إلى برك وأنهار وسيول، ومع هذا كنت أصر على نفسي أن أحضر الافتتاح برفقة زوجتي رغم الحالة الجوية المفاجئة، وقدت السيارة بحذر شديد أخذ مني وقتا مضاعفا للوصول إلى المعرض في "جاليري "رأس العين والذي يتبع أمانة عمان الكبرى، فالوصول في هذا الجو وقيادة السيارة يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب، وخاصة حينما كنت أشاهد السيارات والمركبات التي تعطلت بسبب تسرب المياه إليها، وحين كنت أنظر لأدراج حي المهاجرين والتي تحولت إلى شلالات من مياه لا تسمح لأحد بالصعود أو النزول وإلا جرفته قوة المياه.
   في المعرض الذي افتتحه الكاتب (هزاع البراري ) أمين عام وزارة الثقافة، والذي حضر للمعرض مبتسما كما عادته رغم سوء الأحوال الجوية، وتمكن عدد من الفنانين وعشاق الفن من الوصول أيضا، وتعذر على الكثيرين الحضور وخاصة ممن لا يمتلكون سيارات أو يسكنون على مسافات بعيدة من موقع المعرض، كنت أجول في أنحاء المعرض وصالة "الجاليري "الواسعة، اتأمل الجمال وأستمع لهمسات بعض اللوحات الفنية، فاللوحة الجميلة لا تبوح بأسرارها إلا لعاشق متيم، وعبر مسيرة طويلة في تذوق الفن التشكيلي كنت أقول أن اللوحة كما الأنثى، لا تبوح بأسرارها إلا لعاشق متأكدة أنه يعشقها فتبادله العشق والحب.
   الفنان (عصمت العمد) شارك بعدة لوحات في المعرض وغالبيتها اعتمدت رسم الطبيعة والمكان وهذا اسلوب معروف للفنان (عصمت) لكنه في هذا المعرض شارك بلوحات مختلفة عن اسلوبه المعتاد، ومنها لوحة الحصان الأبيض يركض في الطبيعة الخلابة في لحظة اشراق الشمس برمزية واضحة للفجر القادم على وطن محتل ومغتصب، ولوحتين رمزيتين مثلتا رقعة شطرنج تحلق فوق الأرض برمزية جميلة للصراع الذي تقوده أيادٍ تريد ان تحيل اوطاننا لرقعة شطرنج يحركون بها الأدوات التي تحكم، لكن الفجر بدأ يشرق في لوحة والحصان الأبيض بدأ يظهر في اللوحة الأخرى، فبقاء الحال من المحال ولا بد من اشراقة الفجر على الوطن.
   الفنانة (نهلة آسيا) شاركت في عدة لوحات وفي عدة لوحات غيرت بأساليبها السابقة التي شاهدتها لها قبل عدة اعوام، وفي هذا المعرض ركزت (نهلة )على المكان فكان للقدس حصتها وبوح اللون، والأمكنة التراثية وبيوت العقد التراثية، ولوحات رمزية تمثل معاناة الفلسطيني في وطنه وقضيته، وتميزت لوحة تمثل القدس وقبة الصخرة في وسطها تجاورها كنيسة القيامة، ومن حولهما ذاكرة المكان والبيوت القديمة، والأفق يشتعل بثورة اللون الأحمر ومن قلبه يشرق اللون الأصفر رمزا للغد القادم.
   الفنان (رائد قطناني )الفنان الشاب والمحترف باستخدام "الباستيل" الناعم والمنصهر بقضية فلسطين حتى النخاع، شارك بعدة لوحات مثلت فلسطين، ما بين الألم والحلم والحكاية، حكاية شعب لم يتوقف ولن يتوقف عن الحلم بالحرية، حرية وطن وحرية شعب، وهذه المرة تميز رائد قطناني بلوحة عازف الكمان على شاطئ البحر للطفلة الصغيرة بجديلتيها، وفي الأفق الساحل الفلسطيني حتى أني شعرت اني أستمع لأوتار الكمان تشدو: سنرجع نرجع يا يافا.
   الفنان (عبد الهادي جبرين )فنان هادئ بطبيعته وهادئ بلوحاته، تنقل في لوحاته بين الطبيعة باخضرارها وصحرائها والورود، وبين يافا والقدس وعكا وعبق الوطن الذي يحلم به، وتميزت لوحة له حملت رمزية كبيرة حيث حقول سنابل القمح الذهبية، والقدس في البعيد ولكن سنبلتين تلتفان حولها فتظهر من بينهما، في رمزية متميزة واحترافية لعلاقة القمح والأرض بالقدس، فالسواعد السمراء التي بذرت القمح وتستعد لحصاده، هي نفسها التي ستحرر القدس، وأيضا نرى الشمس مشرقة من بين الغيوم في الأفق مشيرة للفجر القادم.
الفنانة ( نهلة الجبور) لم تخرج كثيرا عن نمطها المعتاد برسم الأزهار والفراشات والطيور، والبحر والمراكب رغم خلو الأردن من البحر، والحلم وانتظار الغائب الا بلوحتين من لوحاتها، الأولى تمثل نساء بلا وجوه ظاهرة وهي عبارة عن 3 لوحات متلاصقة في لوحة، فيمكن قراءة كل جزء وقراءة المجمل، فهنا لباس النساء والالوان وغياب ملامح الوجوه حمل الكثير من الرمزية عن حلم المرأة ووحدتها ومعاناتها، بينما اللوحة الأخرى التي لفتت نظري فهي لشارع ومبانٍ وأشجار ومطر، وما لفت نظري أن المشهد بكامله غريب من حيث نمط البناء والمداخن والسيارت والشارع، فهو يشير أكثر لبلدة غربية هادئة وليست بالمطلق عربية. 
الفنانة (نوال عبد الرحيم ) والتي تلجأ دوما لاستخدام الألوان الحرة في لوحاتها على نمط الزخارف، لاحظت تطورا كبيرا بقدراتها التعبيرية في لوحاتها الجديدة، ففي السابق كانت لا تخرج عن رسم الطيور والورود على شكل زخرفي، لكن هذه المرة لوحاتها حملت افكارا ورمزية جيدة وتعابير أخرى، فكان للقدس مكانتها في لوحاتها وكذلك للمكان، والتعبيرية الرمزية ايضا كان لها مكانتها بعدة لوحات منها لوحة أشبه بالدوامة، ولوحات أخرى منها لوحة تمثل الرقص الصوفي، ولفتت نظري بشكل خاص من بين اللوحات لوحة تصور امرأة ورجل بلباسهم التقليدي التراثي الفلسطيني يجلسان للأرض، والمرأة تسند ظهرها لكتف الرجل وتضع كفها على كفه بكل حنان، وخلفهما نوافذ وابواب تراثية، مازجتها جميعا بقدرة متميزة على شكل زخارف فانصهرت بها، ولكنها عبرت بقوة على رمزية التكاتف في المجتمع التقليدي الفلسطيني وخاصة بالريف حيث الزراعة وتربية الحيوانات بجهد مشترك للرجل والمرأة رغم كل قسوة الاحتلال.
   الفنان (عمر العطيات )شارك بعدة لوحات اعتمدت اسلوبه بالمدرسة السيريالية التي احترفها وأبدع من خلالها بأسلوب ليس من السهل الاحتراف فيه.
   في نهاية الافتتاح القى الفنان (رائد قطناني ) باسم الجمعية كلمة ترحيبية، واشار فيها لمسألة مهمة، أن الجمعية لم تأتي بديلا لأحد، ولا تطرح نفسها بمكان مواجه لرابطة الفنانين التشكيليين او بديلا عنها، ولكنها ترى بنفسها وتهدف لتكون حلقة الوصل بين الفنانين وخاصة الشباب ومن في بداياتهم من جهة والرابطة من جهة أخرى، وأنها ستبقى رافدا وداعما للفنانين الشباب تحت مظلة الرابطة وبالتعاون معها.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق