CONVERSATION
مقدمة تعريفية برواية الحياة كما ينبغي
كتب فراس حج محمد| فلسطين
صدر مؤخرا للروائي والأكاديمي الفلسطيني د. أحمد رفيق عوض رواية بعنوان "الحياة كما ينبغي"، وتقع الرواية في (172) صفحة من القطع المتوسط، وتتألف من ثلاثة وعشرين فصلا قصيرا. وبذلك يصبح في رصيد الكاتب تسع من الروايات التي عالجت كثيرا من القضايا الاجتماعية والتاريخية والسياسية والفكرية.
تتحدث الرواية عن تفاصيل عملية عسكرية ضد دورية من دوريات الاحتلال في المنطقة الواقعة بين يعبد وعرابة، نفذها فلسطيني من قرية يعبد في آذار عام 2022، يطلق عليه اسم راشد المحمود، وترصد الرواية مراحل العملية العسكرية، ودوافعها، وتنفيذها، ونتائجها وتداعياتها، ويغلب على الزمن في الرواية التتابع التقليدي (الكرونولوجي)، مع بعض الارتدادات القليلة في الاستعادات الزمنية السابقة (التذكر والاسترجاع).
أما المقاوم راشد، فإنه يستطيع أن ينفذ عملية ناجحة، يذهب ضحيتها ضابط كبير من جنود الاحتلال، يفلح في التخفي، ثم الوصول إلى مخيم جنين، يستطيع جهاز الشاباك التعرف على منفذ العملية، فيهدمون منزله، ويعتقلون أمه وأباه، هذا المقاوم غير مؤطر تحت أي تنظيم أو فصيل سياسي، على الرغم من أن من ساعده شخصان، متدين وعلماني؛ إشارة إلى تنظيمين مختلفين. كان قد تعرّف إليهما خلال مدة سجنه.
هذه الشخصية تنتمي إلى الأغلبية المقهورة التي عانت من الظلم، يعمل سائقا لدى أحد التجار، موزعا للبضاعة، فقد حكم عليه خمس سنوات عام 2015، بتهمة ملفقة؛ محاولة طعن جندي على حاجز الحمرا، خلال رحلة العودة من العمل، يخرج من السجن ولديه الرغبة في الانتقام، وتنفيذ عملية، يتزوج وينجب ولدا، وينخرط في العمل، تتجدد رغبته، ويتم عمله، وينفذ عمليته.
تداعيات العملية واضحة، وتمثلت في سياسة المداهمة، وحصار القرية التي يتم مداهمتها، والاعتقال الجماعي، والاشتباكات ووقوع ضحايا، وتسير هذه الإجراءات من العقاب الجماعي مع الجهود المخابراتية في تتبع أخبار العملية بكل ما أوتوا من قوة وإمكانيات.
أضاءت الرواية وناقشت الظروف الموضوعية، الفردية والجماعية الدافعة لأن يقوم الفلسطينيون بأعمال مسلحة ضد الاحتلال، وترى الرواية أن بإمكان المقاومة زحزحة الوضع السياسي الراهن المتجمد، ليحرز الفلسطينيون بعض المكاسب السياسية، إذ لا أحد يحارب من أجل الحرب فقط، كما أن الفلسطيني لا يستطيع أن يكون "حيوانا" عاملا، يأكل ويشرب وينام، ويمنح الاحتلال "الهدوء مقابل العمل"، كما جاء في الرواية.
كما بينت الرواية العوامل الموضوعية في نجاح المقاوم في التخفي والتسلل إلى مخيم جنين، ولخصتها الرواية في جملة من الأسباب، وهي: الاحتياطات الأمنية، ودراسة كل العمليات السابقة التي تم فيها إلقاء القبض على المنفذ أو اغتياله، أو تصفيته، وتجنب الخطأ القاتل لأولئك المناضلين، وعدم استخدام الهاتف المحمول في الاتصال بأي أحد من المعارف أو الأقارب، وتجنب الاستعراض والتباهي الزائف، وعدم تبنّي العملية من أي فصيل سياسي، والتكاتف والتعاضد والحس الجماعي والأمني، والحذر من أي تصرف يمكن أن يؤدي إلى انكشاف المنفذ أو إعدامه.
عدا البطولة الفردية التي مثلها راشد المحمود ومقاوم آخر؛ قتل جنديا محتلا خلال مداهمات الاحتلال لبلدة يعبد، ركزت الرواية كذلك على البطولة الجماعية، وخاصة خلال مداهمة الاحتلال لبلدة يعبد، ومشاركة الناس بأعمال المقاومة بدءا بالتكبير وضرب الحجارة وانتهاء بالاشتباك المسلح وإيقاع ضحايا في صفوف الأعداء، والوقوف مع من هدمت منازلهم، واحتضان أهالي المخيم للمقاومين، بمعنى توفر هذه البطولة الجماعية حاضنة شعبية دافعة للاستمرار في المقاومة، ولولا هذه الجماعية لما استطاع المقاومون البقاء في المخيم، ولما استطاع زيد أن يتمّ عرسه أيضا في المخيم ذاته؛ مخيم جنين.
على الطرف المقابل هناك شخصيات تمثل الاحتلال، وتكشف عن مواقف شخصياته الأمنية والسياسية، وتومئ الرواية كذلك إلى شيء من الاختلاف الحاصل في المجتمع "الإسرائيلي" بثنائيته التقليدية بين اليهود الأشكناز (الغربيين) واليهود الشرقيين، والحساسية التي يعاني منها كل طرف تجاه الطرف الآخر، وكان لهذه الثنائية الضدية التي عرضتها الرواية بتداخل اجتماعي واقعي أن تغير مجرى الأحداث قليلاً، وأن تؤثر في الرؤى لرجل المخابرات "أبو السعيد"، وربما كانت هي إحدى العوامل التي دفعته لارتكاب جريمتين في اللحظة ذاتها.
وتفسح الرواية مجالا للتعرف على رد فعل الجمهور "الإسرائيلي" على العمليات التي ينفذها جنود الاحتلال عقب كل عملية عسكرية ناجحة فلسطينية، وتشكل أداة ضاغطة على جنود الاحتلال وعناصر الشاباك، وكلما تأخروا في تحقيق الأهداف، يشنون هجوما على المسئولين عن ذلك، فيصفونهم بالفشل، وبالمقابل يحاول هؤلاء المسئولون إسكات تلك الأصوات بتحقيق مكاسب غير حقيقية، وليست هي المطلوبة من هذا الجمهور، لقد أصبح هذا الجمهور مزعجاً جدا للمستويين العسكري الأمني والسياسي.
تتمتع الرواية بحبكة متماسكة، ويحكمها منطق سردي قائم على الإقناع، وتتنوع فيها إيقاعات السرد بين الهادئة والمتوترة، حسب المشاهد المتحدث عنها، ما أكسب الرواية تشويقا ظاهرا في تتابع حركة الأحداث وتطورها، فقد كان السارد حريصا على أن يظل متحكما بخيوط اللعبة السردية، وانزلق أحيانا السارد إلى التفسير السياسي للحدث عبر مجموعة من التدخلات الخارجة عن المنطق الروائي، ليظهر صوت الكاتب واضحاً خلال تلك التدخلات، وتراوحت تلك التدخلات بين الجملة القصيرة، إلى أن تصل أحيانا إلى عدة جمل متتابعة، إذ يسكت الكاتب سارده، ويسيطر عليه؛ جريا وراء شهوة الحديث السياسي أو التغزل بالأرض والشجر، وصناعة المشاهد الشاعرية.
كما امتازت اللغة بالتنوع المفتوح على معجم لغوي يمتح من الطبيعة ومفرداتها والحياة الفلسطينية، وممتزج بملامح شاعرية بحكم الحديث عن الطبيعة بجانبها الجمالي العاطفي والوجداني، بالإضافة إلى البعد السياسي والعسكري في هذه اللغة حيث اقتربت اللغة من الوصف المباشر بمفردات تنحو نحو الوصف والسرد الذي لا يحمل إلا فكرته بدلالاتها المباشرة التي اقتربت أحيانا من اللغة الصحفية أو لغة التحليل السياسي أو لغة الأخبار. وبقيت اللغة ذات مستوى واحد على الرغم من تعدد الشخصيات بين عربية وعبرية، وبين المختلفة في مستواها الثقافي، وابتعدت اللغة أحيانا عن واقعيتها التي تمنح السرد فعالية وسلاسة خلال بناء الأحداث وتطورها. وظلت تكتسي الرواية بملامح أكاديمية، حريصة على ألا تنزلق عن مستوى لغة الكاتب نفسه.
تستبعد الرواية من متنها التعرض للجانب الرسمي الفلسطيني، فلم يظهر للسلطة الفلسطينية أي دور، سلبا أو إيجاباً، كأن هذا الغياب السردي معادل موضوعي لغياب التأثير الفاعل على الأرض من السلطة الفلسطينية التي أصبحت في السنوات الأخيرة، لا علاقة لها بهذا الجانب من المقاومة، واقتصر دورها كأي نظام عربي عاجز أو متواطئ على الشجب والاستنكار، كأن الشعب شيء آخر، وهم حكام لشعب مختلف، فهذا الدور الباهت للسلطة الفلسطينية في الواقع قابله حذف بالكامل من مشهدية الرواية.
وعلى أية حال، فأهمية الرواية تكمن في أنها ترصد الحالة السياسية الراهنة على جانبي الصراع في فلسطين المحتلة، وحالة الإحباط التي أصيب بها الفلسطينيون جراء ما يعانونه من تعنت "إسرائيلي" وحشي، يناصره جمهور ليس أقل منه تطرفا وعنفاً، بل إن هذا الجمهور يطالبه بالمزيد من التنكيل بالفلسطينيين للمزيد من الإخضاع والإذلال، ولكنها مع ذلك تحاول أن تقدم حلولا أو تشير إليها كون كاتبها أكاديميا سياسيا، يستخدم الرواية للتعبير عن وجهة نظره وقناعاته السياسية. وبهذا يمكن أن تصنّف هذه الرواية على أنها رواية سياسية، وظفت الحكاية وأحداثها لخدمة ما تحمله من رسائل سياسية، هذه الرسائل والأفكار التي خصصت لها وقفة خاصة سأناقشها بالتفصيل، محاولاً تفسير البنية النصية ومآلاتها الفكرية، واندماجها مع وجهة نظر الكاتب السياسية.
CONVERSATION
فراس حج محمد: بين يدي رواية أحمد رفيق عوض الحياة كما ينبغي
في صباح يوم الاثنين 6/6/2022 تصلني عبر الواتس آب برسالة محولة رواية "الحياة كما ينبغي" مع اتصال صباحيّ من مؤلفها الدكتور أحمد رفيق عوض، يطلب مني الاطلاع على مخطوط هذه الرواية، ليطمئن على طباعتها أم التريّث في ذلك. وعلى الرغم من اكتظاظ الأعمال وكثافتها، طلبت مهلة لعلني أستطيع في ظرف أسبوع أن أقرأها وأوافيه برأيي.
كان اتصال الدكتور عوض ورسالته قبل أن أذهب إلى العمل؛ رسالة مبكرة في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا، بدا الدكتور متشجعا جدا لروايته. لم أطق صبرا، وأخذت في مكتبي بقراءة الرواية، قرأت ثلاثة فصول منها، بسلاسة ومتعة، واندهاش. تحمست أنا كذلك للرواية، ورأيت أنه من الظلم لها أن تبقى حبيسة الأدراج، والتردد، فأسئلتها الطازجة، وحيلتها الفنية وتقنياتها ولغتها، عناصر تمنحها جواز سفر قويّ إلى دور النشر وإلى القراء والنقاد.
عبرت عن إحساسي تجاه الرواية بهذه الرسالة: "في الحقيقة فضول الناقد أخذني لأسرق بعضا من وقت لأقرأ في روايتك الجديدة. إنها مختلفة، إنك تخترع فيها ما أسميه "رومانسية المقاومة"، حيث الطبيعة الفلسطينية في أصفى تجلياتها خدمة للمقاومة، لقد أنسنت الشجر والحجر والفضاء الفلسطيني في الطبيعة الفلسطينية البكر. إنها خطوة رائعة والتفاتة قل أن توجد، ولا أدري إن كتب أحد بهذه الطريقة أم لا. من حقك أن تتحمس لها وحماسا زائدا أنتظرها بشوق لتطبع لعل الذائقة تقول فيها وتوفيها حقها". يردّ الدكتور برسالة مختصرة: "رائع أنك عذرتني في حماسي الشديد".
لانشغالاتي الكثيرة لم أعد إلى مخطوط الرواية، وانتظرت طباعتها، لتصلني نسخة موقعة من الدكتور، بعد أن تم تحديد موعد حفل إشهارها في متحف محمود درويش، برفقة الكاتبين تحسين يقين وأمير داوود. لم أنتظر الرواية حتى تصلني بنسختها الورقية بل عدت إلى المخطوط وأعدت قراءة الرواية من الصفحة الأولى حيث شجرة الزعرور، كنت أقرأ وأسجل ملاحظاتي في أوراقي الخاصة، انتهى يوم العمل وأنا غارق وموزع بين القراءة وكتابة الملحوظات، أكمل القراءة في البيت في المساء ذاته، وتكتمل الرواية وتكتمل وجهة نظري عنها، وتجمع لدي ست صفحات من الملحوظات والاقتباسات من الرواية.
أخذت أفكر بكيفية الكتابة حولها، وجدت أن كل الأفكار لازمة، وضرورية، اتكأت على مقولة للوك فيري في فلسفته تجاه الحياة المعاصرة "الحياة كما ينبغي أن تعاش"، ودخلت من هذه الجملة إلى جسد الرواية وروحها، فكانت خصبة الثمر، متعددة الشجر، ممتعة في التناول، وتفتح شهية الباحث. أنجزت المقال الأول فيها وكان مقالا مطولاً تحليليا، أعدت قراءته، ثمة أشياء مهمة لم أقلها في الصنعة الروائية، فشرعت بكتابة مقال ثانٍ أردته "إضاءة" على عناصر العمل الروائي دون الخوض فيما بحثته وحللته في المقال الأول، هذا المقال التعريفي بالرواية، بعثته للنشر أولا، قبل المقال التحليلي الذي يتناول الأفكار وتشابكاتها الثقافية والسياسية والاجتماعية واتكاءاتها المعرفية.
ها أنا أكتب عن الرواية للمرة الثالثة، وعلى الرغم من ذلك، إلا أنني لم أستطع التخلص من أوراق الملحوظات التي جمعتها، ثمة أشياء أخرى تستحق الحفر والنبش لم أكتبها، لاسيما أن الرواية ذات اقتراح جمالي، تجلى في بنائها، وفي لغتها الشاعرية في حديثه عن الأشجار والورود والطبيعة الفلسطينية وفي إمكانية قراءتها نقديا حسب مناهج نقدية متعددة من سيميائية وبنيوية وأنثروبولوجية اجتماعية ورمزية، والاستعانة بمقولات علم الاجتماع والعلوم السياسية والتحليل النفسي، وأن الكاتب يضيف لتجربته الروائية بعدا آخر بعد أن جرب الرواية التاريخية، وأحرز فيها الكثير من الإنجازات، ليعد أحد الروائيين المنتمين إلى الاتجاه التاريخي للرواية الفلسطينية.
قد لا أوافق الكاتب على طروحاته السياسية في الرواية إلا أن المنطق الإقناعي في الرواية يجعلني أراها رواية يمكن أن نتحاور بشأن مقولاتها، مع الاحترام الكامل لوجهة نظر الكاتب الذي كتب رواية في المقام الأول، فروائيتها أهم من أفكارها السياسية من وجهة نظر نقدية محضة، هذان الجانبان اللذان كانا حاضرين بقوة في مداخلات المثقفين يوم حفل الإطلاق الذي تمّ بـ 17/8/2022، فحظيت الرواية بالإشادة وعبّر المتحدثون عن أهمية الرواية في سياق حركة السرد الفلسطينية والثقافة بشكل عام.
هذه الرواية "الحياة كما ينبغي" للدكتور أحمد رفيق عوض تستحق أن تقرأ للمتعة أولاً، وأن تقرأ نقديا ثانياً، نظرا لشعريتها العالية، وهي من الروايات الممتعة للقارئ العادي والمرهقة للناقد، لصعوبة السيطرة على كل مقولاتها الفكرية التي جاءت في معمار فني محكم ورصين.
CONVERSATION
"أسطرةُ الأسطورة في شعر آمال عواد رضوان" كتابٌ نقدي للكاتبة سماح خليفة!
صدرَ للكاتبةِ الفلسطينيّةِ سماح خليفة كتابٌ نقديّ عن دار "نور للنشر" العالميّة، بعنوان "أسطرةُ الأسطورة في شعر آمال عواد رضوان"/ ديوان "أُدَمْوزُكِ وتتعشترين" أنموذجًا، ويقع الكتاب النقديّ هذا في 92 صفحة من القطع المتوسّط، ويتقصّى أثرَ "دموزي" و "عشتار"، في الدّيوان الشّعريّ (أُدَمْوزُك وَتَتَعَشْتَرين) للشّاعرة آمال عوّاد رضوان، للكشفِ عن البُعدِ الـ (ما بعد) أسطوريّ في شِعرِها، وفقَ منهجِ التّفكير الأسطوريّ الذّي ما انفكَّ يتلبّسُ الإنسانَ، منذ بدءِ الخلقِ إلى عصرنا الحاليّ.
وأيضًا، في ظِلِّ أسطورةٍ جديدةٍ مُبتكَرةٍ، تَجنحُ إلى أسطرةِ أسطورة، تكشفُ عن المؤثّراتِ الّتي بلورَتْ شخصيّةَ الشّاعرةَ آمال عوّاد رضوان الفنّيّة، وسبرَ أغوارِ نفسِها.
كما اتُّخذَ مِن ديوان "أُدَمْوزُك وَتَتَعَشْتَرين" المُؤثَّثِ بالوعي الإدراكيِّ جسرًا، للعبورِ إلى عالمِ الأسطورةِ بشخوصِها ودلالاتِها، أو أطيافِها وتأويلاتِها، والتّعالقاتِ الكاشفةِ للخيطِ السّحريّ الذّي يربطُهما، للخروجِ بأسطورةٍ مُؤسطَرةٍ تربطُ الماضي بالحاضرِ وبالمستقبل.
لقد أصبحَ توظيفُ الأسطورة - في النّصِّ المُعاصر- قضيّةً محوريّة، يجبُ الالتفاتُ إليها، وكشفُ النّقاب عنها وعن أسباب توظيفِها، فصِلةُ الشِّعر بالأسطورة قديمة.
إنَّ الشّاعرَ الحديثَ عادَ للأساطيرِ القديمةِ ووظّفَها في شِعرِهِ، للتّعبيرِ عن تجاربهِ تعبيرًا غير مباشر، فذوّبَ الأسطورةَ في بُنيةِ القصيدة، لتصبحَ مِن صميم تركيبِها، ممّا يَمنحُها كثيرًا مِنَ السّماتِ الفاعلةِ في بقائها، وإنقاذها من المباشرة، والتّقرير والخطابيّة.
CONVERSATION
كتاب تعزية من مؤسسة المطران ميخائيل الجميل للحوار الى بابا الإسكندرية في حريق كنيسة امبابة
قداسة البابا تواضروس الثاني الكلي الطوبى
سلام الرب معكم،
تألمنا لخبر حريق كنيسة أبي سيفين، ونتقدم بخالص العزاء للذين انتقلوا من شعب الكنيسة، ونصلي أن يمنحكم الله وشعب الكنيسة التعزية والسلام، وأن ينعم الله على المصابين بالشفاء العاجل.
حفظ الله الوطن والكنيسة والمواطنين.
بكل احترام
المحامي شادي خليل أبـو عيسى
رئيس مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة
رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية
CONVERSATION
زخرف وجمال في منمنمات عصرية
بقلم وعدسة: زياد جيوسي
منمنمات عصرية اسم على مسمى لمعرض تشكيلي للفنانة نوال عبد الرحيم وهو ثاني معرض تشكيلي أدعى إليه وأحضره في هذا الصيف العمَّاني الحار في صالة العرض الأنيقة "جودار" ، معرض امتازت لوحاته باعتماد فن الزخرفة الجميل والصعب، وهو فن قديم وتاريخي شهدته العصور السابقة وخاصة فترة فن زخرفة المساجد في العالم الاسلامي والكنائس لدى الغرب والمعابد في آسيا وعرف هذا الفن تحت تصنيف الفن التطبيقي، وقد تطور من الزخارف حتى أصبح جزءا من الفن التشكيلي حتى ان مدرسة "الباوهاوس" الألمانية الغت الفروق بين الفن التشكيلي والفن التطبيقي وأصبح يعرف تحت عنوان الفنون الابداعية، لكن هذا المعرض تميز بأنه مازج عبق الوطن من نساء وخيول تصهل للعودة ورجال وورود وطيور وزخرفات، وهو المعرض الأول للفنانة نوال عبد الرحيم لكنه ومن خلال اللوحات المعروضة أعطى بصمة خاصة بالفنانة التي تألقت ريشتها مع روحها فكان هذا المعرض الذي افتتح يوم 2/7/2022 واستمر لفترة زمنية جيدة وحضور جميل.
ومن يجول بين لوحات نوال عبد الرحيم يحتاج إلى وقت كبير لتدقيق اللوحات والانتباه لما هو مرسوم بين الزخرفة والألوان التي تشابه لوحات الفسيفساء الملونة، فلا تخلو لوحة من اشكال تمثل قلب اللوحة والفكرة ومركز الأسلوب الحلزوني بها من خيول وبشر وطيور، ولهذا قمت بزيارة المعرض مرتين بين الافتتاح وزيارة أخرى تأملت بها اللوحات بهدوء ووقت كافٍ لتستمع روحي لهمسات اللوحات التي همستها لي، فاللوحات الجميلة تهمس لمن تشعر أنه واقف بتبتل أمام محرابها.
من يتابع اللوحات والأعمال الفنية المرفقة والتي تجاوزت الستين عملا ابداعيا يلاحظ أن المرأة حظيت على النصيب الأوفر من اهتمام الفنانة وريشتها حيث ضم المعرض ثلاثين لوحة كانت المرأة محورها، تلاها في ذلك الورود التي كان نصيبها ثماني لوحات، بينما الخيول ست لوحات والطيور ثلاث لوحات بينما الرجل لم يحظى من اهتمام الفنانة إلا عبر لوحة واحدة يتيمة، وفي الجانب الآخر ما بين الزخرف والمكان حظي المكان على خمس لوحات ولوحتين زخرفيتين على شكل دائري وكان بالمعرض ثمانية أعمال مجسمة استخدمت الأسلاك ومواد أخرى به، وفي الفقرات التالية سأسلط الضوء بقراءات سريعة لنماذج من أعمال الفنانة حسبما اوردت تصنيفها سابقا.
المرأة: في لوحات الفنانة نوال التي صورت بها المرأة اعتمدت أن تمثلها في حالات مختلفة وإن غلب عليها مشهد النساء الريفيات، وقد اخترت أربع لوحات للحديث عنها من ضمن ثلاثين لوحة حيث رأيت في هذه اللوحات نماذج متميزة تعبر عن ابداعات الفنانة، مع اشارة الى باقي اللوحات من حيث الفكرة والمضمون.
اللوحة الأولى: تظهر فتاة شابة مبتسمة ترتدي الزي التراثي الشعبي ولكن غير المطرز وهو زي العديد من المناطق الفلسطينية وخاصة مناطق الشمال، وتحمل على رأسها سلة أو وعاء اعتادت النساء في الريف حمل الأغراض بها وخاصة في مواسم القطاف وحين التسوق، بدلالة واضحة أن المشهد يمثل امرأة من الريف الفلسطيني تمارس حياتها المعتادة، وخلفية اللوحة زخارف مختلفة من أعلى اللوحة لأسفلها وإن كانت بالأسفل تعبر عن الأمكنة أكثر، وكانت الألوان المستخدمة بالزخرف سواء على لباس وجسد المرأة والخلفية المحيطة بها معتمدة على الألوان الهادئة البعيدة عن الصخب اللوني، فاعتمدت بغالبية الألوان الأبيض مع البني الترابي والأصفر المطفي واللون الأرجواني المخفف وتوشيحات لونية أخرى، ولكن اللوحة بشكل عام كانت مريحة للنظر وتحمل دلالات جميلة بدون تعقيدات رمزية أو لونية.
اللوحة الثانية: وهنا ابرزت دور المرأة وانتمائها للوطن فجعلت قلب اللوحة وجهين متعاكسين لامرأة، ترتدي على رأسها ورقبتها غطاء مزخرف برموز زخرفات فلسطينية، وعلى اليمين بالنسبة للمشاهد تنظر الى الوطن ممثلا بقبابه ومبانيه التراثية وعلى أعلى قبة يقف طائر ينظر الى السماء وكأنه ينتظر الفرح القادم بالحرية للوطن، ومن جهة اليسار بالنسبة للمشاهد نرى أن الزخرفة على الوجه تمازجت مع ابنية الوطن التراثية وتنظر الى مشهد من القباب والأبنية التراثية وفوق القباب الشمس مزخرفة بسنابل القمح، وخلفية اللوحة سماء زرقاء تتقاطع بها الخطوط والزخرفات والورود، وهذه اللوحة التي حفلت بالرمزية كانت من اللوحات التعبيرية المتميزة في المعرض.
اللوحة الثالثة: وفي هذه اللوحة تظهر المرأة بملامح حزن على وجهها، ترتدي الثوب الفلسطيني المطرز بالنقوش الفلسطينية التي استمدت من النقوش الكنعانية، وهو ثوب تراثي بأكمام واسعة غلب عليه اللون النيلي الجميل، وتحمل على رأسها وعاء الأغراض المصنوع من القش وكانت تستخدمه النساء لجلب الثمار من البساتين وتظهر فيه أغصان وأوراق شجر أشبه ما تكون بأوراق البرتقال، وخلفها على الجانب الأيسر للوحة بالنسبة للمشاهد تظهر القرية متمازجة مع اسلوب الرسم الزخرفي والطرقات المبلطة وفضاء السماء الأزرق الجميل، فمثلت في هذه اللوحة وبشكل جميل وزخرفة جميلة واقع المرأة الفلسطينية في الريف الفلسطيني.
اللوحة الرابعة: امرأة فلسطينية شابة ترتدي ثوبها المطرز وإن كانت اللوحة تحيل التطريز الى زخرف فني كما هو أسلوب الفنانة في كافة لوحاتها، المرأة تجثو على ركبتيها وترفع يديها بالدعاء لله وخلفية اللوحة مسجد قبة الصخرة في المسجد الأقصى المبارك من الجانب الشرقي للمسجد حيث وجهتها القِبلة باتجاه المسجد الأقصى وهو المسجد القبلي، وأمام القبة الذهبية حمامة السلام تمازجت مع الزخرفة ووجهتها الشمال، وهي لوحة اختصت بالقدس بشكل خاص وبالأقصى بوصلة كل من يعشق القدس، وكان اللون الأزرق هو الطاغ على اللوحة وهو من الألوان الطاغية على زخرفات قبة الصخرة من الخارج، إضافة الى الأصفر وهو لون القبة والبني الفاتح بلون التراب مع توشيحات خضراء تظهر نخلات شامخة، واللوحة برمزياتها وتفاصيلها التعبيرية تشير لحجم الانتماء للأرض عامة والقدس خاصة والدعاء للحرية والتحرر ولدور المرأة في القدس وخاصة دور المرابطات في الأقصى بمواجهة الاحتلال.
وفي كل اللوحات التي كانت المرأة محورها من أعمال الفنان نوال نجدها اعتمدت أن تكون المرأة الريفية هي أساس وقلب اللوحات وركزت عليها، فالمرأة الريفية في فلسطين تمثل معاناة المرأة والآمها وهي تعكس مساحات واسعة من سكان الوطن فالريف هو المساحة الأكبر والأكثر معاناة من المدن، ولكنه يبقى الأجمل بالأشجار والهواء النقي والطبيعة وهذا ما نلمسه بلوحات المرأة لدى الفنانة بوضوح، ففي لوحة ضمت ستة من النساء بلباسهن التراثي تظهر ملامح المعاناة على الوجوه، وفي لوحة أخرى تتجلى الأمومة وفي لوحة ثانية يظهر الألم في لوحة انشق بها الوجه المبتسم الى قسمين ومن بينهما يظهر الألم المخفي على وجه هو الحقيقة المخفية خلف الظاهر، وفي لوحة أخرى تظهر المرأة بأسلوب رمزي كشجرة متجذرة بالأرض، ولوحة ظهرت المرأة وهي تحمل ما يشبه أكواز الصبر الشوكية على رأسها برمزية لحجم المعاناة التي تعيشها، وهكذا نرى في كل لوحة من اللوحات فكرة تمثل المرأة بأسلوب اعتمد الزخارف، ولا بد من الاشارة الى لوحتين رأيت انهما خرجتا عن الاطار العام، فالأولى على شكل امرأة اقرب ما تكون الى تمثال الحرية في أمريكا، والثانية ظهرت بها امرأة من خلال الزخارف على وجهها وعلى غطاء الرأس أقرب ما تكون لنساء الهنود الحمر.
الورود: كانت الورود تتشكل في ثماني لوحات خاصة بها من ضمن لوحات المعرض عامة، وفي كل اللوحات كانت الورود والأزهار في آنية خاصة توضع بها الزهور بعد قطافها، ويلاحظ أن هذه الآنية تفاوتت بين آنية زجاجية شفافة وما بين آنية مزخرفة غير شفافة، ومن اللوحات هناك لوحة واحدة اعتمدت اسلوب مختلف من خلال الرسم بالقلم وباقي اللوحات بالزيتي الكيماوي "اكليرك"، ومنها اربع لوحات أظهرت بعض تفاصيل المكان وهو المنازل بينما الباقية ركزت فقط على الورود مع آنيتها التي وضعت فيها، واختلفت الألوان بين اللوحات ولكنها جميعا كانت جميلة وتشد الأنظار لجمال اللوحات وزخرفتها وجمال الورود الظاهرة.
الخيل: الخيل معقود بنواصيها الخير ويظهر انها كانت الفكرة التي دارت حولها ست لوحات للخيول، وتميزت ثلاث لوحات منها بربط الخيل بالوطن، فالخيل رمز للنصر القادم والتحرير وهذا ما يتمثل بشكل خاص في اللوحة الأولى حيث اثنان من الخيول يتجهان نحو القدس والأقصى وقبة الصخرة، وهما أمام دائرة تحتوي بداخلها مشهد لأبنية تراثية ومساجد وقباب،ويغلب على الدائرة اللون الأصفر كما أشعة الشمس، بينما خارج الدائرة تتألق قبة الصخرة الذهبية وحولها ثلاث قباب لمساجد من الخزف الأزرق، بإشارة رمزية للخيول التي ترمز ليوم الحرية والنصر، ولكن من الجدير بالملاحظة وجود هذه القباب الثلاثة بالخزف الأزرق وهو غير مستخدم في فلسطين بشكل عام وبالقدس بشكل خاص، وهو من نمط القباب والمساجد المنتشرة في العراق الشقيق، بينما في اللوحة الثانية نرى الجواد يتجه بعنفوان نحو الأبنية التراثية التي ترمز لأبنية فلسطين وخلفية اللوحة أشارات للطبيعة الجميلة، وغلب على اللوحة اللون الأزرق النيلي بأسلوب الزخرفة، بينما اللوحة الثالثة لم تخرج عن فكرة اللوحة الثانية وإن اختلفت الألوان، أما اللوحات الثلاثة الأخرى فاعتمدت مشاهد مختلفة لوضعية الخيول ضمن تمازج وانصهار بين زخرفة فضاء اللوحات وأجساد الخيول.
تنقلنا الفنانة من فضاء المرأة وعبق الورود وصهيل الخيول إلى عدة لوحات أخرى حيث نرى ثلاث لوحات جميلة مازجت الطيور مع زخرفة جميلة فأعطت للوحات جماليات خاصة، ومن ثم المكان في خمس لوحات مختلفة المحتوى حيث نشاهد أبنية تراثية في لوحة والقوارب في البحر في ثلاثة لوحات ولعلها تستعيد من عقلها الباطن ما سمعته عن يافا بلدتها الأصلية من الأهل والأجداد والتي اجبروا على الهجرة منها في عام النكبة الكبرى، ولوحة لمشهد داخلي في مطبخ داخل بيت حيث تظهر الآنية الزجاجية وابريق الشاي، بينما لم يحظى الرجل الا بلوحة واحدة بالكاد يظهر فيها من بين الزخرفة في حالة من التفكير، ولوحتين دائريتين على شكل صحون حوتا زخارف جميلة ومريحة بالأسلوب للروح والنظر ذكرتني بهذا الأسلوب التي اشتهرت به مدينة الخليل بالصحون الخزفية الجميلة للأمكنة والزخارف الجميلة، اضافة الى ثمانية مجسمات اعتمدت فيها الأسلاك لإنتاج نماذج مجسمة جميلة، ورغم جماليتها فقد خرجت عن فضاء اللوحات التشكيلية في المعرض الذي اعتمد الريشة والفكرة واللون.
وهكذا نجد أمامنا معرض جميل ومختلف رغم العدد الكبير من اللوحات التي وصلت مع المجسمات أربع وستين لوحة وعمل فني وهذا ما يرهق المشاهد والمتأمل للوحات، معرض اعتمد أسلوب الزخارف الجميل والصعب الأقرب لفن الفسيفساء والذي يحتاج دقة كبيرة وخيال واسع ومهارة بالعمل ووقت طويل وصبر تحسد الفنانة عليه، علما أن الفنانة نوال عبد الرحيم لم تدرس الفن كدراسة أكاديمية فقد نالت البكالوريس في علوم الحاسوب والماجستير في علم المكتبات وعملت بالتعليم عشرة أعوام قبل التفرغ لبيتها وفنها، وتعبت على نفسها بجهد ذاتي اضافة لدورات فنية متفرقة، لكن الواضح أن الفن يسكنها منذ الطفولة، وقد شاركت بلوحات في العديد من المعارض داخل وخارج الأردن، والفنانة عضو برابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين وعضو هيئة ادراية بجمعية الوان للإبداع الفني في عمَّان.
يلاحظ أن فضاء اللوحات جميعا خلا من الفراغ حيث لم تترك الفنانة بقعة بدون الوان زخرفية، ولوحات الفنانة بشكل عام لها دلالات نفسية من حيث الانتماء للوطن والمرأة فيه وخاصة الريفية، واعتماد المرأة كأنموذج في غالبية اللوحات كما اشرت سابقا، كما كان المكان في اللوحات له دلالته النفسية من حيث الحلم بالعودة وعشق القدس وذاكرة الوطن من خلال البحر والقوارب، ومن جانب آخر كانت اللوحات تشير لروح الفنانة الجميلة من خلال الورود والطيور والزخرفة، مستخدمة وسائل متعددة في اللوحات كالزيت والزيت الكيماوي "اكليرك" والقلم اضافة للأسلاك في المجسمات، فكانت متوازنة في غالبية لوحاتها اضافة لتموضع الأشكال داخل اللوحات بانصهار وانسجام مع الزخارف المستخدمة، اضافة لألوان جميلة حسب موضوع اللوحة مع مراعاة الألوان للمساقط الضوئية وفكرة اللوحة والاهتمام برمزية الأشكال في اللوحات حتى توصل الفكرة من خلف اللون والريشة، فتألقت الفنانة بمعرضها الشامل الأول وصنعت لنفسها بصمة خاصة ستحفظ لها اسمها في عالم الفن التشكيلي.
CONVERSATION
ندوة ثقافية في مدينة نابلس حول أدب غسان كنفاني
تقرير: فراس حج محمد| فلسطين
تحت رعاية وزارة الثقافة الفلسطينية، وفي الذكرى الخمسين لاستشهاد الأديب المناضل غسان كنفاني نظّم منتدى المنارة للثقافة والإبداع بالشراكة مع المنتدى التنويري الثقافي الفلسطيني في مدينة نابلس يوم الخميس 4/8/2022 ندوة ثقافية بعنوان "غسان كنفاني... الفكرة لا تموت"، ومَعْرِضاً اشتمل على مجموعة من روايات غسان كنفاني، وبحضور جمهور من الكتاب والمثقفين الفلسطينيين.
استهلت د.لينا شخشير رئيسة منتدى المنارة الندوة بالترحيب بالضيوف، وشكرت المنتدى التنويري على استضافته للفعالية، وبينت في كلمتها أن الأديب غسان كنفاني لا يزال حيا في ذاكرة الأجيال على مر الزمن، فهو لم يمت في الوعي الجمعي؛ بسبب ثقافته المقاومة لكل أشكال الخنوع والتدجين، ثم تحدث رئيس مجلس إدارة المنتدى التنويري المهندس يوسف نصر الله في كلمة موجزة عن غسان كنفاني استعرض فيها محطات بارزة من سيرة حياته، وأتى على ذكر بعض من أعماله الأدبية.
وفي قراءة نقدية موسعة تحدث أ.د. عادل الأسطة عن العالم القصصي لغسان كنفاني وارتباطه بفكر الجبهة الشعبية، فتوقف عند قصتين الأولى بعنوان "ورقة من غزة"، والثانية بعنوان "درب إلى خائن"، مبينا الأسطة أن غسان كنفاني الأديب سابق على غسان كنفاني السياسي.
وأما المحامي الحيفاوي حسن عبادي، فتمحورت كلمته حول حضور حيفا في أدب غسان كنفاني من خلال روايته "عائد إلى حيفا" وكيف تم ربط حيفا بغسان كنفاني على الرغم من كثرة الذين كتبوا عن حيفا، من أمثال محمود درويش وأحمد دحبور، كما أشار إلى حضور حيفا في مراسلاته مع ثلاثة من الأسرى الفلسطينيين وتشوقهم لزيارة حيفا ورؤيتهم، وهم كميل أبو حنيش، ومنذر مفلح، وناصر أبو سرور.
وفي تقديم د.شخشير لكتاب (استعادة غسان كنفاني) للكاتب فراس حج محمد أوضحت أن الكتاب تناول صورة المثقف المدجن الخانع والثقافة الانهزامية ليستنهض همم المثقفين لأداء دورهم في خلق الوعي الفكري، كما فعل غسان وأشارت إلى أن الكاتب فراس حج محمد يلتقي مع غسان في نقده الساخر، وجرأة قلمه؛ بهدف النقد البناء من أجل الإصلاح. ثم تحدث الكاتب فراس حج محمد عن كتابه مبينا الأسباب التي جعلت غسان كنفاني حيا ومؤثراً بعد مرور خمسين عاما على استشهاده، ومعرّضا بالكتاب الفلسطينيين الرسميين الذين لم يقفوا مواقف صلبة وواضحة ضد موجة التطبيع العربي الأخيرة، كما بين كيف تعاملت المناهج الفلسطينية مع النصوص المجتزأة التي جعلت اثنين من نصوصه ضمن مقررات اللغة العربية في الصفين السابع الأساسي والثاني عشر، فشوهتهما وأفقدتهما قيمتهما النضالية والثورية، وهما "رجال في الشمس" وقصة "البومة في غرفة بعيدة".
بعد ذلك تم فتح باب المشاركة للحضور، فقدّم عدد كبير منهم مداخلات قيمة وأسئلة واستفسارات للمحاضرين. وفي نهاية الندوة وقّع الكاتب فراس حج محمد نسخاً من كتابه (استعادة غسان كنفاني) للجمهور.
CONVERSATION
جمعية محترف راشيا تُكرم النائب من أصل لبناني في مجلس النواب الكندي زياد ابو لطيف وشوقي دلال يقدم له لوحة من تراث بلدته عيحا عربون وفاء
من خلال مشروع "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" راشيا الوادي في تقدير شخصيات لبنانية تَمَيّزَت في مختلف المجالات وخاصة الثقافية والإغترابية، كَرّمت الجمعية النائب الكندي من أصل لبناني زياد ابو لطيف في مقر الجمعية راشيا الوادي.
رئيس الجمعية شوقي دلال قال في كلمته: اليوم نحن على موعد مع أحد أبناء لبناني المتميزين في بلاد الإنتشار وإبن منطقة راشيا الوادي في بلدة عيحا النائب في البرلمان الكندي مقاطعة أدمنتون أوتاوا حيث رفع إسم لبنان عالياً حتى أضحى يليق بأَرزه نتيجة ما قدمه من خلال مسيرة حياته العَطِرة ، فالنائب ابو لطيف هذا الشاب العصامي غادر لبنان في الأحداث ووصل الى كندا حيث عمل في مجال التجارة وأصبح رجل أعمال ناجح فعرف ان النجاح يجب تقاسُمُه مع الناس فراح يقدم المساعدة في مجاله دون ضجيج حتى وصل الى مرحلة إجتمع عليه الشعب الكندي ودفعوه للترشح وكان النصر حليفه على ثلاثة دورات مُتتالية ولا يزال،.. عمل ابو لطيف على مشاريع عدة وأهمها وهب الأعضاء وزيادة الوعي بهذا الخصوص كي نمنح الحياة لسوانا بعدنا وقد خطى خطوات كبيرة في هذا المجال وأرسى مفاهيم رسّخها في البرلمان الكندي وبين الناس حيث يناضل من اجلها، كما وأن ابو لطيف من المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل كبير والحق في العيش بعدالة ومساواة كمفتاح لمجتمع صحي وكندا لها دور تلعبه على المستوى الدولي في هذا المجال... وأضاف دلال: وهنا ننوه بأن ابو لطيف لم ينسى بلده لبنان مطلقاً بل بقي حاضراً في قلبه فعمل مع عدد من اللبنانيين بتأمين العديد من المساعدات الإجتماعية للبنان وكان آخرها تأمين الطاقة الكهربائية لمستشفى راشيا الحكومي من خلال مشروع الطاقة الشمسية كما له صفحات بيضاء مُشرقة في وقوفه الى جانب لبنان في المحافل الدولية، لهذا يشرفنا اليوم تكريم هذه القامة اللبنانية الكندية التي نعتز بها أشد إعتزاز ويشرفني ان أقدم له لوحة بريشتي من تراث بلدته عيحا قضاء راشيا الوادي"..
من جهته شكر النائب ابو لطيف لجمعية محترف راشيا ورئيسها الصديق شوقي دلال على لفتتهم الكريمة التي أثرت في نفسي كثيراً خاصة في منطقتي ولبناني ووعد أن يبقى الى جانب لبنان واللبنانيين في أي موقع وُجد فيه كما سيبقى المدافع عن حقوق الإنسان وحق العيش بكرامة "...
وفي الختام قدم دلال لأبو لطيف لوحته الفنية عربون وفاء ومحبة.
CONVERSATION
المعاناة والحزن لدى المرأة في عيون مها
بقلم وعدسة: زياد جيوسي
"الجزء الأول"
"عيون مها" معرض تشكيلي ضخم من حيث عدد اللوحات كان باكورة المعارض التشكيلية التي حضرتها هذا العام، وحين وصلتني الدعوة من الفنانة التشكيلية مها الذويب كنت أشد الرحال لحضور المعرض والعودة باليوم التالي للوطن المحتل، وأنا أحمل بداخلي كم كبير من التساؤلات عن هذا المعرض وعلى ريشة الفنانة، فالمعرض والذي كان ليوم واحد في المركز الثقافي الملكي ضم في جنباته 192 لوحة تشكيلية بأساليب فنية مختلفة ومدارس تشكيلية عديدة، ولكن الملفت للنظر أن الفنانة ركزت بمعظم أعمالها على المرأة بحالات نفسية عديدة وأوضاع مختلفة، والمرأة كانت وستبقى ملهم للفنانين التشكيليين منذ الأزمان القديمة حيث كانت المرأة حاضرة بريشة الفنانين ونحت النحاتين، وفي نفس الوقت كان هناك عدد لا بأس به من الفنانات لجأن الى المرأة من خلال الريشة وكانت المرأة تمثل أفق وفضاء ابداعهن ومنهن الفنانات نجاة مكي من الإمارات العربية وفخرية اليحيائي وحفصة التميمي من عُمان وكلودين قمر وجينا نحلة من لبنان وملاذ حمشو من سوريا وسبأ جلاس من اليمن وعائشة الفيلالي وصفاء العطياوي من تونس وفريدة عوف ومرام بهاء من مصر وأميرة أشكناني وعطارد الثاقب من الكويت وملاك العبار من ليبيا ولا أنسى الفنانة العملاقة من مصر زينب السجيني والآن الفنانة مها الذويب من الأردن والأصول الفلسطينية وغيرهن الكثير.
مها الذويب كانت المرأة هي الفكرة الغالبة على أعمالها الفنية فركزت على الوجوه في معظم اللوحات مظهرة التأثيرات النفسية المنعكسة على الوجه للمرأة في الحالات النفسية المختلفة بين المعاناة والحزن والحلم والرغبة والعري والوطن واللوحات الرمزية للمرأة، اضافة لعدد محدود من اللوحات عن المكان والطبيعة، ويلاحظ أن رسم الوجوه هو الغالب على لوحات المرأة بينما لم تلجأ لرسم الجسد إلا في لوحات قليلة، وسأتناول الجوانب التي تحدثت عنها ووجدتها في لوحات الفنانة من خلال بعض اللوحات المعبرة عن كل حالة، وإن كانت كل اللوحات تستحق الحديث عنها وتحليلها، فهي تظهر أن الفنانة تحمل من خلال ريشتها رسالة تؤمن بها وهي ضرورة رفع الظلم عن المرأة، ولكن العدد الضخم من اللوحات لا يسمح بكل الحديث في مقالات محددة بل تحتاج إلى كتاب كامل.
المعاناة: في ست وعشرين لوحة رأيت فيها اعتماد الفنانة على اظهار تعبيرات المعاناة على الوجوه، ففصلتها عن باقي اللوحات للحديث عنها تحت فكرة المعاناة للمرأة حيث نلاحظ فيها حجم المعاناة التي تعانيها المرأة في مجتمعاتها باستثناء لوحتين ظهر جسد المرأة فيها، وقد اخترت خمس لوحات منها لأتحدث عنها وهي تعبر عن معاناة مختلفة للمرأة، وإن كانت كل لوحة من هذه المجموعة المعبرة عن المعاناة تستحق التحليق بمكنونانتها.
اللوحة الأولى: كانت لوحة من لوحات المعاناة نرى فيها امرأة تصرخ بقوة وتضع أصابعها بالقرب من خديها وهناك رباط أسود يحجب عينيها، ويجعلها في ظلام لا ترى شيئا والدموع تنسكب من تحت هذا الرباط الأسود، وهو تعبير عن معاناة امرأة شابة وجميلةوقد اعتمدت اللون الأسود دلالة على العتمة التي تعاني منها، بينما نجد أن الفنانة أحاطت وجه المرأة باللون الأحمر القاني بشكل أقرب للنيران المشتعلة، وهي اشارة رمزية لما يحيط بالمرأة ويسبب لها هذا المعاناة الشديدة، بينما ينساب خطين باللون الأحمر القاني على الرباط الملتف حول العينين وكأنهما دم يسيل من جبينها، وتخلو اللوحة من الألوان الأخرى إلا بعض من ضربات بالفرشاة لألوان الأبيض والأصفر في اشارة رمزية أن اشراقة النور ما زالت بعيدة عن واقع مظلم ومؤلم تعاني منه المرأة.
اللوحة الثانية: معاناة أخرى حيث نجد أن وجه الفتاة مكمم على شفتيها وعلى أنفها بحيث أنها تحت المعاناة ترى ولكن لا تستطيع الكلام وتمنع حتى من التنفس الكامل، ومن عينيها تسيل الدموع بلون الدم برمزية كبيرة لحجم المعاناة، والغضب يظهر بعينيها وعلى وجهها، وصورة الوجه تملأ مساحة كبيرة من اللوحة وراء الأفق والجبال بإشارة لمساحة المسافات التي تمتد عليها المعاناة التي تعانيها النساء، وفي اعلى يسار اللوحة بالنسبة للمشاهد يظهر كف بلون أسود يرمز بوضوح لمن يمارسون اضطهاد المرأة من المتمسكين بعادات مظلمة تكرست عبر العصور ومن ظلاميين لا يرون بالمرأة الا جسد لإفراغ شهواتهم، ومع كل المعاناة إلا أن المرأة في اللوحة كما كل من يعانين من المعاناة تعيش الحلم، فنشاهد في أسفل اللوحة أمام الجبال رأس فتاة وكأنه منبثق من بحر أو أرض بنظرة حالمة وفي رأسها فكرة لمشهد امرأة عارية تجلس على ظهر حيوان ورأسها ويديها على ركبتيها وكأنها تخشى الحلم أيضا، وفي هذه اللوحة نرى الفنانة لجأت للرمزية كثيرا للتعبير عن فكرتها مستخدمة ألوان الأبيض والأسود، مع اشارات بألوان أخرى على شكل خطوط باللون الأصفر لعلها تشير بها لبدايات اشراق بعيد يزيل المعاناة، اضافة للون الأحمر بلون الدم للدمعات المنثالة من العينين، ولون الشعر المفرح لرأس الفتاة الحالمة.
اللوحة الثالثة: لوحة متميزة رغم المعاناة بها، فهي لشابة بشعرها الطويل المتناثر ترتدي قميص النوم الأبيض، وإن كان طويلا بشكل غير معتاد كما ملابس الزفاف ذات الذيل الطويل، تدير ظهرها للهاوية على أعلى جبل في لحظة سقوط ووجهها للأعلى، وهذا يشير أن هناك من دفعها للهاوية ولم تلقي نفسها، فهل ارادت ان ترمز للمجتمع الذي يلقي بالنساء في رحم المعاناة فالهاوية؟ أم أرادت بفكرتها الإشارة لما يسمى ظلما وعدوانا جرائم الشرف؟ مستخدمة قميص النوم الأبيض والذي يكشف عن ساقها في لحظة السقوط، فاللون الأبيض رمزا للطهر والنقاء وطبيعة الثوب وشكله تشير لوضع مادي معقول، والألوان المستخدمة في اللوحة كانت جميلة وابتعدت فيها الفنانة عن ألوان الدم والعنف حيث كان اللون النهدي الجميل المتموج مع الأبيض والأصفر الذي رمز للشمس خلف الغيوم وحول المرأة وكأن الفنانة تريد أن تقول: رغم كل المعاناة فستشرق الشمس من قلب هذه المعاناة.
اللوحة الرابعة: هذه اللوحة ابتعدت فيها الفنانة مها الذويب عن باقي اللوحات، فكل الوجوه في لوحات المعاناة كانت وجوه شابة باستثناء هذه اللوحة المرسومة بالأبيض والأسود، فاللوحة لإمرأة في سن الكهولة تملأ وجهها التجاعيد على الجبين والخدين واليدين، ترتكز بجبينها على كفها والكف الآخر على الخد، والفم مغلق باللون الأسود والحزن يملأ قسمات وجهها، فواضح أنها عانت وما زالت تعاني منذ عقود من الزمن، فاللوحة تشير بوضوح أن المعاناة للمرأة ليست مرتبطة بفترة الطفولة والشباب فقط بل تستمر طوال العمر.
اللوحة الخامسة: وتظهر باللوحة امرأة تحمل ملامحها قسمات الجمال لإمرأة في سن النضج، شعرها الأسود منسدل على كتفيها بدون اهتمام، المعاناة تتركز في عينيها بقوة ولكن بصمت، شفاه منفرجة وكأنها تريد أن تقول شيئا تروي به حكاية المعاناة لكنها لا تستطيع، ملامح الوجه تشير لمعاناة نفسية كبيرة تركت أثرها على روحها وعلى ملامح وجهها، الفنانة لجأت لممازجة اللون الأحمر مع الوان أخرى كالأبيض والأخضر والأصفر على الوجه فأضافت للألم الظاهر بالوجه تعابير لونية كبيرة تثير تساؤل القارئ للوحة والمشاهد عن هذه المعاناة لهذه المرأة التي تمثل النساء.
في اللوحات الحادية والعشرين المتبقية من مجموعة المعاناة للمرأة نرى المعاناة في كل لوحة من اللوحات بتعابير تشكيلية مختلفة، فما بين الرمزية بمشهد الدبابير التي تهاجم وجه المرأة الجميل برمزية واضحة للمجتمع المحيط، الى انقسام الوجه الخارجي الصارخ بقوة الى قسمين تظهر من بينهما وجه أشبه بالجمجمة وكأنها رمزية أن المعاناة مستمرة حتى الموت، وكل لوحة حملت رموزها وإن كانت الدمعات سواء بلون الدمعات الفعلي أو بلون الدم عامل شبه مشترك باللوحات إضافة للألم الشديد الذي يظهر على ملامح الوجوه المستخدمة في اللوحات، اضافة لألوان العتمة وتكرار استخدام اللون الأحمر الداكن والأسود والأبيض، ولكن في كل المجموعة نجد معاني الخوف والوحدة والألم النفسي بشكل ابداعي قوي يترك تأثيره على نفسية المشاهد للوحات.
الحزن: الفنانة مها بحثت عن طرق عديدة لتعابيرها الفنية في لوحاتها فكان التعبير الآخر الذي وجدته في واحدة وعشرين لوحة هو الحزن فوضعتها في مجموعة واحدة لقرائتها والخيط المشترك بينها والتعابير فيها، ولعلنا سنلاحظ من خلال كل مجموعة من مجموعات المعرض أن الفنانة تسعى بريشتها للتعبير عن حالات المرأة، وهي دعوة غير مباشرة للمرأة لرفض هذا الواقع والتخلص من الهيمنة الذكورية المرتبطة ذهنيا وعبر عصور بالنساء والنظرة اليهن بنظرة دونية من خلال تصوير معاناتها الداخلية بريشتها، وهذا ما سنلاحظه من خلال الحديث عن خمس لوحات اخترتها كنماذج لريشة الفنانة بالتعبير عن الحزن الذي يلف حياة المرأة.
اللوحة الأولى: في هذه اللوحة نقف أمام فتاة شابة مشرئبة العنق، جميلة الوجه وتقاسيمه وشعرها منسدل على كتفيها، لكن الحزن يطغي على وجهها فيمازج الجمال بالحزن والألم، ويظهر الحزن جليا في عينيها بحيث يشعر المشاهد أن الدمعات ستنثال بين لحظة وأخرى، ويلاحظ أن الفنانة استخدمت ممازجة وصهر لألوان الوجه مازجت الأحمر بتدرجاته بالأصفر والأبيض، مما أضاف شحوبا على وجه الفتاة وأضافت هالات داكنة حول العينين تشير للتعب والألم وقلة النوم مما ضاعف من الحزن على قسمات الوجه، والفنانة جعلت الجانب الأيمن بالنسبة للمشاهد داكن اللون من خلال شعر الفتاة، لكن التناظر على الجانب الآخر كان بين الأحمر والبرتقالي وتوشيحات صفراء مما يشير من خلال الألوان الحارة لحجم المحيط الذي يسبب لها كل هذا الحزن مع قلة الانفراجات فيه.
اللوحة الثانية: امرأة تعيش الحزن بصمت في لوحة مرسومة باللون الأسود على خلفية من مشتقات اللون البرتقالي الموشحة بالأصفر يمنح اللوحة كآبة تزيد على الحزن حزنا، تضع المرأة الشابة يدها تحت ذقنها وتظهر في حالة كبيرة من التفكير والسرحان، اتقنت بها الفنانة تعابير الحزن الصامت.
اللوحة الثالثة: وفي هذه اللوحة صورت وجه امرأة من منظور جانبي والدمعات تنثال من عينيها والحزن يغمر وجهها، ولكن هذه اللوحة أظهرت سبب الحزن ففي قلب دماغها رسمت الفنانة السبب، فهناك شخص قرر الفراق ويقف على صخرة في البحر في قلب الماء بصمت وظهره للفتاة، فقد يكون مفارقا أو مهاجرا وهو الأغلب فأفق المشهد أمامه احتوى اللون الأصفر والنجوم البراقة، ينظر اليها غير عابئ بمن خلفه تاركا الفتاة بحزنها ودمعاتها.
اللوحة الرابعة: وهذه اللوحة من اللوحات القليلة التي تظهر فيها الفنانة جسد المرأة وليس الوجه فقط كما غالبية اللوحات، ونقف باللوحة أمام امرأة تجلس على الأرض على ساقيها الملتفين تحتها وتسند يد على الأرض ويد على ركبتها، واضح انها ببيتها حيث الجزء العلوي من ملابسها بلون أزرق وشيالات على الأكتاف، والجزء السفلي باللون الوردي بقطعة واسعة تسمح لها بالجلوس على الأرض براحة وأمامها فنجان القهوة، مغمضة العينين وشعرها الطويل متناثر وكأن هناك عاصفة تهب عليها، والحزن يملأ قسمات الوجه، وقد اعتمدت الفنانة الخطوط لتظهر ما يحيط الفتاة ويؤدي بها إلى هذه الحالة من الحزن.
اللوحة الخامسة: وهي لوحة منجزة في أواخر 2018م باللون الابيض والأسود، لإمرأة من حجم التجاعيد على وجهها تظهر أنها كبيرة في السن، تلبس على رأسها قطعة قماش والتي تغطي نصف وجهها وعينها، ومن خلال ذلك ولباسها فهي امرأة تحافظ على التراث بملابسها، تضع يدها على خدها في لحظة تفكير واستذكار وتحمل على قسمات وجهها حزن متوارث وقديم.
ونرى في اللوحات الباقية والتي بلغت ست عشرة لوحة مشاهد مختلفة من الحزن والألم، مثال ذلك اللوحتين لنساء كبيرات بالسن بلباسهما التقليدي البدوي والفتاة التي تغطي فمها بكلتا يديها بحزن يسود وجهها، وفتيات رسمت بالفحم ممتلئة بالحزن والألم بعدة لوحات ولوحات اعتمدت الرمزية الواقعية للإشارة للحزن، وفي كل هذه اللوحات كان هناك فضاء قاتم يحيط بالوجوه وفي بعض اللوحات كان الفضاء باللون الأحمر بتدرجاته ولوحات اعتمدت قتامة اللون الأسود وخاصة باللوحات المرسومة بالفحم، لكن كان الحزن الظاهر على قسمات الوجوه هو المسألة المشتركة في هذه اللوحات في تركيبات متبينة ومختلفة، وتعابير تكشف ما يوجد في أعماق هذه الوجوه من تأثيرات نفسية مختلفة تاركا تأثيرات غامضة من الحزن والألم على الوجوه، عاكسة فكرة ورسالة التزمت بها الفنانة مع نفسها وريشتها مبتعدة عن استخدام المرأة من ناحية جمالية مجردة واستخدامها كمساحات تشكيلية تكشف الوجه الآخر الذي تحياه المرأة في مجتمعاتها بتأثير غامض وقوي في نفس الوقت على روح المشاهد والمتلقي للوحات.
وفي هذا الجزء من دراستي لأعمال الفنانة مها ركزت على المرأة والمعاناة والمرأة والحزن، وسأكمل في فضاءات أخرى في الجزء الثاني إن شاء الله لي ذلك، ولكن لا بد من الاشارة قبل أن انهي هذا الجزء أن أي عمل فني أو ابداعي تختلف النظرة والفهم له من شخص إلى آخر، فكل شخص سيرى به شيئا مختلفا عن الآخر، ولكن من وجهة نظري يبقى المفهوم العام للوحات الفنية مرتبط بإسلوب الفنان وقدرته على ادخال ما يريد من أفكار من خلال ريشته، ويبقى تفسير اللوحة معتمدا على القارئ لها فمن يقرأها يستنتج ويفهم ويحلل من خلال الخطوط والألوان والرمزيات، وربما ابتعد أو اقترب مما أراده الفنان ولكن بالتأكيد لن يتطابق معه بالكامل، مختتما قراءتي والجزء الأول منها بمقولة للمؤلف والمحاضر الامريكي برنارد مايرز: "أي عمل فني هو في النهاية لغز كبير، وفي التحليل النهائي فأي تفسير لفظي غير كاف، ولكننا نبقى في مقدمة العمل بانطباعاتنا".
CONVERSATION
إقرأ أيضاً
-
مقال بقلم الآنسة خلود وسام أبو لطيف، مهندس أبحاث وتطوير أعمال لدى شركة ميتسوبيشي للمواد في فرنسا، أعدّته باللغة الفرنسية وقام بترجمته إلى ا...
-
نشرت صحف إسبانية وبرازيلية "صورا غير مسبوقة لشقيقة الملك المغربي محمد السادس الأميرة سلمى، المعروفة لدى المغاربة بلقب ''ل...
-
ريما كركي "من أكثر مذيعات الطقس إثارة في العالم"!! اختيار وإعداد عادل محمد 9 أكتوبر 2019 على الرغم من أن الإعلامية...
-
آمال عواد رضوان وسط حضور كبير من المثقفين والمعنيين بالأدب، وتحت شعار - كنعان حاضرة في الجليل - أقام نادي الكنعانيات للإبداع أمسية ثقافي...
-
أقيمَ في ساحة المدرسةِ الشاملة في قرية " الفريديس " - قضاء حيفا – مساء يوم السبت ( 19 / 10 / 2024 ) عرسٌ وحفلُ زفاف...
-
أقامت جمعيةُ زهور ونبض الخير وموقع لوسيل سبورت وجمعية قشقوش للخدمات الإجتماعيّة بإدرارة السيد بهاء قشقوش مساء يوم الاحد ( ...
-
آمال عوّاد رضوان تحت رعاية جمعيّة حرّيتهم وجمعية تطوير وتنمية الموسيقى العربية، أقام منتدى عكاظ الأدبي، ونادي الكنعانيات للإبداع، وموسّس...
-
في عنوان المجموعة الشعرية "ويقول لها" بوح وإقرار، وفيما يشبه الاعترافات تتوالى قصائد الشَّاعر الدكتور عاطف الدرابسة، وفي أولى القص...
-
د. محمد الداهي أكاديمي مغربي كان في عداد طلبة الفصل الثالث للسنة الجامعية الحالية (2023-2024) طلبةٌ فيتناميون. وبما أنهم كانوا يجدون مصاعب ف...
-
بقلم / بهاء الصالحي ................................ جاءت رواية الشتات لمجدي جعفر وهو روائي يمتلك أدواته وصاحب خبرة ولكن أن يأتي ذلك العمل...
0 comments:
إرسال تعليق