ـ(تحولات المجتمع العراقي في القرن العشرين) محاضرة الدكتور سيار الجميل في ولاية مشيغان الأمريكية
برعاية / المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد
كتبت سهى بطرس قوجا
بلدنا كان وما يزال يُعاني من تضييق في الأفق ومن تمزقات في النسيج المجتمعي، وهذا جميعهُ بسبب ما يتوالى عليه من صراعات وحروب مُتتالية ومصالح قائمة على هذا الأساس، تنهكهُ وتجعلهُ في نهاية المطاف يفرز فئات لا تفقه من البناء والوحدة والتلاحم والتكاتف شيئًا، مما يجعلهُ في ضياع تدريجي ونزف مُستمر.
بمبادرة قيمة من المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد في ولاية مشيغان الأمريكية وحرصًا منهُ على التوعية بالشأن الوطني والسياسي وما تؤول إليه ظروف بلدنا العراق الحبيب، استضاف المنبر على قاعة (ريجنسي مانير ) يوم الجمعة 25 / 10 / 2013 في تمام الساعة السابعة مساءً، الأستاذ القدير الدكتور سيار الجميل، الشخصية الوطنية والكاتب والباحث الأكاديمي، ليقدم محاضرتهِ القيمة والتي حملت جوانب جوهرية ونظرة تحليلية ومستقبلية تخص بلدنا تحت عنوان ( تحولات المجتمع العراقي في القرن العشرين). أدار الندوة الأخ فوزي دلي المحترم.
استهل الأخ فوزي دلي الندوة بترحيب حار بالحضور الكرام لمُساندتهم نشاطات وفعاليات المنبر من خلال حضورهم الدائم، كما وشكر القنصلية العراقية في مشيغان بحضور ممثليها، وكذلك قدم شكر المنبر إلى رؤساء وأعضاء المنظمات السياسية والأجتماعية والأدبية ومنظمات المجتمع المدني والنخبة الكبيرة من المثقفين والمهتمين بالشأن الوطني العراقي والعديد من الإعلاميين وخاصة الذين ساهموا بالإعلان عن الندوة وتصوير وقائعها، من الأخوة ساهر يلدو و يوسف يوحانا والأستاذ وليد جعدان من تلفزيون الشرق الأوسط الأمريكي ...
وقف الحضور بداية دقيقة على أرواح شهداء العراق الأبرار، بعدها رحبّ الأخ فوزي بالدكتور سيار الجميل، الذي اعتلىّ كرسيه على المنصة ليقدم مُحاضرتهِ.
بدأت الندوة بتقديم بسيط عن الدكتور المُحاضر من قبل الأستاذ (سالم جدو)، تحدث فيها عن مسيرة الدكتور الأكاديمية وكفاحهِ في سبيل العلم والثقافة، وكيف تغرب عن بلدهِ وسافر ولا زال لحد اليوم.
بعدها بدأ الدكتور مُحاضرتهِ مُحدثًا فيها عن التحولات الاجتماعية الحاصلة في المجتمع العراقي وما تلحقهُ من تحولات وإفرازات تاريخية ومستقبلية مؤثرة على كيان وطنًا والأجيال القادمة، قائلاً:" التحولات الحاصلة في المجتمع العراقي لم تكن سهلة بل صعبة ... لماذا؟ لأنهُ كما نعرف بأن المجتمع العراقي متنوع وبالتالي الصراع الأساسي الذي كان فيهِ كان صراع مستويات ... وهناك تنوع اجتماعي مُتطرف"، كما قال أيضًا :" أرى العراق مُستقطبًا للناس، طاردًا لأهلهِ!".
ثم زادت المحاضرة أغناء من خلال رؤيتهِ التحليلية ومصداقيتهِ لقراءة الواقع العراقي في القرن العشرين، قائلاً: بأن أخطر فترة في تاريخ العراق هي في عام 1979، التحولات التي كانت بالمجتمع كانت خطيرة ولا تُقاس بتحولات 1919 ولا بإفرازات الحرب العالمية الثانية وما أتى بعدها .. وبأن السلبية طغت على الإيجابية بشكل لافت! تاريخ العراق الهدام لشعبهِ أدخلهُ في صراعات وتعصب وانحيازات، ومُجتمعنا على مدىّ أعوام كان وما يزال غير مُنسجم حتى بعدما زال الحكم المُسمى بالمتوحش، كون المجتمع من بعدهِ ظهر على حقيقتهِ وبرز دورهِ.
ثم تعمق في تحليلهِ قائلاً: أن العراقيين عندما يكتبون تاريخهم أراهم غير مُنصفين، وقليلاً جدًا من يحملون ذلك الإنصاف، والعراق يجب أن أعطيه حقهُ كما يجب، والثقافة التي تجمع العراقيين هي واحدة، لكن ثقافة العراق متنوعة وبأن هناك ثلاثة أجناس، وهذه الأخيرة هي مُتصارعة ولكن قد لا يكون ظاهر، وهم ( أبن مدينة، أبن ريف، أبن بداوة)، الصراع بين هؤلاء الثلاثة من أنتصر فيهم؟! أكيد أنتصر من يملك ثقافة الريف ولكن ليس بايجابية! كون العراق بلد زراعي وهذه الزراعة اضمحلت بسبب موت الزراعة في العراق، والصراع في العراق كان أساسهُ صراع على الأراضي الزراعية.
ألا تجدون معي إذن أن هنالك ثلاثة أنواع من الثقافات في العراق، وأن الثقافة في الفرات هي غير ما في شرقهِ؟! نذكر الكثير من تاريخ العراق الهدام لشعبهِ، ومُطالب من الأخير بكيفية تخليصهِ من هذا الصراع والتعصب! هنالك أخطاء حصلت وهي أخطاء على مستوى دولة فاشلة! فما هي سبل النهوض اليوم بالعراق الجديد؟ كيف نعيد أهل الإنتاج؟ كيف نعيد الأمل إلى الجيل الجديد الموجود اليوم في العراق؟ هذا الجيل الذي هو نتاج الزمن الماضي هو الذي سيُحيي براقة الأمل، هو من سيعيد الحياة إلى بلد وهو من سينعش روحهِ ليقف من جديد ويُعيد إلى لغتهِ حروفها.
وفي ختام محاضرتهِ أعطى الدكتور قراءتهِ للواقع العراقي كما يجب أن يكون للنهوض والسيرَّ به وفيهِ، قائلا:" نحن بحاجة إلى نخب فاعلة وقوى فاعلة، وفي ظل المرحلة المُعاشة والراهنة العراق بحاجة إلى عملية وطنية وليس إلى عملية سياسية، وهناك رؤية مُستقبلية للبناء تحكمها قوى ونخب ذا عقلية ذكية، كما وأتمنى أن لا يصيبنا ما أسماه هاملتون ( الموت التاريخي)، بمعنى أن لا يصل الإحباط لدى شعب يأس لدرجة الموت، وأنهُ ليس هناك عراق! على العكس تمامًا أننا نحتاج إلى ديمقراطية قائمة على أساس الحرية، حرية تبدأ من الحرية الشخصية وانتهاء بأنواع الحريات الأخرى من حرية الرأي والتعبير والفكر .... فالأمل موجود والضوء الأخضر موجود ولكن سيطول زمنهُ.
بعد انتهاء الدكتور سيار الجميل من محاضرتهِ، كانت هنالك مُداخلات قيمة من قبل الحضور الكرام أغنت المحاضرة أكثر وأعطتها أبعادها في المجتمع والمفصل العراقي، نذكر منهم:" الأستاذ نشأت المندوي، الأستاذ عامر جميل، الأستاذ زيد ميشو، الدكتور صبري شكر، الأستاذ سالم تولا، الأستاذ موفق حكيم ، الأستاذ طلعت ميشو، الدكتور علاء فائق، الأخ عبد الأحد مرقس ... وكانت هناك أسماء مُسجلة لأصحاب مُداخلات أخرى ولكن لم يسعفنا الوقت بسماعهم لمحدوديتهِ.
بعدها تقدم الحاضرين لتقديم الثناء والإعجاب والشكر للدكتور سيار الجميل على ما قدمهُ من استقراء لواقع بلد مٌهمش، ومن طروحات فكرية غنية بأسلوب هادي وجميل، كما قُدم شكر كبير للدكتور من قبل المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد المُتمثل بشخص الدكتور نوري منصور وأعضائهِ الكرام على ما قدمهُ ويقدمهُ من أفكار ورؤى في كتاباتهِ تخدم الشأن العراقي، كما وطالب الحضور الدكتور سيار الجميل بتقديم المزيد من هكذا محاضرات غنية في المستقبل القريب، لما فيها من فائدة وتنوير فكري.
وقد استمرت المحاضرة قرابة أكثر من ثلاثة ساعات، كان فيها انسجام وتفاعل وتقارب رؤى بين المُحاضر والحاضرين. حقا كانت محاضرة غنية بكل ما فيها ولاقت أعجاب جميع الحضور الكرام المُكتظ بالقاعة من أبناء الجالية من أمريكا وكندا، والمُتمثل كما تفضلنا بنخبة كبيرة من المُهتمين والمُحبين للوطن والثقافة والتاريخ والناشدين للسلام، كما لا ننسى الحضور البارز للعنصر النسائي الذي كان لهُ دورهُ وفاعليتهِ واهتمامهِ بالمرأة العراقية المناضلة التي ما زالت تُقاوم في بلدها وتتحمل كل ما تتحملهُ وتشقى من أجل أن يبقى البلد شامخًا وعزيزًا.
ما طرح في المُحاضرة أعطى للواقع العراقي صورتهِ الواضحة من خلال ما يغلفها من الكثير من التشنجات والبهتان الذي أتاها مما يعصف ببلد طالما ربىّ أجيال على مُخلفات حروبًا. نعم مُخلفات ورواسب حروب وانتهاكات للحقوق والطفولة والمرأة. نريد من العراقيين عراقيتهم وأن يثبتوها في بلدهم العراق، نريد مجتمع بدولة لا طائفية ونريد دولة بمجتمع غير متعصب.
ولا يسعني في نهاية حديثي ألا أن أقول: العراق يبقى العراق بأرضهِ وبنهريه دجلة والفرات وكل ما يحتاجهُ هو تكاتف أكبر من قبل شعبهِ بمُختلف أطيافهِ، شعبهِ هذا الذي هو الحجر الأساس لهُ والذي مهما اختلفت مُسمياتهِ فأنهم يبقون بالنهاية يدعون العراقيين أبناء العراق. ولا نتمنى غير الأمل والثقة بشروق يوم جديد، يُنير الطريق للأجيال القادمة لتكون منارة تُعيد النور والحياة إليهِ، تمنياتنا لعراقنا وشعبهِ الصامد بأن يرفل بالخير والنعمة والسلام والأمان، وأن يزول الغيم الذي يمطرهُ في القريب.
0 comments:
إرسال تعليق