قراءة في ديوان "زفرات بين الحب والحرب 3" للأسير : هيثم جابر
صدر حديثا عن دار الرعاة وجسور ثقافية (رام الله وعمان) الطبعة الثانية من ديوان " زفرات في الحب والحرب 3″، للأسير الشاعر والروائي هيثم جابر. ويقع الديوان في (230) صفحة من القطع المتوسط، ويتخذ الشاعر هيثم جابر من هذا العنوان "زفرات في الحب والحرب" عنوانا ثابتا لكل إصداراته الشعرية.
الديوان مقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول بعنوان "زفرات الحرب" والقسم الثاني "زفرات حب" أما القسم الثالث فهو
مجموعة نصوص قصيرة بعنوان "الإشراقات" تميزت بالتكثيف الدلالي والإيحاء.
غالبا ما يكون أدب الأسرى وسيلة نضال يعبر الأسير من خلالها عن مشاعره ويوثق حياته داخل الأسر، الشاعر والأديب هيثم جابر كتب الرواية والمقالة وقدم القراءات النقدية لعدد من كتّاب الوطن وفي زفرات في الحب والحرب يقدم ثلاثة أجزاء بذات العنوان وكأن الزفرات المكتومة في صدره لا تنتهي، ولم يكتف ببوح جل ما في خاطره من قصائد، فكيف نبتت تلك القصائد واستحوذت على لب القارئ ومشاعره!
لكتابة الشعر على الشاعر التمتع بقدر كافِ من الحرية، فالشاعر حين يكون حرا، تعانق عينيه الوديان والسهول ويسافر بنظره نحو السماء، يتأمل ملكوت الكون ويتعبد في مدى حده الفضاء ليوحى له، شاعرنا فقد الحرية هو حبيس القيد نشأ وكبر وغزا شعره الشيب مع الوقت ، ورغم ذلك في ديوانه زفرات في الحب والحرب تجد نفسك أمام شاعر متمرد تمرد على الأسر، وعلى ذاته الحبيسة، حتى أنه إحياننا رفض الوزن والقافية وتمرد عليهما، يتمتع بحرية خاصة لا تقبل القيد.
تخذلني قافية عند مفترق قصيدة حرة
هاربة من وزن مرتقب
تلوذ بالفرار من ضوضاء النظم
المفتعلة في عصر السكون القسري
تهب نفسها لنبي لم يزره الوحي أبداً ...صفحة 152
يستحضر الشاعر هيثم جابر الطبيعة بجمالها ورونقها تراها في شعره وكأنك لم ترها من قبل، ممزوجة بروحه الحرة التي تستدرجك لترى الكائنات وتوحي لك بمقاصد الشاعر العميقة الملهمة للحياة، غريب أمر الشاعر وهذا التناغم الآسر مع الطبيعة البعيدة جدا عن رؤى عينية، عاش سنوات أسره التي بلغت إلى الآن 21 عاماَ في صحراء النقب، ومن خلال شعره خضّر الصحراء، يحق له أن يكرر كلمة "أنا" في قصائده فهو حالة خاصة للحياة، لقد نبتت لغته الشعرية معلنة اختراقها للأسوار، نعم الأسير يحرر جزءا منه بالكتابة وقد حرر الطبيعة التي يخفيها الزحف العمراني، ووجه وعي القارئ لإدراك قيمة الطبيعة.
في البداية ومع زفرات الحرب يبدو هيثم ناقما ممن يطمسون معالم الوطن، ويستهين بزمن الأسر وصبر الرجال خلف القضبان
هي أضغاث أحلام يا فتى
والواقع أسود شديد
لا عدل... لا حق يسود
سقط العدل ومعه طفله الوحيد.
وفي زفرات الحب يزهر الحب بعد الحرب
وبإصرار العاشق على اللقاء يقول:
انتظرك في الشتاء القادم
وكل الفصول الرحلة إلى عينيك
تنام تحت مروج سحرك
تعشش في مفاصل الكلمات الوردية
قالت: انتظرك تحت المطر
تحت ظل غيمة ثائرة
تلقي علينا حمم السحر
والفتنة والأقحوان
غيوم السماء لم تعد باردة حين التحقت بالثورة تأججت حمم سحرية، البلاغة هنا تكمن أن مع كل كلمة مضافة يتغير المعنى، هي حمم وأضاف إليها كلمة السحر ثم الفتنة والأقحوان لتغدوا ثورة الغيم مطر مشتهى.
فأين هي حبيبتك يا هيثم التي تنتظرك؟!
هل هي حبيبة على الورق أم ظل حبيبة؟
الأنثى في قصائده جميلة قوية كالعاصفة
ومن الملاحظ استخدامه كلمة ظل بصيغ متعددة
الموت أطبق ظله حتى اكتمل
تتساقط أوراق القصائد
في فصول الموت
ويصفر الغزل
غيمة مثقلة بالدمع تبكي نجما قد أفل
وشتاء لن يعود أبدا
قبيل الفجر رحل
هنا... في أروقة الحب الصامت
من الموت ما قتل
الموت لا يأتي دفعة واحدة، هناك فرق بين موته وموته، الموت على دفعات مؤلم والحب الصامت إحدى تلك الموتات.
حين يجمع الشاعر الثورة والعشق يستعمل ضمير المتكلم "أنا"
أنا يا سيدتي عاشق وثائر... وينهي القصيدة فأنا عاشق حر وثائر
يكررها مرتين في قصيدة "دعوة" صفحة ، 198 والعشق يسبق الحرية والثورة، وسبق وذكر في روايته "الأسير 1578" أن عشق الوطن أصل العشق.
يتساوى الحب والحرب كلاهما يفتحان أبواب جهنم
قرع باب الحب
قرع باب الوطن
فتحت عليه أبواب جهنم.. صفحة 227
هي صحراء النقب التي طحنت عمره وكما يتسلل الموت إلى الدم في العروق تسلل البياض إلى سواد شعره معلنا مرور الوقت خلف الأسوار.
في صحراء الموت والدماء
مطحنة الأعمار
الأبيض سيد الموقف وجدار.. صفحة 222
في الختام منك وإليك يا هيثم رسالة اكتفي بها: القيد في يدي شمس تنام في كفي
منك الأمل قهرت الصحراء وجعلتها مروجا خضراء، وزينت ليلها المظلم بالنجوم والظلال، عالمك ليس بُرش بل أنت تمشي على الموج.
وإليك يا صاحب الحب المعتق على مدى السنين، ستلهم صحراء القلب أن تلتجئ إليك، الجندي الوحيد في معركة الغياب، قصائدك نبض وروح ، ورمحك حكاية منطلقة حدودها مداك، ستنهض يوماً من عالمك الخاص، وتضيء ليل الأمسيات كقمر اكتمل.
و من الجدير بالذِّكر أنه صدر للشاعر هيثم جابر عدة كتب؛ عدا هذه الدواوين، فقد أصدر روايتين هما "الشهيدة" و"الأسير 1578"، ومجموعة قصصية بعنوان "العرس الأبيض" كتاب "رسائل إلى امرأة"، تحت النشر
0 comments:
إرسال تعليق