أطباء عرب في ايرلندا يعلنون عن إلحاق الهزيمة بأمراض مستعصية والخاتمة ست الحبايب


دبلن ايرلندا -ناصر الحايك

المسافرون على متن الرحلة رقم (661) ، المتجهة من العاصمة النمساوية- فيينا إلى العاصمة الايرلندية-دبلن لن يلحظوا بأنها تختلف عن سابقاتها ، إلا أن هناك فرقا..فبين المائة وثمانين راكبا الذين استقلوا الطائرة تواجد بينهم مجموعة من الأطباء العرب المميزين ، ليس على الصعيد الطبي وحسب ، ولكن أيضا على الصعيدين الإنساني والأخلاقي .

ظن البعض ولو لوهلة بأن عجلات الطائرة لن تلامس مدرج مطار دبلن بسبب تأرجحها بشدة أثناء محاولة القبطان الهبوط ، لكنهم كانوا مخطئين فالقدر كان حليفهم هذه المرة معلنا تخليه عن رغبات وأمنيات المفسدين في الأرض ممن يحملون وينقلون وباء الفشل أينما حلوا وأينما تواجدوا .

وصلنا بحمد الله إلى جزيرة ايرلندا التي تبجل التاريخ و يقطنها سكان ودودون ، لا بل تخلد الماضي بمراراته وعنفوانه ، جزيرة عرفت كيف تحتفظ بأناقتها و تحصن نفسها من الضجيج والغزو البنيانى .

هناك شيئا ما جذبهم إليها ، أو مآرب حميدة وحدتهم...فاتخذوا قرارهم الصائب بعقد تجمعهم النخبوي على أراضيها .وكأنهم على علم مسبق بأنها ستفتح أبوابها على مصارعها لاستضافتهم والترحيب بهم .

توافدوا من الأردن ، فلسطين ، سورية ، العراق ، ألمانيا ، فرنسا ، اسبانيا ، والنمسا ليشاركوا في أعمال المؤتمر الطبي السنوي السادس والعشرين ، مؤتمر إتحاد الأطباء العرب في أوروبا الذي دارت أحداثه في دبلن بين 29-30 من شهر أكتوبر (كانون الأول) من هذا العام .

وثبوا فوق النتوءات والحواجز الوطنية والإقليمية البغيضة ، وترجلوا من مقطورة سايكس بيكو الكريهة . لم نضطر للاستفسار من أي بلد هذا ومن أي وطن ذاك . لم نعرف أصلا ولم نسأل ولم يستوضحنا أحد .

استشاريون وأطباء وجراحون مسلمون وعرب أبدعوا في دول الغرب، فنالوا ما يستحقون .

لم يكن لذلك المؤتمر أن يكلل بالنجاح المبهر ، لو ترك المنظمون ثغرة لما يسمى بالصدفة وأية صفة هذه!!! فهي قد ضلت طريقها بلا هدى...

المستوى المرتفع من المنسوب التنظيمي المتقن ألقى بظلاله وبسط نفوذه على الأجواء هنا ، فالقائمون على هذا الصرح العلمي ينتمون ببساطة إلى مؤسسة الإخلاص والتفاني.

إذا سار كل شيء على أكمل وجه ، وكما تشتهى الأنفس أو أكثر بقليل ، لم يتسرب الملل إلى أنفسنا ونحن نستمع للمحاضرين كما يحدث في محافل أخرى ، بالرغم من أننا لسنا أطباء ولا نفقه في الطب إلا بقدر ما يردنا من معلومات ، أو عندما نحاول أن نتصيد ما نبحث عنه في بحور الانترنت، وغالبا دون جدوى تذكر .

من وجهة نظرنا ، فإن أربعة محاضرين تميزوا عن الآخرين ، بعد أن أجادوا فن الإلقاء ، عرفوا كيف يستأثرون على انتباه الجمهور ، ويخرجون ما في جعبهم الغنية بالثروات العلمية في زمن وجيز لا يتجاوز الخمس عشرة دقيقة ، هي كل ما تم منحهم إياها من قبل اللجنة المشرفة ، وذلك نظرا لبرنامج المحاضرات المكثف على مدار يومين كاملين .

الأربعة هم : طبيب وجراح العيون السوري المقيم في النمسا الدكتور تمام الكيلانى الذي أفصح عن أحدث الطرق الوقائية لتأخير اعتلال الشبكية السكري ، وأحدث الطرق الجراحية لعلاج هذا المرض الذي قد يؤدى لفقدان البصر.

الدكتور السورى محمود سلطان أخصائي أمراض الغدد الصماء والسكر وعلم التغذية والمقيم في المانيا ، حاضر عن أحدث وسائل علاج مرض السكري وأنجعها على الإطلاق وكيفية التعايش مع هذا المرض المزمن .

البروفيسور الفلسطيني أيمن الأغا المختص في إجراء عمليات الجراحة بالتنظير وخصوصا استئصال أورام الغدة الكظرية بتقنيات متطورة أستحدثها هو في مستشفى جامعي بألمانيا ، إضافة إلى استخدامه المنظار لاستئصال أورام القولون الخبيثة مما يعتبر ثورة في علم الطب ، فكانت الميدالية الذهبية من نصيبه عن أفضل محاضرة .

الدكتور السوري مصطفى عبد الرحمن أخصائي أمراض الأطفال والمقيم في فرنسا ، حيث ألقى محاضرة ليس فقط عن أمراض الأطفال وحسب ، بل تطرق إلى أخلاقيات العمل الطبي الذي يفتقر إليه الكثيرون ، والصفات التي يجب أن يتمتع بها الطبيب المتميز .

على نفس الصعيد فإن طبيبين فلسطينيين على الأرجح أنهما لن يرغبا بأن يذكر إسماهما على هذا النحو ، فهما شخصيتان فذتان لهما بريق من نوع خاص ممتزج بتواضع شديد غير مصطنع ، لكن لوائح الإنصاف حتمت علينا أن نشير إليهما ولو بعدة كلمات قد لا تكون كافية لإيفائهما حقهما نظير ما قاما به من جهود مضنية لجعل هذا المؤتمر سابقة هي الأولى من نوعها في أيرلندا .

هذان الطبيبان هما : رئيس إتحاد الأطباء العرب في ايرلندا الدكتور غسان الأغا ونائبه الدكتور خليل إكى .

لا يمكن أن نغفل عن الإشادة بدور رئيس اتحاد الأطباء العرب في أوروبا البروفيسور السوري فيضى محمود عمر أخصائي أمراض القلب في ألمانيا ، بدوره في إعداد وإخراج المؤتمر بهذا الشكل المتوهج .

أيضا يجب الإقرار بأن نائب رئيس اتحاد الأطباء العرب في أوروبا الدكتور تمام الكيلانى يعتبر أحد الأعمدة الرئيسية لإنجاح مثل هذه التجمعات العلمية ، وهذا ليس من باب كيل المديح له حيث رأينا بأم أعيننا كيف يستقبل هذا الرجل وكيف يعامل وكيف يحترم ، فهو بلا شك ذو وزن وثقل ، مخطئ من لا يدرك ذلك .

وختاما اقتنص الأطباء ساعات قليلة تبقت قبل رحيلهم وعودتهم من حيث أتوا، وشاركوا في حفل فني أحياه الصيدلي العراقي الفنان صفاء رومايا ، الذي حضر خصيصا من النمسا بهدف الترويح عن المؤتمرين . إلا أن أغنية "ست الحبايب" للراحلة الكبيرة فايزة أحمد تركت أثرا بالغا لدى الكثيرين ، الأمر الذي اضطر بعضهم إلى مغادرة القاعة بعد أن فاضت مشاعرهم وأجهشوا بالبكاء .

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق