بقلم وعدسة: زياد جيوسي ـ
هي الأشرفية ذاكرتي العمَّانية التي لا تفارقني، فقد عرفتها منذ كنت في الرابعة من العمر، ودرست الأول الإبتدائي فيها ونصف الثاني، قبل أن نستقر في القدس فرام الله التي نزحنا منها قسرا بعد هزيمة حزيران 1967، لتضمنا الأشرفية من جديد ونتنقل في أحيائها المختلفة، فدرست المرحلة الإعدادية والثانوية في مدارسها حتى غادرت للجامعة وعشت بعدها رحلة المنافي والشتات والمعتقلات، ولكن الأشرفية لم تفارق الذاكرة أبدا، ففيها عشت أجمل الأيام وأصعبها أيضا، وفيها ذاكرة المدرسة وأجمل الأصدقاء، فمنهم من رحلت روحه ومنهم من بقي على قيد الحياة فألتقيه بين فترة والأخرى ونستعيد ذاكرة الزمن الجميل.
وحين اتصل بي الشاعر الشاب فادي شاهين ليدعوني لأمسية شعرية يشارك بها تحت عنوان جميل: "صهيل الحروف الشعرية" في مركز الاشرفية الثقافي، صهلت الذاكرة بكل ما احتوته من جمال الذكريات للأشرفية، ولم اقل لشاعرنا إن كنت سأحضر أو لن أتمكن، فآثرت الصمت وكما قال نزار قباني "فالصمت في حرم الجمال جمال"، والغيت أية إرتباطات أخرى وكنت أجول في الاشرفية قبل ساعة تقريبا أستعيد جمال الذاكرة قبل أن أتجه لأحلق في فضاء جمال الشعر.
ثلاثة من الشعراء أحيوا الأمسية الجميلة: الشاعر عيسى حماد والشاعرة سمية الحمايدة والشاعر فادي شاهين، وهم مثلوا ثلاثة أساليب من الشعر، وفي مركز الأشرفية الثقافي وهو بناء تم بناؤه في ساحة كانت فارغة في زمننا مقابل مسجد أبو درويش التراثي والمتميز بجماله؛ كان شدو الشعراء، فقدمهم الشاعر الجميل زكريا الطردة وأدار الأمسية وأبدع بذلك، فمازج الشعر بالنثر فكانت التقديم بين الفقرات قصائد من شعر وجمال.
بدأت الأمسية بالسلام الملكي والوقوف احتراما له، ليلقي راعي الحفل المهندس يوسف معدي رئيس الجمعية الأردنية لخريجي جايكا اليابان كلمة الترحيب بالحضور والشعراء، مبديا إستعداد الجمعية لرعاية الأمسيات الثقافية والأدبية في جبل الأشرفية، واعتذر للضيوف عن تسائب موعد الأمسية مع مهرجانات الإنتخابات البلدية مما أثر على عدد الحضور المعتاد، وخاصة أن جبل الأشرفية يقع في المنطقة الشرقية من عمَّان ويعتبر منارة الثقافة فيها، فالمؤسسات والاتحادات والروابط الثقافية والفنية تتركز في عمَّان الغربية، لكي تبدأ الأمسية بعد أنشودة فرح قدم فيها الشاعر زكريا الطردة الفارس الأول الشاعر عيسى حماد والذي قدم كما زملاءه عبر جولتين لكل منهما بعض من بوح الروح وتألقت روحه ومن قصيدة "وطنٌ ينوح" اخترت هذا المقطع:
ما للعروبةِ هل تاهــتْ ســهامُهمُ/ عن الّذين بغيرِ السـيف ِما دُحروا
تبّتْ بنـادقُ لا في القدسِ صولتُها/ وانحط ّ سـيفٌ لغيرِ القدسِ يدّخر ُ
ومن قصيدة "نجوى الشوق":
يا شوقُ هوّنْ صَبوَتي ولواعجي/ وارتقْ جروحاً في زهيدِ رُقــادي
فالعاشــقونَ إذا رغبتَ أرحتهــمْ/ وأنا الوجـــيعُ فجعتني ببــــلادي
ومن قصيدة "هواجسُ مرضيّة":
عيني تركمجُ في خطايا شعرِك الهامي على/ شطآنِ هُدبي مُبرحاُ في غَيّهِ .. مسترسلاً نحو الحِداقْ ..
فلتسحبي الموجَ الشفيف َ إلى فمي/ ولتتركيني أحتسيك ِ على اشتياقْ ...
ومن قصيدة " يا ربّ الحسن":
والرّوحُ من فرطِ الدمــاثةِ قُبلــةٌ/ ذابَ الجمــالُ بســحرِها فغــواني
يا قِبلةَ الشعراءِ لستُ بشاعـــرٍ/ حتى أُعمّـــدَ بالبـــــها وكـــفاني
سُقيَ الجمــالُ بغير ماءٍ فارتوى/ شــهداً رقيقـــاً لمْ تَشُـبْهُ بَنـَـاني
الشاعرة سمية الحمايدة وهي من شاعرات الشعر النبطي والشعر الشعبي ولها باع طويل في هذا المجال شدت بمجموعة من القصائد إخترت منها هذا المقطع من قصيدة "غياب":
يقول الصبر زين أجره عباده/ شلون أجيه وهو زاهد أثوابه
ما تدري البشر غدرها زياده/ و رواد الردى اتسيدت ابوابه
خل عنك النصح تدعي السعادة/ وانت من الجرح تشرب اكوابه
ومن قصيدة "إلى تمثال" ...
كم واحد من كبار ااااالقوم تمثال/ يا شيخ احفظ شيبتك واااالراس
العُبي يا رخصها لاصارت اسمال/ أخاف بوقعتك عالأرض تنداااس
لا تعتقد ان رفقة الشيوخ أعمال/ وتعتقد صرت كبير تحبس أنفاس
ولا تصدق ان كلب الشيخ مثال/ الشيخ شيخ وانت مجرد اقتباس
ليلقي الشاعر الشاب فادي شاهين عدة قصائد اخترت منها المقطع التالي من قصيدة "قميص يوسف":
مازالَ الحُلمُ يُراودني عن نفسي/ مُسجىً في نَعشِ الأُمنيات/ والغيابُ يَستحضرُ/ ما فاتني من دموع/ سأُعلنُ اليومَ القيامةَ من رمادي/ كي تعودَ لي النوارسُ بأيقونةِ البحرِ.
ومن قصيدته "ترنيمة" اخترت المقطع التالي:
ما كانَ على أطرافِ النجوم/ ذاكرة ُالشمسِ تحفظُ ذِكرانا/ كي ننصهرَ في بوتقتها/ على حدودِ الشفقِ/ نسكنُ مرآةَ البحرِ/ فيعودُ بنا نورسُنا/ على شاطئ سُنبُلنا.
ومن قصيدته "حتى لو مت قبل حلمي": حتى لو مت قبل حلمي/ وكان مخاضُ الغيمِ وهماً/ وارتحلَ الحمامُ عن عروشه/ ليصلي في سماء آلامه/ سأبقى ولو أكلَ الحبُ قلبي.
لتختتم الأمسية بقصائد ألقاها ضيوف الشرف الشاعر صالح الجعافرة وألقى قصيدتين احداهما غناها بصوته وهي من قصائده المغناة وتفاعل معها الجمهور بقوة، ليصعد بعدها الشاعر أيمن كبها ويقدم شعرا نبطيا عارض به الشاعرة سمية الحمايدة، فقامت بالرد عليه لتمنح ختام الأمسية مرحا وفرحا.
وتبقى ملاحظة أوجهها للدائرة الثقافية في أمانة عمان الكبرى وأهمس لهم: الأشرفية تاريخ وحكاية عمَّانية، ووجود المركز مهم وتشكر الأمانة ودائرتها الثقافية عليه، لكن القاعة تحتاج لإهتمام أكبر، فهي قاعة واسعة ورائعة، ولكن وجود النوافذ والأبواب الخشبية المفتوحة على الساحة الخارجية شوشت الأمسية، لوجود الشباب والأطفال وبعض العائلات في الساحة الخارجية ومدرجها على بعد خطوات من القاعة، فهذه الساحة متنفس للسكان وخاصة في هذا الجو الحار الذي لم نشهده في عمَّان إلا نادرا، ولذا فالقاعة بحاجة للعزل الصوتي واستخدام المكيفات والاهتمام بنظافتها وأجهزتها أكثر.
0 comments:
إرسال تعليق