بقلم وعدسة: زياد جيوسي ـ
لم أستطع التأخر عن تلبية الدعوة من الفنانة ربى أبو دلو لحضور معرض كنت بصورة فكرته مبدئيا، ورغم الظروف الصعبة التي كنت أمر بها شددت الرحال من الربى الكرمية في فلسطين الجميلة إلى عمَّان عاصمة أردننا الجميل لأصل مساءً، وما قبل عصر اليوم الثاني كنت أشد الرحال لإربد عروس الشمال، ولبيت عرار التراثي حيث ترف روح شاعرنا الكبير مصطفى وهبي التل "عرار" لحضور المعرض التشكيلي المختلف لونا ونكهة وفكرة عن المعارض السابقة التي حضرتها عبر مسيرة فنية تمتد من عام 1972 حتى وقتنا الراهن، فدوما كنت أحضر معارض شخصية لفنانين، أو معارض مشتركة لعدد من الفنانين بغض النظر عن العدد المشارك، لكن هذا المعرض كان شيء مختلف تماما.
كنت اتسائل دوما إن كانت المواهب تورث من الأجداد للاحفاد، وبعيدا عن الجانب العلمي والجيني في الاجابة عن هذا السؤال وجدت جوابا فنيا في المعرض، فالمعرض قائم على عرض لوحات بعضها يعود إلى 50 عاما رسمتها ريشة المربية الفاضلة آمال شرار، ولكل لوحة فيها حكاية ورواية، لأتنقل بين لوحات ابدعتها ابنتاها د. رلى أحمد أبو دلو والفنانة التشكيلية ربى أحمد أبو دلو ومنها إلى ابداعات الأحفاد: نوران ومحمد وآمال ونور الدين وأحمد.. فتحلق روحي في فضاءات من جمال تشكيلي تراوح بين ابداع الريشة وفن ابداع يدوي.
ليس من السهل تناول كل لوحة في المعرض والحديث عنها، لذا سأمر بإشارات سريعة رغم أن كل لوحة تستحق الاهتمام، فهي كما اسلفت تروي حكايات، فمن حكايات الماضي حتى الحاضر للفنانة الجدة آمال شرار حتى حكايات حلم الطفولة لدى الأطفال، وحين تجولت عبر يومين في المعرض متحملا مشاق السفر وسياقة المركبة من عمَّان إلى اربد والعودة ليلا، تأملت اللوحات والأعمال المعروضة بدقة وتأمل، ففي القسم الأول والذي احتوى لوحات الفنانة و المربية الفاضلة آمال شرار، شعرت بهمسات الماضي تنهمر الآن وهي تجلس محاطة بالأبناء والبنات والأحفاد والأحفاد والأهل والفرح المرسوم على وجه زوجها أبو خالد "أحمد ابو دلو" الذي ساهم بتهريب لوحاتها من حيث تحتفظ بها ضمن (مؤامرة) جميلة لمفاجئتها وتكريمها والاحتفاء بها، فهي لم تكن تعلم شيئا عن المعرض وحدود ما عرفته أن المعرض لابنتها ربى، حتى حضرت وفوجئت وفرحت وكانت تجلس بين ورود ساحة بيت عرار محاطة بكل الفرح والنور ينبعث من وجهها فرحا وسرورا.
كنت اتنقل بين لوحاتها فما بين الطبيعة الخلابة والورود والأزهار ولوحات الفرح، ولوحات استخدمت بها مواد ضمن اعادة التدوير بدلا من أن يكون موقعها مكب النفايات، إضافة للوحات التطريز ولوحة تجريدية كانت آخر ما أبدعته هذا العام، وكنت اشعر بما احتوته هذه الروح من تعبيرات جمالية وافكار وحب للحياة، وكما همست ابنتها صاحبة الفكرة بالمعرض الفنانة التشكيلية ربى: "كنا اطفالا وحين نفكر بشيء ونطلبه منها، كنا نفاجئ برسمها لوحة تعبر عن رغبات طفولتنا وتقدمها لنا، فنجلس من حولها وهي تحدثنا وتقول لنا أننا ان لم نستطع الحصول على ما نرغب فعليا، فيمكن ان نتخيله ونعيشه من خلال اللوحة"، وشدتني لوحاتها عن الطبيعة كثيرا بما احتوته من روح وقيم جمالية.
الدكتورة رلى والتي تعيش المغترب وتجولت في غربتها في بلاد عديدة أثرت على أفكارها الفنية، تميزت بأعمالها الفنية اليدوية والتي تستخدم فيها خامات عديدة وغريبة أحيانا لتمنحنا جمال من نوع وشكل آخر، ولعل اللوحتين التي ابدعتهما من خلال أجنحة الفراشات التي كانت تهوى صيدها كانت من أشد ما لفت نظري ونظر الجمهور، ورغم تألمي على الفراشات إلا اني وقفت مطولا اتأمل الجمال الذي احتوته اللوحتين بشكل خاص من خلال جمال أجنحة الفراشات، ومن خلال المتخيل الذي حولته الفنانة إلى واقع على شكل لوحات، إضافة لجمالية اللوحات الأخرى، فالعمل اليدوي لديها تشكيل وابداع وليس مجرد عمل مهني.
الفنانة ربى وهي فنانة تشكيلية عرفتها وواكبت ابداعها الفني عبر عشر سنوات مرت، والتي كانت تعمل على تطوير قدراتها الفنية بصمت وهدوء، تألقت باللوحات التكعيبية لوجوه تعرفها وبعضها أعرفها، فكانت لوحاتها بين التكعيبية الجمالية وبين التكعيبية والوحشية، كما تألقت برسم الخيول ولكن بأسلوب يمازج الواقعية بالخيال والمتخيل بخلق جمالية جديدة، وأذكر لوحة رأيتها لها قبل 10 سنوات كانت لجواد ويومها قلت لها: واصلي ابداعك فمن يجيد رسم الخيل بتشريحها المعقد هو فنان سيكون له بصمة، اضافة للوحات أخرى وخاصة التناظر بين الأسود والأبيض ولن أتحدث عنها أكثر بانتظار معرضها الشخصي القادم.
الأطفال الأحفاد نوران ومحمد وآمال ونور الدين وأحمد ابدعوا في لوحات طفولية تعبر عن الفرح والحلم، فنوران ملكاوي رسمت العصافير ورسمت طفلة ترقب الشمس بلوحة متميزة وحلقت في أحلام الطفولة، وحلق أحمد خالد أبو دلو في لوحات طفولية جميلة، كما حلقت شقيقته آمال في مجموعة لوحات مائية شفافة وجميلة، وتألق الطفل نور بلوحة أكبر من عمره بكثير اضافة للوحاته الأخرى، وكذلك الطفل محمد بلوحات تشير أنه سيبدع ان اتجه لفن التصميم (جرافيك)، فكان ابداع الأحفاد استمرارية لابداع الأمهات والجدة.
معرض متميز ترك أثره في روحي ونفسي، كان التنسيق للأعمال فيه متميزا فإضافة للعرض على قواعد التعليق والجدران، كان هناك تعليق لبعض الأعمال واللوحات على الأشجار التاريخية في بيت عرار، وكان مثواه وصورته غير مغطى خلف اللوحات فشعرت بروحه محلقة بفرح وكنت قد وقفت أمام ضريحه وقرأت على روحه الفاتحة لحظة دخولي المعرض، وكان لافتتاح المعرض من خلال رئيس بلدية اربد الكبرى المهندس حسين بني هاني وتجواله بين كل الأعمال، وحديثه مع الفنانين كبار وصغار جمالية خاصة، وهذه ليست أول مرة التقيه في معارض فنية وأنتبه لاهتمامه الكبير ورعايته للمبدعين واهتمامه بتفاصيل الأعمال المعروضة، إضافة للدور المتميز للقائمين على بيت عرار والمشرفين عليه بحيث تمكنوا أن يحولوه إلى منارة تستقبل الأدباء والمبدعين والفنانين.
0 comments:
إرسال تعليق