اختيار وإعداد عادل محمد ـ
حكايات "شاهنامه فردوسى" التي كان الراحل زوج شقيقتي يقصها علينا باللغة الفارسية بأسلوب شيّق ومثير في مطلع خمسينيات القرن الماضي ظلت راسخة في ذاكرتي منذ نشأة طفولتي وعندما كنت تلميذًا في مدرسة العجم بالعاصمة المنامة.
كانت حكايات الشاهنامه وخصوصاً قصص البطل الأسطوري الفارسي رُستَم وابنه سُهراب تدور في
مخيلتي وتشوّقني على قراءة الكتب الفارسية. فبدأت بقراءة الكتب الفارسية بعد تخرجي من مدرسة العجم الابتدائية في نهاية عام 1955.
"بسي رنج بردم در اين سال سي ... عجم زنده كردم بدين پارسي"
(لقد عانيت آلاماً كثيرة خلال هذه الثلاثين سنة, فأحييت العجم بهذه الفارسية)!
الفردوسي هو أول من أحيى اللغة الفارسية وأنقذها من الاندثار، صاحب ملحمة “الشاهنامة” (رسالةالملوك) وهو ديوان شعر ضخم، وينشد الفردوسي في الشاهنامة، حكايات وأساطير الفرس القديمة شعرا.
ويعتبره الفرس، مؤسس اللغة الفارسية الجديدة -قياسا بالقديمة الرائجة قبل الإسلام- ومحييها ومجددها،ويحبونه لدوره في الحيلولة دون رواج اللغة العربية بين الفرس كما حصل في مصر وبلدان أخرى.
ففي أحد الأيام سُئل محمد حسنين هيكل، الكاتب المصري الشهير، "أنتم المصريون مع هذه الخلفية الثقافيةالرائعة، كيف أصبحت لغتكم عربية؟"
فرد هيكل وقال: أصبحت لغتنا عربية لأننا لم يكن لدينا فردوسي!
وهنالك دليل آخر على ذلك في دور اللغة الفارسيّة في إحياء القوميّة الإيرانيّة على يدي الفردوسي صاحب(الشاهنامه) ملحمة الفارسيّة العظمى. فقد أعلن فيها بوضوح قائلاّ ما ترجمته بالعربيّة وقد صدق, فالشعراء والمفكّرون رؤيويّون، يستشرفون مستقبل أُممهم ويستنهضون الهِمم لبعثها مِن رماد الأجيال.
حكيم أبوالقاسم الفردوسي هو واحد من الشعراء الايرانيين الأكثر شهرة وأحد أعظم الملاحم في
العالم. يتم تسمية يوم 25 ارديبهشت من التقويم الشمسي (15 من شهر مايو) من كل عام يوم
إحياء ذكرى هذا الشاعرالكبير.
الشاهنامه ملحمة فارسية ضخمة تقع في نحو ستين ألف بيت، من تصنيفأبو قاسم الفردوسيالمتوفى 329 هـ ، و«تُعتبر أعظم أثرأدبي فارسيفي جميع العصور».
نظمها الفردوسي للسلطان محمود الغزنوي مصوراً فيها تاريخ الفرس منذ العهود الأسطورية حتى زمن الفتح الإسلامي وسقوطالدولة الساسانية منتصف القرن السابع للميلاد. نقلها إلى العربية، نثراً، الفتح بن عليّ البُنداري المتوفى 643 هـ.
تعريف
كان نوح بن منصور الساماني، وهو من أمراء بنو سامان التي كانت تحكم ما وراء النهر، أول من اقترح نظم الشاهنامه، وبدأ الشاعر أبو منصور الدقيقي بنظمها لكنه قتل فأتمها الفردوسي، بعد إشارة من السلطان محمود الغزنوي. وقيل أنه سلخ في نظمها خمساً وثلاثين سنة.
النظم في أقسامها الأولى محشوة بالخرافات، حافلة بالخوارق. أما في أقسامها الأخيرة التي يستعرض فيها الفردوسي تاريخ ملوك الفرس منذ عهد أردشير مؤسس الدولة الساسانية؛ فإن الأحداث والأخبار التاريخية تقترب من الحقيقة، وتعتمد التوثيق، وتتقيد بالتسلسل الزمني.
يقول المستشرق بروكلمن في كتابه «تاريخ الشعوب الإسلامية»: «والواقع أننا نقع في الشاهنامة على روح الأسلوب الملحمي الفارسي في قمة اكتماله، وأنها تتكشف برغم نمطيتها ورتابتها عن عبقرية شعرية رائعة».
الترجمة العربية
أمر الملك المعظم بن الملك العادل الأيوبي، أمر الفتح بن علي البنداري الأصفهاني بترجمة الشاهنامه إلى اللغة العربية، فنقلها نثرابين جمادى الأولى سنة 620 هـ وأتم الترجمة في شوال 621 هـ ، وهي الترجمة العربية الوحيدة للشاهنامه. حققه المصري عبد الوهاب عزام على خمس مخطوطات واحدة في برلين، وأخرى في كمبرج ، ونسختين في طوب قبوسراي ، والخامسة في مكتبة كوبرلي، وأعتمد نسخة برلين الأصل، كونها أتم النسخ. وطبعت في مجلدين بالقاهرة سنة 1350 هـ.
ترجم البنداري الشاهنامه ترجمة شبه كاملة في أسلوب غير متكلف، وبيانه في جٌملته، ليس مسفا ولا عاليا. ويقول المحقق عبد الوهاب عزام أن البنداري يّسر الترجمة «وأوجزها فقرّب له حوادث الكتاب. وأحسب أن القارئ العربي، بهذه الترجمة، أقدر على الإحاطة بقصص الشاهنامه من القارئ الفارسي».
الطبعات
نشر المستشرق يوليوس فون مول نص «الشاهنامه» للفردوسي في ست مجلدات (باريس، 1838 – 1866 م) ثم نشر باربييه دي مينار مجلداً سابعاً في 1878 م. ثم ترجم مول «الشاهنامه» إلىالفرنسية، في ست مجلدات من الحجم الصغير وزود هذه الترجمة بمقدمات و تعليقات وفيرة. وقد وصف عزام هذه الطبعة بأنها «أعظم طبعة للشاهنامه عرفت في العالم كله».
المصادر: موسوعة ويكيبيديا ومواقع الفارسية والعربية المعتبرة
0 comments:
إرسال تعليق