د. داليا فرح – أستاذة في الجامعة اللبنانية ـ
عقدت لجنة وقف السيدة في بشري بالاشتراك مع اتحاد الأدباء والكتاب السريان في العراق ندوة بعنوان اللغة السريانية هوية وتراث وذلك في الساعة السابعة من مساء يوم الجمعة المصادف 12/7/2019 وعلى قاعة الكنيسة ، شارك فيها نخبة من المتخصصين وهم :
1- المطران يوسف سويف – رئيس أساقفة أبرشية قبرص المارونية ورئيس اللجنة البطريركية للشؤون الليتورجية / اللغة السريانية في الليتورجية المارونية"
2- الخوري هاني طوق – رئيس هيئة الشباب وناشط في العمل الثقافي / الآثار السريانية في لهجة بشري العامية
3-د. عماد يونس فغالي – أستاذ الأدب العربي في الجامعة اللبنانية وناشط ثقافي / اللغة السريانية في نتاج المونسنيور بولس فغالي
4-الأديب نزار حنا الديراني – عضو اتحاد الأدباء والكتاب السريان وناشط ثقافي/ المنابع الأولى لأشعار الأدباء السريان وليتورجيتهم
في البداية رحبت الدكتورة داليا فرح التي أدارت الندوة بالحضور مركزة على أهمية هذه الندوة لأنها تحاول المحافظة على التراث واِحياءه لكون التراث هو هوية من جهة وثقافة شعب من جهة أخرى . وفي شان الثقافة قالت : أن تعلو فوق كل الاختلافات الصغيرة ليعيش الإنسان بكرامة واِحترام وليصبح الإنسان أكثر إنسانية .... ثم قرأت البرقية التي أبرقها اتحاد الأدباء السريان للمشاركين والتي عبر من خلالها شكرهم للقائمين على هذه الندوة والجهود المبذولة لانجاحها وخصوصا لجنة وقف السيدة في بشري آملين ان تتظافر جهودنا لاجل أحياء حضارتنا وتراثنا ولغتنا السريانية وأن تعقب هذه الندوة ندوات أخرى...
بعدها اِفتتح الجلسة الاب جوزيف طوق بكلمة ممثلا عن لجنة الوقف متسائلا عن هدف هذه الندوة ليقول :
اننا نعيش اليوم أزمة تحول حضاري شامل حفرت هوة عميقة بين قناعات الإنسان المعاصرة ومفاهيم ماضيه الدينية الروحية وباتت هذه المفاهيم والقيم وكأنها وليدة حضارة تخطاها الزمن . أما كنيستنا الشامخة فهي تدعو الى الأخذ بمعطيات الحاضر ، دون التنكر لاختبارات الماضي وتعمل على شف دروب المستقبل دون قطعه عن جدوره . واللغة التقليدية تشكل جزءًا كبيرا من هذه الجذور وهي تواجه أزمة ايضا ... وأنهى كلمته مرحبا بالحضور والمشاركين .
بعدها قدمت مديرة الندوة نبذة مختصرة عن سيرة كل أستاذ محاضر بدءً بسيادة المطران يوسق سويف الذي تحدث في محاضرته حول موقع اللغة السريانية في الليتورجيا اليوم وكذلك موقع اللغة العربية فيها.
فحدّد أوّلاً هويّة الليتورجيا المارونية التي هي أنطاكية سريانية مارونية. إن لغة أنطاكيا تاريخيّا هي اليونانية مع السريانية؛ هذا إضافة الى دور مدينة الرها اللاهوتي والليتورجي والتي يُنسَب إليها نافور "شَرَرْ". من هنا يمكن القول أنّ اللغة السريانيّة كانت ذات انتشارٍ جغرافي واسع.
كما تطرق الى بدايات استخدام اللغة العربية في الليتورجيا والتي ظهرت مع مخطوط فلورانس في القرن السادس عشر وهو كتاب خدمة القداس الأقدم (Diaconale) ومصدره قبرص Cambilin وهو الذي هيّأ لطبعة القداس في روما سنة ١٥٩٦. وتتضمّن هذه الطبعة كرازات: البسيطة والوسطانية والبروديقي مع شروحات للكتاب المقدس؛ فالمقصود من إدخال بعض التعابير العربية باللهجة المحكيّة وليس باللغة العربية الكلاسيكية هو ذات بعد تعليمي، وهكذا بدأ الانتقال الأول من السريانية الى العربية.
هذا وقد عالج المطران سويف موضوع استخدام اللغة العربية في الليتورجيا من خلال البطريرك اسطفان الدويهي (١٦٣٠-١٧٠٤) من خلال ما ذكره في كتابه منارة الأقداس الجزء الثاني الفصل السادس، فنقرأ "نقول اذا قال أحد شيلات النافور بهذه اللغة ليفهمها الحاضرون فلا نذمّه ولا نمدحه" فهناك صراع عند الدويهي إذ لا يذم مَن يستخدم العربية في الليتورجيا إذ هي لغة "قديمة الوجود فصيحة النطق غزيرة التعابير..." و"لا يمدح أيضا مَن يريد أن يفضّل اللغة العربية على السريانية في خدمة الأسرار الإلهية حتى ان البيعة تستطيع ان تقول بصواب ان السرياني سرّ لي والعربي عار بي" ويتابع المطران سويف موضحاً إمكانية اِستخدام اللغة العربية حتى يفهم المؤمنون الصلوات بحسب البطريرك الدويهي الذي يؤكد مجدّدا انه "من الأصلح ان يُقال القداس في السرياني وخاصةً الكلام الجوهري الذي عليه عمدة القداس لا يُقال إلا بهذه اللغة كما فعل السيد المخلص وأما الذي يريد ان يُقدس بالعربي فيجب ان يحوي جيدا اللغتين السريانية والعربية...".
يتابع المطران سويف بعرض الموضوع مشيرا الى الواقع الليتورجي الحالي والذي يحوي خطوات اكثر جرأة حيث ننطلق من المصدر السرياني وتتم الترجمة الى العربية كما الى لغات أخرى وهنا يمكن مواجهة خطر عدم المحافظة على صيغ سريانية كاملة في النص النثري والشعري اللحني مما يقود الى إشكالية وجدلية الحداثة والدوافع التبشيرية والشهادة في الواقع الثقافي والاجتماعي الحالي والحفاظ على الخصوصية اللغوية والروحية والكنسية بلا خوف من طمس الهوية بل بروح الانفتاح والإنثقاف والتنوع في الوحدة والتكامل. من هنا، من الأهمية المحافظة على ما هو موجود من نصوص سريانية في القداس وإضافة بعض الصلوات ذات الطابع الجماعي كصلاة الأبانا وغيرها.
تابع المطران بعرض بعض القرارات الجريئة من شأنها ان تثبّت ليتورجيّتنا العريقة، فطرح موضوع تعليم اللغة السريانية في المدارس في لبنان وبلدان الانتشار، في المعاهد اللاهوتية وإدراجه في الأطر الدراسية الكلاسيكية كما هو الحال مع اللغة اللاتينية واليونانية. ليس الدافع لهذه الخطوة الإنعزال بل المشاركة في التنوّع الثقافي وتطير وتثبيت معالم الهوية.
ختم سيادته، مؤكداً أنه إن شئنا أو أبينا، فاللغة السريانية ما تزال محفورة في ضمائرنا ووجداننا في تاريخنا وأناشيدنا في لساننا وطريقة تفكيرنا وشخصيتنا، إنها مطبوعة في حياتنا وشهادتنا وحوارنا مع الآخر، الإنسان الذي لأجله تجسد الرب ومات وقام معيدا له ملء كرامته وحريّته.
بعد ذلك قدمت مديرة الندوة الدكتور عماد فغالي ليتحدث عن المونسنيور بولس فغالي كمرجعا في اللغة السريانية قائلا :
دعوني أؤكّد أحقيّةَ الفغاليّ في دراسة نتاجه، بحثًا وتحليلاً. ذلك أنّ الفكر الفغاليّ اكتمل اليوم، وصار إرثُه اليوم مادّةً مكتملة في الفكر الكتابيّ والآبائيّ.
إلى بشرّي:
وصل الخوري بولس إلى بشرّي في الخامس من تشرين الأوّل سنة 1963. كان همّه تأمين الأمور الضروريّة لرعيّته منذ اليوم الأوّل.
يقول: "إذا أردتُ أن أكتب عن حياتي في بشرِّي، فأنا أحتاج إلى كتاب. وحتّى اليوم، حين أريد أن أعطي مثلاً، أقول: "حين كنتُ في بشرِّي. تعلَّمتُ في بشرِّي الطقوس على أصولها، وشاركتُ في صلاة الفرض في السريانيَّة. في هذه الرعيَّة، انغمست في عالم مارونيّ، في تراث سريانيّ عمره ألف سنة ونيِّف".
السريانيّة في دراسته:
كان الخوري بولس ينالُ إلى شهاداته، ديبلومًا في اللغة السريانيّة، مكّنه من اختيار موضوع الدبلوم في الكتاب المقدَّس "تفسير أفرام لسفر الخروج"، وفي اللغات الشرقيَّة "موسى في التراث الأفراميّ". أمّا أطروحة الدكتوراه، فاختار موضوعَها: "البدايات والنهايات عند مار أفرام".
نتاج الفغالي السريانيّ:
كان الآباء السريان قبلةَ اهتمامه الآبائيّ. خصّص في كلّ كتابٍ، فصلاً أو أكثر للآباء السريان في شرح المسألة الكتابيّة التي يعالجها فيه.
في نتاجه سلسلة "التراث السريانيّ"، وسلسلة "ينابيع الإيمان". كتبٌ تعرض لعظات الآباء نرساي، يعقوب السروجي، أفرام السريانيّ وغيرهم، وأدبهم وأشعارهم، في ترجمة موضوعيّة وشروحات وافية. أمّا القِمّة فهو ترجمة "البسيطة"، Peshita. أو ترجمة بين السطور. اعتمد فيها الترجمة المقابلة. سطرٌ في اللغة الأصليّة، السريانيّة، يقابله الترجمة تحته في العربيّة.
نشاطه السريانيّ:
نظّم المؤتمرات السريانيّة التي كان مركز الدراسات والأبحاث المشرقيّة يقيمها مرّةً كلّ سنتين. كما شارك الفغاليّ في تنظيم مؤتمراتٍ سريانيّة في الإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة غزير، يكون فيها الكهنة والطلاّب هم المحاضرون.
بعد ذلك قدمت مديرة الندوة الأديب نزار الديراني ليتحدث في محاضرته عن المنابع الأولى لأشعار الآباء السريان وليتورجيتهم قائلاً :
حين إعتنق الآباء الاولون المسيحية نقلوا معهم علومهم وآدابهم وليتورجيتهم كي يوظفوها خدمة لدينهم الجديد لذا من المؤكد ان تكون الصلوات والتراتيل في طورها الأول قد سارت على نفس المنوال ، هذا يعني لا بد ان تكون القصيدة السريانية الدينية إمتدادا" لقصيدتي القالا والنار السومرية والبابلية اي بمعنى آخر هي الوجه الجديد والمتطور لهذه القصائد.
فمثلما كان النتاج الأدبي السومري والبابلي يكتب على شكل شعر او نثر هكذا كتب النتاج الأدبي السرياني على شكل ميامر ومداريش وسوغيتات، ومثلما نشات النصوص الدينية الطقسية السومرية والبابلية وتطورت في المعبد وقام بانشادها وترتيلها بين الناس كهنة متخصصون يطلق عليهم اسم القالا ( الصوت ).ـ أو المغنين والمغنيات المرتبطين بالموسيقى الدنيوية سواء في القصر او بين الناس يطلق عليهم اسم النار (nar) ، هكذا نشات النصوص السريانية في الكنائس والأديرة وانتشرت من خلال الفرق (الجوقات) كالتي انشأها برديصان ومار افرام وغيره من اجل نشر التعاليم المسيحية .
وهكذا الحال في الممارسات ، فهناك تشابه كبير بين ممارسات عيد الفصح (كالجمعة العظيمة) وعيد الميلاد والسعانين لدى المسيحيين واحتفالات أكيتو واعياد الايزنماخ بشقيها الخريفية والربيعية والزكماك لدى السومريين والبابليين، ففي جميع هذه الاعياد هناك مواكب حاملين المشاعل (الشموع) يصاحبها اناشيد تراجيدية كالميامر والمداريش والسوغيتات وغيرها .
بعد ذلك تحدث الاستاذ الديراني عن استفادة الشاعر السرياني برديصان (نهاية القرن الثاني) ومن بعده مار افرام (القرن الرابع) كثيرا من هذه الممارسات في تكوين الجوقات الكنسية التي كانت هي الأخرى تجوب شوارع أورهاي وغيرها وهي ترتل أناشيدهما. ولا تزال هذه العادة جارية لدينا وخصوصا في عيد السعانين حيث يحملونأاغصان الزيتون بدلا من المشاعل وهم يجوبون شوارع القرية مرتلين الميامر والأناشيد ذوات ايقاعات خاصة
وهكذا الحال في النصوص الطقسية والتراتيل فهي كثيرة حيث قدم الباحث نماذجا من الصلوات والأناشيد التي كانت مستخدمة لدى أجدادنا القدامى ( البابليين والآشورين) والسريان كصلاة ( رشأ غزالة – في الأدب السومري البابلي ) وصلاة مباركة الملح والعجين في الليتورجيا السريانية وكذلك ما بين الصلاة الموجهة الى الإله شمس وأنليل والانشودة الموجهة لتعظيم أسرحدون و... وما يقابها في السدرات وموشحات سليمان في الشعر والليتورجيا السريانية .
ومن ثم عرج المحاضر على ما استفاد الشاعر السرياني ومنذ نشأت أدبه من الفنون الشعرية التي نقلها معه من أجل خلق الايقاع الشعري كالتكرار والتوازي (توازي الحركات) واستخدامه ما يشبه القافية في بداية البيت الشعري ( كاستخدامه التسلسل في الحروف الأبجدية او استخدام حروف اسم ما كإسم الناظم ) وغير ذلك .
وكان ختام الندوة مع الخوري هاني طوق وقد ركز في مداخلته على تمازج اللغة السريانية بلهجتنا المحكية وخصوصا في منطقة بشري ، بحيث ان لفظة زُياح كما يقولها أهل بشري هي نفس اللفظ في السريانية و..... كما انه أكد على ان معظم الكلمات في اللهجة المحكية ليس لها اي جذر في العربية بل أكثرها من الجذور السريانية وقد عدد الكثير من هذه الكلمات في اللهجة المحكية وأورد العديد من الأمثلة على ذلك .. كما انه لاحظ بان كل الكلمات العربية تتحول الى النمط السرياني في اللهجة المحلية وأعطى العديد من الأمثلة على ذلك .
بعد ذلك فتح باب المداخلات من قبل الحضور حيث ركزت أسئلة الحاضرين على كيفية المحافظة على اللغة السريانية من خلال تعليم السريانية والسعي لادخالها في التعليم وجعلها مادة تدرس في الجامعات وزيادة حضورها في القداس حيث تبرع أحد الاباء بتخصيص يوم في الأسبوع لأداء القداس بالسرياني وفتح دورة لتعليم الصغار ....
0 comments:
إرسال تعليق