أستاذ نظرية الأدب وعلم الأسلوب
جامعة البحرين / جامعة حلب
يختلف شعورك وأنتَ تشرع في خطوات وهيب وهبة عن شعورك بعد أن تصل إلى منتهاها: فأنتَ تلحظ بادئ ذي بَدء نمطًا من الكتابة يبدو الكاتبُ فيه وقد انساق وراء تجريبيّة تبتغي أن تستثمرَ إمكانيّاتِ الشعر والنثر والسرد والتخييل والمسرح وكل ممكنات فنّ القول إن جاز لنا أن نعبّر؛ وذلك لكي يوصل فكرته الكامنة في هذا النص..
وواضح من تقديم الكاتب لنصّه أنه تستهويه الصورة الأدبية بكل ما فيها من مجازات واستعارات وكنايات وتشبيهات، ولا شكّ أنّ الصورةَ الناجحة هي أَمارةٌ من أمارات فنّ القول ولا سيما الشعري منه، وقد قال عزرا باوند ذات مرة: "إن تقديم صورة واحدة في العمر كلّه هو أفضلُ من إنتاج أعمال ضخمة". ومن يقرأ هذه الخطوات يجدها مكتنزة بالصور.
فانظر مثلا إلى هذه الصورة اللافتة التي يفتتح بها الكاتبُ عتبةَ نصه فيقول:
بَيْنَ يديْكَ الْآنَ... حريقٌ مِنْ حَطَبِ الْكلماتِ.
صورة مثيرة أراد الشاعرُ منها فيما نقدِّر أن يَجتذبَ القارئ إلى نصِّه الملتهب والمُمتلئ بالكلمات المشتعلة التي تضيء مناطقَ في التاريخ الغابر يريد الشاعر أن تنكشف أمام القارئ المعاصر الذي جعلته المدنية الحديثة غافلا عنها. وتلك لعمري رغبة نبيلة يسعى الشاعر إلى تحقيقها في هذا النص الحميميّ الذي لخص الكاتب ما قدّمه فيه على نحو متواضع بقوله إنه:
مُحاولةٌ للدّخولِ في تاريخِ الْحضارةِ الْعربيّةِ الْإسلاميّةِ.
وهو في هذه المحاولة يروم وصل الحاضر بالجذور كما عبر بعد ذلك، وما أحوجنا حقًّا إلى مثل هذا الوصل..!..
وفي هذا الشأنِ فقد برَعَ الشاعرُ في استحضارِ عدد غير قليل من الرموزِ والشخصياتِ التاريخيّة التي ارتبطت بتاريخ شبه الجزيرة العربية وبالتاريخ العربيّ والإسلاميّ ووظّفها ضمن نصّه بكلّ ما تحمله من معان ودلالات.
ومهما قيل في النص الإبداعيّ من كلام فإنه يظلّ قادرًا أن يعبر عن نفسه بنفسه فهو الأصلُ، وما النقدُ إلا شَمعةٌ تضيء بعضَ الخفايا والزوايا التي قد تبدو للقارئ العاديّ غامضة وتحتاج حينئذ إلى واسطة هي عين الناقد التي ترى ما لا تراه عينُ القارئ العاديّ، وعسى أن تُتاح لي وِقفةٌ أخرى متأنّية مع هذا العمل أو مع أعمال أخرى لهذا الأديبِ الفلسطينيِّ الأصيلِ انتماءً والنبيلِ فكرًا وأخلاقًا.
0 comments:
إرسال تعليق