"فلسفة التمرد والثورة" لفيليب سالم رسالة الانتماء للبنان والولاء لثوابته

 


كتبت الدكتورة روان باسيل ـ


يدعو البروفسور فيليب سالم في كتابه الجديد " فلسفة التمرد والثورة "، (دار سائر المشرق- صادر عام٢٠٢٢) الى تطوير فلسفة سياسية جديدة للبنان، تحددّ دور الدولة الحديثة ودور المواطن فيها، وأهم ادواره الولاء لوطنه والانتماء اليه دون سواه، وبالطبع الدولة الحديثة يفترض أن تبنى على نظام سياسي ديموقراطي متطور، يحافظ على ثوابت لبنان التي بُني على أساسها وأعلنت دولته من أجلها، كما يحافظ على ثوابت الاستقلال في الميثاق والصيغة، بما يعني التعايش الحر بين ابنائه وتحييده عن شرق وغرب وعن المحاور الاقليمية والدولية، مع تأكيد هويته العربية.

ولا يرى غضاضة في أن يطلب لبنان عقد مؤتمر دولي خاص به لترسيخ حياده وضمان سلامته وسيادته، وخطة " مارشال " جديدة تبني اقتصاده على اسس سليمة. ويرى بأنّ النظام اللبناني هو جمهوري برلماني ديموقراطي، من أفضل النظم، لكن يجب تغيير الذهنية التي تجعل المواطنين في خدمة الحاكم وليس العكس، والقوانين وضعت لمصلحة الحاكم وأذنابه، والولاء للزعيم والطائفة وليس للوطن، وأن الفساد وجهة نظر... أما تحرر اللبنانيين فيبدأ بالتحرر من الزعيم والطائفة.

يواجه لبنان أزمة وجودية تهدّد حضارته وهويته الكيانية، وهي أشد وأدهى من الحروب والأزمات السابقة، لأنه في موقع خطر يهدد حضارته، ذات الستة الاف سنة، والتي إن زالت زال. إننا متمسكون بحضارتنا الأنموذج للعالم بتعدديتها الثقافية والدينية وحرية الاعتقاد واحترام معتقدات الآخرين، والتي تصبو الى مستقبل الانسان متجاوزة ماضي الأديان الى وطن الانسان.

لبنان الرسالة ذو الحضارة المتميزة بالحرية والتعددية الثقافية القائم على حضارة عريقة على شاطئه ومدنه التراثية منذ الاف السنين، مدّ حضارته عبر العالم منذ عشرات السنين، فالجالية اللبنانية من أقدم الجاليات في العالم، افتتحت العولمة قبل العولمة،مفترضة رسالتها عالمية، كما عبّر أحد أبرز ممثليها، منذ قرن من الزمن، جبران خليل جبران الذي صرخ بنيويورك قائلاً: "ايتها المدينة نحن هنا لا لنأخذ فقط، بل لنعطي أيضاً، نحن هنا لنشارك في صنع مستقبلك ولنغني حضارتك". وفعلاً أعطاها نبياً جديداً وانجيلاً جديداً وصلاة الى الأبد.

إنّ النقطة الأولى التي لفت اليها سالم عندما دعا الى الترشح للانتخابات النيابية التي مضت في أجواء الثورة وتوحيد اللوائح، وهذا ما لم يحدث، وربما كانت النتائج أفضل. قال " إنّ إحياء الثورة هو ضرورة لنجاح المعارضة في الانتخابات "، لأنها " تحوّل الغضب الذي يضج في صدور المواطنين الى أصوات في صناديق الاقتراع".

واقترح على الثوار اتباع الخطوات الآتية: إحياء الثورة بمفاهيم جديدة، وتغيير السلطة بالطرق الديموقراطية والحضارية، وتحديد استراتيجية مُحكمة للفوز صعوداً على سلّم السلطة. أما الدول التي ترغب في مساعدة لبنان، فالمساعدة على ازاحة السلطة الفاسدة المارقة، وتحرير لبنان من الميليشيات والوصايات الخارجية، وضمان حياده، ولهذه الغاية طالب بعقد مؤتمر دولي باشراف الأمم المتحدة لوضع لبنان تحت المظلة الدولية مرحلياً لضمان استقلاله وسيادته، ثم دعمه اقتصاديا.

ليس عيباً أن يعتمد لبنان المقيم في رفد اقتصاده بمعونات يرسلها لبنان المغترب الى أهله، لكن العيب في أن تقصر السلطة السياسية الإفادة من غنى الاغتراب الكبير بهذا الرافد الضئيل، فلو كانت على قدر المسؤولية لخططت لتوسيع الإفادة من القدرات الكبيرة التي يختزنها من العلم والعلماء والأدب والأدباء والثقافة والمثقفين والاكتشافات والمكتشفين والسياسيين من نواب ووزراء ورؤساء، فضلاً عن اصحاب الثروات الضخمة، في دول العالم قاطبة، لتأليف لوبي لبناني يعمل على خدمة الوطن في كل المحافل الدولية وفي العلاقات الديبلوماسية، من اجل انقاذ لبنان وانتشاله من ضائقته وازمته الكبيرتين، وتثبيت مفهومه الاستقلالي بالحياد الايجابي الفاعل.


ووجّه رسالة الى التغييريين: تمسكوا بلبنان أرضاً وشعباً، ولا تقبلوا التفاوض عليه اطلاقاً، ولاتساوموا عليه في سوق النخاسة وتبيعوه في سوق الخردة. دافعوا عن الجيش اللبناني كي يحافظ على كل شبر من الوطن وكل حبة تراب من ارضه، وارفضوا كل اشكال التقسيم والتوطين والدمج، فلبنان لأبنائه الذين وجدوا فيه منذ مئة سنة وأكثر، كفاه لاجئين ونازحين لقد ضاق بابنائه. ابتعدوا عن المناكفات الجانبية وابعدوا لبنان عن حلبة الصراعات الاقليمية والدولية. ولتكن بوصلتكم دائماً في اتجاه الحياد الفاعل.

وتوجّه سالم الى الثوار ومن خلالهم الى كل المواطنين، قائلاً "إنّ من يخف التغيير يبقَ مكانه، ومن يخف الخطر يقبع في بيته، ومن يخف الفشل لايمكنه تحقيق النجاح. هذه ثورة، وهل هناك ثورة لم يكن فيها الكثير من الخطر والفشل؟ وهل هناك طريق أخرى للخروج من هذا السجن العربي الكبير؟ لقد انتظرنا هذه الثورة طويلاً". 

وأوصى اللبنانيين جميعاً بأن يعملوا على بناء الدولة بتغيير النظام السياسي الطائفي المهترىء" حيث لايقاس الانسان بمن هو، بل بانتمائه الطائفي"، وبتغيير الطاقم السياسي " الذي يؤمن ايماناً عميقاً بأنّ مصلحة السياسي فوق مصلحة الوطن"، وبالقضاء على الفساد ولاسيما السياسي " بحيث لا يكون بعد اليوم هناك مواطن لبناني يفتخر بأن مرجعيته خارج الحدود اللبنانية".

اخيراً: انتموا الى لبنان فقط، امحضوه ولاءكم المطلق، تنجح ثورتكم.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق