المجنون والبحر في قراءة تفسيرية




كتبَ: نجم قرا


عاد المجنون والبحر... وصدرت الطبعة التاسعة 2022 وعادت الذكريات لعام 1995  حين كتبتُ مُداخلتي التفسيرية لرائعة وهيب نديم وهبة المجنون والبحر.

حينها كتبتُ هذه الكلمات بشغف القارئ الذي وجد في المجنون ضالته الأدبية... لشخصية تعرى الوجود -العالم- والآن أعود لأوراقي القديمة – أقدم للقارئ كيف فاجئنا الوهيب بهذه الرائعة الإبداعية. 


القراءة التفسيرية:

يعود إلينا الشاعر وهيب نديم وهبة في كتابه المجنون والبحر ولكن عودته هذه ليست ككل ألعودات- ففي كتابه هذا عمد أن يقول لنا كل الحقائق عن المجتمع البشري الذي بدأ من الدوائر الشخصية، المحلية والعالمية.

 

كل ما لم نبح به مراعاة للثوابت الاجتماعية والقيم السائدة والأعراف المتعارف عليها في مجتمعنا... والتي باتت غير واضحة من ناحية السلب والإيجاب. نراه يقول بأسلوب وأضح وكأنه بذلك يتحدث عن صوت العديد، العديد منا.

"والْعالمُ يسقطُ...

يسقطُ في الرّذيلةِ...

والْكلُّ يتحدّثُ عنِ الْأخلاقِ".


هذه الحقائق رسمها الشاعر، بصور كلامية، ألوانها الأخلاق والحب والخوف وإطارها الإنسان والمجتمع، لكن الحديث عن الإنسانية المصطنعة والحقيقة الكاذبة جعلت منا أضحوكة ليكون المجنون فيها عاقل والعاقل مجنون والواقع كذب مصطنع والزيف إيمان ودين وبهذا:

أصبحَ الْإنسانُ الطيّبُ النّزيهُ، منبوذًا ومرفوضًا وكافرًا 

في استغلالِ الْفرصِ... 


لهذه الصور المرسومة في الحلقة الأولى من مسرحة القصيدة... منحته مساحات فكرية وأدبية واسعة كالبحر... والحب والجنون... وسلوك الإنسان على خشبة هذه المسارح... رسم لنا الشاعر الوهيب أبهى  وأوضح صورة عن حياة الإنسان في هذه الدنيا الواسعة التي تارة يدخل فيها حربا ضروسا وتارة أخرى نُصادف عذوبة الكلام عن الحب والإنسانية وفي كل حالة نجد كم أصبح هذا الإنسان (غير إنساني) وهذا الواقع الوهم والخيال القاتل:

بينَ الْحُلمِ، والْوهمِ، والْخيالِ...

بينَ الْعشقِ الْعاديِّ... 

والْعشقِ الْممْزوجِ بالدّمِ، 

والْخيانةِ والنّفاقِ، هذا الْوهمُ الْقاتلُ...

الّذي يجعلُ للْمادّةِ قدمينِ وكفّينِ ويحملُ الْأرضَ... 

على كفّ هاويةٍ.


ويستمر الإنسان بحياته وكأنه في حرب للحصول على الأكثر من غريزة الأنانية والجشع وهذا لا يقبله المجنون لأنه هو يعلم ما لا يعمله الإنسان العاقل أو يتجاهله: 

كلُّ واحدٍ منهُم يُريدُ أنْ يأكلَ الدّنيا، 

والدّنيا كما هيَ...


أثناء هذا العراك تتسلط المادة علينا وتحملنا إلى وضع نكون فيه بضياع لا أهمية لشيء سوى لذواتنا، مناصبنا السياسية... وحتى إيماننا الذي يجعل من الناس يعيشون مؤقتًا في هذا الكون دون الاهتمام بالاستمرار ومستقبل الذين يأتون بعدنا حتى نصل بواقعنا المرير إلى ضياع المستقبل:   

قلْتُ: "مهلًا... الْغناءُ يوجعُ الْقلبَ... 

ونحنُ لا نحتاجُ إلى روضةِ أطفالٍ"


"نحنُ، يا سيّدي الْمجنونَ، لا نشتهي 

أنْ نشتريَ لعبةً أوْ كتابًا... نحنُ لا نحلمُ، 

سيّدي، في مستقبلِ الصّغارِ.

مجرّدُ الْحلمِ جريمةٌ... نحنُ أمّةٌ مؤمنةٌ، 

نؤمنُ بالْقضاءِ والْقدرِ، والْأجلِ الْمحتومِ"


أن تسلسل الصور في حلقات المسرحة تجعلك في غاية التشوق لمعرفة المزيد عن هذا النوع من البشر وعن الحياة في هذا الشرق... الذي زهقت روحهُ الحروب واليوم ينتظر ان يفتح العالم ذراعيه للسلام:

وَيُنادي: "على الشّرقِ السّلامُ" 

ويسهرُ لا ينامُ.


دائما قضايا المجتمع والإنسانية مواضيع للمداولة والحديث والتغني بها – من أجل التغيير إلى الأفضل والأجمل والأكمل.

هالةُ: "لقدْ دارَتِ الْكرةُ الْأرضيّةُ آلافَ الْمرّاتِ... 

يعجزُ التّاريخُ أنْ يجمعَ كلَّ تلكَ الشّعوبِ 

الّتي انْدثرتْ، وتلكَ الدّولِ الّتي قامَتْ... 

والدّولِ الّتي تحطّمَتْ... 

والْإنسانيّةُ بقيَتْ أضيقَ منْ خرمِ الْإبرةِ."


هذا الجوع الذي لا يمكن (غلق فيه) يجعلك تعيش الم الشعوب الذين يعانون نقص التغذية بينما:  

"على موائدِ الْأغنياءِ الّتي تشبهُ حياةَ الْآلهةِ، 

والْملوكِ الْغابرينَ – تستطيعُ أنْ 

تأكلَ وتشربَ كلُّ قططِ الْعالمِ."


من هنا الشاعر يُنادي إلى الإنسانية الحقيقية، إنسانية المجنون الذي أصبح سرا للعقلانية والواقعية لهذا المجنون الذي علمنا كيف أن الناس يتعاملون مع الشرف والعرف والتقاليد وكأنها سلع ويتداولون بها، هذا المجنون علمنا كيف أن: باسم الشرف تداس القيم بلا شرف.

 

إشارات:

نجم قرا: مُدير المدرسة الابتدائية (آفاق) دالية الكرمل

المقالة التي نشرت عام 1995 في الصحافة وتظهر الآن على المواقع.

كما تمَّ تسجيل المجنون والبحر في مكتبة المنارة العالميَّة بصوت الإعلاميّة القديرة فادية نحّاس.

لوحة الغلاف والرّسومات الدَّاخليّة للرَّسّامة الرَّائعة – هيام يوسف مصطفى... الإصدار الأخير بالاشتراك مع الرّسامة الأردنية آلاء مرتيني.

آفاق - المدرسة الابتدائية على اسم عبد قدور  دالية الكرمل


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق