بقلم سامية خليفة ـ
تتكون المجموعة القصصية من ثمانية عشرة قصة قصيرة.
استهل الكاتب كتابه بإهدائه إلى روحي والديه الطاهرتين.
هيمن على المجموعة القصصية أسلوب السرد الحكائي، وفيه لم يلجأ الكاتب إلى الحوار المباشر إلا في ما ندر، بل نراه وقد اعتمد على آلية نقل القصص عبر روايتها حكائياً، فإن لجأنا إلى تحليل جزئي لبعض القصص نجد أنها تتمحور حول ثيمتين أساسيتين، لهما علاقة بعنوان النص "زمن الذئاب" وهما ثيمة الغدر وثيمة الخذلان أو الإحباط، حيث يتبادر للوهلة الأولى عند قراءة العنوان السمة الترابطية مع الذئاب ألا وهي سمة الغدر، ومع كلمة زمن مترافقة مع عبارة الذئاب يتبادر إلى أذهاننا الخذلان النتيجة الحتمية للغدر .
لنجد العنوان كعتبة ممهدة تنطلق منها القصص، ولنجد بأن بنيوية القصص استمدت صلابتها من خلال اعتماد ثيمتي الغدر والخذلان، فإن كان الذئب يمثل الغدر فنحن سنراه في القصص بوجوه عديدة، ليكون الانتظار ذئبا يفترس معه الوقت أعصابنا، وتبقى آثار ذلك الافتراس راسخة في الوجدان والذاكرة وهذا ما لمسناه في قصة "الصلاة الأخيرة" حيث تنتظر الحبيبة حبيبها بلهفة حارقة إلا أنها تصطدم بحقيقة سقوط الطائرة في البحر هنا الخذلان سيتملك بها وبكل المنتظرين لعودة الركاب، لكن بجثث وربما انهم سيبقون بانتظار أبدي لجثث ابتلعها البحر.
في قصة" تنهدات الليل الطويل" بطل القصة يصل إلى استنتاج أن "لا المجيء خيارنا ولا الرحيل قرارنا " هنا الإحباط الكلي ينتابه ليتذكر أول إحباط له منذ دخوله إلى المدرسة التي ظن أن باستطاعته الخروج منها ساعة يشاء إلا أنه يصطدم بقوانين واجبة للالتزام بالدوام الدراسي، وبالتالي الذئب هنا هي تلك القوانين الصارمة بنظره التي ستحرمه من حريته والتي ستتوالى عليه بأشكالها المختلفة مع العمر.
وفي قصة "صرخة الصمت"، الصمت المخاتل الذي يخفي خلفه حقيقة محبطة وصادمة، فلولا خداع الصمت وغدره لما أحبط بطل القصة وضاعت أحلامه، لما تعلق قلبه الفتيّ بابنة السبعة عشر ربيعا ، الزهرة التي ذبلت بنظره إثر معرفته بحقيقة لم يكتشفها إلا بعد انتهاء زيارة مع والده لصديقه، الفتاة في آخر الزيارة تنطق لتظهر بكلامها إعاقتها العقلية، غدرته هنا الحقيقة وأحبطته أحلامه الواهية .
في قصة "زمن الذّئاب" ينبري الغدر في حلّة مضرجة بدماء الأبرياء فالرجل الغني إسكندر يريد تجنيب وحيده وابن عمه من غدر المقتحمين للبلاد فأمر بتهريبهما مع من ظنهم أوفياء إلا أنهم يغدرون به ويقتلون ابنه وابن عمه عوضا عن حمايتهما، لتبقى الأبنة بهية هدفا لهم إلا أن مرضعتها ترسل بأخيها في الرضاعة لإنقاذها، هنا الذئاب ما هي إلا مخلوقات بشرية ولكنها نسيت إنسانيتها لتصبح أشد فتكا من الحيوانات الضارية، وإحباط اسكندر كبير بغدر من اتكل عليهم سندا وذخرا.
تتوالى في قصة "بالكيل الذي تكيلون " الأحداث ليجد القارئ نفسه أمام مجتمع هزيل فاقد لكل القيم الإنسانية، حيث تضيع مظاهر الطيبة وتدفن كل سبل التعامل مع الآخر بمصداقية. هنا الذئب لم يستثن بغدره الأخوة، بل قام ضاربا بعرض الحائط لصلة الرحم، في حين أن ماجدة الأخت التي تمثل الخير في طيبتها، ماجدة التي تمثل بنقاء قلبها النعجة الوديعة وتنصاع لطيبتها " لم تجد ماجدة بدّا من أن تنصاع إلى حديث القلب والعاطفة"، بالمقابل تواجه ماجدة براثن ذئب تنهش طيبتها هي براثن غدر أختها الشريرة أمل التي تمثل وجه الشر بغدرها، وبالتأكيد سيتملكها الخذلان والإحباط ليدفعا بها إلى الاستعانة بمحام، سيمثل بدوره وجه الشر الأكبر والأقوى ليلتهم بمكيدته شر أمل، مما يشير به الكاتب إلى أن الذئاب أيضا تفترس أقواها أضعفها وأن الشر يتنامى ويكبر لترسو دفة الاستيلاء على البيت بين يدي المحامي المخادع الذي اتبع طرقا معوجّة.
وهكذا تتوالى القصص لتثبت أن الشرّ ينتصر على الخير في حال عدم التنبه والاحتياط من غدرات الزمن، فالذئاب لا ترحم النعاج الوديعة، والمكر لا يلين بصلفه وجبروته أمام الطيبة والتعامل مع الآخرين بثقة عمياء، رسالة الكاتب جلية وهي في أن أخذ الحذر من الأشرار ضروري للاستمرار في الحياة بدون الوقوع في مطبات الخداع، فما أكثر المواربين وما أكثر طرق الاحتيال في عالم موبوء بالفساد والجشع والوصولية.
سامية خليفة / لبنان
0 comments:
إرسال تعليق