بقلم : الشاعرة : سلوى علي / السليمانية
الزمن هو الخيط الذي ينشر عليه الكاتب احداث روايته , بينما المكان هو البساط الذي تتحرك فوقه الشخصيات .
حين قرأت عنوان الكتاب سافرت مع نفسي بصحبة ابطال المسرحية في الفراغ لأستلهم المشاعر، الروح، الجسد، النبؤة وذلك الشعور الصارخ المجنون بين جدران و أبواب تلك الفلسفة التي عانقت عاشق كعصفور مذبوح أعلن الحرب على الذاكرة في ساحات لغة شعرية ومكنونات منتظمة تجوب الصفحات.
رواية (مالم يقله سيزيف في مذكراته المجنونة)لكاتبه الشاعر والروائي كريم عبدالله ,ينقلنا الى العالم السفلي / الحضيض للمصحات العقلية , وما يحدث في السرّ بعيداً عن الضوء ووسط الظلام , والى أزمنة ما نكاد نستأنس بها الا ونقلنا بصورة خاطفة الى زمان آخر ويجعلنا في حيرة من امرنا , ويرسم لنا أماكن موحشة وبسرعة يأخذنا رغماً عنا الى أماكن أخرى .
كما نعلم ان الهدف من الرواية ((هي أن تجعلك تعيش مشاعر جديدة ،وتتحسس لغتها الادبية, وتحسّن من مفرداتك اللغوية ,ويتحسّن خيالك لتهرب من الواقع بطريقة ايجابية)). والرواية الناجحة تعزز من الجانب الأنساني والخيال الابداعي ،حيث لها تاثير غير مباشر وتبدأ تخمر دواخلك ويضيف بعدا جديدا لفكرك وكيانك ،هذا بجانب أثرائك اللغوي وكسب معلومات لم تعرفها قبل، الروائي الجيد حين تقرأ له تتخيل الشخصيات وتعيش حزنها وخوفها وفرحها، هنا نجح الروائي كريم عبدالله في هذه الجوانب والأهم منها حافظت الشخصيات كل منها بداخل الرواية على لغتها الشعرية الخاصة به ,وهنا يكتب للروائي نجاح اخر له كشاعراجاد مكامن اللغة والتعبير عنها بصورشعرية مكثفة وعلى هيئة القصيدة البوليفينية بكتلة واحدة متعددة الاصوات والتي تعتمد على تعدد المواقف الفكرية فيها و تنوع الصيغ وتوظيف جيد لوحدة الزمان والمكان وعمل كمايسترو ناجح لجمع كافة الالحان في عمل موسيقي رائع.
كما حاول الروائي كريم عبدالله من خلال استخدامه لرسم المكان تقريب هذا المكان من نفس المتلقي لرسم الأبعاد والفضاءات الذي تدور فيه الاحداث من خلال المشاعر ,والمعلومات المختزنة في ذاكرة الروائي من فلسفة, وأحاسيس ,و علاقات ,ضمن توليفة تأريخية ونفسية و دينية و أجتماعية، لأن المكان يمثل المحور الأساسي من المحاور التي تدور حولها الرواية، فقد تجاوز كونه مجرد شئ صامت أو مجرد عنصر أو خلفية تدور حولها الأحداث.
المكان في هذه الرواية لعب دور المفجر لطاقات الأبداع عند كريم عبدالله من حيث بناءه اللغوي والتشييد الخيالي والطابع اللفظي التي تستطيع اللغة التعبير عنه بوصف الأشياء وتقديمها للعين بصورة أمينة تحرص على نقل المصداقية وجعل المكان في الرواية مماثلا في مظهره الخارجي للحقيقة .الرواية توثّق أزمنة ما عادت الان موجودة على أرض الواقع , فهي كسجلّ حقيقي للأجيال أن تتعرّف عن قرب على ما أحدثه الزمن وتبعاته على شخوص , وأمكنة , وارواح معذّبة عاشت خلف جدران هذا المكان .
وقد نجح كريم عبدالله حين أشار الى تواريخ محددة وأحداث معروفة سواء في البداية أو في سياق الرواية ، ليبث بعض المعلومات أو الأشارات الزمنية تمكن القارئ من معرفة الزمان الماضي والحاضر ، كما ويبين الزمن النفسي والطبيعي. يستطيع القارئ أن يجد في هذه الرواية مختلف الأمكنة , مثل المكان الهندسي الذي تعرضه الرواية بأبعاده الخارجية , والمكان ذو التجربة المعاشة الذي عاش فيه الروائي , وبعد أن ابتعد عنه أخذ يعيشه في الخيال , حيث يثير الخيال لدى المتلقي , والمكان المعادي الذي يعبّر عن الهزيمة واليأس , والمكان الصوتي الذي تبرز جماليته من خلال الصوت فقط , والمكان الحنيني الذي يذكّرنا بالماضي , والمكان النفسي الذي يصور لنا خلجات النفس وتجلياتها وغيرها من الأمكنة .
الزمن النفسي من حيث أرتباط الشخصيات أرتباطاً وثيقاً بحالتها الداخلية وتلون حالتها النفسية والشعورية ، أما الزمن الطبيعي فهو الزمن الخارجي الذي يشكل الداعم الأساسي للروائي ليبني عليه الرواية .لقد استخدم الروائي كريم عبدالله ( فلاش باك ) كثيرا في روايته هذه , مما جعلنا نركض وراءه نتتبع هذه الأزمنة , وكيفية معالجتها حسب رؤيته .
لقد كان أشبه ما يكون بالمونتير الذي يحذف ويضيف كل ما يجعل من الرواية مترهلة , فجاءت تختصر لنا أزمنة كثيرة , وتتحدث عن أمكنة كثيرة ايضا .
بقي أن أقول رواية (ما لم يقله سيزيف في مذكراته المجنونة) لكاتبه كريم عبدالله من الروايات التي تفتح الكثير من الأبواب لقراءات نقدية ادبية متعددة , والغوص في مكنونات جماليتها من كل الجوانب ....
فشكرا لكل هذا الجمال .
0 comments:
إرسال تعليق