مقاربة نقدية في رواية ( الشتات ) لمجدي جعفر
بقلم / بهاء الصالحي
................................
جاءت رواية الشتات لمجدي جعفر وهو روائي يمتلك أدواته وصاحب خبرة ولكن أن يأتي ذلك العمل في اطار مشروع خاص به تحت رعاية نادي القصة سلسله الكتاب الفضي فذلك انر يستحق، وقد جاءت تلك الرواية كجزء ثاني من رواية (على شفا حفرة ) وهنا يكون السؤال المدخل للرواية ما هي الإضافة على مستوى النمط وعلى مستوى تركيبه العمل الروائي؟ علما بأن الرواية تتماسك مع رواية الأجيال التي أسس لها عبد الحميد جوده السحار ونجيب محفوظ وفيهما يتداخل البناء الفني والأحداث الواقعية وبذلك يتفاعل المعرفي مع الشكلي، وذلك بحكم الحبكة الدرامية وأولية العمل على مستوى الريادة وبالتالي جاءت الثلاثية لرصد نماذج واقعيه تعكس التاريخ الاجتماعي لمصر وذلك بحكم المشروع الاجتماعي الذي أرق نجيب محفوظ وقت ذاك كنمط دفاعي وموقف سياسي مبطن تجاه الواقع الاجتماعي ما بعد 52 وبذلك جاءت الثلاثية ردا روائيا ودفاعا نفسيا عن ما قبلها والذي شكل وجدان الروائي وهو نجيب محفوظ.
ولكننا هنا بصدد تطور تقني وهي مغامرة حيث يكون البطل هو الواقع مع ذكاء الخاص في خلق معادل موضوعي من خلال الشخصيات التي تجسد التيارات الاجتماعية حيث يكون النمط هو الأساس شريطة أن تكون الشخصية المعادلة للنمط قادرة على التمثل النفسي له وبذلك تكون اللغة الفنية موضع احترام، حيث التناوب ما بين الايجاز والاطناب بالنسبة للشخصية الواحدة خلال العمل نفسه، وكذلك صلاحية الأنماط لتماثل الثنائية الروائية حيث فكرة الصراع ما بين الخير والشر مع تباين درجاته وبذلك يصبح الواقع المتجدد هو البطل من خلال تطور الشخصيات من خلال التكيف مع كل مرحلة، على أن تجد صدى الواقع خلال تلك الأحداث وذلك التغلغل في مفهوم المعرفي مع حرفية الخاص في امتلاكه لأدواته الإبداعية.
التناوب في الأحداث والمتمحورة حول قيم ثابتة تفيد حركتها في الإجابة عن سؤال محدد: لماذا تغير وجه الحياه في مصر؟ وما هي أسباب ذلك التغير؟ ولعل التأطير الزمني للرواية في بدايات القرن العشرين حيث مصير نوال بعد تطليقها واختفاء زوجها عصمت، هذا التمهيد والخيط الفاصل ما بين التخطيط لأجزاء الرواية كنوع من التغريب المقصود من الكاتب حيث لا يدع القارئ يستسلم لفكره فتنة السرد حيث قدرة السبك المصاحبة للحدوتة وهنا يقدم القاص مستويان من الوعي متجاوران:
نوال الصحفية في باريس وزوجها الفنان التشكيلي وكذلك مراد منير الاشتراكي ومريده محمد ابن هلال ابو حديده هنا الرهان على فكرة الوعي كصورة مكتملة، ثم يردنا القاص لمستوى آخر من الوعي النابع من ذلك التناقض الكامل في بنية الحياة الريفية من خلال عائلة العايق والتغيرات الكامنة من داخلها من خلال التحول في شخصية باسل من شخص مستهتر إلى مشروع زعيم يدعمه عمه عبده بك العايق الذي يمثل المثقف المحبط ولكنه يمتلك وعيه وقت الأزمه بدليل موقفه في ختام الرواية ممن قتل مدحت بيك العايق.
تناقض آل العايق أنفسهم من خلال تحفظ باسل على بناء كنيسة في كفر العايق وهو أمر متوافق مع موقف سعدون ذلك العاجز الذي أدار العالم السفلي من خلال الاستعانه بأم الفقرية زائد سكسكة، هنا الإشارة لبذرة التعصب في بنية آل العايق وكذلك سعدون وأتباعه حيث يوافق ذلك تحفظ باسل لنصل في النهاية، لمقتل مدحت بيك العايق رمز التنوير، وبالتالي توافق نهاية الباب الأول مع الباب الثاني وذلك نوعا من الربط المنطقي وفقا لوحدة الهدف داخل عقل المبدع وذلك تأسيسا على أن العمل الروائي يتجاوز فكرة الحدوتة ليصل إلى مرحلة الحوار العقلي مع القارئ من خلال الشخصيات المرسومة بعناية حتى يتماهى معها القارئ لتبادل الوجود الصوري في الرواية مع الوجود المحقق من خلال الفكرة الموحدة المحركة للقارئ والمبدع، مع الفارق هنا أن نهاية حركة التنوير الأولى غير محسومة بينما حسمت وسط جو من الإبهام في الجزء الثاني من الرواية وبذلك اتفقت النهاية المضمرة في عقل ووجدان باسل وكذلك سعدون ليؤكد القاص على تاريخية فكرة التعصب لارتباطها بفكرة الازمة وليست فكرة التدين هنا الشكلية في وعي الطبقات الأقل حتى في وعيها وتوظيفها الدين في اتجاه المصلحة حيث الربط ما بين جرجس كمنافس لسعدون تجاريا وبالتالي ضرورة تشويه صورته لاستبعاده اجتماعيا.
= بناء الشخصيات من خلال تعدد الوجوه المعبرة عن حقيقة وقيمة معينة والدليل الأبرز على ذلك تجسيد فكرة المصلحة والتغذي على دماء الآخرين في شخصية سعدون الذي تتجاذبه ألامه وعجزه الشخصي ونجد صدى تلك الالام وذلك العجز الشخصي في استغلاله لأم الفقرية زائد سكسكه كأدوات للإفساد الاجتماعي، هنا تبقى فكرة تجسيد الشخصية وكونها مرآه للتطور الاجتماعي فعلى سبيل المثال تحول سكسكة من فاعل لجريمة قوم لوط إلى صاحب مقهى حيث يبيع المزاج وكلاهما يستمد الفائض من نقود الفقراء سواء بجسده الدنس أم بما يقدمه من مسكرات .
= تداخل طبقات السرد ما بين الجزئين في شخصياتهم ولكن الخط العام للسرد في مصر بعد موجة الروايات التاريخية كنوع من الرفاهية السردية فتأتي الرواية في عدد من الصفحات يتجاوز ال 400 صفحه وهو نوع من الأزمه في مسار الرواية العربية وذلك لأن المعرفي الخاص بالفترات التاريخية أصبحا متاحا وبالتالي يأتي في الروايات نوعا من الحشو إلا أن التخييل وادخال شخصيات تؤكد على فكرة اللو التاريخية، وهنا المعرفي يعد نوعا من المأزق في اللغة الفنية الخاصة بالرواية المصرية الحديثة، ولكن روايتنا هنا لا تراهن على التاريخ بقدر ما تراهن على المردود الاجتماعي على الأحداث التاريخية وليس الحدث التاريخي في حد ذاته، ومن هنا نقترح طالما نتحدث عن مشروع روائي تقليل نسبه الحوار ما بين مدحت وعبده العايق حول دور مصطفى كامل ومحمد فريد ومن المقترح استبطان التاريخ غير المعروف في الثورات خاصه الجهاز السري مثلا على سبيل المثال في ثوره 19 والذي لم يلقي عليه الضوء سوى مصطفى أمين.
= بناء شخصيه المرأه عبر الرواية حيث توارت الشخصية الإيجابية مع انهيار نوال بعد التفريق القسري وكذلك التوسع في شخصيات العوالم خاصه ارتباط عبده بك بزوبا وتحويل زوبا لضحيه المدنية التي جاء بها الانجليز لمصر والمؤدية في النهاية للانتحار الأخلاقي والجديد هنا خلق العالمة الأيقونة حيث وفاء عبده بك لزوبة تلك الضحية المزدوجة للمدنية الإنجليزية وللمعلمة لواحظ.
يبقى التحدي الاكبر لمجدي جعفر في مشروع الروائي هذا أنه جاء ليعبر عن واقع الريف خاصه وأن نجيب محفوظ قد عبر عن واقع المدينة بما فيه الكفاية خاصه في الثلاثية وزقاق المدق، وهنا في المعرفي مدى انتشار القوات الإنجليزية في مديريات مصر وخاصه الزقازيق التي أوردها كساحه رئيسية للأحداث.
الرائع في تلك الرواية قدرته على نسج الشخصيات الهامشية وبيان عوامل تطورها خاصه في شخصيه زوبه وأم الفقرية وكذلك سعدون تلك الشخصية المحورية في الرواية، حيث يسير
الخط الدرامي العام في الرواية ما بين عالم السادة وعالم الهامشيين بسلاسة دونما الحاجة للأيديولوجي وهو أمر يعكس قدرة القاص على ادراك الإنساني وما وراء الأحداث وبالتالي تأتي الرواية كمعادل موضوعي ومدخل انساني لتجاوز ازمه الواقع المعرفي المعاش والسائر في خطوط متوازية لا تتلاقى وبالتالي يظهر الغرض التنويري للرواية العربية.
ولكننا عندما نقرأ المشروعات الروائية فاننا مطالبين بقراءة الخط الصاعد ما بين درجات السلم لأعمال المشروع، هنا فكره الطابع العام كغرض معرفي وكذلك الخط الواصل ما بين الشخصيات من خلال القدرة على الفعل الدرامي والتوافق التداولي بينهما وهو أمر له عودة خاصة عند ربطه بعمله الأول (على شفا حفرة ).
وهنا أمر نستطيع الجزم به أن ذلك الطرح الذي يقدمه مجدي جعفر يشهد بعمل متفرد خاصة مع تطور ودلالة العنوان حيث جاء العمل الأول كنوع من الصرخة التحذيرية لما سيؤدي إليه الجهل المتمثل في البركة وهي المعادل الموضوعي الشعبي للجب.
ثم يأتي العنوان الخاص بالعمل وهو الشتات كنتيجة طبيعية لذلك الجهل وظلم العلاقات الإقطاعية ممثلة في إبراهيم بيك العايق وكانت النتيجة الفعلية لذلك في هروب زوجتي مع العبد المكلف في خدمتها ولما جاء العنوان بتلك الصفة كان لزاما على الخاص تعدد البيئات التي يحيى خلالها أبطال الرواية فقد بدا النطاق الجغرافي مبتدئا بباريس حتى ضاق ذلك النطاق فوصل إلى كفر العايق، وهو نوع من الإدانة لنمط التثاقف الخاص بالأبطال وهو أمر كان من الممكن تجاوزه إذا كنا قد طورنا شخصية نوال إلا أن الفكرة في القصدية المرتبطة بالإحالة المعرفية التي قررها الكاتب في التنبيه في صفحه سبعة وإن حرص الكاتب على أن يجعل نسبة الإضاءة النفسية على شخصية نوال كنوع من خبرة السقوط ، هنا مهاره القاص خاصه وخبرة مجدي جعفر السردية التي تجعلنا نراهن عليه في المستقبل على أن يكون المردود الاجتماعي للأحداث الوطنية مرتهنا بشكل الريف كمعطى غائب عند معظم الروائيين الكبار دونما اللجاج الايديولوجي.
يأتي المشروع الخاص بمجدي جعفر كروائي معبر عن واقع الريف المصري وفي شريحة هي الأقوى في المجتمع المصري حيث التمايز ونسبة الوعي والواقع الخاص بمدينه ديرب نجم تلك المدينة التي أخرجت لنا عدد من الروائيين هنا نراهن على فكرة الأطراف المبدعة التي تثري المركز هنا تأتي قيمة مبدع بحجم مجدي جعفر له تاريخه الروائي وتاريخه النقدي وينتمي إلى حركه ثقافية جديرة بالاحترام وان لم يسلط عليها الضوء في الواقع المركزي في القاهرة ولكننا هنا نراهن على التاريخ.
هو كتاب خلق عندنا الشغف فأعاننا الله على الانتظار.
0 comments:
إرسال تعليق