بقلم الناقدة ريما الشيخ ـ
مسيرة حياة او كما يحلو لي عنونتها( اللوحة _الكون ) هي غلاف لكتاب شيء من الحياة لد.جمال زعيتر ،يعتبرها معلمي إدهاشا"غير مسبوق على مستوى الفن التشكيلي العربي وهو اذ يقاربها بمنهجه الجدلي وبقراءة فلسفية عميقة قسم دراسته لمحاور ثلاث :
أولها (الرؤية الأولية لمضمون المخيلة الشقدلالية في لوحة مسيرة حياة)وهنا يخلق معلمي المصطلح الشقدلالي ويحييه ويدخل مخيلة الفنان ،يبحث في خلفيته الثقافية والبيئية ،يقلب الشخصية الصديقة جيدا"،يضيء على العبثي فيها ..كيف لا وهو الأعرف بصديقه الفنان وكل معرفة قوة ...فنراه يشير إليه بالفنان المنتمي الى عصر ما بعد حداثوي ،الذي يجمع الى الموهبة عمقا"ثقافيا"خاصا"به وصفاءا"فكريا" وهو الضليع بأبجدية فنية متمايزة قوامها الترميز الى ما يكتنزه البعد التاريخي لبلاده من أنسنة متأصلة ،إنه فنان يوحي أكثر مما يعبر ،يكشف عن جذور للانعتاق يرى فيها الأمل للإنسان بالحصول على الراحة المنشودة ....
فنراه يصب التأويل في عمق الرمز ويستقرأ أفكار الفنان حتى في ما لم يظهر من الجسد في المحور الثاني (قراءة فلسفية في الترسيمات والإيحاءات لتشكيلات الخطوط والألوان )
حيث تقدم لنا ظاهرات الكينونة في اللوحة تحريضا"على التأويل من أجل تفسير هذه الكينونة ومعرفة تركيبها والكشف عن تكوينها وهي التي تثير انفعالات حدث واقعي مخفف بسبب لطافة الفن وليس بسبب لطافة الحدث الواقعي نفسه .
ويرى د.أبو لطيف أن النظر في اللوحة من منظار مدرسة الغشطالت geshtalt يقرب ادراك مضمونها مما لو أتى ذلك من خلال قراءة تجزيئية تحليلية ... فها هو يغوص فيها نحو العمق لتكون المركز الذي يرسم الإنسان _العالم أو رحلة الانسان_الكون ...فنراه يعرض آراء مانفرد لوركر، بودلير ، أرنولد توينبي ،أفلاطون ،أرسطو ، فريدريك وودجونز ،كانط ،هايدغر...
ينقب في علم الحفريات ،يتعمق في أحكام الطاو ،يعلل شعاب الخلاص البوذية والخواتم الأربعة المانوية ،يخرج بجواهر جدلية الكثيف واللطيف ،يتسامى مع مكتنزات التصوف ،يطرح الكوجيتو الديكارتي ،يفصل تحصيل الفضيلة في البوذية ،يتماهي في الخطوط والألوان ،ليقصي البعد الديني والبعد الأسطوري عن الأبعاد الفنية للوحة ،ﻷن الغرض من هذا العمل الفني الجديد يتعلق بتنمية الأحاسيس الذوقية الجمالية وليس لإنجاز أغراض عبادية وطقوس دينية وأعمال سحرية ...
يقرأ الوجهين الأنثويين المنبئين بوجود عوالم أخرى متخيلة من الماقبل الى الما بعد ... يستشعر انعتاق الصوت في الوجه الثاني ، ويرقب انفراج العين في الوجه الخامس ،يقارب بحذر الحركات الحادة التي تظهر على الجباه وفي قسمات الوجوه ،يسبح في التأملات العميقة للعيون ...يركز على رمزية عدم اكتمال أصابع القدم وإخفاء اليد وغياب الأذن .. يشرح التيجان المموهة ورمزية الحركة والجمود في الرؤوس والأرجل ليلفته الحضور الحاسم للونين الأبيض والأسود بما يمثلانه من رمزية ولغياب اللون الأخضر الذي يغيب معه الأعمال الطيبة والحياة الثانية وحاكم العالم الآخر أوزيريس ...
فالفن في لوحة دلال عتق من جور الرغبة وفك لقيود الذات مما هو محسوس وتحليق في فضاءات الحرية ...الذي نلمحه في المحور الثالث (الحرية كصيرورة إنسانية بين القراءتين التفسيرية والفلسفية )
يقول فيه د. أبو لطيف أن التفسير الذي قام به د. زعيتر للوحة ربما يكون قد نجح على الرغم من صيغته اللاهوتية بقصد او بغير قصد في مقاربة الأسئلة الفلسفية الكانطية الأربعة ويتساءل عن إمكانية تحقيق الخلاص بواسطة الفن التشكيلي .... فقد استطاع الفنان شوقي دلال أن ينفذ من خلال لوحته هذه الى أن الحرية الحقيقية التي يمكن للإنسان بواسطتها أن يصل الى الخلاص تبدأ من رؤية أن هذا العالم وهم ولعب وان ترك الرغبة في التملك هو السبيل الى فهم الحرية .. وبذلك تكون اللوحة قد أقامت جسرا"للعبور بين الرؤية الدينية والتأملية من جهة وبين الفلسفة كثقافة للذات من جهة ثانية ...
وفي الخلاصة بعد أن أجاب د. أبو لطيف على أهم الإشكاليات المطروحة من المنحى الفلسفي للوحة في تشكيلها للجسد كرموز ودلالات إلى الإشارات التي تتخذها في ترسيم الأبعاد الكونية لوجود الانسان الى غائيتها الفنية ووظيفة الفن وتحقيق الخلاص من خلاله ... يرى معلمي أن اتصاف الفن بالجمال لا يعدو أن يكون صنيعة العبث الذي يزركش الكينونة ،إذ لا يعود الى ما تقرره المثالية بشكل حتمي ... فالفن إذا"مشعر جسدي أو هو إشعار جسدي بتوقف الإحساس عند جريان ( الخلج المحض) الذي ينأى عن الإدراك الميكروسكوبي غير القابل للإحاطة بتشكل ما نسميه( الجمال) .
وبهذا نكون قد قرأنا اللوحة قراءة ثلاثية الأبعاد بفضل د.شوقي أبو لطيف ...فهي الفن الصافي العميق بريشة صاحبها ،والحياة /الجسد اللغز بقلم مفسرها ...والانسان الكون بكل رمزيته وعمقه في الفلسفة الشوقية ...
مجلة المنافذ الثقافية العدد 18 .
0 comments:
إرسال تعليق