فنُّ (التوقيعة): (الشذرة ــ الومضة ــ اللقطة ــ القصيدة القصيرة جدّاً ــ قصيدة البيت الواحد ــ المقطَّعة ــ الأُنقوشة ــ اللافتة ــ قصيدة الفلاشة، (اللمعة) ــ قصيدة الأيقونة ــ قصيدة الخبر ــ البرقية ــ التلكس ــ اللاصقة ــ القصيدة الخاطرة ــ السونيته ــ الهايكو ــ الإبيجرام ــ قصيدة الفيس بوك)، كلها فروعٌ من (فنّ التوقيعات)، تختلف قليلاً أو تقترب منها، فلا تناقض:
(1) ــ (مختارات):
(1) الكاهن الكنعاني، إيلي ملكو:
(زال من الوجود منزلي/ سوف يكون قرب محبوبتي الأرض الجميلة/ مقامي سوف يكون قرب بعل./ منزل سيّد الأرض سيتعرض للنهب/ على الأرض يفرغ مكيالاً من الحبوب/ وعلى رأسه يذُرّ الرماد حداداً/ الفلسطيني أمسك به ورماه/ سوف أدمّر بقبضةٍ من حجر/ أوثانهم في الغابات/ خدعتكَ (عناة) ــ تكريماً للأرض/ سوف تستريح قرب محبوبتك الأرض).
(2) كتاب الموتى الفرعوني المصري:
أنا في العش
مثل صقر من ذهب، يخرج من بيضته
عسى أن أطير، وأحوم.
(3) النفَّري، كتاب المواقف والمخاطبات:
أوقفني في التيه وقال لي:
أُقعدْ في ثقب الإبرة، لا تبرح
فإذا دخل الخيط في الإبرة، لا تمسكه.
(4) (فولتير): لقد مات الثعبان:
منذ يومين في قلب الوادي، لدغ ثعبانٌ (فريرون)
ترى، ما الذي تظنونه قد حدث...
لقد مات الثعبان.
(5) هايكو(1):
ما ظننتُها زهرة ساقطة
ترفرف عائدة إلى الغصن
كانت فراشة.
(6) هايكو (2):
دافئاً يتحول الطقس
شيئاً فشيئاً، بينما زهرة برقوق
بعد أخرى تَتفتَّح.
(7) هايكو إنجليزي (3):
فقط لو استطعنا
إضافة مقبض إلى القمر
لأصبح مروحة رائعة.
(8) تركة (عز الدين المناصرة):
أطلعني أبي على وصيّته لنا
كان نصيبي منها أيها السيّد
رسالة، تتنبأ لي بمنفى جديد
منفى جديد أيها السيّد.
(9) هايكو ــ تانكا، (المناصرة ــ 1964):
(هايكو): ... يا باب ديرنا السميكْ
الهاربون خلف صخرك السميك
افتح لنا نافذة في الروح.
(تانكا):
أجاب شيخٌ يحمل الفانوس في يديهْ
يوزّع الشمعاتْ
على نثار دمنا المسفوكْ
وحين سلّمنا عليهْ
بكى، واصفرَّ لونه... وماتْ.
* * *
(2) ــ (فن التوقيعة الشعري):
ــ في (مقدمة)، ترجمة كتاب (بيلنسون، وهاري بن) إلى العربية، يقول (خالد العبسي): (الهايكو) هي قصيدة اللحظة. إنها قول موجز، مضارع الزمن. إنها الجمال التلقائي، والروعة البعيدة عن كل زخرف وتكلُّف. تُمرننا على الإصغاء إلى كائنات الطبيعة التي تشاركنا هذا الكون. إنها، ومضة من الشعر تستمد جمالها من الجمع بين العمق والبساطة. إنها قصيدة السهل الممتنع. وهو يورد قصة (باشو)، أحد أساتذة الهايكو مع تلميذه. قال التلميذ: (اقتلعْ زوجاً ــ من أجنحة يعسوب/ وستحصل على قرن فلفل) ــ فقال (باشو)... أنت تقتل اليعسوب بهذه القصيدة. إذا أردت تأليف هايكو، امنحها الحياة، يجب أن تقول: (أضف زوجاً من الأجنحة/ إلى قرن فلفل/ وستحصل على يعسوب).
ــ وفيما يلي، تعريف (عز الدين المناصرة)، لفن (التوقيعة) الشعري:
(قصيدة قصيرة جدّاً جدّاً من نوع (جنس الحافة)، تتناسب مع الاقتصاد والسرعة. وتتميز بالإيجاز والتركيز، وكثافة التوتر. عصبها، المفارقة الساخرة الذكيّة، والإيحاء والترميز والانزياح. ولها ختام مفتوح قاطع أو حاسم، مدهش، أي أن لها (قفلة) تشبه (النقفة المتقنة)، ملائمة للحالة. تحكمها وحدة عضوية، متمركزة حول ذاتها، (مستقلة). وهي في شفافيتها، تشبه (ومضة البرق) في وسط الضباب، لكنها ليست مائعة الحدود مثل (الومضة). وتستخدم التوقيعة أساليب السرد أحياناً. وقد تكون التوقيعة (مجتزأة)، يمكن اقتطاعها من بناء القصيدة الطويلة. وهي رغم سرعتها وإيجازها لا تشبه بلاستيكية الهايكو بسطوره الثلاثة، لأنها أكثر حرية، تتحرك في المدى الواسع بين (جدلية الإنسان، والكون). وكل توقيعة هي قصيدة قصيرة قصيرة جدّاً، لكن ليست كل قصيدة قصيرة جدّاً، ...(توقيعة).
ــ هكذا يصبح الهايكو، الملتزم بسطوره الثلاثة، فنًّا بلاغياً، كذلك فن (التانكا)، بسطوره الخمسة. إن (تقعيد الهايكو) يقتل المرونة والبساطة والانسيابية في تفاعله مع الطبيعة، و(النرفانا) البوذية، التي تركز على داخل الإنسان. بينما ترتكز (التوقيعة) على حركية التأمل الصوفي، دون تمذهب صوفي. وتنبع عالمية التوقيعة من فكرة الجدل بين الإنسان، والكون، وليس مظاهر الطبيعة القشرية. وفيما يلي بعض (التوقيعات):
1. لا تقل لامرأة في الأربعينْ
وَخَطَ الشيبُ جناحَ القُبَّرة
قُلْ لها، إنَّ سماء الأربعينْ
فتنةٌ للناظرين
عنبٌ، درّاقةٌ مُخْضَوضرةْ.
2. الرومُ لا يأتونْ
إلاّ إذا ظَلّوا
كالرمل، كالطاعونْ
في العشب، قد حَلّوا
هل جاء مُحتلُّ
كي يزرع الليمونْ.
3. رجعتُ من المنفى... في كفّي خُفُّ حُنَينْ
حين وصلتُ إلى المنفى الثاني
سرقوا مني الخُفّينْ.
4. لو كان يسأل ما الدَوا
من خمرتي... داويتُهُ
يا ساكناً سَقْط اللِوى
قرب اليمامة... بيتُهُ.
5. فجأةً، فجأة، فجأةً...
ظهرتْ طائرات العدوّ بحضن الجَبَلْ
فقال الخليلي... لها، في خَجَلْ:
يا امرأة
طائرات العدوّ ترانا
فكُفّي عن الثرثرة
خذي هيئة الانبطاحْ
فقالت: أما تستحي يا رجُلْ!!.
* * *
توصّلتُ في (الطبعة الثالثة، دار الراية، عمّان) من كتابي (إشكالات قصيدة النثر، 651 صفحة) ــ إلى أن الرائد الحقيقي لقصيدة النثر، هو (أمين الريحاني) في كتابه (هُتاف الأودية، 1910). ومع أن شعراء (مجلة شعر) لاحقاً يعترفون بتعددية (أشكال قصيدة النثر)، إلا أنهم قاموا بأكبر عملية (إخفاء وتضليل)، حول كتاب (هتاف الأودية)، والهدف معروف، هو اختراع ريادة غير حقيقية لمجلة شعر، وشعرائها. ويعود السبب في ذلك إلى الصراع الخفي، رغم التحالف الظاهري بين الأنجلوفونيين، والفرانكوفونيين!!. كذلك لعبت (التهمة السياسية) دوراً سلبياً في مجال الاعتراف من عدمه بشرعية قصيدة النثر، مما أجَّلَ الاعتراف إلى أوائل التسعينات، مع صعود العولمة، حيث انفجرت قصيدة النثر كالطوفان، بتحالفاتها مع السلطة وشبهة التطبيع عند البعض، حتى وصلت إلى أعلى هرم الميديا الثقافية، بسيطرتها الدكتاتورية على معظم وسائل الميديا، (الجرائد، التلفزيونات، المهرجانات الشعرية التقليدية، الجامعات). لكن من جهة أخرى، ساهمت ديمقراطية النشر النسبية في انفتاح الميديا على هذه النصوص القصيرة الشعرية الخالية من الوزن، وبرز دور الإيقاعات غير المحدودة بدلاً من ذلك. وهذا ما أدّى إلى طباعة آلاف المجموعات ذات النسبة شبه العالية من الشاعرية للشعراء الناشئين. إنه (شعر اللحظة الطيّارة الممتعة، كفقاقيع الصابون الملوّن). بسيطة ومدهشة وهادئة، تميل إلى التأمل، بمرجعيتها البوذية. أعني (الهايكو الياباني).
(4) ــ الديوان المشترك:
إذن، لقد مهّدت (قصيدة التوقيعة)، و(قصيدة النثر)، خصوصاً المترجمة والرباعيات المهجرية إلى ظهور (الهايكو العربي) كفرع أساسي من فروع التوقيعة.
وهذا الكتاب لمؤلفيه: (فاتن أنور ــ وحسن رفيقي)، هو مثال ساطع على حال (الهايكو العربي)، الذي كانت بدايته الحقيقية عام (1964)، وانفجرت بعد (صعود قصيدة النثر)، التي أعطت شرعية للهايكو العربي في الألفية الجديدة كظاهرة. كذلك امّحاء الحواجز إلى حَدٍّ ما بين (الشعر والنثر). وأقرب العوامل إلى شرعية (الهايكو العربي)، ليس اندماجها في تقليد الهايكو الياباني وحركته العالمية التقليدية، بل انضمامه إلى (شبكة عائلة التوقيعة الشعرية العربية) أولاً، قبل أن نصنف النص، إذا كان عالمياً أم لا. فالعالمية ليست تقليد الآخر، وسبق لي أن قلت منذ أكثر من ربع قرن: (العالمية تكون في النص أو لا تكون ــ قبل الترجمة). ونحن نستطيع أن نثبت أن (الهايكو العربي)، لا يكون ناجحاً، بمجرد تقليد (نظام السطور الثلاثة) في الهايكو الياباني، ولا بالانجذاب التقليدي لموضوعة (الطبيعة).
ــ هنا، في هذا (الديوان المشترك) بين (فاتن أنور ــ فلسطين)، و(حسن رفيقي ــ المغرب)، ما يقرب من (مئة هايكو عربي)، وبعد قراءتها، قررنا اختيار عدة نصوص جيدة للقارئ:
1. فاتن: وأنت تعبر جنَّتي/ اترك لي أغنية/ أيها السنونو.
حسن: إحدى عشرة فاكهة/ تين وعنب/ أشتهي جنَّتك.
2. فاتن: أوّلُ المطر/ قطرة على جناح/ يمامة.
حسن: صقيع يناير/ بنتُ الصحراء تغربل/ أشعّة الشمس.
3. فاتن: جناح يمامة/ على أبواب القدس/ يرفُّ قلبي.
حسن: حمام زاجل/ ليت لي جناحان حتى/ أصلّي في القدس.
4. فاتن: نقرات دفٍّ/ معهم/ تتمايل صفصافة.
حسن: أفقٌ رمادي / جمود الصفصاف/ لن يدوم طويلا.
5. فاتن: رذاذ الموج/ على كتفيه/ يصعد للسماء.
حسن: صورة مباغتة/ على مهل يتساقط/ رذاذ الموجة.
6. فاتن: زقاق الطين/ تحت المظلة/ أنفاس ساخنة.
حسن: سور الطين العظيم/ بضربة معول يفتح ممرّاً/ للسيل الجارف.
7. فاتن: بلونٍ واحد/ حبّات الفراولة/ وخدود الفلاحات.
حسن: بقبعات من قش: عميقاً تغرق أرجلهن/ في حقل الفراولة.
8. فاتن: جوريةٌ حمراء/ شَغَفٌ عيناك/ إذْ صادفتها.
حسن: جوريةٌ حمراء/ على قميصك/ من يسقيها.
9. فاتن: خالي الوفاض/ يغادر أشجار السرو/ ذباب الفاكهة.
حسن: بعوضة/ على خصر الغانية/ في ليلة دهماء.
10. فاتن: ذكرى النكبة/ لماذا تضحك/ يا شهيد.
حسن: حائط البُراق/ طفلٌ يرسم حجراً/ على حجر.
11. فاتن: سواد الليل/ على طرف عينيها/ كُحلٌ عربي.
حسن: من شقوق الباب/ تتدفق أشعة الشمس/ وعطرها الفرنسي.
(5) ــ ملاحظات:
هذه (أوّل حوارية)، أقرأها في مجال قصيدة الهايكو العربية، وربّما هناك غيرها لشعراء عرب آخرين:
أولاً: وردت في النصوص السابقة كلمات مثل: (ليلةٌ دهماء، بمعنى شديدة السواد) ــ و(خالي الوفاض: بمعنى لا يملك شيئاً، أو حرفياً: المكان يمسك الماء، جمعها: أوفاض). و(اليعسوب): تسمى بالإنجليزية (gragon fly)، وجمعها يعاسيب. يعيش ست سنوات. يشبه الذباب، لكن الفرق بينهما أن اليعسوب يمتلك زوجين من الأجنحة. وألوانه (صفراء، وحمراء، وخضراء). سرعة تحليقه في الساعة (50 كم). يقضي على الحشرات الضارة مثل الذباب والبعوض. يعيش قرب البحيرات والأنهار. يتغذّى على النحل. عيناه كبيرتان.
ثانياً: يقول (سامح درويش = شاعر هايكو مغربي شاب): (أنَّ من مهّدوا لفن الهايكو العربي، هما: الفلسطيني (عز الدين المناصرة) الذي أسماه (فن التوقيعة الشعري). وله قصيدة تاريخية بعنوان (هايكو تانكا)، عام (1964).. لكنه استمر في الكتابة تحت اسم (التوقيعة الشعرية) ــ وانتبه المغربي (عبد الكبير الخطيبي) إلى ثقافة الصين واليابان. وكتب على (الطريقة الطاويّة) نصوصاً، يمكن أن تدور في فلك الطاوية ــ (المجلة العربية، سامح درويش، اقتراح جمالي جديد، 25/5/2017). وتستمد الطاوية أسسها الكونية من مدرسة (الطبيعيين). ولعبد الكبير الخطيبي قصيدة طويلة بعنوان (المناضل الطبقي على الطريقة الطاوية).
ثالثاً: أطلعني أبي على وصيّته لنا ــ (1)
كان نصيبي منها، أيها السيّد ــ (2)
رسالةً تتنبأ لي بمنفى جديد ــ (3)
منفى جديد، أيها السيّد ــ (4) ــ (المناصرة).
ــ هذه (توقيعة)، كُتبتْ لتكون (توقيعة)، وهايكو عربي في آنٍ معاً إذا حذفنا (السطر الرابع)، ولكن لماذا نحذفه، وهو (مرتكز الإيقاع)، يمنحنا التكرار، تأكيداً ارتكازياً إيقاعياً جمالياً. وبما أنه يمكن أن تكون (التوقيعة)، وفرعها (الهايكو العربي) ــ (موزونة) أو (إيقاعية) ــ فهذا الإيقاع يزيدها جمالاً، أو بدقّة لا ينقص من جمالها، لأنه جمال إيقاعي. أما (عالمية) هذه التوقيعة، فقد جاءت من ماهيتها أولاً، وجاءت من الترجمة الفرنسية ثانياً، فقد استشهدت بهذه (التوقيعة)، (مدام بلانش) من مدينة يافا الفلسطينية، المقيمة في فرنسا كخاتمة وخلاصة لفيلم المخرج الأمريكي الشهير (أوليفرستون)، وهو بعنوان (شخصٌ غير مرغوب فيه)، فاشتهرت هذه التوقيعة عالمياً.
رابعاً: لدى قراءة نصوص (الهايكو العربي) لفاتن أنور، وحسن رفيقي، التي اخترناها (عشوائياً) من بين حوالي (مئة هايكو)، نلاحظ:
1. إذا قيل إن الجمال في الهايكو، ياتي من البساطة والإدهاش، فهو في (رقم 1)، جاء من هايكو فاتن أنور. وإذا أخذنا الهايكو رقم (2)، فنحن نجده في هايكو حسن رفيقي. أما في (رقم 3)، فالجمال عند حسن رفيقي أوضح. أما (رقم 4)، فالجمال عند فاتن أنور أوضح لو حذفنا صيغة (معهم)، لأنه لا لزوم لوجودها، لكن نظام السطور الثلاثة أجبرها على ذلك. أما رقم (5)، فهو وسطي عند الاثنين. أما (رقم 6)، فقد جاء الجمال عند حسن رفيقي من اللعب باللغة (سور الطين العظيم). أما رقم (7)، فقد جاء الجمال من التركيب التشبيهي عند فاتن أنور بين طرفين (حبّات الفراولة ــ وخدود الفلاّحات)، حيث يجمع بينهما (اللون الأحمر). أما رقم (8)، فقد جاء الجمال عند حسن رفيقي من صيغة (جوريةٌ مرسومةٌ على قميصها، فمن يسقيها). أما رقم (9)، فقد جاء الجمال متوازياً، منخفضاً قليلاً عند الاثنين. أما (رقم 10)، فقد توازن الجمال عند الاثنين في صيغة: (لماذا تضحك يا شهيد/ وطفلٌ يرسم حجراً على حجر). أما (رقم 11)، فقد جاء الجمال متوازناً عند الاثنين: (كحل عربي ــ عطر فرنسي).
2. نحن شعراء التوقيعة، أو الهايكو العربي ــ لن نصبح عالميين بمجرد (تقليد الهايكو الياباني). (فالعالمية تكون في النصوص أولاً، أو لا تكون ــ أي قبل الترجمة). ولهذا لن نكون عالميين بمجرد استخدام اسم (الهايكو)، وإضافة صفة (عربي) إليه. قال أحد النقاد في وصف بعض (شعراء الأمكنة)... (إنهم يكتبون أشعاراً باشلارية، إرضاءً لباشلار)!! تماماً، كما كان بعض (شعراء حركة الشعر الحرّ التفعيلي)، يكتبون أشعاراً (لوركوية، أو إليوتية)، إرضاءً للشاعرين (لوركا، وإليوت)!!. فالعالمية لا تكون بتقليد (الآخر).
3. لقصيدة النثر، إيقاعات غير محدودة، وغير منتظمة كما هو الحال في الوزن الشعري. كذلك لشعر الهايكو العربي، إيقاع هادئ في شيءٌ من الرتابة نابعة من الالتزام بالسطور الثلاثة. بينما تتجاوز (التوقيعة)، هذا النظام إلى آفاق أكثر اتساعاً مع التزامها بالإيجاز والكثافة النابعة من التوتر الشعري. الحجر الصامت له إيقاع. الحافلة لها إيقاعات متعددة. النهر له إيقاع. البحر له إيقاع. الليل له إيقاع. النهار له إيقاع ــ محطة الباصات لها إيقاع. المدرسة لها إيقاعات في النهار، أما في الليل فلها إيقاعات مختلفة حين تتحاور الحيطان مع بعضها البعض. الحياة لها إيقاعات، والموت له إيقاع. أما (المشهد) في الهايكو، فهو ملازم لصورة الأشياء وما وراء الأشياء، التي نشاهدها. والمشهد له جماليته الخاصة. هناك مشهد الماقبل والمابعد الطبيعة. ولا فضل لنا نحن الشعراء في هذا (الجمال الماقبلي)، في الطبيعة. ولهذا مطلوب منا أن نعيد قراءة (المشهد الماقبلي) بتحريكه نحو المستقبل. والمشهد مرتبط بالصورة. لكن الصورة قد تكون مجتزأة من المشهد. وأخيراً نشير إلى (لغة الهايكو)، حيث نقرأ (المعجم الشعري)، للهايكو العربي، فنلاحظ أنه أقرب إلى المحدودية عند بعض الشعراء. أحدهم قال لي: (كتبتُ خمسين هايكو) وزرعتُ في كل هايكو (يعسوباً)، وأكمل ضاحكاً: (حتى اليوم أنا لا أعرف ما هو اليعسوب، لكنني أستخدمه بالتقليد، حيث لا أعرف إذا ما كان حشرة، أو حيواناً في زمن الديناصور!!. قلت له: اليعسوب في الهايكو العربي، يشبه الحجر في شعر المقاومة، أتذكر أن أحد الشعراء العرب، زرع (33 حجراً في قصيدة واحدة)، بينما كتب الناقد العرافي (فائز العراقي) في كتابه عن شعر الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1988)، ما يلي: (أفضل قصيدة عربية كُتبتْ عن الانتفاضة هي قصيدة (يتوهج كنعان)، لعز الدين المناصرة، رغم أنها خالية من الحجارة!!).
الخلاصة:
ــ أعتقد أن أسلوب الحوار الجميل في قصيدة الهايكو، الذي اتبعه كل من (حسن رفيقي، وفاتن أنور)، هو حوار لصالح شاعرية الهايكو، لأنه أضاف لها (البعد الحواري)، الذي أضاف جمالاً لإيقاعات الهايكو. لكن المطلوب هو أن يتخلص (شعراء الهايكو العربي) من التقليد، وهذا لا يتمُّ إلاّ بالتوسع نحو (رحابة التوقيعة الحُرّة)، وأظنُّ أن (المفارقة)، ضرورية لكل فروع الشعر في العالم كله.
__________________
• عزالدين المناصرة: مواليد فلسطين (11/4/1946). صدر له أحد عشر ديواناً شعرياً. وهو رائد الهايكو العربي لكنه يعتبره فرعاً من فروع (شعر التوقيعة).
0 comments:
إرسال تعليق