"مسار الشّمس" هو عنوان الكتاب النقدي الجديد وباكورة أعمال الكاتبة الناقدة ستيلّا رانش "نافلة علي مرزوق" من بلدة البقيعة في أعالي الجليل، الصادر حديثًا، ويقع في 94 صفحة من الحجم المتوسط.
يتناول الكتاب برؤية نقدية معاصرة ومعمقة في الطرح والتناول والتحليل والتشخيص، وبلغة علمية بارعة، وأسلوبية منهجية، وتحليل أكاديمي، التجربة الشعرية الإبداعية للأستاذ د. عامر جنداوي، بما تملكه المؤلفة من ثقافة واسعة واختصاص بالأدب المقارن، وآليات نقدية وثقافية حديثة، مكنتها من الغوص واستكناه عالم الشاعر والوقوف مع صياغاته الشعرية بكل تفاصيلها وأبعادها وقوامها واتجاهاتها اللغوية والفنية الجمالية.
وإنني اتفق مع ما تفضل به البروفيسور لطفي منصور، والشاعر نبيل طربية في استهلالهما للكتاب، بإشادتهما بالدراسة وبالكاتبة وتحليلاتها، حيث قال منصور:" ستيلّا تمتاز بحاسة التأمل وسبر عمق المعاني واستنباط معاني جديدة من بين السطور وما وراء السطور وهذا هو الفن في النقد. فهو المكمل للنص الذي يبقى ناقصًا حتى يتيسّر له الناقد الذي يقف على مواطن الجمال فيه فيشرحها. وأنها غنية بالثقافة وخاصة بالأدب المقارن، ويعجبني الاستشهاد بالشعر العربي والانجليزي في كتاباتها وهو قمة النقد". بينما طربيه فيقول:" في هذه التجربة، والتي أظنّها الأولى من نوعها في البلاد، نصادف كاتبة ومشروع ناقدةٍ تسير بخطى واثقة على طريق الأدب خاصّة وقد لمست لديها غنى المعرفة وسعةً في الاطلاع وإلمامًا بمقومات الشعّر وضوابطه، وتمكنًا من النّحو وحسًا رفيعًا، الأمر الذي صقل هذه القدرة وهيّأ لنا هذه التجربة المشبعة بالجمال".
وفي هذه الدراسة النقدية الأكاديمية تتعرض ستيلّا إلى شاعرية د. عامر جنداوي، فتسبر أغوار نصوصه، وتسهب في التعاطي والتعامل مع قصائده وأغراضها وموضوعاتها الاجتماعية والنفسية والتصويرية والوصفية والبلاغية، وتقدم استعراضًا وتحليلًا وافيًا لكل نص تعاملت معه، وتحلق عاليًا مع النتاج والإبداع الراقي عالي الجودة والدهشة لشاعر مبدع يحسن صياغة المفردات وسبك الكلمات في قوالب فنية جميلة ولوحات شعرية مدهشة وساحرة عميقة الأبعاد ولافتة النظر.
في البداية، وفي المقدمة التي كتبتها ستيلّا تقرر أن د. عامر جنداوي "شمس شعر بازغة، حرفه بؤر نور حملت إرث جمال شعري لا يضاهى، حرفه مختلف، ملامحه تعمّدت في أفق السحر، تخاله سيفًا ماردًا يشق عُباب الرتابة والملل، حرف كأنه شهاب نيزك يشقّ عباب السّماء ليقصم ظهر الظّلمة، فهو شاعر الحديث الشّعرِيّ المثاليّ المصبوغ بعناق ثلاثي مميّز، لا يخترقه فضولٌ أو شكَ بين عمق الفكرة الحديثة، رهافة الحسّ التّلقائية الفطريّة واستثنائية اللغة على وجهها اللفظيّ والتّصويريّ".
في الباب الأول من الكتاب تعرض الكاتبة للنضوج الفكري لشاعرنا الالق د. عامر جنداوي، ووعيه لقضايا مجتمعه الملحة خصوصًا القضايا الأخلاقية، وتقدم نماذج شعرية تدل على ذلك.
وفي الباب الثاني تتطرق لفن التصوير المحترف لدى الشاعر، المتمثل بالصورة الشاملة لقصيدته، والتناغم بين الشكل والمعنى في شعره، موضحة أن عامر برع في هذا المجال، وكم أدهش وأذهل عقولًا، خاصة في قصائد البادية والبداوة، حيث براعته في التصوير، وأي براعة، كما هو واضح بكل جلاء في قصيدته "مشوار مع الندى" من مجموعته الشعرية "نزف الخاطر" الصادرة في العام 2005.
وفي الباب الثالث تتوقف مع المجاز عند العامر، الذي يجعل - كما تقول- من الشعر أكثر جاذبية وزهاء وينقل رسالتها بقوة وسلطان يصيبان قلب وفكر المتلقيّ وتشدّانه إلى حيث المعنى والغرض. وتخلص إلى الاستنتاج أن عامرًا هو "شاعر المعاني والمواعظ، شاعر الوجدانيات والأخلاقيات، الذي جعل من الحروف دررًا، ومن الكلمات أصدافًا ملوّنات ساحرات، وقد احترف الشعر من شغف وهوًى، ونبع شعره من محبة وعشق لفن الكتابة، وإنصات لأنين اليراعة".
وفي الباب الرابع تطرق ستيلّا رانش موضوعة المرأة والغزل في شعر العامر، من خلال ديوانه "قصائد لعيني السهر"، فترى إلى أنه أنصف المرأة كقيمة وجودية، ووهبها احترامها وتبجيلها أكثر من بعض النّساء الشّاعرات اللاتي هوين بمقامها وقيمتها ومقامهن تباعًا إلى الحضيض شعرًا وأخلاقًا.
وتؤكد أن عامر يميل إلى الغزل العذري، كيف لا وهو الشرقي الغيور على عرض المرأة، والذي نهل من منابع التربية الأخلاقية الشرقية المحافظة التي تتخذ من القرآن الكريم قبلتها.
وفي الباب الخامس تتعرض للمدارس الشعرية التي يتجول عامر جنداوي في رحابها، مشيرة إلى أن فضاء عامر الإبداعي الخيالي بطبعه، مزدان بالرومانسية بمعناه الفكري الفلسفي، وبالواقعي، والكلاسيكي الاتساعي الممتد في مسافات وسياقات الزمن.
أما في الباب السادس والأخير فتتناول النزعة الوطنية والمشهد البدوي الأصيل في شعر عامر، منوّهة إلى أنه عند قراءتنا لنصوصه يصادفنا تصريحًا أو تلميحًا ملامح حسّه الوطني الحاد، وأن قلبه يسكنه عشق حارق لكل ما هو عربي وبدوي، ونجده يفتخر بجذوره البدوية، ويبدع في تصوير أجوائها، ورسم طبيعة وملامح الصحراء السّاحرة الخلّابة.
وتقرر ستيلّا أن عامر صادق مع نفسه ومع شعبه، وافتخاره بنفسه لا يمنعه من قول الحقيقة، فهو لا يخشى لومة لائم، وهو الشاعر الحقيقي الذي لا يساوم على الحقيقة وقول كلمة الحق بكل الصدق العفوي.
وفي ختام الدراسة تقدم ستيلّا رانش خلاصة لملامح وميزات شعرية د. عامر جنداوي وتستنتج أنه شاعر الأصالة، في زمن غدت شاشات التواصل ساحة واستباحة، يصدح شعره في أرجاء العقل، والنزعة الإنسانية الاتساعية تلازم قصيدته، وهو ابن التراث ومتمم تاريخه، وحارس اللغة والأدب من ذئاب الافساد والترقيع، وفي هويته الشعرية نضوجًا احتوى عمقًا في المعاني، ورقة في السبك، ودهشة في الرسم والتصوير، ونزعته الخيالية المشبعة بالمجاز المبتكر، وفن تصوير الإحساس الداخلي المتناغم مع عناصر الطبيعة، ما يجعلنا نثمل ونرتوي من شعره الوطني الإنساني الوجداني الصادق.
كتاب "مسار الشّمس" هو ثمرة جهد نقدي وأدبي يسلط الضوء على مواضع وبواطن الجمال والفنية العالية في نتاج شاعرنا مرهف الإحساس عامر جنداوي، وقد برعت ستيلّا في المقارنة بين قصائده وبين وينستون، ما يدل ويثبت على ذائقتها الأدبية، وسعة اطلاعها، ومعارفها النقدية، والمامها بالثقافتين العربية والاجنبية.
أحيي الصديقة الكاتبة والناقدة ستيلّا رانش على دراستها الهامة حول الشاعر د. عامر جنداوي، التي تستحق الاهتمام، وجديرة بالقراءة والتقدير، وتشكل مساهمة جادة ورائدة وإضافة نوعية للمكتبة العربية الفلسطينية، التي تفتقر في السنوات الأخيرة للإصدارات والدراسات النقدية والأدبية، متمنيًا لها وللصديق الشاعر د. عامر جنداوي المزيد من النجاح والتألق والإصدارات القادمة.
****
صدر حديثًا للشاعر د. عناد جابر من كفر ياسيف، ديوان شعري بعنوان "ما ضاعَ حُلمُكَ"، ويحتوي على قصائد وومضات كان الشاعر كتبها ونشر بعضها في العديد من المواقع، ويطغى على هذه القصائد الطابع الرومانسي والوجداني، وتختلط فيها مشاعر الألم والوجع والحزن بالحب والفرح والأمل.
د. عناد جابر شاعر مرهف الحس، لغته غنائية، ونصوصه إنسانية وجدانية بنكهة عشقية، تمتاز بالرقة والعذوبة والعفوية، وصدر له في السابق: "ربمَا في المرحلة القادمة، نقوش على وجه الضباب، عواصف الحنين، على بساط الرّيح، وكفرت بالصحراء".
من أجواء ديوانه:
ما ضاعَ حُلمَكَ، لم تُبدّدْ
أيّ مَسعاةٍ سُدى
تلكَ البذورُ زرعتَها ورَويتَها
بمياه صبرِكَ والعَرَقْ
نبَتَتْ بمعسولٍ غّدَقْ
هيذي تجودُ بخيرِها
فانهضْ معَ الفجرِ النّديّ
وخذْ سلالَكَ كي تُبارَكَ بالجَنى
واغسلْ شجونَكَ بالنّدى
واسبحْ ببحرِ النّورِ واكتبْ
فوقَ خدّ الفجر:
"تقويمي ابتدا"
ألف مبارك للشاعر د. عناد جابر، ومزيدًا من العطاء والنجاح والتألق والنتاجات الأخرى.
****
د. عامر جنداوي في مجموعته الشعرية "وعودٌ ليسَ أكثر"
تفضل الصديق الشاعر د. عامر جنداوي من بير المكسور، بإهدائي مشكورًا عددًا من إصداراته، ولكني سأتوقف هنا مع مجموعته الشعرية الأخيرة التي اختار لها عنوان "وعودٌ ليسَ أكثر"، وجاءت 142 صفحة من الحجم المتوسط، وتضم بين دفتيها عشرات من النصوص الشعرية والنثرية، القصيرة والطويلة، المتنوعة في أغراضها وموضوعاتها وعناوينها وثيماتها، التي كتبها د. عامرجنداوي ونشر الكثير منها في عدد من الصحف والمجلات المحلية والمواقع الالكترونية وفي صفحته الشخصية على الفيس بوك.
قدم للمجموعة الأستاذ د. كمال زيدان، المحاضر في كلية الفنون الجميلة بجامعة النجاح الوطنية في نابلس، ومما قاله: " في هذا الديوان، أجد للحرف طعمًا آخر، وللكلمة صدى لم يكن من قبل وأشعر أن القصيدة الواحدة وحيدة في نبضها ولونها وكبريائها، تظللني بظلها حيث لا تعب ولا نصب ولا سبيل للانعتاق من فضائها الرحب وسمائها الواسعة".
وفي الواقع أنني ما زلت مؤمنًا أشد الإيمان بجمال وعمق وإحساس ما يكتبه ويبوح به شاعرنا الأنيق د. عامر جنداوي، فهو يمتلك موهبة شعرية حقيقية، وثروة لغوية، ومخزونًا معرفيًا، وأناقة حروف، وجمال صورة، وصدق مشاعر، يفتقدها الكثير من الشعراء وأشباه المتشاعرين.
فهو صوت شعري ناعم طافح بالرقة والعذوبة والحس الإنساني المرهف، مع ما يختزنه من ألم وشجن وخيبة أمل، وعشق للحياة والجمال، وحُبّ للوطن والأرض والإنسان والبيئة والبداوة، وتمسكًا بالقيم الأخلاقية والفضائل الدينية، ونصوصه تعبق سحرًا وجمالًا وبهاءً.
قرأت مجموعة د. عامر جنداوي بكثير من المتعة والاستمتاع، ووجدت فيها من أشعار الحُبّ والغزل العفيف والإنسانية والوطنية ووصف المكان والهروب للطبيعة الغنّاء، ولمست فيها المقومات الجمالية. إنه يأتينا بقصائد وجدانية ذات نزعة إنسانية وطابع رومانسي، وبشعر عاطفي وغزلي عفيف ورقيق شفاف غير مبتذل، يدل على اتزان شاعرنا العاطفي والفكري والذهني، وبكلمات وجمل شعرية منسابة رقراقة على صفحات الورق في نهر اللغة، لفظًا ومعنى، وبمنتهى الرقة والطلاوة والعذوبة.
ومن خلال قراءة قصائد المجموعة يشعر القارئ ويستشف النفس الشعري المتين، والسمو التخيّلي الشفاف، والبراعة في التوصيف والتصوير التعبيري الحسي من خلال السلاسة وانسيابية وتدفق الألفاظ والجمالية الفنية التعبيرية، والمعاني البديعة، والصور الحديثة المبتكرة، واللغة القوية المتينة، والصياغة المتماسكة.
جاءت قصائد المجموعة زاخرة بالصور الفنية الموحية، والانفعال العاطفي الوجداني، والابتعاد عن الترهل اللفظي والتكرار الممجوج، وتوظيف التشبيهات والاستعارات البلاغية الرشيقة، ونرى عامرًا متمتعًا بثروة لغوية محكمة، ومتخذًا من المرأة رمزًا للوطن والأرض في الكثير من مقطوعاته الغزلية الوجدانية.
لنسمعه يقول في هذه القصيدة الرائعة المشبعة بالدفء العاطفي والجيشان الملتهب، والوصف الفاتن:
لا تَعْتَبوا، هذا الْفُؤاد مُسيَّرٌ
يا لَيْتَهُ لي تابعٌ ومُخيَّرُ
لو خَيَّرُوني أيْنَ أنْصُبُ خَيْمَتي
لَقَضَيْتُ عُمْري زاهِدًا أتَفَكَّرُ
في عَيْنها الْيُمْنى أُعَلّقُ خافِقي
والرُّوْحُ يَحْرُسُها اللّحّاظُ الأيْسَرُ
وَجَعَلْتُ ليلَ الْعاشِقينَ جِنانَها
والصُبْحَ مِنْ أنْفاسِها يتعَطّرُ
والْبَدْرَ يَحْرُسُ في السّماءِ سَماءَها
والشَمْسَ حولَ سَرِيرِها تَتَبَخْتَرُ
والصَّيْفَ نبْعَ الشّوْقِ يَلثُمُ خَدّها
والْغْيمَ مِنْ فِيها رَحيقًا يُعْطِرُ
والنَّسْمَةَ الْجذْلّى تُداعِبُ فّرْعَها
والْخَمْرَ مِنْ ظَلْمِ الأَحِبَّةِ يَسْكَرُ
وفي المجموعة قصائد مترعة ومشعة بالحكم والمواعظ والارشادات، والدعوة إلى التمسك بالأخلاق الدينية والقيم الإنسانية، وهذه المواعظ تنم عن تجربة شاعرنا المختمرة والثرية ونضوج الوعي في فهم الحياة ومقارعة مشاكلها ومصاعبها وخطوب الدهر. وهي قصائد تمزج بين الرقة والشفافية، والقوة والعبر والحكم، وخرجت كلماتها عفوية بشكل تلقائي دون أي افتعال.
منجز د. عامر جنداوي يقوم على الرؤية الفكرية العقلانية والفلسفية، التي تجعل القصيدة تحلق في الآفاق العالية، شكلًا ومضمونًا، وهو يشدنا بروح الدهشة في النص الذي يخلق فينا الإثارة والدهشة، ويجعلنا نعيش لحظات التجلي، وحالات الإبهار في الحلم، وينجح في خلق الصور الفنية المركزة، في السرد المكثف، في نغم الصوت والإيقاع الموسيقي، في البنية الشعرية، في الصياغات التعبيرية، وفي اللغة الشعرية الآسرة الأخاذة، دون الإبهام والغموض، والتلاعب بالمعاني، والتوجه بكل الوضوح نحو الهدف والمرام والغرض.
ويمكننا أن نجمل ونقول أن قصائد مجموعة د. عامر جنداوي "وعودٌ ليسَ أكثر" تملك البعد السردي الوصفي بتعابيرها الدالة، في الإيحاء والمغزى، وبجمالية سردية، في منطلقاتها المتنوعة في الصياغات والتراكيب، وفي منصات النص المفتوح على ثيمات متنوعة، بما فيها الإبداع واستلهام الشكل التعبيري، وخلق مساحات لكشف خبايا النفس والروح والوجدان، وجمال الوطن وسحر الطبيعة وأسرار الحياة، ومرارات الواقع والحال الاجتماعي المعاش بكل أهواله وويلاته ونوائبه، برؤية فكرية سليمة مدركة تمامًا لواقع الحياة والتعبير عنه بأشكال مختلفة في الإبداع المتنوع في التناص والاستقراء والتوظيف والاستكشاف.
تحية لكَ صديقي الشاعر د. عامر جنداوي، متمنيًا المزيد من النجاحات والإصدارات القادمة، وهي قادمة بلا شك.
0 comments:
إرسال تعليق