بقلم الأديبة إسراء عبوشي ـ
عندما تقرأ للأديب والإعلامي أحمد زكارنة أو تشاهد برنامجه، فأنت تحتاج أن تُقدم على ذلك بكلك، تكون في أتم التركيز والصفاء الذهني، فأنت تعيد تغيير الكلمة وتأتي بها على حقيقتها، في زمن ضاعت به المعاني وانعدمت المقاييس، فهو يحرضك ليقظة فكرية.
زكارنة مدرسة باسلوبه الغني بالمعرفة، يجبر القارئ على استنهاض فِكره، فكيف يكون عندما يكون معه 20 كاتباً وكاتبة، اختارهم بحنكة ليعيد ضمن رؤيته لمؤلفاتهم اختراع المعنى، ويقدم وعي الهزيمة صائغاً أفكاره لتحاكي فكر القارئ وتحاوره.
أنت فعلاً أمام محاور بارع يجيد الولوج للمعنى الذي تراكمت عليه أتربة السنين، ينفض ما علق به من أدران، يسقط الهزيمة ويخرج منتصرا.
مع كل إصدار جديد نسأل: ما الجديد الذي قدمه الكاتب؟
الجديد الذي قدمه زكانة أنه استطاع أن يستدعي وعي القارئ ووضعه أمام أسئلة عصف ذهني في رحله سفر في المفردات، طريقة تفكير قد تغير حياته وحياة الأجيال القادمة، هو أمام فكرة العالم زويل " كيف تفكرhow do you think " سيبحر في تفكيره، وينظم ما اختزن في ذاكرته من صواب وخطأ، يشخص مكامن الهزيمة ويحدد أبعادها.
ندرك الوعي عندما نرى آثاره وهنا وعي الهزيمة خريطة فكرية يستدرج بها الكاتب فكر القارئ من خلال أربعة فصول، الفصل الأول يحدد مفهوم الذاكرة ليبني عليها معنى الهوية والرؤيافي الفصل الثاني، والفصل الثالث يحدد أثر الجغرافيا في بناء تاريخ المكان، ويخرج في الفصل الرابع بمخرجات إيجابية لتحويل ثقافة المجتمع بين الفردي والجمعي، ويحاصر المعنى الذي يتجلى في الفصول الثلاثة السابقة.
يستخدم الكاتب عبارات تدهش القارئ وتضعه في دوامة أسئلة، إننا كنا في فضيحة الحياة، وأصبحنا وأياهم أمام إشارة الموت "ص40"
صراع بين الوجود وهوية الوجود، وشعب ضحية حين يريد ومختاراً حيناً آخر، لغة ملتوية تستدرج الفلسطيني وهو يبحث عن هويته الوجودية.
يصيغ زكارنة جملاً تستوقف القارئ وتثير تفكيره ك جملة " كذبة الحقيقة"
أما هزيمة الهزيمة هذا المعنى المتداخل تعبر عنه الكاتبة: عايشة عودة في "أحلام بالحرية" و"الحرية بالمساواة" تبدأ عائشة عودة الأسيرة المحررة، بتعريف معنى الحرية، وتعتبرها قضية مبدئية لا معنى لها دون مساواة، هي ليست شرطاً زائداً وتكميلياً، وفرق بين أن تكون حقاً إنسانياً، أو من خصائص الطبيعة للإنسان، عندما قررت عودة أن تكون حرة، خاضت المجهول، وقفت نداً للعدو، واستخدمت الكتابة كسلاح، وجهت خطاباً فكرياً إنسانياً سياسياً اجتماعياً، ذخيرة بمستوى الحدث، تجربة عائشة عودة تجدد الأمل في قيمة الكلمة على إحراز هزيمة تقتل الآخر" المحتل"
تتسلل أقلام تروّج لثقافة قبول الآخر، وادعاء السلام وهو ليس إلا استسلام، عائشة عودة في سردية السؤال والحرية ترفض تلك الثقافة، لقد ذكرتني بالشهيد باسل الأعرج هي تطرح أسئلة بينما يكتب الشهيد في وصيته، وجدت أجوبتي، ينادي بثقافة الاشتباك، وهي كذلك تقرر مواجهة العدو حد الالتحام وخوض المجهول رغم الصعاب.
لم تُسلم عودة إلا للحق وعدالة قضيتها "صفحة 42"
وكما أن عودة لم تأخذ المسلمات على محمل الجد، كذلك الأديب المقدسي محمود شقير لم يسلّم تماماً للأيدلوجيا، وإنما نازلها بما يخدم قضيته وقضية شعبه، لم يركن للفكر التنويري بما هو عليه، ولكنه راح يحاول خلخلة يقينياته ومحاكاة أنماطه "صفحة102"
صراع الهوية تناولته رواية خسوف بدر الدين للكاتب " الأسير" الحر باسم خندقجي، بداية من هوية الذات، صراع مع الأنا وذاتها العليا، ثم ما بين الأنا والآخر.
هناك بُعد آخر في الرواية بين الذات الزاهدة والحرة الثائرة، النفس البشرية تجمع تلك الأضداد.
في تأويل المعاني يأتي السؤال بعشرات الأجوبة، هي الذات من تحدد هويتها، وكل الخسارات في النهاية واحدة "صفحة 78"
يذكر كذلك الكاتب خندقجي " المسار الإبراهيمي" وطريقته في تصفية القضية الفلسطينية.
يبين الكاتب الأكاذيب التي بنى عليها الاستعمار الصهيوني كيانه، من خلال " دعامة عرش الرب للكاتب أحمد رفيق عوض
فلم ينجح لولا الدعم والادعاءات والأوهام التي تملك المدفع والجرافة وما يليها "صفحة 84"
تتجلى الذاكرة في رواية رضوى عاشور" الطنطوريّة" هي حياة طازجة ومحسوسة كما وصفها زكارنة، أظن أن كتاب استثنائي ك "وعي الهزيمة" يكتمل بلمسات الوفاء وباختيارات الكاتب المنتقاة بذكاء وحرص، يقول زكارنة: الأجمل في فصل الذاكرة الفلسطينية أن تقوم عربيّة مصريّة بقامة رضوى عاشور بفعل التسبيح بأسفار الذاكرة الفلسطينيّة.
يبين زكارنة نبوغ رضوى عاشور في عدة جوانب في تناول أساليب سردها، من توظيف للرموز، وطريقة اختيار السارد والتلاعب بالضمائر، إلى توريط القارئ والاحتيال عليه.
في النهاية صعب أن يفي مقالي هذا بكتاب "وعي الهزيمة" وما تناوله من كتب وروايات لكتّاب هم الأبرز على الساحة الأدبية الفلسطينية والعربية، من حيث المضمون والفكرة ومن الناحية الأدبية، يحتاج وعي الهزيمة لدراسات تتناوله باستفاضة، وتقوم عليه الأبحاث.
مبارك لفلسطين وجود أبناء شرفاء يتصدرون المشهد الأدبي، والمنصات الإعلامية أمثال الأديب والإعلامي " أحمد زكارنة"
0 comments:
إرسال تعليق