قراءة في لوحة الرسّام شوقي دلال لمقام النبي شعيب (ع) في حطين


بقلم الكاتبة هبة منيب الدنف

"نقاء بياض المؤمنين"

أمس وبينما كنت جالسة في خلوتي ... أقلّب صفحات القرآن … وأتلو آيات الوِرْدِ في شهر رمضان … شدّني الحنين إلى بيوت الرّحمن … في لحظاتٍ غمرها الإستشعار ، والتّخاطر الرّوحي مُتقمّصٌ دور الرّسول، الذي طرق بابي حاملًا هديّة فيها سحر لا يزول ... وكأنها تأشيرة سفرٍ نحو أرض الصّلاة أو دعوةُ وحيٍ لزيارة قِبْلةٍ تَعَانَقَ فيها القرآن والإنجيل والتّوراة ... إنّها لوحةٌ فيها روحٍ  وريحانٍ من طهر تراب حطّين الزكيّة... وصلتني عبر أثير رسالةٍ من رجلٍ مخضرمٍ ، وقبطانٍ أتقن الإبحار في محيطات الثّقافة ، وخبّأ من جولاته العالمية سرّ تجسيد الأماكن بعيداً عن الماديّة ، فأبدع في رسم الأحلام وجعل للوحاته صوتًا يخبر ما يحاول أن يخفيه الزّمان. 

أرسى سفير الرّسم الدكتور شوقي دلال رحلته على تلال فلسطين حيث "عيوننا إليها ترحل كلّ يوم" ، وحطّ رحاله على مدرّج نيسان ، شهر الوفادة إلى مقام النّبي شعيب عليه السّلام ... وامتشق قرطاسه والقلم ، ومزج بإكسير الشّغف ألوان الشّجن وبدأ يعزف سيمفونيّة القداسة ، بريشةٍ صوفيّةٍ تنثُر عبير المسك والعنبر على بساط ذهب تراب حطين الأصفر . ونقاء البياض يشعّ من بيتٍ غرس الله جذوره في أعماق المسكونة ، التي تشرّفت بوجوده ، واعتمر على سقفه  قبّةٌ تصل برمزيّتها أديم السّماء ، وأمامه ساحات الحرم ... وشجرة السّنديان العجوز يزيّنها العقيق  الأخضر ، تمجلَسَت عند الزاوية تحصي مرور السّنين وتشهد على جمع شمل المؤمنين الذين سكنت في قلوبهم لذّة الرّجاء لقبول زيارتهم للنبي الكريم المعطاء .  هناك حيث السّكينة والهدوء ، يعبرُ الحجّاج القناطر الخمس ويمشون خفافاً وفي صلواتهم عذوبة الهمس، يتضرّعون بالدّعاء ويجدّدون وعود الإيمان الغابرة،  ليأكّدوأ أنّهم على العهد ثابتون .     

لا أدري كم من الوقت مضى، وأنا سارحة في تلك القطعة الفنيّة ، التي اختصرت قصة تتوارثها الأجيال منذ آلاف السّنين و ما زالت تزداد عبرةً ورهبة. إنها سيرة النبي شعيب "خطيب الأنبياء" الحكيم الفصيح، الذي أُرسل نصرةً للمستضعفين والمساكين ووقف بوجه الفاسدين والمتجبّرين وكان هاديًا إلى الصّراط المستقيم . ففيها من الموعظة ما يحي قلوب الخائفين ويبعث الرّجاء في نفوس المظلومين ويثبت بأنّ النّصر والبقاء للحق ، وبأن الفرج آتٍ لا محالة. كل ذلك اجتمع في جمال اللوحة النّاطقة … كلّما تمعّنت بها سحرتني بروحيّتها!!!  وإن أغمضت عينيَّ عشقتها أكثر !!! . 

* هبة منيب الدنف - كاتبة لبنانية


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق