على هامش فعالية “طرابلس في عيون أبنائها والجوار” في USJ حين تصنعُ سيّدات حدثًا استثنائيًا يعجزُ عنه الرجال!





 د. مصطفى الحلوة

برعاية رئيس جامعة القديس يوسف في بيروت البروفسور الأب سليم دكّاش اليسوعي، وبدعوة مشتركة من “حَرَم لبنان الشمالي” في جامعة القديس يوسف، و “مؤسسة الطوارىء”، وجرّوس برس ناشرون، نُظِّمت أمس (الجمعة 9 حزيران 2023) ندوة، حول كتاب “طرابلس في عيون أبنائها والجوار”، فكان يومًا مشهودًا، بكل المقاييس والأوصاف المطلوبة!

حسنًا فعلت الجهاتُ الداعية، بإقامتها هذه الفعالية الثقافية والاجتماعية في صرح جامعي عريق، عراقَةَ المدينة، موضوع هذا الكتاب. فَعَبْرَ هذه الندوة جاءت طرابلس إلى العاصمة، كي تُعلن على الملأ أنها مدينة منحازةٌ إلى ثقافة الحياة، وهي مدينة العيش الوطني الواحد، على رُغم المعاناة، التي تُكابدها، منذ نشوء الكيان اللبناني. وإذا كانت  السُحُب الداكنة قد غيّبت، في العقود الأخيرة، بعضًا من الدور الذي أدّته، طوال تاريخها الطاعن في الزمن، فهي تسعى جاهدةً إلى استعادة هذا الدور، ولإزالة الصورة النمطية، التي يسِمُها بها الإعلام الأصفر !

لم أستطِع مقاومة الدعوة إلى حضور الندوة، كوني معنيًّا بها، إذْ كنتُ في عِداد خمسة وخمسين كاتبًا، أسهمتْ أقلامُهم في إخراج هذا السِفر الرائع إلى عالَم الضوء. علمًا أنّ البحث، الذي قدّمتُه، وهو بحث يغلب عليه الطابع الأكاديمي ، جاء بعنوان: “طرابلس ممتدّة الأذرُع لا الرقعة الجغرافية المُغلَقة على ذاتها!”

..قصدتُ الجامعة اليسوعية، مسرح الحدث، بصُحبة الصديق الشيخ منصور الخوري، وهو خيرُ رفيق، وقديمًا قيل: “الرفيق قبل الطريق!”

إذْ وصلنا، وإثرَ دردشة، مع بعض الأصدقاء، في الفُسحة المواجهة لقاعة المحاضرات، عَبْرنا المدخل، حيث كانت تصطفُّ على جانبيه فتياتٌ عضواتٌ في “مؤسسة الطوارىء”، طفحت وجوههن بابتسامة عريضة، مع ترداد عبارات الترحيب، وتزويد الضيوف بكرّاس Brochure تعريفي بمؤسسة الطوارىء. وعن حُسن الاستقبال، فهو، في عُرفنا، ليس تفصيلًا صغيرًا، بل هو يُؤشّر على نجاح أي حدث إجتماعي أو ثقافي، أو مجرّد حدث.

واستكمالًا لهذه المشهدية، ثمّة كوكبة من طالبات الجامعة اليسوعية، كنّ يتولّين إجلاس المدعوين في أماكنهم المخصّصة لهم، بكلّ لياقة وكياسة !

وأمّا عن عن “متعهّدات” هذه التظاهرة الثقافية الاجتماعية؛ فاديا علم الجميّل، مديرة “حرم لبنان الشمالي” لجامعة القديس يوسف، ومايا حبيب حافظ، رئيسة “مؤسسة الطوارىء”، والآنسة رندة جرّوس (من وراء الستار، وهي منسقة الكتاب)، فحدِّثْ ولا حَرَج!

وعن الأوليين، فاديا ومايا، فلم تهدأا، بل كانتا في حركة دائمة، تروحان وتجيئان، كأمّ العروس، والبِشرُ يملأ وجههما، وترقبان بعينَي صقر كلّ ما يدور وما يجول، على مساحة الحدث! لقد كانتا كنحلتين، لا تَنِيان عن بثّ معسولِ الكلام بين الحضور!

ذلك ما هو مرئيٌّ وظاهر، وما خفيَ فهو أعظمُ شأنًا. وقد نُميَ إليَّ أنهما، وكما أثبتت الوقاىع، وضعتا لمستهما على كلّ ما يتّصل بالحدث، صغُرَ أم كبُر، كي يأتي هذا الحدث، بأجمل حِلّة، ولا تشوبُه أية شائبة!

وأمّا عن العرّاب الأكبر للكتاب الصديق ناصر جرّوس، ناشر الكتاب، فقد كان يُراقب من بعيد، ومن دون تدخّل، لانّه يعلم أنّ هذا الحدث، في أيدٍ أمينة، وعلى المستوى المطلوب!

على هامش المسألة، ولكن من ضمن السياق، وشهادةً للحق والحقيقة، كان للسيدات الثلاث (فاديا ومايا ورندة) أن يُثبتن كم أنّ المرأة جديرة بتحمّل المسؤولية وتجويد أي عمل، لا سيما إذا كانت من “موديل” السيدات المذكورات! وحبّذا لو “ينضبّ” أولو أمرنا من الساسة الفاشلين، متجهمي الوجوه، كي يتولّى العنصر الأنثوي زمام هذا البلد التعِس!

وعن الحضور، فقد غصّت قاعة المحاضرات ببضع مئات، أتوا من العاصمة بيروت، جُلُّهم طرابلسيون “متبيرتون”(نسبة إلى بيروت)، مع غياب ملحوظ لمرجعيات سياسية طرابلسيّة، تمّت دعوتها! وقد غمزت مايا حبيب حافظ من قناتهم! كما كان حضور طرابلسي واسع، جاء من طرابلس، إلى مهتمّين من سائر مناطق لبنان.

وعن المتكلمين، فقد أجادوا جميعهم، بدءًا من رئيس جامعة القديس يوسف الأب البروفسور دكّاش، الذي قدّم مطالعة وافية حول الكتاب، من منظور سوسيولوجي، إلى كلمتي مايا حبيب حافظ وفاديا علم الجميّل، إلى كلمة الناشر الأستاذ ناصر جرّوس، إلى مداخلة معالي النقيب رشيد درباس، إلى مداخلة نقيبة المحامين في طرابلس والشمال ماري تريز القوّال فنيانوس، إلى شهادة الوزير السابق د.طارق متري، وشهادة الإعلامي ألان ضرغام، وشهادة إبنة مايا حبيب حافظ، وشهادة غسان البكري، ووصولًا إلى مديرة الحوار الاعلامية والكاتبة جودي الأسمر قليلات، وعرّيف الاحتفال الأستاذ إبراهيم توما.

..أما عن العِبرة المُستقاة، من هذا الحدث، فتتمثّل في أنّ على طرابلس مبارحة أسوارها الوهميّة، التي أقامتها القوى الظلامية، في غفلة من الدهر! ويحلو لي، في هذا المقام، أن أُنهي بما ختمتُ به بحثي المنشور في هذا السِفر العظيم: “كما العين، التي لاتُبصر إلّا إذا أتاها الضوء من خارج، هكذا، مُقايسةً، فإنّ طرابلس لا تجدّ نفسها، ولا تتلمّسُ سواءَ السبيل، ولا تستطيع تشكيل كيانيّتها إلّا إذا تماهى داخلُها مع خارجها! فالمحيط، الذي يُزنّرها من جميع الجهات، هو علّة قُوّتها، وهي، بالمقابل، قوّة دفعه إلى الأمام. ويبقى السؤال، بل الرهان/التحدّي، الذي يجب وضعُه نُصبَ عينيها: متى تعود طرابلس إلى جوارها، ويعود جوارُها إليها، بل متى تعودُ سيرتَها الأولى؟!”

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق