قسم في مستشفى حكومي بفيينا يعامل المرضى الأجانب كمجرمين


الغربة - فيينا النمسا - ناصر الحايك

سرعان ما سقطت الأقنعة ، أقنعة الوداعة الواهية والإنسانية الهشة والزائفة وانكشفت وجوه ارتسمت على محياها ملامح العنصرية والكراهية للأخر ، لا لسبب وجيه أو قابل للتفسير !!!

بكل أدب حاولنا سؤالهم عن شأن يخص والدنا الذي كان يرقد على سرير الشفاء في مستشفاهم . فاستغربوا السؤال ، أو لم يعتادوا أن تطرح عليهم الأسئلة !!

لم تمض ثواني على طرح استفسار روتيني ، ربما لم يرق للممرضة ذات الشأن العظيم والمزاج العكر !! ، حتى انقلبت أساريرها وأمطرتنا بالمواعظ والحكم المستفزة وكأننا تلاميذ لا نفقه شيئا في أبجديات حقوق المرضى وواجباتهم .

لم تمض ثواني على استماعنا لخطاب الكراهية والكلمات ذات اللهجة الاستفزازية ، حتى انضمت إليها زميلتها "ملاك رحمة " لتطلب منا بعنجهية مغادرة المستشفى دون وجه حق !

وما هي إلا ثواني معدودة أخرى وقبل أن نلتقط أنفاسنا وإذ بطبيب مسؤول لم نره ولم نتشرف بلقائه ولو لبرهة أثناء إجراء الفحوصات الطبية ودون أن يكترث أو يلقى بالا لشكوانا ، إذ به ينضم للفريق ليشكلوا "جبهة الصمود والتصدي" ويهبوا هبة رجل واحد ، فالعدو المفترض لا ينتمي إلى هذه الملة ولا يمكن الوثوق به .

ليت الأمر اقتصر عند ذلك ، بل سارعوا بالاتصال بالشرطة طلبا للنجدة ، التي استنفرت بدورها وهرعت على عجالة للحيلولة دون وقوع "كارثة " لا مؤشرات تنذر بحصولها ، حيث تظاهر أحد عناصرها بأنه "عادل ونزيه" ، لكنه لم يستطع إخفاء تعاطفه مع أبناء جلدته وغير موقفه واحمرت وجنتاه ، حاول الرجل جاهدا أن يتغلب على مكنونه وطبيعته لكنه لم يفلح ، بينما التزم زميله الصمت .

أصدروا حكمهم الفوري دون محكمة ، حكم نهائي غير قابل للنقض ولا للاستئناف.

وكيف لا وهم منزهون ولا يجانبون الصواب أبدا ولا يرتكبون أو يقترفون الخطايا.. ..

المرضى فقط وأفراد عائلاتهم وخصوصا الذين لا ينحدرون من أصول نمساوية ، أو " النمساويون الجدد" كما يحلو للبعض تسميتهم يجب أن يدانوا "وياكلوا هوا " ويقدموا اعتذارهم على الفور ويصمتوا وإلا ....سيطردون من المستشفيات شر طردة .

لم أكن أعلم بأنني تشكلت على هيئة شبح مفزع ، أثار الرعب والذعر في نفوسهم لأنني "طويل القامة" ، كما أفاد طبيب "الغفلة" عندما وصف العرب بأنهم انفعاليون ، طبيب لا يبدو عليه بأنه بالغ الذكاء .

لم أكن أعلم بأنني على هذا القدر من الخطورة أو أشكل تهديدا !! أو لعل مكوثهم لساعات طويلة في المستشفى أصابهم بهلاوس بصرية !!!

استدعاء الشرطة لأتفه الأسباب كلما " دق الكوز في الجرة" يدل على أن هذه الفئة القليلة لا تتقبل أصلا فكرة اندماج الأجانب في المجتمع النمساوي والعكس ليس صحيحا وأن نظرتهم للأجنبي أو النمساوي ذي الأصول الأجنبية ، نظرتهم لا تتعدى كونه مجرما أو مشتبها به ، يجب إيقافه عند حده وردعه قبل أن يرتكب مصيبة وهمية لا وجود لها إلا في مخيلتهم .

هذه القلة المؤلفة من ممرضين وأطباء وشرطة وغيرهم تقلب بتصرفاتها الحمقاء خطط الدولة والساسة والأحزاب رأسا على عقب ، خطط وبرامج ومخططات تواكب الانفتاح على الأخر وتتقبله وتكلف الملايين فيما أصبح متعارفا عليه بإسم " الاندماج" .

محاولة قذف الكرة في ملعب الضحية وتصويره على أنه الجلاد ، أمر أصبح في غاية السخف ومرفوضا جملة وتفصيلا .

نحن لا نضمر العداء لدولة حضنتنا ومنحتنا حق الإقامة والتجنس ، لكننا لسنا أرباب سوابق أو مدانين ولسنا مضطرين دائما أن نثبت براءتنا ، ولن نقبل أن نعامل وكأننا من" أم ثانية " أو مخلوقات غريبة هبطت من الفضاء أو متطفلون أو مواطنون من الدرجة الثانية لأننا مختلفو الثقافة والديانة واللون .

سنثير هذه القضايا في الصحف العربية والأجنبية والنمساوية وبعدة لغات أخرى وسنطرق أبواب المؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان في النمسا والإتحاد الأوروبي وسنسلط الضوء على هذه المجموعات المسيئة والرافضة لنظرية التعايش المشترك وفكرة الاندماج سواء كانوا من الشرطة أو موظفين أو أطباء لا فرق .

تنويه : هذه الرواية حقيقية وحدثت معي شخصيا في قسم الجراحة بمستشفى (لاينز) الكائن في الحي الثالث عشر بالعاصمة النمساوية- فيينا ، حدث ذلك بتاريخ 16/3/2012 الساعة الخامسة والنصف مساء .

CONVERSATION

1 comments:

  1. هذه هي العنصرية المقيتة لمن اراد ان يدرسها اويتأكد من وجودها.
    فهي ظاهرة تخالط الدم والعظم وليس من مفر لمن اصيب بهذا المرض غير التطهر من كل ما يربطه بها.
    للاسف البعض من هنا او هناك يسوغ ويبرر ويدافع بكل وقاحة وايضا جهل عنها.
    ارجو اعلام المسؤولين ولا بد من وجود البعض ممن يتسمون بالعقلانية وعلى الاقل القدرة على التعاطي مع (هؤلاء الغرباء).

    ردحذف