حاورتها: ياسمين المساوى
صورها : محمد حجازى
القطة كيتي والقط لولو كانا أول من استقبلنى عندما طرقت باب منزل الكاتبة والشاعرة فاطمة ناعوت بكل ود وترحاب .. هى أيضا غمرتنى بنفس حرارة الاستقبال من نظرة عينيها وسلام يديها .. أجلستني على أريكتها فنظرت حولي لأجد رموزا وتماثيل لشخصيات تدعو للمحبة والسلام والحب مثل تمثال السيدة العذراء، إيزيس، ماعت ربة العدل عند المصريين، وأثينا ربة القوة عند الإغريق، وغيرها، فأدركتُ لماذا حصلت ناعوت على جائزة جبران للإنسانية.
وكان لـ«نصف الدنيا» معها هذا الحوار.
-حصلتِ مؤخرًا على جائزة جبران خليل جبران ..كيف استقبلتِ نبأ الفوز بتلك الجائزة؟
أبلغوني بفوزي وسوف أتسلمها في نوفمبر القادم، وهي جائزة عريقة منذ الثمانينيات وتمنح دون التقدم لها، وهذا من ضمن أسباب فخرى بها لأن الشاعر لا يسعى بل يُسعى إليه، فلم أسع فى حياتى قط إلى جائزة، حتى الجائزة الأولى للشعر العربي التي حصلت عليها من هونج كونج في عام 2006 حصلت عليها بترشيحات اللجنة وكانت عن ديواني الخامس «قارورة صمغ».وبالنسبة لجائزة جبران أشعر بالفخر لاقتران اسمي باسمه وأعتبر ذلك بمثابة مسئولية كبيرة، ونجد أن من حصل على الجائزة من مصر قبلي هم أسماء لها كل التقدير منهم محمود أمين العالم والذي كتب لي مقدمة كتابي «الكتابة بالطباشير» ،والجائزة تمنح من رابطة إحياء التراث العربي في سيدني بأستراليا التي يترأسها السيد إيف خوري، كل عام لأدباء أو سياسين أو شعراء ولكن الأساس هو أن تكون رسالتهم تخدم الإنسانية والمحبة والسلام مثل رسالة جبران رسول المحبة والسلام، التي كانت كتابته كلها تحث عن المحبة كما غنت له فيروز من قبل «إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها، وإذا المحبة خاطبتكم فصدقوها».ويبدو أنهم رأوا أن كتاباتي تهتم بالأقليات والمرأة وأطفال الشوارع والمهمشين بشكل عام وكل من تُنتقص حقوقه فقرروا أن يهدوني تلك الجائزة .
-هل ستقدمين عملا أدبيا جديدا خلال الفترة المقبلة؟
نعم، سوف يصدر لي كتاب جديد (لم أقرر عنوانه بعد ) قريبًا من الهيئة المصرية العامة للكتاب وهو عن المحبة والمرأة والأقليات والتطرف الديني والإرهاب، وأهدي هذا الكتاب إلى رسول السلام «جبران خليل جبران»، والزعيم الرقيق العذب «غاندي»، والفيلسوف المستنير«ابن رشد»، و«ابن عربي» المتصوف العلامة، لأنني أعتبرهم آبائي. فكل من ترك بصمةً فيّ وكل من علمني حرفًا فهو أب لي.
-هل لكِ آباء وليس أمهات ؟
ضاحكة: كل من أثار إدراكي وحيرتي وأثار بداخلي أسئلة أربكتني فهو من أسلافي سواء رجال أو سيدات.
لماذاترفضين الجوائز المادية؟
أتعجب من الجوائز المادية وممن يفرحون بتكريمهم على أعمالهم الأدبية التي لا تقدر بالمال، وهذا على الرغم من احتياجي للمال، ولكن فكرة المكافأة على الرسالة التي أقدمها كما لو كنت أبيع تلك الرسالة.
-كان السبب الآخر لحصولك على تلك الجائزة هو لغتك العربية الرصينة، فكيف تمكنتِ منها؟
تمكنت من اللغة العربية الفصحى بسبب قراءتي منذ طفولتي لأمهات الكتب مثل أغاني الأصفهاني والشوقيات وغيرهما وحفظي عدة أجزاء من القرآن الكريم. والسبب الآخر هو أنني كان لي جد فقد بصره في حادث وكان عاشقًا للقراءة وموسوعي في الثقافة فتحولت «محنته إلى منحة لي»، وبدأت أشرع في القراءة له وكنتُ أغلط كثيرًا ويصحح لي أخطائي حتى تمكنت من الفصحى، وتفوقت على زملائي في المدرسة في اللغة العربية والأدب.
-كيف انتقلتِ من عالم المعمار إلى أجواء الأدب، ولماذا لا نراكِ على مقاهي المثقفين؟
قرأت كثيرًا فشرعت في الكتابة، ودخلت الوسط الأدبي عام 2000 بعدما نهلت من كتب العقاد وجبران و=عبدالصبور وطه حسين وحقي والحكيم وإدريس وغيرهم، فضلا عن أدباء روسيا وأوروبا وأمريكا. .كنت مختلطة بعالم المثقفين في مقاهي وسط البلد شيئًا ما ولكني بعدت عنه تمامًا في 2003 عندما وجدت أن أحاديثهم في معظمها أحاديث نميمة ومعارك صغيرة ومراهقات فكرية. فانعزلت ي مكتبي لتنمية معيني الأدبي والنهل من القراءة والتفرغ للكتابة. هذا هو عالمي الذي أجد نفسي به. فمن المؤلم تناحر المثقفين على المقاهي حول تفاهات.. لا حول قيم ومبادئ وقضايا تهذيب العالم وتثقيف الإنسان !
-ما رأيك في وضع الأدب النسائي حاليًا ؟
لا أعترف بهذا المصطلح ويسمونه «الأدب النسوي» على الرغم من كتاباتي عن المرأة ومعاركي من أجلها. وثمة أدب يكتبه رجال على لسان امرأة مثل كتابات نزار قباني التي تفوقت على كتابة المرأة عن نفسها، فبماذا نصنفها إذن. المرأة هي الوطن وهي الذات العليا في قصائد كثيرة، لهذا نجد شعراء مجدوا أوطانهم في صورة حبيباتهم وشعراء صوفة كتبوا قصائد عشق في الذات الإلهية وكأنهم يكتبون عشقًا في المرأة. أنا أكتب كتابة إنسانية وأحترم هذا النوع من الكتابات، فأنزع النوع عني وعن القراء، لأن النوع شيء خاص جدًا لا يخرج عن نطاق حجرة النوم. فلا أنهج الكتابة النسوية ولا أعترف بها. وعلى النقيض أعترف بالثقافة «الأنثوية» وهو مبدأ الانتصار لقيم مبادئ الحب والخير والجمال. ومبدأ تأنيث العالم هو الجنوح للسلام في كل شيء. فأنا أنتصر لمذهب الأنثوية وليس النسوية.
-إذا رصدنا تجربة إنسانية في حياتك فما حكايتها؟
نهجتُ منذ طفولتي مبدأ "عقاب النفس" إن أخطأت. وأتذكر حادثا لم أغفل عنه أبدًا «كانت هنالك امرأة (شحاذة) بجانب مدرستي الابتدائية، وتعودت أن أأقتسم معها مصروفي كل يوم قبل دخولي المدرسة. وفي أحد الأيام لم أعطها شيئا من أجل شراء مجلة ميكي. حين عدت إلى البيت نظرتُ إلى المرآة فوجدت شكلي دميم جدا، فأدركتُ أن المرآة تعاقبني. "ذنبت" نفسي بالوقوف ساعة على أطراف أصابعي وذراعاي مشرعتان في الهواء عقابا لنفسي. ولم أفعل ذلك ثانيةً»، ولي قصيدة عنوانها (عقاب المرايا). ومنذ ذلك الحين لم أسمح لنفسي بالتقصير في حق إنسان أو أي كائن حي.
-لماذا لم تفكري فى تحويل أحد أعمالك الأدبية أو الشعرية إلى عمل فني؟
ردت ضاحكةً ومُستعجبةً: هل تتنبئين ؟!«هذا خبر لم أفصح عنه من قبل وسوف أعتبره حصريا لعزيزتى مجلة نصف الدنيا.. بالفعل كلمني صديقي الفنان الجميل «هاني سلامة» منذ أيام شهور ليطلب مني أن أكتب له قصة وسيناريو وحوار عدة حلقات في مسلسله الجديد الذي سيعرض في رمضان المقبل 2015، وقال لي «إن كتاباتي ومقالاتي فيها الحس السردي الذي يصلح لكتابة السيناريوهات وبها القيم التي يحتاجها جمهور التليفزيون في مسلسله الجديد بعدما قدم مبادئ دسمة للجمهور من خلال أولى مسلسلاته "الداعية”. ووافقت تحت إصرار وديكتاتورية الفنان محمد صبحى على أن أكتب لأول مرة بالعامية أغاني مسرحيته الجديدة «خيبتنا» وأكتب له أغاني بالفصحى لمسرحيته الأخرى.
-متى يعود حق المرأة؟
المرأة نفسها هي الظالم الأول للمرأة وهي من تهدر حقوقها بيديها. هناك ثلاثة أعداء كلاسيكيين للمرأة لابد من مواجهتهم لتمتلك المرأة زمام أمرها. وهم:المجتمع الرجعي غير المستنير و الرجل المأزوم غير السوى، وسوء تأويل النص الديني، وعلى الرغم من ذلك لا أختصم هؤلاء لأنهم يحتاجون إلى جهد مؤسسي ضخم وقليلًا ما أكتب عنهم. ولكنني اختصم المرأة نفسها، فهي التي تتواطأ مع أولئك الأعداء الثلاثة لتصنع من نفسها عدوًا رابعا على نفسها.
-ما أكبر مشاكلك مع المرأة؟
خذي مثلا بسيطا، تهاونها في أقل شيء يخصها «اسمها»، فأقسى شيء أن تنسى المرأة اسمها ليصبح اسمها على سبيل المثال «أم محمد».قابلتني ذات مرة امرأة اسمها «أم سيد» وعندما سألتها عن ابنها سيد فوجئت بأن ليس لديها أولاد لكن من العار أن ينادوها باسمها مجردًا دون "عكاز" (اسم رجل) فسموها باسم والدها حتى لا يلحقها العار بسبب اسمها!!
-فاطمة ناعوت الكاتبة والعاشقة للثقافة والمناهضة لحقوق المهمشين والضعفاء كيف ترى حياتها كامرأة؟
أقول دائمًا إنني محظوظة جدًا بزوجي وأسرتي وقرائي، فزوجي هو «اللي شايل الليلة» وبدونه ما وصلتُ إلى ما وصلت إليه وما حققتُ شيئًا.
-قصة حب أم زواج تقليدي؟
ضاحكة: قصة حب على كتاب. فكان لقاؤنا على كتاب كنت أقرأه بين المحاضرات في الجامعة شاهده على لوحة رسمي فأعجبه فأخذه. ثم طلبني في مكتبه- حيث كان معيدًا علينا بكلية الهندسة جامعة عين شمس. فذهبت ووجدت كتابي (Stories from the Opera) على مكتبه فأهديته إليه، وبعدها طلب يدي للزواج. وكان زوجي يعلم أن زوجى الأول هو الكتاب ولم يتضايق أن يصبح الزوج الثاني. فنحن أسرة تقدر العلم والثقافة، وكان عونًا لي ووفر لي مساحات كبيرة للعمل والخلوة للقراءة والكتابة.
-ماذا عن أولادك؟
كان أيضًا زوجي عونًا لي مع أولادي «مازن وعمر»ويشاء الله أن يصاب عمر بالتوحد وكان ذلك بمثابة الشوكة في ظهري، ولكني الآن أرى ذلك هدية من الله، كما تحول عمر إلى مصدر إلهام لي.
-ما أكثر الأشياء بهجة بالنسبة لكِ في الحياة؟
البيانو، حُرمت من تعلم المزيكا بكافة أنواعها في صغري وكانت أولى الأمنيات التي حققتها في كبري هي شراء البيانو ومحاولة العزف عليه.
0 comments:
إرسال تعليق